|
|
|
آليات الفن الجماهيرى
دراسة على
النوع الوحيد من الفنون القادر على
أوسع وأعمق تشكيل ممكن
لوجداننا وربما أيضا عقولنا :
الفن الهابط !
( الجزء الرابع )
Popular Art Mechanisms
A Study on the only Type of Arts That Is Able to
the Widest and Deepest Possible Formation of
Our Senses and, Maybe, Our Minds Also:
The Low Art!
(Part IV)
| FIRST | PREVIOUS | PART IV | NEXT
| LATEST
|
NEW:
[Last Minor or Link Updates: Thursday, December 09, 2010].
August
8, 2004: Egyptian movies 2004: Talking
about videoclips might be more exciting!
In Part III
August
6, 2003: Egyptian movies 2003:
Sexual themes strike back! Plus: A tribute to 1970s’ sex boom in Egyptian cinema.
July
30, 2003: Volkswagen Beetle as a
pop icon!
May
19, 2003: Why Nancy Ajram is a great threat
to the Arab culture ‘Establishment?’
…
…
…
In Part II
March
19, 2003: Indian Cinema: It’s raining
hits… in Cairo, Egypt this time! Plus: A brief history of popular
cinema in India, China, Turkey and Australia.
January
24, 2003: ‘Catch Me if You Can,’ ‘Fish’s
Tail’ and ‘Yacoubian’s Bldg’: Back to the art of very well told stories, all
with some interesting ideas!
October
6-24, 2002: War of Teens —The Inevitable End: Forget about that boring phony Britney.
Aguilera is Latino, ‘Dirrty,’ ‘Stripped’ and never said she’s a virgin!
…
In Part I
February 7, 2002: A HISTORY MADE: Videogame business tops film
industry for the first time. Are we talking about ‘the’ new main form of Human
Culture?
January 14, 2002: Citizen, Detective and Thief, a historical
conciliation between Intellectual, Authority and Religion or just another
troubled movie?
December 13, 2001: Believe it or not? The new Egyptian model of hero:
Hajj Metwally, the husband of four!
June 22, 2001: A STAR IS TORN: The most popular actress in
Egyptian film history died. Not an accident. Not a suicide. Just a plain
vanilla murder.
ê Please wait until the rest of page downloads ê
الجديد
( تابع جزء 1 ، جزء
2 ، جزء 3 ) :
8 أغسطس 2004 : أفلام 2004 المصرية . يبدو أن الكلام عن قصاصات
الڤيديو قد يكون أكثر إثارة هذا العام . بافتتاح فيلم محمد هنيدى ’ فول الصين العظيم ‘
اليوم انتهى موسم الصيف لأفلام 2004 المصرية . ككل موسم أقل من الموسمين
السابقين الساخنين للغاية كل على طريقته 2002
و2003 . الكاتب بلال فضل أو ’ خالتى فرنسا ‘ لا
تفهم ماذا يريد قوله . كروز اليوسف من الصحافة الرسمية المصرية أو كشبيهات
مدرستها من الصحافة المستقلة التى كان يشتغل فضل فيها ويكتب 100 ألف كلمة
أسبوعيا ( لا مبالغة ! ) ، قبل أن يتحول لكتابة
الأفلام ، أو قل ( تماشيا مع الجو هذه الأيام ) كچون كيرى ، هذا الكاتب يقول كل الأشياء
وعكسها ، ويهاجم كل الأشياء وعكسها . البطلتان ( وهذا مثال من
ألف مثال ) محترفتا الإجرام تغنيان ’ ما تقولش إيه إدتنا مصر ‘
وهى سخرية من الوطنية المصرية ، فى المقابل جمال شخصية فرنسا التى اخترعها
أحمد عبد الله فى اللمبى ومحتوياتها التقدمية المستنيرة ، تصبح هنا
’ ولاء وبراء ‘ على الطريقة المصرية ، فقد أصبح جدها كان
فرنسيا ، وهذا هو الذى أدخل الانحراف والإجرام فى السلالة المصرية
الملائكية . الفيلم يفتقد لأبسط أصول الكتابة ، قفزات فى الأحداث ،
ولا تبرير درامى للشخصيات ، تنقلب من النقيض للنقيض ، ثم تعود للنقيض
الأصلى ( حتى المثقف اليسارى أو الناصرى ، أو أيا كانت المنطقة التى
ينتمى لها ، والتى هى نفس منطقة بلال فضل على أية حال ، هذا الذى يشجع
البطلة الفتاة على التعليم نراه فجأة خائنا لها ) ، كل هذا وذاك دوى
أية أسباب بالمرة ( أنا شخصيا ظللت أفهم أن فرنسا نشالة ، إلى أن
فوجئت بها تقول إن النشل حرام وإنها متخصصة فقط فيما يسمى الشرشحة أى الردح وكيل
التهم والسباب إفساد الأفراح والإدعاء على علية القوم بالتهم كالتغرير الجنسى
… إلخ ، وبالمناسبة هذه الوظيفة أن صحت حقا تستحق فيلما أفضل من هذا
بكثير ! ) . فقط ما أنقذ الفيلم بعض الشىء فى شباك التذاكر تقمص
كل من عبلة كامل ومنى زكى للدورين الرئيسين ، وانطلاقهما
’ يطجنان ‘ فيه بلا حسيب أو رقيب ! محمد سعد بالمحتوى المثير لعواصف الجدل ظاهرا كان
أم مبطنا كما ’ اللمبى ‘ ( انظر مراجعة أفلام العام قبل الماضى هنا ) ، ولا بتقانة الكتابة
الكوميدية المذهلة لـ ’ إللى بالى بالك ‘ ( انظر مراجعة أفلام
العام الماضى هنا ) .
يأتى فى ’ عوكل ‘ بكوميديا أبسط ، تعتمد كلية على الأداء الحركى ، بالذات
دور الأم أطاطا . والمحتوى مسالم للغاية عن مصريين تركيا الطيبين الجدعان
المسالمين ، وإن ضمن من خلال عبارة واحدة مجانية لا ثمن لها ، أن يدخل
تاريخ السينما المصرية كأحد الأفلام العرقية ( العنصرية ) وما
أكثرها ، ذلك طبعا من خلال الجملة النشاز على طريقة أفلام هنيدى مع آل
العدل ’ أنا موش يهودى ‘ .
هانى رمزى نشر بنجاح غريب كلمة بين الأوساط الصحفية
أن فيلمه سيكون أفضل أفلام الموسم . باستثناء روبى ( لم ننتظر وتحدثنا
عن فيلمها الكارثة ’ 7 ورقات
كوتشينة ‘ فى موقع
آخر من قبل ! ) ، فإن ’ غبى منه فيه ‘ هو أفشل فيلم
لهذا الصيف . أو كما كنا نقول كثيرا فى كتب دلائل الأفلام ’ لا شىء
مقنع لا شىء مثير ‘ وأيضا طبعا لا شىء جديد . فقط للحق العنوان أخاذ
جدا . تخيل غبى لا يحتاج لدعم ولا مقويات ولا أى نوع من المساعدة ليكون
غبى ، inclusive غبى
يعنى ! الكاتب أحمد عبد
الله يعود لشريف عرفة ليجمعه مع هنيدى لأول مرة ، والعنوان ’ فول الصين العظيم ‘ . صاحب كل الإثارة الفكرية
لألاباندا والناظر واللمبى ، قدم فى العام الماضى عسكر فى المعسكر
دون محتوى ظاهر وإن أمكن تأويله لقوى الهزيمة والحقد التى عكرت السلام بين مصر
وإسرائيل . هذه المرة المحتوى جيد لكن عام وبسيط ، هو أن الشعوب
الأخرى لن تعضنا إن تعاملنا معها ، ويمكن أن نحب بناتهم ويحبوننا ،
ويعجبوا بفولنا المدمس الشهى …إلخ . الكلام يبدو تافها ، لكن فى ظل
پارانويات المؤامرة المكتسحة للعقل العربى ، ربما يراه البعض شيئا جامح
الثورية . ما رأيك ؟ المهم بعض أجزاء من مؤسستنا الثقافية هذه القيادة أخذها
’ تيتو ‘ ، وهو لمنافس آخر جيد جدا
لشريف عرفة فى تنفيذ مشاهد النشاط هو طارق العريان . وهو ميل قديم عنده من
بداياته ’ الإمبراطور ‘ ، لكن هذه المرة الأولى التى يعود فيها
بعد أن توافرت تقانات أعلى للإنتاج المصرى . ’ تيتو ‘ هذا هو نوع
من ’ جعلونى مجرما ‘ بمعانى اجتماعية تقليدية جدا لا تقدم ولا تؤخر
وإن أعجبت البعض ( هل يمكن انتشال صبى فقير من
الانحراف ؟ ) . ’ بسكوتة ‘ السينما المصرية حنان ترك
هى زميلته المشرقة كالعادة ، هى أرستقراطية وهو مجرم سابق ، وذاك
الطفل يصبح قضيتهما . فقط ثمة شيئان متميزان . مشاهد النشاط المتقنة
وإن تركزت فى البداية الواعدة جدا ، ثم خفتت على نحو محبط بعد ذلك .
وفكرة أن ضابط شرطة كبير هو الذى يحرك البطل للسطو بدموية كبيرة على كبار
المجرمين قبل وصول الشرطة ، وهى غير مطروقة مصريا . أخيرا عادل إمام الوحيد الذى يقول شيئا . بعض
الأبعاد النفسية ، بعض جرأة الدعاية للحرية الجنسية ، تجعل من ’ عريس من جهة أمنية ‘
تجربة مثيرة نسبيا للمشاهدة . ثمة أبعاد نفسية لشخصية الأب الذى يضطرب حين
تصبح ابنته ناضجة بما يكفى للزواج وتركه ، ذلك فى هذه التنويعة على خبطة
روبرت دى نيرو الكوميدية ’ قابل الأبوين ‘ أو ’ اخطبنى
رسمى ‘ فى العنونة المصرية . أيضا هو قلب الشخصيتين فجعل الأب هو
الشخص العادى والعريس هو الشخصية الأمنية ، فأصبح التعذيب متبادلا ،
والنتيجة لا تزال جيدة جدا كوميديا ، بل مضاعفة فى الحقيقة لأن المفارقة أن
رجل الاستخبارات تحول ليصبح الطرف الأكثر بؤسا فى يد الطرف الاخر الشخص
العادى ، وهى لا شك تكاد تكون لمسة من لمسات العبقرية تحسب للمؤلف يوسف
معاطى وللنجم عادل إمام . أيضا نضيف أن هناك الحياة الحسية لعادل
إمام ، كالأب الأرمل صاحب البازار السياحى الذى لا بد وأن يقضى كل ليلة مع
فتاة من جنسية مختلفة ، وله أساليبة الخاصة فى الاستمتاع بالجنس فى
العراء ، وما إلى ذلك ، وتقديم شخصية كهذه فى ظل الضياع الذى
نعيشه ، أقل ما يقال فيه إنه فعل ثورى بكل المقاييس . [ انظر هنا متابعتنا اللاحقة للجزء الثانى من
’ اخطبنى رسمى ‘ هذا ، لتجد أيضا أنه يقدم تتابعات على منتجع
ساحلى تماما كفيلم عادل إمام ، غيره من الأفكار التى تعزز رأينا فى كم هو
كوميديا ذكية حقا ومبتكرة حقا ، هذا الأخير ، حتى وإن كان قد استلهم
الفكرة ككل من الجزء الأول من الفيلم المذكور ! ] . …
عمرو دياب فشل فى الإبهار ، كما أن مستوى
الكلمات أصبح دارجا أكثر وأكثر مما يحد من الخيال لدى المتلقى . هو اختار
طريقا بدأ يوم اختار عبد الحليم حافظ محمد حمزة ليكتب له الأغانى الطويلة فى
أعوامه الأخيرة ( بدلا من مأمون الشناوى —لاحظ ، وطمنونى الأسمرانى
عاملة إيه الغربة فيه ) ، وفجرت وردة هذا بأمثال سيد مرسى ( كان
يتفاخر أمامى …
المكون الجنسى القوى والفعال حقا : الموهوبة نانسى عجرم
أستاذة ، بل آه ونص ’ الـ ‘ أستاذة ،
لا يوجد جديد كى يقال أكثر مما قيل العام الماضى ،
الدلع هو هو ، وتراث حلاوة البنت الشعبية المصرية من أفلام الخمسينيات هو
هو . المرة دى بس زاد عليهم مشهد قديم جدا من ركن الذاكرة كنا نسيناه
فعلا : الطشت … طشت ليس أشهر منه الآن سوى طشت نادية لطفى فى
’ قصر الشوق ‘ ! الأجرأ من حيث محتوى الكلمات هى الفاتنة چيسى فى ’ فيها حاجة
دى ‘ ، مانيفستو صريح للحرية والصراحة فى الحب والجنس ، فى قالب
جميل من خلفية مثيرة للفضول هى منطقة سوق المال المصرية ، هى الأفضل تماما
بين مواقع تصوير أغانى هذا العام . پوسى سمير ، على خطى نانسى عجرم الفاهمة لتراث السينما المصرية وتحديدا
لأعلى نقاطه جنسيا ، تقدم خادمة لعوب مثيرة فى ’ حط
النقط ‘ . نجلا ،
راقصة اللمبى التونسية ،
قصاصتها ’ أنا حطلب إيدك ‘ وهى بجسدها الأمازونى وحيدة تحت قيظ
الصحراء فقط مع جواد فاحم السواد ، فعلت شيئا غير مسبوق فى حسيته فى
السينما المصرية ، بما فى ذلك صحراء فيلم ’ امرأة فى
الطريق ‘ ، وذلك بأسلوب موحى يطلق الخيال لعناننا أكثر مما يصور شيئا
عما تفعله حقا تلك الشهوانية وهى وحيدة هناك مع ذلك الفحل المثير . الأخيرتان بالذات جسد رائع ولا صوت تقريبا ،
لكن لا تنس أننا ‑لا أفصد موقعنا إنما أقصد كل الناس‑ نعامل قصاصات
الڤيديو على أنها أفلام تليڤزيونية موسيقية قصيرة ، ومقومات
كلمة فيلم ومتطلباته تختلف جذريا عن مقومات ومتطلبات كلمة أغنية . أما ما
يخص نانسى عجرم من حيث الجمال فهى تزداد بهاء يوما بعد يوم بفضل العمليات الجراحية
المتقنة التى ذهبت بعظمتى الوجنتين البارزتين وغيرهما إلى غير رجعة ، ذلك
دون أن تنتقص شيئا يذكر من أنوثتها الطبيعية التى رجت كل عربستان فى
’ أخاصمك آه ‘ . أما روبى الوحيدة التى كانت تمتلك كلا من الجمال والصوت معا من اللحظة
الأولى ، فكما قلنا مؤخرا ارتكبت
غلطة العمر فيما يخص موضوع الجنس فى فيلمها ، حين نامت مع صاحب الفندق
بملابسها ( صدق أو لا تصدق ) . شوية مذاكرة لتاريخ السينما يا
سادة . أنتم الآن تصنعون أفلاما كاملة الأوصاف بالأغانى ، لكنكم
تخيبون أشد خيبة حين تصنعون أفلاما طويلة تقليدية ! عامة الباقيات ظلال باهتة لأصول سبقتهن ،
كميريام فارس التى يبدو كإليسا أكثر ضعفا ، وهكذا . … أما أفضل أغنيتين بلا منازع فهما أغنيتا الحب من
طرف واحد ’ يا شاغلنى ‘ لنيكول سابا ، و’ كل ده ‘ لشيرين وجدى . التمثيل
مدهش وأكثر من المتوقع من النجمتين . كلتاهما تؤديان الكوميديا
ببراعة ، وإن أدت نيكول سابا تعبيرات أصعب بالذات مشهد المصعد الذى تضطر أن
تنهى الجمل فى منتصفها وتغير تعبير وجهها لتبدو طبيعية صامتة كالموقف الطبيعى
لركاب أى مصعد ! ملحوظة استثنائية أن ما قلناه كثيرا عن أن الموسيقى الآن ترى ولا
تسمع ، وجد توظيفا قويا له فى أغنية شيرين وجدى ، فأنت لو سمعتها
فقط ، لخرجت باستنتاج أن الحبيبان لم يلتقيا بعد على الأقل ، أما
قصاصة الڤيديو فتعطيك من خلال الصورة نهاية سعيدة ! تقانيا تتفوق أغنية شيرين وجدى بكلماتها
السريعة ، والتى يكاد يصعب عليك تكراراها . وكما نقول دوما لا بد من تحد تقانى ما كى يدخل الفن درجة
التفوق ، وهذه أغنية مبتكرة حقا من كافة الوجوه . هذا جعلها أشبة
بنشيد قومى لمصر صيف 2004 تجدها فى كل القنوات طوال اليوم . سبب إضافى
لنجاح أغنية شيرين وجدى أنها بطبيعتها المعبرة عن سخط شديد من ذلك الشخص ،
تدعوك وتشجعك على استبدال كلماتها بكلمات أخرى من السباب شديدة البذاءة ،
كأن تسب دين أمه ’ ده ‘ أو أى حاجة تانى لأمه ، ويستقيم اللحن ،
ويستقيم المعنى ربما أكثر من الأصل ! اكتب رأيك هنا
28 مارس 2005 : وداعا أحمد زكى ! رحل بالأمس ،
عن 56 عاما وعن 56 فيلما وعن 56 ناصر والسادات وطه حسين
والنمر الأسود والبيه البواب وابن حفار القبور ، وربما أيضا عن 56
جائزة ، و56 بليون دمعة فرح وحزن ، أريق الكثير منها فى الساعات
والأيام الأخيرة . الآن قصة حياة أحمد زكى يعرفها كل أحد عن ظهر
قلب . أضاف هو بعض التفاصيل أو سمها التوابل مؤخرا بمناسبة فيلمه القادم
’ حليم ‘ ( المؤتمر الصحفى 17 يناير ، الصورة
المجاورة ) . فقال إنه ولد بنفس القرية ، وسبح فى نفس
الترعة ، واصطاد نفس السمك البلطى ، وأصيب بنفس البلهارسيا .
ربما ليس بالضبط ، لكن قصة الصعود والنجومية والوحدة العاطفية والمرض
والموت المبكر ، هى التى تجعله يسمى عبد الحليم حافظ ’ أخويا ‘ .
ما نعرفه أنه ابن وحيد لأبيه ، تيتم وهو بعد فى المهد وتزوجت أمه .
وبين جدته لأمه وأخواله نشأ وترعرع . حسبما يقول وهذا ما أفاده كثيرا مهنيا
فى حياته اللاحقة أنه عاشر كافة الطبقات ، بكل ما يعج به منها قاع
المجتمع ، وأنه أصبح يعرف كيف يبدو اللص أو كيف يتصرف النجار أو الحداد أو
كيف يتكلم مروج الحشيش … إلخ … إلخ . ما نعرفه أيضا أن التعليم
الثانوى الصناعى كان بمدينة الزقازيق . وبتشجيع من ناظر المدرسة التحق
بفريق التمثيل ، وخلال الحفل الكبير دعت المدرسة بعض الفنانين من القاهرة
للحضور ، فأشاروا عليه بالالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية .
بلا مسكن وبلا نقود وبلا أى شىء ، أبهر لجنة الالتحاق والتحق . فى
1973 ، أى فى سن الرابعة والعشرين ، تخرج بأعلى مرتبة ،
بالامتياز ، بالترتيب الأول . مثل أدوارا صغيرة جدا فى بعض
المسرحيات ، كبرت قليلا مع ’ هالو شلبى ‘ ، وكبرت كثيرا مع
’ مدرسة المشاغبين ‘ ، ليس لأن الدور كبير ، ربما هو الرابع
أو الخامس فى ترتيب الأدوار فيها ، إنما كبير لأن المسرحية نفسها
كبيرة ، علامة فارقة فى تاريخ المسرح المصرى ، قضت على جهامة وكآبة
وخطابة ما سمى بمسرح الستينيات ، وأتت محلها بمسرح فائق الجماهيرية ،
صناعة كبيرة يتقاطر عليها الجمهور خصيصا من كل البلاد الناطقة بالعربية .
هكذا أصبح ابن الشرقية الأسمر البسيط ممثلا قاهريا معروفا . ذات مرة كان لا بد للسينما أن تنتبه . أول دور مهم أن
كان واحدا من حفنة ممثلى فيلم ’ أبناء الصمت ‘ 1974 الذين حوصروا
بالقوات الإسرائيلية أثناء انسحاب 1967 . دور آخر صغير لكن لفت الانتباه هو
’ العمر لحظة ‘ 1987 ، أيضا عن المواجهة المصرية‑الإسرائيلية .
انتبهت السينما بشدة ، وعرضت عليه بطولة فيلم الكرنك ، ثم سحبتها
منه . العرض مهول ، فهذا واحد من أضخم إنتاجات السينما المصرية فى
تاريخها ، بالتالى خسارته أكثر هولا ، وتستوجب الانتحار . لم
ينقذه منه إلا صلاح چاهين ، الذى قال له لا تتعجل فالبطولات قادمة ،
وكانت فعلا على يديه بفيلم من تأليفه ’ شفيقة ومتولى ‘ 1978 ،
وأيضا أمام ذات نجمة الكرنك ، وفى نفس الوقت ربيبة صلاح چاهين
الأخرى ، نجمة النجمات سعاد حسنى . هنا يقال أن انتبهت الجوائز
أيضا . هذه هى شهادة التقدير من جوائز الدولة للتمثيل ( وليس كما
كتبوا لندنيا صحافيا هذا هو الميلاد الفنى من الناحية الزمنية أو
الكرونولوچية . لكن ( رقم 1 ) النجومية لا تزال على مرمى
خطوات . مع احترامنا لكل تلك الجوائز ، ولمن يمنحونها وكلنا يعرف
ميولهم الفنية والسياسية ، ومهما يكن من عشرة من وزن ونجومية سعاد
حسنى ، أو حتى وزن كل نجوم مصر وهولليوود أيضا ، ما كان ممكنا لفيلم
كارثى فنيا مثل شفيقة ومتولى أن ينجح . من ذات نوعية الكوارث الفنية جاء فى
العام التالى ’ أسكندريه ليه ‘ ، وما كان لدور أحمد زكى الصغير
أن يضيف شيئا لفيلم مهلهل بالكامل . من هنا فبدايات الجماهيرية الحقيقية
عند الجمهور العريض ولدت مع ’ الباطنية ‘ 1979 فى دور ضابط المباحث
المتنكر فى دور أبله أصم ( هذا الدور أدخل الفيلم مسابقة جمعية الفيلم فى
تلك السنة فى هذا الفرع تحديدا ، وهذا معناه ألا يعرض الفيلم لجمهور
المهرجان لكن تشاهده لجنة التحكيم وتدخل هذا الفرع لينافس الأفلام
المعروضة ) . ’ عيون لا تنام ‘ لرأفت الميهى فيلم جيد
قوى دراميا وأمام نجمة فاتنة أخرى هى مديحة كامل ونجم شباك كاسح هو فريد
شوقى ، كان خطوة جيدة فى اتجاه كل شىء . جماهيريا وأيضا فى حرفية
التمثيل ، وتحديدا بداية الأدوار المستولدة من حياة أحمد زكى نفسه ،
أو بالأحرى من الحياة نفسها ، فنى سيارات هنا ، أو على الأقل ليس دور
’ كاركتر ‘ جاهز المواصفات كذاك الأصم الأبله . بعد هذه وتلك نقول إن البطولة الكاملة
المنفردة ، والتى يحلو للجميع ‑عن حق غير قليل‑ القول إنها
غيرت مواصفات النجم فى السينما المصرية وجعلته أسمرا لأول مرة ، وفى نفس
الوقت هى البطولة ذات البعد الجماهيرى ، ومن ثم بالتالى بدايات
النجومية ، ولدت هذه كلها مع ’ الاحتياط واجب ‘
و’ المدمن ‘ ، كلاهما فى عام 1983 ، وليس قبل ذلك .
والمدمن بالذات يرصد ريادة أحمد زكى فى أداء مشاهد ما يسمى بأعراض الانسحاب لدى
مدمنى العقاقير ، أتت له بالكثير من الجوائز ( واحد من الأفلام التى
كرمها بسخاء المهرجان الكاثوليكى على الأقل بحكم المحتوى ) ، لكن
الأهم كانت بداية موجة أصبح كل فنان يريد تجربة أدائها سواء من النجوم الكبار
مثل يحيى الفخرانى وعادل إمام حتى طيف واسع من الممثلين الشبان . فى حديث
النجومية نقول تلا هذين الفيلمين ’ النمر الأسود ‘ 1984 حيث النجومية
الحقة ، والفيلم الذى جعل أحمد زكى اسما على كل لسان ، وكذا بداية
مشواره السينمائى مع الشخصيات الحقيقية ، وتصعيد للأفلام المشابهة لحياته
حيث فنى ميكانيكى يهجر مسقط رأسه ليصبح ثريا وناجحا فى مكان آخر . … الحق كبير فعلا فيما يقال عن
النجم الأسمر ، لكن مع تحفظين ربما تراهما ‑أو لا تراهما‑
ثانويين . الأول أنه لم يحل أبدا محل ذاك القوقازى الوسيم أشقر الشعر أزرق
العينين ( ولنضرب به مثلا حسين فهمى مثلا ) فى أدوار الحب ،
التحفظ الآخر أن ذاك ليس مرجعه عبقرية خاصة لأحمد زكى ، فعبقريته موجودة فى
أشياء أخرى ، إنما لأن تلك كانت طبيعة المرحلة ، حيث صعود نجم
الحرفيين فى السلم الاجتماعى وتداعى الطبقة الوسطى ، وهذا بحكم قوانين الفن
الجماهيرى ، أعطاه زخما بين الشباب الذى رأوا أنفسهم فيه ، وطبعا بعض
الوالع من الفتيات الحالمات بذات الشىء على أرض الواقع . المهم ( رقم 2 ) النضج الفنى والأسلوب
الخاص المميز . هذه قصة أخرى ، كانت هى أيضا على بعد خطوات هى
الأخرى . هنا يدخل محمد خان للصورة ، ويتبلور أحمد زكى الفنان .
البداية 1981 ، عنوان الفيلم ’ طائر على الطريق ‘ . سائق
تاكسى متقلب المزاج لا يكاد يعرف هدفه فى الحياة رغم شهامته وإنسانيته الشديدة
ذات الطابع الخاص . لا يتخذ قرارا تجاه حبيبته ( آثار الحكيم )
ثم ينجذب بشدة تجاه الزوجة الحزينة اليائسة ( فردوس عبد
الحميد ) . أداء جميل لأحمد زكى فى أول عمل بشر بأفلام أكثر استعقادا
فنيا ( سميت فى حينها ودون اتفاق واسع السينما الجديدة ) ، لكنها
سرعان ما وقع الاستقطاب بين أفلام زاعقة التعليق الإجتماعى وأفلام التخاريف
الفنية وتركت الساحة أكثر إظلاما بعد عشر سنوات . حلاوة سينما الواقع تتجلى
فى التفاصيل ، مثلا المشهد الذى تصور فيه كاميرا محمد خان البطل من أعلى
وهو منكب بنهم على طعام الإفطار فى أحد المطاعم الشعبية على الطريق ، مشهد
غير مسبوق فى السينما المصرية ، وفى ذات الوقت لا يمكن أن يبارح ذاكرتك أبد
الدهر . نقول كذلك إنه أول أجزاء ما يمكن تسميته ثلاثية
الحزن والفروسية واللا إنتماء لمحمد خان ، والتى سيتلوها بـ ’ موعد
على العشاء ‘ لأحمد زكى أيضا و’ الحريف ‘ لعادل إمام .
المهم ليس هنا . وقد نقول دون أى تأنيب ضمير إن محمد خان هو أهم وأفضل موجه
مصرى منذ عز الدين دو الفقار . لكن المهم ليس هنا أيضا . ما يعنينا هو
كيف صنع محمد خان من أحمد زكى أو من عادل إمام ممثلا قديرا . عادل إمام قبل التمثيل مع محمد خان غير عادل إمام
بعد التمثيل مع محمد خان ، أحمد زكى قبل التمثيل مع محمد خان غير أحمد زكى
بعد التمثيل مع محمد خان ، كلاهما على نحو واضح وملفت ، وكأن قماشة
الفنان قد مطت أضعاف أبعادها الأصلية . لماذا ؟ ثقافة محمد خان السينمائية العالمية لا يكاد يضارعها أحد فى مصر
سواء من صناع السينما أو من نقادها . مع الممثلين هو يريد تجربة الأداء
الذى يسمى بالتقمص ، أو يسمى عالميا ’ بالمنهج ‘ أو
’ ستوديو الممثل ‘ ، الأسلوب الذى اشتهر به أمثال مارلون براندو
وچيمس ديين ومونتجومرى كليفت وكثيرون آخرون . الإندماج ( أو
المنهج ، أو ستوديو الممثل ) جيد بشرطين ، الأول أن يكون الدور
نفسه ذات بعد نفسى قلق ، والثانى ألا يذهب الممثل بعيدا . فى مقابلة
منشورة لكاتب هذه السطور مع محمد خان ، قال إنه كان يترك الممثل يمثل كما
يحلو له ، لكن عند لحظة معينة يقول لأحمد زكى أو عادل إمام ،
قف ، أنت الآن خرجت عن فلان ، يقصد الشخصية التى يمثلها . هذا ما
يجعل محمد خان ليس يوسف شاهين . فى مصر عندنا شخص آخر مولع جدا بهذا
الأسلوب هو يوسف شاهين . لكن يوسف شاهين مخرف مخرب ، ومحمد خان ناضج
ومحترم . الأول صنع كوارث بدفع ممثليه للتسيب فى ذلك التقمص كما يعن
لهم ، والثانى صنع أفلاما رائعة ، وقطعا فذة من التمثيل ، والأهم
منها أن صنع الممثلين أنفسهم عظاما ، ما كان مجرى حياتهم الفنية ليتغير من
دونه . منذ التقى أحمد زكى بمحمد خان ، ولم يبارح أسلوب التقمص
هذا ، على الأقل فى أفلامه الأكثر جودة وإتقانا . كاتب هذه الكلمات
قابل أحمد زكى بعيد تمثيله لفيلم آخر لمحمد خان هو ’ زوجة رجل مهم ‘
1976 ، لم يكن يعرف ماذا مثل ولا عن أى فيلم يتكلم ، لكنه كان يشكو من
إصابته بالقولون العصبى بسبب اندماجه فى أداء هذا الدور . يحكى الكثير عن
تواضع وطيبة أحمد زكى وتهذيبه وملاطفته للجميع وأن ليس له طلبات خاصة ولا ما
يسمى ’ منظرة ‘ أو تظاهر أو ’ بريستيچ ‘ النجوم ، لكن
يقال إن شرطه الوحيد فى موقع التصوير فى فيلمى ’ ناصر 56 ‘
و’ أيام السادات ‘ كان فقط أن يناديه الباقون بـ ’ يا
ريس ‘ . فهذا أبسط متطلبات الاندماج ! ’ موعد على العشاء ‘ لمحمد خان أيضا
ودرجة نضج وتميز جديدة أخرى . لا يدور على الطرق المعفرة ، يقدم شخصية
متقلبة لكن ليست خشنة كسابقتها . المهنة تقتضى نعومة ورقة كبيرتين ،
كوافير نساء . أحد أكثر الأفلام الترقب المصرية تعبيرية وأناقة سينمائية ،
واعتمادا على التأثير غير المحسوس على عواطف المتفرج بل وتحت الشعور لديه .
مثلا ماذا تعتقد إذا عرفت بعد مشاهدتك له ، إنه لم يصور لك سعاد
حسنى ، إلا من خلف قضبان أو زجاج سيارات أو على الأقل من مسافات
بعيدة . عمل حزين ومؤثر وأحيانا مؤلم ، لكنه فى العمق البعيد ،
فيلم تعليق اجتماعى قوى وموضوعه الأساسى كيف يصادر الأغنياء أحلام
البسطاء ، وبالتوازى هو فيلم عن حرية المرأة ، وثمنها الباهظ ،
الذى يجب أن تدفعه فى مجتمع محافظ . حتى القصة الفرعية الأم التى تريد
الزواج وتموت من السعادة ، توحى بظلال وارفة على الفيلم كله ( فقط
عيبها أنها لم تنسج فى الدراما الأصلية بل سارت كما الخطين
المتوازيين ) . المهم : ذلك الخيط الأساسى هو طلاق زوجة من رجل
بيزنس ، ومحاولتها شق طريقها بالعمل ثم بالحب الحقيقى ، لكن بطش الأول
يلاحق الجميع ، إلى ان تدعوه يوما لعشاء انتحارى ! … قيل كلام كثير عن أن الشركة المنتجة لفيلم
’ حليم ‘ استغلت أحمد زكى أكثر مما يجب ، وكانت سببا فى تفاقم
حالته المرضية . هذا غير صحيح من أكثر من زاوية ، طبعا الكل تعاطف مع
أحمد زكى فى مرضه ، بدءا من النجمات اللاتى كن يزرنه على منوال شبه يومى
مثل المريضة أيضا مديحة يسرى ، ومثل متدفقة العواطف يسرا ، ذلك حتى
بسطاء الناس الذين ذهبوا لمستشفاه فى مدينة السادس من أكتوبر يعرضون تقديم أى
أعضاء من أجسادهم أو أية أموال ، لو كان العلاج فى حاجة لأيهما . لكن
مع ذلك لو حاولنا تسمية من كان أكثر كرما مع أحمد زكى فى محنة المرض ، فلن
نذكر سوى اسمين ، حسنى مبارك ، وعماد أديب ( الصحفى المثقف منتج
حليم ) . السبب الأهم الأدعى للقول بأن ذلك الكلام عن الاستغلال ليس
إلا هراء محضا ، هو أحمد زكى نفسه . دون أدنى شك أن رغم كل ما يمكن أن
يروى عن التهديب والتواضع والطيبة فى شخصيته ، فإنه لا يوجد على وجه الأرض
أحد يمكن أن يرغمه على فعل شىء لا يريده ، وتصوير حليم كان شبقا شخصيا لا
يدفع إليه أحد ولا يقف فى طريقه أحد . نقول لا أحد يرغمه على فعل شىء لا يريد ، بما
فى ذلك محمد خان نفسه ! إذن ، طائر على الطريق ، موعد على
العشاء ، زوجة رجل مهم ، أحلام هند وكاميليا ، مستر
كاراتيه ، وحتى ’ أيام السادات ‘ . فى كل مرة
يختلفان ، وغالبا تتسرب قصص الخلافات فى موقع التصوير للصحف ، وأحيانا
يتوقف التصوير نفسه كما حدث فى الفيلم الأخير . الفارق فقط بين محمد خان
وغيره من الموجهين أن هؤلاء كانوا يرضخون لرؤى أحمد زكى الفنية ، أو ربما
يفرحون وينبهرون بها ، لكن محمد خان صاحب الرؤية والثقافة والذى يعرف ما
يريد ، لم يكن ليسمح بأن يفرض ممثل عليه شيئا لا يراه مناسبا للفيلم .
هنا كان العامل الحاسم هو تلك الثقافة والرؤية وقد امتزجتا بتهذيب وتواضع
مماثلين ، وبقدرة كبيرة على الإقناع . هكذا فقط كانت تحل الأمور بين
خان وزكى ، وبعد كل مرة يقسمان ألا يتعاونا ثانية أبدا ، لكنهما كانا
يتعاونان من جديد ، ويصنعان أفلام أخرى لعلها الأفضل فى مسيرة كل
منهما . آه ! أيام السادات . بينما كرم المركز
الكاثوليكى هذا الفيلم بجائزة أحسن فيلم ، وكرمت جمعية الفيلم أحمد زكى
بجائزة التمثيل ، خرج الفيلم صفر اليدين من المهرجان القومى ، وكانت
فضيحة ما بعدها فضيحة . المفروض أن هذه الجائزة تكرم الإنتاجات
المتميزة ، وحتى لحظته ما كان للسينما المصرية فيلم أضخم إنتاجا ،
ورغم إيراداته الهائلة ، خرج خاسرا ، جزئيا بسبب تسرب نسخة ڤيديو
له ، وبالنسبة للمهرجان القومى ما كان له فى تاريخه أن يجد حالة أكثر
مثالية لمنحها الجائزة الكبرى ، لكن المشرفين على المهرجان ولجان تحكيمه
كلهم ذوى اتجاهات ماركسية وناصرية معروفة ، لا يكرهون أحدا قدر كراهيتهم
لأنور السادات ، ولم يخجلوا عن خرق أبسط القواعد والأعراف التى بنيت عليها
فكرة جوائز الدولة ذات القيمة المادية المجزية نسبيا ، وأضحت بالنسبة لهم
ككل الجوائز الأخرى التى تمنحها جمعياتهم ، بفارق أنها ليست مجرد شهادة
ورقية ، بل شيكا سمينا يعوض لهم عطالة أصدقائهم وفشل أفلامهم . تسأل
من فاز بالجائزة الأولى فى تلك السنة : فيلم ’ مواطن ومخبر
وحرامى ‘ . أحسن تمثيل صلاح عبد الله ’ مواطن ومخبر
وحرامى ‘ أيضا . وإذا عرف المخرج ، أقصد إذا عرف السبب بطل
العجب ! استمر عقاب أحمد زكى ممثل ومنتج أيام
السادات ، للعام التالى ( وربما للأبد ، وعلى الأقل مستمر حتى
صباح اليوم فبينما تفرد ’ الشرق الأوسط ‘ الصفحات والصور والأجمل منها
أحلاها مؤخرا
ذاك السبق الصحفى البارع مع موظفى الرمسيس هيلتون الذى يقطن فيه النجم
الراحل ، كانت تغطية ’ الحياة ‘ دون المستوى بكثير بالنسبة
لصحيفة تكرس ‑على هوى أيديولوچيتها طبعا‑ جل اهتمامها للآداب
والفنون ! ) . خرج ’ معالى الوزير ‘ صفر اليدين ،
رغم أنه واحد من أفضل الأفلام النفسية فى تاريخ السينما المصرية ، ومن أفضل
ما مثل أحمد زكى وما كتب وحيد حامد وما وجه سمير سيف . من الفائز ؟
أحسن فيلم ’ خريف آدم ‘ . أحسن ممثل أحسن مخرج ’ خريف
آدم ‘ أحسن ممثل ’ خريف آدم ‘ ، أحسن كل حاجة ’ خريف
آدم ‘ . هل سمعت عن خريف آدم هذا ؟ هل عرض أصلا ؟ هل سيعرض
ولو فى المشمش ؟ لا أحد يعرف . وأيضا إذا عرف السبب بطل العجب ! أيضا على ذكر الجوائز ، فى مهرجان جمعية
الفيلم ‑الجائزة الأكثر مصداقية فى مصر حتى لو اختلفت معها أحيانا‑
فاز أحمد زكى مرارا وتكرارا بجائزة التمثيل بما فيها ثلاثة على التوالى فى
الأعوام الأخيرة ، عن ’ أرض الخوف ‘ 2000 ، أحد أفضل أدواره
بالتأكيد وكذا يفوز بأحسن فيلم وأحسن إخراج لداود عبد السيد ، وكذا فاز
بجائزة لجنة التحكيم من مهرجان القاهرة . ثم يفوز فى العام التالى عن أيام
السادات . وعن العام الثالث على التوالى عن ’ معالى الوزير ‘
2002 . نعود لمهرجان أفلام 1981 بفيلم طائر على الطريق وبقية أفلام السنة
التى يمكن أن نسميها سنة الانتشار ، لولا أن هذه كلمة سيئة السمعة ،
’ فانتشاره ‘ هنا كان بثلاثة أفلام يتفوق كل منها على الآخر .
الأفلام لأحمد زكى عرضت كلها فى مهرجان جمعية الفيلم فى تلك السنة من مجموع ثمانية
أفلام لكل المهرجان ، ’ طائر على الطريق ‘ ، و’ عيون
لا تنام ‘ الذى فاز عنه ، وثالثا ’ موعد على
العشاء ‘ . فى مهرجان أفلام 1986 كانت واحدة من تلك المرات الأخرى
وكانت عن فيلم البرئ ، وكانت ثلاثية المنافسة أيضا بينه وبين نفسه .
اثنان من الثلاثة هى أفلام عاطف الطيب المشاركة فى تلك السنة ، الفيلم
الآخر هو الحب فوق هضبة الهرم ، زائد فيلم دخل المنافسة فى فرع التمثيل دون
أن يعرض كفيلم مختار ، وهو شادر السمك . ما أردناه بهذا هو التنوية
بذلك اللقاء المشع الآخر ، بين أحمد زكى وعاطف الطيب ، فكلاهما من
أصول متواضعة ويجيد الكلام عن الطبقات الشعبية الكادحة ، وفعلا ما كان
لأفضل منهما أن يخوضا فى مثل هذه الأفلام . من غير جوائز المهرجانات المصرية كانت جائزة مهرجان
دمشق عن زوجة رجل مهم هى أبرز جوائزه من خارج مصر . كذا هناك تكريم معهد
العالم العربى له سنة 1991 وعرضه مجموعة من أفلامه . وبعيدا عن المهرجانات
والجوائز هناك وسام الاستخقاق الثقافى التونسى ، والملفت أن الرئيس زين
العابدين بن على اتصل بالرئيس مبارك شخصيا ليعزيه على
الفور فى وفاة أحمد زكى . أما عن الرئيس مبارك فهناك طبعا وسام الفنون
من الطبقة الأولى له ومثله لباقى الفريق الرئيس لفيلم أيام السادات . أحمد زكى فنان حتى النخاع . يحلو له أن يتعامل
مع حياته كأنها دور سينمائى . حتى مرضه أحاله دورا ، وظل يباهى بهذا
طوال الوقت . جعله كوميديا تذكره بمشهد الملوخية من شارع الحب ، وجعله
مأساة ، وجعله مشاهد رعب ، ووضع فيه مشهدا قدريا تتصور فيه سيمفونية
بيتهوڤين الخامسة تدق فى شريط الصوت ، نقصد لحظة أن عرف أن الطبيب
الذى يعالجه فى لندن هو نفسه الذى عالج عبد الحليم حافظ . يقول هذه أول مرة
شعر فيها بالخوف . لعله يقصد أنه عرف أنه سيموت . قصة أحمد زكى ،
كفاح هائل لنمر أسود ، من فاقة القاع إلى مجد الشهرة والنجومية .
النجومية باتساع معناها ، بتعريفها المتداول فى الثقافة الجماهيرية ،
ان يصبح الفنان ظاهرة تؤثر فى الحياة اليومية للناس . تتحور تصميمات قصة
الشعر التى يفضلها الشباب ، لكن اسمها لم يتغير
’ كابوريا ‘ . هذه الصفحة كتبت يوما
رثاء لصالح سليم وتطرق الكلام يومها لبقية الطبقة الأرستقراطية من فنانى
السينما ، بالأخص عمر الشريف وفاتن حمامة . ومرة أخرى أسبق كتبت رثاء لسعاد حسنى ، ابنة
الطبقة الوسطى أو بالأحرى بارعة التلون لكل الطبقات . واليوم تكتب رثاء
لأحد ممثلى الطبقة الدنيا فى دنيا السينما وما أكثرهم وما أبرعهم ( بدءا من
حريفة الكوميديا العظام جميعا تقريبا كتابا وممثلين وموجهين ، حتى عبد
الحليم حافظ الذى لا غرابة أن أشرنا له مرارا اليوم ومن قبل وطوال
الوقت ) . بحكم الانتماء الطبقى أفكارهم قطعا ليست متطابقة ،
بل ربما متنافرة ، بل ربما متنافرة فى الشخص الواحد ( الشريف وحمامة
وسليم يحبون ما قبل 1952 ويحترمون السادات ، حليم يطبل لعبد الناصر ،
لكن كيف يمجد أحمد زكى ناصر والسادات معا ؟ ) ، مع ذلك المهم هو
الشىء المشترك الذى يجمعهم ، ولعله بالأصل سر الخلود ، ألا وهو فهمهم
جميعا لطبيعة السينما كفن جماهيرى بكامل معنى الكلمة . كلهم آمن بأن الهدف
من هذا ومن كل مسعى فنى هو هز عواطف الجمهور المعنى ، كلهم عايش وفهم
المادة التى يقدمها أعمق معايشة ، وكلهم فعل هذا وذاك على أكمل وجه . أحمد زكى قصة هائلة حافلة بالدراما والمعاناة
والسعادة والمجد ، انتهت نهاية قدرية بتماهى الواقع مع الأسطورة ،
فمثل عبد الحليم حافظ وكأنه يمثل نفسه ( أول موعد تلمح له الشركة لعرض هذا
الفيلم الذى وجهه شريف عرفة وأنجز أحمد زكى معظم دوره فيه ، حيث كانت تصور
المشاهد بالعكس بحيث لو مات يتم تمثيل الأدوار الباقية بالممثل الشاب الذى سيؤدى
حياته المبكرة ، أول موعد ألمحت به الشركة هو أواخر صيف الحالى
2005 ) . أحمد زكى قصة تراچيدية كبيرة ، تستحق هى نفسها
أن تروى على الشاشة . بل لعل الأقدار تنتظر شابا مغمورا الآن من محافظة
الشرقية كى يؤديها يوما ! …
27 أپريل 2005 : ما ستقرأه هنا ، هو مغامرة فريدة من نوعها ،
وكيف لا تكون ’ مغامرة ‘ و’ فريدة ‘ وموضوعها هو ’ سمير فريد —مغامرة النقد ‘ .
ذهبت عصر اليوم لاستلام كتب المهرجان المدعو بالقومى للسينما المصرية ،
وقومى كما تعلم ليس معناها أنه لكل المصريين . مهرجان القاهرة قومى ،
مهرجان جمعية الفيلم قومى ، حتى مهرجان المركز الكاثوليكى قومى ، أما
هنا فمعناها شىء آخر ، هو أن تكون ، سواء منظما أو محكما أو
فائزا ، مؤمنا بالقومجية العربجية .
ما علينا ، ليست هذه المشكلة . المشكلة
أن الطريق كان مسدودا ، بدايات صيف ربما والسيارات كثيرة الأعطال ،
بحيث عبرنا صديقى وأنا كوبرى قصر النيل فى نحو الساعة . هذا معناه أن لم
تكن هناك فرصة للعودة والذهاب من جديد لحضور حفل الختام . تركنى صديقى … سمير
’ فلاشباك ‘ فريد ( 1 ) : ’ كان من الشائع أن يكون الناقد الفنى مدير
دعاية للفيلم وينشر اسمه فى العناوين ، وقضيتى وقضية جيلى أن يستقل النقد
السينمائى كنقد ، مثل نقد الأدب أو المسرح ‘ : سمير فريد لم يستقل عن ثروت عكاشة وحسين القلا وكل
دهاليز وزارة فاروق حسنى ، لأنهم حسب قوله رآهم يحققون له أحلامه عن
السينما . فهل لم يكن حسن إمام عمر وعبد الله أحمد عبد الله وأبو السعود
محمد يرون فى أنور وجدى وآسيا وعز الدين ذو الفقار تحقيقا لأحلامهم عن السينما ؟
… سؤال تمهيدى برئ ! حتى السيد حسن جمعة الذى لا تزال كتاباته فائقة
المتعة والفائدة بعد قرابة قرن كامل عليها ، تحول لمذنب . ما هو
الذنب ؟ أنه ‑صدق أو لا تصدق‑ سقط منه سهوا كتابة تاريخ عرض
’ قبلة فى الصحراء ‘ ! أى جرم هذا إذا ما قورن بالتزوير الفاضح
الشامل المتعدد والمتعمد ، لكل الماضى والحاضر وحتى المستقبل ، ليس
للمعلومات فقط إنما للفكر وبالفكر للرأى وبالرأى ، هذا الذى أتانا به هؤلاء
الذين جعلوا النقد السينمائى ’ مستقلا ، محترما ، ذا أجر يضاهى
أجر النقد الأدبى ‘ . قبل كل شىء دعك أصلا من التزوير ، لن نتحدث فى
هذا الفلاشباك لا عن الآراء ولا عن التاريخ . خلينا فقط فى المعلومات
الصرف ، ما سقط منها سهوا أو غير سهو . سمير فريد يقول عن جمعة إن
تاريخ عرض الفيلم سقط منه لأنه كان جيلا بلا منهج ، وفى مناسبات كثيرة
استخدم ذات التعبير لوصف فريد المزاوى ولوصف أحمد الحضرى ، أو تقريبا كل من
تجرأ وخاض فى المنطقة الاحتكارية المحرمة المسماة معلومات السينما
المصرية ، وأقصد بالاحتكارية المحرمة ليس أن أحدا ‑سمير فريد مثلا‑
ينتج هذه المعلومات وحده للناس ، بل أنه لا يريد أن ينتجها أى أحد إطلاقا
بما فيها هو نفسه ، وهو واقع الحال . مبدئيا هذا الجيل برمته ‑جيل سمير فريد
وصحبه ، جيل الهزيمة المسيس‑ لا يحترم المعلومات أصلا ، وآخر من
يمكن أن يعظنا فى المعلومات . هنا لا أقصد المعلومات كعلم من علوم
الحاسوب ، أو كتصميم لقواعد البيانات شديد الصعوبة ، إنما أقصد
بالمعلومات المعلومات ، فقط ذاك الشىء الجاهز المسمى المعلومات . ذاك
الشىء الذى يفترضون دوما أنه موجود على الرف . هم يرون أنفسهم أصحاب رأى
ورسالة بالأساس ، ويرون المعلومات شغل معدومى الموهبة ، غير القادرين
على الكلام الكبير والنظريات مثلهم . الهدف الوحيد منها ثانوى جدا ،
يستعينون بها أحيانا لصياغة نظرياتهم الجهبذ ، وأحيانا أغلب يستغنون عنها
بالكامل . هذا ما يقال دوما فى المجالس الخصوصية ’ فلان ده موش
ناقد ‘ ، وأحيانا يخرج الكلام للعلن . هذا الفلان ‑والأسماء
تبدأ بجمعة ولا تنتهى بأحد معين‑ يمكن أن يكون شخصا شاهد عشرات الآلاف من
الأفلام الأميركية وعلمها لأجيال مثلنا عبر كتب موسوعية أو سيل من الترجمة شبه
التطوعية أو عبر بثها على شاشات جمعيات ونوادى السينما أو شاشات التليڤزيون
( لاحظ الترجمة أيضا شىء لمحدودى الموهبة ، وسجل شلة النقاد الجهابذة
ليس به أية ترجمة لأى شىء تقريبا ) . هو جيل ديماجوچى لم يوثق لنا عشر معشار ما وثقه
’ عديمو المنهج ‘ ، لكنه لا يفوت أية فرصة لتسخيف جهود
الآخرين . رغم كل ذلك ، سمير فريد لم يقل لنا أبدا ما هو منهجه
هو ، وطبعا لم يجرؤ أن يسأله أحد . سمير فريد نفسه ‑وهو بلا شك
الوحيد الذى يأتى على ذكر كلمة معلومات فى كل جيله‑ يعد ملفاته الأسطورية
بطريقة القص واللصق من الأصول ، ودعنا من الخلاف حول تعريف كلمة
أصول . ليس هذا فقط بل هو يختزلها فى حقول قاعدة بيانات محددة سلفا ومجمدة
للأبد . هذا يضطره مثلا لشطب تسمية ستوديو مصر لفريتز كرامپ مديرا فنيا
لفيلم وداد ، ويضع عليه ( طوعا ) التسمية المتفاخمة الأثيرة
لأصحاب سينما المؤلف أو عموما للناطقين بالعربية أقصد بالفرنسية
’ المخرج ‘ ، أو يضعها ( قسرا ) لمجرد كون معظم بقية
الأفلام تستخدمها ولا بد أن تكون هى اسم الحقل فى قاعدة البيانات . وأحيانا
تكون الحالة أسوأ كأن تخترع مهنة سينمائية جديدة ، أو كأن يعن مثلا لخيال
السيد يوسف شاهين أن يسمى وظيفته فى الفيلم رؤية سينمائية . ساعتها تضيق كل
قواعد البيانات ذرعا ، وهى ضيقة أصلا . لا يوجد فى التاريخ كله وسيلة
أفضل من هاتين ( حجر المعلومات بعيدا عن سياقها الأصلى و / أو
اختزالها لقاعدة بيانات بينما طبيعتها لا تسمح بذلك ) ، لا يوجد أفضل
منهما ’ منهجا ‘ لاغتيال هذه المعلومات ، ذلك ‑أى اغتيال
المعلومات‑ طبقا لمصطلح متواضع اخترعته مقدمة كتابى ’ دليل
الأفلام ‘ 1998 ، الذى أزعم أنى تجاوزت فيه لمدى معقول إشكالية
الاغتيال هذه ، وقدمت طريقة للاحتفاظ بالمعلومات على حالتها الخام
جدا ، فى الأصول جدا ، بأقصى قدر ممكن ، طبعا ليس كمجرد طرح
أفكار ونظريات فقط من جانبى ، بل تطبيقا عمليا واسع النطاق من خلال الكتاب
نفسه . نعم ، سمير فريد لم يقل لنا أبدا ما هو منهجه
هو ، وطبعا لم يجرؤ أن يسأله أحد . من منهج سمير فريد هذا الأقرب
للأسطورة منه للوجود على أرض الواقع ، خذ هذا المثال لتزوير
المعلومات ، كنت أنا طرفا فيه ، أو لأتركك تسميه ما شئت بعد
ذلك . كنت عضوا فى لجنة مهرجان الأفلام الروائية الأول ( أوائل
1991 ، وأول ثلاثة تعاونات بيننا فى إقامة مهرجانات ، كانت كلها ‑وحمدا
للسماء ، وبغض النظر عن كونها مثمرة من عدمه‑ تعاونات عاصفة
للغاية ! ) . فى أول اجتماع عرضت علينا اللائحة . فى الواقع
كان عرضها تحصيل حاصل لأن سمير فريد كان قد كتبها منفردا قبل تشكيل اللجنة
أصلا ، وأدخلتها رئاسة صندوق التنمية بسبب ضيق الوقت كالعادة
المصرية ، حيز التنفيذ الإجرائى الفعلى . لكن ما حدث هو أنى استفززت
أيما استفزاز من بند فيها يقول إن تاريخ الفيلم هو تاريخ خروج أول نسخة منه من
المختبر . قلت هذه بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، والضلالة هذه المرة
لا نظير لها فى أى مكان فى العالم ، لا فى الماضى ولا فى الحاضر ولا فى
المستقبل . طبعا كان مفهوما للجميع لماذا كتبت اللائحة هكذا . لقد
كتبت من أجل شلة الحبايب بتوع سينما المؤلف ( سنتحدث عنهم تفصيلا فى
الفلاشباك الثانى والثالث وكل الفلاشات ) ، هؤلاء الذين لا تعرض
أفلامهم أبدا . انظر النتيجة الآن ، لدينا حفنة من الأفلام ( آخرها
’ خريف آدم ‘ ) ، هى بأى عرف عالمى أفلام لا وجود
لها ، لم تولد بعد ، وربما لن تولد أبدا ، لكنها مسجلة كأحسن
فيلم مصرى لسنة كذا وكذا ، وقبض أصحابها مئات من الآلاف من الجنيهات فى
جيوبهم . فى الأوسكار يولد الفيلم إذا عرض فى لوس أنچيليس
سبعة أيام كاملة متواصلة ، وبمواصفات معينة لحجم العرض وباشتراطات للحدود
الدنيا للدعاية ، وأشياء كثيرة مشابهة . حتى لو كان مكسر الدنيا فى
نيو يورك فهو لم يولد ، لأن نيو يورك فى عرف المجتمع السينمائى مجرد
قرية . هل تعرف أنت أين أو متى عرض القبطان أو عرق البلح ؟ أى فيلم
صوره أى واحد منا لعيد ميلاد بنته أو ابنه أنا متأكد أن شافوه ناس أكتر ،
وشهادة المختبر تؤهله لمسابقة القومى تمام التأهل ، وأكيد طبعا طالما الناس
دى حبت تشوفه فهو أحسن فنيا وله معنى ، وموش ضرورى حتى يكون غنى فيه عمرو
دياب أو رقصت فيفى عبده . الفيلمان المذكوران كان كل منهما أحسن ‑تخيل
كلمة ’ أحسن ‘‑ فيلم صنعته كل السينما المصرية فى عام
كامل ؟ يا للعار ، ويا للهوان ، يا بلد القوالب النايمة
( بلد طلعت حرب سابقا ) ! بل العار الأكبر ‑أو لعله ليس
عارا يذكر‑ أنى سمعت مؤخرا أن حتى تاريخ شهادة المختبر لم يكن له الأهمية
التى قد تتخيلها ، ذلك إذا كنت من الحبايب جدا من نوعية خريف آدم وتأخرت عن
31 ديسيمبر ( يعنى هى جت من كام يوم يا سيدى ؟ ) . دعك من
أى شىء يخص هذا ، كن بريئا كما اتفقنا ، وتأمل فقط فى شق تزوير
المعلومات فيه ، واخرج بعده بما شئت من تسمية . أما عن الرأى ، تزوير الفكر والسباب المرعب
وهيل التراب على الإسهامات الفنية لخيرة المبدعين الحقيقيين فى عيون الناس
( وليس المبدعين اصطناعا بضجيج صحف جيل الهزيمة ) ، فحدث ولا
حرج . سنفيض فى هذا فى الفلاشباك التالى . لكن هل تريد أن تعرف أولا
ما هى الجريرة الحقيقية للسيد محمد جمعة فى نظر ترزية المنهج ؟ أنه
متواضع ، لا يعرف أنه رائد ، ولا يعرف أن بعد موته سيظهر شىء اسمه عصر
المعلومات ، وأن ما كتبه سيصبح ثمينا للغاية بحيث يجب أن يصبح مرجعا موثوقا
لمئات السنين القادمة ، دع جانبا أن البعض من الممكن أن يصنع ثروة منه .
فى المقابل حاول أنت بعد مائة سنة ، أن تتخيل صورة السينما لدى باحث
ما ، لو أنه اعتمد فى قراءاته على كتابات ’ جيل الستينيات ‘
الأثيم هذا . ( ملحوظة : جيل الستينيات هو اسم الدلع لجيل
الهزيمة ) . … سمير
’ فلاشباك ‘ فريد ( 2 ) : ’ انزعجت كثيرا لأن ناقدا إسرائيليا وضع دراسة
عن دورى فى تسييس السينما فى مصر . كنت أفضل أن يكون دورى الأهم الدعوة إلى
سينما المؤلف مثلا ‘ : ولا تزعل يا عم ! تسييس السينما جريمة ،
والدعوة لسينما المؤلف جريمة أفدح . أسئلة أولية بريئة : هل يمكن أن
يسمى إغلاق شينشيتا وپاينوود وستوديو مصر بالضبة والمفتاح ميلادا لسينما
جديدة ؟ ألم يكن من الأجدر استقدام خيرى بشارة ورأفت الميهى وداود عبد
السيد للاشتغال لحسين القلا بألفى جنيه بدلا من عشرة ؟ كانوا سيقبلون لأنهم
عاطلين ، ذلك بدلا من منحهم 50 الفا وترك الرجل يفلس فى سنوات قليلة .
هذا هو تفكير البنائين ، فى مقابل للأسف أن تلك هى عقلية اليسار ، بعض
البشر خلقوا ليدفعوا الضرائب ، والبعض خلق لينفقها ، والشهية عندهم لا
تنتقص أنملة واحدة ‑بل تتحول نضالا‑ لو لم تكن تلك أموال ضرائب إنما
أموال رأسمالى طيب وثق بهم . مبدئيا لا أريد من أى أحد أن يأخذ كلامى عن الأسماء
المذكورة ، بالذات صراحة ، هنا أو لاحقا ، بأكثر من محمله البارد
جدا الأكاديمى جدا . معظمهم أصدقاء ، وكلهم رائعون ، جميعهم مثقف
صاحب فكر وخبرة حياة ستستمتع سواء لو سهرت معهم أو لو سمعتهم يتحدثون فى التليڤزيون .
أنا شخصيا اتمتع بكل كلمة يقولها يوسف شاهين مثلا فى أحاديثه . لكن كل هذا
شىء ، وحقهم فى صنع أفلام تخسر ليس بها مواصفات كلمة فيلم من الأصل ،
والأدهى تفرض عنوة بالصوت العالى على الناس ، شىء آخر .
فى سينما السياسة وسينما المؤلف معا ، ليس
لدى ، ولا لدى أى أحد ربما ، أعمق ، ولا أقذع لو شئت ، من
عبارة كثيرا ما اقتبست عن نجيب محفوظ ومكررة أيضا بالكتاب ، تلك التى قالها
لأعضاء جماعة السينما الجديدة حين ذهبوا يطلبون منه بإلحاح كرئيس لمؤسسة السينما
دار سينما ديانا لعرض ’ أغنية على الممر ‘ ، قال :
’ خذوا سينما ديانا ، واعرضوا فيها الفيلم حتى لو لم يكن هناك أى
متفرج ، ولكن هل تريدون أن تهزموا فى سيناء وتنتصرون فى سينما
ديانا ! ‘ آه ! نجيب محفوظ . إذن لنؤجل مرة أخرى
موضوع تزوير التاريخ السينمائى جانبا ، إذ ليس ثمة أكبر ولا أفدح كمثال على
’ منهجهم ‘ ما فعلوه بنجيب محفوظ كأديب ، أيضا :
زوروه ! نجيب محفوظ ، تحديدا فى ’ بداية
ونهاية ‘ ، سخر من العسكر فى وقت لم يكن مسموحا فيه كصورة لضباط الجيش
المصرى إلا بصورة يسوع المسيح المخلص الهابط من السماء . ’ مرمط بيهم
البلاط ‘ ، كشف أصولهم الوضيعة ، ونفسياتهم المريضة . هو
الوحيد الذى فعل ذلك فى الصميم وبصراحة فاضحة وتحديدا وهم فى ذروة
جبروتهم . إذلال ما بعده إذلال ، ثم عاوده كما تعلم ، إما على
نحو أقل خشونة وتسديدا للرموز الكبيرة ، أو عاوده بعد ذروة مجدهم ،
كلا الأمرين فى ألف عمل وعمل آخر . نجيب محفوظ هو الذى تنبأ بالهزيمة على
يد إسرائيل ، إن لم نقل تنبأ باحتلال أميركا للعراق ، مبشرا ‑إن
لم نقل مرحبا‑ ومحددا أميركا بالاسم ، ذلك فى السطور الأخيرة
لميرامار التى ظهرت عشية يونيو 1967 ، كى تقول إن كل الطرق الثلاث المطروحة
‑الشيوعية والقومية والإسلام‑ هى طرق بائسة يائسة ومسدودة
المستقبل . أما مصر نفسها فهى فتاة بائسة مغلوبة على أمرها وسفح دمها من
اللحظة الأولى تقريبا ، وكل السؤال هو أى من هؤلاء الثلاثة هو
الفاعل ، أم كلهم مجتمعين لو شئت . وبعد أن فرغت تماما من إثبات هذه
الفكرة على نحو شامل وجازم ، ألقت فى الصفحة الأخيرة فى فراغات العقل
العربى العطنة العفنة الراكدة ، بذلك الحجر الأميركى الطائر الطائش لعله
يجد من يتلقفه ويفهم فحواه . نجيب محفوظ هو الذى أيد بحماس لا يحتمل اللبس
وغير مشروط زيارة السادات للقدس ، ورحب بالسلام وعانق القوة الحداثية
الوحيدة بالمنطقة ، تقنيا واقتصاديا وحضاريا وكل شىء ، إسرائيل ،
اليهود الذين دونا عنا جميعا ، نحن سكان المناطق الحارة ، عولجوا من
لعنة السامية ، يوم ذهبوا لمحارق بلاد الصقيع ، وعادوا بعد ألفى سنة
مطهرين . عادوا شيئا آخر مختلف المواصفات چيينيا بالكامل عن أولئك اليهود
الذين تمتعنا بقصص سيرتهم العطرة الكتب المقدسة ، الذين كانوا بالضبط مثلما
كنا ولا نزال ، حيوانات غريزية انفعالية هاجسها الأهل والأرض والعرض
والفرض . عادوا أشكيناز صهاينة ، آلات عاقلة باردة ثوابتها العلم
والعلمانية والعملية والعالمية ، وردة أنبتت فجأة فى مقلب الزبالة المسمى
عربستان ، أو فى قول آخر فى بلاد الله أكبر والعزة للعرب . كانت المشكلة أن من الصعب أن تعامل نجيب محفوظ
كحسام الدين مصطفى ، تفتح عليه قاموس السباب . ستبدو جاهلا
ساعتها . هو يعرف مثلهم ديستويڤسكى وتى . إس .
إيلليوت ، وقد تقول أنت إنه يعرفهما أفضل منهم . هو هرم أكبر يستحيل
تجاوزه ، عبد الناصر نفسه فشل فى هذا بسبب جماهيريته الكاسحة . ما
الحل ؟ على طريقة تمييع الهزائم بأسماء دلع مثل النكسة والثغرة ،
جعلوه يساريا . طالما هو يتحدث عن حى الغورية يبقى لازم شيوعى . وزى
ما هم بتوع الپروليتاريا وبس ، يبقى اليمين هو بتاع الأرستقراطية
وبس ، ونجيب محفوظ يبقى كده تبعنا موش تبعهم . طبعا لا يمكن أن يخطر
ببالهم أن ما يسمونه باليمين لا يتحدث باسم طبقة واحدة ، أو أنه لا بد
بالضرورة من أن يحارب بالتالى كل الأخريات ، إنما هو رؤية شاملة لكل
الطبقات ، يحبها كلها ويتبناها كلها ، فقط يؤمن بتخصص الأدوار فيما
بينها . الثلاثية شىء مرعب لو قرأته بعيدا عن المذكرات التفسيرية لنقاد
اليسار . هى تاريخ الست أمينة ، تاريخ مصر ، منذ فجر
التاريخ ، حتى ‑حسنا !‑ نهايته . التاريخ الذى بدأ
بعشرين صفحة لها ’ وحيدة ‘ فى عش العفاريت ، تهش خفافيش الخرافة
التى تنهش وجهها وجسدها طيلة الليل والنهار ، وانتهى بموتها ، خروجها
من الجغرافيا ، كله دون أن ترتقى حياتها المادية أو العقلية قدر أنملة
واحدة ، إنما هى بالضبط كما من 7 آلاف سنة مضت ، أم التخلف ، أم
الدين ، واسم الدلع أم الدنيا . موش جايز عمو نجيب كان بيدور فى
الغورية على الأعماق الچيينية للشعب المصرى ، وجايز أنه أثبت أنها من يومها
إيدك والأرض . وموش جايز أن الثلاثية أعظم إدانة شهدها الأدب
العالمى ، لمصر العظيمة شعبها العظيم وعقليتها الأعظم وعبقريتها الأعظم
وأعظم ( بتاع جمال حمدان ) . وموش جايز كمان إدانة لأخوك بلشڤى
مصر الأول سعد زغلول إللى كل ما قاله عنه نجيب محفوظ أنه كان يمثل ’ حماسة
العاطفة ‘ له وهو طفل فى الثامنة من عمره ، ولما مستر محفوظ المهذب
المؤدب المجامل الدپلوماسى يقول كده حاول تفهم أنت الباقى . على فكرة أنا موش من أنصار أوى حكاية مؤدب ومجامل
دى . رواياته ما بتقولش كده . هو فقط كاتب روائى مهنته فى الحياة قول
الأشياء بطريقة إيحائية . هو دايما يقول فكرى هو رواياتى موش
مقالاتى ، ورواياته على كل إيحائيتها مدفعية ثقيلة لا تعرف تهذيبا ولا
دپلوماسية . هى حريته الحقيقية انطلاقة فكره الكاملة ، على العكس من
المقالات التى تحفها محاظير لا نهائية ، لكن برضه ما حدش عاوز يفهم .
على فكرة كمان مصطلح الأعماق الچيينية ده من اختراعى أنا من زمان ، ويناظره
عند دكتور كيسينچر اليومين الأخرانيين مصطلح الطبقات الچيولوچية للشعوب ،
لكن لو عاوز تعرف مين أصله بالظبط لا أنا ولا هنرى ، استنى شوية لفلاشباك
4 . خلينا فى الثلاثية . قالوا عليها عظيمة لكن أفلام
حسن الإمام زبالة . موش ها أقولك المؤدب والمجامل تانى ، ها أقول لك
إللى وصلنى من كاتب سيناريو وبعد ، وككل قصة لهم لا بد وأن تكون مريرة
وغصتها فى الحلق كبيرة ، اليوم لن أستغرب إن علمت أن صوت اليمين الحقيقى
الأصيل والوحيد بعد سحل تجربة الليبرالية المصرية على يد دهماء 1919 ، وهو ‑أى
نجيب محفوظ‑ أكبر بالتأكيد من أن يمسه أحد أو شىء ، ربما يعانى من
بعض المرارة لأنه عاش طيلة عمره ، هو ورسالته ، موضوعين فى الخانة
الزور ! على فكرة وبمناسبة العسكر ، أو فى قول آخر
’ الآن اكتشفت أن عسكر يوليو الذين مجدناهم لقرون مجرمون ‘ ،
نسيت تحية وائل عبد الفتاح معد الكتاب ، شكرا للمتعة ، وطبعا شكرا للوثيقة .
فقط عتابى الوحيد أنك تسمى عسكر يوليو بالچنرالات . هم يا صديقى بكتيرهم
وكبيرهم بكباشية وليسوا چنرالات . لو كانوا چنرالات كانوا هيعملوا زى
فرانكو أو سالازار أو چنرالات فيلم زد أو چنرالات نمور آسيا أو طبعا الچنرال
پينوتشيت ، إللى وزراء الحكومة الأميركية من 25 سنة ولغاية النهارده
الصبح ، بيحجوا لسانتياجو علشان يحاولوا يفهموا إزاى عمل نظام ضمان اجتماعى
قطاع خصوصى . أستاذى ، لو كانوا چنرالات لكانوا قد صنعوا لبلادهم
طفرات اقتصادية مذهلة ، وليس سواقتها إلى الخراب المطلق . يبدو أن
النحاس الأصفر مهم فعلا هنا ، إما يوديك يمين ويعمل المعجزات لو تقيل ع
الكتف ، وإما يويدك شمال ويودى كل البشر فى داهية لو أنت البكباشى ناصر أو
البكباشى معمر وبقية القائمة أنت تعرفها ! عتاب آخر لا أعتبر نفسى مفوضا جدا بالترافع
فيه ، لكنى فقط أطرحه ولعل لديك أنت أو غيرك الإجابة . هاشم النحاس ليس العضو
الرابع فى عصابة الأربعة . هل عضوية المقعد الرابع دورية متحركة ، هل
لا يوجد مقعد رابع أصلا ، وجرت التسمية هكذا نقلا عن الصين ؟ هل السبب
أنه أول واحد من جيله السينمائى يحتل منصبا رفيعا بوزارة الثقافة فصار مطمعا
لانتفاع المنتفعين ، وحين خذلهم صار عدوهم ونزعت عنه العضوية
المزعومة ؟ لا أعرف بالضبط ، لكن أعرف أن لهاشم النحاس صفات مختلفة
كلية عن كل ’ الشلة ‘ وليس ثالوث النقاد الباقين فقط ( وهم
أنفسهم بالطبع ليسوا نسخة طبق الأصل من بعضهم البعض . فعلى أبو شادى مثلا عنيف
جدا قومجيا ويساريا فى كتاباته ، لكنه على الصعيد الشخصى ودود صدوق مهذب
وكريم مع الجميع ، يهتم كثيرا ‑على الأقل فيما يعرف عنه‑
بمصداقيته وباحترام الناس له ) . أما النحاس فاختلافه بين جدا ويشمل
كل الأصعدة . إنسان رقيق عف اللسان عريض الثقافة محب للأفلام وصناعها مصريا
وعبر العالم ، دءوب ومدقق جدا قبل الإقدام على أى فعل أو قول ، أبدا
لا ينفعل ولا يندفع ولا يكره ، يحترم الاختلاف وتحترم أنت شخصه طوال
الوقت . هذه معا بصفته كناقد وكمدير ، وقد تعاملت شخصيا معه كثيرا فى
الأمرين ، صفات رائعة للناقد ولا أقطع أنها بالضرورة كذلك بالنسبة لوظيفة
مدير فى مصر . أيضا بصفته كفنان وثائقى ، هو بالمثل العكس 180 درجة من
كل الشلة . الوحيد ، وأضع تحت الكلمة عشرة خطوط ، الذى كان يوثق
من بلده وأهلها ما يحب وما يتمنى لما به من جمال أن يدوم . أما الباقون فكانوا
جميعا بلا استثناء ، لا يصنعون أفلاما إلا عن الأشياء التى يكرهونها
ويتمنون زوالها . أو ربما كانوا يصنعون أفلاما عن كل الأشياء ، وما
حدث هو أنهم يكرهون كل الأشياء ، بما فيها حتى السينما الوثائقية التى
هجروها عند أول ناصية وصاروا روائيين ، الشىء الذى لم يفعله هو أبدا ! إذن الشللية هى الكلمة التى تلخص أهل سينما السياسة
سينما المؤلف ، وعلى فكرة هؤلاء الثلاثة أشياء متطابقة تقريبا فيما يخص
مصر ، السياسة‑المؤلف‑الشلة . خذ مثلا محمد خان ،
هذا الذى لم يدخل الشلة أبدا . ربما كان من الممكن التغاضى عن أى
شىء ، بما فى ذلك أنه لا يكتب سيناريوهاته أبدا تقريبا ، واعتباره
مثلا نموذجا لسينما المؤلف بالذات وأنه مبدع مجدد . لكن للأسف جرائره
كثيرة . الأولى أنه فنان ناجح لديه الحد الأدنى من التواصل مع
الجمهور . الثانية أن مرجعيته مرجعية هولليوودية صرف ، لا هى مصرية
ولا سوڤييتية . الثالثة أنه مخلص لطبقته التى انحدر منها ،
الطبقة الوسطى ( لا خائن لها ولقيمها كسمير فريد ) ، بينما عضوية
الشلة تشترط أن تكون يساريا مسيسا تسييسا لا يحتمل التأويل . النتيجة أن
عومل ببرود تحول للهيب حين حورب فيلمه أيام السادات على نحو مذرى ومفضوح فى
المهرجان القومجى لصدام حسين ، أقصد للسينما المصرية . لا سياسة لا
شلة . لا أوتير لا شلة . صانع سينما رائع مرهف ، أحد رموز
النبالة العابرة الغابرة للطبقة الوسطى المصرية ، أصبح وحيدا شبه منبوذ
خارج دائرة الثقة النقدية ، لا يختلف عن نبالة الأرستقراطية السابقة عليه
الوحيدة المنبوذة مثله ، كلاهما طبعا ‑ولا غرابة‑ بواسطة
ديماجوچية جيل أحلام الناصرية الكبرى . لكن ليس مدهشا على أية حال أن وجد سمير فريد له
بابا للامتداح فى كتابه هذا . فإحدى مشكلات سمير فريد الكبيرة أن ضميره
حى ، بعد كل فعلة يندم بعد 10 دقائق ، أو بعد 40 سنة ، ويحاول
إصلاحها . الباقون ليس لديهم مثل هذا الضمير اليقظ ، سمير فريد بعد أن
يطلق الرصاص يسأل من كان الضحية وماذا كان يريد ، أما الباقون فلا يسألون
مثل هذه الأسئلة أبدا . ها هو الآن لا يريد كما الآخرين أن يلقى بشخص بحجم
محمد خان على الناصية ، فانظر من أى باب ( خلفى ) فعل ؟ قال
إن محمد خان خرج للشوارع ، والشوارع تعنى المهمشين . أى مهمشين ؟
أنا لم أر أى مهمشين فى أفلام محمد خان . فى أفلام ألفريد هيتشكوك رأيت
مهمشين أكثر . ما رأيته هو فقط شخصيات درامية مثيرة للاهتمام ، الأقرب
أن تسميها شخصيات إنسانية ، شخصيات طبقة وسطى ، شخصيات طبقة صاعدة
للوسطى ، أى شىء إلا كلمة مهمشين التى أشك أن خان نفسه قد سمع بها من
قبل . رأيت سينما تحاكى سينما هولليوود فى طزاجة الأفكار ( على الأقل
بمعايير السينما المصرية ) ، فى ثراء البناء ، دقة
التقديم ، وروعة التفاصيل . رأيت تجريبا ناضجا يقترب مثلا بحذر مبدع
من طريقة تمثيل ستوديو الممثل أو ما يسمى المنهج ، لا أن يتبناها
’ عميانى ‘ كما يفعل الأخرق دائما أبدا يوسف شاهين ، وفى كل هذه
الأحوال وتلك رأيت إدارة مذهلة على أعلى درجات الاحترافية للممثلين ، التى
لو تعلمون هى لب وظيفة الموجه السينمائى . رأيت الكثير والكثير بما يمكن أن
يؤهله للقب أفضل موجه مصرى منذ عز الدين ذو الفقار ، لكنى وللحق ، لم
أر ما يمكن أن يؤهله حقا لعضوية ’ الشلة ‘ . محاولة سمير فريد
الخجول ’ تيسير ‘ محمد خان جاءت فى الوقت الضائع ، بعد أن وضعه
طوب الأرض فى خانة السادات وشارون بعد ما طلعهم فى أفلامه . هل عرفت الآن
لماذا أبدا لا يمتدح أحد تقريبا سمير سيف أو وحيد حامد أو شريف عرفة أو طارق
العريان أو كل أصحاب الحرفة المتقنة نسبيا عندنا . لا سياسة لا شلة .
لا أوتير لا شلة . لنكن أكثر دقة ، المهمشون مسئولية شخص آخر
يفهمهم وعايشهم ، لنقل مثلا عاطف الطيب . هو من شلة المرضى
عنهم ، لكنه من الحالات النادرة التى لا يعيبها هذا . هو ليس أوتيرا
ولا يؤلف أفلامه ، لكنه مرضى عنه لأسباب سياسية محض ، محتوى
أفلامه ، وفكره الاجتماعى والسياسى . فى حالات كهذه ‑وهذا منهج
نقدى سنأتى على ذكره مرارا فى الفلاشباك التالى‑ لا أهتم من ناحيتى بالفكر
إلا قليلا جدا ، لا أفكر كثيرا إن كنت أعارضه أو أوافق عليه ( وإلا
كنت مثلا آخر من يعتبر ’ رد قلبى ‘ أحسن فيلم مصرى ، بينما أنا
بالفعل كذلك وأراه المعادل المصرى ‑وحسنا ، اليسارى أيضا‑ لـ
’ ذهب مع الريح ‘ ! ) . ذلك أن الأهم بما لا يقاس فيما
يخص الفنان فى هذه الحالات المذكورة ، أنه فنان حق ، حرفى بارع
( موش أوتير ) ، يعرف ما تعنيه الدراما والاستحواذ ، أو حسب
الكلمة العامية التى أراها تلخص كل فن السينما وحتى كل الفنون الجماهيرية pop arts ،
واعتبرها تجب كل نظريات المنظرين ، بيعمل أفلام ’ تشد ‘ . ما حدث مع نجيب محفوظ حدث مع صلاح أبو سيف .
أنا أعلم أنه كان شريرا جدا مع الجميع ، وأضيف لذكريات سمير فريد عنه أن
حكى لى ذات مرة موجه صنع فيلما عن رواية ليحيى حقى أنه كاد يودى به لما وراء
الشمس بالدس ضده عند عبد الناصر عن المعانى الكامنة وراء الفيلم أو وراء شخصية
الطبيب القادم من الغرب . هذه قصة أخرى . ما يعنينا هو أفلامه ،
وأنها هوجمت بشدة فى البداية ، من الجميع وليس من سمير فريد وحده
( المدهش أن الزوجة الثانية الذى مثلا هاجمه سمير فريد بشراسة ماخوذ عن
إحدى القصص الفلكلورى ، ثم يعظونك فى المنهج ! ) . ماذا تعتقد
سبب الهجوم ؟ هل تعتقد أن ثمة سببا غيره ، أنها
’ بتشد ‘ ؟ هل لديك تفسير آخر سوى أن ذاك كان وقتا لا يشاهد فيه
أحد كائن من كان أفلام توفيق صالح ؟ المهم ، أن بعد قليل تنبهوا
لمحتوى أفلام أبى سيف الشعبوى ’ فأدلچوها ‘ عنوة كما فعلوا مع نجيب
محفوظ . لا نهاية لقصص الأدلچة القسرية هذه ، لا فى
الماضى ، ولا فى الحاضر ( وضع محمد خان فى خانة اليسار ) ،
ولا حتى فى المستقبل . وجايز چون فورد لأنه بتاع عناقيد الغضب هنا قد يدخل سمير فريد أو غيره ليقول لك :
لماذا أنت ضد سينما تصنع للمثقفين أو للصفوة ؟ أقول له أنا لست ضدها .
أنا أعبد برجمان ، لكن برجمان لا يخسر لأن أفلامه لا تكلف ، ثم أن
برجمان أستاذ حكى ودراما ، ’ تشدنا ‘ أفلامه طبقا لأكثر القواعد
الدرامية كلاسية ورسوخا ، مع التحاشى الكلى لأية ألاعيب فنية من أى
نوع . كل ما هنالك أنه يتحدث عن أشياء ومناطق لا تهم كل أحد ولا يحسها كل
أحد . هو يكتب لأنه يعرف كيف يكتب ، ويوجه لأنه يعرف كيف يوجه ،
وهو من ثم من قلة تعد على الأصابع عالميا تجيد الأمرين معا ( على رأسها على
وجه الإطلاق ، أو لو شئت ذات المصطلح ’ الأوتير ‘ الأعظم فى كل
تاريخ السينما ، چورچ لوكاس ) . برجمان كذلك لأنه كذلك ،
وليس يكتب ويوجه من أجل شبق الحصول على لقب أوتير . خذ رأفت الميهى مثلا
مقابلا . لا أشك أنه أيضا إنسان مفكر يكاد يرقى لدرجة الفلسفة ، حتى
فى أسوأ أفلامه الذى هو آخرها ( يقولون إنه اعتزل ، وأحيانا يقولون
بسببى أنا ، وهو شرف لا أدعيه ! ) ، يحاول تقديم نظرية
اجتماعية كبيرة جدا . المشكلة الوحيدة أنه ما بيعرفش معنى كلمة فيلم ،
فاكر أى لقطات تتحط مع بعض ممكن يكون اسمها فيلم ، ولو كتب نظريته عن مؤسسة
الزواج من حيث جذورها كفكرة عبثية فى حد ذاتها ، إللى ما وصلتنيش إلا لما
شرحها لى بنفسه ، لو كتبها فى كتاب أو فى بلاد الرب الواسعة المسماة
الإنترنيت كان هيكون أحسن بكتير . معادلتى هى معادلة قالها على مر العصور والأماكن
كثيرون بذات الألفاظ تقريبا ، من كمال الشيخ إلى مارتين سكورسيزى ،
أنهم يدخلون تجديدات ( يهربونها بتعبير سكورسيزى ) قدر ما
يستطيعون ، بشرط ألا يدخل الفيلم لمنطقة الخسارة المادية . هيتشكوك
وكيوبريك نفسيهما لم يصنعا خبطة شباك واحدة ، لكن أفلامهما لم تخسر
أبدا . كوروساوا الذى يباهى كثيرا سمير فريد بحبه
له ، هو الأستاذ المباشر والأوحد المعترف به لأنجح موجهى شباك فى
التاريخ ، من سلماه الأوسكار معا بأيديهما ، لوكاس وسپييلبيرج .
حروب النجوم عن قصة لأحد أفلامه ، والجندى رايان محاكاة لآخر . الراجل
مهاراته كده ، فذ ، زى برجمان بيعرف يكتب وبيعرف يوجه ، ويزيد
عنه أنه بيشتغل ده وده على أفكار تنفع وتنجح لو اتعملت بميزانيات كبيرة .
كل أفلامه مطاردات وحروب وقتل ومبارزات ، وإن كان على فكرة هو كمان غير
برجمان فى أنه طول عمره ما كتب حاجة لوحده . تقدر تقول لى إيه الشخصى فى
أفلامه بحيث تسموه أوتير ؟ بصراحة ، أنا موش عارف ممكن تسموا مين فى
الدنيا ’ مخرج تجارى ‘ إذا ما سميتوش كوروساوا ، إللى كمان على
فكرة كان بيعمل 3 أو 4 أفلام فى السنة ! ده راجل محترف ’ من
مجاميعه ‘ ما فيش بعد كده . هو إحنا ضد أنك تعرف تألف وتخرج وتنتج سوا ،
ويا ريت كمان تشتغل عشرين حاجة تانى لو عاوز . إحنا فقط ضد أنك ما تعرفش
حاجة وتصمم تعملها . ما هيتشكوك وكيوبريك وصلوا لما وصلوا له من حرية فنية
لأنهم بالأول منتجين معتبرين موثوقين من أرفع طراز . بصفتهم دى وليس لكونهم
موجهين عظاما ، الستوديوهات كان ممكن تأتمنهم على شيكات مهولة موقعة على
بياض ومن غير ما يقرأوا حاجة أصلا أكتر من سطرين تلاتة عن موضوع الفيلم ،
وحصل بالمعنى الحرفى ده فى ’ بارى ليندون ‘ وغيره وكلنا عارفين ،
والأدهى أنه ما حصلش مع غيرهم أبدا . على فكرة كمان ، وعلشان الكلام
يكون أوقع أكتر ومحدد ، كوروساوا ده هو إللى اخترع بالذات حاجة اسمها أفلام
فنون قتال . شطبتوها من تاريخه كشرط لإدخاله دائرة الرضا ، ثم هاتك يا
مدح فى أفلام الكاراتيه باليه وصوفية وإبهار وفن لما عملها واحد اسمه آنج
ليى ، كل مقوماته أنه معتمد سلفا فى عصابة المهرجانات الدولية ، قصدى
فى منظمة المهرجانات الدولية ، أوه ( ! ) قصدى فى الشلة
( إنما وحياتك أنت أفلام برووس ليى فيها باليه أكتر وصوفية أكتر وإبهار
أكتر وفن أكتر وكل حاجة أكتر ، وكانوا بيضحكوا علينا لما نكتب كده .
وعلى فكرة تانى ، الألفاظ دى كلها بتاعتنا إحنا من حاجة زى ربع قرن
كده ، والقى نظرة لو عاوز ) . هنا قد يدخل سمير فريد أو غيره مرة أخرى ليقول
لك : وماذا عن عمل سينما المؤلف أو حتى استيراد الأفلام الكوبية بأموال
حسين القلا ، إنها أمواله وهو شخص بالغ مسئول عن تصرفاته مقتنع بما
يفعل ؟ الإجابة ، نعم هو حر ، لكن هل أفهمتموه سلفا
’ كمستشارين ‘ أنها ستخسر خسائر مروعة . حتى لو أفهمتموه
وقبل ، فأنتم ‑وهذا ما يخصنى ويخص الكثيرين‑ لا تؤسسون لصناعة
سينما جديدة ، بل تفسدون صناعة قائمة ، كمن ينفخ فى أسهم لا قيمة لها
فى البورصة ، والنتيجة انهيار البورصة كلها . ما العبقرية وراء إنتاج
’ الطوق والأسورة ‘ بأموال طائلة وأجور غريبة السخاء ، وكان من
الممكن إنتاجه بربع الميزانية . من حقى بل واجبى كناقد بيزنس أن أكتب وأحذر
الآخرين من السير فى ذات الطريق . هذا لا يخص حسين القلا وحده ، بل
غيره وغيره فى بلد تراث خبرات البيزنس فيه محدود للغاية ، ويخص مؤخرا مثلا
الشركة العربية ، التى لا تكفيها كلمة ’ الطيبة ‘ التى نعتنا بها
القلا ، بل استحقت منا فى حينه
ألفاظا أقسى كثيرا . أنت عاوز الجد ، ولا هتقول لى بأحب بنت
عمى : عارف سمير فريد موش عاوز ليه يقرن أوى بالشق السياسى ؟ الحقيقة
هو بتاع سينما سياسية زى ما هو بتاع سينما مؤلف ، خاض فى الاتنين ،
لكن جايز فعلا يكون على حق ، وفعلا عمل دايما مسافة بينه وبين بتوع السياسة
الصرف ، وفعلا خاض أكتر من غيره فى موضوع سينما المؤلف ، وأكتر من
خوضه فى السياسة ، إللى زى ما أنت عارف كلها تقلبات ومفاجآت وناس تديك
أحلام وتخليك فى نص هدومك بعد شوية ، لكن السبب الحقيقى وراء
’ انزعاجه ‘ من ذاك الناقد الإسرائيلى ممكن يكون حاجة تانية خالص .
أنه ساعتها سيضطر للتنازل عن زعامة الشلة ، آسف ، زعامة الحركة
النقدية ، لسامى السلامونى ( يا جدع أنت يا بتاع إسرائيل ، هل
تسمعنى ؟ ) . أما الارتباط بسينما المؤلف فسوف يضعه فى خانات
أشيك بكتير ، خانة مهرجان كان مثلا ، خانة فيللينى ، خانة الموجة
الجديدة ، حاجات كده يعنى ! المشكلة فقط أنه لا يريد أن يصدق بعد أن هذه
الأشياء باتت هى أيضا سبة عالميا بما لا يقل عن الشيوعية والناصرية . ونظرة
واحدة على جدول أى مهرجان أوروپى كبير فى السنوات الأخيرة ، تجعلك تفغر
فاهك : أين سينما المؤلف ، بدلا منها پانوراما لكاراتيه هونج كونج
القديم الزبالة ، كيف تسمحون لأنفسكم برفض فيلم جودار الجديد ، ثم من
هذا الاسم الذى تكرمونه ، لم أسمع عنه من قبل ، أميتاب ماذا ؟ … سمير
’ فلاشباك ‘ فريد ( 3 ) : ’ الآن أرى خللى بالك من زوزو فيلما
مهما ‘ : سمير فريد يضم نفسه طواعية لقائمة قتلة سعاد حسنى ( حسب الكتاب قيل إنها
لم تكن تقبل فيلما دون موافقته ، ومن جانبه لم يبد محاولة جدية
للإنكار ) . أيضا نبدأ بالأسئلة البريئة . ماذا يستحق جيل شتام
متطاول عالى الصوت ، أصاب الكثيرين من أرقى صناع السينما فى تاريخنا وعبر
العالم بالإحباط والاكتئاب والانزواء عن العطاء ، هل هناك عقوبة أقل من
السجن المؤبد ( دع جانبا عقوبة القتل المادى الصريح المباشر ) ؟ مفهوم السينما كفن جماهيرى هو البقعة العمياء لدى
كل ذلك الجيل من النقاد . ظاهرة سوسيولوچية مين يا عم ، هى دى أفلام
للجمهور إياه إللى بوظوا مخه بأفلامهم ، المهم شفت طلع تفسخ البرچوازية
إزاى زى ما بتقول النظرية بالظبط ، حاجة پازولينى خالص ، أو شفت حركة
الكاميرا عجيبة إزاى فى اللقطة دى ، يا سلام يا رفيق ، فكر إيه وإبداع
إيه ، حاجات ما اتقالتش وما اتعملتش فى التاريخ أبدا ، ولا فى السينما
الأمريكانى إللى طول عمرى ما شفتها ، لا هى ولا أفلام برووس ليى .
كلام السوسيولوچيا يطول شرحه ومن الأفضل أن ترجع لدراستنا المسهبة المقدمة
لجمعية النقاد فى 20 مايو 2001 . لكن
باختصار نقول إن السينما كفن جماهيرى تعنى أنها صناعة ، أنها معلبة ،
أنها كليشيهاتية ، أنها لحد ما تافهة ، أغلب البضاعة تقانة وأقلها
فن ، أغلبها انفعالات وأقلها فكر ، لكنها ليست بالضرورة رجعية أو
متخلفة ، بل المفروض أن تكون العكس . وهذا ما تتبناه هولليوود مثلا
على امتداد كل عمرها ، وجعلت نفسها منارة للأفكار المتحررة لا نظير لها
عالميا ولا تاريخيا . وأيا ما كان ، يظل فى كل الأحوال الارتقاء
التدريجى والبسيط بالذوق وبالحس العمومى وبالمعلومات الأولية العامة ، وحتى
بشىء من الفكر ، يظل شيئا ، وتقديم سلعة فاسدة غير مرغوب فيها ،
مواصفاتها تخالف المكتوب على العبوة ، كلمة ’ سيما ‘ المصرية
العبقرية ، يظل شيئا آخر ، شىء يسمى ببساطة الغش التجارى . باختصار أيضا نقول أنتم هم من لم يحترم
الجماهير . وعندما أقول أنتم أقصد كل اليساريين وليس جيل الهزيمة العربى
وحده الذى هو بأى المعايير لا شىء ، وأقصد بالذات چون كيرى 2004 وهيللارى
كلينتون 2008 . لم تحترموها حين كنتم تودون القيام بثورة بواسطتها ،
ولا تحترمونها يوم خذلتكم سياسيا وفى شباك التذاكر ، وها أنتم اليوم من
يسارع لوصفها بالقطيع . صدق أو لا تصدق الكلمة ليست من عندنا إنما من نفس
سمير فريد ومن نفس الكتاب موضوع حديثنا . نحن فقط ‑من تسموننا
باليمين‑ هم وحدهم من يملكون رؤية شاملة ومنظومة متكاملة لكل
الطبقات ، وليسوا متحدثين باسم طبقة واحدة . نحن ‑بتوع أميركا
وهولليوود والإمپريالية والغزو الثقافى‑ فقط من يحترم القطيع ، يحترم
كونه قطيعا ، ولا غضاضة حتى أن تحبه كما يحب صاحب أو راعى كل قطيع قطيعه .
نحن ‑النصر والسبكى والعدل‑ نقول إن قطيع البهائم يريد برسيما وأنتم
تقولون هذا احتقار له ويجب أن نطعمه الشوكولاتة ، والنتيجة أن يموت
جوعا . نحن ‑مترو ويونيڤرسال ودرييمووركس‑ نحترم حقه فى
برسيم نظيف صحى شهى منمى چيينيا بهدف تحسين الطعم والقيمة الغذائية ، ولا
نكف عن بذل الجهد من أجل هذا التحسين على نحو متواصل . هذا ما تفعله كل الدنيا ، إلا أنتم .
تفعله هولليوود ، من أقصى يمين باستر كييتون وذهب مع الريح لأقصى يسار
تشارلى تشاپلين وچاك وورنر لأقصى ولا حاجة لا أدرى ماذا سيكون بالضبط وقع كلمة
’ قطيع ‘ على بقية الشلة . الوضع حرج ، وربما خطير ،
وقد يرقى لمستوى تهمة الخيانة العظمى . الموضوع المرة دى موش فيلم لحسن
الإمام ، الموضوع كل الپروليتاريا ، كل النظرية ، كل العمر .
ويبدو لى سمير فريد كمن رقص على السلم . إذا كنت لا تتبنى الپروليتاريا ولا
تراهن عليها ، فماذا أفدت نفسك من لافتة اليسار التى لا زالت تلاحقك حتى فى
كتابك الأخير هذا . أنت أخذت من اليسار كل مصائبه ، بينما تتنازل طوعا
عن المسوغات الأخلاقية الإنسانية والمساواتية التى يتباجح بها ويعتبرها ‑دون
أى شىء آخر ربما‑ مبرر وجوده . عينك ما تشوف إلا النور يوم تجرأت وتطاولت فى كتاب
من سنة 1987 اسمه دليل أفلام الڤيديو وقلت الثلاثية بتاع حسن الإمام دى
حاجة موش وحشة قوى . ساعتها صعب حالى على ذاك المؤلف السينمائى
الراحل ، ومال على أذنى يعزينى بالكلام عن بنورة مكتب حسن الإمام .
آه ! رجعنا للكلام فى الثلاثية تانى ! أقول لك سر ؟ عارف مين أحسن
ناقد فى تاريخ مصر فى رأيى ، والوحيد الذى تعلمت منه شيئا ؟ فريد
المزاوى . يصب جام غضب كنيسته الأخلاقى على
الأفلام ، لكن عينه لا تخطئ الجودة الفنية أبدا . ولطالما استوقفتنى
عبارته ’ تسلسل الأحداث سليم ‘ ، وأعترف أنى ظللت سنوات لا أفهم
معناها وأسأل هل يوجد تسلسل غير سليم للأحداث ، إلى أن ‑وبرضه عينك
ما تشوف إلا النور‑ إنهالت علينا بلاوى جودار وفيللينى وشاهين وبقية
القائمة متروك لك . المزاوى هو الناقد الذى صنع كلاسيات السينما المصرية من
المشاهدة الأولى . كل ما قال عليه جيد فنيا هو الذى يضطر أصحابك لتكريمه
وتبجيله اليوم . موش ها أقول لك فضلوا 40 سنة يقولوا إيه عن المزاوى ويوسف
شريف وغيره وغيره من التافهين بتوع المعلومات إللى ما يفهموش فى النظريات
الكبيرة ، سينمائية أو سياسية أو حتى فيثاغورث ، إنما ها أقول بس أن
المزاوى ، بمعدنه النادر ندرة الذهب ، لم يصنف أبدا كناقد وألقوا بكل
ما كتب فى صندوق القمامة على أنه خطابة فى الأخلاق الكاثوليكية لا أكثر .
بالمناسبة المزاوى قال فى أواخر أيامه إن رد قلبى أحسن فيلم مصرى ، وكان
الوحيد صاحب هذا الرأى بين كل من شاركوا فى ذاك الاستفتاء . كانت فرحتى لا
توصف ساعتها لاستشعارى أنى فعلا فهمت وتعلمت تراث هذا الرجل صح . الحقيقة
كنت سأفقده تفرده فى الاختيارات فى ذلك الاستفتاء لو كنت قد شاركت فيه ،
لكن ما حدث أنى كنت قد اعتذرت ، أولا لأنى قلت لهم لا يوجد شىء اسمه أحسن
100 فيلم مصرى ، يوجد فقط أحسن 5 ، وثانيا لأنى كنت قد حددت قائمتى
وعممتها بالفعل من خلال كتب الدليل التى أصدرها . ولن أتباجح وأقول إنى
تعاليت على هذا الاستفتاء لأنى صاحب القائمة الأولى من نوعها ، ذلك لأنها
فى الحقيقة لم تكن كذلك . كانت الثانية بعد قائمة المزاوى التى جرى على
إصدارها منذ أوائل الخمسينيات حتى أوائل الستينيات . كمان ، ها أكلمك عن واحد تانى حاولت أتعلم
منه ، يوسف شريف رزق الله الذى لم يكرمه أحد حتى اليوم ، لا بجايزة دولة ولا بجايزة
حارة . ها أقول لك بس إنك لو عاوز تعرف يوسف شريف ناقد ولا موش ناقد ،
أقعد جنبه وشوفوا فيلم سوا . موش جايز الراجل لما بييجى يكتب شايف
المعلومات أقيم بكتير من الرأى وعلشان كده بيترفع عنه . بل موش جايز الراجل
شايف أصلا أن رؤية الناس للأفلام أهم من القراءة عنها . أنا شخصيا حاولت
أتعلم منه الحكاية دى وما قدرتش ( على الأقل علشان أكسر احتكار تانى
للمزاوى فى حياتى غير رد قلبى ، وأقول إنى اتعلمت حاجة من اتنين موش منه
لوحده ) . أعلم أن متعة القارئ الأساس التى أراهن عليها فيما أكتب هى
غزارة المعلومات وطرافتها ، وبالفعل أصب معظم مجهودى على هذا الشىء الشاق
جدا ، وهو الجهد الأكبر والذى يستحق الاعتزاز من جانب المرء ، لكنى لم
أستطع إلا فى مرات قليلة مقاومة إغواء إقحام الرأى الشخصى . ولا اعتزاز هنا
إلا نادرا جدا جدا ( مثلا كالكتابة عكس كل العالم عن ’ بليد
رانر ‘ 1982 ، أو محاولة التنظير من خلال هيتشكوك وكيوبريك لمفهوم
سينما ما بعد‑الإنسان ) . لا
اعتزاز كثير ذلك لأن لكل أحد آراء ، ولأن الآراء عكس المعلومات ، عادة
لا تكلف شيئا . سامحنى ، لو واحد من أسوان قال على يوسف شريف أنه موش
ناقد جايز يكون عنده عذر ، لكن تكون صاحبه وعارف وزنه كويس ، أفتكر
عيب . برضه سفالة منى إنى أقول ما تعلمتش حاجة من يوسف شريف ، وأنا
إللى شفت على إيديه 10 آلاف فيلم أميركى ، فيلمين كل يوم على شاشة القناة
الثانية طول سنين الثمانينيات وبعدها بشوية ، ده بخلاف مهرجان القاهرة أيام
العز ( الأمريكانى ) . أنا كلى صنيعة يوسف شريف ، ثلث كل
مشاهداتى ، و90 0/0 من مشاهداتى من أفلام مهمة أو
قديمة كان بفضله ، ومن خلال عينيه واختياراته . إيه قيمة أى كتاب
عملته ؟ هتقرأ فيه عن 5000 فيلم ؟ طز ! يوسف شريف خلاك تشوفهم
بشحمهم ولحمهم . أما بالنسبة لكل الجوايز والتكريمات إللى بالى بالك ،
الراجل ده يستحق الأوسكار ، وموش ها أكلمه تانى طول عمرى لو فى يوم قبل
حاجة أقل ! من يتبقى فى الشلة ومنتسبيها ‑طوعا أو عنوة‑
إذا ما استثنينا القلة إللى ’ بيشدوا ‘ و’ ما بيألفوش ‘ زى
خان والطيب ؟ طبعا يتبقى الكثيرون ، سينمائيون ونقادا ، أولهم
وعلى رأسهم بالتأكيد يوسف شاهين . هؤلاء كوارث تسير على ساقين . أقل
ما يمكن أن يقال فيهم أنهم لا يعرفون ما تدور حوله السينما أصلا ، يسمونه
تغييب وتخدير ، تزييف وأوهام ، تسلية وتضييع وقت … إلخ ،
يستخدمونها ككلمات سباب بالطبع ولا يسمحون لحظة واحدة لأحد بمجرد التفكير أنها
فى حقيقتها مدح ، وأنها فى حقيقتها الاحتياج المهم الذى تشبعه السينما لدى
الناس على نحو شديد التفرد والكفاءة . لا يعرفون ألف باء الحكى ولا السينما
ولا الإيقاع ولا إدارة الممثلين ولا حتى نطق الحوار ولا ألف باء أى حاجة من ساعة
ما تدخل باب السينما لغاية ما تركب التاكسى . ببساطة دمروا كل شىء .
جعجعة ما فوقها جعجعة . تسخيف وتسفيه للجميع أقله أن يسبق دائما أبدا اسم
كل أحد لقب ’ المخرج التجارى ‘ ’ السطحى ‘ ’ التافه ‘ ،
أو لو غلبان على قد حاله يبقى اسمه بتاع أفلام ’ المقاولات ‘ . أقول لك سر تانى ؟ هل تعرف من هو الوحيد الذى
يمكن أن أؤلف عنه كتابا من السينمائيين المصريين ، وأقول إنه يستحق هذا
ويستحق أن يتعلم منه العالم ؟ غلط ! لا ذو الفقار ولا خان . دول
فيه زيهم 100 بره ، ولو لأى حد فيهم إبداع غير مسبوق أو حتى فشلت فيه
هولليوود شخصيا ، زى مزج الضروب genres عند ذو الفقار ،
فهو يتكتب فى مقالة موش أكتر . إللى يستحق كتب هو ناصر حسين . حقا ، على
التاريخ أن يتعلم منه . مع بزوغ عصر الڤيديو غزا كل البلاد العربية
بطوفان كامل من الأفلام سنويا ، تكلف الواحد منها عشرة آلاف جنيه ،
واليوم تفشل فى هذا أفلام عادل إمام ومحمد هنيدى ذوات الملايين . هو الوحيد
الذى نجح فى غزو العرب ثقافيا بأعرض معنى ممكن للكلمة ، بعد ما عمل عبد
الناصر إللى عمله ودمر الثقافة المصرية وقطع رجلها ورجل اللهجة المصرية من عندهم
( مين كان عاوز يشوف توفيق صالح ولا يوسف شاهين ؟ ) .
النهارده فى البلاد دى الغزو بقى غزو أمريكانى وبس ، وما عادوش بيرضوا بأقل
من چورچ كلوونى . على فكرة ناصر حسين موش إنسان متواضع زى ما جايز
تتخيل ، وهيقولك أنا إللى عملت هياتم وأنا إللى عملت فيفى عبده ،
والقايمة لوحدها تعمل الكتاب إللى بأقول لك عليه . يا ريت تحجزوا لى الكتاب
ده ، لو فكرتم تكرموه سنة 3005 . هم يجعلون تلميذ المعهد ينسى شيئا اسمه الحرفة
ويحلم فقط بلقب ’ الفنان ‘ ’ المبدع ‘ وبنفخة تضرب نفخة
’ چو ‘ نفسه . ثم يصبح هذا التلميذ مدرسا بالمعهد ، ويلقن
تلاميذه أن يكسروا القواعد لا أن يتعلموها ( قالها لى بكامل الفخر منه
صديقى القديم ، أستاذ الإخراج بالمعهد حاليا ، الذى يصنع أفلاما لا
تعرض وتأخذ حقها ناشف من جوايز صندوق التنمية ) . دائرة شيطانية
نتيجتها كما تعلم أفلام لا يمكن أن يشاهدها أحد ، وحتى ما يمكن أنه يشاهده
أحد ، يتولى الجناح الآخر لأركان حرب الشلة ، أى النقاد ، مهمة
تطفيشه منها . تتدهور أحوال الشركات ودور العرض ، تتقادم المختبرات
وتغلق الستوديوهات ، ويعتزل من يعتزل وينتحر من ينتحر . سيناريو مكرر
من شينشيتا إلى ستوديو مصر ، بل كاد يركع هولليوود نفسها فى
الخمسينيات ، لولا كما قيل إنها حالة عقلية لكل العرق الإنسانى ولا يمكن له
الاستغناء عن وجود مصنع للأحلام . النتيجة أن وصلت كل الصناعة فى مصر لشبه
إغلاق مطلق فى منتصف التسعينيات ، ثم حين ازدهرت من جديد على يد الجيل
المسمى بالكوميديا الجديدة ، عينك ما تشوف إلا النور ، الكلام عن
’ أزمة السينما ‘ تحول لصراخ ، والعيال دول خدوا ضرب ما خدهوش
حسن الإمام فى مطلع . عارف مين النموذج المحترم فى رأيى ؟ رفيق
الصبان . بيحب سينما المؤلف . لا يشاهد غيرها . يمتدحها كناقد
والأبعد ربما أنه من قبيل الأمانة يذكر القارئ أحيانا أنها مجرد انطباعاته أو إحساساته
الشخصية لا أكثر . إلا أن المهم أنه حين يؤلف أفلاما للسينما ينساها تماما
ويتذكر فقط ’ القواعد ‘ . جايز ده بيلخبط تلامذته فى المعهد
شويتين ، لكن الشىء المحترم الذى أقصده ، والغائب عن بقية الجميع من
أنصار سينما المؤلف ، أنه يفصل كلية بين رفيق الصبان مستهلك السينما ،
ورفيق الصبان بياع السينما . طبعا أنا وكثيرون غيرى تمتعهم أفلام مستعقدى الفكر
المعادين للإنسان متوسطى الجماهيرية أمثال هيتشكوك وكيوبريك أكثر من أفلام بسيطى
الفكر الإنسانيين كاسحى الجماهيرية أمثال سپييلبيرج وكاميرون . السبب أننا
مستهلكو فكر بالأساس ، نبحث عنه فى الكتب ، ويهزنا كعملة نادرة حين
نصادفه فى السينما ، وليست التجارب الانفعالية هى ذات الأهمية القصوى
عندنا ، ولا حتى كون الفريق الأول أقل تقليدية فنيا من الفريق
الثانى . لكن 1- هؤلاء يعدون تماما على الأصابع ممن قدموا فكرا ذا شأن على
شاشة السينما دون أن يفقدوها المتعة المتوقعة منها . 2- فيما يخص التجريب
والتجديد لدى الفريق الأول ، هؤلاء يعدون تماما على الأصابع ممن لهم حق
التجريب وكسر القواعد ، هؤلاء من القامة بحيث ضاقت عليهم بذلة
القواعد ، أما عندنا فالدعوة مفتوحة لكل من هب ودب أن يكون مبدعا
مجددا . 3- هيتشكوك وكيوبريك بالذات يصنفان عادة على أنهم يبهران صيغيا
وليسا ذويى محتوى فكرى ، والحقيقة أنهما أصحاب أعظم رؤية تقدمية قدمت
إطلاقا سواء فى السينما أو حتى فى الفلسفة ، تقزم الإنسانية نفسها وتضعها
فى حجمها الحقيقى كمجرد عشيرة بيولوچية species أخرى سيئة الصنع .
4- هذا فى حد ذاته دليل على أن الفكر الحق لا بد وأن يكون مختفيا فى ثنايا
المشغولة الفنية ، تحت الشىء الأكثر أساسية تماما ، الصنعة ،
والتى أيضا لا بد وأن تكون خفية بدورها تحت ذاك الهدف الفنى الأسمى بالكامل من
كل ما عداه ، والذى لا يستوعبه قط جيل الهزائم البريختية ، التوحد
والإندماج المطلقين للمشاهد مع ما يرى . 5- ليس هناك واحد منهم اتهم أحدا
علنا بالتفاهة أو الضحالة أو الضآلة ، ربما بما فى ذلك ذاك الجمهور فئران
التجارب الذى يزدرونه ، وجعلوا من تفاعله المضحك مع أفلامهم دليلا عمليا
قائما بذاته على ما أرادوا قوله فى العشيرة الإنسانية . 6- ليس لأى منهم
أفلام فشلت . المشكلة أن هذا كله يهون لو أنكم تفعلون ما تفعلون
دون ضجيج ، دون أن تجرحوا أحدا أو تتفهوا أحدا ، لا صناع سينما ولا
جماهير ، ولا تملأون الصحف ضجيجا أن ’ عرق البلح ‘ يستحق عدد دور
أكبر ، عدد ملصقات أكثر ، إعلانات تليڤزيونية أكثر ، بينما
منتجه نفسه يوسف شاهين رفعه بعد يومين من دار العرض المملوكة له شخصيا ،
ومن أبقاه معروضا ملتزما بشرف التعاقدات هو محمد حسن رمزى الذى نال منكم كل
السباب ( عندى اقتراح : إذا كانت إيرادات أى فيلم ليسرى نصر الله أو
أسماء البكرى أو سيد سعيد أو رضوان الكاشف أو محمد القليوبى أو أحمد عاطف هى 50
ألف جنيه ، لماذا لا تقومون بجمع كل الجمهور فى حفلة واحدة فى سينما
واحدة ، وكفى الله الفنانين والموزعين والنقاد وكل الدنيا شر القتال .
على فكرة النادى ده بيضم ناس تانى حلوة كتير من بره شلتكم ، نبيلة عبيد
مثلا ، إللى بعد غلطة العمر التاريخية بالتمثيل مع يوسف شاهين أصبحت
أفلامها تنتمى لفئة الخمسين ألف جنيه وهى إللى كانت ست الكل ونجمة
النجمات ) . اصنعوا أى شىء شئتم بأموالكم ‑لا بأموال أى
أحد ولا من فلوس الضرائب‑ ولكم ما شئتم من ربح أو خسارة ، وإلا
فلتصمتوا . برجمان لم يطالب بعشرات الملايين كى ينتج فيلما ، وقطعا لم
يهاجم أحدا يوما . إنما الغلبان بيدور طول عمره بهدوء على أفكار أقل تكلفة
أو أكثر جدوى اقتصادية لتمويل وتوزيع أفلامه ، التليڤزيون
مثلا ، وهو على فكرة حاجة تانى كنتم بتحتقروها . عارف ليه ؟ موش
علشان فلوسها ملاليم . علشان أنتم زى لينين ، عاوزين تنطوا ع الحاجة
جاهزة . لما وجد السينما ناجحة جدا قال وليه ما نستخدمهاش فى نشر
الشيوعية ، ناسى مين إللى خلاها كده ناجحة وليه . إللى خلاها كده
الإمپرياليين بتوع هولليوود . وليه ؟ لأن دى طبيعة الوسيط ، شريط
السيلليلويد طبيعته كده ، هو كده ، بيكره الفكر ويحب
الانفعالات . هى كمان حاجة لقاها كده بتوع هولليوود موش قصدوها . ما
فيش فرمان طلع من ليويس ماير يقول ممنوع الفكر ، بالعكس هم جربوه زى ما
جربوا كل حاجة ولقوه موش نافع . وأخيرا طبعا دى موش حاجة ممكن تفهمها عقلية
الهجامة إللى بينطوا ع الجاهز على اختراعات الناس . وطبعا طبعا لأنهم موش
فاهمين حاجة بيخربوا الدنيا على دماغ الكل . لن ألح على منظقة القيح بكلمات
من قبيل بلطجية وطفيليين وقطاع طرق ومغتصبين للسلطة ومصاصى دماء الغير ،
أنتم فى أفضل صيغة ممكنة جماعة ضغط صاخبة الصوت لزجة ، تأبى دونا عن كل
الناس أن تقبل بالسوق حكما عادلا بين الجميع . عصبة تعتقد أن على رأسها
ريشة اسمها الثقافة أو الفكر اليسارى ، جماعة تفترض أنها تفوق كل
الآخرين ، أنها الشعب المختار لإله الأفلام أبناء الملكوت السينمائى خير
أمة كتبت للصحف ، سمها ما شئت ، ترون أنكم تستحقون أن تصادر وتعطل
قوانين الطبيعة من أجلكم ، بينما الحقيقة أن ما من أحد قال عن نفسه خير أمة
أخرجت للناس إلا لأنه أصلا أحط أمة أخرجت للناس ! لحسن الحظ التليڤزيون النهارده موش
بملاليم ، ولا هو بأقل جماهيرية من السينما ، نطيتم عليه برضه
كالمتوقع ، ومع ذلك الصوت العالى والأسلوب إياه لا يتغيران . اليومين
إللى فاتوا شلتكم أقامت الدنيا ولم تقعدها لأن مسلسل واحد منكم ، ضلع ناصرى
كبير جدا كاتب مسلسلات وكمان سيناريوهات ، تجرأ التليڤزيون المصرى
وتطاول ومس الذات القدسية ورفض عرض مسلسله الجديد فى شهر رمضان ، لأنه فاشل
وما حدش عاوز يشتريه أو يشوفه ، وبصراحة لو صممتم شوية الناس هتطفش وتسيب
التليڤزيون كله كمان . لا تقل لى ثورات . إنها ‑وليس لها
اسم آخر‑ هى عقلية قاطع الطريق شرق الأوسطى مرة أخرى . سواء أنتم أو
لينين أو أسامة أنور عكاشة ، أنتم عقلية لا تعرف سوى الهدم . كل ما
بناه عز الدين ذو الفقار أو غيره لآسيا ، هدمه يوسف شاهين بفيلم
واحد ، وسابها تشحت معاش تاكل بيه . تبدأون بـ ’ الأم ‘
و’ ليالى الحلمية ‘ ، فنقول ماشى ، هم أحرار فى المحتوى
والأيديولوچية ، طالما هى الميلودراما المتقنة أو الصيغة الهولليوودية إللى
بتعجب الناس وتشبع مشاعرهم . لكن شيئا فشيئا تنغمسون indulge ، أو بترجمة أخرى
تدلعون أنفسكم ، فى الرمزيات والتهاويم وحشر كلام المثقفين التخين فى أفواه
كل الشخصيات ، ده غير شغل الكاميرا المصطنع والتقطيعات الأيزنستاينية
العبيطة والذى منه ، والنتيجة الناس تجرى والمعبد ينهدم على من فيه .
أنتم لا تبنون شيئا ، إنما فقط تنهبون ما هو قائم . وعندما أقول أنتم
أقصد كل اليساريين وليس جيل الهزيمة العربى وحده الذى هو بأى المعايير لا
شىء ، وأقصد بالذات چون كيرى 2004 وهيللارى كلينتون 2008 . تعتبرون أن
من حقكم نهش المؤسسة الكبيرة ، ردم النهر ، تركيع التيار
الرئيس ، هولليوود أو الإمپراطورية البريطانية أو كعكة السينما المصرية أو
أيا ما كانت . لا يعنيكم فى شىء خراب الصروح العملاقة ، فقط المهم
بناء أوكاركم الصغيرة المظلمة آسنة المياه التافهة المجرمة . المزاوى لم يحتج 40 سنة من كيل الشتائم كى يصل لما
وصل له من نتائج ، إنما وصل إليها قبل مغادرة دار العرض . هذا كله هو
بالضبط ما فعلوه مع سعاد حسنى ومع ومع وألف غيرها وغيرهم ، و’ موش
عاوز أفتّح ‘ على رأى محمد عوكل سعد . كلهم حاسبوهم على النحو
الآتى : الإبهار عورة ، الضحك عورة ، الجنس عورة ، وفوق
الجميع النجاح الجماهيرى عورة . لكن حين يصيب واحد من ’ الشلة ‘
ولو قليلا من هذه الأشياء يخرج من الدرج قاموس آخر ، قاموس شديد
الرومانسية ، يسمى هذه الذوات الأربع بالترتيب ما يلى : الدهشة ،
البهجة ، البوح ، الوصل ( فقط الكلمة التى يشترك القاموسان على
شطبها هى كلمة واحدة : الاتساق مع الذات ، بالذات لو كان لمدة أطول من
عشر دقائق ) . بعدها تمر الأيام ، وينسى الجميع كل شىء ، كل
القواميس الحلوة والوحشة ، ثم فجأة وبعد دهور من الزمن ، يطالعك أحدهم
وبراءة الأطفال تطل من عينيه ليقول لك ومن غير مقدمات : ’ الآن أرى اللمبى فيلما مهما ‘ . بمناسبة الأعصاب التلفانة جدا اليومين دول ،
عندى نصيحة أخيرة بسيطة خالص ، قالها أحد الأطباء ذات يوم : إذا كنت
ترى نفسك متقلبا طوال الوقت على هذا النحو العجيب ، أو تراودك سعاد حسنى
مرة كحلم ومرة ككابوس ، فالوقاية خير من العلاج ، وأول خطوة هى أن تكف
عن وعظ الآخرين فى المنهج . انساه خالص ! … سمير
’ فلاشباك ‘ فريد ( 4 ) : ’ العالم فى
حاجة إلى دماغ من وزن دماغ كارل ماركس وليس فوكوياما أو هانتينجتون ، ليحلل
الفترة من جماهير حائط برلين 1989 إلى جماهير بيروت 2005 ‘ : أوه ! الكلام كبير ، والشرح يطول ،
وما فيش وقت للتمهيد … أولا : فوكوياما ليس هانتينجتون ، وليس
بوسعى أبدا أن أفهم وصفهما سويا بالستراوسية ( انظر بمناسبة فرنسا وستراوس معا ، طبعا لا نقصد
ستراوس إياه ، الفرنسى إللى دايما بتتكلموا عنه . لعلك كما تعلم سيدى
من خلال معرفتنا الشخصية ، أنى لا أقرأ لأحد فرنسى . جايز سارتر مرة
أو اتنين ، إنسان لطيف موش بطال . حتى الراجل بتاع الشك ، ومع
احترامى له ، ما اهتميتش به كتير بينما كان عندى الماديين الإنجليز كانوا
بيقولوا كل حاجة أرقى بكتير ، وهم الأصل وهم العمق ، زى ما إنجلترا أم
الثورة الصناعية والكل نصابين ، أو زى ما نقول إحنا عندنا نجيب محفوظ وأحمد
زويل ورأسنا بقت برأس أميركا . ستراوس المقصود هو اليهودى إللى بيقولوا عنه
هرب من النازية علشان ينشئها فى أميركا . ده كلام خصومه ، وهو كلام
موش غلط قوى ، فالجنس الآرى هو الأرقى فعلا ، لكن باستثناء اتنين
بس ، الأنجلى واليهود ، إللى ما كانش يصح يحاربهم هتلر ، الغلطة
إللى كلفته كل حاجة . ليو
ستراوس أول فيلسوف سياسى معاصر يتصدى لقرون من طغيان
الفكر اليسارى الإنسانى الديموقراطى ، وهو الأب الروحى لكل اليمين الأميركى
المعاصر ، ولكل يمين يحمل بعضا من المعنى الحق للكلمة فى كل العالم .
نيوت جينجريتش تلميذه نعم ، مساعدو بوش نعم ، هانتينجتون نعم ،
لكن فوكوياما ، سامحنى ! ثانيا : أنا سعيد جدا أن أتى سمير فريد على
ذكر ماركس ، ونادرا ما يفعل . أنا أومن به فعلا كعقلية جبارة ،
على الأقل فى الأربعين سنة الأولى من عمره . أنا اشتريت هذا النصف من
ماركس ، وعادة لا أبيع بسهولة ما أشتريه ( هذا ما أفعله عادة أيضا مع
أوراق سوق المال . ليس لهذا ميزة كبيرة ، لكن فى حالة بيع وشراء
الأفكار ميزته أنه ربما على الأقل يعطينى حق وعظ الآخرين فى المنهج ، أو فى
وعظهم فى عدم وعظ الآخرين فى المنهج ! ) . رأيت فى ماركس ماديا عظيما . انبهرت ‑ربما
لأنى كنت ساعتها طالب هندسة أعشق التقنية والمخترعات ، وما زلت ، وما
زلت أيضا منبهرا‑ انبهرت بفكرة أن البنية التحتية ( التقنية
والاقتصاد ) هى التى تنتج البنية الفوقية ( الثقافة
والفكر ) . وحتى اليوم لا أزال أتساءل هل هناك ماركسى واحد ‑بمن
فيهم ماركس نفسه ربما‑ فهم هذه الفكرة حق الفهم . لأنهم لو فعلوا
لكان أول شىء يخطر ببالهم هو حل كل الأحزاب الشيوعية ’ التى تأتى بالوعى
لطبقة الشغيلة من الخارج ‘ . من ثم ولكونى قد آمنت بالمادية لهذه
الدرجة المطلقة أو شبه المطلقة ، فإنى لا زلت حتى اليوم أعتبر نفسى ماركسيا
أكثر من ماركس ، فهو فى رأيى خان الماركسية وأصبح شيوعيا ! أيضا أعجبت ‑وإن بقدر ليس مطلق المدى هذه
المرة‑ أعجبت بفكرة أن ديالكتيك
هيجل يمكن أن ينسجم ويتوحد مع ذلك التحليل
المادى ، وليس قصرا على حقل الفكر المجرد . هذا وإن كنت لاحقا بدأت
أتعامل مع فكرة الديالكتيك برمتها بشىء من الحذر ، وأعتبرها ظاهرة إنسانية
لا أكثر ، مجرد صياغة مهذبة للحقيقة الواقعة المسماة العك البشرى ،
وأن الحواسيب مثلا ليست فى حاجة لمثل هذا اللف والدوران عالى الفواقد ،
إنما ستصل للشىء الصواب بسرعة ومن أقصر طريق ممكنة . هذا باختصار يا سيدى
هو موقفى من المادية الديالكتيكية . أو لو شئت المزيد من الاختصار ،
أو تطبيقا عمليا لها فى كلمة واحدة فهو الآتى : يا صفوة العالم
اتحدوا !
ثالثا : مؤقتا دعك من كل هؤلاء وإليك تحليلى
الشخصى ’ للفترة من جماهير حائط برلين 1989 إلى جماهير بيروت 2005 ‘ .
التاريخ يا سيدى ، ومن غير زعل ، اكتشف خطأه . منذ الثورة
الفرنسية التى أدت بدهماء الباستيل للسلطة ، والمد الدهمائى فى صعود .
فى سنة 1917 وصل لذروة جديدة كبيرة ، وفى 1968 وصل لأقصى ذراه ،
الذروة التى شملت كل العالم . لكن المفارقة أن هذه كانت ، وبسرعة
مدهشة ، سنة بداية النهاية . فى نهايتها انتخب ريتشارد نيكسون رئيسا
لأميركا ، وبعد قليل توالت زلازل الثورة الثاتشرية‑الريجانية ،
وهى الزلازل الحقيقية ، باعتبار أنها هزت معسكر الحضارة الأنجلى
نفسه ، وليس براج ذات ربيع أو حائط برلين أو تمثال چيرچينسكى ، التى تقع
كلها فى أصقاع وشعوب لا تقدم ولا تؤخر فى التاريخ . نعم صدق أو لا تصدق
أنها لا تؤخر أيضا . ما يقدم وهو عينه أيضا ما يؤخر ، دماغ brain
المتعضية organism ، مركز القيادة ، عاصمة
الإمپراطورية ، رأس الحضارة . هل لا يزال عزم ماركوس أوريليوس قويا أم
وهن عقله من كثرة استخدام المشط ؟ هل تحكم الإمپراطورية التى لا تغرب عنها
الشمس ملكة رهيبة الجانب أم تحكمها نقابات الشغيلة ؟ هل سيرسلون چون
بولتون لتأديب تلك البناية النيو يوركية المارقة التى باتت ملاذا ومرتعا
وحصنا لكل اللصوص والفاسدين وقطاع الطرق ، أم سيجهض هذه المهمة الطابور
الخامس ، جلابو العبيد ، الشهيرين باسم الحزب الديموقراطى ؟ أما
الاستقلال والحكام ’ الوطنيين ‘ سواء باسم الاشتراكية أو القومية أو
الدين أو أى شىء ، فهم ليسوا جزءا من المعادلة تقريبا . هم مجرد حفنة
من قطاع الطرق المحليين طردوا المستعمر المتقدم كى يستأثروا دونا عن شعوبهم
بفتات الثروة المتاح فى اقتصاد التخلف الذى لا يملكون ولا يمكن أن تنتج عقولهم
سواه . هم اليوم يقاومون الجلوبة والإمپراطورية وتوحيد
العالم تماما كما قاوم حكام القرى القديمة قيام المقاطعات ، وكما قاوم حكام
المقاطعات قيام الممالك ، وهكذا . المشكلة ليست فيهم ، المشكلة
فى المركز ، رأس الجهاز العصبى الذى يحكم العالم . المشكلة فى القرار
الذى تتخذه العاصمة بشأنهم ، أما التنفيذ فهو المرحلة الأسهل تماما ،
كما رأينا فى أفغانستان والعراق و… هيروشيما . هؤلاء العبيد موجودون منذ
أيام الإمپراطورية الرومانية حتى أيام الإمپراطورية الأميركية . المشكلة
تبدأ حين يهاجرون بأجسادهم تحمل أفكارهم البدائية ويحتلون المركز ، ويتشرب
هذا المركز تدريجيا عنهم أفكارهم ( أو بمصطلح يونج الشهير عن انهيار روما
القديمة يصاب بالعدوى بسيكولوچية العبيد ‑انظر الاقتباس بنصه الحرفى فى
رأس صفحة الحضارة ) ، ينسى حكاية
الجذوة ويبدأ فى التحديق فى أسنان المشط . هنا تتداعى طروادة . تخيل
إسرائيل وقد اكتسحها العرب أو المسلمون ديموجرافيا هجرة ثم تكاثرا أو تكاثرا ثم
هجرة ، وأصبح اليهود أقلية فيها ، هل سيختلف مصيرها عن مصير لبنان حين
حدث له ذات الشىء ؟ أو تخيل أميركا وقد اكتسحها اللاتين أو المسلمون
ديموجرافيا هجرة ثم تكاثرا أو تكاثرا ثم هجرة ، وأصبح الأنجلى أقلية فيها ،
عن أية حضارة أو قيادة للعالم يمكن أن نتحدث آنذاك ؟ فى 1968 كان الفكر اليسارى ‑الذى لم تعرفه
أميركا قبل الكساد العظيم‑ قد تغلغل فى معظم الصفوة الأكاديمية والثقافية
والإعلامية والطلابية والنقابية ، وكل شىء . لكن من ساعتها بدأ
المنحنى بالتراجع ، وعصر بوش‑تشينى‑رامسفيلد ما هو بدوره إلا
مرحلة متواضعة ، أول الغيث فى مسيرة كبرى مظفرة ، ما نشهده الآن منها
ليس إلا أطوارها الأولى . إذن ، سيدى ، لا تصدق فرانسيس فوكوياما
ولا چورچ دبليو . بوش حين يقولان لك المستقبل للديموقراطية . نحن
مقدمون ‑طال الزمان أو قصر‑ على أشرس أنواع الديكتاتورية
إطلاقا ، ديكتاتورية العلم ، ديكتاتورية الصفوة ، ديكتاتورية
الآلة ، أعظم جميع الديكتاتوريات ، وبالضبط كما حلم بها أعظم
الفلاسفة . لا الطبقات الاجتماعية الدنيا لها نفس حقوق الطبقات
العليا ، ولا الشعوب والأمم الدنيا لها نفس حقوق الشعوب والأمم
العليا ، كلا الأمرين تماما كما أن ليس للكائنات البيولوچية الدنيا نفس
حقوق الكائنات العليا . وهذه وتلك كلها واحدة من الحتميات الكبرى التى
تمليها عليها أمنا الطبيعة ، ننفذها سواء بإرادتنا أو رغما عنا . الأسوأ لا يخص الديموقراطية ولا الاشتراكية ولا حتى
الدين الذى يحذر منه هانتينجتون ، وحدها ، بل شىء يخص الإبادة ،
الانقراض ، الخروج من الجغرافيا ، سمها ما شئت . إذ أيضا لا تصدق
القديس چون پول ولا حتى القديس چون لينون حين يبشرانك بالسلام العالمى .
صدقنى أنا ، السلام لا يحل شيئا . السلام يؤجل المشاكل فقط ، بل
ويفاقمها . المشاكل موجودة فى الچيينات ولا يمكن لجلسات الكلام أن
تحلها . أو فى قول ثاتشرى أعم سياقا : التراضى دليل انتفاء القيادة Consensus is the negation of leadership . أو لو تفضل ماركس : الحروب قاطرة
التاريخ . عبارته المادية الرائعة التى لو كان قد مدها قليلا على استقامتها ،
لشطب فكرة الشيوعية ، وشطب كل الأمميات من الأولى حتى الخامسة الحالية
المدعوة بالاتحاد الأوروپى التى تأبى إلا أن يقبل عدد أعضائها القسمة على
خمسة ، ولكان ‑أى ماركس‑ قد قنع فى المقابل بتكرار ملحوظة
دكتور كيسينچر المتعجرفة أن الإمپراطورية هى النظام السياسى والإدارى الأمثل
الذى اختارته البشرية للغالبية الساحقة من تاريخها . ( أنا شخصيا أفضل
أورسون ويللز ’ الرجل الثالث ‘ : ’ عاشت سويسرا خمسة قرون
من السلام والديموقراطية والحب الأخوى ، فماذا أنتج هذا ؟ الساعة
المغردة ! ‘ ) . لو شئت سيدى هذه الصياغة المريحة للأعصاب ،
فالتاريخ نعم الآن يرجع للوراء . يرجع لما قبل إعدام سيدنى كارتون فى
’ قصة مدينتين ‘ ، لينتقم له أو ليعيده للحياة على طريقة أفلام
آلة الزمن . الصياغة المزعجة هى أن ليس عيبا أن يعود للوراء ليصحح
أخطاءه . أما الصياغة الدقيقة حقا ، فهى أن التاريخ لا يعود للوراء أو
يتجمد إلا حين تسيطرون أنتم عليه . وعندما أقول أنتم أقصد كل اليساريين
وليس جيل الهزيمة العربى وحده الذى هو بأى المعايير لا شىء ، وأقصد بالذات
چون كيرى 2004 وهيللارى كلينتون 2008 . لقد أوقفتم مسيرته قرنين من الزمان
وكل ما فى الأمر أن ها هو يواصلها ، لا أكثر ولا أقل . مع ذلك لسنا
حزانى جدا ، فقرنان من الزمان ليسا أكثر من برهة فى عمر أمنا
الطبيعة ، المؤكد أن أى نوع من الديناصورات أو الحشرات كان أكثر مقاومة
منكم للانقراض . وها نحن نأتيكم بالخلاصة الأكثر إزعاجا ، أنكم فى
التحليل الأخير لا تقدمون ولا تؤخرون ، والقافلة الدارونية تسير . إذن ليست الديموقراطية ولا الاشتراكية ولا الدين هى
تلك الجريمة الكبرى . كلها نتائج وليست أسبابا . هنا يدخل حديث
الأعراق ، ومكتشفات ’ چينومية ‘ مرعبة محدقة نستشمها فى
الهواء ، وفى خلال سنوات قليلة ستصبح علما دارجا يدرس لتلاميذ الحضانة .
مكتشفات ستأتينا أو أتتنا بالفعل باللطمة الكبرى الرابعة للخيلاء الإنسانى
( بعد لطمات داروين وفرويد وپاڤلوڤ ) ، لطمة أنك ‑سواء
كنت فردا أو شعبا‑ لست إلا مطية طيعة لچييناتك ، لا تملك من أمر نفسك
ولا من أمر أى شىء شيئا . لطمة أن تلك الأيديولوچيات والعقائد التى تبدو
ظاهريا كجرائم ، ما هى فى الواقع إلا تظاهرات سطحية لشىء آخر أعمق ،
چيينات أمم كسول متخلفة . شعوب الرعى والبداوة التى تستلقى على ظهورها إلى
أن تفرغ أغنامها من أكل عشب الآخرين ثم تستيقظ فقط من أجل أن تطلق حناجرها أن
المال مال الله وهذه أرضه الواسعة ، شعوب رى الحياض التى تستلقى على ظهورها
لسبعة آلاف سنة فى انتظار فيضان النهر ثم فى انتظار انحساره ، وأخيرا وليس
آخرا شعوب تتخذ صورة العصرية والتحضر لكن حقيقتها أنها تستلقى على ظهورها تتناول
وجبة الغداء فى ست ساعات . هذا كله بيزنس لم ينته ، ورأسه هى رأس
الأفعى الأخيرة هذه بتاع الغدا فى ست ساعات ، وكما تعلم عن إشكالية رأس
الأفعى الشهيرة ، لا حل لها إلا قطعها . نعم ، فرنسا هى أم كل الاشتراكيات وراعية كل
المروقات وكل قطوعات الطريق فى العصرين الحديث والمعاصر . هى إمپراطورية
الشر ، إمپراطورية الظلام ، تماما كما الإمپراطورية الإسلامية قبلها
والإمپراطورية السوڤييتية بعدها ، إمپراطوريات تبيع الشعوب التى
تحتلها كلاما ، أيديولوچية وعقائد وشعارات ووعودا بالجنة التى لا تأتى
أبدا . وجدول أعمالها ( بخلاف طبعا نهب عرق كل البشرية بتفويض لينينى
بوناپارتى جبرائيلى بأن كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ، جدولها مكون من
نقطة واحدة : تحطيم الإمپراطورية الأخرى ، الأم ، الأساس ،
الحضارة ، مخترعة الثورات التقنية لا المتطفلة عليها ، إمپراطورية
الخير ، النور ، الإمپراطورية الرومانية‑البريطانية‑الأميركية ،
الإمپراطورية التى لا تخالط الشعوب ولا تعنيها ثقافاتها فى شىء بل لا تكلمها
أصلا ( مرة أخرى هذه هى البنية الفوقية بمصطلح ماركس ) ، إنما
فقط تأتيها بالتقنية الجديدة بالتنمية وبالاقتصاد الحر المجلوب الواحد المتكامل
رخيص المنتجات عالى الكفاءة ( البنية التحتية ، بأمل أن تنتج بعد دهور
بنية فوقية أخرى أفضل ) . سيدى ، جميل منك أن لاحظت بعد عبارتك المقتبسة
هنا ، أن الشعوب من برلين لبيروت لحرياتها تنتفض . لكن ما عبرت عنه من
حيرتك فى تفسير سلوكها ربما ينجلى فى لحظة لو أخذت منهجى المتواضع هذا .
السؤال الصحيح هو أية حرية . الشعوب لا تعنيها الحرية السياسية .
الديموقراطية ، حكم الدهماء ، حكم الأغلبية ، حكم الفقراء ،
حكم العبيد ، سمها ما شئت ، قد تكون الجلاد الأكبر لكل الحريات ،
بل هى بالضرورة كذلك . لن أقول لك القول المستهلك اسألوا جبهة الإنقاذ
الجزائرية وكل فروع الأخوان المسلمين الأخرى عبر العالم عن أچندتها
الحقيقية . سأقول لك ما فائدة الديموقراطية أصلا إذا كان كل المعروض فى
البازار هو ديكتاتوريات ؟ الحرية هى 1- الحريات الفردية الشخصية ، 2-
حرية الحراك الاجتماعى ، 3 أو بالأحرى 1- حرية الاقتصاد والسوق .
والكل من الخضر بتوع البيئة إلى الحمر بتوع الضرايب إلى السود بتوع القرضاوى إلى
حتى أنصار الفيمينيزم ومحاربة التدخين والمسكرات ، الكل شموليات تتفق على
شىء واحد : مصادرة كل الحريات . إنهم يفهمون أحسن منك فى شئون حياتك
الخصوصية ، يعرفون ما هو الأفضل لجسدك وروحك ولحالتك المزاجية وما يجب وما
لا يجب لرئتيك ولمعدتك أو لأعضائك الجنسية أن تستنشق أو تبتلع ، وثانيا
يفهمون أكثر منك كيف تنفق أموالك وأنشأوا خصيصا لهذا الغرض هيئة أدرى من جميع
البشر بما يصح وما لا يصح فى شأن التصرف فى أموالهم اسمها مصلحة الضرائب ،
وطبعا وهو الأهم هم ثالثا يفهمون أكثر من أمنا الطبيعة كيف تدير اقتصاد
كوكبها . فى المقابل قد يكون ريچيم حكم عسكرى سفاح رجيم ، هو الساهر
الحقيقى والوحيد على حراسة الحرية بكل أجنحتها الثلاث المذكورة ، يصادر من
يحاول مصادرتها ، ويقتل من يحاول قتلها . وكل النهضات‑من‑الصفر
فى القرن العشرين كانت على سبيل الحصر المطلق ديكتاتوريات عسكرية يمينية ،
تمت فيما يربو على العشرة أمكنة بذات الطريقة بالضبط ، وبنفس السيناريو
المحكم الذى لا يحيد مشهدا واحدا ، مهما اختلف بلد الإنتاج أو اللغة وأسماء
الممثلين ( فاكر كلامنا عن النحاس الأصفر ؟ ) . لا غرابة إذن أن يكون صندوق الاقتراع بالنسبة للشعوب ،
كل الشعوب بما فيها البريطانى والأميركى ، هو وجع دماغ وسؤال خطأ موجه
للشخص الخطأ ، عن رأيه فيم هو أفضل للاقتصاد والتقنية وشكل المستقبل وأشياء
لم يسمع عنها أصلا ( هل تعتقد حقا أن الشعب الأميركى يصوت للبرامج أو
السياسات أو ما يسمونه المنصات platforms ، أو حتى
يقرأها ، أم أنه يصوت على أسس عرقية محضة ؟ ) . فى أية لحظة
من التاريخ وفى أى مكان من العالم ، مستوى فهم الشعوب أقل من مستوى استعقاد
العلم والتقنية والاقتصاد فى تلك اللحظة وذاك المكان ، ولا يمكن
أبدا ، لا فى الماضى ولا فى الحاضر ولا فى المستقبل ، أن تصلح
للاستفتاء فيها . الشعوب إذن تريد حريتها فيما تفهم وتعيش . حرية
الجنس ، حرية العواطف ، حرية الأفلام ، حرية الأغانى ، حرية
المأكل ، حرية الخمور ، حرية العقاقير المخدرة ، حرية
الأزياء ، حرية الاستمتاع بالحياة ، حرية الرقص والعرى ، وهلم
جرا . هذه هى ’ حقوق الإنسان ‘ الحقة ( حقوق البنية
التحتية ) ، هذه هى فحوى ثورات چورچيا وأوكرينيا وقرغيزستان
ولبنان ، سلسلة الثورات التى لم يحرض عليها أحد ، ولم ينظّر لها
أحد . ثورات اليوم الواحد ( على غرار جراحات اليوم الواحد ) ،
تبدأ فى الصباح بحشد صغير من الناس ، وتنتهى قبل غروب الشمس باحتلال
الپرلمان وسقوط قصر الرئاسة ، من غير كلام كتير لا قبل ولا بعد ، وكل
يذهب لحاله فى الصباح التالى ويكف عن الكلام فى ذاك الشىء المزعج الذى لا
يطاق ، السياسة . السياسة مهنة تخصصية وعلم مثلها مثل أية مهنة وأى
علم ، لا يجب أن يفتى فيها كل من هب ودب ، ناهيك عن أن يكون كل من هب
ودب هذا ، هم كل الناس على سبيل التحديد ، أو ما يسمى
بالديموقراطية . الفكرة فى تلك الثورات جميعا شىء واحد ، المطالبة
بالحداثة والسير من غير دوشة كتير أو قليل أو تفكير كتير أو قليل ، فى ركاب
الإمپريالية الأميركية . هل تعرف لماذا نجحت كل هذه الثورات ، ولم
تنجح الثورتان الأخريان اللتان صممتا بذات الطريقة بالضبط ، ثورة الأخوان
المسلمين فى شوارع القاهرة [ وثورة حزب التحرير الإسلامى فى شوارع
الأوزبكستان ] ؟ لماذا لم ينضم لهما أحد ؟ لأنهما كانتا
تطالبان بالشىء العكسى ! بالمثل ، الاتحاد الأوروپى نفسه يتداعى
الآن . شعوبه التى لم يستشرها أحد أبدا رأيها فيه ، إنما طبخ برمته فى
الخفاء بواسطة الحلف غير المقدس للساسة اليساريين عبر القارة ، تستعد الآن
للتصويت ضده . هى أيضا شعوب بسيطة حسنة الطوية لها ما تراه وتحسه ،
هذا بمجرد أن يهدأ تحريضكم وتهييجكم لها للحظة ( التحريض والتهييج ضد الحرب
على العراق مثلا ، كان كافيا وحده لتثبيت شيراك وشرويدر فى الحكم بل
والإتيان بذلك الشيوعى المصغر لحكم إسپانيا ، لكن الآن العد التنازلى لهم
جميعا بدأ أسرع مما يتخيل أحد ) . نعم ، ما أن تهدأ الحناجر
والتضليل للحظة ، حتى تنجلى شعوبا كل ما تريده هو الخلاص من الفاقة
الاقتصادية والعداء للحضارة ( أميركا ) ، الذى جلبته السياسات
الكارثية لذلك المشروع المولود ميتا على أنقاض الاتحاد السوڤييتى ،
بهدف توحيد قارة بكاملها لتصبح بلطجيا محليا مارقا على أميركا ، وليس تابعا
لها كما يقول منطق الأمور ومعطيات الواقع وأرقامه . نعم ، الشعوب
ستسقط المشروع خلال الشهور
القادمة ، ثم يوم
تنسحب منه بريطانيا التى لا يربطها أى شىء عرقى أو أيا ما كان به ،
وغدا لناظره قريب جدا ، ستكون النهاية الرسمية . ولن أدهش إن بدأ
البعض فى الصباح التالى التفكير فى تأسيس الأممية السادسة ، فالواضح أنكم
’ ما بتتهدوش ‘ أبدا ، إلا بالاسئصال الجذرى . فى لبنان سيكون المستقبل ، إذا كان حقا هناك
مستقبل بخلاف حرب أهلية طائفية يحسمها تدخل أميركى‑إسرائيلى ، سيكون
لميشيل عون وليس لوليد جنبلاط ، وطبعا ليس لإرهابى حزب الله الحنجورى
المجرم صاحب الانتصارات الوهمية على طريقة النكسة والثغرة عندنا . الشعوب
لا تريد المزيد من وصاية أصحاب النظريات والأيديولوچيات والحناجر ، أصبحت
تريد اليوم حرية الاقتصاد والاستثمار ، تريد ليبرالية الدغل المتوحشة وليعش
من بينهم من يعش وليمت من يمت . هذا ليس حبا ولا وعيا ولا نضجا ولا
تنظيرا ، بل حتى لا تتوقع منها استمرار موقفها الحضارى هذا طويلا .
فهى ‑أى الشعوب ، وبالذات شعوبنا‑ غبية انفعالية وجاهلة ،
يحرضها من يحرض ، وهى تجرى وراء تحريضه . هذه وظيفتها ، وستظل
كذلك . فقط ما تفعله الآن هو أنها تشترى تلك المغامرة ‑أو بالأحرى
المقامرة‑ الأدغالية ، لأنها تراها فرصتها الأخيرة والوحيدة ،
ولأنها باتت تعرف البديل جيدا ، اشتراكية توزيع الفقر على الجميع .
باختصار ، ها هى شعوبكم ارتدت إلى نحوركم ، بعد أن أورثتها شعاراتكم
المارقة الفاقة والتخلف وليس إلا . الشعوب لا تريد طريقا ثانية ولا ثالثة
ولا رابعة ، تريد فقط الطريق الأولى ، طريق الأدغال . تلك هى حقوق الإنسان كما تفهمها الشعوب ببساطتها
وعلى الصعيد الملموس الذى تعيشه ودون أى شعارات ضخمة منها أو من أحد ،
وليست هى الحق فى أن يحكمها فقط الشيوعيون والإسلاميون حسب تعريفها فى شرعية
الدهماء الدولية المسماة الأمم المتحدة أو فى المنظمات المدعوة بمنظمات حقوق
الإنسان . لا أبالغ ولا أسخر فى كلامى عن الأمم المتحدة أو غيرها ،
فإعلانها المسمى بالإعلان الجامعى لحقوق الإنسان سنة 1948 بيان سياسى محض على
غرار مانيفستو ماركس وإنجلز وربما أسوأ ، لا يأتى أبدا على ذكر أى من
الحريات الشخصية والفردية ، بل يفوض رجال السياسة والدين والأسرة والمدرسة
وكل شاء من شاء حق مصادرتها باسم التنوع الثقافى . ثم ها هى ما تسمى مفوضية
حقوق الإنسان فيها يسيطر عليها فى خاتمة المطاف القذافى والبشير وموجابى ويطردون
أميركا منها ، ولا تعليق . فقط ما يهمنى قوله إن هذا كله شىء قديم
وأصيل ، وهو الشىء الطبيعى فى منظمة ستالينية نشأت من أجل تصفية الاستعمار
بينما قوانين أمنا الطبيعة ، مالكة هذا الكوكب ، من قبل البكتيريا ومن
قبل الإنسان ومن بعد كل شىء ، تقول إن أحوج شىء نحن إليه هو تصفية
الاستقلال ، أى إعادة ’ الأرض لمن يستعمرها ‘ ، وتحريرها من
مغتصبيها بوضع اليد ممن يسمون بالسكان الأصليين . ( هل لاحظت
’ يـ سـ تـ عـ مـ ر هـ ـا ‘ ؟ )
( عاوز تعرف الأرض ملك مين ؟ الأرض ملك چيمس وات وإللى زيه إللى عملوا
لحاجاتها قيمة . لأ بلاش ! الكلام ده هيزعل خادم الحرمين . أقول
لك حل يرضى الجميع : تعال نسأل ماركس بتاع القيمة المضافة إللى بيكره سيرة
الريع زى العمى ، نسأله رأيه الأرض ملك مين ، وأنا رأيى هيكون من
رأيه ! ) . أنا شخصيا مستعد لتبنى كل مقولات اليسار ، بما
فيها ديكتاتورية الپروليتاريا ، بما فيها الحقد الطبقى ، بما فيها أى
شىء ، لو أنها تفضى إلى ازدهار اقتصادى ، لكن واقع الحال أن هذا وهم
مطلق . الاشتراكية أخذت فرصتها كاملها وثبت فشلها . أيضا تماما كما أن
الاستقلال أخذ فرصته كاملة وثبت فشله . هنا لا نطرح أيديولوچية
بديلة ، أو أيديولوچية من أى نوع ، فقط نقرر أمرا واقعا : كلاهما
ملأ العيون بطول وعرض العالم ، وصل لأعلى الذرى ، فرض نفسه على كل أحد
فى كل ركن من العالم ، ولعقود كاملة ، ثم ببساطة تامة : ثبت
فشله ، وأصبح الخراب الشامل الكامل الكاسح حقيقة عيانية لكل ذى
عينين !
رابعا : ربما لا أكون شخصيا بوزن
’ الدماغ ثقيل الوزن ‘ الذى تبتغيه لذاك التحليل ، والأرجح أنى
لست كذلك ، لكن هذا لا ينقص شيئا من قيمة تحليلى هذا . ذاك أن الحقيقة
أنى أخذت حيطتى ، وكلمتك فى أواسط الكلام عن المادى العظيم ، وعن حلم
الفلاسفة الكبير ، وعن شراء نصف ماركس ، هذا أن لتسمح لى بأن أقدم لك المادى الأعظم ، صاحب
أكبر الأحلام جميعا ، الوحيد الذى اشتريته كله ، الشخص الذى علمنى
شخصيا كيف أكف عن القلق وأن أحب ما يكرهه الناس : أرسطو ! لا أعرف من أين أبدا فيما يخص ’ الأستاذ ‘ . أرسطو يا سيدى هو الذى قال كل ما قلته هنا .
الديموقراطية هراء ، الديكتاتورية هى حلمه ، الصفوة تقود والقطيع غبى
بليد وجاهل عليه أن يتبع ، ولن يتبع إلا قسرا ( على الأقل هذه الأخيرة
ليست عند أفلاطون ) . الأمم فى كلياتها كذلك . بعضها قيادى وبناء
ذو نخوة وهمة حضارية ، وبعضها انفعالى كسول غرائزى ، غبى بليد
وجاهل ، يستوجب المقاتلة إن لم يطع ، ولن يطيع ( هذه برمتها ليست
عند أفلاطون . ربما قراءتى الجديدة المقبلة له قد تكشف لى أن هذا لم يكن
ليساريته إنما تعاليا كبيرا منه عليها ؟ ) . أرسطو عنده كل
شىء ، وهو عندى كل شىء . هو المكتشف الحقيقى لقوانين الديناميات
الحرارية حيث لا محرك بخارى أو غير بخارى يمكن أن ينتج شغلا من غير مركز متوهج
يبث حرارته فى محيط بارد . هو أيضا المكتشف الحقيقى للبيولوچيا
الجزيئية ، وبالأخص فيها ذاك الحلزون المزدوج المسمى الچيينات حيث لا فكاك
للأفراد ولا للأمم من لعناتها الموروثة ، ولا فكاك لنا أو لأولادنا وبناتنا
من مشاهدة خلاص جذرى لحضارة العالم من شعوبها الأقل تكيفا مع التطور أو معانقة
للمستقبل . الحقيقة موقفكم من أرسطو هو فى حد ذاته أفضل تفسير
لأزمتكم ، سعيتم فى أرسطو وفى غير أرسطو وراء الآداب والفنون ، وراء
الإنسان وتهاويمه ، بينما الحقيقة تقبع هناك فى الديناميات الحرارية
والبيولوچيا الجزيئية . وعندما أقول أنتم أقصد كل اليساريين وليس جيل
الهزيمة العربى وحده الذى هو بأى المعايير لا شىء ، وأقصد بالذات چون كيرى
2004 وهيللارى كلينتون 2008 ! سيدى ، هذا هو ما يحدث منذ سقوط جدار برلين
حتى سقوط بيروت ( أليس هذا التعبير الذى تقصده ؟ ) ،
والبقية تأتى . أقصد الفواجع تنهال كالمطارق المتوالية على العقول التى
ترعرعت على تخاريف روسو ولينين وجاندى وناصر ومانديلا وغيرهم من رموز الإرهاب
المجرم عبر التاريخ ( الكبار وليس الأقزام أمثال صدام حسين وأسامة بن
لادن ) ، وباتت تعتقد أن بإمكان حفنة من البشر أن تصادر أو توقف
قوانين أمنا الطبيعة ، قوانين العيش للأصلح ، قوانين التنافس
الشرس ، قوانين الحرية المطلقة ، قوانين كتاب الأدغال ، كتابى
المقدس . كل الحكومات اشتراكية أو غير اشتراكية لو أرادت مصادرة أو تجميد
تلك القوانين لما استطاعت لأن سرعان ما سيبدو جليا لعيان الجميع حجم الخراب الذى
يسببه هذا . كل البشرية حكاما ومحكومين لو اجتمعت لن تستطيع أيضا .
حتى كل الحياة البيولوچية للأرض ما ستصل لشىء لو حدث وأنها اتفقت على تجميد
التطور . ربما لا يكون كتابى المقدس مقدسا بنسبة 100 0/0 ،
ربما يكون مقدسا بنسبة 90 0/0 فقط . لبلايين السنين
والطبيعة تشق طريقها على نحو ذاتى التسيير أو لو شئت عشوائى للغاية ، ومع
ذلك أنتجت لنا كل هذا القدر من التطور المذهل . إن كل ما نتحدث فيه هو تلك
الـ 10 بالمائة ، التى يمكن بها التسريع من وتيرة التطور ، حماية
التنافس وحفزه ، والتقليل من فواقد التطور ذاتى التسيير ومن مساراته
الحلزونية الهابطة أحيانا . لكن سواء أعطيناها هذا المدخلات العمدية
الواعية ، أو تركناها على حالها تمضى على عشوائيتها ، لاستمرت فى
الحالتين تتطور وتتطور . والأكثر تأكيدا أنه فى أية حالة أن من رابع
المستحيلات تجميد تلك الآلية فائقة الدموية ، وهذا وصفها الصحيح والدقيق
والوحيد ، وصفها بتصفيق وتصديق زلق اللسان مكتشف الحلزون دكتور
واتسون ، الذى لا غرابة أنه صاحب أعنف الكلمات إطلاقا فى استهجان الفكر
الإنسانى والسلامى والحقوقى والبيئوى ، وفى الدعوة لأن لا حرمة ولا قداسة
لأية عشيرة بيولوچية ، ولأن ليس للكائنات أيا ما كانت حقوق ، فقط لها ‑لو
شئت‑ احتياجات ، أو حرفيا : ‘Evolution
can just be damn cruel… Who gave a dog a right?… Human rights is utter
silliness… Human sanctity is a Steven Spielberg crap!’ سيدى ، أنتم ، وعندما أقول أنتم أقصد
( … إلخ ) ، سيدى ، أنتم مغرورون . همكم ووهمكم
الكبير اسمه الإنسان‑الإله ، كل ما صنعتم هو علمانية إنسانية تافهة
ورجعية ، روث سپييلبيرجى ، حتى أحيانا تتركونها وتلجأون للدين .
تريدون بأيديكم ‑وأحيانا بمجرد حناجركم‑ الانتصار للغثاء mediocrity ،
للموات الأنتروپى ، للمساواة التى تسمونها زورا بالعدالة الاجتماعية وهى
عين الظلم . نحن وحدنا يا سيدى الذين نؤمن حقا بالعدالة الاجتماعية :
من يستحق يعيش ومن لا يستحق يموت . تريدون وقف جبروت قوانين عمرها 14 بليون
سنة ، وما هى استمرت كل هذا إلا لحكمة ما ، غاية عليا ، حتميات
كبرى ، حقيقة اسمها الاستعقاد sophistication إلى ما لانهاية ،
إله اسمه التطور . لا نعرف من قرر هذا ولا متى ، لكن نعرف أنه الواقع
الذى لا يتغير أبدا ، الطبيعة الخصيصية للمادة التى يتكون منها
كوننا . وسوء تقديركم يكمن فى أن أمنا الطبيعة لم تشخ بعد كما
تخيلتم ، بل فى الواقع 14 بليون سنة هى ريعان الشباب بالنسبة لها ،
وها هى تنتقم ممن تجرأوا عليها وتطاولوا على قوانينها . نعم ، الحضارة هى السيطرة على الطبيعة ،
هكذا تكلم فرويد ، ’ الأستاذ ‘ الآخر ( وأستاذى أيضا على
الأقل بعلمانيته التى لا ترحم ولا تلين . وبالمناسبة أنا لى أساتذة آخرون
وإن ليسوا كثيرين . مثلا هربرت سپنسر بتاع العيش للأصلح ، وإللى
بيسموه فيلسوف داروين . أو مثلا پيتر دراكر بتاع الشركات إللى لما تكبر
تبقى هى ربنا إللى بيتولانا برحمته ، وإللى بيسموه عميد أو مؤسس علم
الإدارة . ناس زى كده يعنى . والكتب كلها موجودة بالعربى بس مغضوب
عليها وعليها حجر صحى ) . نعم ، هكذا تكلم الأساتذة فى وجوب
السيطرة على الطبيعة ، إلا أنكم كمن لا يدرك الفارق بين ركوب الجواد
والانطلاق به لوجهتكما المشتركة ، وبين أن تقتله أو تكبله وتجلس إلى
جواره ، وتقول ها أنا قد سيطرت عليه . لقوانين التطور روح أيها السادة ،
وهذه الروح هى ما تعمون عنه بسبب ذوبانكم المتواصل فى تلك النقطة السوداء
الصغيرة من التاريخ المسماة بالتاريخ الإنسانى ، بينما التاريخ نفسه أعرض
من هذا بكثير ، واسمه فى الأصل ‑لو تذكرون‑ هو التاريخ
الطبيعى . باختصار ، قطار الطبيعة لا يزال منطلقا ، وكل ما حدث
هو أن محاولتكم قتل السائق قد فشلت . قتلتم سيدنى كارتون وبعض آل رومانوڤ
وحفنة من بقية الركاب ، وجايز كمان يوشيتشينكو هذا يا سيدى ما يحدث منذ سقوط جدار برلين حتى سقوط ڤلاديمير
پوتين وبشار الأسد ( هذا التعبير أقصده أنا على الأقل ، ويشهد عليه
تراجعهما المذرى أمام غضبة وجه رئيس أوكرينيا المشوه أو جثة البليونير اللبنانى
المتفحمة ) . بل الحقيقة أن علينا أن نحمد لأمنا طول صبرها وأناة
بالها ، لأن الأجدر بها كان الانتقام من اليسار الأفلاطونى فى مهده قبل 25
قرنا ، دون الانتظار لظهور اليسار الروپسپيرى ناهيك عن اليسار
العربى . الآن وقد وصلت ’ رجعيتى ‘ لمداها بالرجوع
25 قرنا للوراء ، أود أن أتوقف قليلا عند هذه النقطة . أنا شخصيا لا
أجد انزعاجا بينى وبين نفسى بسبب المواقف التى تبدو رجعية كمرجعية أرسطو
هذه ، أو الدعوة للعودة سياسيا لما قبل الثورة الفرنسية ، أو رفض ما
يسمى ببعد‑الحداثة ، وتبنى الحداثة فقط . الحقيقة أن الرجعية فى
نظرى قد تكون أحيانا هى أشد الأشياء تقدمية . مارشال ماكلوان الذى يشيد به
الجميع لأنه بشر بحماس بمستقبل عصر الإتصالات الهائل الذى نحياه الآن قبل خمسين
سنة منه ، إنما فعل ذلك فى الواقع لأنه يؤمن بقيم الأسرة المميزة لعصر
الإقطاع ، أو حتى بقيم القبيلة السائدة فى عصور ما قبل التاريخ
( القبيلة هى وصفه المفضل لذلك المستقبل ) . ربما شخصيا تعجبنى
أكثر قيم عصر الصناعة ، الأسرة النووية والفردانية والاغتراب والسوق الحرة
… إلخ ، لا يهم ، أنا لن أناقش ماكلوان هنا . المشكلة أن
تلك الرجعية هو تحدى فكرى جسيم . كل التاريخ بكل أفكاره مفتوح للتفكير
والتمحيص . لن تريح نفسك بقبول هذه الفكرة لمجرد أنها ظهرت بعد تلك
الفكرة ، وتقول أنا هكذا تقدمى . لعلنا دوما فى حاجة لنوع من وحتى أريحك أكثر يا سيدى ، أقولها لك
بصراحة ، أنا لست ضد الأيديولوچية ، ولست حتى بلا أيديولوچية .
حين يصبح كل التاريخ مفتوحا أمامك هكذا ، لا بد من مرجعية ما تحكم بها على
الأشياء . مرجعيتى المزعومة هى التطور evolution ، الاستعقاد بدون
تذكرة عودة . هذا ما توصل إليه رصدى المتواضع من أنه أقوى قانون فى الكون
إطلاقا ، بالطبع فى حدود ما نعرفه عن هذا الكون . تاريخ الكون منذ
نشأة البكتيريا إلى اليوم هو تاريخ التقنية . تموت الكائنات وتنقرض العشائر
البيولوچية species وما يتبقى منها هو فقط ما اخترعته من
تقنية . من هنا لا يوجد بديل سهل ، كأن تسأل مثلا هل أنت مع الفردانية
أم مع الاجتماع ؟ الإجابة : أنا مع التطور . مع الفردانية ومع
الاجتماع ، وضد الفردانية وضد الاجتماع ، المهم كيف تخدم هذه أو تلك
التطور فى اللحظة المعطاة . أنا مع الحرية المطلقة ومع المنافسة المطلقة
ليس لأنها شعارات براقة ، إنما لأنها تقود للتطور حتى لو تركناها عشوائية
كما كانت كل بلايين السنين الماضية ، لكنها لو لم تفعل أو لن تفعل ذلك
التطور المنشود فسأتراجع عنها . أنا إذن أيديولوچى ، لكن ليست
الأيديولوچية التى تبدأ بقالب فكرى ثم تصب كل الدنيا فيه ( أليست هذه هى
المثالية التى انتقدها ماركس ؟ ) . ليست أيديولوچية أن الناس
متساوون ، وإذا اتضح أنهم واقعيا ليسوا كذلك ، فلماذا لا نجرب ان
نجعلهم كذلك بالعافية . ليست أيديولوچية أن الإنسان إله الأرض ، وليس
به من المقومات ما يصلح . ليست أيديولوچية قال الله وقال الرسول وقال فلان
وقال علان . الأيديولوچية الحق أيديولوچية لم يقلها أحد . هى ليست
كلاما أصلا . الأيديولوچية الحق هى الأيديولوچية الطبيعية لو صحت
التسمية ، أيديولوچية مادية حقة بمعنى الكلمة . عليك أن ترصد
أيديولوچية الكون ، إن صحت هذه التسمية أيضا ، أيديولوچية أمنا
الطبيعة ، أيديولوچية 14 بليون سنة منذ الانفجار الكبير ، عليك أن
تكتشفها ، ثم ما بعد ذلك سهل : عليك أن تتبناها ! هذا يأتى بنا لنقطة التواضع . الكل
أيديولوچيون ، نعم ، لكن على الأقل المتدينون على العكس منكم
متواضعون . هم لا يريدون أكثر من تنفيذ قوانين وضعها سلفا شخص آخر ،
الإله . نحن أيضا متواضعون ، لنا إله نعبده ولسنا مثلكم تعبدون
أنفسكم ، تعبدون الإنسان ، وبئس الإله . فقط خلافنا الوحيد
معهم ، هو من هو الإله الحقيقى . نزعم أن إلههم ما هو إلا ذاك الصنم
الخفى الوهمى ساكن السماء صنيعة الإنسان ( إلهكم ! ) ،
صنيعته الزائفة التافهة على شبهه ومثاله ( لمزيد من التفاصيل ارجع لرواية
نجيب محفوظ أولاد حارتنا ) . أما نحن فلا نعبد أوثانا ، إنما
نعبد ذلك الإله الحى الغيور ، الحق القيوم ، العظيم كلى
الجبروت ، والأهم الإله الملموس المتجلى كل يوم لا فى وحى يقرأ ( كلام
فى كلام يساوى كلام تربيع ) ، إنما فى مسيرة مادية ( بنية
تحتية ) مظفرة من المعجزات غير المنقطعة بدأت بتقنيات جميلة بارعة
كالبكتيريا والطحالب ، ووصلت الآن لخلق الآلات الحية فائقة الذكاء ،
والكائنات النانوية ( المنكمشة العجيبة بلغة السينما ) ،
والكائنات المنماة چيينيا فائقة كل شىء ، إلى آخره من الكائنات الرائعة
التى تعلن أن حقبة الإنسان البغيضة قد ولت إلى الأبد وبلا رجعة ( لمزيد من
التفاصيل ارجع أيضا لرواية نجيب محفوظ أولاد حارتنا ) . أما لماذا يعبد المتدينون ما يعبدون ، أو
لماذا حين يخرى عبد الناصر فى سرواله بعد تأميمه للقناة يهرول ‑ورغم كل
شعارات العلمانية‑ إلى الجامع الأزهر وليس لجامعة القاهرة ، الإجابة
ليست صعبة ، وذكرناها للتو . الدين بنية فوقية لا شىء أكثر . من
السهل أن تقول مثلا إن الإسلام دين إرهابى شرير ومجرم ، ومن السهل حتى أن
يقولها يوما بوش وبلير . لكن ماذا سيحدث ساعتها ؟ الإجابة لا
شىء . ستجد نفسك تحارب ذات طواحين الهواء من جديد . السؤال الحقيقى هو
من أين جاءت الأديان أصلا ؟ الأديان لم تهبط من السماء بپاراشووت ، إنما صنعها أناس من لحم
ودم وچيينات . وفكرة الإله الخفى جاءت من چيينات الشعوب السامية والأهم
أنها جاءت لها . آلية تكيفية أنثروپولوچية ابتدعها تلك الشعوب كى تزين
لنفسها ما لها من كسل وسرقة وبلطجة وكذب وقطع طريق على حضارات البشرية ،
على أنها تعليمات فوق كونية ، جاءت من إله السماوات المنتقم الجبار ،
أعطاها لشعبه المختار خير أمة أخرجت للناس ، وما هم إلا أحط أمة أخرجت
للناس ( هل تخالفنى فى هذا ، آسف أقصد هل تخالف أرسطو فى
هذا ؟ ) . لو ذهبت شرقا إلى الهند والصين ، أو غربا إلى
أى مكان ، بما فى ذلك الپروتستانتية التى هى اسما على الأقل نوع من
المسيحية ، لن تجد كل تلك العقائد والعبادات وقطعا لن تجد شيئا اسمه
الشريعة ، حيث قوانين وتعليمات السماء الصارمة المزعومة الهابطة فى اتجاه
واحد ، مفصلة حتى أشد التفاصيل إضحاما فى مئات الصفحات كما فى شريعة موسى
ومن لف لفها بعد ذلك . تلك ‑شرقا وغربا‑ ليست أديان بقدر ما هى
أساليب حياة ونوادى اجتماعية ، أما أديان الإله المشخص والشرائع المرعبة
والويل والثبور فى الحياة الآخرة ، حيث النبى يجثم بشخصه كل ليلة بين الرجل
وزوجته فى الفراش ، ويرهب بشخصه كل طفل صغير داخل الحمام حتى لا يخرج
الفضلات بطريقة تخالف تعاليم إله السماء وسنة رسوله ، فهى كلها بنى فوقية
فكرية وثقافية واجتماعية تفتقت عنها واستمرأتها تحديدا العقلية الشريرة المتخلفة
للقبيلة شرق الأوسطية المصممة چيينيا على قطع الطريق ، لا على الكدح
والبناء ، تسرق ذهب الملوك أو تنهب قوافل الوجهاء وتسميها فى كل مرة وحيا
قدسيا . حتى حين سرق عبد الناصر قناة السويس من أصحابها الشرعيين أعطى
بالحرف الواحد ذات مبرر موسى لسرقة ذهب ملوك مصر : لقد اشتغلنا فيها
سخرة ! صديقى ، أرسطو ‑وأى باحث آخر بعده
موضوعى لم يضغ غمامة أيديولوچية فوق عينيه‑ لم يفعل نحونا أكثر من رصد
ظواهر جلية تماما قوية تماما والأسوأ أنها لا تتغير أبدا . هذه شعوب المهنة
الوحيدة التى مارستها فى تاريخها هى القرصنة وقطع الطريق ونهب عرق الغير ’ عن يد وهم صاغرون ‘ .
لعل الأبعاد الحقيقية لهذه العبارة أعمق بكثير مما تتخيل ، إنها تعنى حسب
ابن العباس فى أبى التفاسير القرطبى أن الشغل ‑أى شغل‑ عار من حيث
الأصل على العربى المسلم ، وينهى أمة المعروف والمنكر عن مثل هذا
’ الهوان ‘ و’ الصغار ‘ ، ذلك أن شغلتها الوحيدة
المنوطة بها والمسموح لها بها هى استعباد بقية شعوب الأرض . نعم الاستعباد
هو كل ما يدور حوله الإسلام ، وكل ما تدور حوله
العروبة وسائر الأيديولوچيات والأديان التى أفرزها العرق السامى . تلك هى
طريقة التفكير الحقيقية الكامنة فى أعماق عقول أبناء هذه المنطقة دونا عن كل أمم
العالم بمن فيهم حتى السود . لو أخذت الجديلة النووية لأحد أبناء القبيلة
شرق الأوسطية وذهبت بها لمجرة أخرى لم تسمع قط عن كوكب الأرض ، وتركتها
تتكاثر هناك ، لأعطتك حتما ذات الأفكار والأديان والمعتقدات بالضبط .
الشغل يرهق العضلات غير المؤهلة له ، والتفكير يرهق العقل غير الموجود
أصلا ، ولا حل لهذه المحنة المؤلمة إلا تفويضا إلهيا بمص دماء بقية أعراق
العالم حلا للأولى ، وعقلية الإجماع حلا للثانية . لكل الأمم أهداف
غائية لوجودها ، وهذا هو هدفنا نحن : استرقاق الغير واستلقاء
الظهر ! الصادق الأمين أسامة بن لادن لم يفعل سوى فتح الكتب
وتعرية الچيينات . سيدى ، الإسلام ليس سبب تخلفنا . العكس هو
الصحيح . تخلفنا هو سبب الإسلام ، وسبب كل القهر والعبودية المسماة
بالتوحيد وغير التوحيد ، إلى آخر أساسات وپارانويات سيكولوچية العبد‑القنفذ‑الشحاذ‑قاطع
الطريق ، سيكولوچيتنا . تعددت الأديان والهدف واحد بدءا بالأيام
الأولى لفجر التاريخ مرورا بالسلطان بارباروسا خير الدين وكل قراصنة البحر
المتوسط وغير المتوسط ( إن شئت المعنى الحرفى جدا لكلمة قرصنة ، أما
المعنى الواسع فيشمل تقريبا كل سلطان كل فتوة وكل حرفوش ، وطبعا كل جابى
جزية أو خراج ، ذلك دون أى استثناء يذكر ) ، وطبعا انتهاء بأركان
جبهة الصمود والتصدى ، ممن يتناسخون طوال الوقت بلا نهاية ، حتى
أشبالهم الجدد أبى مصعب الزرقاوى وبشار الأسد الذى يمص دماء اللبنانيين
والدرافوريين والأمازيغ والأكراد وكل من تطالهم يداه . وطبعا طبعا الحل
الوحيد دوما مع القراصنة وقطاع الطرق كان الإبادة ، ليس ابتداء بالغزو
الأميركى لليبيا على يد توماس چيفيرسون 1801 ، وليس انتهاء بالغزو الأميركى
للعراق على يد چورچ دبليو . بوش 2003 . نعم ، هذا هو المصير
المحتوم للعرق السامى طال الزمان أو قصر . ونعم أيضا ، أنا ممن
يسمونهم معادين للسامية ، فقط لست معاديا لمن زالت عنهم لعنتها ،
ولعلك تعلم من ! كل مفكر ذى دماغ ذات وزن ثقيل أو حتى نصف ثقيل
يتحدث اليوم حديث الأعراق هذا ، دونما خجل أو مواربة لسبب بسيط أنه حديث
شديد العلمية . كيسينچر يتحدث عن الطبقات الچيولوچية للأمم .
هانتينجتون فى بحثه الشهير الأخير عن الخطر الكاثوليكى يقول الكل هاجر للعالم
الجديد فماذا فعلوا : فرنسا صنعت الكيبيك ، الإسپان صنعوا
المكسيك ، الپرتجاليون صنعوا البرازيل ، أما الإنجليز فصنعوا شيئا كلى
الاختلاف : أميركا ! أرسطو كان معياره بسيطا رائعا فى الحكم على الطبقات
وعلى الأمم سواء بسواء . هل أنت عقلانى أم انفعالى ، هل أنت تتحكم فى
نفسك أم نفسك تتحكم فيك . هكذا ربما تنبأ الرجل بما عرف فيما بعد ببرود
الإنجليز ( خير أمة أخرجت للناس فعلا . وكفانا هزلا ولنضع النقط فوق
الحروف ولو لمرة واحدة ! ) ، إن لم نقل تنبأ بالحواسيب الحية
الذكية . إذن لنتواضع قليلا سيدى . أنا شخصيا أقول إذا كان أرسطو قد
قال إن الديموقراطية خطأ ، فإنى أردد كالببغاء أن لن تقوم لها قائمة
أبدا . وإذا كان قد قال إن الشعوب السامية أو شعوب العالم الثالث لا أمل فى
تحديثها أبدا ، فسأكون أول من يعانق القنبلة النووية على طريقة شخوص
كيوبريك ! … السبب فى كل هذا باختصار أنى لم أر أبدا
شيئا قد استجد منذ قال الأستاذ كلامه ، يحمل على الاعتقاد بشىء عكس ما
قال . … وشىء لن يستجد ، وقطعا لا يحتاج حتى
لدماغ من أى وزن ! …
سمير
’ فلاشباك ‘ فريد ( 5 ) : ’ إيه الصح يا أستاذ ؟ ‘ : السؤال عن الصح ليس عيبا . العيب ألا تتعلم من
خطأك . والعيب الأخطر أن تواصل مسئولية الكتابة وأنت تعلم أنك لا
تعلم . الفارق بين سمير فريد وبين الآخرين ، أنهم يكتبون دون أن
يعرفوا أنهم تائهين . تعريف المستقبل عند الجميع هو الدقائق العشر
القادمة . احصل على ما تريد الآن ثم عول على فقدان الذاكرة عند الناس .
ادخل فيهم برضه بالصوت العالى وبالكلام الضخيم الفخيم وبتسخيفهم جميعا عندما
تعرض القضية العكسية بعد عشر دقائق . سمير فريد هو الوحيد دونا عن كل هؤلاء
غير العارفين أو غير المعترفين بالتوهان ، الذى فى سنة 1969 حين سألوه قال
إنه تائه سياسيا ، وفى سنة 2005 حين سألوه قال إنه تائه سياسيا . طب
وبعدين ؟ إيه العبقرية فى كده ؟ ثم هل توهان سمير فريد سياسى
وبس ، أعتقد أجبنا على هذه أكثر من مائة مرة . ونذكرك فقط بأنه يعتبر
مجلة ڤارايتى مثله الأعلى فى الصحافة الفنية ، بينما الطريقة التى
يفكر أو يكتب بها أبعد ما تكون ‑إن لم تكن النقيض بالضبط‑ من منهج
أو محتوى ڤارايتى حيث التماهى الكامل بين البيزنس والفن ، ولا يمكن
أن تنتج مجلة تدوم مائة يوم وليس مائة عام كما احتفلت لو أنت رجعت لبيان جماعة السينما الجديدة
( مايو 1968 ، وليس صدفة أنه ذات شهر الذروة العالمية
إياها ) ، لو رجعت له لرأيت العجب العجاب ( لا تذهب بعيدا فى
البحث ، فهو بين يديك بالفعل الآن ، فخلال تصفحى لبقية كتب المهرجان
اليوم لاحظت أنهم أعادوا تعميم نصه بالكامل فى واحد منها ، كتاب سيد سعيد
’ أحمد متولى :
المشاغب ‘ صفحة 109 ) . هذا البيان
الأسطورة ( كما منهج سمير فريد إياه ) شىء يتحدث عنه الجميع ولم يقرأه
أحد ، وطبعا لو حدث وقرأه أحد لما جرؤ على مناقشة أى شخص منهم فيه .
فى هذا البيان لم يحددوا صيغة فنية معينة ، وحتى ‑صدق أو لا تصدق‑
لم يحددوا محتوى أو توجها سياسيا معينا . كله كلام سلبى أى فقط رفض لما هو
قائم ، مع تحاشى حريص جدا ودقيق جدا لرسم ملامح محددة لأى بديل . لكن
مهلا ، قد يكون فى هذا الكلام من جانبنا بعض الافتراء . فالأمر ليس
كذلك بالضبط ، بل الحقيقة أنهم حددوا ملمحا واحدا لسينماهم الجديدة
القادمة ، واضحا جدا لدرجة أن يمكنك الإمساك به وسط كل تلك
الديماجوچية : أنها ستكون واسعة الجماهيرية رابحة ماديا ، بالعامى كده
هتكسر الدنيا ، أو بكلماتهم أنفسهم ستكون العكس الكامل من الفشل الراهن
لأفلام السينما المصرية وهولليوود ، التى قالوا أن كلتيهما كانت تخسر منذ
عشرين سنة ( من سنة النكبة يعنى ، وده اسم دلع برضه لو الكلام هيجيب
بعضه ! ) . أيضا وحتى لا نتمادى فى الظلم هم ضربوا بالفعل أيضا
أمثلة محددة للأفلام الناجحة ، ’ رجل وامرأة ‘
و’ انفجار ‘ و’ زوربا ‘ . ربما قد تفاجأ بأنهم من عشاق ليلوش ، أو حتى
أنهم قد احترموا لهذه المرة الوحيدة شيئا اسمه قصص الحب أو الرومانسية أو
الغريزة أو البوهيمية ، أو قد تدفع بأن فيلم أنتونيونى أو كاكويانيس الوحيد
الناجح لأيهما قد نجح بسبب الجنس أو الرقص أو لأنه الأقرب للصيغة
الهولليوودية ، لكن أيا ما كان هم على الأقل مصيبون فى أن هذه أفلام ناجحة
فعلا . لكن ماذا عن مقولة إن السينما المصرية كانت تخسر ، بالذات لو
كان قد رفع عنها العسكر قيودهم واشتراكيتهم . ثم أليس من المضحك كلية القول
بأن أفلام هولليوود تفشل وليلوش وأنتونيونى وزوربا هم قمة النجاح . إن نقص
الأرقام لديهم أمر مثير للشفقة . أى نجاح لهذه الأفلام يتحدث عنه هؤلاء
البؤساء ، مقارنا مثلا بصوت الموسيقى أو دكتور چيڤاجو من ذات السنة
أو السنوات . إيرادات رجل وامرأة وانفجار نفسيهما لا تزيد عن 7 أو 8 0/0
من إيرادات صوت الموسيقى ، وزوربا اليونانى أقل من 5 0/0 ،
وتخيل أنت كم الأفلام الموجود بين هذا المستوى من الأفلام وبين أفلام
القمة . ما علينا ، دعك من كل هذا وتعال نرى كيف طبقوا هذه الشعارات
عمليا . بديهى أن لم ينتجوا رصيف نمرة 6 ولا غزل الستات ( فهى رجس من
عمل التافهين ! ) ، وطبعا لم ينتجوا چيڤاجو ولا صوت
الموسيقى ( فهى رجس من عمل الإمپرياليين ! ) ، وحتى لم
ينتجوا انفجار أو رجل وامرأة أو زوربا ، هذه الأفلام محل الرضا الفجائى أو
المزايدة أو التمسح أو سمها ما شئت . ما أنتجوه هو بالتحديد فيلمان لا ثالث
لهما ’ أغنية على الممر ‘ و’ الظلال فى الجانب
الآخر ‘ ، ’ إللى ما بيشوفهاش ولا واحد ‘ حسب نجيب
محفوظ . عارف بصراحة السبب إيه : أنهم لا يعرفون ألف باء كيف تصنع أى
من كل تلك الأفلام المذكورة ، ولو كانوا يعرفون لما أصدروا أية بيانات من أى
نوع ، وربما لما كانوا يساريين أصلا ! ( على فكرة انفجار ورجل
وامرأة وربما أيضا زوربا ، صنعت بالفعل مصريا لاحقا ، وبعضها على نحو
رائع أحيانا ، لكن كلها بواسطة أناس لم ينتموا أبدا لجماعة السينما
الجديدة ، ولم يرفعوا يوما أية شعارات سينمائية أو سياسية أو من أى
نوع ) . لو عاوز الصراحة أكتر . عدم المعرفة
السينمائية ليس السبب الوحيد . السبب الأهم ربما ، أنهم لا يعرفون
’ إيه الصح يا أستاذ ؟ ‘ فى السياسة أيضا ، ناهيك عن إيه
الصح فى أى حاجة فى الدنيا بحالها ، إلا الزعيق . رافضون رافضون
رافضون ، ولا شىء آخر أبعد . سمير فريد يعترف بهذا الآن ، لكن
السلامونى كان الأصرح من البداية قولا وفعلا ودون فلسفة أو تنظير كثيرين ،
قال إنهم جيل لا يريد سوى الصراخ ، وقال هذا هو المنهج ، ونفذه بكل
’ الغضب ‘ الممكن لديه . نعم ، الأمر لا يتعلق بالسينما وحدها .
جيل الهزيمة ، ليس سمير فريد وحده ، بل قل مثلا سمير فريد ، محمد
حسنين هيكل ، بشار الأسد ، مهنتهم أن يحدثونك لساعات طويلة بأفخم
الكلمات التى تبدو منطقية ومترابطة ، ثم لو طلب منك أحد تلخيصها لما عرفت
ماذا تقول . ثم لو طلب منك أحد ترجمتها لبرنامج عملى ينفذ ، لبدأت فى
القهقهة غالبا . ما معنى أن تقول أفخم الكلمات ولا تقول شيئا ؟ ما
معنى أن تنظّر وبفخر لكونك متخبطا بين كل الأفكار ، كما يتباهى سمير فريد
فى كتابه ؟ ما معنى أن يكون مفهوم الليبرالية يوم تتبناها بدلا من
الاشتراكية هو بالضبط نفسه كما كنت تراها يوم كنت يساريا تهاجمها :
الليبرالية هى ألا يكون لك موقف محدد ( التعريف لسمير فريد فى ذات
الكتاب ) . ثم مع ذلك لو حدث وأبديت موقفا فإنه لا يختلف كثيرا عن عين
المواقف الشيوعيجية العربجية الانتفاضجية القديمة ، فقط بعد وضع اللافتة
الجديدة البراقة عليها . سمير فريد يسمى حزب الوفد ، حزب دهماء ثورة
مصر البلشڤية 1919 ، يسميه حزب الليبرالية . إذا كان سعد زغلول
ومصطفى النحاس ليبراليين ، فماذا يكون إذن أحمد لطفى السيد وحسين رشدى
وعدلى يكن وعبد الخالق ثروت ، ألد أعدائهم ، انتهاء بالعظيم صاحب
الإنجاز إللى أنا عاوز أقوله إن كلمة ليبرالية موش لايقة
على حد ، موش سمير فريد وحده . موش لايقة مثلا على أيمن نور ،
بتاع الشيخ رفاعة والشيخ العطار و’ الشيخ ‘ سعد ( من منكم كان
يعرف أن زعيم الأمة قبل أن يكون محاميا انتهازيا كان
أزهريا ؟ ) . هذا حرفيا ومن غير حلفان تعريفه لليبرالية ،
والملفت حتى أنه تحاشى مثلا ذكر ’ الشيخ ‘ طه ، جايز علشان
الشبهات . الأعجب ، أنه لم يجب على السؤال الذى لا يزال يحيرنى أشد
حيرة ، لماذا كل وجع الدماغ هذا ، ولم لا نحيل موضع الحزب الليبرالى
لمصر برمته لمشيخة الأزهر تشكله هى بمعرفتها ؟ موش على الأقل يكون أحسن ما
نستنى ، والأخوان المسلمين شادين حيلهم على الآخر اليومين دول فى تأسيس
الحزب ده ، وبيقولوا صبح وليل إنهم أكتر ليبرالية من كل البشرية ؟
( بالمناسبة وقبل أن ننسى : الليبرالية ليست دع مائة زهرة تتفتح ،
فهذه تسمى الماوية . الليبرالية تسمح بتفتح الزهور بذات القدر الذى تسمح
فيه بموتها . الليبرالية هى تحديدا أيديولوچية المنافسة ، ومن ثم فهى
رؤية دقيقة ومحددة بل ونضالية لكل شىء فى الدنيا ، باختصار آخر : الليبرالية يا سادة هى آدم سميث وليست طه حسين
بتاع الميا والهوا . وأيضا بمناسبة التزوير
والسرقة عينى عينك لكل المصطلحات وفى كل البلاد ، اليمين هو تشارلز
داروين ، وليس يسوع المسيح ولا أى حد يقرب له . على فكرة برضه ليو
ستراوس إللى بيقولوا عليه أبو اليمين المسيحى الأميركى راجل علمانى جدا ،
وأحسن من قرأت له فى حياتى تفسيرا لقصة الخلق فى التوراة ، فى وقت كنت
اكتفى أنا غرورا فيه بالتريقة
على خلق النبات قبل الشمس ، وأقول أهه كله كلام عبط فى عبط وسلم لى ع
الكلوروفيل ، بينما الأمور أعمق من هذا ألف مرة ! ) . لا تتعجب إذن ، فسمير فريد ليس وحده فى ساحة
التوهان اللذيذ ، ولا حتى الجيل كله ، كأن تقول مثلا كان جيلا حالما
وحين هزم فقد رشده وطار صوابه وهام على رأسه كالمجاذيب . فى كل ما قلناه
سمير فريد ليس ظاهرة . وجيل الهزيمة ليس ظاهرة . مصر هى
الظاهرة . العقل المصرى هو الأسطورة ( كعادته … أزلا
أبدا ! ) . فتش عن المخ ، العضو الذى ينقص شعوبنا على عهدة
خبرات جدو أرسطو فى علم التشريح . ما علينا ، خلينا فى مناهج النقد . ربما
تواضع سمير فريد فى قوله بالكتاب إن الناقد أقل إبداعا من الفنان ، أمر قد
يفاجئ الكثيرين . دع جانبا ذوات الدم البارد أمثال هيتشكوك وكيوبريك ،
ودع جانبا رأينا أنهم تحديدا أفضل من يصلح لصنع السينما ، ستجد أن الناقد
يتطلب مستويات أعلى بكثير من العقلانية فى شغله مقارنا بالفنان . وربما
مشكلة نقادنا وبالأخص سمير فريد أن بهم من بذور الفن أكثر مما يجب ، فإذا
بهم تصادفهم مشكلة أنهم غير قادرين على الوصول لصياغات فكرية محددة ،
فيكفرون بعد قليل بمهنتهم ، وأحيانا علنا كما رأينا . فى الدراسة سالفة الذكر عن الفن الجماهيرى
كظاهرة جماهيرية كاسحة تكاد تلغى أى دور للنقاد أصلا ، والتى قدمتها لجمعية
النقاد ، قلت : دور الناقد ببساطة هو عينه بالضبط دور عالم النبات أو
الحيوان ، عالم وليس مخترعا ، مراقب محايد ، لم يصنع
الأشياء ، وفقط يدرسها ويتأملها . أرسطو أو نيوتون أو أينستاين لم
يصنعوا الكون لكنهما اكتشفوا قوانينه ، ولم يقل أحد أنهم أقل إبداعا من
مخابيل الفن المتطرفين أمثال پيكاسو أو دالى ، ولا أنهم احترفوا العلم
لأنهم فشلوا فى الاشتغال كآلهة . أدوات الناقد ومواهبة يجب أن تكون عقلانية
علمية على نحو شبه محض ، هنا فقط يصبح من حقه أن يحلم ‑كأى عالم‑
بصفة المبدع ، طبعا لو كان على قدر واسع من العلم والخيال والقدرة على
صياغة الرؤى أو ‑ما المانع‑ قيادة المستقبل ، كل ذلك مرة
أخرى ، من مجرد تأمل أشياء لم يخلقها . ومرة أخرى ذات النصيحة ، أن نكف عن وعظ
الآخرين فى المنهج ، ونترك العيش لخبازه . هذه مهمة أناس عقلانيين جدا
باردين جدا بطبعهم ، لا ينفعلون أبدا ، بل ربما ينتمون بالضرورة
لچيينات وفد بعضها من بلاد أخرى ، أو ربما لم تأت ولا تزال تعيش حيث
هى . ربما يسألون إيه الصح يا أستاذ ، ربما ينضجون تدريجيا طوال
الوقت ، لكنهم قطعا لا يتقلبون بسهولة بين الأشياء ونقائضها أبدا ! … سمير
’ فلاشباك ‘ فريد ( 6 ) : ’ أنا فلاشباك ‘ : أسئلة بريئة ، آخر مرة : هل ومتى يقرر
جيل الهزيمة أن يخلى مكانه لجيل أفضل ؟ وهل يوجد بالفعل هذا الجيل
الأفضل ؟ أم فقط حفنة من التلاميذ يحاولون تقليد ما يرونه أسلوبا حقق
النجاح المادى لسمير فريد ، دون أن يعلموا أن سمير فريد لا يكذب ولا يتجمل
( أبدا تقريبا ) ، وقطعا لا يقلد أحدا كما يفعلون هم .
يمارس تخبطه وتقلب أفكاره حتى مع أصدقائه أنفسهم ، يمارسه حتى فى نفس
المقال ، يمارسه بهدف الربح أحيانا وبدون هدف الربح كل بقية الوقت ،
ذلك لأنه فقط يمارس سمير فريد ، وليس أى شىء آخر . وهذه فى رأيى أهم
إضاءة أتانا بها كتابه الجديد ، أفضل كتبه إطلاقا ، أو كتابه الأول لو
شئت ، ’ سمير فريد —مغامرة النقد ‘ . الحقيقة أن لعبة سمير فريد فيها من الصدق أكثر
بكثير مما قد تتخيل . هل تعلم ما هو أول انطباع لى عندما نظرت لغلاف
الكتاب ؟ اندهشت متسائلا لماذا هذه الصور المهزومة . المعتاد أن يبتسم
الناس على أغلفة الكتب . ولم أفهم إلا عندما قرأت الكتاب نفسه . على
سبيل المثال ، سمير فريد يحب شلة أصدقائه من فنانى سينما المؤلف حق
الحب . صحيح أنه دائما ما يعدهم بأن يرسلهم لمهرجان ڤينيسيا ويرسلهم
لمهرجان ڤالينسيا ، أو يعدهم بأن يرسلهم لمهرجان كان ويرسلهم لخبر
كان . لكنه قطعا صادق مخلص فيما يفعل ، يبذل أقصى ما عنده ،
ويفرحه من قلبه أن يرى فيلما مصريا ( أو عربيا ) فى تلك المهرجانات
الأوروپية التى يعتقد ‑بصدق أيضا‑ أنها شىء مهم . يستوى دائما
فى هذا لو كان الأمر ينطوى على ربح مادى له ، أو ‑وهو ربما الأغلب
حسب فهمى‑ لم يكن . قائمة التقلب لا نهائية ، وتتراوح فى كل مسالة
ما بين أقصى شىء وأقصى نقيض له ، غالبا فى ذات الأسبوع وأحيانا ‑كما
قلنا‑ فى ذات المقال : الموقف من هولليوود ، الموقف من جمهور
الشباك ، الموقف من إسرائيل ، الموقف من ناصر والناصرية ، الموقف
من العروبة ، بعثية ، خليجية ، أمازيغية ، أو
مصراوية ، الموقف من الشيوعية ، الموقف من دور الدولة فى صناعة
السينما ، الموقف من الرقابة ، الموقف من عادل إمام ، الموقف من
نادية الجندى ، الموقف من قنوات النيل المتخصصة ، الموقف من صندوق
التنمية الثقافية أو مديره الأول سمير غريب ، الموقف من شركة رينيسانس أو
مديرها الأول طارق صبرى ( الأخيران يسميهما أولئك التلامذة الجهابذة ،
ربما بحكم خبرتهم ، بمن يصعب لى أذرعهما ، وهى لو تعلمون عملة نادرة
للغاية فى مصر . لا تسألوا سامح الباجورى لأنه رحل ، لا تسألوا يوسف
شاهين لأن سمعه تقيل ، اسألوا كل نقاد مصر وكل شلة سينما الفن ، وفى
كل الأحوال لا تسألونى أنا لأن كليهما منحنى لكتابى الأخير إعلانات تعتبر فى
العرف المصرى سخية جدا ) . باختصار التخبط عند سمير فريد يشمل الموقف من كل
شىء . هؤلاء الصبية المتذاكين يسمون هذا ارتزاقا ، وأقول إنه كان
يفعله معى وأنا لست مصدر رزق بالمرة له . فقط كنت أراه كمن أصيب بألزهايمر
فجائى أنساه ماذا كان حوارنا فى الأسبوع السابق . ببساطة ، من يأتيك
مرة يصب جام غضبه على فيلم مطالبا بمنعه ، ثم يأتيك فى الأسبوع التالى يصب
جام غضبه على الرقابة مطالبا بإلغائها ، هو آخر شخص يصلح للوعظ فى
المنهج . من يأتيك مرة مطالبا بتمويل الدولة لإنتاج فيلم ما ، ثم
يأتيك فى الأسبوع التالى يصب جام غضبه على وزارة الثقافة مطالبا بإلغائها ،
هو آخر شخص يصلح للوعظ فى أى شىء . ولو صمم على تسمية أى شىء فى حياته بأنه
ذو منهج ، يكون كمن استن اللا منهج منهجا ، أو كمن يبشرنا بأن
العشوائية هى عين المنهجية . جيل الهزيمة لا كرامة له ، ليس فقط لأنه
هزم ، إنما لأن بالأساس عقليته يسارية . طالما أنت قبلت أن تتعيش من
أموال الضرائب ، فلن تتورع عن أى شىء بعد ذلك . أى شىء يمكن أن يتهافت
عليه ، أو يتدنى له ذاك الجيل وتلك العقلية . لو حدث مثلا وتوسمت
هولليوود فى أن بعض نقاد السينما فى بلد ما أنهم يحبونها ويدافعون عنها ،
وأرادت أن توسع فهمهم لها فقامت بدعوتهم إليها ، فإن الأسماء تشطب فى
السفارات ويوضع بدلا منها أسماء من سيسوا السينما أو دافعوا عن سينما
المؤلف ، من يكرهون هولليوود جهارا نهارا وتستضيفهم مهرجانات أوروپا طوال
السنة ، ويا ليتهم بعد ذلك تعلموا شيئا من تلك الزيارات ، بل واصلوا
ابتزاز الشركات الهولليوودية بالهجوم على أفلامها ، ما لم تواصل إغداق
الكرم عليهم للأبد ، فقط اتقاء لشرهم وليس طمعا فى كلمة مديح واحدة . لكن لحسن الحظ لو كانت وظيفتك لسنوات طويلة الكتابة
عن ثروة بيلل جيتس وإيرادات حروب النجوم ، لنقل مثلا فى جريدة اقتصادية
متخصصة يومية ، ليبرالية ببعض من المعنى الحق للكلمة ، محترمة ببعض من
الحد الأدنى للكلمة ، فستصاب بعد قليل بداء اسمه الترفع عن كل شىء .
تعلم أنك لن تدرك الثراء الحق أبدا ، تشطبه من أچندتك ، وترى أن ما
يتكالب عليه الكل ليس أكثر من فتات ، إذ طالما لن تصبح مايكروسوفت أو چورچ
لوكاس فكل الأشياء سواء تقريبا بعد ذلك . ساعتها تقول ما قيمة حتى رحلة حول
العالم ، إن عالمك أكبر من عالمهم ، أنت تكره السفر وترفضه كل يوم
سواء من حر مالك أو من عزومات الغير ، أنت حين تخرج لبهو شقتك ’ تحلف
بغربتك ‘ كما يقولون . ثم الأهم كيف تسافر طوال الوقت وتنتج شغلا فى
نفس الوقت ، حتى المرات القليلة التى سافرت فيها فى حياتك خارج
القاهرة ، كانت كلها مهاما مدفوعة الأجر وليست من أجل طعام الفنادق
المجانى . ساعتها الأرجح أن ستقنع نفسك أن يكفيك شرف الكلمة وما يأتيك من
دخل لا تسعى إليه أو لو ساءت الظروف ما تبقى لك من مدخرات . حين تنتج كتابا عن السينما يكلفك 300 ألف جنيه
( 100 الف دولار ) بأسعار مصر المتواضعة ، السطر الواحد فيه يكلف
عشرة جنيهات ، يهاجمك الجميع بعرض وطول الصفحات الكاملة بعرض وطول البلاد
العربية ، ممن لا يمكن أن تسمى كتبهم كتبا أو ممن لا يصنعون أى كتب من
الأصل ناهيك عن أن يعرفوا شيئا عن كم هى ثمينة وباهظة المعلومات الموثوقة غير
المنقولة عن أى أحد ( هل هناك سطر يكلف عشرة جنيهات ، عشرة جنيهات
تصنع كتابا كاملا ، لا بد أنك كذاب ، وقطعا أنت كذلك طالما أنك على
علاقة غرامية غير مشروعة مع جولدا مائير ) ، فأنت ساعتها تضع نفسك فوق
المقارنة بأحد ، ترفض لسنوات ، وحتى الساعات الأولى من هذا المساء أن ترد
ولو بكلمة واحدة ، تقول لقد كتبت كلمتك وتترك الحكم عليها للأيام ،
تمضى فى صمت تقنع نفسك أن مهما حدث يكفيك شرف الكلمة وما يأتيك من دخل لا تسعى
إليه أو لو ساءت الظروف ما تبقى لك من مدخرات . فى جو من الغثاء الشامل ، وحين يكون فعل الشىء
الصحيح أمرا مثيرا للريبة ، يصبح الصح هو الخطأ عينه ( كيف ولماذا
تكلف السطر عشرة جنيهات ، لا بد أنك تلقيت تمويلا من الاستخبارات
المركزية ، ولا بد أنك تريد حكم مصر ) . مع ذلك لا تقول إن هؤلاء
الصغار قد نالوا منك شعرة واحدة ، أو هم السبب فى إجهاض طموحاتك ، لا
تعطيهم مثل هذا المجد لأنهم ببساطة لا شىء . بل تعطيه فقط لحسنى مبارك
شخصيا يوم أقال الدكتور الجنزورى وأفهمنا جميعا أن لا مستقبل للمشروعات الخصوصية
فى أرض كنانة الرب مهد الاشتراكية الأول بلد رى الحياض الأشهر ، ساعتها
الأفضل من الإفلاس الكامل أن تقنع نفسك بأن يكفيك شرف الكلمة وما يأتيك من دخل
لا تسعى إليه أو لو ساءت الظروف ما تبقى لك من مدخرات . حين تتطفل على شركات التوزيع السينمائى
الأميركية ، لا تطلب منها مظروفا صغيرا تحت الطاولة بل مثلا مليونا من
الجنيهات ، يشاركونك به فى صنع لنقل مجلة استكمالا لمشروع كتابك ذاك ،
قائلا لها ولنفسك إن لك شرطين أن تكون الحقيبة فوق المائدة ، وأن يستردوها
مليونين على الأقل . ثم يقيل مبارك الجنزورى ، وتسحب أنت عرضك وتتركهم
للأسف لابتزاز وخديعة الصغار أصحاب أيديولوچية اخطف واجرى ممن اقتاتوا طيلة
عمرهم على فلوس الضرائب ، يزدرون المشروعات لو ربحت ، يكفرون فكرة
البيزنس والاستثمار أصلا . ولا يفهمون حتى رطانة كلماتك عن دراسة الجدوى
مثلا ، ناهيك عن تعبير مثل أن البيزنس نبالة ، العكس بالضبط من
عقليتهم ، عقلية البلطجى النقابى خذ وطالب ، إنما هو خذ وهات ،
شرف وشراكة ورؤية متكاملة لكل العناصر ، لا يصح أبدا أن تكسب على حساب
خسارة شريكك ( أن تتنازل مثلا عن مؤخر أجرك عن لنقل تأليف موسوعة عن
الحاسوب وأنت ترى صاحبها يخسر وتفضل أن تكسبا بعضكما كصديقين ) .
ساعتها أيضا تقنع نفسك بأن الاعتكاف فى البيت أفضل ويكفيك شرف الكلمة وما يأتيك
من دخل لا تسعى إليه أو لو ساءت الظروف ما تبقى لك من مدخرات . معنى هذا الكلام ليس أنك ممرور من أحد ،
بالعكس أنت تشفق عليهم جميعا ، راض عن نفسك ثلاثة أرباع الرضا . هم
هزموا أما جيلنا فلم يهزم . جيلنا كان يقرأ على حوائط غرف العمليات عبارتى
العدو الغربى والعدو الجنوبى . لم يكن هناك أعداء سواهما ، وقد دخلنا
هاتين الحربين النبيلتين وانتصرنا فيهما ، وكانا النصرين الوحيدين لجيش مصر
فى كل تاريخها الحديث . كانت حروبا فى الاتجاه الصحيح لأول مرة ،
وكانت حروبا منتصرة بالفعل ، وليست هزائم مزوقة كعادة ذلك الجيل ،
بالذات منه ذاك الشخص مخترع كلمات النكسة والثغرة وهلم جرا ( للحق يحسب
لحسنى مبارك أمانة أنه لم يستخدم قط لفظة نصر أكتوبر ، وكان إن استخدم
يستخدم فقط عبارة العبور العظيم لوصف خضة يوم العيد تلك . أو لعله هو أيضا
عدل عن هذا مؤخرا ، هل ترى حقا حولك على الوجوه أو فى السلوكيات أى
منتصرين ؟ أكتوبر لم يطهر جيل الهزيمة ، بل فاقم إحساسه بها ،
بالذات حين صدمهم السادات بعبثية حلمهم بتحرير 10 كيلومترات كل عشر سنوات ،
وكأن أحفادنا قدموا لهم تفويضا على بياض بالجوع والموت حتى أبد الآبدين ،
أو حتى كأن العدو سيسمح بتكرار اللدغ من ذات الجحر مرة أخرى . هذا الجيل لا
يزال إلى اليوم ، وسيظل ، على أچندته القديمة ، تأكل الكراهية
والحقد والهزيمة روحه وقلبه وعقله ، وما هذه أبدا بشيم المنتصرين .
أما جيلنا فلم يهزمه أحد لكنه اختار الهزيمة بنفسه . اختارها يوم قرر
التتلمذ على يد جيل الهزيمة ، إما طوعا لتقاسم الفتات معه ، وإما
بغسيل المخ . كل ما قرأته اليوم بين يديك لا يريد أكثر من القول
إنك تعلم حقيقة باردة فحواها أن ليست هناك بوادر لأن يتخلى جيل الهزيمة عن أى من
مواقعه أبدا . لا أحد يتوقع منه أن يقول مع دونا سمر Enough Is Enough
( أعتقد إن لم تخنى الذاكرة كغيرى ، أنها كانت تغنى
عن العاهرات ) . فقط أحد بديلين لا ثالث لهما ، إما الخروج
الكامل والنهائى من الجغرافيا لتلك الشعوب صاحبة تلك الچيينات التى عفا عليها
الزمن ، وإما اللا اختفاء من أى شىء قط ، بما فى ذلك إعادة رسم خريطة
السماء فى نيو يورك ، مرة كل عدة سنوات . لقد ولت أيام قال فيها محسن محمد لسمير فريد ناقلا
له تهديد يوسف السباعى بإغلاق جريدة السينما والفنون ، وكان ‑أى
السباعى‑ رئيسا لتحرير الأهرام وغير ذى صلة بمؤسسة التحرير التى تصدر
الجريدة ، قال حين ذكره سمير فريد بهذه الحقيقة الأخيرة ’ أنت
هتستعبط ، يوسف السباعى هو الصحافة كلها ، يوسف السباعى هو يوسف
السباعى ‘ . ما حدث أن دارت الأيام ولو كان يوسف السباعى من المهزومين
قلبا وقالبا بحق ، لما خرج من الدائرة أبدا ، وطبعا لما قتله
أحد . ما حدث هو أن دارت الأيام وأصبح سمير فريد هو يوسف سباعى النقد
السينمائى ، الكل فى الكل فيه ، وسيظل كذلك حتى بعد أن يترك
الساحة . صديقى محمود قاسم لا ينتج السطر بعشرة
جنيهات . هو ينتج مدخلين لفيلمين كاملين بهذه الجنيهات العشرة . فى
مطلع التسعينيات كان من المدهش للبعض لا بأس عندى أن يشتغل محمود قاسم 18 ساعة بلا
منهج ، لكن البأس كل البأس فى عقلية محمود الجوهرى الذى يلمع نفسه إعلاميا
24 ساعة فى اليوم ، عقلية التبجح المتواصل والانتصار على صفحات الصحف وفى
سينما ديانا وليس فى أرض الملعب . قد تقول إنى أقسم كل شىء أبيض
وأسود ، خير وشر ، والبشر كذلك . أوقل لك ربما . صحيح أن
الطيف يضم عددا لا نهائيا من الألوان ، لكن صحيح أيضا أن القطبين يجتذبان
أكبر كم ممكن من كريات الحديد . صدقنى ، الجوهرى نموذج موجود طبق
الأصل فى كل أنشطة حياتنا دون استثناء ، وبذات القدر من النجاح
والسطوة . حياتنا حياة كلامية ، كلها كلام فى كلام ، ظاهرة صوتية
كما يقولون . بنية فوقية خالصة ، بلا أية قاعدة مادية من أى
نوع . نعيش بالكلام ، ننام بالكلام ، نتغذى بالكلام ، نخرى
بالكلام ، ننتصر بالكلام ، وننهزم بالكلام ( ولهذا ربما لا ننهزم
أبدا ) ، وحتى حين نقتل ونموت سنجهز ردا كلاميا يرد الصاع صاعين من
وراء القبر . هكذا يخطط الآن بشار الأسد بثقة سعيدة لمستقبله ، وهكذا
خطط أو يخطط زيد وغير زيد ، وهكذا خطط أو يخطط صدام حسين ومحمود الجوهرى ،
المنتصرون جميعهم دائما أبدا على الجميع … بالكلام ! خلينا فى محمود
بتاعنا ، قاسم . هل تعرف ماذا كان موقف سباعى النقد السينمائى
منه ؟ طالب فى صدر الصفحة الأولى من جريدة الجمهورية بحرقه ‑هو كتابه‑
علنا فى ميدان التحرير ! الأمثلة من هذا النوع لا تنتهى ، وفى وسطنا
الثقافى المصرى الكل مثلا يحب أن يضرب المثل بمهزوم كبير آخر هو سعد الدين وهبة
الذى احتفظ بكل مناصبه حتى الممات ، وحتى اليوم . حتى حسنى مبارك وهو
ليس مهزوما ، إلا أنه يخاف المهزومين ، ويخاف عليهم ، أو بالذات
منهم المهزومين جدا ممن يسمون أنفسهم بالمعارضة ، الديدان التى لا تريد أكثر
من قضمة صغيرة من كعكة الفساد ، هؤلاء الذين لا يجب أن يخشى منهم
أحد . مع ذلك نراه يسترضيهم بتعديلات دستورية وأشياء أخرى كثيرة ،
جميعها فى الاتجاه الخاطى 180 درجة الذى يشدوننا كلهم بلا استثناء إليه .
فجميعهم سواء أسموا أنفسهم يمينا أو يسارا هم على يسار الحكومة ، ناهيك عن
كون هذه الحكومة نفسها على يسار النقطة الصحيحة بألف ميل على الأقل . هو لا
يريد ، أو لعله يعتقد أنها مخاطرة ، أن يترك حكم البلاد لجمال مبارك
يقوم بمحاولة أخيرة ، أو ربما هذا وقتها الضائع ، أو ربما لم تكن
لتنجح أبدا أيا ما كان توقيتها ، إذ ماذا سيفعل الرجل فى چيينات
شعبه . محاولة لإرساء بعض ولو قليلا من الرأسمالية الحقيقية فيها .
محاولة يقلص فيها حجم الحكومة ويجز أذرع الأخطبوطات البيروقراطيين ، ممن
يكلفوننا فاتورة ضريبية وفسادية مرعبة . يوسع ذات الباب للبيزنس والاستثمار ،
يفتح الكهوف العطنة ليدخلها الأجنبى المتقدم ‑القريب منه والبعيد‑
يحدثها بنوره وعلمه وحضارته . يفتح الباب للكفاءات الكبيرة والحقيقية محلية
ووافدة للتنافس فى النور مع طفيليات ’ الرأسمالية الوطنية ‘ الذين
’ وطنهم ‘ عبد الناصر على أنهم جزء من اشتراكية شيلنى وأشيلك وتقسيم
الفتافيت ، الزبون الوحيد الذى يقبل شراء سلعهم الرديئة باهظة السعر هو
الحكومة والقطاع العمومى بموظفيها الفاسدين الشرهين . للتنافس فى مناخ
مختلف ، فى شفافية النور ، مع زبانية الارتزاق واللعب على كل
الحبال ، سواء من الجيل القاعد أو الجيل الصاعد ، بديماجوچيتهم
وبالدعاية للذات وتلميعها صباحا مساء ( هى أو هزائم كرة القدم أو أم
المعارك أو سطور المعلومات اليتيمة ! ) ، وكأنها ‑أى
الدعاية والتلميع‑ هى كل الشغل وكل المهارة المطلوبة فى الحياة . قد
تقول فى الغرب يلمعون أنفسهم أيضا ، بل هم أساتذة هذا . نعم ،
هذا صحيح ، لكن الفارق أن هناك شيئا ، محتوى ، يتم تلميعه .
لو أن جيشا كاملا قضى عمره فى تلميع كتاب إفرائيم كاتز لقلنا إنه يستحق .
أما عندنا فنحن نلمع الخواء ، نلمع الهواء ، ’ ندهن الهوا
دوكو ‘ بالمعنى الحرفى لهذه العبارة العجيبة . حقا ! ماذا تنتظر منهم ؟
’ المناخ ‘ فعلا لا يريد منهم مهارات أو أفعال غير هذه . طوال
الوقت لا تملك إلا أن تقول هذا هو حقهم جميعا ، وأن للأبد لا سبيل لإزاحة
أحد فى بلد چييناته مصممة كلية لهذا النظام . حتى لو خلصته من قياداته
الحزبية أو الثقافية أو غيرها فإنه سرعان ما سيفرز صورة أخرى طبق الأصل
منها . الصحافة قطاع عمومى والتليڤزيون قطاع عمومى وكل شىء قطاع
عمومى ، وحتى لو خصخصتها لمصريين فإنهم لن يفضلوا مديرى القطاع العمومى
شيئا . لا أحد يفهم فى البيزنس ولا فى الإدارة ولا حتى فى استخدام التقنية
التى اخترعها الغير ممن سخرتهم السماء لاختراعها لنا وما كنا لها بمقرنين .
ستدار الشركات الجديدة بذات عقلية القطاع العمومى ، ولا ترتقى شيئا يذكر عن
ذات عقلية الجمعية الخيرية الشهيرة باسم حكومة مصر ، أضخم حكومات العالم
إطلاقا ، أو حسب تسميتها لنفسها حكومة ’ البعد الاجتماعى ‘
بمصطلح الرئيس مبارك . اسم دلع برضه ، والوحيدين إللى بيتريقوا عليه
فى كل بر مصر هما جمال مبارك وأنا ، أو من غير تواضع ولا كسوف أنا الأول وهو بعدى . وعلشان كده
أقول لك وأحط لك عينى فى عينيهم واقطع رقبتى لو عاوز ، المعارضة لا تعترض
على التمديد ، ما تعترض عليه فقط هو التوريث . دى يا با كحكة فساد
منصوبة فى الضلمة ، وزوال الاشتراكية هيهدم أوكار بالملايين . موش كل
الناس تايهة زى سمير فريد ، أو فاكرة أنها هتقدر تمشى حالها مع كل
نظام . فيه ناس زى قيادات حزب التجمع فاهمة إيه إللى هيحصل كويس ،
وفاهمة هى عاوزه إيه بالظبط ، واقرأ جورنال الأهالى لو موش
مصدقنى . نص الجورنال بقى حوارات بالصفحات الكاملة مع شياطين الأمس ،
ممن يسمون بالحرس القديم للحزب الوطنى . أما الجورنال التانى إللى اسمه
التجمع ، فموش حاطط فى دماغه إلا جمال مبارك وبس ، طلع بميت مرشح
للرئاسة من صفوف الحزب الوطنى ، كل مرة علشان يقول أن جماهيريته كبيرة جدا
وجماهيرية جمال مبارك فى الأرض . الخلاصة : لا تتوقع الكثير ، بل لا تتوقع
شيئا . لن يدار أى شىء على نحو علمى أو اقتصادى ، إنما بذات القبلية
والأسرية واللعب بالشعارات وتحقيق الأرباح نفسه سيكون فيها ‑كما فى أى شىء
آخر فى حياتنا‑ بالكلام ، فالمهم فى نهاية المطاف أن تحافظ مصر على
اللقب الذى حرمت أميركا نفسها منه ’ ما حدش عندنا بيموت م
الجوع ‘ . إنها برمتها آلية تكيفية أنثروپولوچية عادية جدا معروفة جدا
ومحتومة جدا تلجأ إليها الشعوب ، كل الشعوب . إنها بصرامة لا
تلين ، تختار ‑إن لم يكن تخترع‑ من الثقافة والدين ونظم الحكم
والإدارة ومن كل شىء ، ما يناسب بالضبط حقائقها الچيينية . والأسوأ
أنها تؤكد للمرة المليون الحقيقة الأرسطية أن لا سبيل كذلك لتغيير هذه الطبقات
الچيينية أو الچيولوچية أو سمها ما شئت ، لأى أمة من الأمم . أو
بكلمات ماركس ، البنية التحتية هى ذات اليد العليا دائما أبدا ، فما
بالك إذا كان الحديث عن البنية تحت التحتية . الخلاصة مرة أخرى : لا تتوقع الكثير ، بل
لا تتوقع شيئا . ومن الأفضل أن تعزى نفسك أنك لست أفضل من الخديوى إسماعيل
المطرود أو من أنور السادات المسفوح ، وأيضا : يكفيك شرف
الكلمة . الخلاصة مرة أخيرة : لا زلت عند رأيى أن صورة
غلاف الكتاب كانت خطأ . لا تهنوا ولا تحزنوا ، ولا تخشوا وجود ساعة
للحساب أصلا . سمير فريد ليس فلاشباك . سمير فريد فلاش فوروارد ! …
بس خلاص ! هم قصر عقوبتهم الإصلاحية ؟ هم مختلون عقوبتهم
المصحة ؟ هم مجرمون عقوبتهم السجن ؟ هم قتلة عقوبتهم الإعدام ؟
هم ضحايا ولا عقوبة بالمرة ، أو حتى من الجائز تكريمهم فى
المهرجانات ؟ بصراحة لا أعرف ، الحكم ليس لى . الحكم
للتاريخ . لو وجد وقتا ، أو وجد الأمر يستحق ! على فكرة ، بالنسبة لى ليس عيبا ألا
أعرف . بخلاف شعار شرف الكييبورد ، شرف القلم ،
أوه ( ! ) قصدى شرف الكلمة ( سامحنى لو أنا موش مركّز
معاك ! ) ، شعارى التانى ، ( آه ! تاهت
ولقيناها ! ) ، شعارى التانى شعار بسيط جدا لذيذ جدا : أنا
تائه إذن أنا موجود ! من هنا هل تعرف ما أنا ذاهب لأفعله الآن .
أعتقد أنى سأذهب لقراءة كتاب رفيق الصبان ’ نبيلة ’ النجمة ‘ عبيد ‘ .
فلاشباك زى العسل ، أو جايز مفيش فلاشات خالص ، لا باك ولا
فوروارد ، ونعيش اللحظة على رأى عم زوربا !
|
| FIRST | PREVIOUS | PART IV | NEXT
| LATEST
|