ê Please wait until the rest of page downloads ê

 

 

نديم ميشيل … أفسح من الحياة !

 

Nadim Michelle

(Click here for the full-size image)

 

Nadim Michelle … Larger than Life!

 5-8 أغسطس 2006 : 20060809 11:44 ص بعد استيقاظ متأخر وقبل النزول لشراء مزيد من نسخ الأهالى والذهاب لكوركت لاين ورحل نديم ميشيل اسحق ميخائيل مزعبر رقم قومى بدون مزعبر 24502220100975 10 شارع محمد صدقى باب اللوق مسيحى بالمعاش ذكر أعزب مستخرجة 7 / 2003 الزيتون . مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية ، قسم الجنسية ، شهادة 23 / 57 / 2531 . فى 4 / 10 / 1977 . من مواليد القاهرة فى … . محمد أمين تم اعتقاله 25 ديسيمبر 1978 . تقابل مع نديم فى المحكمة أوائل 1979 ، وخرج محمد أمين بعد 93 يوم من التاريخ المذكور ، وخرج نديم بعده بنحو بنحو ثلاثة أسابيع ( 22 فبراير 1945 - 5 أغسطس 2006 ) !

الناس نوعان : نوع أكبر من الحياة ونوع أصغر منها . أفسح أو أوسع أو أكبر من الحياة هو ذلك التعبير الإنجليزى الذى يعنى أن الحياة برمتها لا تستطيع أن تتسعك . هذا لا علاقة له بسعة العيش ولا بضيقه ، لا علاقة له بشىء إلا روح الشخص نفسه . شخص لا يتذلل للحياة أبدا ، لا يتكالب على شىء ، لا الثروة لا المتع لا شىء . الحياة هى التى تأتيه ، وحين تأتيه ‑وهى عادة ما تأتيه راكعة معظم الوقت‑ ينهل منها حتى آخر قطرة ، لكنها فى المقابل لا تنال منه أبدا . الأوسع من الحياة لا يحارب أحدا ، لا ينظر لشىء فى يد أحد ، ولا يتهافت على شىء أيا ما كان . فقط يعطى ولا يأخذ . ولو حارب فهو فقط يحارب نفسه ، يتحامل عليها ولا يتحامل على أحد ، يجعلها تبذل مجهودا أكبر ، يجعلها أرقى وأنبل وأكفأ وأفيد . وهكذا فقط يفهم كيف تشق طريق حياتك فى عالم تنافسى شرس ، وكيف تسمو فوق الطبيعة وقوانينها . قد ينجح وقد لا ينجح . قد يصيب الثراء والشهرة والمجد وقد لا يصيب . لكن فى كل الأحوال يصيب شيئا واحدا على الأقل : إكبار الجميع له !

مثل هذا الذى يعيش الحياة بفروسية ، يرحل عنها أيضا بفروسية ، ومن حوله يتمتمون : نحن فخورون بأن عرفنا يوما مثل هذه الروح السامقة !

Nadim Michelle

(Click here for the full-size image)

Al-Ahaly, August 9, 2006!

تعارفنا جاء ذات يوم من ربيع سنة 1979 . فى ذلك اليوم قال لى صديقى الحميم الناقد أمير العمرى ، تعال أعرفك على شخص من أنبل الناس وأنقى الناس . فى تلك الأيام كان نديم خارجا للتو من السجن ( قضية كان اسمها تنظيم طليعة نوڤمبر ، ويبدو أنه لم تكن تنظيما جديا جدا ، بحيث كلما تذكره أحد ، بما فى ذلك نديم نفسه ، تذكره ببعض من الطرافة والاستخفاف ! ) . إذن أمير هو رقم 1 وأنا رقم 2 ، فى تنظيم نديم الجديد ، تنظيم أصدقاء شقة الدور الثانى 10 شارع محمد صدقى بباب اللوق . هذا التنظيم عاش للأبد . فى ربع القرن هذا ، أو للدقة 27 عاما ، سقطت تنظيمات وأحزاب ودول ، لكن ذلك التنظيم عاش ازدهارا متواصلا . رقم 3 كانت الصديقة عفاف مرعى ، ثم سرعان ما اتسعت الدائرة ، بلا قواعد ولا شروط . فقط الشرط الوحيد الذى وضعه نديم ، الإخلاص فى الصداقة . فى البداية كان الطابع الغالب هو دائرة المهتمين بالسينما . ثم أصبحت تضم المهتمين بأى شىء ، من جميع التخصصات ، من أرفع المستويات الأكاديمية ، ومن أشهر الكتاب ، حتى أبسط أو أصغر الناس سنا ، يحسن ‑ربما على العكس من معظمنا‑ فهمهم جميعا ، ويجدونه كلهم مثقفا قديرا وحلو المعشر معا . لو سألتنى عن عددهم لقدرتهم بالعشرات ، لكن لم أعرف أن عضوية التنظيم باتت بالمئات ، إلا ونحن نكتب النعى الخاص بجريدة الأهالى . تذكرنا نحو مائة اسم ، ثم فوجئنا بمائة آخرين يعنفوننا أشد التعنيف أن نسيناهم ! [ ظهر النعى الأربعاء 9 أغسطس ، ومعه التأبين المؤثر من الصديق محمود حامد ] .

Nadim Michelle and Milo

(Click here for the full-size image)

Nadim and Milo!

’ أختى مسيحية وأنا ماركسى ، لكننا نمارس ذات الشىء بالضبط ، العمل العمومى والمجهودات الطوعية ‘ . هكذا سمعتها منه أكثر من مرة ، متذكرا مثلا نشاطهما المشترك أيام حربى 1967 و1973 ، وأعتقد أنها ‑أى تلك العبارة‑ كانت المفتاح الرئيس لفهم عقله الجميل . الاشتراكية بالنسبة له كانت النبل . التعاطف مع الضعفاء كان يمثل بالنسبة له أنقى وأرقى وأشرف ما يمكن للمرء فعله فى حياته . لم تكن الاشتراكية أيديولوچية ولا دوجما ولا سياسة ولا شعارات ولا حتى ثقافة ، فقط كانت هى الخير ، ولا شىء آخر ، وما عدا ذلك هو لزوميات جانبية فيها . هذا كان بالنسبة له أقرب لأسلوب حياة منه لأيديولوچية . وكان بالفعل يمتد لكل تفصيلة فى حياته ، بما فيها مثلا لو شئت ، حبه للحيوانات ، هذا الحب الذى قد يعتبره البعض أحد أكبر المؤشرات لإنسانية الإنسان . وأذكر منها على مدى تلك العقود ، قطين أبيض ورمادى فخيمين مهيبى الهيئة من نوعية القطط التى تظهر فى أفلام چيمس بوند . ثم كلب بسيط متواضع الحال ، فأخيرا آخر ذهبى من سلالة مميزة كان اسمه مايلو ( اسم كلب تن تن ، وقد اختار الاسم حفيداه وصديقاه ميشيل ونادين ابنا ميرى ابنة أخته نادية ) ، لم يتركه إلا حين شعر بأنه لا يقوى على جهد رعايته أو نظافته أو التمشى به وما إلى ذلك .

قراءته الأخلاقية للاشتراكية جعلته مفرط الحساسية لأى ارتزاق باسمها . حبه غير النهائى للأصدقاء يضمحل رغما عنه حين يستشعر شيئا كهذا فى أحد ما . عنده الاشتراكية ليست حرفة ولا زعامة ولا شهرة ولا نفوذ ، وقطعا ليست طريقا للثراء . عنده الاشتراكية رسالة ، الاشتراكية سلوك ، الاشتراكية أسلوب حياة ، ومن يتكسب باسمها لا يمكن أن يكون اشتراكيا .

قد لا يعجب هذا الكلام منى معظم أصدقائه كثيرا . لكن لأنى من القليلين منهم ممن لا يتبنون كثيرا أفكار اليسار ، فقد تكون رؤيتى لعقلية نديم رؤية مختلفة . هو كان منفتحا لكل الأفكار . حين تكون بعيدا نسبيا فى أفكارك ، ويصعب أن تجد من يوافقك عليها فى تلك الأوساط الثقافية ، يكون من يفهمك من الوهلة الأولى ، عملة نادرة . نديم لم يكن يفهم فقط ( وهى طايرة كما يقولون ، مقارنا بعقول مغلقة ربما لا تسمع أصلا ) ، بل كان يفكر فى كل شىء .

رأيى الشخصى أن عدو نديم الحقيقى ، لم يكن الرأسمالية ولا أميركا ولا الحكومات . عدوه الحقيقى كان التخلف . كان يستشمه فى أى شىء ، ولم يكن يرحمه سواء رآه فى أثرى الأثرياء أو فى أفقر الفقراء . من هنا كان تلاقينا الفكرى ‑هو وأنا‑ أكبر بكثير من خلافاتنا . وكثيرا ما يخيل لى أنه أقرب لى بكثير من قربه من بقية أصدقائنا من اليسار . لكن هنا يوجد الوجه الآخر والأهم . هو ليس أقرب لأحد بعينه . قبل الكثير من الأفكار التى لا يقبلها أصدقاؤه من المثقفين الأكثر تقليدية ، ويرونها كفرا وربما يخاصمونك بسببها . فى تقديرى أن مما ساعده على هذا أنه ذو جذور يونانية بالأصل ، ثم أن هاجر أخواه لأستراليا ، ثم أخته لاحقة بأبنائها لأميركا . كذلك أن من خلالهم صاهر وتعارف على الطبقات التى يمكن وصفها حتى بالأرستقراطية . حتى وظيفته المهنية أضافت له الكثير بهذا الشأن . كان مسئولا عن مكتب الاتصال بوسط المدينة ( 28 شارع شريف ) لشركة لانا لمعجون الأسنان . ليست وظيفة كبيرة كما قد تبدو ، فهو لم يكن يرأس سوى سكرتيرة واحدة . لكن هذه الوظيفة كما أتاحت له التعرف على طبقة الشغيلة بكل حسناتها وسيئاتها ، أتاحت له التعامل مع أعلى المستويات المجتمعية . حيث كان مقربا جدا ، على صعيد شخصى ويومى ، لصاحب الشركة محمد طاهر وزوجته الأكاديمية الشهيرة د . نعمات أحمد فؤاد ، ومن خلالهما لفئات متنوعة من الطبقات الراقية ومنتدياتها … إلخ . هذا الوضع استمر حتى منتصف التسعينيات ، حيث أصيب نديم بكسر غير قابل للالتئام فى أسفل ساقه اليمنى ، واضطر للتقاعد . كما أن الشركة نفسها قد أغلقت بعد قليل ، بالطبع بسبب فشلها فى منافسة الماركات العالمية المعروفة .

هذا كله جعل عقل نديم مفتوحا للغاية على أى فكر وأية طبقة . مع ذلك أضيف أن هذا العقل المفتوح جدا ، العلمانى جدا ، يصعب جدا أن تدخل فيه فكرة ما بسهولة . اسأل أى صاحب رأى ، فعدم اقتناع الآخرين بما نقول هو واحدة من مشكلات كل منا المزمنة . أحيانا البعض ينبهر بأفكارك ، وأحيانا أكثر ينفر منها آخرون بشدة . نعم نديم يقتنع بالكثير مما يقرأه أو مما أقوله أنا أو غيرى . لكن ليست كل فكرة يمكن إدخالها بسهولة إلى ذلك الدماغ . هو يمحص كل شىء أشد تمحيص . وكثير جدا لا يمكن إدخاله إليه أبدا . لكن البعض الذى يدخل هذا ، يصعب أيضا إخراجه بسهولة ، ويحتاج لتمحيص أكبر وأكبر . لقد كان دائما أقرب لقناعاته الحرة ، وليس لأية منظومة ولا لأى أحد . هو صديق الجميع ويناقش الجميع ويمحص آراء الجميع ، يقبل منهم جميعا بعض الأفكار ويرفض أخرى ، وهذا كله إجرائية لا تنقطع أبدا . إنه باختصار مفكر مستقل بكل ما يمكن أن تحمله الكلمة من معان !

هذا عن كيف تدخل الأفكار لدماغ نديم دائبة الحيوية دائما أبدا ، وعن الخصائص الفكرية العامة له . لكن كيف تدخل أفكاره هو لأدمغتنا نحن . هنا أزعم أن أثره على أى من منا ، أكبر بكثير من أثر أى منا عليه . هو قارئ موسوعى . هو خبرة حياة تفوقنا جميعا . أنت تستفيد طوال الوقت سواء شعرت أم لم تشعر . هو أولا أكثرنا جميعا قراءة . هو أكثرنا خبرة وانفتاحا على جميع الفئات الاجتماعية ، قديمة أو معاصرة ، محلية أو أجنبية ، ثرية أو فقيرة .

ثانيا هو مهتم على نحو خاص بالأفلام وبالنجوم ، مصرية وأجنبية ، قديمة وجديدة ، كل شىء . باختصار ، كان موسوعة متنقلة للسينما ، وإن ‑هكذا يجب القول‑ دون أن يسمح لها أن تكون كل شىء فى حياته أو فى جوانب ثقافته . كان عضوا لكل الجمعيات السينمائية بدءا من جمعية نقاد السينما المصريين ، حتى سائر الجمعيات التى تنشط فى عرض الأفلام . كان يبهرنا بحصوله أكثر من مرة على العضوية رقم 1 فى تلك الجمعيات . لكن هذه قصة أخرى ، ترتبط أكثر بما ذكرته عن صرامة الإنسان مع نفسه . فدقة نديم فى المواعيد والطقوس اليومية وفى الطعام وفى ساعة النوم … إلخ ، دقة هائلة . وفى هذا السياق يأتى أن يدفع اشتراكات الجمعيات وفواتير التليفون وفواتير أى شىء فى اليوم الأول فى الساعة الأولى !

أيضا كان مسئول النشاط السينمائى بحزب التجمع . كان يضع البرامج ، ويأتى بنفسه بنسخ الأفلام من كافة المصادر التى يمكن تخيلها ، رسمية أو ثقافية أو أجنبية أو تجارية أو حتى شخصية . مكتبته الڤيديوية رائعة وهائلة . كذا مكتبته المطبوعة .

مشاركته فى كتابى ’ دليل أفلام الڤيديو ‘ ( 1987 ) و’ دليل الأفلام ‘ ( 1998 ) ، لم تكن أول ولا آخر معاونة تلقيتها منه . كان يشاهد الأفلام ويصنع لى نسخة منها ، أو على الأقل نسخة من عناوينها . للأسف كان خطه رديئا للغاية . كان شيئا مثبطا جدا ، وربما لولاه لكان قد أصبح اليوم أحد أكبر كتابنا . كان يملينى ما يريد قوله عن الفيلم ، تلخيصا ونقدا ، وطبعا كان ما يقوله يظهر فى الكتاب كما هو . وطبعا طبعا لم يكن لكل هذا من أجر بالمرة . فقط التعاملات العادية جدا بين الأصدقاء يطلب منك أو تطلب منه نسخة من فيلم ما ، كتاب ما ، أو شىء كهذا . وطبعا فضائله أكبر وأسرع دائما من أن يسدد دينها أحد .

علميا وفكريا إسهاماته اليومية كانت تأخذ ، فيما تأخذ ، صورة تصحيح المعلومات بمجرد القراءة . يقرأ ويرفع الهاتف ليخبر المؤلف أو المؤلفة بغلطة استشعرها . مثل هذه الوقائع لا تعد ولا تحصى ، وكلها يظهر أثره حين يعاد إصدار تلك المؤلفات مرة أو مرات أخرى . أصدقاؤه يرددون تلك الوقائع طوال الوقت ، وربما أكثرها شهرة بينهم أن صحح لمؤسسة صحفية عريقة بعض ما جاء فى تقرير مرجعى لها لما يسمى بالحالة الدينية . أما أحدثها فهو واقعة حضرتها بنفسى ، حيث رفع التليفون ليحادث صديقا ناقدا ألف كتابا يفترض فيه الموسوعية ، عن دور اليهود فى السينما المصرية . وراح يقول له كيف نسيت نجمة إبراهيم ، كيف مر عليك هذا ، وكيف فاتتك تلك . ذلك كله من مجرد الذاكرة ، من وحى اللحظة ، ودون الرجوع لأى شىء أو أى أحد . فالأرجح أن لو كان ثمة مرجع مطبوع أو حى لمثل تلك المعلومات لعثر عليه مؤلفو تلك الكتب من البداية .

لذا ثالثا هو على نحو أخص موسوعة فى طوائف وأقليات ما قبل 1952 . مثال هذا مدخل هذا الموقع عن الفنانين والفنانات المصريين باختلاف خلفياتهم الدينية ممن تعلموا فى مدارس كاثوليكية ، وأصبحن بالذات كفنانات الأكثر جرأة واتساقا مع الذات فى زمن التزيف الدينى الحالى . نديم كان بالكامل تقريبا هو مرجعى الوحيد فيه . أنت بمجرد أن تطرح الفكرة التى تنتويها ، حتى تفقد اعتزازك أو خيلاءك بها ، إذ تكتشف أن لها أبعادا وأبعادا لم تكن لتخطر ببالك قط . إن نديم يملك ، سواء علم أم يعلم ، قصد أم يقصد ، القدرة على إثراء حيوات وعقول كل من عرفوه ، وأن يسبغ عليهم من تواضعه ما لم يكن ممكنا أن يتعلموه فى مكان آخر .

هو أيضا موسوعة فى القاهرة ككل ، وفى منطقة وسط المدينة بالأخص ، مبانيها محالها شوارعها ، وتاريخ كل منها بالتفصيل ، بما فى ذلك ما كان قائما واندثر الآن . على الأقل من منا يمكنه مثلا تذكر كل دور العرض السينمائى البائدة فى القاهرة وسطها وأطرافها .

حتى هو موسوعة فى الميول الجنسية الخاصة أو المثلية لشهيرى وشهيرات المجتمع المصرى . ولا تعرف أبدا كيف تسنى له معرفة كل هذه المعلومات ، سوى فضوله الشديد للمعرفة . زائد أنه على اتصال عميق شخصى وحميم بكافة الأوساط مهما تنوعت أو بدت غريبة ، بحيث لن تستغرب إن أفضى له أى أحد بأدق أسراره الشخصية !

بكلمة ، لو كانت مكتبتى أو حواسيبى قد احترقت كلها اليوم ، لكانت خسارتى من الناحية المهنية المحضة أهون بكثير من فقدانى لنديم ميشيل . ذاكرة نديم هى مكتبتى للكتب النادرة ، وأرشيڤى للمعلومات الفريدة المتفردة . إنها الشىء الذى يستحيل أن تعثر عليه فى مكان آخر . وأزعم أنه كان كذلك للكثيرين والكثيرين .

المركز الكاثوليكى للسينما قصة أخرى قائمة بذاتها . كل من يكتب عن السينما للصحافة أو للتليڤزيون ، يذهب بالضرورة تقريبا ، لهذا المركز لاستقاء المعلومات . كل واحد من هؤلاء مدين لنديم ميشيل على نحو أو آخر ، وتأكيدا أكبر بكثير مما يتخيل . منذ رحل الناقد والمؤرخ السينمائى الكبير ، أو الأكبر ، فريد المزاوى ، ويحاول الأب يوسف مظلوم مواصلة الجهد الأرشيڤى والمعلوماتى الذى جعل من هذا المركز القاعدة الأكبر لمعلومات السينما فى مصر . لم يحقق المركز الكثير فى هذا الشأن ، إلا عندما تقدم له نديم طوعيا ، وأقول من جيبه الشخصى لفترة طويلة . بحسه الثقافى والتطوعى معا ، استشعر أن ثمة خللا ما قد حدث ، وتقدم لملء الفراغ ، الفجوة التى ارتأها تحدث فى معلومات السينما وعتادها النقدى فى مصر . كان يشترى أغلب إن لم أقل كل الصحف والمجلات الناطقة بالعربية . وكانت البداية أن راح يهديها كلها للمركز الكاثوليكى بعد أن يقرأها . كانت ثروة هائلة ، على الأقل لأن أحدا لم يكن ليحصر أصلا كل ما يصدر بدقة وحصرية تامة ، ثم قراءتها وتنويه باحثى المركز لما يراه مهما منها . المركز كما نعلم جميعا ، جهة محدودة الموارد ، وبعد فترة بدأوا يحاولون تعويض نديم بثمن تلك المطبوعات المتزايد . لكنه كان يصر طوال الوقت على أن يكون البعض منها هدايا بلا مقابل ، زائد بالطبع أنه لم يكن يتقبل أى مقابل مادى للمجهود الهائل نفسه .

بالطبع لا أحد منا يتمنى أن يشعر أحد أو مكان بالضعف أو التراجع ، لكن الحقيقة الواقعة أن نديم ليس بالشخص الذى يمكن تعويضه أبدا . وإلى أولئك جميعا ‑بالذات جيل معدى التليڤزيون الشبان والشابات‑ أقول إن لاحظتم بعد عام أو عامين ، أن بدأت تظهر فجوات أو فترات ضعف فى مواد المركز الكاثوليكى للسينما ، أرجوكم أن تذكروا ساعتها اسم شخص يدعى نديم ميشيل !

آخر خدمة يقدمها نديم للمركز الكاثوليكى : أوصى بمكتبته إليه .

لو سألتنى قبل ستة شهور عن الشىء الذى يمكن أن يكسر نديم ، لضحكت فى وجهك ساخرا ، وقائلا بثقة عمياء ’ لا شىء ! ‘ . فى الأسابيع الأخيرة بدا أن هذا ليس صحيحا جدا . تفسيرى الشخصى ، ولحد ما يوافقنى البعض عليه ، هو إصابة أخته نادية بفشل كلوى أقعدها بحيث تيقن أنها لن تأتى لمصر مجددا فى زيارتها الصيفية المعتادة ( التى بالمناسبة أظفر منها أنا شخصيا ببعض هدايا الكتب القيمة ) . هنا فقط انكسر نديم . لا شىء آخر تغير . ماديا هو كما قلنا أفسح من الحياة . النقود تأتى كى تنفق ، ولا مشاكل بالمرة . من حيث الأصدقاء وزياراتهم وتقديرهم له أيضا لا مشكلة بالمرة ، بل هى فى ازدياد مستمر كما ونوعا . هو كما قلت تفسير شبه شخصى . مرض أخته هو الشىء النوعى الوحيد الذى تغير . بكى فى لحظتها . ثم تماسك وقلنا هذا نديم ولن ينال منه شىء . لكن تدريجيا بدأنا نشعر أن شيئا خبيثا قد تسلل لروحه .

لم تمر مرة أقابله فيها منذ سنوات طويلة حتى أمازحه ’ هتموت إمتى ؟ ‘ ، وكل مرة كان يخترع إجابة مبتكرة تذكرك بأنه أسمى من الحياة ، حيث إن جزءا من هذا بالضرورة أنه لا يأبه الموت . فى المرات الأخيرة ، كانت إجاباته أكثر جدية . كان حزينا ومتألما من الداخل . يقولون طبيا إن لدى الإنسان شيئا اسمه إرادة الحياة ، وإن بإمكان المرء التمسك بها أو التخلى عنها عمدا . ذوت تدريجيا روح نديم المعتادة المتوقدة ، حتى تلاشت فى لحظة سكينة هادئة . ظل حتى آخر لحظة فيها يمارس شخصيته المعتادة فى الاتصال بأصدقائه الذين لم يرهم لفترة ما ، والاطمئنان عليهم ، ذلك قبل أن يخلد للنوم . النوم هذه المرة لم يأت كالمعتاد ، بل سبقته أعراض هبوط بالقلب . جاءه بعض الأصدقاء ، فى مقدمتهم صديقه الأخلص والإنسان الحق محمد أمين . ولم ينتظر كثيرا بعدها ، وكأنه تعمد أيضا أن يبقى قطعة من روحه حتى يودعهم بها . أما أنا فقد كانت لحظة كافية ومريحة جدا لى ، أن ألقى فى الصباح التالى نظرة الوداع الأخير عليه قبل هبوطه للثرى ، محتضنا رفات والدته كوصيته ، فى المدافن اليونانية بكنيسة مار جرجس الأثرية بحى مصر القديمة .

هذا ما فعله نديم مع لعبة الحياة والموت فى شهوره الأخيرة . على مسئوليتى أقول إنه لم يكره للحظة الحياة التى طالما ركبها وشغف بها ، فقط عندما سأم منها دعا الموت إليه ، فقط أيضا كى يقابله بشموخ . ذوت روحه نعم ، بتدرج نعم ، لكن الأمر كان أسرع من أن نستوعبه نحن بعقولنا البطيئة ، أو حتى نتخيل مدى خطورته ، ناهيك أن نبادر لفعل شىء حياله . لم يشأ أن يهزمه الموت أو المرض أو حتى الحزن رغما عنه . لم يشأ إلا أن يكون القرار قراره هو . فقط أراد أن يثبت أنه ليس فقط أكبر من الحياة ، إنما أيضا أكبر من الموت ، أكبر من كل شىء !

ملحوظة آمل أن أكون صادقا فيها : كلمة ’ على مسئوليتى ‘ هذه ، أقصد بها المعنى الأعم . أقصد أن كل ما كتبته هنا هو تقييمات موضوعية لهذا الصديق . لا كصديق ، ولا كحبيب ، ولا كراحل لم ولن نفيق من صدمة رحيله ، إنما بقدر الإمكان ولأبعد مدى فيما أظن ، أكتبها ككاتب يحرص على سمعة مصداقيته ومستعد أو متعود على المحاسبة على كل كلمة يقولها . إنها فقط نديم كما عرفته بعقلى وكما توحدت معه بوجدانى . الكل أحبك واحترمك ، لكن الحب كان جارفا بحيث لا يأخذ الكلام عن الاحترام حقه منهم . ترى هل يؤذيك لو قلت لك إن احترامى لك جاء أولا ، ونما الحب فيما بعد ؟ إليك ‑بالحب والاحترام معا‑ نهدى كل التحية وكل السلام ، بصفتك أحد أجمل الأشياء التى حدثت فى حياة كل منا ، بصفتك عنصر نادر فى العشيرة الإنسانية يستحيل أن نجد من يطابقة أو حتى يقترب منه ، أو ربما حتى بصفتك عشيرة قائمة بذاتها انقرضت برحيلك !

Nadim Michelle

(Click here for the full-size image)

A Beautiful Mind:

Nadim by Nabil Tag!

صديقى نديم ، سأقول لك سرا أعترف به لأول مرة . كنت أستغرب قبل نحو أربع سنوات لماذا تفرط فى صورك الشخصية لى بسهولة ، كلما طلبتها منك . وكان كل طلبك فى المقابل أن أقدم لك نسخة تفقد ( سكان ) لواحدة فقط مختارة منها هى أكبرها حجما ، صورتك شابا نسبيا ، والموقعة من أحد أشهر مصورى وسط القاهرة . وكان كل ما فعلته أنا هو أن وعدتك بأن تكون أعلى جودة من لو ذهبت بها لمكتب تجارى سيعاملها بتسرع ، وطبعا ستكون هذه النسخة الإليكترونية معك تعيد استخدامها متى شئت ، زائد أنى بداهة سأضع نسخة من ملف الصورة على موقع الإنترنيت حتى يجدها من يريد . حتى رسم الكاريكاتير الفريد الذى رسمه لك الفنان الموهوب نبيل تاج ، ( أحد القليلين الذين التقطوا أعظم صفتين لك إطلاقا ، صفتى المفكر والمتواضع ، التقطهما معا من وضع پروفايل لم يكن متوقعا لأى منا ! ) ، هذا الرسم أعطيتنى إياه بلا شروط إطلاقا ، وبلا تردد . فقط وجدتك سعدت بقرص السى دى ، وذهبت به لاستخراج نسخ فوتوجرافية من تلك الصورة ، ترسلها لأقاربك فى الداخل أو الخارج ، أو تهديها لأصدقائك . بصراحة ، كنت أعتقد أنى أذكى أو أشطر منك ، وأنى الرابح تماما فى مثل تلك الصفقة . لقد حصلت على الأصول التى لا تعوض أبدا ، ورحت أزين بها جدران منزلى وتحت الأسطح الزجاجية بكل أنواعها وفى كل الغرف ، هذا بينما أنت نفسك لا تملكها . اليوم فقط ، وحين أصبحت هذه الصور لا تقدر بثمن ، يتهافت عليها كل أصدقائك ، وترسل للصحف ، ونزمع تزيين كتاب تذكارى لك بها … إلخ ، اكتشفت كم كان قدر حماقتى . لقد كنت تكلفنى بأن أخلد ذكراك ، ويا لغبائى لم أفهم فى حينه . ائتمنتى على أغلى ذكريات حياتك ، لكن خدعتنى ولم تخبرنى أنها أمانة أثقل من أن أفرح بها !

لقد كان هذا آخر مقلب ، مقلب ما بعد الرحيل ، وكان أكثرها جميعا وجيعة وقسوة !

… السؤال فقط ، ما قيمة بعض الصور بالنسبة لما يوجد بالفعل من هائل ذكراك فى قلوب محبيك ؟ هل كان سيختلف الأمر سواء وثقت أنى سأجيد حفظها أم أنى من جانبى أهملتها وأضعتها ؟ هل كان المقلب يستحق أصلا كل هذا التخطيط والعناء منك ؟

آخر استشارة فنية : قطعا ما كنت لأجرؤ للكتابة عن فيلم ’ عمارة يعقوبيان ‘ ، قبل أن أسال نديم ميشيل رأيه فيه ، أو بالأحرى دون أن أشاهده معه . عادة أنا أستطلع رأيه فى كل فيلم شاهده ، ناهيك عن أنى عامة لا أكتب عن فيلم قبل جمع الحد الأدنى من المعلومات عن الأشياء التى يتحدث عنها ، أيا ما كانت جنسيته أو الحقبة التى يدور فيها … إلخ . هذه المرة الوضع كان خاصا جدا وعلى نحو يكاد يكون غير مسبوق ! هذا بدأ مع ظهور الرواية نفسها وما تبعها من شهرة . الصفحة الأولى جدا للرواية ، راحت تصف لنا رحلة زكى الدسوقى الصباحية اليومية فى شوارع وسط القاهرة . ثم راحت الصفحات التالية تصف أسلوبه فى الاستمتاع بالحياة ، بتحية الجميع فى الشارع ، بالخمر ، بمعاكسة الفتيات ، بفحولته ، ببحثه عن لحظة دفء … إلخ . هذه الصفحات قفزت إلى ذهنى كلها ومن اللحظة الأولى لقراءتى لها ، بصورة نديم ميشيل ، وعاداته وطقوسه اليومية ، فضلا عن انتمائه الروحى والوجدانى لوسط المدينة ، وبالأخص لحياة ما قبل 1952 وأقلياتها وأساليب حياتها وقيمها الرفيعة … إلخ . كذلك هناك قصص حبه الرومانسية القديمة التى لا تنمحى أبدا . أما وجه الشبه الأعجب حقا هو ما جاء بأواخر الرواية ، أنه كلما تقدم العمر بالرجل لم يكن ليمس امرأة قبل أن يتكون بينه وبينها الحد الأدنى من الود إن لم نقل العاطفة ( فى الأيام الأخيرة كان بعض أصدقاء نديم يداعبونه بمطلع الأغنية التى تقول ’ الواد قلبه بيوجعه عاوز حد يدلعه ! ‘ ) . طبعا قلت لنديم كل ذلك الذى تخيلته فى الرواية فى حينه لدى قراءتنا لذات النسخة منها ، هذه التى هرولت فى اليوم التالى لأدفع بها إليه ، وكأنها حدث شخصى يهمه . المهم ، وجدته الآن قد سبقنى لمشاهدة الفيلم ، قبلت بالأمر ، ومن ثم عدت إليه لأناقشه فيه . كالعادة ، أكد لى أشياء وصحح لى أشياء ، ومن ثم كانت مراجعتى التى قرأتها . فقط يجب أن أنوه أن الفارق بين نديم ميشيل وزكى الدسوقى شيئان واضحان : أن أخته أقرب للملائكية من أى شىء آخر ( ربما فقط فيما عدا حبها الزائد عن الحد لأحفادها ) ، وأن حياته لم تكن خلوا من الأصدقاء ، بل هى فيض منهم لحد يمكن أن يتحدى به كل الكوكب وكل موسوعات السجلات القياسية !

آخر استشارة له هو منى : ما هى سنوات إنتاج أفلام چيمس ديين الثلاثة ؟

آخر كتاب قرأه نديم : ’ بنات الرياض ‘ تأليف رجاء الصانع .

آخر نكتة رددها نديم : واحد صعيدى قرر الزواج من نانسى عجرم . عرض الأمر على زوجته ، فردت ’ إللى تشوفه يا بوى ‘ . قال سأعدل بينكما ، قالت ’ إللى تشوفه يا بوى ‘ . قال أنتى ثلاثة أيام وهى أربعة أيام ، ردت بغضب ’ ما عدل يا بوى ‘ . قال ’ صوح ! أنتى أم العيال ، أنتى أربعة أيام وهى ثلاثة أيام ‘ . واصلت غضبها ’ ما عدل يا بوى ‘ . ’ أنتى خمسة وهى اتنين ‘ . زاد غضبها ’ ما عدل يا بوى ‘ . ’ أنتى ستة وهى يوم ‘ ، وأيضا ردت ’ ما عدل يا بوى ‘ . سألها باستغراب ’ وإيه العدل أومال ؟ ‘ ، فردت عليه ’ العدل أنت يوم وأنا يوم ! ‘ .

آخر مطبوعة احتفظ لى بها نديم : جريدة الأهرام 5 أغسطس 2006 ! اكتب رأيك هنا

أحزننى جدا جدا هذا الخبر المؤلم عن نديم ميشيل . فكما قال فيه الصديق العزيز مدحت ، كان أفسح من الحياة . كان باسما لأصدقائه ولكل من يحبهم . دائم الحركة يحب السينما ومثقف واسع الاطلاع ومضياف وكريم . تعازى الشديدة لأخته العزيزة وللصديق مدحت وللصديقة د . عفاف مرعى وللأصدقاء كلهم . وهكذا الحياة .

م . سعيد رمضان - أسوان

 

 8 أغسطس 2006 : عقد أصدقاء نديم ميشيل لقاء موسعا على مقهى زهرة البستان اختتموا به مسيرة 72 ساعة من الحداد المتواصل عليه ، وتقبل العزاء يوميا فى أماكن مختلفة .

 

The memorial book dedicated to Nadim Michelle, September 16, 2006.

(Click here for the full-size image)

PDF File

اضغط
لتنزيل نسختك من الكتاب

  16 سپتمبر 2006 : أقام حزب التجمع بمقره الرئيسى بوسط مدينة القاهرة ، أمسية تأبينية لنديم ميشيل ، توالت فيها كلمات الأصدقاء عنه ، وصدر كتاب بعنوان ‘ فى وداع نديم ’ ، أسهمت فيه بالكتابة الغالبية الساحقة من أصدقائه ، وكان لى شرف أن يحظى المدخل أعلاه بالتعميم فيه . عكف على إنتاج الكتاب ‑بالأخص‑ كل من محمد أمين ومدحت محفوظ وحسام حافظ ولاقى استحسانا كبيرا بصفته كتاب غنى متميز بين كتب تأبين المثقفين المصريين الشبيهة .

 

 6 أغسطس 2007 : احتفلنا عصرا ‑حسام حافظ وأنا‑ بذكرى مرور سنة على رحيل نديم ميشيل بزيارة مقبرته فى مدافن كنيسة الروم الأرثوذوكس بمصر القديمة ، ذلك قبل أن ننضم لحفل ذكراه بمقر حزب التجمع ، والذى امتد بعد ذلك بعد حاشد من أحباء الفقيد على مقهى زهرة البستان ، ذلك حتى وقت متأخر من الليل .

 

 3 يونيو 2010 : عقد اليوم فى منزل الصديق فهمى فؤاد لقاء تكريم لذكرى نديم ميشيل بمناسبة صدور كتاب مكاوى سعيد ‘ مقتنيات وسط البلد ’ عن منطقة قلب مدينة القاهرة ، وقرأ الكاتب نبيل عبد الفتاح وبعض الحاضرين الفصل المعنون ‘ عاشق الحياة ’ عن شخصية الراحل . تلقى المؤلف تصفيق وتحيات الحاضرين وتوالت كلماتهم فى ذكرياتهم الشخصية عن نديم ، مع إجماع على ذكراه ظلت وستظل حية لأن أى ممن عرفوه يستحيل عليهم إلا تذكره .

الأحد 11 سپتمبر 2011 :
زكريا عبد الحميد —وداعا !
وداعا الناقد السينمائى الزميل القديم والصديق الذى لا يعوض .
من الحب المشترك للسينما الأميركية ،
ومصطلحه عميق الفهم لنبض تطور السينما المصرية ‘ الحساسية الجديدة ’ ،
مرورا بالتعاون الكثيف فى دليل الأفلام ( 1998 ) وما بعده ،
انتهت الرحلة اليوم بأمسية تأبين مؤثرة بجمعية النقاد ،
لرمز كبير للشموخ الإنسانى وللنقاء والقيم الرفيعة مهنيا وأخلاقيا .
… أما ما حفر فى الذاكرة فبالقطع لن ينتهى !

الأحد 23 أكتوبر 2011 :
جمعية نقاد السينما المصريين ،
مقر المركز القومى للثقافة السينمائية :

أمسية رائعة تسبق بثلاثة أيام الذكرى الخامسة والثمانين لميلاد
أحمد الحضرى !
أحمد الحضرى فخورا بتجربته مهندسا شابا فى بعثة علمية للندن ،
ولا يكاد يحب الحديث عن شىء قدرها ، تقنيا وتنظيميا وماليا وإداريا وكل المهارات التى تميز بها .
هو بالفعل يدين بكل شىء لتلك الرحلة ،
ولم تكن المرة الأولى التى أسمع منه هذه القصة التى يمكن أن يسترسل فيها لساعات ولا يمل أبدا .

أحمد الحضرى رائدا يعرف قيمة من سبقوه من الرواد .
الكل فى الحفل جعله رائدا لكل شىء ،
وهو الوحيد الذى ذكر فريد المزاوى وكثير الأسماء من جيل هذا الأخير ،
ممن أرسوا جل أساسات ما وصلنا إليه فى حقل الثقافة السينمائية .
ولو قلنا لفريد المزاوى أنت رائد الدنيا والآخرة لحدثنا عن محمد حسن جمعة ، وهكذا كل الرواد الحق .

أحمد الحضرى مديرا ، وما أدراك ما الإدارة . إنها سلالة البشر الأندر من الذهب !
ولا غرابة أن من تصدت لتكريمه هى عفاف طبالة ،
التى تقزم موهبتها كمديرة قيمة كل مواهبها العتيدة الأخرى .
هل رأيت ما جرى لمصر من خراب شامل حين قام بعض حثالاتها بتمرد أو سعرة على الرئيس مبارك ؟
نادى القاهرة للسينما جت ضلفه خالص حين انسعر بعض الشباب المتنطع ،
بتاع الإبداع والألمعية والعبقرية وطبعا الديموقلاطية والانتخابات والتغيير ،
انسعروا على المدير الذى ظل عقودا يعتقد أن وظيفته هى الإدارة ،
لا الخطابة وبيع الكلام والوعود البراقة .

وثائقى حصان الطين ليس يساريا كما قد يبدو للوهلة الأولى ،
أو كما يحب البعض ، أو كما فعلوا مع نجيب محفوظ مثلا ،
بل هو كلاسى جدا كعين الرؤية اليمينية الخالصة للحياة ، حتى لو كانت صاحبته تصف نفسها باليسارية .
تكدح الفتيات فى صنع الطوب ،
ليتحدثن بابتهاج فى النهاية أن صاحب الشغل رفع أجرهن من 10 إلى 15 قرشا ،
تكفى لشراء ملابس الموسم وأيضا للعروج لمشاهدة فيلم فى السينما !