|
|
|
صدام حضارات أم ثقافات ؟ !
Clash of Civilizations or of Cultures?!
| FIRST
| PREVIOUS | PART I | NEXT
| LATEST
|
NEW:
[Last Minor or Link Updates: Thursday, April 18, 2013].
رائعة نجيب محفوظ الخالدة ‘ أولاد حارتنا ’
|
Visit Our Memorial Page hypatia.egypt This page, written in English and classically designed in April 7, 2000, was originally intended as a separate secular site.
|
June 11, 2002: Fallaci papers prove to be a chain reaction!
January 12, 2002: Pervez Musharraf: Big steps, great courage but not really extirpationist… or not yet?
October 28, 2001: Nobel Prize Winner V.S. Naipaul’s theory of Calamitous Effect of Islam still ignites the Arab cultural world. Sometimes in the good sense of words!
October 7, 2001: A whole new page on the concept of civilization and the misconceiving of clash of cultures as a clash of civilizations.
January 16, 2001: In a galaxy far far away… before Huntington!
ê Please wait until the rest of page downloads ê
الحضارة وثالوث
الجنس-الدين-العقل Civilization and the Sex-Religion-Mind Trio
الأنتروپى Entropy مصطلح من علم الديناميات الحرارية قصد به
التعبير عن مدى رجوعية reversibility الإجرائيات processes الثرمودينامية المنطوية
على انتقال أو تحول حرارى . هذا المؤشر قابل فقط للزيادة مما يعى الوجود
المحتوم للا رجوعية فى كافة الإجراءات . على نحو ملموس أكثر نجد أن فقدان
بخار الماء لحرارته فى المرجل البخارى هو الذى ينجم عنه توليد الشغل work فى محور المحرك ، إذا ما عكست الإجرائية بحيث يستخدم الشغل فى
تسخين البخار فإننا لن نحصل على نفس درجة الحرارة الأصلية ذلك أن هناك فواقد فى
كلا الإجرائيتين .
إذن نحن نحصل على الشغل من
خلال استهلاك مصادر الطاقة عالية الوضعية كماء عال خلف سد أو حرارة الشمس أو
البخار المرتفعة ولا نملك عمل العكس دون فواقد . معنى هذا أننا سنصل إلى
وقت نفقد فيه كل مصادر الطاقة عالية الوضعية وينتهى الأمر بكون ذو درجة حرارة
وسيطة متساوية ومن ثم لن يمكن توليد أى شغل ويصل الكون لدرجة من التجانس التام
الذى يعنى ببساطة الموت . على أن علماء الديناميات الحرارية أناس محافظون
للغاية عندما يسمعونك تتحدث عن أى شىء إلا النظم الثرمودينامية المتناهية finite ولا يقبلون أن تطبق تلك القاعدة التى يسمونها القانون الثانى
للديناميات الحرارية على أى شىء سواء الأكبر منها كالكون الجامع Universe مثلا أو الأصغر منها كالتفاعلات الجزيئية والنووية . فمثلا
قانونهم ينهار لو اتضح يوما أن هناك مصادر لتوالد نقاط عالية الحرارة فى الكون
فهذا يعنى أن هناك نظام system لا ترتفع فيه الأنتروپى بالضرورة وأن توليد
الشغل ومن ثم الحياة ستستمر إلى ما لا نهاية ولن يصل حتما للموات الشامل . من الحقول التى لا يفترض أن نطبق فيها القانون
الثانى للديناميات الحرارية الكائن الحى نفسه وكذلك المجتمعات الحيوية .
لكن مع ذلك قد يكون القياس بين الحالتين ممكنا بل ونراه مفيدا ، هذا إن لم
نصل لنقطة نسأل فيها : ما المانع ؟ لا يوجد ما يمنع تطبيق قوانين
الديناميات الحرارية ، وقوانين القوة النيوتونية ، وكل قوانين العلم
والطبيعة على البشر . العيب ليس فى القوانين ولا فى الطبيعة ، إنما فى
أن أحدا لم يقترح تطبيقها قسرا على البشر !
… لكن
مهلا ، حين يتحدث كارل جوستاڤ
يونج عن روما القديمة ، ألم يكن يطبق القانون
الثانى للديناميات الحرارية على نشوء واضمحلال الحضارات ، ومن ثم
الإمپراطوريات التى تنجم عنها ؟ أليس تقارب السادة والعبيد هو الحل الوسط
التاريخى ‑أقصد الثرمودينامى‑ المعادل للموات الأنتروپى . أليس
هذا وذاك هو معنى عبارته : Every Roman was surrounded by slaves. The slave and his
psychology flooded ancient Italy, and every Roman became inwardly, and of
course unwittingly, a slave. Because living constantly in the atmosphere of
slaves, he became infected through the unconscious with their psychology. No one can shield
himself from such an influence.
يمكنك أن تتحفظ ربما على
تفصيلة أن القائد الحقيقى لا تتغير چييناته من مجرد مخالطة العبيد ، وأن
هذا لا يمكن أن يحدث إلا عبر قرون من الانتخاب الطبيعى تفرز الأمور لصالح
الضعفاء الهائنون . لكن تظل المعادلة هى عينها : سوف تجد ما يناظر
نقاط الطاقة العالية التى تبث الحركة فى المجتمعات ويمكنك تصور وضعية مشابهة
للموات الثرمودينامى عندما لا يكون هناك قادة أو منقادون أو هدف فى
المجتمع ، كل ما هنالك أن يقف هذا عند حدود التشبيه ولا تأخذ القانون
ونتائجه لتطبقها على البشر كأن تقول مثلا أن مصير المجتمعات إلى موات وتجانس أو
أنه لا يمكن إعادة توليد نقاط عالية للطاقة المجتمعية من لا شىء وهكذا .
الحقيقة أن هذه التخوفات صحيحة تماما ففكرة جديدة من أحد العقول الخلاقة يمكن
تنتج ما يناظر عملية الاستقطاب الحرارى المستحيلة دونما ثمن فى الديناميات
الحرارية وأن تكون محركا لنمو تقنى ونشاط إنتاجى واقتصادى هائلة دون أن تكون هى
نفسها استنزاف لا رجوعى لمصدر ثمين للطاقة . ما قصدناه أننا سوف نأخذ من
الديناميات الحرارية النسق الهيكلى بهدف القياس والتوضيح وربما نستخدم أيضا
مصطلح مختلق بالكامل كالأنتروپى الاجتماعية لكن ما سوف نتحاشاه هو فقط أن نستجلب
القانون الثانى ونطبقه للحصول على نتائج . بمعنى آخر لتقل ما شئت أن هناك
أنتروپى اجتماعية مثلا لكن ما هو خارج نطاق المصرح به أن تفترض أنها فى حالة
زيادة لا نهائية . وهذا فى الحقيقة مما لم يكن فى نيتنا قط ( فكرة
للتأمل : أليس من المدهش أن أكثر فكرتين هيمنتا على ما يسمى بالحضارة المصرية
هما الموت والوسطية ، وكم هى متغلغلة وتتجسد فى كل الآداب والفنون والطقوس
المفردات الثقافية ، وأقلها أنهما كانتا الفكرتان اللتان هيمنتا بالكامل
على كل ما كتب
الحضارة هى المظهر الرئيس
للنشاط فى المجتمعات الإنسانية ورمز الحيوية والإنتاج والإبداع فيها .
والمصدر العالى للطاقة هو غالبا نوع جديد من التقنية ( كالزراعة
مثلا ) يسمح لها بتوليد الشغل المتمثل فى الرفاه والثروة والقدرة بل وغزو
الآخرين عادة . هذا يفترض بالضرورة أن يكون هناك أولا شخص أو مجموعة اكتشفت
أو اخترعت هذه التقنية الجديدة ، وأيضا امتلكوا الرؤية بأن هذه التقنية
كفيلة بتغيير العالم حولهم ، ثالثا يجب أن تكون لديهم الإرادة لتنفيذ
رؤيتهم ضد الطبيعة أولا وكذلك ضد عناصر المجتمع المقاومة للجديد أو على الأقل ضد
ما أسماه الفلاسفة ميل الجموع للكسل والبلادة ، ومن ثم يجب أن يكون لديهم
أخيرا السلطة والنفوذ لتسخير عناصر ‘ النظام ’ ممن سنسميهم عادة
العبيد لتنفيذ مشروعهم الحضارى الجديد . إذن الحضارة هى نظام ثرمودينامى
يتميز بوجود مصدر عالى جدا للطاقة يمكن أن ينتج الكثير والكثير من الشغل ،
وذلك فى مقابل النظم الراكدة التى لا تجد ما لا يجدد حياتها أو يبث فيها الفعل
الإيجابى . من هنا يمكن تخيل المجتمع الحضارى على هيئة تراتبية
شاهقة أو مخروط يقع عقد القمة منه النخبة أصحاب رباعى الفكرة-الرؤية-الإرادة-القدرة
وإلى قاعدته العريضة بقية أعضاء المجتمع من الشغيلة أو العبيد . المخروط هو
فى حقيقته دوائر متواسعة لممارسة القهر ، فالجندى الرومانى ليس فقط بيدقا
مقهورا بل يمارس هو نفسه القهر على الشعوب الأخرى ، ويمكن أن نضيف أن هذه
الشعوب أيضا تمارس القهر على بعضها البعض ، بل حتى الرجال يمارسون القهر
على نسائهم وهكذا . كلما زادت القمة شهوقا وتميزا وطموحا أى بدا المخروط
أقرب إلى إبرة تخترق السماء ، كلما كان المشروع الحضارى قويا وناجحا ،
وكانت جذوة التقنية متوهجة تشع المزيد من الاستقطاب الحرارى بين أجزاء النظام
لترفع من كفاءته ومن استطاعته على توليد الشغل . وكانت أيضا كل فئة أفقية
أكثر صغرا ومن ثم تجانسا مع بعضها البعض ولم يعد القهر شيئا ملموسا جدا مع كثرة
الطبقات الرأسية ، ولم يعد الزوج فى حاجة للمارسة القهر على زوجته فلديه
مرؤوسون كثيرون سيمارس عليهم سلطته فى المزرعة فى النهار التالى . هذا ربما
يشبه القانون الاقتصادى الشهير أن لا تنمية بدون تضخم ، والتضخم هنا هو خلق
المزيد والمزيد من الدوائر الرأسية التى تسمح بتحقق الآلية الأساس للحضارة وهى
السيطرة ونزول أوامر التحكم من الأعلى للأسفل . لكن فى مقابل كل هذا نجد
أنه كلما تقارب فكر القاعدة مع فكر القيادة أى انخفض علو المخروط كلما لم يعد
هناك مشروع أو خطة . والتاريخ يقول لنا أن كل الحضارات انتهت بأن اختنقت
بعبيدها ، وذلك عندما يهبط فكر القادة أو تضعف سيطرتهم ومن ثم يبدأ العبيد
فى التطاول والاعتقاد فى أحقيتهم فى القيادة . هذا يناظر حالة الموات
الثرمودينامى حيث لا قائد ولا منقاد ، إنما ديموقراطية الموت .
الشىء عينه يقال بالضبط عن الاقتصاد . فكلما
زاد استقطاب الثروة ، كلما كانت الفرصة أكبر لتأسيس مشروعات أضخم وأكبر
طموحا ، وتمويل بحوث علمية أكثر جرأة ، وهكذا . أما توزيع الثورة
( ’ العادل ’ فى مفهوم البعض ! ) ، فهو نوع من
الموات الأنترپى ، لا أكثر . هكذا كان مثلا حلم الشيوعية
الأكبر : الموت للجميع ، وكلنا يعرف كم كان ناجحا وفعالا ! ما نتحاشاه من حديث الحتمية هنا هو القول أن الحياة
أو الموات أو حتى وجودهما فى دوره هى قانون مطلق أى منها . إن التطور يمكن
أن يكون مستداما sustainable لكنه ليس قانونا أو حتمية ( للدقة فإننا
عندما نستخدم كلمة قانون التطور أحيانا فإننا نقصد فى هذه الحالة المحددة التى
وصفها تشارلز داروين لمسيرة الحياة البيولوجية التى ظهرت على كوكب الأرض ،
هذه المنظومة المحددة أدت بالفعل لحدوث التطور حتى من خلال آلياتها الخاصة
المعقدة وغير الخطية أحيانا والتى جعلها داروين جزءا أساسيا من ‘ قانونه ’ ،
أما التطور نفسه كمفهوم مجرد ورغم أنه احتمالية مرجحة لا يستطيع أحد الزعم بأنه
حتمية أو قانون واجب أو نافذ أو تلقائى ) . ما نريد تحليله هنا هو كيف
يمكن أن تصبح الحضارة مستدامة لأبعد مدى ممكن . أول من لجأنا إليه نسأله
الرأى فى هذه القضية واحد ممن كرسوا فترة النضج الأخير فى حياتهم للتأمل فيها
وتحليلها ألا وهو سيجموند فرويد . فرويد أولا يعرف الحضارة تعريفا بسيطا ونافذا لكنه كثيرا ما
لا يعجب المثقفين المعنويين ذلك أنه مادى للغاية . فالحضارة هى ‘ السيطرة على الطبيعة ’ لا
أكثر ولا أقل . كما يرى أنها نشاط جماعى يفوق حدود
تفكير ومطامح الفرد ومن ثم ‘ يجب حماية الحضارة من الفرد ’ كما يقول
كتابه ‘ مستقبل
وهم ’ ( 1927 ) . أيضا يرى فرويد أن الحضارة تنبنى
بالضرورة على تسلط الأقلية فالجموع يجب أن تقمع لأنها بفطرتها لا تحب الشغل
و‘ خاملة وعديمة الذكاء ، ولا بد من سيطرة الأقلية لبناء
الحضارة ’ ( اخترناه كأحد الاقتباسات الإمامية لصفحة الليبرالية ، وطبعا ينطبق بذات القدر هنا ) .
لا جديد فى كل هذا . [ غنى عن القول ما يناظر ما نقوله هنا عن مضادات الأنتروپى
( أى مضادات التحلل والتفلطح الاجتماعى ) هو ما يسميه فرويد
‘ الإكراه على الشغل ونكران الغرائز ’ وهنا نصل إلى بيت القصيد :
كيف يتحقق هذا بل بالأحرى كيف يستدام ؟ فرويد يقول أن طبيعة الإنسان تملى
عليه حب المحارم والقتل وأكل لحم البشر . ويضع فرويد يده على الآلية التى
نمتها البشرية لكظم هذه الميول المدمرة لدى الجموع غير العاقلة ألا وهى
الدين . إلى هنا يبدو الدين شيئا جيدا جدا فهو ضرورى للتجديد الأنتروپى ومن
ثم الحفاظ على الحضارة . وهو أجود تأكيدا من الغرائز التى نعلم أنها لا
تبنى حضارة من الأصل ، على أن فرويد ينقلب بعد قليل ليرى أن الدين ما هو
إلا مجرد ارتقاء من الغريزة الجنسية للطفولة إلى ما يسميه العصاب الوسواسى لفترة
المراهقة وله من التحليلات ما يرى فيها أن التشابه قائم حتى فى التفاصيل
( لعله يقصد على الأقل أن آلية الكبت ليست مطلقة الكفاءة بطبعها ، وأن
هذا هو منبع النفاق والازدواجية فى الدين ! ) ، ويبشر فى النهاية
بتجاوز الكبت وآلياته والسمو إلى ما يناظر مرحلة النضوح لدى الفرد البالغ ،
ألا وهو العقل ذلك الذى يرى فيه الشىء الذى يجب أن نبشر الجميع بتبنيه ،
داعيا بالتالى إلى تجاوز مرحلة ‘ أنصاف التدابير واللف والدوران ’ أو
ما قد نسميه أيضا إنما الدين النفاق . جميل ! لكن المشكلة الوحيدة أنه مستحيل ،
أو لنكن أكثر دقة ما ينطبق على أوروپا التى سمت بالفعل إلى مستوى العقل
والنكرانية atheism يكاد لا ينطبق قط على أى مكان آخر بدءا من
أغناها الولايات المتحدة حتى أفقرها من مسلمى الشرق الأوسط ، لكننا ربما لا
يجب أن ننسى هنا الثمن الباهظ الذى دفعته أوروپا من حروب دينية وعالمية حتى وصلت
لما هى فيه الآن من يقين نكرانى وأخوة علمانية ، بل الأصح ربما أنها لا
تزال تدفع حتى الآن بدءا من هجرة علمائها ناقلين معهم جذوة وجبهة التقنية إلى
الولايات المتحدة فى النصف الأول من القرن العشرين وانتهاء بتسامحها الحالى مع
المهاجرين المتدينين الذى هو نوع بسيط ومألوف من التدمير الذاتى ( على أى
حال دوام الحال من المحال ومن الجائز جدا أن نرى قريبا الهجرة العكسية وقد بدأت
إذا تشددت القوانين الأميركية مع الهندسة الچيينية لا سيما وأن ساكن البيت
الأبيض الجديد لا يؤرقه فى منامه سوى هواية النساء إجهاض
أنفسهن ! ) . أما فى المقابل فلم يؤد تجاور الأقليات فى مكان
كالولايات المتحدة إلا لتعزيز الهويات المختلفة واللجوء لاعتصام كل بدينه للحفاظ
على ما يشبع سيكولوچيته من تمايز . لا شك أن الحفاظ على الحضارة من ثورة
العبيد يتطلب بالضرورة أن يظل هؤلاء سعداء ومستمتعين ، وأمامنا هكذا ثلاثة سيناريوهات :
السيناريو الأول أن يصبح الكل عقلاء حسب الخطة الفرويدية وهو شىء مثالى يناقض كل
المنطلقات التى بدأ منها هو نفسه تحليلاته والتى صورتنا كعبيد لا حول لهم
للغريزة . السيناريو الثانى الحفاظ على الدين كمسكن وملطف لحياة العبيد ،
لكن المشكلة هنا أن الدين شىء خطر للغاية ويجب العمل على اجتثثاث جذوره وليس أقل
من هذا ذلك أنه أسهل شىء يمكن أن يحفز العبيد على الإحساس بكرامتهم الخاصة
فتنهار الامبراطورية الرومانية العظمى تحت معاول الفكر الديموقراطى لدى من
يدينون فقط بالولاء لإله المسيحية السماوى وليس لزعماء التقنية والحضارة
الأرضيين . وبالنسبة للطبقات العليا فقد علمنا التاريخ أن تبنيها للدين هو
المؤشر الغائى للهزيمة والانسحاب ، الأمر الذى يعنى أنه لم يكن شيئا تقدميا
ولو للحظة واحدة فى كل عمر العشيرة البشرية بكافة طبقاتها وأدوارها . يبقى
بعد ذلك الرجوع للمربع رقم واحد الذى طالما حاول فرويد الهرب منه وهو مستنقع
الغريزة . حقيقة لا ندرى ما هو الخطأ فى هذا السيناريو الثالث ،
فالجنس هو الأقرب لروح وإرادة الطبيعة وللأصل الحيوانى للإنسان ضارب الجذور
ببلايين السنين ، وعمليا هو ليس بالأيديولوچية الخطرة بالمرة بل الحقيقة
أنه يحقق الكثير من السعادة للناس ورأينا فترات طويله من تاريخ الحضارات كانت
الشعوب فيها بالغة الاستقرار تحت نظام واسع من الحريات الغرائزية ، حيث
الجنس بسيط أمين صريح صادق ومتطهر من توترات حياة الكذب والرياء الدينى أو حمى
التطلع الطبقى . على أى حال لا يجب أن تنسينا هذه النتيجة المقصد
النبيل لفرويد من أن من الأفضل أن يصبح كل البشر عقلاء ، هذا يرغمنا دوما
على النظر إلى نسق الإبرة الصلدة والمتحررة من عوامل النخر الدينى على أنه ربما
لا يكون النظام المثالى تماما لاستدامة الحضارة . وربما نود أن نراها على
نحو أفضل كبرعم حى متواصل النمو إلى أعلى ، به من المرونة والممرات
الداخلية ما يسمح بحراكية صعود وهبوط الأفراد من الجنس فى القاع إلى العقل فى
الطرف العلوى للقيادة ، ذلك بقدر ما يثبتوا من قدرة وما يبدون من
موهبة . لا أحد يريد للعبيد أو غيرهم أن يكونوا جهلة بائسين مظلومين ،
بل العكس هو الصحيح من حيث المبدأ . فلا ضير أن نرى الطبقات الدنيا اليوم
أكثر رفاه وتعليما من عبيد الامبراطورية الرومانية . هذا فى حد ذاته ليس
خطرا على الحضارة فى حالة ما إذا كانت القمة نفسها قد شهقت أكثر وأكثر ويجرى
فيها توليد المزيد والمزيد من الاستقطاب الحضارى . هذا ما حدث فعلا اليوم
من خلال مستحدثات العلم والتقنية بالغة الاستعقاد والتى يستحيل إلا لقلة قليلة
استيعابها إن لم يوجد منها ما يستعصى على قدرات البشر ككل وتحتاج لآلات جبارة
لمعالجتها . ببساطة لا خوف على الحضارة إن ارتفعت القمة والقاع معا والخوف
يبدأ فقط عندما تضعف القمة وتستفحل القاعدة وتتردد فى الهمسات كلمة
الديموقراطية . ببساطة ما يسمى الديموقراطية وحقوق الإنسان ، أو ما
سمى من قبل ومن نافلة القول إن على المجتمعات الساعية
للتقدم ، التصدى لهذا الفكر وجميع الأفكار الجمهورية بأسرع وأقصى حزم وبطش
ممكنين . ولعل أحدث مثال لاستقطاب حضارى تداعى تحت معاول الديماجوچية
الجمهورية المساواتية ، نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا . هذه
الحالة من الاستقطاب المثالى المطلوب لبناء حضارة ، نجم عنه بالفعل أجيال
من البنائين العظام ممن جعلوا جنوب أفريقيا أقوى دولة فى أفريقيا وأكثرها
تقدما . لكن بعد استيلاء مجموعة الأفاقين الفاسدين نيلسون مانديلا وشركاه ،
أخذت تتآكل بسرعة المكانة الاقتصادية والحضارية لهذا البلد العظيم . وطبعا
استشرت عدوى هذا ‘ النجاح ’ ، وكان طبيعيا مثلا أن أخذ موجابى قاطع الطريق الوضيع قائدا لدهماء السلطة
اليسارية فى روديسيا التى يسمونها الآن زيمبابوى ،
يستولون على مزارع البنائين العظماء فيها ، بمن فيهم مؤسسها العظيم أيان
سميث . هؤلاء الذين أمضوا قرونا مضنية فى تنميتها فى هذه البقعة الجرداء
القصية من الكرة ، بدونهم كانت ستظل حتما على حالها ذلك . وطبعا
التفسير أو السبب الأصلى لكل هذا وذاك ، هو اختلاط المفاهيم فى العالم
الغربى ( الذى لا نستثنى منه سوى إسرائيل التى نشهد أنها لم تتخل يوما عن جنود الحضارة فى جنوب
أفريقيا ) . …
إن آفة الحياة الثقافية والسياسية للغرب ، هى
الخلط بين الحضارة والإنسان ، بين الليبرالية والديموقراطية ، بين
العدل والمساواة ، الخلط الغربى الذى يفترض أن المساواة وحقوق
الإنسان ، وليس القوة والاستقطاب البنيوى الدارونى للمجتمع ، هى مقومات
الحضارة ، بينما الحقيقة أنها تحديدا مقومات هدمها . هؤلاء يفهمون أن
‘ العدل ’ يعنى إخراج مانديلا من السجن ، وليس أن ينال البناءون
ما بنوا بعرقهم ومخهم ! وطبعا لا أحد ضد العدل إن فهم بمعناها الحرفى
الدارونى ، وليس باللوى اليسارى للكلمة لتعنى المساواة والأخاء وإزالة الفوارق بين
الطبقات …إلخ . فالحقيقة أنه فى الغالبية الكاسحة من الحالات ،
المساواة والأخاء هى الظلم عينه ! …حقا ، إن الشعارات سيئة السمعة
للثورة الفرنسية لا تزال تمضى بكل الحماس العفن الأصلى أو يزيد ، فى هدم كل
ما سبق وبناه الكوكب من حضارة ، أو لا يزال يحاول بناءه . بالمثل ليس هناك حل ديماجوچى جاهز لإشكالية الكلمة
الثالثة فى شعارات تلك الثورة‑النكبة الحرية ، كأن نقول مثلا إنها
الحرية التى لا تتعدى على حرية الآخرين أو نقول أنها نظام الحصيلة الديموقراطية
للمصالح والرغبات ...إلخ . أيضا المرجع الوحيد فى تحديد المباح والمحظور من
الحرية ( كما الواجب مع أى شىء آخر ) ، يجب أن يكون المعيار هو مدى اتساق المفهوم مع قوانين التطور
واستدامة الحضارة . وكلا هذين الأخيرين واجب
وممكن لكن ليس حتمية بل قد يشهد انتكاسات مميتة لو تكن هناك أعين ساهرة
ترعاه . تبدو الليبرالية الاقتصادية نوعا رائعا على طول الخط من الحرية
يتيح لعوامل الانتخاب الطبيعى أن تمارس فعلها . أيضا الحريات الشخصية
جدا ، وغير المسيسة والمؤدية للاستمتاع الفردى وعلى رأسها الحرية الجنسية
نوع من الحريات البريئة التى لا خطر منها بل على العكس تحقق المتعة والسعادة
لأناس يقوم على أكتافهم المشروع الحضارى دون أن تتيح لهم قدراتهم الطبيعية أن
ينتموا لفئة القادة من ذوى العقل والرؤية . المنطقة الخطرة المتبقية هى منطقة الحريات السياسية أو ما
يسمى بالديموقراطية . فهى لا معنى لها إلا فى مجتمع كله من العقلاء شبه
المتساوين فى القدرات ، وهذا مفيد وخلاق فى أوروپا مثلا ، لولا أن
لديها مشكلة الحاجة للاستجلاب الدائم للعبيد وإلا لن تكون هناك حضارة
أصلا ، فالأسياد وحدهم لا يصنعون حضارة . المشكلة تنجم من حرصها فى
نفس الوقت على معاملتها لهم كما بقية الأفراد الناضجين المتعلمين والقادرين فى
المجتمع ( للمزيد عن قضية الحريات انظر صفحة الليبرالية ) .
بالنسبة للدين قيل قديما الدين طيب للطيبين . هذا صحيح
وما أجمل حياة أولئك المتصوفين المسالمين أو البشر البسطاء ممن لا يؤذون أحدا ويضحون
من أجل الغير وليس لهم أى مطامح أنانية . لكن المشكلة أن هذه حالة نادرة
الحدوث ، والقاعدة التى توحى بها المقولة المذكورة نفسها أن الدين شىء شرير
للغاية وأداة طيعة وفعالة فى أيدى الغالبية الكاسحة من البشر وهم أنانيون أشرار
قصيرى النظر والحيلة . والمرجح دوما هو تحول الدين إلى مشروع مضاد للحضارة
لا هم له إلا هدمها باعتبار أن ذلك سيلغى التمييز بين القادة والعبيد والى يراه
الأخيرون ظلما ، بل الأسوأ من هذا هو أن الأمر لا يعدو غالبا رغبة أقلية
محدودة من الفئات الدنيا فى الوصول للسلطة والثروة فيلجأون لتحريض الجموع من أجل
مصالحهم هم ، والنتيجة أن لا يصل أحد إلى قمة المخروط أو الإبرة ، ذلك
أنه يهوى برمته إلى مجرد بقعة من السائل اللزج تستوى كلها بالأرض ، أى موات
التساوى الحرارى . بالمثل ليس هناك حل جاهز لهاجس القتل الذى طالما
حاربه فرويد هذا الذى عاين أهوال الحرب العالمية الأولى . فليس بالضرورة من
منظور تطورى أن العشيرة التى تأكل لحم بعضها وليس لحم الآخرين لن تعيش كما
يقول . فالحقيقة أن هذا صحيح نسبيا ، بمعنى إلى حد معين ، وبعد
هذا الحد قد تنقلب المعادلة إلى مسلسل التدمير الذاتى . أما القتل بنسبة
معينة من خلال الحروب ومخططات الإبادة ثبت أنه مفيد للغاية فى تجديد دماء
التقنية والحضارة وحيويتهما وتخليصهما من العناصر الضعيفة . كل ما هناك أن
يكون أيضا كما الحرية واعيا وغير عشوائى وغير ظالم لأحد ، ويشتغل بالضرورة
لصالح قوانين التطور . أيضا هناك تحد جديد لنظرية الحضارة لم تألفه من قبل
ألا وهو تحول الموكب برمته إلى كائن عضوى واحد . إن مفهوم تقسيم الشغل بين
مخ وعضلات لم ينشأ مع نشوء الحضارة بل جاء أصلا من المتعضيات organisms ( أى الكائنات الحية متعددة الأعضاء طبقا للمصطلح العربى الرسمى
الجميل ) . ما حدث على امتداد تاريخ الحياة الممتد لأربعة بلايين
السنين على هذا الكوكب المحنك أن اتجهت أنساق الحياة نحو الاستعقاد اللا محدود
ومن ثم بدأت تظهر فكرة التقسيم الوظيفى للأعضاء . اليوم كبرت المتعضية فى
ظل ما يسمى بالجلوبة وثورة الاتصالات والمعلومات وبدت الجلوب ذاتها هى المتعضية
الوحيدة المستعقدة حقا . من هنا لم نكن فى حاجة لفكرة التقسيم الوظيفى أكثر
مما نحن عليه الآن . علينا أن نمتلك أكثر الرؤية الواضحة لأين ينتهى المخ
وأين تبدأ العضلات لا على الصعيد المجتمعى فقط بل على الصعيد الكوكبى أيضا .
هذا هو التحدى الجديد لنظرية الحضارة فى
اعتقادنا . أيضا من هذه النقطة تحديدا تبدأ أطروحة الإبادة ، فمسيرة التقدم تفرز طوال الوقت
شعوبا فاشلة . هذا النوع من التمثيل الغذائى والختام أن الهدف دائما أبدا ليس إلا الحفاظ على
النظام الثرمودينامى للحضارة دائرا منتجا وعالى الفعالية . هذه الصفحة
معنية أيضا برصد مولدات الأنتروپى هادمات الحضارة وعلى قمتها الدين كما رأينا أكثرها كفاءة وجدارة
تاريخيا . أما البحث فى وكلاء agents الفعل العكسى فليس بمجال
هذه الصفحة ، ونحيلك لصفحة ما بعد الإنسان ،
والتى تتحدث مثلا عن الشركات الكبرى كالحاضنة المثلى للعلم والتقنية ومن ثم
نعتبرها مكافحات الأنتروپى القصويات أو بكلمة أخرى آلهة الخلق المستدام فى حضارتنا
المعاصرة . أيضا صفحة الليبرالية تتماس مع
الكثير من هذه الأفكار عن الليبرالية الاقتصادية ، أيضا لاحظ أن كان بها
عرض سابق لوكلاء هدم الحضارة ، تحت مسمى أيديولوچيات الدهماء الكبرى ،
وهو طرح اقتصادى وسياسى عمومى لا يركز كثيرا على مفهوم الحضارة . وبالطبع
هناك أخيرا مناقشة لإشكالية التخلص مما أسميناه الفضلات الكوكبية فى صفحة الإبادة . نعم ، لا جريمة أشنع من
التمسك بالتخلف . عند نقطة معينة يصبح العقاب الوحيد هو الإبادة ، ولا
يصبح الندم خيارا مطروحا ! هل تريد المساهمة ؟ ... يمكنك ذلك مباشرة من
خلال لوحة الرسائل إضافة أو قراءة أو بالكتابة عبر البريد الإليكترونى . الجديد :
15 مايو
2001 : هذا المدخل كان جزءا من صفحة الليبرالية ،
ونقل هنا لتماشيه مع موضوع صفحة الحضارة أكثر ، وهو النضال العلمانى
لاستئصال الدين من الحياة الإنسانية ، والسعى الأبدى للبشرية لخلق مجتمع
عقلانى نظيف يخلو من الخرافة .
حظرت تركيا اليوم كافة مظاهر التدين العلنى فى
ملاعب الكرة ، كالدعاء والسجود …إلخ ، وهددت بإغلاق النادى الذى بدأ
لاعبوه يمارسون هذه البدعة . ذو المدلول هنا هو الحجة التى دافع بها
اللاعبون عن أنفسهم ، وهى رسم بعض اللاعبين فى الغرب للصليب . بغض
النظر أنه لا يفعل هذا غالبا سوى الكاثوليك وتحديدا من أميركا الجنوبية ،
فالعبرة الأهم أن التدين يولد التدين ، واحتكاك الغرب بالتدين العالى للشرق
والجنوب هو السبب الأساس لموجات الإحياء الدينى فيه والتى كان قد كاد أن
ينساها .
[ الأفارقة
بالذات وحدهم اعتنقوا المسيحية أفواجا على امتداد القرن العشرين ، تقربا
للحضارة الغربية أو استعدادا للهجرة ، أو عامة لأن الصليب كان يعنى نوعا من
الارتقاء الطبقى . الإحصاءات تقول إن هذا هو السبب الوحيد لأن لا زالت
المسيحية تحتفظ لحد ما بذات نسبتها العددية رغم الزيادة الفاحشة التقليدية فى
تكائر المسلمين الإنجابى أو فى غزو مهاجريهم الأكثر فحشا للغرب المسيحى
( نقصد بخلفيته على الأقل ) ، والتى توحى بأكثر بكثير من تراجع
المسيحية من 37.5 0/0 إلى 32.8 0/0
على مدى القرن . وطبعا الكلام عن الأتباع ككل ، وبغض النظر عن أن الغالبية
الكاسحة من مسيحيى العالم لا يمارسون أية طقوس فى حياتهم ، وعادة الغالبية
المقصودة هذه تذهب للكنيسة وهى جثة ميتة فقط ، والبعض منها يذهب فى الزواج
أيضا . ذلك بينما طبعا كل المسلمين تقريبا متدينون يذكرون إلههم خمس مرات
يوميا من يوم الميلاد حتى يوم الموت . للمزيد اقرأ هنا
وهنا ] . الحل إذن هو القضاء على كل هذا وذاك فى المهد لو
أريد للحضارة الاستمرار ، وشكرا للدرس الصغير لكن الجميل ، القادم من
بلاد كمال أتاتورك . [ ذات يوم كتب قارئ أميركى رسالة موجزة جدا
لجريدة النيو يورك تايمز يقول فيها إن أوروپا علمانية لأنها ثقافة أقدم منا ،
ولا شك أن كان لديهم الوقت الكافى لفهم كيفية مواجهة الحياة بشىء آخر غير
الاعتماد على الخرافة . … أيضا شكرا للدرس الصغير الجميل القادم من
بلاد العم سام . فقد ذكرنى بأبواب جهنم التى فتحت على يوما حين كتبت تعليقا
على فيلم قائمة
شندلر ، إن الصهيونية شىء عظيم باعتبارها أول وأنجح حركة علمنة لدين فى
التاريخ . فالأبعد ‑وهو مما لم يفهموه وإلا لربما اهتاجوا
اكثر !‑ أنى كنت أقصد بذلك فكرة النضج هذه تحديدا ، أى أن
الشعوب عامة تدخل الدين بالترتيب وتخرج منه أيضا بالترتيب . ما لم أقله هو
فقط كم كنت أتمنى فى داخلى أن لا تكون مصر عصية دوما على كل قياس ، وكأن
أول شبه حضارة هى شىء قبل‑إنسانى
كلية ، أو خارج كل القوانين الإنسانية بالمرة ! ] . 31 يوليو
2001 : هذا المدخل كان جزءا من صفحة الثقافة ، ونقل هنا لتماشيه مع موضوع صفحة الحضارة
أكثر ، وهو النضال العلمانى لاستئصال الدين من الحياة الإنسانية ،
والسعى الأبدى للبشرية لخلق مجتمع عقلانى نظيف يخلو من الخرافة . حكم تاريخى وخطوة رائعة بجميع المقاييس ،
اصدرته اليوم
ما يسمى بالمحكمة الأوروپية لحقوق الإنسان ، أكدت بها بحزم الوجه العلمانى
للقارة الأوروپية . رفضت المحكمة الدعوة المقامة من حزب الرفاه التركى
المنحل ضد قرار حله فى 22
فبراير 1998 . الكلمات جاءت قوية ولا تحتمل اللبس ، وهو نوع من
الحكم أقرب لمفاجأة كاملة فى الحقيقة ، بالذات من جهة تحمل التسمية سيئة
السمعة ‘ حقوق الإنسان ’ ، والتى لا تهتم بشىء عادة ، قدر
اهتمامها بمناصرة كل مناهضى الحضارة والتحضر عبر العالم . قالت بعبارات لا
تلف ولا تدور : إن مناداة الحزب
بتطبيق الشريعة الإسلامية هو انتهاك صريح لميثاق حقوق الإنسان ، وإن من حق
الدولة التركية حماية مجتمعها من مثل هذا الخطر . اكتب رأيك هنا [ تحديث : أكتوبر 2001 :
اقرأ هذه الدراسة الموجزة
التى عممتها نشرة استخبارات الشرق الأوسط Middle East
Intelligence Bulletin التى تصدرها المقاومة اللبنانية ، وهى إصدارة رفيعة مهنيا بدرجة مدهشة أحيانا .
موضوع الدراسة الدور التاريخى للمؤسسة العسكرية التركية فى حماية القيم
العلمانية للمجتمع التركى . البحث يرصد الارهاصات التى أدت للانقلابات
العسكرية الثلاثة : انقلاب 27 مايو 1960 ضد حكومة عدنان مندريس
المسلمة . وإنقلاب 12 مارس 1971 الذى لا يعتبره الباحث انقلابا ، ولعله
كذلك بالمعنى التقنى حيث لم تظهر المدرعات فى الشوارع ولم يتولى الچنرالات
المناصب الحكومية ، لكن ثم إجماع [ كما فى هذه القصة من البى
بى سى ] ، من كونه انقلابا عسكريا . فقط لم يتم فى اللحظة
الأخيرة لأن سليمان ديميريل أذعن لإنذار الجيش باقالته بالقوة ، واستقال من
تلقاء نفسه . بالطبع كان سبب هذا الانقلاب حزب أربكان المسمى آنذاك حزب
الترتيب القومى . الانقلاب الثالث انقلاب 12 سپتمبر 1980 ، وهفه تصفية
حزب أربكان التالى حزب الخلاص القومى . أربكان شكل بعد ذلك أحزاب تحت
مسميات مختلفة كالسعادة
7 أكتوبر
2001 : هذا المدخل كان جزءا فى مدخل أكبر فى صفحة سپتمبر ، حيث هذا هو يوم بداية شن أميركا الحرب
على أفجانستان . تضمن المدخل أربعة ملحوظات هذه واحدة منها ، وهى تكرار
لا بد منه ، تصحيحا لمصطلح يستخدم بعماء وغباء ويصدقه الناس وعاد للبروز
اليوم مع إرهاصات الحرب ، وهو كلمة صدام الحضارات . الحضارات لا تتصادم ، ما
يتصادم هو الحضارة مع بقية الجاهليات . هذا إن لم
نقل أصلا باستحالة وجود حضارتين متزامنتين فى نفس الوقت ، بالذات فى قريتنا
الجلوبية الحالية . فالوصول الأسرع لتقنية ما ليس له إلا طريق واحد ،
ومن ثم فائز واحد ، أو ما أسماه كتاب الجيل الخامس للحاسوب ‘ كل شىء أو لا شىء ’
( هذا الكتاب الذى ترجمناه لحساب الهيئة المصرية العامة للكتاب ، يضرب
أمثلة لا حصر لهذا فى حقل التقنية أو تطبيقاتها المختلفة ، منها المثال
الشهير لمعركة الطائرات بين إسرائيل وسوريا التى انتهت بالنتيجة 79 /
صفر ) . هذا الموضوع ككل أصبح مادة هائلة للبحث فى كل
العلوم تقريبا بدءا من الجزيئيات والموجات حتى المعلوماتيات والاقتصاد
والاستراتيچية وثروات الشعوب …إلخ ، لدرجة أن أصبح مصطلح اللا تماثل asymmetry ،
كلمة صحفية دارجة هذه الأيام . ليس أوله ولا آخره نظريات سكرتير الدفاع
الأميركى دونالد رامسفيلد عن
المخاطر التى تواجه أميركا . بل ربما نسمع قريبا عن مذهب اسمه الـ asymmetrism ،
وربما يعتبره البعض نسخة حقل الستراتيجية من ما بعد‑الحداثة أو حتى من
اللا يقين الكمومى ( مفاهيم ناقشناها بالصدفة قبل شهور قليلة فى صفحة سينما ما بعد‑الإنسان ! ) .
طريف جدا ، لكننا نؤمن بشىء
واحد أن ما بعد الحداثة واللا يقين الكمومى هى ظواهر إنسانية محضة متطرفة فى
التنظير للجهل الإنسانى ، التى أصبحت واضحة فجأة من خلال محدودية قدرة حواسه
على الرصد وقدرة عقله على الفهم . ونؤمن أن الحداثة والسعى لليقين العلمى
( أو تبعا لكلمة أينستاين الشهيرة الرب لا يلعب النرد ، ومنها تعلمت
شخصيا أن أتحسس مسدسى كلما سمعت كلمة ما بعد‑الحداثة ) ، لا بد
وأن تمتص وتستوعب يوما هذه الردة التى أفرزها اليأس المتخايل للعرق
البشرى . نعم ، إما حداثة وإما لا حداثة ، لكن المثير جدا جدا
حقا هو لو ربط المؤرخون يوما هذا النصر المظفر لاسترداد العلم والحداثة
لمكانتهما باسم شخص عسكرى يدعى دونالد رامسفيلد وأنها انطلقت من مبنى جريح اسمه
الپنتاجون ! فى هذه اللحظة على الأقل ، ليس لدينا شك فى أن مثقفى
أوروپا والعالم الثالث بولولاتهم المعتادة سيسهمون فى هذا . وسرعان ما
يكتشفون فى الحسم الرامسفيلدى نهاية لحقبة ما بعد‑الحداثة ، ويخرجون
علينا بمذهب تلافيفى جديد يلائم عقولهم المضطربة ربما يسمونه بعد‑ما‑بعد‑الحداثة ! ) . مقال
فكتاب ساميول هانتينجتون الشهير عما أسماه صدام الحضارات تبنأ نبوءة عظيمة ومبكرة لحد ما
( من العام 1993 ) ،
ففيما نعتقد ، وكتبنا هذا مرارا من قبل ،
لا توجد فى عالمنا المعاصر سوى حضارة واحدة هى الحضارة الأنجلو‑يهودية فى مواجهة جاهليات تغلب
عليها الطباع الانفعالية والتدين …إلخ . أو بصيغة عصرية أكثر دقة : الصراع الحالى هو صدام حضارة ما بعد‑الإنسان ضد الإنسانية وفلولها المتمسكة بإنسانيتها . [ اقرأ المزيد عن هذا فى
صفحتى حضارة ما بعد‑الإنسان والثقافة .
هم تأكيدا على حق لأنهم يتحدثون عن
التقنية والمستقبل ، وهو بتأكيد أكبر على حق أيضا لأنه يتحدث عن الثقافة
والحاضر . إنها واحدة من أمتع المبارزات الفكرية فى العقد الأخير .
كلا الطرفين على حق لأنه يرى وجها للحقيقة ، وعلى خطأ لأنه لا يرى الوجه
الآخر . المشكلة عند هانتينجتون أنه اختار الكلمة الخطأ ، ثم أصبح
أسيرا لها ، بعد أن أصبح الغرب كالباقين كلهم ‘ حضارات ’ ،
بينما كان الواجب أن يرى الاختلاف النوعى بين الحضارة واللا حضارة :
التقنية . ساعتها لم يكن سيرى الصدام بهذه الجسامة ، وأنه مجرد دورة
أخرى للطاحونة من قصة الهنود الحمر والأپوريچين ومئات ‘ الحضارات ’
الشبيهة غير المأسوف على شبابها ، وأن نتيجته تكاد تكون محسومة سلفا .
مع ذلك لا يمكن أن ننكر أن هذا ‘ الخطأ ’ العلمى كان شيئا مفيدا للغاية
من الناحية العملية ، لما أثاره من وعى بالخطر الإسلامى وغيره ، ومن
ثم خلق أساس ماديا لهذا الحسم المسلوف . وهنا بالضبط بدأت غلطة عجمى
والآخرين التى أودت بهم لإنكار الصراع من الأصل : الثقة الزائدة فى حتمية
النصر ! ] .
الأبعد وكما نقول دوما إن بالذات لا مصر ولا الإسلام صنعت حضارة يوما قط . من
يهيمن عليهم هاجس الموت والخلود ، هم آخر من يمكن وصفهم بالحضارة . الفينيقيون صنعوا حضارة والصينيون صنعوا حضارة وطبعا اليونانيون
صنعوا حضارة ، لكن ما يسمى
الحضارة المصرية القديمة مجرد شبه حضارة أو فى قول شهير
لا يخلو من التناقض المقصود : حضارة موت . كما أنها تخلو من إحدى
الصفات الأساس للحضارة وهى نزعة
التوسع أو ما يسمى الإمپريالية .
لم تزدهر فى مصر أية صناعة فى
تاريخها كله ، سوى صناعة واحدة ولبرهة من الوقت ، وهى صناعة
الموت . صحيح شهدت مصر بعضا من التقنيات المتقدمة
فى عصورها البائدة ، لكن المفارقة أنها سخرت لبناء المقابر والمعابد وحفظ
الجثث ، وهذا وضع فريد لم يتكرر ثانية قط ويعبر تأكيدا عن حضارة
ناقصة ، أو فى معنى ما لا حضارة . هذا عيب بالتأكيد لأنه أفرخ الأديان
المتجلاة الثلاثة ، ومن ثم قضى على العلم والتقنية على المجرى
الطويل ، فيها وفى كل الحضارات الحقيقية المجاورة . مع ذلك لا نرى بالضرورة
أن كون مصر المنبع الأصلى لعصور الظلام ، ينتقص من ريادتها المبكرة وربما
المهمة كشبه حضارة ، إنما يؤشر فقط وأساسا لرغبة فى استخدام المصطلحات
بدقة .
نفس الأمر فيما يخص ما يسمى الحضارة الإسلامية ( والتى تخص بالأساس العرق
العربى أحط عروق الأرض والذى لا يقارن أصلا بالعرق المصرى ) ، فمرجعنا
المهذب جدا مقولة د . زكى نجيب محمود ، إنها حضارة وصفية . ويقصد
أن قد كان بها بعض الأفراد اهتموا
بالعلم ، بمعنى ليس بالتقنية ، وتكتشف كم هو مهذب وماذا يقصد حقا إذا
كان هو فى نفس الوقت القائل أما لو تحققت أكثر فى الأمر لوجدت أن العرب أو المسلمين لم
يصنعوا حضارة أصلا . وما يقدره الغرب الحالى منهم هو ما قدره الدكتور زكى
نجيب محمود لا أكثر : قطعا لا توجد أية تقنية تستحق التقدير او حتى
الذكر ، أفضل الأشياء ابن رشد وابن خلدون ، علوم فلسفية واجتماعية هى
فى قول آخر كإرنست رينان مثلا اليونان بلسان عربى فالشعوب السامية لا يمكن أن
تبدع شيئا من تلقاء نفسها أبدا ، أو ربما أيضا بعض آخر قليل جدا من العلوم
الطبيعية ، دع جانبا أنها كلها تقريبا من صنع 1- غير عرب ، أى من بلاد
حضارات الهامش الثرية القديمة ، فارسية قوقازية …إلخ ، 2- إما أحيانا
غير مسلمين ، أى مسيحيين ويهود وفرس ، طبعا فى حالة أن سمحت لنا
‘ سماحة الإسلام ’ بالسماع عنهم أصلا ، 3- دائما غير
مؤمنين ، غالبية أو أقلية ، حتى ذوى الخلفية المسلمة منهم ، لم
يكن ينظر إليهم بأكثر من كونهم مجموعة من المارقين الملاحدة ممن يقولون أو
يهتمون بأشياء غامضة شيطانية غريبة الأطوار ، 4- تحديدا كل ذلك تحت قيادة
حكام صريحى ‘ الكفر ’ كالخليفة المأمون
المدهش بل الواجب
هنا أن نقول إن حتى فى هذا الظلام درجات . الغزو باسم الدين لم يكن يوما إلا
غزو من هم أدنى تقنيا لمن هم أرقى . روما غزت العالم بدءا من سود أفريقيا
حتى بربر الشمال وبريطانيا غزت كل القارات ، كلتاهما باسم التقنية
والحداثة . لم يغزوانه باسم دين لسبب بسيط انهم لم يكونوا فى حاجة
لذلك . لم يكونوا يبحثون أصلا عن ذريعة ، ومن ثم المقارنة غير واردة
على أى نحو . مشروعهم لم يكن ظلاميا أصلا ، إنما لديهم شىء مادى ملموس
يقدمونه على الأرض ، مشروع بناء
اقتصادى ورؤية جديدة وشمولية لكل العالم ( وليس مجرد كلام منسوب لإله يسكن
هناك فى السماء ولا يستطيع أحد محاسبته أو مجادلته فى شىء ) ، أما
العرب فمجرد بدو أرادوا غزو من هم أكثر منهم استعقادا من زراع وسواهم . لا
تقنية ولا حداثة ولا مشاريع ولا رؤى ، فقط نهب وسلب . السلاح الوحيد
فى حالة كهذه هو الدين . النتيجة أمامنا كانت أن ظلام رعاة كاحل ودامس
ومطلق راح يحاول قهر ظلام أقل درجة حل بحضارات سابقة آفلت لكنهم على الأقل لا
زالوا يجيدون الزراعة مثلا .
حتى
اليوم ذلك المنوال pattern
من الغزو يتكرر . المسلمون الذين تضاعفوا عدديا عدة مرات
فى عقود قليلة فى البوسنة
وكوسوڤو وماسيدونيا يستولون عليها من أصحابها الأصليين الأكثر تحضرا بما لا يقاس .
سوريا البعث العربى الماجد تحتل لبنان المسيحى الأكثر عصرية بمراحل منها . صدام حسين قبلى العقلية يريد حكم الأكراد ممن
تجاوزوا مرحلة قبل الحداثة هذه التى يمثلها ، وأنشأوا لأنفسهم مؤسسات دولة
عصرية . عرب شمال أفريقيا أو عرب وسط السودان يغزون بلاد الأمازيغ أو
الجنوب المسيحى الوثنى لأن هذين أكثر صلة بالغرب المتقدم وتطلعا للحداثة منهم [ وكذا دارفور ( أرض الأفارقة ) المسلمة دون إيغال لكن
السوداء ، حيث حرفيا رعاة هم العرب راحوا يحرقون قرى الأفارقة المتطورين
محترفى الزراعة من قرون ، ويبيدونهم إبادة جماعية فى السنوات القليلة
التالية لكتابة هذا الكلام ] . هذه وتلك كلها فقط من أجل مشروع ‘ حضارى ’ كبير
واحد : نهش
snatch ثروات الغير والسطو rob
على نجاحاتهم ونهب loot عرقهم
التاريخى ، جميعها على نحو مباشر بسيط
وصلف .
ألم يلفت نظرك لماذا تجد دوما
پارانويات الشخص المتخلف تنظيرا مسهبا لها فى الدين نفسه ؟ ألم يلفت نظرك
لماذا لم تنظر الأديان للحداثة أو المستقبل أبدا ؟ فى كل أديان ما يسمى بالتوحيد الراعى هو
الخير والزارع هو الشرير . قايين هو القاتل وقابيل أخوه هو الضحية . ذبيحة
يعقوب تقبل وذبيحة عيسو أخيه ترفض . بالنسبة لبدوى الحجاز ونجد وعسير ، الشام ومصر وبين
النهرين هى أوكار للخبث والشر هائلة ، وبالنسبة للاثنين معا لندن ونيو يورك
وتل أبيب تمثل ذات الشىء . دائما أبدا فى عقلية المتخلف الاستعقاد والذكاء هى
مرادفات للشر والتآمر ، والغباء والجهل هى مرادفات للخير والطيبة .
الاستلقاء على الظهر من المولد إلى الممات مع ترك الأغنام ترعى فى أرض
الغير ، أو فى قول آخر أرض الرب الواسعة ، لا بد وأنه خير إذا ما قورن
بتلك الأشياء المريبة التى يفعلها هؤلاء الزراع بأيديهم الآثمة فى باطن الأرض أو
كمشغولات يدوية لا بد وأنها قطعا من أشغال السحر الأسود . من هذا الإحساس بالغباء والدونية تأتى طوال الوقت
نظرية المؤامرة ، ومنه أيضا احتاج العرب لدين ، بينما لم يحتج إليه
الرومان أو الإنجليز . من خلاله خلقوا غطرستهم الخاصة ، وغزوا بها بالفعل كل
العالم القديم تقريبا ، ينهبون
الثروات ومقابلها يبيعون كلاما ونصوصا لا أكثر ، يأخذون القمح والأبقار
والذهب وفروج نسائك ويعطونك آيات تقول لك إنك محظوظ أن مشيئة الرب شخصيا أن تصبح
عبدا لبنى العرب ‘ عن يد ’ ( إنعاما ) منهم عليك . ولحسن حظهم وجدوه تلك
الحضارات العظيمة السالفة وهى بالفعل منهارة جاهزة وتمكن منها دين
‘ سماوى ’ آخر ، ومن ثم استسلمت بمهانة وسهولة مذهلين لسيوفهم
الشرسة البتارة المفاجئة ، تماما كما استسلمت لسلعتهم الكلامية . وحقا
كيف يتأتى لبدو كهؤلاء بوسيلة أخرى غير اختراع دين صنع كل هذا الاستعلاء المقزز
المكذوب ( خير أمة أخرجت للناس ) ، وطبعا غير المسنود بأية قرائن
من أرض الواقع المادى الملموس ؟ ولفهم مغزى هذا الكلام عن أن الحضارة بلا تقنية
ليست حضارة ، وأن الغزو بالكلام لا بالتقنية ليس حضارة إنما نهب
وسلب ، فهما ملموسا أكثر ، خذ المثال التالى من عالمنا المعاصر .
تخيل مثلا أنه لو اتخذت الحكومة الأميركية نفس هذا الموقف
‘ الحضارى ’ ، لكانت قد حطمت الحاسوب إينياك باعتباره بدعة وكل بدعة
ضلالة ، بدلا من تموله بنفسها عندما اقترحه چون ڤون نيومان ، أو
لكانت أعدمت واتسون وكريك لأنهما كشفا سرا للحياة غير الرب العظيم ، أو
لأحرقت أقراص برمجيات مايكروسوفت فى الماديسون سكوير بعد وضع بيلل جيتس وسطها
لأنه ولأنها اجتراء على خلق الرب ! إن الحضارة تعنى بداهة أن كل المجتمع
منهمك فى الفعل الحضارى التقنى ، وطبعا بقيادة السلطة نفسها أو دعمها
الكامل ، وليس مروقا هنا أو هناك ضد إرادة المجتمع والسلطة أصلا !
( طبعا بمناسبة ذكر الدكتور زكى نجيب محمود لا بد من ذكر النظرية المشابهة
فى الحقبة الإسلامية الأقل تهذيبا بكثير ، والتى جاءت من نده فى كفة
الميزان الأخرى فى جيل آخر المفكرين المصريين ‑ونح جانبا طبعا صراصير مخه
اليسارية ، دكتور لويس عوض ) .
المهم أن أحدا لم ينتج تقنية ، وحضارة بدون
منتجات تقنية ليست حضارة ، حتى لو كانت بها صفة الإمپريالية مثل الإسلام
والتتار . هذا بحكم التعريف : الحضارة هى السيطرة على الطبيعة
( فرويد وجميع من فى قامته الفكرية ) ، أو الحضارة هى فتح جبهة جديدة للتقنية ، أو بصيغة مختصرة الحضارة هى التقنية ( لو شئت صياغة
أصرح أدق وأوضح لا يتمكن ‘ بنو لكن ’ العرب من الالتفاف عليها
التفافاتهم التوفيقية المريحة للضمائر إياها . وطبعا دون تكرار أن من نافلة
القول إن ركوب الطبيعة هذا كركوب
جواد جامح . أن تركبه وتعطيه جموحه العظيم عقل ومعنى ومقصد شىء ، وأن
تقتله شىء آخر . وهنا نميز بين الرؤية الحضارية التى تستلهم روح أمنا
الطبيعة التنافسية الشرسة المؤدية وحدها للتطور ، وبين الرؤية اليسارية
التى تؤمم الصراع وتسمى هذا أنسنة للطبيعة والنتيجة الصارخة هى التوزيع
‘ العادل ’ للموات والتخلف والفقر على الجميع ) .
الأبعد من ذلك فيما يخص ما يسمى بالحضارة الإسلامية ، أنها لم تنتج حتى
فكرا بمعنى الكلمة ، على نحو عام وباختصار الشعوب
الأرثو‑إسلامية ، للشرق الأوسط ومحيطه البيزنطى المرتد
للإسلام ، حيث أرثوذوكس الماضى هم تقريبا معظم مسلمى اليوم ، أو ما
يسمى تقريبيا بالمصطلح الذى لا أفهمه جيدا السامية ، وأفهمه فقط بعيون كل
ذى عين بدءا من أرسطو حتى إرنست
رينان ، هى شعوب لم ‑وبالطبع لن‑ تستطيع صنع حضارة
أبدا . وإذا كان اليهود يقودون حضارة اليوم فلسبب آخر هو ألفا عام من
التحولات والتطورات الچيينية الهائلة فى الشتات ، التى تكاد تقطع وجه الشبة
بينهم وبين اليهود القدامى ذوى الطبع الانفعالى البدوى شرق الأوسطى ، أو
ببساطة لأنهم لم يعودوا ساميين ! … اقرأ المزيد عن إشكاليات العقل العربى فى
صفحة الثقافة … والمزيد عن معاداة السامية
( بالمعنى الصحيح للكلمة ) كواجب على متحضر فى صفحة العلمانية … اكتب رأيك هنا
28 أكتوبر
2001 : اليوم أدلى ڤى . إس . نايپول
الحائز قبل أسابيع قليلة على جائزة
نوبل فى الأدب ، أدلى بحديث
موجز لمجلة النيو يورك تايمز الأسبوعية ، المثير أن به بعض أسئلة توجه له
لأول مرة . أجاب السير ڤيديا ‑ويقال إنه لا يحب هذا
اللقب !‑ فى هذا الحديث عن عدد من الأسئلة التقليدية عن رؤيته
للإسلام من منظور منظومته الفكرية الأعم نقية العلمانية ، والتى تركز على
طمس الأديان ككل لما يسبقها ، وعلى أزمة العالم الثالث المقاوم ككل للتقدم
بأى ثمن . ( لاحظ بالطبع أنه ككل العلمانيين ، يكتب عن الإسلام
ويقصد فى غالب الأحيان الدين ككل بمعناه الضروبى generic . ذلك أنه من منظور
عملى الإسلام اليوم هو ‘ الـ ’ دين ، بمعنى العقيدة الخرافية
الوحيدة النشطة أو الباقية على قيد الحياة ، ذلك بعد الموت العيادى
لليهودية والمسيحية منذ قرون ، وتواصل أديان الشرق مع طبيعتها الأصلية
كأساليب حياة لا أكثر ، بلا شق عقائدى يذكر ) . كذلك أجاب نايپول على أسئلة عن لماذا المرتدون converted ‑يقصد الآسيويين معتنقى الإسلام‑ أكثر تطرفا من
العرب ، وعن سر الجاذبية الحالية للإسلام . كذا فق تحدث عن كيف استبعد
من نوبل منذ 1973 ، والمفهوم أنه يقصد الحملات الإسلامية واليسارية
المتواصلة باعتباره عرقيا ( عنصريا ) ، ومعاديا للعالم الثالث
…إلخ ، والتى تستغل نصا فى لائحة نوبل يدعو للتقارب بين الشعوب ،
وكأنه شىء يسمو فوق واجب قول الحقيقة . لاحظ مثلا أن هذا اليمينى العظيم
كان قد وصف تونى بلير فى والأجرأ أنه لم يستبعد أن يكون لأحداث 11 سپتمبر
دور فى منحه الجائزة بعد الاستنارة الفجائية التى حققها هذا الحدث لدى كثير من
الغربيين ، وأسئلة أخرى كثيرة أعطاها جميعا إجابات موجزة بحواديت طريفة
وغريبة من التاريخ كعادته . لكن السؤال الجديد وفى نفس الوقت الأكثر مباغتة
وطرافة كان بسيطا جدا : ما
السبب وراء 11 سپتمبر ؟ إجابته الفورية
كانت : لا يوجد سبب ! ( ليس مثلا السياسة الخارجية الأميركية ، أو المشكلة
الفلسطينية …إلخ ) . لكنه أردف بعدها قائلا إن الدين هو السبب الأولى . فالعالم بات أكثر استعقادا من أن يمسك به البسطاء الذين لا يملكون
سوى الدين ، وإنه كلما زاد اعتمادهم على الدين ‑الذى لا يحل شيئا
بالطبع‑ كلما أصبح العالم أبعد وأبعد منالا . ويختم الإجابة بربط ما
حدث بثروة الپترول التى تفجرت فى العالم الإسلامى فى السبعينيات ،
باعتبارها السبب المباشر للأحداث . فهى التى خلقت وهم القوة فى العالم
الإسلامى ، شارحا كلمة الوهم بأن القيمة الحقيقية للپترول ليست فيه فى حد
ذاته ، إنما فى منجزات الحضارة الغربية التى تستهلكه ومن ثم جعلت له هذه
القيمة . ومن هنا جاء الحنق الإسلامى على بقية العالم . لا
تعليق ، سوى أن كلما زاد تعليم وثراء الشباب المسلم كلما اكتشف أن سقفه الچيينى‑الدينى
لن يصل به أبدا ليصبح ندا لنظيره الغربى ، فيقرر استخدام علمه وماله فى
تفجير مركز التداول العالمى . إنه يأس الطامحين ولم يعد يأس شباب صعيد مصر مدقع الفقر . فى نفس
الوقت ، كلما زاد فهم العالم لمشكلة العالم العربى أو الإسلامى أو الثالث
أو سمه ما شئت ، كلما زادت القناعة باستحالة وجود حل . شىء مرعب أن كل
الاجتهادات تؤدى لنفس الاستنتاج المخيف المسمى إبادة . للأسف طبعا !
[ ملحوظة :
فى الفارق بين الطموحين والمعدمين يكمن أيضا الفارق
الشهير والمثير للجدل ما بين المسلمين المعتدلين والمتطرفين . فالفارق
الحقيقى بين مثلا الإخوان المسلمين وبين تنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية ليس
الأساليب فالكل استخدم نفس الأشياء ، إنما فقط فى حجم الطموحات .
الأولون يريدون حكم بليون مسلم وخمسة بلايين غيرهم ، والهيمنة ―على
منابع الپترول التى أتاحت لأول مرة فى التاريخ الحل العبقرى لإشكالية الثراء مع
الكسل . أما الآخرون فأقصى ما فكروا فيه هو اغتيال رئيس الجمهورية ،
ولو أخطروا الإخوان قبلها لما كانت السلطة ملقاة على الأرض لا تجد من يلتقطها
لمدة يومين . وطبعا نذكر كلمة الرئيس مبارك الشهيرة أنه لم يدرك أنه الشخص
الذى يفترض فيه أن يصبح رئيسا للجمهورية إلا بعد يومين من الصدمة ( نظرية أخرى تقول إنها الفوضى والچيينات المصرية لا أكثر
ولا أقل ، ولو أعطيت السلطة للأخوان لما رضوا إلا بوضع المعارضة والشكوى
وپارانويات نظرية المؤامرة الحالية . أنا أميل لهذه ، وهى أيضا سر
المذابح المتبادلة فيما بين الإسلاميين ، التى تتلو عادة استيلاءهم على
السلطة فى مكان ما ، حيث مفهوم السلطة والدولة والمشروع والقيادة غير واردة
أصلا ! ) .
بعد عشرين سنة إلا شهرا ،
أفاق العالم لهذا التطور الجديد : الأثرياء العابرون للقارات أمثال أسامة
بن لادن جندوا صراحة السفاحين المشعثين القادمين من أرياف مصر المعدمة ومن
طبقتها الوسطى سواء بسواء ، وأصبحوا معا أكثر طموحا من كل ذى قبل ولا
يريدون بأقل من تركيع الغرب كله . الحقيقة أن قلائل جدا لم يسمع لهم
أحد ، هم من حذروا من هذا . أشهرهم اليوم دونالد رامسفيلد ، ومن
أعمقهم بعض الأكاديميين الإسرائيليين ممن رصدوا ظاهرة الثراء والطموح هذه رغم أن
من كان يضربهم فى الانتفاضة شباب معدم يائس . أما أندرهم للغاية من بين من
انتبهوا لهذه الظاهرة فهم المثقفون العرب ! ] . [ اقرأ أيضا ما كتبناه يوم 11 سپتمبر نفسه عن ‘ أسلوب ’
العملية ذو لمسة الفهلوة المصرية الخالصة ] . اقرأ حديث
نايپول الجديد اليوم . أو ربما تود تصفح جريدة الحياة التى ربما كانت الأوسع باللغة العربية فى
تغطية فوزه بالجائزة ، مع كونك تعلم بالطبع أنها المنبر الأساس اليوم
للشيوعيين العرب سابقين وحاليين ، وعلى رأسهم مثلا الكاتب الپارانويى الذى
لا صلاح يؤمل فى علاجه إدوارد سعيد ، الذى لم يفت الجريدة أن تذكرنا بدلوه المنفر القديم فى هذا الموضوع أيضا .
أو ‑وهو الأهم‑ اقرأ طرح نايپول الشهير لنظرية ‘ الأثر
المفجع ’ Calamitous Effect للإسلام ( كما انفردت الجارديان بنشره أولا ) ، مقارنا بالاستعمار
الحديث الذى لم يسع لطمس هوية أو تاريخ أحد ، إنما فقط لمجرد تحديثهم
وتنمية مواردهم . ذلك الرأى الذى جاء قبيل فوزه بنوبل بأيام ، كان قد
أثار فى حينه ‑ولا يزال‑ زوبعة هائلة ، رغم أنه فى الواقع مجرد
موجز لأفكاره المعروفة أكثر منه طرحا لفكرة جديدة . والسبب بالطبع أن لم
يعد عالم الديموقراطية وحقوق الإنسان ، أو فى قول آخر عالم الحرية
والمساواة والأخاء ، عالم الغرب الجميل والمستقر نفسيا وعقليا
وفكريا ، قادرا بعد 11 سپتمبر على مواصلة صم آذانه إزاء مثل هذه
الآراء . من هذه الأفكار أيضا لكن دون نفس الشهرة رغم وفرتها
وعراقتها ، الكثير من الأبحاث المصرية الجديدة
والقديمة ، لكتاب وكاتبات من خلفيات مسيحية
ومسلمة سواء بسواء ، عن آثار الغزو الإسلامى المدمرة على مصر
( تحيتنا الخاصة جدا لسناء المصرى وكتابها واضح البؤرة والهدف ‘ هوامش الفتح العربى لمصر : حكايات الدخول ’ —سينا للنشر [ لاحقا أتيح ملخص له على الغشاء هنا ] ) .
ومنه بالطبع آراء قومية الأمازيغ شمالى غرب أفريقيا ، والذى وصلت لأن وصف
أحدهم مؤخرا عمرو بن العاص كمجرم
حرب ، [ بقية هذا المدخل انطلقت من
أهمية مناقشة إشكالية الإسلام ، من مناقشة وضعية مصر فى تاريخ
الأديان . هذا ما قد يعطى فهما أفضل من محاولة فهم الپاكستان . هذه
تحولت بطبيعة الحال لمناقشة لمفهوم الدين نفسه ، وليس الإسلام
تحديدا ، ومن ثم باتت فى 31 مارس 2004 جزءا من نواة الصفحة الجديدة ‘ العلمانية ’ ، ويمكنك الرجوع له
فيها ] .
2 نوڤمبر
2001 : ‘ الإسلام دين الپارانويا . وأنا أدين زعماء الغرب
لتردديهم مانترا ( mantra قطعة زجل هندوسية ) أن الحرب الحالية ضد الإرهاب ليست حربا ضد
الإسلام . إذا لم تكن هذه الحرب بخصوص الإسلام ، فلماذا إذن يتظاهر
الملايين عبر العالم الإسلامى دعما لبن لادن والقاعدة ؟ بتلك الطريقة لن
يتم قهر الإرهاب أبدا . بدون تحول المسلمين للإنسانية العلمانية لن يتغير
شىء ’ —سلمان رشدى . من غيره ؟
أوه عفوا ، طبعا ليس الآن محل استنكار كهذا ، فالواقع أن ثم ملايين بل
بلايين غيره أصبحوا يقولون ذات الكلام حاليا ! فقط لا نعتقد أن العالم ( ولا بن لادن )
سينتظران حتى تتم علمنة بليون مسلم . ولا شك أن الإبادة
قادمة لا محالة لتساعد على حل مشكلة العالم رقم 1 الآن : الإسلام .
على أية حال ذلك ما قاله للخدمة العالمية للبى بى سى اليوم ، والبقية
تأتى . العالم يصحو ولن يعود لثبات الخديعة ثانية أبدا ، وشمعة واحدة
تبدد كل ظلام الدنيا ، كما يقولون . اكتب رأيك هنا 16 نوڤمبر
2001 : مزيد ومزيد من الوقود على النار فى مسألة
الإسلام ، جاء مساء اليوم فى حديث تليڤزيونى على لسان القس
فرانكلين جريهام المؤكد أن چونسون كان أول من حاول أن يصحح لقادة
الغرب مقولتهم المتكررة بعد 11 سپتمبر إن المتطرفين مجرد مارقين على دين هو فى
المقابل مسالم ومتسامح ، وطبعا أثبت أن هؤلاء لا يأتون بشىء من
عندياتهم ، وأن كل شىء موجود فى القرآن . كما كان أول من حاول تصحيح
اللبس اللغوى فى ترجمة كلمة إسلام بمعنى سلام ، والذى ساد لوهلة بعد 11
سپتمبر ، وصححها إلى خضوع ( سبب الخلط تخيل البعض أن الكلمة هى النظير
العربى لكلمة شالوم العبرية ، زائد طبعا خبث التضليل عند مسلمى الغرب ممن
غذوا هذا الإيحاء بهوجة الكلام عن سماحة الإسلام . وحتى هذه أيضا كلمة لا
يفهمها الغرب على حقيقتها ، وتعنى تكون المجتمع الإسلامى من طبقتين إلى آخر
الأشياء البشعة التى تمارس ضد ما يسمى أهل الذمة ) . والنقطة التى
كانت شاغل مقال چونسون هى كيف يكون الإسلام هو دين ‘ الخضوع ’ ،
وينطلق فى كل الأرض غزوا وتقتيلا ونهبا لثروات الشعوب الأكثر تحضرا . على أنه ربما تظل حتى الآن الدراسة الإكاديمية
المسهبة عن تاريخ الإسلام وطموحاته السياسية ، التى صدرت فى النيو يوركر قبل خمسة
أيام بقلم برنارد ليويس نعود لجريهام لنقول إنه خطا مثل چونسون خطوة صغيرة
جدا أبعد ، لكن إذا بها تتخطى كل الخطوط الحمراء للقداسة وتلهب كل الأوتار
الحساسة للعقيدة عن المتطرفين والعامة سواء بسواء . قال إن أصول العنف
والكراهية ترجع لنصوص القرآن نفسه . وذهب لأن الله Allah إله الإسلام إله شرير
ودموى ، ليس هو نفسه إله اليهودية‑و‑المسيحية Judeo-Christianity ، وكلام آخر كثير يتضاءل بجانبه أى نقد سابق منذ 11
سپتمبر . هذا بالذات مع الوضع فى الاعتبار أن المتحدث قدرة ذات شعبية
ومرجعية قصوى لدى المتدينين فى أميركا ، وابن من يكاد يعتبر النبى المؤسس
للمسيحية الأميركية . أضف أن المتحدث صديق شخصى للرئيس بوش الذى ما فتئ
يقول إن الإسلام دين سلام وتسامح ، بل هو الذى تولى الشق الدينى لحفل
تنصيبه ! ( بيللى 83 سنة حاليا ولا يزال نشطا ، وابنه 49
سنة ، واليوم تحديدا قررا العودة لبلدتهما الأصلية فى
كارولاينا الشمالية بمؤسستهما الخيرية العملاقة التى تساوى عشرات الملايين فى
ميزانياتها السنوية ) . إن العبقرية الحقيقية فى 11
سپتمبر أن جعل الاستجابة الوحيدة المقبولة الآن هى إما أسود وإما أبيض : إما الاستجابة المتطرفة التى ربما تأتى تلقائيا من مجرد قراءة هؤلاء
المسالمين أنفسهم للنصوص ، أو الاستجابة العلمانية الخالصة التى لا تحتمل
التأويل ، والمفارقة أنها ربما لا تحتاج إلا لذات القراءات ! فهل
سيطول انتظارنا لهذه الأخيرة ؟ ! اقرأ ملخص لحديث
فرانكلين جريهام يركز على دعوته لتطوير الحرب لتشمل دين الإسلام نفسه أو ملخص آخر مع تسجيل
ڤيديوى للحديث وتحليل للإرباك الذى سببته صراحته للساسة والرئيس وحتى
لوالده ! ] . اكتب رأيك هنا [ بقية هذا المدخل كانت
مناقشة لمفهوم الدين نفسه ، وليس الإسلام تحديدا ، ومن ثم باتت فى 31
مارس 2004 جزءا من نواة الصفحة الجديدة ‘ العلمانية ’ ، ويمكنك الرجوع له
فيها ] . [ تحديث : 20 نوڤمبر 2001 : على العكس من بيرلوسكونى وغيره من تحكمهم عادة الاعتبارات
الدپلوماسية ، وسعوا لتخفيف وقع كلماتهم ، ما فعله جريهام هو
العكس . كرر ذات الكلام لصحيفة محلية فى بلدة تشارلوت التى انتقلوا لها توا
كما قلنا ، وزاد عليه كلاما عن وضعية المرأة فى الإسلام وغيره ، مؤكدا
أنه يعتمد فقط فى رأيه على نصوص القرآن المحضة . ورفض التعقيب على كل طلبات
المناظرة أو التلاقى التى انهالت عليه من جمعيات الأميركيين العرب
والمسلمين ، مؤكد أن كل علاقته بالمسلمين ، هى أن مؤسسته الخيرية توجه
النسبة الغالبة من معوناتها للمسلمين عبر العالم ! ] . [ تحديث : ديسيمبر 2001 : لو
ليس لديك وقت لقراءة القرآن مثل القس جريهام ، إليك ما تعممه صحيفة الشرق
الأوسط حاليا تحت مسمى الوصية
الأخيرة لأيمن الظواهرى . فى صراع الكليروس هذا سيبدو جريهام
‘ المتجنى على الإسلام ’ حملا وديعا لا أكثر ! ] . [ تحديث : يناير 2002 :
الكتاب الجديد لبرنارد ليويس ‘ ماذا ذهب خطأ —الوقع الغربى والاستجابة شرق
الأوسطية ’ يلقى اهتماما واسعا ، بل ووجد من
يرشحه كأفضل كتاب للعام حتى قبل أن يصدر ! المؤكد فقط أنه أكثر الكتب
إثارة للتوقعات فى 2002 ، وأكثر الكتب تشكيلا للفكر الغربى فى الفترة
القادمة . انظر بالأسفل ] . [ تحديث : 22 فبراير 2002 : مسيحى أميركى [ تحديث : 22 فبراير 2002 : پات روبرتسون
يكرر نفس أفكار الأمس على نحو أكثر إسهابا اليوم فى السى إن إن . اقرأ خبر السى
إن إن الذى بث لاحقا . أيضا اقرأ خبر الرويترز
الأكثر تفصيلا حول كل الموضوع ، وإن كان قابلا للتحديث بصفحة أخرى
مستقبلا ] . [ تحديث : 28 فبراير 2002 : صنو پات روبرتسون چيرى
فالويلل ينضم للكورس ، وإن بتحفظ نسبى . فى برنامج ‘ نيران
متقاطعة ’ أيضا على السى إن إن . قال الإسلام والمتاعب كلمتان
مترادفتان ، وإن نسبة الحرية الدينية فى الإسلام هى صفر 0/0 ،
ونوه بأنه لم يسمع جهة أميركية مسلمة واحدة تندد بقتل الصحفى دانييل
پيرل ] . [ تحديث : 2 مارس 2002 : الأمور
فلتت من كل تحكم ، ولا بد من إغلاق هذا المدخل ، وبدء مدخل
جديد . تابع المدخل بالأسفل ،
حيث بهذه السرعة المثيرة دخلت الدراسات القرآنية الغربية مرحلة جديدة بالكامل
تتجاوز كل ما تم ذكره هنا ] . 27 نوڤمبر
2001 : خرجت علينا الصحف اليوم
بنبأ إعلان دكتور توركاتو كاردييللى مبدئيا ، لو أن الأمر الذى بين يدينا هو صراع
أديان لما انتصرت فيه المسيحية قط . لقد فقدت منذ زمن شقها الروحى ،
وتحولت إلى حضارة صناعية عديمة الروح . أمثال جارودى أو آلاف غيره من زنوج
هارلم وليس آخرهم الپروفيسور كاردييللى ، هم متمردون على الطابع المادى
للحضارة . هم لا يتركون
المسيحية إنما يتركون الحضارة . وهم لا يذهبون للإسلام إنما يذهبون
للدين . ولا دين مطروح فى الأسواق اليوم سوى
الإسلام ( لن نناقش كثيرا أنهم خدعوا حتى فى السلعة الروحانية التى
اشتروها ، وسوف تذهب سريعا سكرة الصوفية ليلاحقهم تأكيدا حديث الجهاد
والسيف بعد قليل . كل هذا بينما الأديان الروحانية الحقة فى الشرق ،
فقدت سحرها أيضا بسبب التحضر الذى بدأت تشهده شعوبها ! ) . إذن ليفق الغرب قليلا ، ويكف عن النظر لأمثال
هؤلاء كمجرد حالات فردية شاذة . الظاهرة ستتزايد ، وواهم من يعتقد أن 11 سپتمبر سينفر العالم
من الإسلام . فرغم كل الفعل التنويرى للحدث ، إلا أنه لم يلغ حقيقة أن
الإسلام ‑كالدين الوحيد المطروح فى السوق الإنسانية‑ لا يزال ضرورة
موضوعية للعرق الإنسانى . بالمثل لا مجال للحزن على المسيحية ، فهى لم
تهزم لسبب بسيط أنها ماتت منذ قرون . إنه فقط صراع الرمق الأخير للإنسانية كعرق غير متأقلم مع حضارة ما بعد‑الإنسان ، ولا
يمكن كسب المعركة إلا بوضعها على هذه الأرضية : حضارة ما بعد‑الإنسان
ترفض بالضرورة كل مخلفات البشرية ، ومنها ما يسمى ‘ روحانيات ’
إلى آخر دغل المعتقدات الخرافية المناهض للمنهج العلمى فى التفكير والبحث .
هذه هى معركة الحضارة التى تستوى فيها أمامنا الكاثوليكية مع الإسلام .
فقط ، وكما قلنا على مدى عقد كامل أن
يا صفوة العالم اتحدوا ، فهذا هو التحدى الحق قبل فوات الأوان ! اكتب رأيك هنا 13 ديسيمبر
2001 : اقرأ فى الشرق الأوسط مقالا للكاتب السورى هاشم
صالح من منفاه فى پاريس ، بعنوان أن لا حضارة لنا حتى نصارع الحضارات الأخرى . يقدم فيه تحليلا نفسيا للعقلية الأصولية ، التى تروعها
‘ فضيحة ’ أن يوجد أحد من البشر بإيمانات مختلفة ، ولا يتبعون ذات
صراطه المستقيم . المقال المطول يركز على التسامح الدينى وأبعاده
التاريخية ، وكيف كان بداية نهضة البناء الأوروپى . الكاتب لم يستخدم
خطابا علمانيا صريحا ، ومن ثم التبست بعض المعانى . وما لم يقرأه
العلمانيون بعقليتهم الخاصة ، فقد يجدون فيه بعض التناقضات والتبسيطات من
قبيل إعطاء كل هذه الأهمية التى بدت سحرية لمسألة التسامح هذه . بينما
الأصح أن يقرأوا التسامح الدينى بمعنى تخلى كل الأطراف عن كل الأديان ، وأن
العقلية الإبداعية التقنية وغير التقنية لا يمكن أن تترعرع بدون تحطيم كل
المقدسات والثوابت ، وفى مقدمتها الدين . أيضا هو يطرح على خجل حلولا من قبيل تدريس علم
الأديان المقارن فى المدارس ، إلا أنه يطرحه أيضا من منظور التسامح .
فالحقيقة أن هذا الحل الصحيح نظريا ، سيفقد كل فاعليته ، ويلتف عليه
المتدينون ‘ المعتدلون ’ ببراعتهم المعهودة ليفرغونه من كل
محتواه . ونقول إنه بدون رؤية علمانية واضحة وصريحة للغاية ، وكذلك
شاملة لا تقف عند حدود المدارس ، إنما تشمل تفريغ المجتمع من التدين العلنى
نهائيا ، سواء فى الشارع أو المسجد أو الإعلام أو الوظائف الحكومية
…إلخ ، بدون كل ذلك ومن خلفه إرادة سياسية ماضية واضحة الرؤية لا يمكن توقع
أى نتائج تذكر . لعلنا لا يجب أن نأخذ من تجربة أوروپا القديمة مثالا
لنا ، بينما تركيا وتونس أمثلة أنضج أقرب وأكثر فاعلية معا . مع ذلك هو بالتأكيد مقال قوى الحجة ، ويجسد
بفصاحة مخيفة مدى جسامة التحدى التاريخى لـ ‘ سمحنة ’ الإسلام ،
ناهيك بالطبع عن علمنته ، مقارنا بالكفاح الهائل لأوروپا لتحقيق الغاية
المشابهة . وفى النهاية نأمل أن يرى المنغلقون فيه عبرة ما . الشىء
الذى نوافق عليه الكاتب موافقة مطلقة عبارته الختامية : ‘ إذا ما كبرت
ما بتصغر ’ ! نعم ، وقلناها مرارا من قبل ( مثلا أعلاه فى
16 نوڤمبر أو قبلها فى صفحة سپتمبر ) ،
إن عبقرية 11 سپتمبر أن لم يعد العالم يقبل حلولا وسط من أحد بعد ! اكتب رأيك هنا
12 يناير
2002 : خطاب الچنرال مشرف المرتقب اليوم لم يعلنها
علمانية استئصالية صريحة ، لكنه خطا خطوات جبارة نحو علمنة پاكستان .
لم يغلق المساجد والمدارس الدينية ، إنما اشترط أن تفتح بتراخيص . لم
ينزع الميكروفونات ، إنما اشترط أن لا تتحدث فى السياسة ولا تحرض ضد
الأديان الأخرى . لم يقل أن سعى كشمير للاستقلال تخلف وغباء ، إنما
حظر التنظيمات والدعم المسلح لها من داخل پاكستان . لم يرسل فرق اغتيالات
لتصفية قادة الكليروس ، إنما اكتفى باعتقالهم . ما نعلمه وعلمنا إياه
التاريخ ، وبالذات أتاتورك المثل الروحى للچنرال مشرف نفسه ، أنه بدون
استئصال جذرى سيفلح الدين فى الالتفاف والإنبات من جديد . الأيام ستعلمنا
بأى الخيارين يدور فى عقل هذا الرجل ، الذى ما من شك فى جميع الأحوال أنه
أبدى قدرا طيبا من الشجاعة حتى الآن . ومن يدرى فيما لو واصل السعى الحثيث
نحو الاستئصال ، فقد يصبح خطابه المتواضع نسبيا اليوم إحدى الأدبيات العظمى
فى تاريخ الحضارة ! 24 يناير
2002 : قاد الپاپا اليوم
مظاهرة حضرها 250 ممثلا عن جميع الأديان المعروفة . أخذت شكل رحلة بالقطار
من روما إلى أسيسى موطن القديس الشهير فرانسيس الأسيسى . هناك ألقى الپاپا
خطبة فى الحضور ، ثم أدى كل الصلاة على طريقته ، ومنهم يهود ومسلمون
سنة وشيعة وبوذيون وهندوس وسيخ وكونفوشيسيون بل وحتى ديانات شبه مجهولة
كالزرادشتية وديانات بدائية أفريقية وغيرها ، فضلا عن المذاهب المسيحية
المختلفة بما فيها –ويا للمفاجأة‑ الكنيسة الأرثوذوكسية ، والكلمة
تعنى لغويا الصراط المستقيم وفى ترجمة أخرى أنا زى الفريك ما أقبلش شريك .
الفارق الوحيد أنهم أرسلوا الرجل الثالث ، وليس الزعيم بشحمه ولحمه كما
فعلت الأديان الأخرى . كيف حدث هذا ؟ وهل صحيح كما قالت خطبة الپاپا
أن هدف اللقاء الإجماع على أن من يمارس العنف باسم الدين يناقض الدين ، وأن
قد حان وقت السلام بين الأديان ؟ لا أعتقد هذا . اللقاء لم يكن مجرد
اللقاء الپروتوكولى الذى يلقى فيه كل شخص كلمته ويعود ليرى كيف تناولتها صحافته
المحلية . نعم ، هو لقاء سلام لكن على طريقة لقاءات زعماء العصابات فى
نيو يورك العتيقة ، عندما تلاحقهم الشرطة بسبب قتلهم بعضهم البعض ،
والهدف منه أن يعم السلام وأن يتفقوا على رئيس لهم ، ذلك حتى يواصلوا
أنشطتهم الخفية فى هدوء . كل الكلمات توجهت لچان پول الثانى تبايعه كزعيم
وقائد للمسيرة ومواجهة التحدى . أية مبايعة وأى تحد ؟ طبعا لا توجد
سوى مسيرة واحدة وتحد واحد : مواجهة حرب العلمنة التى بدأتها تشنها الحضارة
بعد 11 سپتمبر على الدين ، كل دين ، وأيا كان المكان . هذا ربما
مما يصعب على بسطاء المسلمين عندنا فهمه ، لكنه الحقيقة ، لقد ضربت
المسيحية بنفس القدر الذى ضربته بها فعلة 11 سپتمبر المتهورة ، وليس كما قد
يعتقد أصحاب العقائد بتفكيرهم الأحادى أن ما يؤخذ من هذه يعطى لتلك بالضرورة
( سؤال بسيط : هل لا يزال لدى الحزب الجمهورى نفس النشاط السابق
لمشروعه الأخلاقى ؟ صدقونى ، إذا ما فعل المسلمون شيئا أخرق ،
فإن الأمر يهز عقيدة المسيحى فى عقله الباطن فى إلهه أكثر مما
يثبتها ) . على أن هذه أو تلك ليست المشكلة الكبرى . الكارثة
المثيرة للشفقة أن أغلب المسلمين
عندنا ، أو حتى فى الغرب من ذوى الابتسامات البلهاء الذين يطالعوننا يوميا
على الشاشات ، لا يكادون يستشعرون شيئا من الخطر الحقيقى الذى هم
فيه . والمفارقة أن كل الأديان الأخرى كانت أكثر ذكاء وأدركت أنها جميعا
مستهدفة ، وليس الإسلام فقط ، ذلك الدين الغامض ، النشط لسبب أشد
غموضا ، الدين الوحيد الذى تتكلم عنه كل صحافة العالم يوميا ، بطريقة
تستحق أقصى درجات الحسد . كلمة أخيرة عن مدلول مكان اجتماع اليوم : ما
غاب عن الحاضرين اليوم أن فرانكو زيفيريللى الوحيد الذى صنع فيلما عن فرانسيس
الأسيسى ( اسمه ‘ أخى الشمس أختى القمر ’ سنة 1973 ) لم يعد
مؤمنا كثيرا بالتسامح بين الأديان ، وكان الأسبق بين كل الغربيين بعد قليل
لتوقع الحرب بين الإسلام والحضارة ( انظر المقدمة والاقتباسات أعلى هذه
الصفحة ، أو قولنا فى صفحة سپتمبر
أن لو تسامحت الأديان لما عادت أديانا ) ! مما فاتهم أيضا أن دون كورليونى قد أصابته أزمة
قلبية ومات ، وأن قد حان وقت الحرب ! اكتب رأيك هنا
25 يناير
2002 : إن كنت لم تقرأ بعد مقال برنارد ليويس مبدئيا العنوان مضلل نسبيا لأنه يوحى بأنه سيفسر ما
حدث فى 11 سپتمبر ، بينما الكتاب كان فى مرحلة بروفات الطباعة فى ذلك
اليوم ، والعكس هو الصحيح ، أى المقال المذكور هو الذى حاول
هذا ، بينما الكتاب يريد التغلغل فى الأساسات والثوابت الأعمق للإسلام . الواقع وإحقاقا للحق ، ولعلها معلومة لا
يعرفها الكثيرون ، فإن مصطلح ‘ صدام الحضارات ’ ولد فى مقال
لعالم الأديان الإنجليزى هذا فى مقال عمم بمجلة أتلانتيك مانثلى فى سنة
1990 ، حيث قال بالحرف الواحد : …is no less than a clash of civilizations —the perhaps
irrational but surely historic reaction of an ancient rival against our
Judeo-Christian heritage, our secular present and the worldwide expansion of
both .
عودة إلى كتابه ، وإليك باختصار المقولات
الجديدة فيه ، مع ملاحظة مرة أخرى أنه تحليل للثوابت الثقافية للإسلام أكثر
منه تحليلا سياسيا مباشرا ، وهذا تفرده وريادته وطموحه ، وربما أيضا
ضعفه فى الوفاء بكل هذا الطموح : 1- الإسلام مبنى على عقيدة أنه الدين الآخير
والصحيح ، ولذا لم ولن يقبل أبدا تفوق الغرب اليهودى‑المسيحى عليه
لأنه أحط دينيا فى رأيه . 2- الاستجابة الإسلامية لتفوق الغرب إما أن تكون
بالمحاكاة ومحاولة اكتساب العلم الغربى ، وإما بالعودة للأصول . 3- بن لادن هو النموذج الدقيق لهذه العودة
للأصول . هذا هو الإسلام والرجل لم يخترع الكثير من عندياته ، بل
الواقع أن فكره قائم على عدم السماح باختراع أى شىء على الإطلاق . 4- أما عن محاولات محاكاة الغرب ، فالدافع
إليها غالبا ما يكون شيئا واحدا : العسكرة . طبعا بهدف دحر الغرب . 5- هذا هو المبرر الوحيد لتحمل الطلبة المسلمين
لمرارة فكرة التعلم على يد أساتذة كفار فى الغرب ، طالما نظر لهم التاريخ
الإسلامى كبرابرة لم يهتدوا مثلهم للإيمان القويم . 6- بنيوية العقيدة الإسلامية لا يمكن أن تسمح
بتكرار لتجربة فصل الكنيسة عن الدولة . وتجارب محاكاة الغرب لا تطرح قط
فكرة العلمنة . 7- بنيوية العقيدة الإسلامية لن تسمح بتمثل لقضايا
الزمن والأدب والسلطة والهوية ، يمكن أن ينتج مجتمعا متقدما . دراسة
هذه الأمور الأربعة هى القلب للجهد العلمى الخلاق للكتاب . 8- فى الإسلام نقيض الطغيان ليس الحرية إنما
العدالة . فى جميع الحالات لا موالاة لغير الله ، فالسلطة مؤممة من
قبل الله ، وليس هناك مصدر آخر غيره يمكن للحاكم أن يستمد سلطته منه . 9- أخيرا يصل ليويس لنظريته الجوهرية
المثيرة : الفرق بين الإسلام والغرب هو بالضبط عين الفرق بين الموسيقى
العربية والموسيقى الغربية : الپوليفونية . 10- فى الإسلام لا يوجد سوى صوت واحد ، ولا
يمكن أن يسمح بوجود غير صوت واحد . 11- افتقاد المسلمين للحس الپوليفونى يرجع أساسا
لغياب إحساسهم بالزمن أصلا . والسر هو الغياب الطويل لأدوات دقيقة لقياس
الزمن ، وأدق تقسيم معروف لديهم للنهار هو مواقيت الصلاة . 12- تعدد الأصوات فى الغرب لا يعنى مجرد السماح
بالاختلاف أو حتى مجرد الهارمونية بين العناصر ، بل السماح بالتراكب البناء
بين حقول جد متباعدة كالرياضة البدنية والأدب والعلم ، وغائيا
السياسة . رائع مستر ليويس ، انتهت ورطتك لنا إلى نوع من
الخيال العلمى : توجيه تفكيرنا لأحد الخيالات المستحيلة : أن يصبح
المسلمون متقدمين ‘ پوليفونيين ’ يوما . فى المرة القادمة نتوقع كتابا أكثر إسهابا وتعميقا
لهذه الأفكار الملهمة تأكيدا ، لهذا الكتيب الصغير لكن الممتع والوضاء بكل
المقاييس . بالذات ما يخص منها الحالة التركية ، وكيف أمكن لها التخلص
من الإسلام ، أو لو أنها لم تتخلص منه فقل لنا كيف ( حتى كتابك السابق
عنها لا يشفى غليل السؤال ) . لعل هذا هو الجزء المضطرب نسبيا فى
كتابك . أيضا تعليق يخص أن نقيض الطغيان ليس الحرية إنما العدالة ( أو
بلغتنا الدارجة كعرب العدل أساس
الملك ، وليست الحرية ، ويا لها من بوابة
جهنم حقا تلك المقولة ، لم يولها الليبراليون العرب من قبل ما تستحقه من
تأمل ! ) ، ملحوظة خارقة الذكاء ، لكنها تخص الثقافة
العربية لا الدين الإسلامى ، وإن كان له دوره فى تفاقم المشكلة ،
فعامة كل ‘ دين ’ هو نفى
للحرية حتى من قبل أن تغادر الكلمة المعجم !
وبعد : ماذا ذهب
خطأ ؟ … الإجابة سهلة : لا
شىء ! كل شىء كان خطأ من الأصل . سيدى ، المسيحية واليهودية
أديان بشعة لكن فى نهاية المطاف يمكن علمنتها ، بالذات لو خرجت خارج
الدائرة المسماة بالسامية ، حيث البشر مصممون چيينيا كقطاع
طرق وليس كبنائين . اليهود لم يبرأوا من داء السامية التى تزين لها
السماء الحق فى سرقة ذهب المصريين وقطع الطرق على وجهاء قريش ، كلاهما باسم
الوحى الإلهى ، لم يبرأوا منه إلا بعد ألفى سنة من الشتات فى محارق بلاد
الصقيع كما أسميناها فى استهلالية صفحة الثقافة ، واكتساب طباع غير
الطباع ، وسمات غير السمات كهذه التى أفاض فيها المعلم أرسطو فى هذه الشعوب
الانفعالية الغيبوية الجاهلة . أما الإسلام فهو الدين الأمثل ، الدين
الذى وصل لغاية مراد لدى شعوب الرعى ورى الحياض الكسول قاطعة الطريق هذه ،
ومن ثم الدين الذى لا يمكن لمن أصيب به الشفاء منه . إنه دين محاك ببراعة
حتى يصبح كلى الإزمان ، والأدق كلى العلاج لدرجة العبقرية للداء الچيينى
المتسشرى فى عروق تلك الشعوب : 1- الإله كلى الجبروت منيع بعيد
لا سبيل لاختباره . اليهود يعنيهم فى يهوه مدى ولائه للقبيلة ، ولو كل
تقاعس عن أداء وظيفته ألقوا به عند أول ناصية . المسيحيون يعنيهم فى الرب
محبته ، ولو وجدوا فى الأرض ما يعطيهم ذات الأمان ( كالجنس مثلا )
لهرعوا إليه . أما الله فليس بيدك حيله تجاهه ، لا تستطيع أن تجربه أو
تفاوضه أو تساومه ، هو فقط يريد الإنصياع المطلق بلا ذرة من العقل أو ما
يسميه هو ‘ الإسلام ’ . قارن هذا بآلهة الإغريق التى اخترعها
البشر للفعل التكيفى العكسى بالضبط لما اخترعوا ‘ الله ’ كلى الجبروت
من أجله ، ألا وهو أن اخترعوها كى يهزأوا بها ، ستعرف السبب مستر
ليويس ، فى لماذا حضارتنا المعاصرة المعتمدة على الابتكار العالى ،
حضارة غربية ، ولا يمكن أبدا أن تكون إسلامية ! 2- الأنبياء منزهون فى
الإسلام ، أضاحيك فى غير الإسلام . واحد من أبرع التزويرات التاريخية
شطب كل خطاياهم وفضائحهم السلوكية المشينة . التناقضات الداخلية فى الدين
تم اختزالها لأدنى مدى ممكن ، وكيف لا بعد كل ذلك التراكم من خبرة القرون
فى تصنيع الأديان وبيعها للناس . ( ارجع لما سبق وقلناه بعيد 11 سپتمبر من أن الإسلام
الصحيح أو الإسلام الواحد أو الإسلام الخالى من التناقضات هو فقط إسلام
التكفير ) . 3- الإسلام يمتلك من الإنسان 24
ساعة من يومه . خمس صلوات ، وما بينها ‑فى الصحو أو المنام‑
ليس سوى هواجس الحلال والحرام والجنة والنار . كل الفجوات التى غفلت عنها
الأديان السابقة تم تلافيها بالكامل هنا . لا فكاك ، ولا مجال للعلمنة
أو إعمال العقل ، إلا بقوة خارجية باطشة تفرضها على الناس لقرون وقرون بلا
ذرة من الوهن ، ذلك حتى يتم استئصال الدين من چييناتهم . فى الغرب
كلمة جامع Universal تعنى كونى من Universe ،
أو بالأحرى تعنى جامع لأنها رفض تاريخى شهير لكلمة كون Cosmos القديمة المعتمدة نسبيا من
الدين . منها اشتقوا كلمة الجامعة University أى مكان البحث والتعليم . فى بلاد الإسلام الجامع هو مكان تجمع
الناس للصلاة . كم هو ضيق حقا عالم هؤلاء المسلمين ! [ ولاحقا قال الأديب الفرنسى ميشيل
هووليبيك إن أزمة الإسلام الحقيقية تتلخص فى أن الحور العين موجودات بالفعل فى
فنادق تايلاند ] . 4- الكليروس فى كافة الأديان
لديهم إحساس ما بالدونية ، بالذات نحو أنهم لا يفقهون شيئا فى العلوم
الدنيوية . رابيات إسرائيل أو مستوطنيها الأرثوذوكس يتركون للعلمانيين
أمثال رابين ونيتانياهو وشارون شئون الحكم ، ولا يخرجون قط عن ملعبهم الخاص
ألا وهو بالدعوة للتمسك بشعائر الدين ، بل ولا يطمحون حتى لمناهضة المثلية
الجنسية أو تجارة الجنس . نفس الشىء عن الكنيسة الكاثوليكية التى نفضت طموح
الحكم منذ قرون طويلة ولم تعد تفكر فى أكثر من تلك الأهداف التحتية الخبيثة
الصغيرة . فى الإسلام المقصود بكلمة العلم علوم الفقه . والمقصود
بالعلماء وأهل العلم علماء الدين . وهم فوق جميع البشر بنص القرآن .
العلم الدنيوى غير معترف به أصلا . كل كلامنا اليومى ضد هذا النوع من
العلم ، بدءا من ع البركة وإنشاء الله وتوكل على الله ، مرورا بمعلهش
وكبر دماغك ، وانتهاء حتى برمضان كريم وكل سنة وأنت طيب . كلها تقال
عادة بمعنى واحد ، أن لا حاجة ماسة لفعل الشىء الصحيح أو فعل الشىء بالدقة
الواجبة ، لا لشىء إلا لأنه صعب . الإسلام دين عالج كل فجوات الأديان
السابقة ، ومن ثم هو دين يستحيل الشفاء منه ، أو بالأحرى ما الذى يغرى
المرء بالشفاء منه . سيدى : العلم الدنيوى بدعة ، وكل بدعة
ضلالة ، وكل ضلالة من الشيطان ، وكلها مصيرها إلى النار . القرآن
به كل شىء ، وأن أحرقوا جميع الكتب كما قال عمر بن الخطاب لعمرو بن
العاص ، عندما استشاره فى شأن مكتبة الأسكندرية ، أو ما شابه . پروفيسور ليويس ، أنت تعتبر
عصر المأمون ( بتاع ترجمة الكتب وتأسيس دار الحكمة …إلخ ) هو العصر
الذهبى للإسلام . اسمح لى بتصحيح بسيط : هذا هو العصر الذهبى لانتقاص
الإسلام ، إذا ما استعرنا تعبيرات الأصوليين . المأمون هذا قال إن
القرآن مخلوق . المأمون هذا كان يدفع وزن أى كتاب مترجم ذهبا ، وطبعا
لم يكن يقرأ القران ، كان يقرأ أرسطو . وبديهى أن لم يدم عصره من بعده
بالمرة . سيدى ، العصر الذهبى للإسلام ليس عصرا واحدا ، إنما
عصران : عصر محمد بن عبد الله ، وعصر أسامة بن لادن ، كل ما
بينهما إسلام منقوص كما يقول الأصوليون عن حق . سيدى الفاضل ، الإسلام
الكامل هو فقط إسلام استرقاق واستحلال كل العالم ، الإسلام الذى ينهى
أتباعه ‘ خير أمة أخرجت للناس ’ عن تلويث أيديهم بالشغل كما قال ابن
العباس فيما جاء فى تفسير القرطبى لآية الإسلام المحورية جدا ‘ عن يد وهم
صاغرون ’ ، التى تماثل فى المسيحية ‘ من لطمك على خدك
الأيمن ’ وتماثل فى اليهودية ‘ العين بالعين والعين
بالسن ’ ، مع فارق أن الأولى بتقنينها الاسترقاق والاستحلال هى الأكثر
تعبيرا إطلاقا عن العقل السامى وكيف اشتغل ويشتغل منذ سرق موسى الذهب حتى سرق
ناصر القناة ! ( لعلنا نحيلك فى هذا الشأن لكثير كتبناه فى تذييل الدراسة الرئيس لما نسميه صفحة
الثقافة ، أو عامة للدراسة كلها ) . سيدى ، فى كل هذا لا نأتى
بشىء من عندنا ، لا نفترئ ولا نبرر ، لا نشوه ولا نجمل ، لا
نتفاءل ولا نتشاءم ، بل حتى لا نشجع ولا نثبط من جهود أى أحد للإصلاح
الدينى أو غير الدينى ، وطبعا لا نتعمق مثلك فى دراسة الدين
الإسلامى . فقط نكرر ما نسمعه عرضا أو رغما عنا من حين إلى آخر مما يقوله
دعاة الإسلام فى تليڤزيوناتنا وميكروفونات مساجدنا ، وننقله أليك كما
هو دونما تزويق . صدقنى 1- أنهم لا يكتفون بقول هذه الأشياء ، بل
يتفاخرون بكل كلمة قلناها هنا منها ، سواء عن صفات الله أو رسله أو كليروسه
أو مؤمنيه ، 2- أنهم يجمعون على نفس الكلام فى كل مكان وكل زمان ولم يحدث
قط أن وجدنا من يشذ عنه ( إلا طبعا واتهمه الجميع بالزندقة ) . پروفيسور ، هل عرفت الآن What Went Wrong? ، أو اختصارا هل عرفت WWW? ؟ حتى ذلك الحين دعنا نستقبل كالعادة ردودا تعظنا
بملايين الآيات ( وتهمل عمدا الملايين الأخرى التى تدحضها ) ،
لكن المؤكد أننا لا نتوقع قط ردا واحدا مستمدا من حقائق الواقع والتاريخ التى
حدثت فعلا ، وتتجاوز حدود الكلام فى كلام يساوى كلام تربيع . السلامو
عليكو ! اقرأ مقال النيو يوركر … اقرأ مراجعة
النيو يورك تايمز للكتاب … اكتب رأيك هنا … [ بقية هذا المدخل الخاص
بالپروفيسور ليويس والمعنونة ‘ خبرة ’
شخصية عن ‘ ويندوز XP ’ ، كانت مناقشة لمفهوم الحرية فى
الإسلام ، ورأينا أنها قضية علمانية عامة ، ومن ثم نقلت فى 31 مارس
2004 لتصبح جزءا من نواة الصفحة الجديدة ‘ العلمانية ’ ، ويمكنك الرجوع له
فيها ] . 7 فبراير
2002 : طرح اليوم ديڤيد بلانكيت سكرتير البيت البريطانى ورقة بيضاء
بعنوان حدود
منيعة وملجأ آمن . الورقة تتكون من 136 صفحة ، وتطرح تعديلات
واسعة النطاق على قوانين الهجرة تهدف لضمان ولاء وانخراط المهاجرين فى قيم
المجتمع البريطانى العصرية والديموقراطية . سيمر المهاجرون باختبارات للغة الإنجليزية .
هذا الاختبار يعادل الشهادة الثانوية GCSE ، ولا يسمح بالبقاء
أصلا لمن هم دون المستوى الأول ، ومن يبقى عليه اجتياز المستويات الخمسة
خلال عام . ولعل أهم التعديلات جميعا على الأقل من زاوية
تاريخية ، هو ما يخص قسم الولاء للملكة الذى أضيف له عبارات توضيحية تتعلق
بالقيم والعادات البريطانية والانخراط فيها . ومن اللافت أيضا أن لم تعد
كلمة ‘ أقسم بالرب الجبار ’ swear by Almighty
God إجبارية ،
بل أتيح بدلا منها صيغة علمانية هى ‘ أيقِّن بقدسية وإخلاص ’do solemnly and sincerely affirm . رأينا الشخصى أن كل هذا لا يعدو كونه أمورا
شكلية ، ولن يغير من العقلية المتخلفة أبدا ، ناهيك عن العقول
التآمرية المؤمنة بمبدأ التقية . ومرة أخرى الحضارة لن يحميها سوى سد
الطريق أمام عبيد بهذا المستوى لا سيما لو كانوا متدينيين ، وطرد الموجود
منهم فعلا على أراضيها . والبديل الوحيد الآمن هو التقنية ، ولو لم
تنجح ، فالحل هو المزيد من التقنية . نعم أنت على حق قلنا هذا مرارا
وتكرارا من قبل ، ولن نمل منه حتى نموت ! اقرأ ملخص التايمز اللندنية للورقة البيضاء حدود منيعة
وملجأ آمن … اقرأ ملخص تصريحات ديڤيد
بلانكيت … اقرأ نص قسمى
الولاء الجديد والقديم … اقرأ تفاصيل
المنهج التعليمى … اكتب رأيك هنا [ تحديث : 8 فبراير 2002 :
ردود أفعال سريعة وكاسحة على ورقة بلانكيت البيضاء . الرأى العمومى ولا
سيما الجناح اليمينى فى المجتمع البريطانى ، رحب بالورقة لكن وصفها كما
فعلت التايمز
اللندنية بأنها مجرد بداية . الجناح اليسارى يتحفظ على أى شىء كالعادة
دونما مبررات مفهومة . أما رد الفعل الغاضب فقد جاء كالمتوقع من جاليات
القارة الهندية ، وفى طليعتها المسلمون بالطبع ، الذين أعلنوها حربا دينية
ما بين بلانكيت وبينهم . أما غير المتوقع أنهم تركوا كل شىء فى الـ 136
صفحة ، وكأنها لا تخصهم ، أو كأنهم لم يقرأوها لأنها طويلة ، أو
لأنهم لم يقرأوها لأنهم لا يقرأون الإنجليزية أصلا . وأغاظتهم من كل هذا
كلمة واحدة فقط لبلانكيت فى مؤتمره الصحفى يدعوهم فيها للزواج من داخل بريطانيا ،
بالأخص من بنات لغتهم الأصلية ، بدلا من الزواج الملفق sham marriage من البريطانيات البيضاوات ، والذى يتلوه بعد الحصول على تراخيص
الإقامة أو الجنسية ، الطلاق واستقدام زوجات بترتيب الأهل أقرب للإماء منهن
للزوجات ، أى ذلك الزواج المعمى الذى يعرفه جميعنا فى قرى العالم
الثالث . ببساطة هؤلاء على استعداد لتعلم الإنجليزية والحاسوب والهندسة
الچيينية والقسم بمجرد الكلمات على الولاء لپاپا روما حتى ، فكلها جهاد
وتقية ، لكن شيئا واحدا لا يسمحون للقوانين بأن تنتزعه منهم ، إنه أعز
ما يملكون فى حياتهم اليومية الواقعية المعاشة : التخلف ! مرة أخرى : ما تفعله مستر
بلانكيت ليس حلا لأى شىء أصلا ] .
[ تحديث :
12 مايو 2002 : وزير أخر ، موضوع آخر من الصنداى
تايمز اللندنية ، ثورة غاضبة أخرى من مسلمى بريطانيا . والموضوع مرة
أخرى لا قيمة جوهرية أو غير جوهرية له ، مجرد ‘ زوبعة فى فنجال ’
كالعادة . پيتر هين وزير أوروپا يقول إن انعزالية المسلمين هى سبب التطرف
فى المجتمع البريطانى ، سواء تطرفهم هم أنفسهم ، أو سواء تطرف
العرقيين البيض ضدهم . ماذا تريد يا سيدى ؟ هل تريد منهم أن يندمجوا ؟
هل أصبح الإندماج الصرعة الجديدة للمسئولين البريطانيين ؟ الاندماج كارثة أسوأ من كارثة عدم الاندماج .
هل تعرف ما معنى هذا الاندماج فى الإسلام ؟ إن معناه كلمة واحدة :
الدعوة ! يا وزير أوروپا ويا كل أوروپا ،
الحل بسيط جدا قلناه يوم 11 سپتمبر
المشهود ، وقلنا أن لا حل دونه
إلا فناء الحضارة الغربية : من لا تثبت علمانيته بأصرح صورة قاطعة
ممكنة ، عليه أن يرحل أو أن يقتل ( السجن ليس حلا ، ومايك تايسون
ليس الوحيد الذى عرف الإسلام من خلال السجون ‑انظر صورته المفضلة عندنا والمثيرة
للفضول هنا . هل نسيتم أين
كانت المدرسة الأساس للطالبانيين الأميركيين والإنجليز ؟ ) . عدا
تلك الحلول الجذرية ستنهار روما عاجلا أو آجلا تحت وطأة القصف بجحافل العبيد
المتدينين . موقف العصابة إياها بتاعة حقوق
الإنسان لا يتغير أبدا حتى لو انمحت كل قارة أميركا من ع الخريطة ، وأوروپا
كمان . ما هو ده هدفهم . موش ‑وانت الراسى‑
شيوعيين ؟ بيقولوا كل دى إشاعات ، وعدد المهاجرين مرة أخرى : ما تفعله مستر
بلانكيت ‑عفوا ، أقصد مستر هين‑ ليس حلا لأى شىء
أصلا ] . 16 فبراير
2002 : المسلمون
أشد أمم العالم تخلفا
ورجعية وضعفا وفقرا وجهلا ومرضا . حاشا للسماء هذا
ليس كلامنا ، إنما كلام كويس جدا ، لكنه ليس الحل . السبب أنه
أسمى اكتساب العلم الغربى ‘ الجهاد الحقيقى ’ . طبعا مبدئيا سيفزع الكثيرون ويبحثون عن علاقة مؤكدة
لمشرف بالموساد ومؤامرتهما الجديدة المشتركة على الإسلام ( لحسن الحظ نسبيا
أنه كان رحيما بالسامعين ولم يفضل مثلى المقارنة
باقتصاد إسرائيل وجامعات إسرائيل ، ناهيك بالطبع أنه كان رحيما ، ولم
يقل أن أساتذة الـ 430 جامعة لا يمكن أن ينتقى من بينهم من يكفى لتكوين جامعة
واحدة بالمستوى الياپانى أو الإسرائيلى ) . لكن السادة
‘ المعتدلين ’ سيقولون بهدوئهم المقزز المعتاد : لا بأس ،
الرب هو الذى خلق لنا العقل ، ونحن لسنا ضد العلم . ربما لن يقولوا
إنهم طالما احترموا وسيحترمون علم وتقنية الغرب ، فقط لحاجتهم الماسة إليها
فى أچندة قهر الغرب وإسرائيل وتركيعهما كأهل ذمة . لكن حتى لو افترضنا جدلا
أنهم لا يريدون العلم إلا لمجرد رفع المستوى المعيشى لأمة العرب والإسلام ،
فإن الإبقاء على الدين سيفرغ عملية اكتساب العلم من محتواها . إذا كان الله
مقدسا ، فإن كل كلامه مقدس . وإذا كان كل كلامه مقدسا ، فإن
الانشغال به 24 ساعة يوميا مقدس أيضا ، وهلم جرا حتى نصل لما يسميه
الطالبان بالإسلام الصحيح . كيف تريد من الناس التفكير ، وفى نفس الوقت
تعطيهم مقدمات لا يمكن إن فكروا إلا أن تفضى لهذه النتائج المعادية لكل ما
قصدت ، بل ومعادية لمجرد التفكير نفسه ؟ دون إقلاع عن أى مغازلة
للمفردات الدينية ، وتحديدا الإقلاع عن الدين كله بكامله برمته وبكل توابعه
وتبعاته ، لن يجدى أى شىء . إن العلم والدين لا يجتمعان ، والاحصائيات تقول إن المؤمنين بإله ‑مجرد
إله ، إله نظرى يستحق بعض الاحترام ، وطبعا ليس آلهة الأديان الثلاثة
المتجلاة المضحكين‑ هم 7 0/0 فقط من علماء القمة فى
أميركا . التفسير سهل للغاية : الابتكار والتقديس هما نقيضان من حيث التعريف اللغوى
أصلا . على بلاطة ، سيدى الچنرال ، ومع كل
احترامى : إن سكين العصر الحجرى
والمحرك البخارى ، ولا نقول الذكاء الاصطناعى والهندسة الچيينية ، هى
شرك بالرب . لأنها ببساطة مزاحمة له فى وظيفته الأساس وهى الخلق ،
ناهيك عن كونها مستوى من الخلق أفضل بكثير ، يجعل منا الآلهة الأفضل ،
ويسفه خلق الرب ويظهره كفشل ذريع ومتواصل وليس أكثر ! سيدى ، لا أحد يشك فى علمانيتك أو فى نواياك
أو طموح مشروعاتك أو طبعا فى شجاعتك الرائعة ، لكن كما نقول عادة أى حيود ‑أو حتى رغبة فى التدرج فى التطبيق‑ ولو
بنسبة 1 0/0 عن مشروع الاستئصال الاجتثاثى الأتاتوركى
المطلق للدين ، يساوى بالضبط الحيود بنسبة 100 0/0 .
النتيجة واحدة : إنجاز لا شىء على الإطلاق ، صفر 0/0 .
هذا ليس فرضا أو تحريضا أو حتى تشاؤما . إنه فقط
بديهية أكدتها يوميا قرون من الواقع العملى فى كل ركن من أركان هذا
العالم . اكتب رأيك هنا 20 فبراير
2002 : هذا بعض مما ذكرته 30 أپريل
2002 : يجرى اليوم الاستفتاء على الچنرال
مشرف رئيسا للجمهورية الپاكستانية لمدة خمس سنوات قادمة ( كتبنا الكثير عن
مشرف من قبل أعلاه ، مثلا هنا وهنا ) .
هل تعرف ما هو برنامجه المعلن جهارا نهارا خلال الحملة الانتخابية فى الأيام
الماضية ؟ إنه ببساطة تعريف جديد لكلمة زعامة : 1- خصخصة شاملة لكل الاقتصاد ( يعنى شغيلة
بالملايين فى الشوارع ) . 2- مجلس للأمن القومى على الطراز التركى ، كلى
السلطات ويسيطر عليه الجيش ( يعنى باى باى إسلام ) . 3- تعاون أمنى وعسكرى صريح وواسع النطاق مع أميركا
لمكافحة الإسلاميين ( قل لى بأى عرف عند عباقرة السياسة يستقدم أول طلائع
للقوات الأميركية فى الأسبوع السابق على الاستفتاء . يعنى ما كانش قادر
يستنى كام يوم قبل ما يقول للناس إنه ناوى يرجعهم مستعمرة ؟ ) . 4- پرلمان مدة دورته ثلاث سنوات معدوم الصلاحيات
( ما الحاجة لپرلمان أصلا ؟ منذ متى يفهم الپرلمانيون أى
شىء ؟ ) . 5- بدلا من نص الدستور الحالى على أن يختار
الپرلمان الرئيس ، سيكون هناك دستور جديد يمنح الرئيس سلطة حل الپرلمان
( كل الكلام ‘ على ميه بيضة ’ زى ما أنت شايف ) . 6- رئيس الجمهورية بالاستفتاء ( حتى لو قال
الدستور الحالى 7- لو جاء الاستفتاء بنعم فسيسعى لمدة خمس سنوات
أخرى ( يعنى يستفتى الناس على 10 سنوات سلفا وإلا بلاش ) . 8- سيقبل بنتيجة الاستفتاء لو جاءت بنعم
( وافهم أنت الباقى ! ) . حكامنا العرب الضعفاء معدومى الرؤية أو حتى الشخصية ،
يا من تنقادون كالحملان الوديعة ، وكلكم سعادة وزهو ، وراء شعوبكم
المتدروشة الجاهلة ، فقط كلمة واحدة محبوسة فى صدرى وأريد التفريج عنها
فورا : لا تعليق ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : 2 مايو 2002 : هذه
هى النتيجة طبقا للأرقام النهائية : تصويت بنسبة 56 0/0 .
رقم قياسى جدا . إجابة بنعم بنسبة 98 0/0 . رقم
أكثر من قياسى جدا ، بالذات وأنه لا يأتى من بلاد ناصر وصدام والأسد ،
إنما فى بلد طالما مزقه الصراع الحزبى ما بين القوميين والإسلاميين على كعكة
الفساد . الأكثر إذهالا أن فاق الرقمان أكثر توقعات مشرف نفسه
تفاؤلا ! لمن يهمه الأمر
لا نملك سوى القول : إن الشعوب لا تريد أن تقود زعماءها ، إنما تريد
منهم هم أن يقودونها . فقط حيدوا قوى الديماجوچية المعاكسة للحضارة
( وطبعا لا تكونوا أنفسكم ديماجوچيين تسيرون عكس الحضارة كما الكولونيل
ناصر ! ) وستقول الشعوب كلمتها . اليوم أثبت الشعب الپاكستانى
حسه الناضج ، ولم يختطفه الإسلاميون إلى مصير لا بد وأن تمطر فيه السماء
قنابل نووية هندية لا قبل لپاكستان بالرد عليها وسوف تمحوها حتما من
الخريطة ، كما فعل عندنا أصحاب بوتيك الانتفاضة بشعبهم . للمرة
الألف ، يا من تابعنا مسيرتك من بدايتها بكل
الإعجاب : براڤو مشرف ، وتمنياتنا للشعب الپاكستانى صلب الإرادة
حضارى التوجهات بتحقق كل آماله فى مستقبل حداثى كبير ] . 9 مارس 2002 :
هل تذكر كلام پرڤيز مشرف عن تخلف
المسلمين . كرره اليوم
على نحو شبه حرفى رئيس الوزراء الماليزى مهاتير محمد مع ذلك لا
نريد أن نخدعك عزيزى القارئ بالإيحاء بأن مهاتير هو مشرف آخر ، لمجرد خلق مفارقة طريفة أعلى الصفحة بوضع ذات الاقتباس مرتين
مع تغيير اسم القائل . كلا وألف كلا ، فمحور خطاب مهاتير دائما أبدا
ليس التحديث ‘ الأعمى ’ على النمط الغربى المطلق كمشرف ( أو كالقلة
الأخرى ممن يفضلون التقليد الأعمى ، وعددهم لا يزيد على أية حال عن بضعة
بلايين محدودة من البشر ، زى ألمانيا الياپان الصين الهند ) . بل
منطلقه الأساس هو دائما أبدا ‘ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة … ترهبون بها
عدو الله وعدوكم ’ ، وهو مستاء مما يسميه ‘ مذبحة ’ جنين
قدر استياءه ‑بل بالأحرى هو سبب استيائه‑ من كل هذا . وتاريخه
حافل بنقد الغرب والتذمر من الجلوبة …إلخ . لذا نحن مضطرون لإحالتك لصفحة الثقافة مرة أخرى لتقرأ أن النصر هو الاستسلام ،
وأن اكتساب التقنية هذا الذى يحلم به مهاتير لن يتأتى قبل القضاء الكامل على
الهوية الإسلامية والدينية نفسها وبرمتها فينا ، وأن لا تقنية دون تفتح
العقل تفتحا شاملا شاملا شاملا ، بما فيه عرى النساء وجنس البنات
الحر ، وكل ما يخطر أو ما لا يخطر لك ببال فى عالمى الحاضر والمستقبل .
ناهيك أن كل هذا الكلام هو فقط عن ‘ اكتساب ’ التقنية ، أى
اللهاث وراء ما يخترعه الغير من تقنية . أما حكاية ‘ وأعدوا لهم ما
استطعتم من قوة … ترهبون بها عدو الله وعدوكم ’ ، فلا يكفى فيها
اكتساب التقنية ، بل اختراعها ، أى أن تصبح أنت نفسك
‘ الحضارة ’ ، والآخرون هم ‘ المكتسبون ’ . هذا
هراء لن يحدث كما تعلم ، والمتواضعون من أمثالنا ممن يعرفون قدر
نفسهم ، أقصد يعرفون قدر چييناتهم ، يعتبرون مشرف نجم النجوم بالنسبة
لهم ، وشعارهم يختلف فى حرف واحد ‘ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة … ترغبون بها عدو الله
وعدوكم ( حتى يضمونكم إلى ذيل قافلتهم ) ’ . إلى أين سوف
يؤدى الخطاب الجهادى ‘ العصرى ’ للسيد مهاتير ببلده ماليزيا ؟
فقط نأمل أن لا يثور بعد قليل حسدا على پاكستان الكافرة ، كما هو الحال
الآن مع ثورة كل المسلمين على تركيا السباقة إلى كل الخيانات . للمرة الألف : شكرا
مشرف ، لأنك الوحيد تقريبا فى عالمنا المعاصر الذى يجعل لما يكتب فى هذا
الموقع معنى ، أو أكثر قليلا من أن يكون مجرد تهاويم يقظة سائبة لواحد من
الحالمين من مصر . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 2 يونيو 2002 : الكل
–الأمم المتحدة ، الولايات المتحدة ، المملكة المتحدة ،
أوروپا ، روسيا ، الكل‑ يسحب رعاياه من الهند والپاكستان ،
وكأن الحرب النووية واقعة لا محالة . الإسلاميون قرروا أن الإسلام لم يعد
ورقة رابحة هذه الأيام ، واكتشفوا أن ورقة الوطنية –أى كشمير‑ هى
الوسيلة الوحيدة لتركيع الچنرال . ورقة مراوغة ومحرجة حقا . لكن ماذا
عليه أن يفعل ؟ اقرأ الإجابة فى المدخل الخاص فى صفحة الإبادة ] . [ تحديث : 16 أكتوبر 2003 :
حرب تصريحات الكراهية استعرت من جديد فجأة اليوم : رئيس وزراء
ماليزيا ، چنرال فى الپنتاجون ، [ عرب أميركا ضد السيناتور
ليبرمان ] . وبعد ذلك الكل يصر أنه لا يوجد ما يسمى بصدام
الحضارات ، أو ما نسميه نحن صراع الحضارة ضد الدين ! علشان ما نضحكش عليك ، إحنا
بدأنا الموضوع هنا كمتابعة صغيرة لمهاترة صغيرة جديدة للشيخ مهاتير بن
محمد ، لكن الواضح إنه كبر لدرجة إننا نقلناه بسرعة ليكون بداية الجزء
الثالث من الصفحة ، فإلى هناك ! ] .
11 يونيو
2002 : بعد أن اعتقدنا أن مقال ‑أو ما بات الآن
كتاب‑ الصحفية الإيطالية أوريانا
فالاتشى ‘ الحنق والفخر ’The
Rage and the Pride بعيد أحداث سپتمبر بثلاثة أسابيع قد طواه النسيان ، اتضح اليوم
أنه أبعد ما يكون عن هذه الوضعية ، وأنه بات تفاعلا متسلسلا سيرج العالم
كله بعيد قليل . هذه كانت فضلا عن تبكيرها الشديد الأشرس إطلاقا فى مهاجمة
وفضح الإسلام والمسلمين ، لكنها قبل كل شىء كانت بالإيطالية ولم تجد صدى
دوليا يذكر . عمم الكتاب فى 3 أكتوبر 2001 فى صورة مقال مطول ذى أجزاء موجه
لمحرر الكوريير ديللا سيرا التى تصدر فى
ميلانو . تربط فالاتشى بمحرر الجريدة فيروتشيو دى بارتولى صداقة قديمة
أقنعتها بالخروج عن صمتها الصارم الطويل بعد اعتزالها منذ عقد من الزمان .
ولعله توجه لها فى منزلها فى مانهاتان لإقناعها بهذا ليس لاعتبار الصداقة
وحده ، بل باعتبار أن كانت آخر كتاباتها ، والتى عممت فى جريدته عام
1991 عن حرب الخليج ، وكان آخر كتبها فى العام التالى عن الإسلام والحركات
الإسلامية بعنوان إنشاء
الله ( النص الأصلى للحنق والفخر فى الكوريير ديللا سيرا كان موجودا فى
هذا العنوان ،
لكنه رفع بعد فترة كسياسة التعميم المعتادة فى مواقع كثير من الصحف . تعريف
إيطالى بكتاب إنشاء الله هنا ) .
لم يحقق المقال ذات الضجة العالمية التى صاحبت
تصريحات بيرلوسكونى الشهيرة قبله بأيام ( غطيناها فى حينها فى صفحة سپتمبر ) ، ثم تدريجيا تصريحات
وكتاب الكثير من الأكاديميين ورجال الدين المسيحى فى أميركا وغيرها ، والتى
رصدنا كل المهم منها بعد ذلك فى هذه الصفحة المخصصة تقريبا لهذا الغرض . ورغم أن صارت النسخة الإيطالية للكتاب بعد ذلك على
قمة المبيعات وحققت أكثر من مليون نسخة ، ورغم أن الكتاب هو أعنف ما كتب
إطلاقا فى نقد الإسلام ربما عبر كل تاريخه ، إلا أنه من منظور عالمى ،
لم يكن ‘ الحنق والفخر ’ سوى زوبعة داخلية إيطالية ، لم يتابعها
أحد تقريبا خارجها . فقط : كل هذا بدا مختلفا صباح اليوم . اليوم ذكرت الواشينجتون
پوست أن جماعة فرنسية مناهضة للتميز العرقى تسعى لمنع تعميم الكتاب فى
فرنسا . كما نقلت الجريدة عن فالاتشى أنها لن تتردد فى مقاضاة هذه الجماعة
باعتبار العرقية ( racism ، أو العنصرية فى الترجمة العربية
الدارجة ) كلمة سباب ، وأنها صاحبة رأى حر لا أكثر ، ومن ثم
تعرضت للإهانة والضرر ( هل تتوقع أن تكسب الجماعة ، والخصم هو فالاتشى
المحاربة الأمازونية الفريدة المخضرمة ، والزمان هو ما بعد 11 سپتمبر
2001 ؟ ربما نعم فالمكان ليس كوكبنا ، إنما دنيا بدائية خارج كل
التواريخ اسمها فرنسا ! ) . بقليل من البحث اتضح لنا أنه خلال
الشهور الماضية قد جرت مياها كثيرة فى شبكة الإنترنيت . أهمها أن تطوع أحد
المواقع بتعميم ترجمة كاملة
للمقالات الأصلية للإنجليزية ( ننصحك بتسجيلها فورا ، لأنها على الأقل
رغم كل النية الحسنة تعد خرقا لحقوق النسخ ) . أيضا هناك الكثير من
المتابعات فى الصحف الإيطالية والفرنسية ، يمكنك تعقبها هنا
لو شئت . سوف نقدم لك هنا ملخصا لما قالته فالاتشى فى
مقالاتها الأصلية ، لكن مع ملاحظة أن الواضح أن النسخة التى صدرت ككتاب
بالإيطالية عن دار ريزولى ، ومن ثم بالفرنسية الشهر الماضى عن دار
بلون ، هى إعادة إعداد للكتاب . وعلى الأقل ترد بها عبارات أشد قسوة ‑لفظيا
وليس محتوويا‑ لم ترد فى المقالات الأصلية . من هذه مثلا قولها ‘ المسلمون يتكاثرون كالجرذان ’
و‘ يقضون معظم عمرهم مؤخراتهم مرفوعة فى الهواء . إنهم يصلون خمس مرات
يوميا ! ’ ( الواشينجتون
پوست ) . أو وصفها
لعهر سياسيى أوروپا التى تصفها بالمهرج الأهبل ، فى ممالأتهم للإسلام
والمهاجرين لأسباب انتهازية اقتصادية ، بأنه علاقة زنا بين أوروپا والعرب
تحت اسم الهوية المشتركة والتعدد الثقافى ( الحياة ،
الجريدة العربية اللندنية الشيوعية التى دشنت مقالها بعنوان لم يحظ بمثله مهدر
الدم سلمان رشدى نفسه ‘ أوريانا فالاتشى تختم حياتها المهنية بالكتابة عن
أحقادها على المسلمين ’ ) . ويبدو أن انتظار النسخة الإنجليزية
قد يطول حتى سپتمبر القادم موعد صدورها فى أميركا ، أيضا كما علمت
الواشينجتون پوست اليوم ، وإن لا يزال اسم الدار سرا بعد . لكن قبل هذا العرض لما كتبت لا بد من القول إن كل حرف فيما كتبت فالاتشى قد تطلب تأكيدا شجاعة
هائلة منها ، وإن ظل ‑فى رأينا‑ وصفها لأوروپا بالزانية التى
تبيع نفسها للعرب والمسلمين ، وفرنسا بأكبر دولة راعية للإرهاب الإسلامى فى
العالم ، هى أعلى إضاءات ممكنة لهذه الشجاعة الفذة ، ناهيك عن نفاذ
البصيرة المذهل فيها . ( نحن كتبنا كثيرا ومنذ سنوات
طويلة عن أوروپا كطابور خامس من
اليساريين فى جسد الحضارة ، وعن العاهرة
القبيحة فرنسا التى تستمرئ ما يفعله المتخلفون بجسدها ، لكن أى منها لم
يكن بذات القوة والفصاحة ، أو حتى التعميمات الأشمل لفالاتشى التى تساوى
فيها كل أوروپا بالوضعية الوضيعة المعروفة لفرنسا ) . - فى البداية تقدم فالاتشى وصفا مطولا وغاضبا
للغاية ، لمعايشتها لأحداث صبيحة 11 سپتمبر من منزلها فى مانهاتان ،
وهو مكان عزلتها الأثير فى السنوات الأخيرة . وفى ذروة هذا تقول أنها لو كانت مكان رئيس الولايات المتحدة لطردت على
الفور كل الأربعة وعشرين عربى ومسلم من الولايات المتحدة ، وبالطبع لا تعدم المبررات لتبنى خطوة جذرية كهذه .
( نحن كتبنا بنفس الغضب وطلبنا نفس الطلب
فى نفس يوم الأحداث ، ليس فقط لعرب ومسلمى أميركا بل كل الغرب –وإن
استثنينا تحديدا النكرانيين atheists الصرحاء‑ ولا شك أن تخليص الغرب من
العبيد المتدينين كان شعورا تشارك فيه الملايين ، إن لم يكن البلايين من
أنصار الحضارة عبر الجلوب فى ذلك اليوم . فقط هناك مشكلة تخص رقم الـ 24
مليونا . لعله مجرد غلطة ترجمة أو بصم typing . والمقصود هو فقط
2.4 . ومرجع الرقم هذه الندوة المعممة
هذا الأسبوع فى موقع مركز دراسات الهجرة ،
والتى تسخر من أكذوبة أن مسلمى أميركا 7 ‑وفى قول آخر 10‑ ملايين
كما يقول قادتهم من أجل الخداع السياسى والانتخابى . ولا شك بالطبع أنها
معلومات تعرفها فالاتشى جيدا بحكم إقامتها وسط يهودى نيو يورك . وطبعا أيا
كان العدد فهو لن يقلل من الخطورة الهائلة لوجودهم فى الغرب قط ، حتى لو
كانوا 24 ألفا فقط . فقط هو يسهل من حجم المشكلة ويشجع على اتخاذ موقف جذرى
منها كالتهجير ! ) . - تقدم أنشودة طويلة فى الإعجاب بأميركا التى تسميها
‘ تزاوج فكرتى التحرر والمساواة ’ . تشيد أولا بكفاءة عمدة نيو
يورك رودلفو چوليانى ، وتتباهى بكونه وسلفه فيوريييلو لا جارديا أعظم من تولى
المنصب ، يحملان سواء بسواء أسماء إيطالية . فى المقابل تدين فقط الصمت المريب لآل جور آخر
مرشح رئاسى للديموقراطيين . من هذا تدلف للحديث عن الروح الوطنية التى
تتفجر فى وقت الشدائد ، وتقارن بينها وبين إيطاليا المفتتة أقليميا
وحزبيا ، والتى تنعى فيها أن لا يرفع علمها مثلث الألوان ولا يهتف
باسمها ، إلا بواسطة غوغاء مباريات الكرة . - تقدم عرضا استثنائيا ‘ لآباء أميركا ’
المؤسسين ، أى رؤسائها الأوائل . تتحدث عن ثقافتهم وإجادتهم للغات
القديمة والحديثة ، وتذوقهم الرفيع للفنون والآداب والموسيقى ، بل أن
واحدا منهم هو فرانكلين جمع بخلاف كل هذا أن كان مخترعا وعالما فيزيائيا ذا أبحاث مشهودة فى
حقل الطبيعة الكهربية للضوء . وبالطبع تستنتج أن تلك الصفات هى التى أورثت
ولا تزال أميركا كل خصائصها الفريدة حتى اليوم . لم تنس المقارنة بينهم
وبين زعماء الثورة الفرنسية الدهماء الجهلة مارات ودانتون وسان چاست وروپيسپيير ،
وفقط نسيت الإشارة لأنهم جميعا كانوا بالضرورة علمانيين لا تشوبهم شائبة . - تسرد تاريخها الطويل مع تهمة العرقية ، التى
طالما رفعها فى وجهها ‘ ضباع ’ اليسار الإيطالى ، كلما انتقدت
شعبا أو طبقة أو عرقا متخلفا ما ، أو تلك الجماعات الإرهابية فيه ،
وأشهرها بالطبع فى تاريخ حياة فالاتشى ياسر عرفات ، التى تمثل مقابلاتها
معه تراثا مريرا للغاية ترويه بإقذع الألفاظ . وتتوقع أن يلاقى كتابها ذات
المصير من أولئك الذين شمتوا فى أميركا 11 سپتمبر يساريين كانوا أو
مسلمين . - تتحدث
عن المبادئ الليبرالية للغرب التى تتيح لها حب دانتى أليجييرى أكثر من عمر
الخيام ( ربما تعرف أو لا تعرف أن الأخير من أشد الناس كفرا فى نظر
الإسلاميين ) ، وتتيح لها المجاهرة بنكرانيتها ( atheism ، أو الإلحاد بالمصطلح
الدينى العربى ) ، وتتيح لها ارتداء ما تشاء ، وشرب ما تشاء من
الخمر ، وممارسة الحب مع من تقع فى هواه ، كل ذلك دون أن يأمر
‘ أبناء الله ’ ( هذه تسميتها للمجاهدين ) بقتلها لأنها
تخالف شريعة السماء . - تذكرنا
بموقفها الجرىء المؤيد للغزو السوڤييتى لأفجانستان ، أيام تغطيتها لمعسكرات ‘ المجاهدين ’
الأفجان . آنذاك لم تكف عن القول إن السوڤييت هم السوڤييت ،
لكن مع ذلك علينا أن نشكرهم على حمايتهم لنا بخوضهم هذه الحرب عوضا عنا ،
ضد جحافل العصور الوسطى التى تصيح الله أكبر مع كل طلقة مورتار . ثم تستطرد
فى الحديث عن مجازر الإسلاميين ضد أسرى الحرب كقطع الأطراف بالمناشير وما
إليه ، ليس فى أفجانستان بل فى كل مكان رأتهم يشنون الحرب فيه كبيروت
وغيرها . - إذا
سقطت أميركا ستسقط أوروپا . ستسقط الحضارة كلها . بدلا من أجراس
الكنائس سنجد المآذن . بدلا من التنورات القصيرة سنرى الشادور
( النقاب ) . وبدلا من الكونياك سنشرب لبن الإبل . - فرنسا
لا تعادى الإرهاب الإسلامى ( حتى الآن كنا نعتقد
أن موقعنا هو المكان الوحيد فى هذا العالم الذى يقول هذا
أو نحوه ) . كريستيان أماناپوور سألت
چاك شيراك فى السى إن إن أربع مرات عن رأيه فى الجهاد . فى المرات الأربع
تفادى الإجابة . - إيطاليا [ حتى الآن ] هى البلد الوحيد
الذى لم يعتقل فيه على أى ارهابى مسلم ، رغم أن مساجد ميلانو وتورينو تعج
بهم ينشدون بأعلى حناجرهم أشعار أسامة بن لادن . إننا نأوى أبناء الله حتى
لا يقال علينا ‘ عرقى ! عرقى ! ’ . - ليس
هناك ‘ ثقافتان ’ غربية وإسلامية . هناك ثقافة وهناك تخلف . عندنا هومر وسقراط وافلاطون وأرسطو وفيديا . عندنا روما
وتماثيلها وآدابها ومعمارها . عندنا الحب والعدالة التى نادى بها
المسيح . الكنيسة مارست القهر لقرون ، لكنها على الأقل لم تقمع رسوم
داڤينشى ومايكلأنچيلو ورافايللو ولا موسيقى باخ وموتسارت وبييتهوڤين ،
كما يفعل أبناء الله . - أنا حية لأنى أعالج فى المستشفيات الطبية التى
أعطانا إياها العلم الحديث . لو عولجت بالقرآن كما يقول الإسلام لكنت قد مت
منذ سنوات طويلة . - ‘ قديسو ’ اليسار لا يجرؤون على
قول شئ مما أقول . إنهم لا يتغيرون أبدا . - ظل البصاق يتطاير من فم عرفات حتى غطى كل جسدى
سنة 1972 ، وهو يحاول إقناعى أن الثقافة العربية أرقى من الثقافة
الغربية . رغم كل بحوثى لم أعرف فى الثقافة العربية إلا قرآن محمد وقراءات
ابن رشد لأرسطو ، ومهما كانت أفضاله كمعلم فهو : مجرد قارئ لأرسطو . - المسلمون ظلوا لألف وأربعمائة سنة ‘ يكسرون
كراتى ’ ( المقصود الخصيتان والكلمة ككل تعبير دراج تنقله عن أبيها
معناه القهر وتحطيم الإرادة ) باستخدام قرآنهم . المسيحيون لم يفعلوا
هذا بكتابهم المقدس ولا اليهود بتوراتهم . - حتى
بوش المسكين وافق على أكذوبة أن القرآن يدعو للسلام والأخوة والعدالة ،
وتجاهل بحمق أن الـ 24 مليون أميركى مسلم ( أو أيا ما كان الرقم
المقصود ) يدينون بالضبط بما يدين به أسامة بن لادن . يحرمون الخمر ويعدمون من يتناولها . ويؤمنون بأن المرأة
أقل مرتبة من الإبل ، لا يصح لها أن تذهب للمدرسة أو للطبيب أو للمصور الفوتوجرافى .
هذا لا يبدو لى لا سلاما ولا أخوة ولا عدالة . - لا شىء سيوقف الإسلام إن لم نتصدى به . بن
لادن يقول إن كل الكوكب يجب أن يكون مسلما ، وأن كل من يقاومه سوف
يذبح . اللادنيون الآن بعشرات الآلاف وموجودون فى كل العالم وليس فى البلاد
العربية وحدها ، وأشدهم شراسة هم الموجودون فى الغرب ، فى مدننا
وشوارعنا وجامعاتنا ومراكزنا التقنية . هذه الحملة الصليبية تنطلق ضدنا
الآن بدقة الساعات السويسرية يدفعها عقيدة وضراوة لا نظير لهما تاريخيا . - لا يمكن التعامل مع الإسلام . هذا أمر غير
وارد أصلا عند المسلمين . كل غربى يفكر فى التواصل مع العالم الإسلامى هو
واهم . إنكم لا تعرفون ماذا حدث عندما ذهبت للسفارة الإيرانية فى روما أطلب
مقابلة الخومينى ، بينما أضع طلاء أظافر أحمر على أصابعى ! لقد كادوا
يهمون بحرقى حتى الموت باعتبارى عاهرة . دعوا جانبا ما حدث لى بعد ذلك فى
مدينة قم نفسها عندما وصلت فى السيارة من طهران ، وأنا مرتدية ملابس الچينز
العادية ، وكل الفنادق ترفض قبولى لأنى امرأة . لقد كنت على وشك
التعرض لإطلاق النار على رأسى ، لولا أن أنقذنى السائق وآوانى فى قصر ملكى
سابق . هذا السائق كاد أن يقتل هو أيضا عندما اقتحم الملالى القصر يصرخون
بوجود رجل وامرأة غير متزوجين خلف أبواب مغلقة . ولم يكن من مفر لنا من
الإعدام إلا الزواج . لا أحد يمكن أن يعلم قدر آلام زوجة السائق وهى
إسپانية كاثوليكية ، وهى ترى زوجها يتزوج بأخرى . - نعم روما كانت تستمتع بالتهام الأسود
للمسيحيين ، ونعم المسيحيون ( رغم كونى غير مؤمنة ، اعترف بما
أضافوه للفكر الانسانى ) كانوا يستمتعون بحرق المهرطقين ، ولكن ما
يقوم به المسلمون من إعدامات جماعية فى ستاداتهم الرياضية المحتشدة بالمهوسين
دينيا ممن لا يكفون عن الصياح ‘ الله أكبر ’ ، لا يحدث قبل عشرات
القرون إنما يحدث اليوم . فى ستاد دكا انتهى إعدام 12 شاب وطفل حاول مساعد
أخيه الذى كان واحدا منهم ، بعشرين ألفا يتقدمون ببطء نحو الجثث فى وسط
الملعب ، ويحيلونها مسحوقا كما برجى مركز التداول العالمى ، وصوت
صلواتهم يعلو ويعلو بينما يتجولون فوق هذه السجادة الحمراء . هذه واحدة من
قصص كثيرة كدت أعدم أنا نفسى فيها ، كما فى المرتين اللتين زرت فيهما إيران
الخومينى ، كما فى المرة التى زرت فيها بنجلاديش مجيب الرحمن ( فى هذه
الأخير أنقذنى كولونيل انجليزى من فرقة الاغتيالات التى أرسلها الرحمن
ورائى ) ، كما فى المرة التى اعتقلنى فيها الفلسطينيون وظل
حبش ( هل تقصد چورچ ؟ ) مسلطا مسدسه على رأسى لمدة ثلث
ساعة . - لم
أقابل فى حياتى أى مسلم متحضر سوى البائس ذو الفقار على بوتو والعظيم الملك
حسين . ولكن علاقة هؤلاء بالإسلام لم تكن لتزيد عن علاقتى أنا
بالكاثوليكية . أقول ما أقول هذا ، وأعلم التهمة التى ستوجه لى ،
التهمة التى تجعل الجميع فى وداعة الأرانب :
‘ عرقية ! ’ . - لم يحدث أن أنشدت آڤا ماريا أمام قبر
محمد ، ولم يحدث أن تبولت على حائط مسجد أو تبرزت داخل منارة . أنا
اتعامل بحرص على ألا أخدش مشاعر المسلمين عندما أزور بلادهم ، حتى من خلال ملابسى
أو إيماءات جسدى . ذات صيف غطت
خيوط البول الصفراء لقافلة المسلمين الصوماليين ، الجدران الرخامية
لكاثدرائية المعمدان فى پياتزا ديل ديومو ، مدينتى الفلورنسية . وسدت
كتل البراز الضخمة أحد المداخل بحيث اضطر الكاهن لإغلاق الكاثدرائية
جزئيا ، وبينما كانت تنبعث من خيمتهم الروائح الكريهة وحناجر المؤذنين
المنفرة التى تصب اللعنات على أهالى هذا البلد الكفار ، راح بولهم وبرازهم
يختلطان بماء الوضوء فى الطرقات ( المذاق السيئ bad taste إحدى مواهب فالاتشى الأثيرة ! ) . رفعت الأمر لكل
المسئولين بمن بينهم وزير الخارجية فلورانسى الأصل . كانوا جميعا آذانا
صماء إلا لمطالب قافلة المسلمين الصوماليين المتوالية . ولم ينته الأمر إلا
بأن هددت الشرطة المحلية بأنى لا أخشى أية عواقب كما هؤلاء السياسيين ،
وأنى سأحرق الخيمة بنفسى فى الصباح التالى . فعلا انتصرت لكنه كان نصرا
أجوفا ، فالأمر تكرر وتكرر وبلا انقطاع فى كل أوروپا . - لا يبدو أن تجارة العقاقير والدعارة والتهريب
محرمة فى القرآن إذا ما استخدمت ضد مدننا الأوروپية . هؤلاء المهاجرين
عرفتهم بشخصى أمام كل معلم أثرى فى مدننا الإيطالية . ويساعدهم فى تمويل
هذا أموال المعونة الحكومية . بعضهم سبنى عندما مررت بهم . هذه المرأة
المسنة كان ردها سيئا للغاية . أحدهم لا يزال لا يشعر بخصيتيه حتى
اليوم . أنا وغيرى ممن احتجوا على هذه الممارسات غير القانونية فى مدننا
كان نصيبهم دوما السبة الكبرى : ‘ عرقى ! عرقى ! ’ .
لو تجرأ شرطى وطلب من أحدهم إفساح الطريق قليلا لمرور الناس كان من الممكن أن
يكون مصيره حفنة من العاهات المستديمة وسط صيحاتهم المتوحشة ‘ عرقى !
عرقى ! ’ . أنا أعرف الكثير من رجال الشرطة ممن استقالوا خوفا من
هذا المصير . - تورين
لم تعد تشبه أية مدينة إيطالية . إنها تشبه الجزائر أو دكا أو نيروبى أو
دمشق أو بيروت . فى ڤينيسيا اختفى الحمام من ميدان سان مارك ،
وحلت محله سجاجيد الصلاة . مبانى چنوه الرائعة التى تيم بها روبينز ذات
يوم ، فى روما قلعة السياسيين والپاپا الذى يحميهم ، لم يتبق سوى أن
يأوى قداسته هؤلاء المسلمين فى ساحة الڤاتيكان . وبعد ذلك تقولون
إننا بمنأى عن إرهاب اسامة بن لادن ، الذى يغدق بالأموال على هؤلاء
‘ الپروليتاريون ’ . وحتى لو لم يكن هذا صحيحا ، فإن مجرد
وجودهم إهانة سافرة لكل قيمنا التحررية . - الهجرة الإسلامية لإيطاليا لا يجب أن تقارن
بالهجرة الإيطالية لأميركا قبل قرنين ( كما يتباجح الساسة
اليساريون ) . أولا لأن هذه كانت هجرة قانونية جدا ومشرعة بترحيب كاسح
من الكونجرس . ولقد أخذ بلبى مشهد السباق من ذلك الفيلم لتوم كروز ونيكول
كيدمان ، فالمنتصر فقط هو الذى يحصل على الأرض ، والباقون يموتون جوعا
على الأرجح . ما أراه هنا هو
فقط وجوه شريرة مشوهة تطيح بقبضاتها فى الهواء لتخيفنا وتهددنا وتسلب
ثرواتنا . السبب الثانى أن أميركا قارة ،
وقبل قرنين كانت قارة غير مأهولة تقريبا ، ولم تكن تعج بالسكان
مثلنا . وكانت دولة حديثة العهد تماما ، ولم تكن ذات هوية متأصلة يمكن
أن تنتهك كما أوروپا المسيحية فى كل مبانيها وموسيقاها ( أيام الخيمة
الصومالية كان صوت الأذان يخمد معه أصوات أجراس الكاثدرائية ) . أنا تعلمت الفن من كاثدرائيات المسيحية ،
الديانة التى لم أعد أؤمن بها . ولا زلت أصيح تلقائيا Thank God! أو My God! أو Jesus Christ! ، رغم أنى لا أؤمن بأيهما قلامة
ظفر . وأحب جدا سماع أجراس الكنائس ، والتأمل فى أيقونات وتماثيل
ومبانى الكاثدرائيات ، وترديد التراتيل الدينية رغم أنى لا أومن بكلمة
واحدة مما فيها . إنها أشياء جميلة ، لا يمكن مقارنتها بالقبح الذى
يغلف كل ركن فى المساجد . كل الإيطاليون يتشاركون
هذه المشاعر والإحساس بالجمال فى التراث الكاثوليكى ، بمن فيهم بيرلينجر
نفسه الذى اعترف لى نفسه بهذا ذات مرة ( تقصد سكرتير الحزب الشيوعى
الإيطالى ) . السبب أنه تراث جميل جذاب . إنه أكثر جمالا حتى من
العمارة الدينية اليهودية والبيزنطية والپروتستانية ، لكن دون أن ننسى أن
مقابر الپروتستانت مفتوحة دوما للموتى من كل الأديان بمن فيهم أسرتى أنا
شخصيا . ( الحقيقة ربما ليس هناك نموذج أروع للكلمة الدارجة عندنا نحن
العلمانيين عندما نعرف أنفسنا بالقول ‘ ذو خلفية يهودية ’ أو
‘ ذو خلفية مسيحية ’ …إلخ ، من وصف فالاتشى وحبها الجميل هذا
لخلفيتها الكاثوليكية ) . ببساطة إن بلادنا أجمل من أن يكون بها مكان
لمآذن المسلمين ونقابهم وtheir fucking Middle Ages . أمنا
العذراء : أقسم لك بأنى لن أدع إيطاليا تقع فريسة لهم . - بعض
الساسة يزعمون أنهم لا يعرفون أين يختبئ المسلمون فى إيطاليا . أنا مستعدة
لإرشادهم لتلك الأماكن . - إنا إيطالية قح ، ولست كما يشيع هؤلاء
البلهاء عنى أنى أميركية . الواقع أنى رفضت عرضا بالجنسية من السفير
الأميركى تحت البند المسمى ‘ وضعية المشاهير ’ ( تذكر نص خطاب
الاعتذار وفحواه أن لها أم واحدة هى إيطاليا ، وليس غائبا عن ذهن أحد أن نبرتها الوطنية العالية هى بالأساس
التى حققت الشهرة الكاسحة لمقالها وكتابها ) .
أمى هى إيطاليا التى حارب أجدادى من أجلها وحاربت أنا نفسى ، واشتريت
بالمكافأة بعد تردد فى قبولها ، أحذية لى ولأخواتى حيث كنا نسير حافيات
آنذاك . أمى هذه ليست إيطاليا القبيحة الغبية المزدحمة الحالية ، التى
تعج بمن باعوا بناتهم فى بيروت حتى يظفروا بمصافحة نجوم هولليوود فى روما ،
ثم يهللون لأسامة بن لادن عندما يسقط برجى مركز التداول . إنها ليست
إيطاليا التى يتصارع ساستها ما بين نوعين من الفاشية : الفاشية وأعداء
الفاشية ( عبارة إينيو فلايامو الشهيرة عن الفاشيين
والشيوعيين ) . وليست إيطاليا التى يولع شبابها الجاهل بكل إرهابى حتى
لو كان أسامة بن لادن . انتهى هذا العرض الموجز جدا
لكتاب ‘ الحنق والفخر ’ ، لنقول فقط إن مواقف فالاتشى تنطلق من
موقف فكرى إنسانى ليبرالى عام أقرب للمثالية ،
يعادى الديكتاتورية وشن الحروب والانغلاق ويحب الجمال والفن والفروسية والمثل
العليا . هذه وسطية مؤكدة ، مع ذلك فهى تبدو أميل عادة للتصنيف فى
كيمين متطرف لمواقفها الجذرية ضد اليسار ، ولعدم تهيبها من الاتهام
بالعرقية فى مواجهتها للتخلف إسلاميا كان أو غيره ، وضد حركات ما يسمى
بالتحرر الوطنى كعرفات أو غيره الذين لا ترى فيهم سوى إرهابيين انتهازيين ،
وهم من اعتاد دوما اليسار الأوروپى الدفاع عنهم . إنها أقرب لمغامرة منها
لصحفية ، ولقاءاتها العدوانية الشهيرة مع الزعماء فى السبعينيات والثمانينيات
هى التى صنعت شهرتها ، وفى عالمنا العربى خلبت ألباب الملايين من القراء
عندما ترجمت جريدة أخبار اليوم فيما أذكر حواراتها مع القذافى والخومينى على
سبيل المثال ( لو شئت هذا هو الكتاب
الذى يضم 16 حوارا شهيرا لها ) . ربما آخر مقالاتها يعبر أكثر وبإيجاز عن هذه
الفلسفة ، وهو المقال الذى عادت به مرة أخرى فى 12 أپريل الماضى
( وكأن الإسلام الشىء الوحيد الذى يمكن أن يعيدها من اعتزالها
الطويل ! ) ، وعنوانه عن معاداة السامية اليوم .
المقال يحصر مظاهر معاداة اليهود فى أوروپا الحالية لحساب العرب والمسلمين
والفلسطينيين ، وتبدأ كل فقرة بعبارة ‘ يتملكنى العار من
… ’ . وبه إشارة عابرة لفتاوى قتلها من سائر أئمة المسلمين فى
أوروپا ، وترد على أبرزهم فى إيطاليا مستخدمة اللغة الإنجليزية وقاموسها
الزلق التقليدى Fuck You! . لكن المهم أنها فى المقال تظهر أنها تكره موسولينى بقدر كراهيتها لپول پوت ،
وتكره پينوتشيت قدر كراهيتها للقذافى ، وتكره شارون قدر كراهيتها
لعرفات . هذا ليس يمينا ! … موقعنا أيضا يكره پول پوت
والقذافى وعرفات ، لكنه يحب موسولينى
وپينوتشيت وشارون ( وأكثر منه نيتانياهو ) . هذا هو تقريبا
تحفظنا الرئيس الوحيد على ما سبق من آراء لميس فالاتشى . هناك تحفظ آخر يخص كلمتها العابرة عن إسهامات
المسيحية فى الفكر الإنسانى . أعتقد أنى سأموت قبل أن يخبرنى أحد عن بعض من
تلك الإسهامات ، فما أعرفه هو إسهام واحد لا شريك له ، هو عصور
الظلام . اقرأ ملخص الجارديان
للمقال‑الكتاب فى حين ظهوره … اقرأ النص الكامل لكتاب فالاتشى فى نسخته الإيطالية
الأصلية ( ربما غير متاح بعد ) … أو مترجما للإنجليزية … لسيرة
حياة أوريانا فالاتشى ( 72 سنة ) ببعض التفصيل اقرأ هنا … اكتب رأيك هنا [ تحديث : 26 يونيو 2002 : بالأمس
رفض القضاء الفرنسى طلب منع تعميم كتاب أوريانا فالاتشى فى فرنسا . اعتبر
محتواه من صميم حرية التعبير . هذا ما نقلته جريدة الشرق
الأوسط اليوم . أضافت الصحيفة نقلا عن لسان محامى فالاتشى چيل
جولدناديل فى حديث لجريدة لا ريپابليكا
الإيطالية قبل
خمسة أيام ، أن الإرهاب الفكرى لدعاة معاداة العرقية
( العنصرية ) يجعل مهمة الغرب فى مواجهة الإرهاب الإسلامى أشد
صعوبة ، وأنهم ‑أى دعاة معاداة العرقية‑ باتوا الآن فى مأزق
أمام الرأى العمومى وهم يرون فالاتشى تنتقد مثلا أحوال المرأة فى الإسلام
بعبارات حادة وشجاعة وجريئة ، مما يعد سحبا للبساط من مزاعم حقوق الإنسان
وما إليها . … ابدأ من هنا
ملف الريپابليكا عن فالاتشى بتاريخ 21 يونيو . … وبعد :
ملف ‘ الحنق والفخر ’ لم يغلق ، وكرة الجليد لا تزال
تتدحرج ! ] . [ تحديث : 19 ديسيمبر 2002 : نعم ، كرة الجليد لا تزال تتدحرج وتضخم ، بل ولم تفقد أيا
من قوة دفعها . الواشينجتون تايمز كتبت اليوم عن
كيف لا تزال فالاتشى التى ‘ ولدت من جديد ’ بالحنق والفخر ،
تزداد شهرتها الجديدة هذه ، وأصبحت أفكارها محل اهتمام ونقاش واسعين فى
المجتمع الأميركى ، كما هى عبر العالم . أيضا تأتينا المجلة بدورها بمزيد
من الكلام على لسانها : Islam is a blight on the world, a serious threat to a
superior Western culture, which does not realize the danger to its existence. Troy will burn, Troy will burn! Troy will burn because
they have no passion, and they conduct this war with fear. If you go on being
deaf and blind, you will be dead. Muslims multiply like protozoa to infinity. In the end, every Muslim, with few exceptions, is a
fundamentalist because the Koran is what it is. ولا تنسى بالطبع أن تذكر أنها لا
تخشى من التهديدات التى تتلقاها يوميا ، وترد عليها بالشتائم المقذعة
لأمهاتهم ، وتذكرهم أنها ترحب بقدومهم لشقتها فى مانهاتان ، وأنها
تجيد لأبعد مدى استخدام السلاح . وأخيرا تقول إنها لن تكف عن الكتابة عن الإسلام ،
وأن حنقها وفخرها مثلهم تماما ، يتكاثر ! I cannot be intimidated. Each time they try to scare
me, I will write something more ferocious. I will double the dose of my rage
and my pride and write more and more against them, for the rest of my life! … مرة
أخرى : ملف ‘ الحنق والفخر ’ لم يغلق ، وكرة الجليد لا تزال
تتدحرج ! … ملحوظة :
طروادة لن تسقط هذه المرة ! ] … الآن وبهذا المدخل المطول عن أوريانا فالاتشى بعد
عودتها من الاعتزال ، تضخمت صفحة الحضارة بما يكفى لتدشين جزء ثان منها !
|
| FIRST
| PREVIOUS | PART I | NEXT
| LATEST
|