|
|
|
آليات الفن الجماهيرى
دراسة على
النوع الوحيد من الفنون القادر على
أوسع وأعمق تشكيل ممكن
لوجداننا وربما أيضا عقولنا :
الفن الهابط !
( الجزء الثانى )
Popular Art Mechanisms
A Study on the only Type of Arts That Is Able to
the Widest and Deepest Possible Formation of
Our Senses and, Maybe, Our Minds Also:
The Low Art!
(Part II)
| FIRST | PREVIOUS | PART II | NEXT
| LATEST
|
NEW:
[Last Minor or Link Updates: Saturday, September 19, 2009].
March 19, 2003: Indian Cinema: It’s raining hits… in Cairo, Egypt this time! Plus: A brief history of popular cinema in India, China, Turkey and Australia.
January 24, 2003: ‘Catch Me if You Can,’ ‘Fish’s Tail’ and ‘Yacoubian’s Bldg’: Back to the art of very well told stories, all with some interesting ideas!
October 6-24, 2002: War of Teens —The Inevitable End: Forget about that boring phony Britney. Aguilera is Latino, ‘Dirrty,’ ‘Stripped’ and never said she’s a virgin!
…
In Part I
February 7, 2002: A HISTORY MADE: Videogame business tops film
industry for the first time. Are we talking about ‘the’ new main form of Human
Culture?
January 14, 2002: Citizen, Detective and Thief, a historical
conciliation between Intellectual, Authority and Religion or just another
troubled movie?
December 13, 2001: Believe it or not? The new Egyptian model of hero:
Hajj Metwally, the husband of four!
June 22, 2001: A STAR IS TORN: The most popular actress in Egyptian film history died. Not an accident. Not a suicide. Just a plain vanilla murder.
ê Please wait until the rest of page downloads ê
الجديد
( تابع جزء 1 ) :
6-24 أكتوبر
2002 : الصراع على عرش الغناء العشرى teens ،
ما بين معسكر المنافقات الواعظات وهن عرايا أمثال بريتنى سپييرز وفريق سقطت الحقيقة اقترابيتى الأصلية لكتابة هذا المدخل لم
تكن فنية جدا ، وإن تحولت بعد ذلك كثيرا . ما حركنى هو الكثير من
الكلام الدارج عن أن علامات الأنوثة تظهر مبكرا على الفتيات الصغيرات .
يكفى أن ترتدى فتاة الثامنة إحدى تلك البلوزات السوداء الضيقة القصيرة التى تكشف
البطن ولا يعلقها سوى شريطين رفيعين إلى الكتفين ، ويتفجر إلى الأعلى منها
فلقة صدر ما . أضف إلى هذا بالطبع الاستمتاع الشديد بهذا النوع من الملبس ،
ومحاكاة مشية وكلام نجمات الغناء الجدد ، ولا نقول بالضرورة فيروز طفلة
السينما المصرية . كدت عادة ما أطرد الفكرة على أنها من تهاويم مجتمعاتنا
المحرومة جنسيا ، إلى أن وقعت بالمصادفة تقريبا على مقال من العام الماضى
من مجلة الميلاووكى
چوورنال سينتينيال ، عنوانه ’ علامات البلوغ الخارجية تظهر أكثر
تبكيرا فى الفتيات ‘Outward signs of puberty occur
earlier in girls ،
من ناحية وجدت معه أن الأمر ليس مجرد تهاويم شرقية بل هو حقيقة جسدية
جلوبية ، ومن ناحية أخرى هو يؤكد أن الأمر ما زال أبعد كثيرا من أن يكون
حقيقة علمية مفسرة ، بل لا يزال بعد لغزا . ومن ثم ربما حان الوقت
للنظر للموضوع كله بجدية أكبر . يبدأ المقال بعبارة استفزازية تقول ’ الفتيات الصغيرات فيما بين الخامسة
والعاشرة ، تبدون أكثر وأكثر كنساء صغيرات . لكن أحدا لا يعلم السبب ‘ . يبدأ الحديث عن براعم الصدر breast
buds وشعر
العانة pubic hair ، التى وجدت الدراسات مؤخرا أنها باتت
تظهر فى أعمار أكثر تبكيرا بكثير ، أى قبل العاشرة بالنسبة للفتيات
البيضاوات وقبل التاسعة فى الفتيات السوداوات . هذا فى المتوسط ، أما
فى حالات البعض فإنها تظهر دون السادسة ، وأحيانا دون الخامسة . [ تحديث : 17 أكتوبر 2006 : الظاهرة
تتزايد على نحو درامى ، كما وكيفا . إليك هذا الموضع الرئيس اليوم من
النيو يورك تايمز عن تزايد ظهور حالات شعر العانة لأسباب هورمونية فى سن الطفولة
السابق على دخول المدرسة . الأكثر إثارة أن موقع الجريدة على الإنترنيت
أصبح يخصص قسما خاصا لظاهرة شعر العانة المبكر . انظر هنا ] .
بعد ذلك يبدأ التساؤل عن السبب . بعض العلماء
يطرد الفكرة كلية ، بالذات فيما يتعلق ببراعم الصدر وامتلاء المؤخرة ،
ويقول إنها مجرد بدانة لا أكثر . البعض توجه للعوامل النفسية . قال إن
غياب الأب فى معظم الأميركية المعاصرة ، يلغى من الطفلة الشعور
بطفولتها ، ويحفزها على المسلك الأكبر سنا . دراسة أخرى قالت إن ضغوط
الأسرة على طفلاتها يؤدى بقدوم الدورة الشهرية مبكرا . البعض بدأ يبحث عن
أسباب بدنية وتحديدا هورمونية سببها أنماط التغذية الحديثة . طبعا مجرد
التغذية الجيدة تحفز على النمو ، لكن هناك آراء كثيرة تركز على نظرية تبدو
قوية تقول إن هرمون النمو البقرى المسمى bovine
somatotropin ،
هو من محفزات تكوين هورمون الأوستروچين . إلا أنها نظرية يعوزها الكثير من
البحث لا سيما حول لماذا هذا اللبن عديم الأثر على الذكور ، التى لم تظهر
علامات بلوغ أكثر تبكيرا عندهم . الدراسة فى كل فقرة منها تؤكد أن الأمر برمته يحتاج
دراسات كثيرة ومضنية ، وكلها لم يشرع فيه بعد . على أننا نختار
التركيز من بين نظرياتها المختلفة على نظرية قد تعنى الكثير فى سياق اهتمامنا هذا
بالثقافة الجماهيرية . نظرية تقول إن ما يعرض فى
الوسائط من صور وكلمات وحركات تركز كلها على الجنس ، سواء فى الغناء أو
الإعلانات أو غيرها ، أمور تجعل المخ يحفز الجسم على النمو . كل
الطفلات ترتدين مثل بريتنى سپييرز لأنهن يحببن أن يكن بمثل صورتها ، أو حتى
لمجرد اعتقادهن أن هذا المظهر المثير جنسيا ( حتى دون أن يعرفوا بالضرورة
أنه مثير جنسيا ) ، هو الأمر العادى .
كل ما ذكرناه من قبل عن وعظ وجيهات المجتمع بل وبريتنى سپييرز نفسها ، عن العفة والجنس الشفوى …إلخ ، زائد أثر التوعية
الجادة بالمخاطر المحتملة للممارسة الجنسية من حمل وأمراض …إلخ ، لا يبدو
أنها خفضت تخفيضا يذكر من إقبال الصغار على الجنس ، بقدر ما زاد الإيمان
بأهمية الصحة الجنسية وتحنب المخاطر . مبدئيا كل هذه لم تكن له أى آثار تذكر على ما بعد
سن المدرسة العليا ، فعامة لم يرصد أى تأثير لهذه البرامج على طلاب
الجامعة ، إن لم يكن العكس هو الصحيح . بحلول سن التاسعة
عشر يكون 77 0/0 من الفتيات و85 0/0
من الفتيان قد مارسن ومارسوا الجنس ، وطبعا فى كل هذا نقصد وتقصد الإحصاءات
بكلمة الجنس الجماع الجنسى الحقيقى الكامل ، وليس الجنس على طريقة مونيكا لوينسكى ! وتصل إلى 86.1 0/0
كنسبة متوسطة بين طلاب الجامعة ككل على اختلاف أعمارهم وأعمارهن ، وتقترب
من 100 0/0 بالنسبة لمن وصل منهم لسن الخامسة
والعشرين ، وهم نسبة لا يستهان بها بين طلاب الجامعات الأميركية . هذا
طبقا لآحدث
دراسة من المركز القومى للوقاية من الأمراض المزمنة وللتوعية الصحية National Center for Chronic Disease Prevention and Health Promotion .
تلك الحملات العلمانية ( أو حتى
الأخلاقية ) ركزت على الأعمار الصغيرة ، ذلك لقلة الخبرة ونقص مصادر
المعلومات . مع ذلك بينما كان فى سنة 1999 من مارسوا الجنس دون الثالثة عشر
من تلاميذ الصف التاسع ( أبناء بنات الرابعة عشر ربيعا فى المتوسط )
يمثلون نسبة 17.7 0/0 بين الذكور و5.5 0/0
بين الفتيات ، لا يزال هناك حتى العام الماضى 2001 نسبة 13.7 0/0
من بدأوا ممارسة الجنس فى هذه السن من الذكور ، بينما لم تتأثر بالمرة
تقريبا نسبة الفتيات ، وهى 5.4 0/0 من مجمل تلميذات
الصف التاسع . هذه الأرقام طبقا لمقارنة قمنا بها بين تقرير سنة 2001 ، والتقرير
المناظر عن سنة 1999 ،
والصادرين عن المشروع المسمى نظام مراقبة السلوك الشبابى الخطر Youth Risk Behavior Surveillance System ، التابع لمركز الوقاية الحكومى الأميركى
المذكور ، ويختص برصد سلوكيات سن المدرسة . المدهش أنه يلاحظ أن النسب
أقل فى تلاميذ السنوات الأعلى ، بما يعنى أن الجيل الأصغر أكثر ميلا للجنس
المبكر . أيضا انخفضت قليلا النسبة ممارسة طلبة المدارس ككل
للجنس عن الأعوام الماضية . إذ نقصت حوالى 4 نقاط عن العام السابق ،
لتصبح 60.5 0/0 لتلاميذ وتلميذات الصف الثانى عشر
بالمدارس العليا ، أى نحو سن السابعة عشر . أما أعلى رقم لها فقد كان
فى العام 1993 وهو 68.3 0/0 ، هذا طبقا لنشرة مركز
الوقاية المذكور الشهرية الأخيرة سپتمبر 2001 . مع
ذلك لا يبدو الأمر أكثر من انحسار مؤقت ، وأن عاصفة جنسية أكبر قادمة خلال
الأعوام إن لم يكن الشهور القادمة . من إرهاصات هذا أن يرصد مثلا مجلس الولايات المتحدة للمعلومات
والتربية الجنسوية ، وهو جمعية أهلية تهدف لترويج الجنس كسلوك صحى مفيد
لجميع الأعمار ، يرصد فى شهرنا الحالى تحديدا الميل الساحق لدى الآباء
والمدرسين ( أكثر من 80 0/0 ) لرفض ما يسمى
ببرامج العفة‑فقط‑حتى‑الزواج ، ذلك لصالح التوجه نحو
تربية جنسية صحية بالمعنى التقليدى للكلمة ، تركز على التوعية بالمخاطر مع
تشجيع الممارسة .
ما نريد قوله إن هذا هو مجرى
التاريخ ، ولن يوقفه أحد . لا أحد يمكن أن يبنى عالما كاملا من مجرد
الحجب والمنع ، عالما رهانه الوحيد هو الجهل . هذا ليس كلاما فى الرقابة ، فهذه تبدو شيئا ثانويا جدا .
الطفولة برمتها تغير معناها ، والنضج يجب أن يبدأ مبكرا جدا بكافة مناحية
عقلية كانت أو جسدية . عندما قال فرويد إن الحياة الجنسية للإنسان تبدأ منذ
الرضاعة ، سخر الناس منه . الآن نرى من فتيات الثامنة حتى الثالثة
عشر ، أو ما أصبح يسمى مؤخرا الـ tweens ،
من يحرصن على التمتع بحياة جنسية كاملة ، بينما المستقبل لم ينته
بعد ، وأن كل ذلك تم حتى دون أية تدخلات چيينية . … إذن ، كل هذا يغرى ضمنا بإعادة التأمل فى قضية
هؤلاء المغنيات المراهقات اللاتى يتفجرن بالأنوثة ، وهى بعد فى عشريات
العمر . لكن دافع الكتابة الآن بالذات ، ليس مجرد أنهن كما توحى قصة الميلاووكى
چوورنال سينتينيال تلك ، ربما يكن سببا فى التغييرات الجسدية التى
نراها فى أطفالنا . وليس حتى لمجرد الاستطراد لمتابعة كلام سابق لنا عن محتوى الفن الجماهيرى الذى برز فى نهاية
التسعينيات ، واتهمناه فى حينه بالنفاق الجنسى والكذب . إنما لأن هذه
القضية الساخنة دوما ، والمسماة أحيانا ظاهرة بريتنى سپييرز ، والتى
قسمت أميركا والغرب معسكرين ما بين مؤيد ومعارض ، أو ما بين أمهات يحلمن
لأبنائهن بزوجة على غرار بريتنى وكاتبات صحفيات يسخرن من كم هن مخدوعات أولئك
الأمهات ولا يفهمن شيئا ، هى قضية تنفجرت الآن عن انعطافة كبرى ، فاقت
كل التوقعات نوعيا ومن حيث سرعة حدوثها ، بما فيها توقعاتنا أو تحذيراتنا
سالفة الذكر تلك : أن هوت أسطورة بريتنى سپييرز . بدأت كتابة هذا المدخل واللغط يملأ الدنيا عن
استعداد بريتنى سپييرز لإعداد ألبوم جديد فى ظل الفشل الواضح لألبومها
الأخير ، وانتهى منه الآن والدنيا تستعد لاستقبال ألبوم أليجيرا
الجديد ، بلغط أكبر وأكبر ! سأضرب لك بعض الأمثلة : يوم كتبت أول
سطر يوم 6 أكتوبر كانت النيو يورك
تايمز تحاول تحليل سر الأداء المتواضع لسپييرز ، وخلصت لأن السبب ربما
يكمن فى النضج العمرى والجسدى الذى لم يعد لها الاستمرار فيما تقدمه . تحدث
المقال باستفاضة عن الأزياء وتغيرها الحاد . بدأت بموضة البطن العرى
وتبعتها كل بنات العالم ، لكنها فجأة بدأت تظهر بملابس جلدية لدرجة أن محررا
موسيقيا سخر قائلا إنها ربما تريد إحياء فريق الڤيلدچ پيپول . أما
آخر صيحة فكانت هذا الشهر فستان شيفون شفاف بألوان الطيف تكلف 23 ألف دولار
دفعنتها طبعا المصممة دوناتيللا ڤيرساتشى من ميلانو . المقال لا يخلو
من تلويح بالتخبط ، ونقلت عن المغنية ديبى جيبسون تشبيها بچيكل
وهايد . حياتها العاطفية متقلبة أيضا . لم يشأ تذكيرها بوعدها الشهير
لجمهورها بأنها ستظل عذراء حتى تتزوج ، لكنه يروى قصة علاقتها بمغنى فريق
’ إن سينك ‘ الوسيم چاستين تيمبرليك ، والتى انتهت بذات سرعة
حدوثها . هذا المقال الذى كان يحمل عنوانا أكثر تشاؤما فى
الساعات الإولى لإبراده فى الإنترنيت ، ولم يعد كذلك ، يعطى دائما
الانطباع بأنها ربما مرحلة طبيعية تمر بها كل فتاة ستحتفل فى 2 ديسيمبر المقبل
بوصول سن الحادية والعشرين . المهم أنه لم يتحدث أبدا عن شىء اسمه النفاق .
هذه هى نظريتنا حول لماذا هوت مبيعاتها من 24 مليونا من النسخ لألبومها الأول
’ يا رضيعى مرة واحدة أخرى ‘ 1998 إلى 9 ملايين فقط لألبومها الأخير
’ بريتنى ‘ فى نوڤمبر الماضى . ربما اقترب قليلا من هذا
عندما لاحظ أن كل زميلاتها وزملائها يقدمون الهيپ‑هوپ ، بينما هى
مصرة على الپوپ العتيق .
الغريب أن كثيرين لم يحاولوا الربط بين هبوط جماهيريتها ،
وبين محتوى ما تقول ، أو بالأحرى مدى اتساق ما تقول مع بقية مكونات حياتها
وأفكارها الآنية ناهيك عن السابقة . عندما وعظت بالبراءة والطهر بملابسها
العارية ، ابتلع كثيرون الرسالة ولم يجدوا بها أى تناقض . عندما بدأت
فجأة تغنى البذاءات قائلة So Fucking Crazy اعتبارا من العام التالى
مباشرة لألبومها الأول أى 1999 ، أو قالت بعدها بعام آخر
’ أووپس ، أنا لست بمثل تلك البراءة ‘ ، بدا أن لم يصدقها
الكثيرون . أما فى ألبومها الأخير فى 2001 ، حين خاطبت
’ الفتيان ‘ Boys ( كلمة ذات مدلول جنسى عندما تنطقها
الفتيات ، مثل كلمة يا رجل عندما تنطقها امرأة ) ، معلنة بانسحاق
جنسى مرعب لا يتناسب قط مع فتاة عقدت من قبل العزم على حفظ عذريتها ، أنها
ليست إلا ’ إمة من أجلك ‘ ، بدا أن لم يعد يصدقها أحد .
وبالمناسبة ، ديستنى تشايلد بدأن خطة مشابهة وإن بإيقاع أبطأ ، لكن النتيجة واحدة ! ) .
من الطبيعى أن حاول المقال المذكور تلمس الأعذار دوما . وآمل فى تناسخ على
طريقة مادونا يعيد الحياة من جديد لحياة سپييرز المهنية . يقول مثلا إن
ربما كل صناعة الفن العشرى teen ، شىء تركيبى بالكامل synthetic ،
ولذا نادرا ما يستمر أحد من هؤلاء الصغار . ما نراه من آخرين
وأخريات ، وعلى رأسهن كريستينا
أجيليرا إكوادورية الأصل ، وربما غدا الكولومبية شاكيرا والأسترالية هوللى ڤالانس
…إلخ ، ينبئ بالعكس على طول الخط . هؤلاء لهن مصداقية بعيدة المجرى نابعة من تماشى
مظهرهن الجنسى المثير ، مع كلمات أغانيهن ، بل ومع حواديت حياتهن
الشخصية ( ولا نريد ضرب المزيد من الأمثلة بنجمة الپورنو السابقة پورتو
ريكية الأصل چينيفر لوپيز ، ناهيك عن غيرها كالنظيرات السود الناجحات جدا ، ليل كيم ومن إليها ،
واللاتى مرت حياتهن بالدعارة بل والإجرام إحيانا ) . حتى مثال مادونا أعقد من أن يلقى
بسهولة هكذا . صحيح مادونا تناسخت من شقراء رومانسية راقية إلى سادومازوكية
متوحشة إلى راهبة إلى راعية بقر …وهلم جرا ، لكنها كانت دائما متسقة فيما
تقول وتفعل طوال الوقت . تغيرت كثيرا ، هذا صحيح ، لكنها لم تكذب
أبدا . هذا هو الفرق . حتى هذا التغير لم يعفيها من تراجع جماهيريتها
بدرجة أو بأخرى . لكن المصداقية قائمة على لو غيرت ذاتها أو حتى غيرت
الجمهور الذى تخاطبه .
هذا عن يوم بدأت الكتابة ، أما يوم انتهيت من
المدخل أى بعد 18 يوما من تلك البداية كانت الأسوشيتيد پرس تدفع بقصة بعنوان
’ سر كريستينا أجيليرا الصغير ‘ ، عبارة عن مقابلة معها كشفت
فيها سر الأقراط المزروعة فى جسدها . قالت إنها أكثر بكثير مما يبدو ،
ليسوا فقط ما نراه فى أذنها وأنفها وشفتها السفلى ، أو حتى حلمة ثديها
اليسرى ، بل يصلون فى الواقع إلى 11 قرطا . أفصحت أن البعض يوجد فى
أماكن عميقة وحساسة للغاية لا يراها إلا طبيبها ، ولا يحسها إلا
خلانها . فى نفس هذا الصباح كانت مجلة الموسيقى الأشهر
والأوسع نفوذا رولينج ستون تضرب ستاندات الصحف بصورة عارية لأجيليرا ،
والمزيد من الكلام حول غضبها الداخلى وكيف تفرج عنه ، وعن مشاكل التواصل
بين هذه الـ songstress وبين من يحيطون بها . على أن ما فاق الجميع اليوم مقال
صغير لكن عميق حقا تجرى فيه اليو إس إيه توداى مقابلة مع أجيليرا .
فيها تقول ما خلاصته أن التجرد المقصود فى ألبومها القادم Sripped هو تجرد المشاعر أى
تعريتها من كل ما هو مزيف ( يسمى فى العربية البوح ) . هذه هى
العملة النادرة حقا فى دنيا يملؤها نفاق الثقافة الشفوية جنسا وتدينا . فى
هذه المقابلة تقول أيضا إن التجرد تجرد تقانى أيضا ، بمعنى أنها تريد أن
تعرى صوتها ، وتنقيه من كل تصنع .
كل هذا الكلام سمعناه من قبل ، لكن ليس
مؤخرا . ربما كانت آخر مرة فى فيلم مادونا الممل ’ حقيقة أم
جرأة ‘ ( يأخذ عالميا عنوانا مضللا هو ’ مادونا فى
الفراش ‘ ) 1991 ، ذات الكلام الذى أعادته فى العام التالى فى
ألبومها ’ إيروتيكا ‘ وكتابها المتزامن معه ’ جنس ‘ ،
وهو تجربة حية بالصور لردود أفعال الناس لرؤيتها عارية تماما فجأة أمامهم فى
الشوارع أو الأماكن العمومية . الملل فى هذه الأشياء جاء من أنها أضجرتنا
ببحثها الوسواسى عن آخر مدى يمكن أن يصل إليه الصدق ، بكل المعنى المحتمل للكلمة
عريا جسديا كان أم معنويا . مادونا نفسها تزوجت وأنجبت ولم تعد الفكرة تمثل
وسوسا لها ، بقدر ما يمثله الآن ما تشاهده ابنتها فى التليڤزيون .
من ثم طغت على الساحة مثيلات مونيكا لوينسكى اللاتى صممت هى وخليلها العابر بيلل
كلينتون على أنهما لم يمارسا إلا الجنس الشفوى ( اقرأ صفحة الجنس ) . طبعا الحكاية كانت من الشهرة
بحيث وصلت لأسماع كل فتاة كانت تتفتح داخلها الأنوثة المبكرة فى ذلك
الوقت . واحدة منهن كان اسمها بريتنى سپييرز ، وقصتنا تابعنا بداياتها
من قبل فى الدراسة الرئيسة لهذه
الصفحة ، حيث حلت أمثال لوينسكى وسپييرز محل بريچيت باردو وناهد شريف
المتصالحات بالكامل مع أرواحهن وأجسادهن وجنسويتهن . لا يجب أن ننسى لأية لحظة أن الجمهور لا يتسامح قط
مع أى زيف فى نجمه . هذه قبلة الموت للنجومية . إنه الإله بالنسبة
له . لم يكن بإمكان أحد أن يفرق بين حياة چيمس ديين على الشاشة ، وبين
أفكاره وسلوكياته الشخصية . لهذا كان يتلقى آلاف الرسائل يوميا ، يطلب
منه أصحابها استشارته فى أعقد وأخص الأمور . وكان يعجب بينه وبين نفسه من أين
جاء لكل هؤلاء الانطباع بأنه فيلسوف عتيد لهذه الدرجة ، يمتلك موارد لا
نهائية من الحكمة وخبرة الحياة . المثير جدا للفضول هنا أنه لم يكن أكثر من
عشرى مشوش confused teenager كما يسمى ، هذا سواء فى حياته الواقعية
أو على الشاشة . المدهش أكثر أن هذا التشوش يمكن أن يصنع مهنة نجم .
ليس چيمس ديين وحده ، بل كان هناك مارلون براندو وآخرون فى فترة الخمسينيات
تلك . حتى بريتنى سپييرز نفسها كان يمكن أن تصنع من مراهقتها المشوشة
مهنة ، ولها كما تعلم ألبوم بعنوان Oops!… I Did It
Again ( 2000 ) .
المشكلة فقط أن هذا شىء لا يمكن تصنعه ! على فكرة ، نفس النظرية المكتوبة هنا تنطبق
بدرجة أو بأخرى على المغنيات العربيات اليوم . تتربع على عرش الغناء سميرة سعيد ونوال الزغبى .
واحدة مغربية تغنى بالعامية المصرية والثانية لبنانية تغنى بنسخة عصرية من
العامية اللبنانية يفهمها ويحبها كل العرب بنفس درجة العامية المصرية ،
وربما أكثر . فى الواقع هذا يجمعهما أكثر مما يفرقهما ، إنه يعطيهما
لمسة حداثة لا مراء فيها . لكن ما يجمعهما أهم من هذا أنهما رائعتان
كامرأتين . نحن نتحدث عن عرض show متكامل ، بصرى وصوتى وموضوعى ، على المغنية أن تقوم
به ، وتخلق حالة وجدانية وحسية ( أو بصراحة أكبر جنسية ) كاملة
لدى المشاهد ، قلنا المشاهد لأننا لا نستطيع ‑شئنا أم لم نشأ‑
فى عصر ثقافة الصورة أن نقول المستمع . بعبارة أدق : قصاصات الڤيديو
هذه هى أفلام . أفلام بكامل معنى الكلمة . أفلام موسيقية قصيرة .
وهى يجب ‑لا سيما الجيد أى الذى يعى هذا منها‑ أن تشاهد فى هذه
الصيغة ( الفورمات ) تحديدا . والاستماع لها فقط كأغنية هو
ابتسار لها ، تماما كما الاستماع لفيلم شهير من خلال المذياع . وربما
لا نبالغ إن قلنا إن هذا التحول نحو ’ الموسيقى التى ترى ‘ قد فعله
مرة واحدة وللأبد إلڤيس پريسلى ، أو لو شئت فريد أستير وچنچر
روچرز ! هل تعرف ماذا كانت
أول قصاصة ڤيديو انطلقت بها قناة إم تى ڤى سنة 1981 ؟ إنها
لأغنية فريق باجيلز من أواخر عام 1979 وتدعى ’ الڤيديو قتل نجم
الراديو ‘ ( هل كنت تتوقع عنوانا آخر ! ) . نعم ، لم يكن 1 أغسطس
1981 مجرد يوم ميلاد أول قناة متخصصة للموسيقى ، إنما كان لحظة فارقة فى
تاريخ الفنون ، قبلها كانت الموسيقى تستمتع أو على الأكثر ترى على المسرح
أو مسجلة من على منصته ، وبعدها أصبحت فنا مرئيا بالكامل ، به كل ما
تتمتع الأفلام من خلفيات مصنوعة خصيصا وحركة كاميرا ومؤثرات وتمثيل وتقطيع
وتوجيه ، كل شىء . بعبارة أخرى إن أقل وصف لهذا أن انتقل الغناء من
نطاق الفيلم الوثائقى لنطاق الفيلم الروائى كامل الأوصاف . كما نبوءة
الباجيلز الملهمة عن ذاك الفن الجديد الوشيك ، الكل يتحدث منذ عامين
( ونحن منهم فى صفحة التقنية )
عن الاندثار المحدق للألبوم كفورمات لتوزيع الموسيقى ، وأن الأغنية باتت هى
الوحدة . اليوم نضيف أن الأغنية التى تسمع فقط هى أيضا فى سبيلها
للاندثار ، بل ربما هذا هو أيضا تفسير اندثار الألبوم ، فالأغنية
ترتبط فى ذهن المتلقى بحزمة هائلة من التداعيات البصرية قبل أى شىء آخر .
ويا لها من تجل جديد رائع لما أسماه مارشال ماكلوان من عقود الوسيط الساخن أى
الذى يقوم بكل شىء ويتلقاه المستهلك فقط ، ومن هو يسعى للتحكم فى المتلقى
والاستحواذ على أكبر قدر ممكن من حواسه
وبعد …
اللغط حول زى
سيرينا ويلليامز السابق أو اللاحق يفوق بمراحل الكلام عن كونها أفضل لاعبة تنس
فى العالم . ( الموضوع قديم وشبق أن ناقشناه
ذات مرة فى المدخل الرئيس لصفحة هولليوود
حين شرحنا لماذا بطلات السينما جميلات دوما بغض النظر عن نوع الدور أو الأصل
الاجتماعى الذى عليهن تأديته ، أو ذات الشىء عن وسامة الرجال . أيضا
فى المدخل الرئيس لصفحة الليبرالية كان
ثمة صور متعددة لمزيد من فاتنات التنس بالذات منذ فجر الفرع النسائى الاحترافى
لهذه الرياضة ، هذا وذاك بالطبع باعتبار الرياضة إحدى أيديولوچيات الدهماء الكبرى الجميلة
والمفيدة ) . أنا أعرف صحفيا أسس وكالة إعلانات خصيصا كى يقابل مغنية
تونسية حسناء فى منزلها بالقاهرة لا لشىء إلا لإعجابه الشديد بصدرها .
نحن إذن حين نتكلم عن سميرة سعيد أو نوال
الزغبى ، لم نكن نتحدث عن حنجرة عالية التقنية ورائعة تأكيدا مثل أصالة ، لكن قد
تنقصها بقية الأشياء أو غير شديدة التفوق فيها . إنما السبب المباشر فى
انفراد النجمتين المذكورتين بالساحة حاليا ، هو ببساطة أنهما الأشد تحررا
جنسيا فى المظهر أولا ، ثم فى كلمات الأغانى ، ناهيك عن حداثة
نعود للسؤال الأصلى : ما هو مستقبل بريتنى سپييرز ؟ لنفترض أنها لن
تظل للأبد مراهقة مشوشة ، وأنها ستسير فى طريق فساتين الشيفون باهظة
التكلفة ، وأنها تريد أن تصبح امرأة فاتنة نعم ، لكن ناضجة راقية ولا
تغنى إلا الپوپ . ترى هل تصلح لأن تكون باربارا سترايساند أخرى مثلا .
لا أعتقد ذلك . سترايساند هذه امرأة يهودية مخها ملئ بالكثير والكثير من
الأفكار والنظريات اليسارية السياسية وغير السياسية . حتى أجيليرا تلك فى سنها الصغير
هذا ( 22 سنة ) ، تبدو للجميع كفتاة تعانى ، تطرح تساؤلات
واهتمامات وجودية كبيرة ، وتبحث بدأب عن حقيقة ما فى الحياة . بينما
لا نكاد نرى فى رأس بريتنى الصغير الجميل سوى هلام مطلق . إنها لا تصلح لا
لأن تكون باربرا سترايساند ، ولا حتى نسخة ممسوخة من كريستنينا
أجيليرا . ربما تصلح فقط أن تكون نسخة من … المهم : هذا لن يوقف بنات الخامسة من أن يبدين أكثر جنسوية جيلا بعد
جيل ! … اقرأ قصة الميلاووكى چوورنال سينتينيال عن البلوغ المبكر للفتيات … اقرأ قصة النيو يورك تايمز عن مستقبل بريتنى سپييرز المهنى المحتمل … اقرأ موضوع غلاف الرولينج ستون عن كريستينا أجيليرا الذى صدر اليوم وإن حمل تاريخ 14 نوڤمبر 2002 … اقرأ قصة اليو إس إيه توداى عن ألبوم أجيليرا الجديد …
[ تحديث :
22 يونيو 2003 : اليوم صدر
الألبوم الجديد للمغنية ليز فير بعنوان Liz Phair ، ذلك بعد انقطاع دام خمس سنوات .
على أنه فى نفس الوقت اليوم بالتحديد هو ذكرى مرور عشر سنوات ، على صدور
الألبوم الأول لها . ليز فير تتماس مع معظم ما تحدثنا هنا
( الصراحة ، الإبحار فى رغبات الأنثى الصغيرة ، فى توهانها بعد
فى الحياة …إلخ ) ، إن لم تتفوق على الجميع فى معظمه ، لكن بها
مشكلة واحدة جعلتنا لم نستخدمها كمثال ، هو أنها لم تنضم قط للتيار
الرئيس . اليوم ربما حان الوقت لمراجعة هذا الموقف . السبب واضح فى أنها لم تنضم للتيار
الرئيس : إنها رسول الپورنو
لدنيا الغناء . العناوين وحدها ( دع الأزجال
فى حد ذاتها جانبا ، فلا شىء أصرح منها فى تاريخ الموسيقى ! )
تشرح ما نقصده من مفردات دنيا الپورنو وممارساته : Exile
in Guyville, Blow-Job Queen (Flower), Fuck and Run, Fuck or Die, I'll Get You
High, Fantasize, Six Dick Pimp, Dogs of L.A., Girls' Room . البعض وربما لا توجد سابقة تاريخية بهذه
القسوة فى المفاجأة ، سوى تلك الأشهر إطلاقا حين ذهب بوب ديلان بساقيه لمهرجان
الموسيقى الفلكلورية Newport Folk Festival سنة 1965 ليستفز جمهوره التقليدى بأنه هجر الفولك وانتقل للروك ، وكانت كما تعلم ليلة ليلاء ! ( بمناسبة البوب والروك لا بد أن
أضع بعض التحفظات هنا . أولها أنى لست خبيرا جدا بالتفاصيل التقانية
للموسيقى بحيث أميز بين الاثنين بسهولة وثقة . ثانيا والأسوأ أن قراءاتى
علمتنى أنه لا يوجد خط فاصل ، فما يعرفه ناقد أو موسيقى ما كبوب يعرفه آخر
كروك ، والعكس . ثالثا الخلاصة التى استنتجتها من هذه القراءات أدت بى
لوضع تعريفى الخاص لهما : البوب
هو الروك ‑أو أى شىء‑ بعد مضى عشر سنوات عليه ! الأمر يشبه ما يسمى عندنا الأغانى الشبابية حين يقارن بما تقدمه
إذاعة الموسيقى الحكومية . البييتلز كانوا ’ ضوضاء ‘ وروك مرعب
فى عصرهم ، أما اليوم فهم قمة البوب بكل نعومته
و’ حلاوته ‘ ، وهكذا يسير الحال ! ) . مع ذلك يظل المثير حقا فيما فعلته
فير ، شيئا يفوق أى شىء آخر . إنها ذهبت لذلك الپوب حاملة معها كل
تراثها السابق من الصدق الپورنوى . صدق أو لا تصدق ماذا بين عناوين أغانى
الألبوم الجديد ؟ Hot White Cum ! حيث بعد عشر سنوات نكتشف أن استمتاعها
بالسائل المنوى على وجهها قد تضاعف عشرة أضعاف ما كان عليه فى Blow-Job Queen !
لا تزال ليز فير ، تملك
المحتوى قبل اى شىء آخر . لا يهمها ماذا ترتدى . بل الواقع أنها ترتدى
كل شىء بدءا من الملابس شبه الريفية المتسعة الكثيرة والمتعددة فوق بعضها ،
حتى التى شيرت مقاسات الرضع كالتى ترتديها بريتنى سپييرز . أيضا هى ليست
غاضبة أو فاجرة ككورتناى لاڤ مثلا . لا تستخدم كلمة fuck مليون مرة كإيمنينم أو ألف غيره ، لكنها عندما تستخدمها لا تكون
كلمة سباب بالمرة إنما تقصد بها ببساطة ممارسة الجنس . طبعا هى مثيرة
كامرأة . وهى صاحبة ألف وجه ، ويكفيك المقارنة بين الصورتين
المجاورتين . أما قواطعها الأمامية الضخمة التى لا تشبه سوى تلك خاصة باجز
بانى ، فلا يمكنها إلا أن تذكرك دائما بولعها بالجنس الشفوى ( أو
بالحديث عنه على الأقل ، فهو وبعد ، لا يمكن لأحد أن يتسرع
بالحكم على نجاح الألبوم الجديد ، والبعض يميل لأنه يحتاج لمعجزة .
ربما هذا صحيح ، لكننا نظل أمام تجربة لا يمكن لنا إلا أن نسجلها ،
وأن قطعا نشيد بها بعشر خطوط تحتها . تجربة تحاول نقل قيم بالغة التحرر
والصراحة للفن الجماهيرى ، أى لفن الجماهير العريضة . … لعل آخر تجربة من هذا المستوى ،
وإن ليست بذات الدرامية ، كانت مادونا ! ] . [ تحديث : 13 أغسطس 2003 : يبدو
أن الألبوم المذكور لليز فير قد يدخل التاريخ كأحد أكثر الألبومات إثارة لشهية
النقاد . الآن مر شهران ولا يزال التعامل معه كبيرا ، وطبعا جادا
جدا . اقرأ اليوم قصة جديدة فى النيو يورك تايمز بعنوان المغنية التى
أجبرت معجبيها على أخذها على محمل الجد ، ولعله بالأحرى يقصد أنها
أجبرت النقاد ! فهذه هى القصة الثالثة أو الرابعة فى حدود علمى ،
للجريدة المرموقة وحدها ، الأولى منها كانت حتى قبل صدور الألبوم نفسه
بأسبوعين بعنوان الخروج من مدينة
الرجال ، ذلك فى إشارة طبعا لعنوان ألبومها الأول ] .
24 يناير
2003 : فى خلال أقل من 24 ساعة من مشاهدتى لفيلم ستيڤين
سپييلبيرج الجديد ’ النصاب
المحترف ‘ Catch Me if You
Can ،
شاهدت فيلم وحيد حامد وسمير سيف الجديد ’ ديل السمكة ‘ . وفى خلال
أقل من 24 ساعة أخرى
( ربما ما ينقص فقط
ضلعا رابعا للمربع قد نستكمله فى القريب العاجل ، إلا وهو مشاهدة فيلم
’ الساعات ‘ الذى يتصدر بقوة سباق الجوائز لسنة 2002 ، وهو عن
شخصيات حقيقية أيضا ، وبدأ اليوم تحديدا عرضه الواسع فى شمال
أميركا ! ) . الأربع قصص مبنية على قصص واقعية ، وكلها very well told وتعيدنا لأيام الحكى الجيد المبنى على الحرفة الدرامية وحدها ،
دون إبهار صيغى أو تغريب أو مؤثرات . … ’ النصاب
المحترف ‘ قصة حقيقية لمراهق يدعى فرانك أبينچيل
استطاع النصب بعدة ملايين من الدولارات فى الستينيات على شركة پان آم وعدد من
البنوك ، من خلال سيل من الشيكات متقنة التزوير . يتخلى سپييلبيرج أبو
متفجرات الصورة عن كل تراث الإثارة البصرية والمؤثراتية ، ليعود لحكى قصة بسيطة
تبدو أقرب للفيلم التليڤزيونى منها للسينما . ولا تنس أن أفلام التليڤزيون
تعيشت عقودا ولا تزال ، على القصص الحقيقية أكثر من أية موضوعات أخرى
إطلاقا . الحكى سلس وبسيط أو بعبارة أخرى ’ تسلسل القصة
سليم ‘ كما العبارة الشهيرة لأستاذنا فريد المزاوى أفضل من نقد الأفلام المصرية إطلاقا ( كل ما عليك شطب السطر المتعلق بالتقييم الأخلاقى لها من
كتابته ، ليتبقى لك بعدها منهجا موضوعيا لم ينافسه فيه أى أحد آخر ،
منهجا ناضجا فنيا ورائعا فى تمثله للوسيط وخصائصه المتفردة وفى فهمه العميق لما
تدور حوله السينما أصلا . ومنه تلك العبارة المتكررة ’ تسلسل القصة
سليم ‘ التى قد لا تبدو للمثقفين المتحذلقين ذات شأن مهم ، أو يسخرون
منها قائلين وهل هناك تسلسل قصة غير سليم ، لكنها العبارة التى هيمنت على
ذاكرتى أكثر من أى شىء آخر وأنا أتابع الأشغال الثلاثة التى أتحدث عنها
اليوم ) . [ يبدو أن لذلك السبب الخاص بسلاسة القصة فضلا عما بها
من ذكاء وخدع البطل ، زائد نجومية البطليين المحببين عندنا ضرب الفيلم
أرقاما مذهلة فى البقاء فى دور العرض المصرية لعشرات الأسابيع ، وربما يصير
أنجح أفلام العام الأجنبية ] .
الواقع أنه يمكن قول الكثير عن روح سپييلبيرج التى
انعكست على ثنايا الفيلم . يبدو أن أبنائه السبع قد كبروا ، بحيث
انتقل لصنع أفلام لسن السادسة عشر عن سن السادسة عشر . وفى هذا هو يواصل
اهتمامه الأثير القديم الأشهر باكتشاف الطفولة وبمخاطبتها . مع ذلك كل عناصر المتعة موجودة فى قصة
’ النصاب المحترف ‘ وليس خارجها . شاب صغير ذكى وسلسلة تحايلاته
البارعة واستغلاله لوسامته وخفة ظله . بل وحتى لحظات ألمه وهزيمته .
كلها تستحوذ عليك تعاطفا مع مصيره من اللحظة الأولى للأخيرة . وإلى أن تصل
للنهاية الاحتفالية السعيدة بكونه قد صار أحد أفراد التحقيقات الفيدرالية يسخر
كل خبرته وذكاءه فى خدمتها . أيضا يمكن اعتبار ’ النصاب
المحترف ‘بداية لظاهرة ستزدهر بلا شك من الآن فصاعدا ، كما ازدهرت فى
كل فترات الكساد ، ألا وهى أفلام النصب ، تلك التى تلهب الجمهور
بالأمل وتمنيه بالحياة السهلة وبما يسمى بالحلم الأميركى …إلخ ( يشاركه هذه
البداية فيلم ’ أوشين إليڤين ‘ لچورچ كلوونى وبراد پيت وچوليا
روبرتس وطابور آخر من النجوم ) . ويكفيك أن تتخيل كم التهليل مثلا
عندما خدع البطل غريمه المحقق حين أمسك به فادعى أنه عميل لوكالة سرية سبقه للمكان ،
أو حين تأبط ثمانية مضيفات مستجدات فاتنات فلفت الأنظار إليهن وأصبح هو بقعة
سوداء لأى عين لا يمكن أبدا أن تراه كطيار يتوسطهن . والقصة الدارجة على
لسان بطل الفيلم أكثر من مرة عن الفأر الذى ظل يجدف فى القشدة حتى حولها لزبد
فعام ونجا ، بينما غرق زميلا ميتسلما من البداية . تشرح من بعيد
فلسفته فى النصب ، وفى الحياة أيضا ، ألا وهى المثابرة والدأب ،
لكنها توحى ضمنا بفكرة الحلول البعيدة غير التقليدية وتحويل الأبصار دوما لشىء
أكثر استحواذا . وطبعا كان مشهدا مثيرا للتهليل حين حكاها ذات مرة لأسرة
( بلهاء كما كل الناس فى الفيلم ) على سبيل صلاة خاصة بتناول
الطعام ! الفيلم ناجح ، وينتمى لفئة المائة وخمسون
مليونا زائد ، داخل أميركا ، وربما أكثر منها خارجها . وعلى
ألأقل هو أنجح كثيرا من ’ تقرير
الأقلية ‘ ، فيلم سپييلبيرج السابق ’ السمين الكبير بتوم
كرووز ‘ كما وصفه هو نفسه فى إشارة لفيلم ’ حبيبتى اليونانية ‘
صفرى الميزانية والذى حقق أضعاف فيلمه فى شباك التذاكر ! … ذات القالب الدرامى للواقعية الاجتماعية نتابعه
تقريبا مع بطل وحيد حامد ، كشاف الكهرباء فى ’ ديل السمكة ‘ ، هذا الذى
يتنقل ما بين القاع العميق لطبقات المجتمع المصرى إلى أرفعها وأثراها ،
متفرجا غالبا ومتفاعلا أحيانا . كلها قصص جيدة الحكى بسيطة مؤثرة ،
تؤكد للمرة الألف أن الانفعال هو ما تدور حوله السينما ، وتقول إن وحيد حامد
قادر على إدهاشنا طوال الوقت بما لا نتوقعه بالمرة . وكما أدهشنا بكوميديا
مسلية بلا أى محتوى كالمتوقع منه فى ’ محامى خلع ‘ ، يفاجئنا هنا
بالعودة للقصص الاجتماعية البسيطة كالتى بدأ بها فى ’ الدنيا على جناح
يمامة ‘ ، ومن المؤسف أن نرى الفيلم فى العلب منذ سنة 2000 ، وكم
سيسعدنا لو قال الجمهور كلمة أخرى رغم عدم وجود نجوم ، فما هو أكثر قاعدية
وهو الحكى المؤثر المستحوذ عناصر متوافرة تماما . لكن على عهدة
سپييلبيرج ، هذا هو زمان العودة
لأفلام الحلم الهولليوودى القديم للثلاثينيات الكاسدة ، أو ما يسميه
أشقاؤنا الأيديولوچيون أفلام التغييب ، وليس أوان الحكى الشجى المثير
للدموع ، حول الفقر والفاقة والكفاح الصعب ! بمناسبة الأيديولوچيين ، من المدهش أنك تزداد
تأثرا مع الصعود لأعلى فى السلم الطبقى وليس العكس ، ذلك مع الدخول مع بطل
الفيلم الشاب المرهف الشاعر المتعلم الذى لم يجد سوى وظيفة كشاف لعدادات
الكهرباء فى المنازل ، من قصة لأخرى حتى الذروة مع قصة الثرى المثلى
المتعطش للحب المثلى ، ومن بعده الأم الثرية الوحيدة فى عودة أخاذة لمحسنة
توفيق للشاشة . ولا أدرى ماذا سيكون رد فعل تجاه هذا من قبل النقاد
الإيديولوچيين هؤلاء ( أو بالأحرى المتمسحين بالإيديولوچيات والكلام الضخم
بحثا عن شعور ذاتى زائف بالأهمية ، دع جانبا السينمائيين الأيديولوچيين فهم
قصة أخرى تطول ، فقط نقول بكل الجزم هنا إنهم فى كل تاريخهم المهنى مجتمعين
فشلوا أن يقدموا فيلما واحدا وحيدا عمن يسمونهم ليلا نهارا بالمهمشين ،
يمكن أن يضارع ديل السمكة فى جماله أو تأثيره أو حتى اقترابه من
هؤلاء ! ) . أيا ما كان الموضوع ، فالمؤكد أن وحيد حامد من
القلائل فى السينما المصرية ممن يعرفون حقا ماذا تدور حوله السينما ، وأى
أنواع يجب أن تحتويها المائدة انفعاليا ووجدانيا ، والمضمون مهما كبر أو
صغر لا يمكن أن يأتى عنده سوى من صميم المادة الدرامية . فقط ربما كان ’ ديل السمكة ‘ هو الفيلم المناسب فى
الوقت غير المناسب . فقط الناس مرهقة ، ولن تدفع نقودا فى شىء غير
التغييب ! على العكس من ’ النصاب المحترف ‘ يختزن
وحيد حامد حقيقة أن فيلمه مبنى على قصة حقيقية لعناوين النهاية ، ذلك فيما
يشبه مفاجأة صغيرة جميلة ، تزيدك إشباعا و’ دفئا فى القلب ‘ كما
يقولون بالإنجليزية . أما المفاجأة الجميلة الأخرى هى النهاية السعيدة التى
لوح بها لقصة حبه مع البطلة حنان ترك طاغية الحضور دائما أبدا ، بأنها قد
تطلق من الثرى الخليجى حين ’ يزهق ‘ ، أو لعل مدرسة أختها سوف
تبلغه بأمر هذا الزائر أو ايا ما كان ، ويعود الحبيبان لبعضهما بعد أن حطم
شظف العيش من أحلامهما الكثير . القصة مفعمة بالكفاح والأمل ، والأروع
منهما أن الفقر لم يأكل الروح . وظل البطل على رقة مشاعره وحبه للشعر
وتهذبه فى معاملة الجميع ، وظلت البطلة التى اختلطت بأرقى الأوساط محافظة
على نبلها وروحها الصافية . لا نبالغ إن قلنا إنها معانى لم نجد من ينقلها
لنا بمثل هذه الشحنة والتأثير والصدق منذ رحيل أستاذ السينما المصرية عز الدين
ذو الفقار ، سوى بعض من أفلام حفنة محدودة من السينمائيين المصريين كمحمد
خان ، وكوحيد حامد طبعا ! عمرو واكد ( تلميذ الهراء الشاهينى وبتاع
الانتفاضة فى أصحاب ولا بيزنس ) ، يبدو هنا صبيا طفوليا مهذبا رائعا
على نحو مدهش وفجائى . هذا يحيلنا فورا لمن هو الموجه الذى استخرج منه كل
هذا . سمير سيف يعلمنا درسا جديدا طالما افتقدناه فى السينما المصرية فيما يجب أن
يكون عليه موجه الأفلام . درس يوجه لدعاة الموهبة شيوخا وصغارا ، يقول
لهم أن ليس مطلوبا من الموجه أن يكون ’ ذا رؤية ‘ أو
’ ذاتيا ‘ أو ’ مبدعا ‘ أو ’ فنانا ‘ إلى آخر تلك
الكلمات المنحطة أو ملوية العنق التى يزايد علينا بها أصحاب ما يسمى بالسينما
الفنية وسينما المؤلف إلى آخر هذا الهراء . المطلوب فقط أن يضع كل حرفته
وخبرته فى خدمة القصة التى يوجهها . هذا هو تعريف موجه الستوديو ،
وسمير سيف أثبت أنه يستطيع تقديم كل الضروب السينمائية بذات القدر من
الاتقان ، فيما لا يختلف كثيرا من حيث المفهوم عن رموز موجهى الستوديوهات
أمثال هاوارد هوكس وچون هيوستون
وروبرت وايز …إلخ …إلخ . …
ربما باطنيا ديل السمكة هو الذى حفز على قراءة
فورية منى لـ ’ عمارة يعقوبيان ‘ . فالتشابهات كثيرة وليس أشهرها أنها تدور فى عمارة
حقيقية بشارع طلعت حرب بوسط القاهرة ، وشخوصها ‑لا سيما المشاهير
والپرلمانيين والسياسيين‑ حقيقية ، وإن اختلف علاء الأسوانى عن
سپييلبيرج وحامد فى أن لم يصرح بهذا ، وليس أقل تلك التشابهات تقديم شخصية
مثلية محورية على نحو إيجابى ، ثم أن ‑ولعله الرابطة الأهم‑
وحيد حامد نفسه هو الذى سيقدم يعقوبيان للسينما ، ولا بأس من بعض الإثارة
انتظارا لهذا الحدث الكبير المشوق ! الرواية مثيرة محكمة وممتعة ، لا تستطيع بدأها
دون الانتهاء منها . ولعلاء الأسوانى أبرع أدوات الوصف والحكى ، بما
يحافظ على الدفق الايقاعى ، ويتصاعد به تدريجيا مع دخولها لنصفها
الثانى . والانطباع العام هو أنها مزيج من ميرامار والمذنبون ، مع
أصداء قوية من الثلاثية كالتناول الپانورامى لحى قاهرى وطبقته الاجتماعية وككون
الشحصية المحورية شخصية كهل حسية غارقة فى الملذات . وكل الإحالات لنجيب
محفوظ قادت البعض وتقودنا لتمثلها كأحد أفضل الروايات العربية لكاتب غير نجيب
محفوظ . هى مجموعة من القصص المتوازية ، لن تعرف إلا مع الفقرة
الأخيرة تماما أى منها هى الأكثر رئيسة ، والتى يتبنى المؤلف شخوصها نسبيا
ولن يحكم عليها بالموت أو سوء المآل . لن نحدثك كثيرا عن التفاصيل ،
إلا بقدر ما ستضرنا إليه هذه الحفنة من الانطباعات والتحفظات عن الرواية ،
التى هى على العكس ، سلبية بعض الشىء : 1- الأرثوذوكس
حثالة : أوافق علاء الأسوانى تماما على هذا ،
وأوافقه على الحاجة الملحة لفتح هذا الملف العطن الذى طال غلقه باسم الوحدة
الوطنية ، حول فئة من الشعب يتخيل الغرب أنها قوة حداثة وتقدم ، بينما
هى غارقة فى عفن التخلف المصرى حتى أذنيها . لكنى لا أوافقه على بضعة
أشياء ، أبرزها أن حماسه الزائد لفتح هذا الملف هو الذى أوقعه فى الغلطة
الوحيدة تقريبا فى كل الرواية التى فقد فيها كلية الحس الواقعى والدرامى .
فزكى بك الثرى الحسى رفيع المذاق الذى يعلم جيدا معنى الجمال ، ربما يقبل
لطيبته ورقة حواسه تعيين أبسخرون الأعرج ساعيا لمكتبه الهندسى ، لكن المؤكد
أنه لن يسمح له بمواصلة ارتداء الملابس الرثة بعد ذلك . الفكرة هيمنت على
علاء الأسوانى ، وأراد بشتى الطرق إظهار أبسخرون وابنه ملاك بصورة منحطة
فتجاوز كل معايير الواقعية الدرامية . اجتماعيا ذلك غير صحيح أيضا ،
فالأرثوذوكس ليسوا حثالة بالنسبة للمسلمين . هم طبقة وسطى أرقى ككل فى
عمومها ، وفقراؤهم نادرا ما يشتغلون عند مسلمين فى الوظائف الدنيا ،
ونادرا ما يتورطون فى أمور بين المسلمين قد تصل لحد تسهيل الدعارة والرشوة كما
فعل ملاك أخو أبسخرون مع بثينة . والرد بأن زكى بك ليس مسلما إنما
علمانى ، والبديهى أن يكون أبسخرون حثالة بالنسبة له ، قد يكون صحيحا
اجتماعيا ، لكن يظل غير مقنع دراميا . فالدراما اختيار ، ودون
تفصيل شديد ودون وضع للأمور فى أقواسها المناسبة ، لا يصلنا سوى معنى أن
زكى المسلم يستخدم أرثوذوكسيا وضيعا لديه . عالميا وتاريخيا الأرثوذوكس حثالة بالنسبة للپروتستانت
والكاثوليك ، لكن بالنسبة للمسلمين هذا غير صحيح ، ولم ولن يكون
كذلك . علاء الأسوانى كان كأغلب طلبة طب الأسنان وسائر
الكليات العلمية منذ السبعينيات عضوا فيما كان يسمى الجماعة الإسلامية ،
لكنه كما قال مؤخرا لجريدة القاهرة سرعان ما نأى عنها لقيمها المتخلفة . لا
شك أن سكناه بشخصه فى العمارة محور الرواية لفترة غير قصيرة ‑ربما
وحدها ، وربما بالإضافة لأسباب أخرى لا نعرف عنها الكثير‑ هى التى
أكسبته كل هذا القرب والاحترام للمسيحيين من أصول غربية ، ( ملحوظة
عن الألغام الرقابية : ربما على العكس من موضوع
المثلية أو نقد الناصرية أو تعريف الوطنية ، التى هى الغام رقابية
صغرى ، فإن قضية الأرثوذوكس أو من يسمون بالأقباط ، زائد الجنس الكثيف
جدا ، زائد النقد المخيف لأمين
التنظيم فى الحزب الحاكم ، بل و’ للرجل الكبير ‘ الذى يحصل
لنفسه على ربع أرباع كل الشركات من خلال المشاركة فيها بدون رأس مال ، هى
بعض من ألغام رقابية عظمى تنتظر تحويل الرواية للسينما . لكن المؤكد أن
الأجدر على الإطلاق بحل المعضلة على أفضل وجه ممكن هو وحيد حامد ، لاستنارته الشخصية
المؤكدة ، ولحنكته الطويلة المميزة والمثمرة فى التعامل مع الرقابة ،
وليس بالرشوة وحدها كما ’ مخرجنا ‘ الكبير صاحب الجوائز العالمية إياه
الذى لا تحتاج أفلامه أية رشاوى أصلا ) .
( ملحوظة أخرى بمناسبة ’ حبيبتى
اليونانية ‘ : أحرز الأرثوذوكس نقطة كبيرة
بصنعهم فيلما يسخرون به من أنفسهم ، فإذا به يصبح أنجح فيلم مستقل وأنجح كوميديا عاطفية من حيث الأرقام فإن النجاح التدريجى التصاعدى
لحبيبتى اليونانية فى الشباك الأميركى ظاهرة فذة وتأكيدا غير مسبوقة . 2- الاستعمار
والإمپريالية والصهيونية كلمات أنبل كثيرا من أن تربط بسلوكيات الحثالة
المصرية : علاء الأسوانى كاتب عصرى الأفكار ،
لكنه لم يتخلص بعد بالكامل من سطوة الميول أو التحليلات اليسارية والوطنية
البالية ، والمهيمنة على ثقافة العالم الثالث ، وبالذات العربى
منه . هذا كان مصدرا لاضطراب وتناقض كبير فى الرواية ، بالذات مع ما
سنقوله بعد قليل عن مفهومها المتطور للوطنية كما جاء على لسان بثينة . أحد
الأمثلة ، وبمناسبة المسيحيين ، هو يصف أسلوب ملاك فى توسعة رقعة
السطح التى يضع يده عليها بالأسلوب الاستعمارى ، ويصف تفاصيل طريقته كما
يصف المثقفون عادة ما يسمونه بأسلوب القضم والهضم الإسرائيلى . غنى عن
القول أن الأديان تتوسع ، لكن ليس هذا هو المهم فيها ، والمهم أنها
قوى ظلام . ربط المسيحية أو اليهودية بالذات بالاستعمار تضليل أيضا أو
انطباعات سوقية ، فالإسلام بالمثل كان قوة ظلام بسطت نفوذها على كل العالم
القديم تقريبا بالقوة الغاشمة . الواجب النأى والتمييز بين الاستعمار كسمة
طبيعية للتوسع الحضارى الحداثى بل والعلمانى غالبا ، وبين أديان بعينها أو
حتى الأديان ككل والتى لا حضارة فيها بالمرة . مصر لم تتوسع أبدا لا
بفراعنتها ولا بأرثوذوكسييها ولا بهم بعد تحولهم لمسلمين ، ذلك أنها حثالة
چيينية لا أكثر ، ولا سبيل لقيامها بأى دور حضارى حقيقى فى أية لحظة
تاريخية ماضية أو مستقبلة . 3- بم
يفسر الفقر والفساد ، الحكومة الظالمة أم غباء الچيينات ؟ بالمثل النبرة اليسارية لا سيما فى كلام الصحفى المثلى ، لم تجد
ما يوازنها فى الرواية . الكلام الكاسح عن الفقر والفساد يجد صداه فى قصة
إبن البواب الإرهابى بل وفى كلام زكى الدسوقى نفسه أحيانا ، ذلك دون أن نرى
رؤية أو تفسيرا ليبراليا يمينيا حقيقيا لظاهرتى الفقر والفساد . علاء
الأسوانى يصب جام غضبه طوال الوقت على الحكومة وكأنها هبطت علينا من كوكب
آخر ، أو كأن الصينيين أو الهنود يتقدمون لمجرد أن حكوماتهم غير فاسدة .
إنه يتحاشى البحث عن الطبقات الچيولوچية الحقيقية
لمآسينا ، تلك التى تقع فى غبائنا المتأصل چيينيا ، والذى لا فكاك منه
فى الواقع . على أية حال هو لا يزعم أنه يمتلك رؤية أيديولوچية محددة .
على أنه فى غثاء ثقافتنا العربية والمصرية ، هذا فى حد ذاته فضل
عظيم ! 4- بم
يفسر الإرهاب الإسلامى ، الفقر أم الدين ؟ الصراصير
اليسارية لا تزال تهيمن على تحليلات الرواية . الفقراء هم عصب الإسلام
الإرهابى . هذا خطأ ، وما كان يجب أن يقع فيه أحد لا قبل 11 سپتمبر ولا بعدها . مقومات
الإرهاب دينية وليست اجتماعية . الفقر موجود دائما أبدا ولم يتحول
لإرهاب . الشيوعيين أنفسهم أشهر من دافعوا عن الفقراء ، لم يلجأوا قط
لحمل السلاح فى بلادنا . الجهاد المسلح ضد كل ما هو غير مسلم جاء من تعاليم
الإسلام الصريحة والتى لا تحتمل التأويل . ما حدث هو أننا وصلنا لنقطة
الهزيمة الحضارية الشاملة ( وهذه قضية أكبر بمراحل من مشكلة الفقر أو أية
مشكلة اجتماعية أيا ما كانت ) ، والدين الكامن بكامل قواه ومقولاته
الإرهابية التدميرية لم يأت بجديد ، ولم يحتج لذلك حتى . فقط طفا إلى
السطح بسبب هذا الظرف التاريخى . والرواية التى أسهبت فى اقتباس الآيات
القرآنية وأحاديث النبى فى موضوع الجهاد ، تجاهلت منها عمدا ما هو أكثر
أهمية وحسما فى هذا الشأن . ثانيا ، دائما أبدا قادة الجماعات
الإسلامية فى الجامعات مثقفون أثرياء أو على الأقل من أبناء الطبقة
الوسطى . ثالثا ، اختيار الضحية كضابط شرطة وليس سياح الأقصر أو
الطفلة شيماء مثلا ، اختيار مقصود وبالغ التضليل عن حقيقة الظاهرة
وأسبابها ، أو على الأقل ترديد ببغاوى لأفكار لا معنى لها من قبيل
الديموقراطية وحقوق الإنسان ، وكأن كان الواجب على الحكومة استضافة هؤلاء
فى فنادق خمسة نجوم للتحقيق معهم . رابعا والأسوأ ، أن التوقيتات
نفسها مضطربة فى الرواية . فالمفروض أن الأحداث تدور فى سنة 1991 إبان حرب
الخليج ، ويمكن أن نقبل امتدادها عامين بعد ذلك حتى اندلعت موجة الإرهاب الكبرى .
لكن حتى ذلك الحين لم تكن الحكومة متأسلمة بالدرجة التى أظهرتها الرواية ،
والتى قد تكون صحيحة اليوم فقط . تلك الإدانة التى قدمتها مثلا من خلال
الاستجوابات فى مجلس الشعب عن إعلانات التليفزيون والمؤيدة من أمين التنظيم نفسه
بالحزب الحاكم . لكن هدف الرواية من البداية إدانة الحكومة بذات قدر إدانة
أى أحد آخر حتى لو كان الإسلاميين ، وحتى لو كانت التهمة هى الإسلام . 5- أين
الأخوان المسلمون ؟ فى رواية استعرضت كل الطيف
الحضرى القاهرى ، واستعرضت مظاهر وقوى التدين الإسلامى فى المجتمع المصرى
بإسهاب تام ، يبدو خلو الرواية بالكامل من كلمة الأخوان ، أمرا مثيرا
للريبة أو على الأقل التساؤل لأبعد الحدود . الإسلاميون إما جماعات مسلحة
أو موجودون فى حزب الحكومة ، وليس شيئا ثالثا . الثريان المرشحان
لعضوية مجلس الشعب كلاهما شديد التدين ، لكن أوصاف صاحب متجر الملابس
الدعوجى تنطبق على شخصية حقيقية أخوانية معروفة ، بينما الرواية جعلته
حكوميا . لا بأس إذا كان هذا لتفصيل الصراعات والفساد داخل حزب
الحكومة ، لكن كان يجب فى هذه الحالة أن نسمع عن الأخوان من خلال دعمهم
المالى والمعنوى لجماعات الإرهاب المسلح . هذا لم يحدث أيضا ، وبدا الإرهابيون
كواحة منعزلة عن مجمل الحركة الإسلامية ، معلقون فى الهواء كمجرد شهداء
مثاليين لا يستخدمهم أحد . من الواضح أن بعض الأشياء ترسبت لدى علاء
الأسوانى من أيام إسلاميته المبكرة ، ليست كنتوء أسود فوق جبهته فقط ،
إنما فى داخل عقله الباطن أيضا ، أو لعله لا يزال يأمل فى خط رجعة يمزج
الإسلام بصورة مخففة ما فى نسق حضارى مستقبلى لبلادنا . هذا الحلم المستحيل
يحمل بصورة أو بأخرى نفس سمات إشفاقة وإعجاب العقل الباطن اليسارى التقليدية
بالحركة الإسلامية التى حققت كثيرا مما فشل هو فيه . وكما هى تناقض مفجع فى
النسق الفكرى ليساريينا ، هى مصدر واضح للتشوش الفكرى فى ’ عمارة
يعقوبيان ‘ ! 6- الحياة
الجنسية عند الإسلاميين : هل هى حافلة ثرية
متبادلة وممتعة كما الصورة التى قدمتها الرواية . أتمنى أن أقرأ يوما بحثا
فى هذا ، وإن كنت أشك تماما إلا فى كونها علاقة ذكورية تسلطية المتع فيها
من حق طرف واحد لا غير ، هذا إذا كانت حافلة أصلا كما قال رئيس معسكر تدريب
الإرهابيين . وهذا بدوره مشكوك فيه للغاية ، أو لعلها أقرب لاهتياجات
طلال السورى التى لا تدوم لأكثر من ثوان معدودات ! لحسن الحظ النقاب وختان
الإناث وحق التطليق من طرف واحد ، أمور تخبرنا بالكثير عن العالم السرى
لجنس الإسلاميين ، وأنه لا يمكن أن يكون جنسا صحيا بأى منحى من
المناحى . 7- المثلية
الجنسية : أيضا معلومات علاء الأسوانى عن المثليين
محدودة . عندما تفضل مثقفونا بالحديث الإيجابى عن المثليين أخيرا ،
مالوا كما رأينا فى فيلم ديل السمكة ، لتصويرها كلعنة ، والتركيز على
بؤس أصحابها بها . علاء الأسوانى لم يصل لهذا الحد ، لكنه ركز على
أنها مكتسبة من خلال وطء الخادم النوبى لطفل جهبذ القانون الدستورى
المصرى ، بينما الأصح أنها فى الغالب الأعم من الحالات صفة بيولوچية منذ
الميلاد . من ناحية لا أعتقد أن المثليين يكرهون أنفسهم كما تخيل وحيد
حامد ، ومن ناحية لا أعتقد أن الدفاع عنهم يكون بإدانة آبائهم كما فعل علاء
الأسوانى . هذا وذاك ليسا بأكثر من أسلوب المثقفين التقليدى فى مصر عندما
يريدون طرح قضية ، يلفون ويدورون حولها حتى لا ’ يخسروا تعاطف الناس ‘ .
هم يسمون ذلك سياسة أو ذكاء أو حكمة ، وأسميه أنا نفاقا وأراه إضرارا
بالقضية أكثر منه نفعا لها . أعتقد أن واجبنا فقط أن نقدم حياة المثليين
كحياة سعيدة حافلة بالحب والرقة والجمال والإخلاص والصدق ، وسوية أكثر من
حياة أغلبنا . وعلى الأقل لا نستخدم قط لفظة شواذ كما آثر علاء
الأسوانى ، حتى لو كان من بين المثليين من يعتز بها . 8- جحيم
ذو أمل : وكما ادخر ستيڤين سپييلبيرج ووحيد
حامد مفاجأة صغيرة سعيدة للنهاية ، تجد ذات الشىء مع علاء الأسوانى : النهاية السعيدة لعلاقة زكى وبثينة بالزواج ،
هذا بينما كان مآل بقية الآخرين الدمار ، قتلا أو إجهاضا أو إفلاسا .
الواقع أن علاقتهما كانت مرشحة أكثر من غيرها لنهاية مأساوية ، لكن قرار
الأسوانى يحسم أين تقع بعض تعهداته الأيديولوچية ( حدسا على الأقل ،
وفيما لا يتعارض مع الملحوظة السابقة ) . زكى الأسوانى الحسى الصادق
رمز الليبرالية التقليدية القديمة المتحررة المتغربة فى كل شىء وصاحب أحلى
الذكريات عن مصر ’ الجميلة النظيفة ‘ قبل 1952 ، وصاحب أقسى هجوم
على عبد الناصر وعصابته ( يفوق صراحة وجسامة وحسما كل ما يمكن أن تقرأه من
نوعه فى السنوات الأخيرة ، باستثناء موقعنا
هذا ! ) . وبثينة ، المصرية البسيطة المكافحة من أجل
لقمة العيش ، زُهرة ميرامار مع اختلاف واحد أنها تكره مصر وتكيل لها أشد
عبارات المقت والازدراء ( تفوق صراحة وجسامة وحسما كل ما يمكن أن تقرأه من
نوعه فى السنوات الأخيرة ، بما فيه موقعنا
هذا ! ) . زواجهما انتصار وأمل ، لكن المشكلة تقع فى
المثقفين الذين قد يفيضون فى تأويله كزواج شائه بين كهل غارب وفتاة صغيرة ،
أو فى أن تفكير المتلقى يذهب عامة فى مثل هذه الحالات لفكرة الميراث
الوشيك ، ذلك مهما أفاض الكاتب فى وصف الرقة والحب الذى غلف العلاقة .
فى رأينا كان يجب أن تمتد الرواية ولو سطرا واحدا يتحدثون فيه عن طفلهما المرتقب
أو عن رحيلهما لفرنسا مثلا . هكذا كانت ستكون التعهدات والانحيازات أكثر
حسما ، والدراما أفضل تماسكا وقوة . ’ عمارة يعقوبيان ‘ بكلمة ،
جحيم به بصيص من الأمل . وهذا يجعل المتعة مضاعفة ، ولو أفسدتها قليلا
ملحوظة هنا وهفوة هناك بسبب تشوش فكرى جسيم يلف الثقافة العربية كلها وليس هذا
الكاتب وحده ، الذى هو أفضل من آلاف غيره . حتى رغم هذا لا تزال لدينا فرصة
فى امتحان التحسين : فيلم وحيد حامد عنها ! اكتب رأيك هنا
[ تحديث : 23 أپريل 2003 : بدأ بالفعل اليوم عرض فيلم الساعات فى مصر . المدخل قصة حقيقية
لكنه بالطبع لا يقل اختلافا عن اختلاف الأشغال الثلاثة التى تناولناها هنا عن
بعضها البعض . قصة حياة ڤيرچينيا وولف ( نيكول كيدمان فى دور
الأوسكار ) ، لدى كتابتها رواية ’ مسز داللواى ‘ سنة 1925
ولدى انتحارها فى 1941 ، تنسج هنا وكما رواية مايكل كانينجهام حائزة
الپوليتزر ، مع قصتين تخيليتين . زوجة منزل محبطة فى ضواحى لوس
أنچيليس الخمسينيات ( چوليان موور ) ، وموضبة كتب نيو يوركية
( ميريل سترييپ ) ترعى صديقها الشاعر القديم ( إيد هاريس )
الذى تحول للمثلية ومصاب بالإيدز ، وأيضا تحولت هى مثله لها وتعيش مع صديقة
متفهمة ( أليسون چانى ) . الانتحار هو الموضوع ، ولا شك أنه بعيد جدا عن
أى من الأشغال التى تناولناها ، وهو موضوع كبير وشبه فلسفى ، وكونه
مأخوذا عن شخصية حقيقية من عدمه يبدو أمرا ثانويا نسبيا . فى هذا الموقع
كتبنا من قبل عن الانتحار . كان هذا فى صفحة الإبادة بمناسبة نهاية
الحرب على الانتفاضة ، والتى كثر فيها الحديث عن الميول الانتحارية لدى
الفلسطينيين . لكن فحوى المدخل أن الانتحار ظاهرة عالمية ، بالذات
شبابية ، وتحدثنا كثيرا من منظور بعد‑إنسانى بالإحصاءات
والتحليلات ، لنخلص أننا جميعا يجب أن نكون انتحاريين ، لأنه ببساطة
لا مستقبل للإنسان فى العالم عالى التقنية الرائع القادم . فيلم الساعات يرى العكس . أصحاب الفيلم لديهم
كلمة ثابتة يكررونها فى كافة الأحاديث الصحفية ، أن الهدف أن نستشعر قيمة
الحياة ، وهى عبارة وردت على لسان ڤيرچينيا وولف فى الفيلم ،
حين قررت إنهاء حياة إحدى شخصيات روايتها . ڤيرچينيا وولف انتحرت
لأنها أصيبت باضطراب عقلى يجعلها تعيش حياة غير التى تمنتها . وفى نفس
الوقت باتت مصدرا للتعاسة لزوجها وللمحيطين بها . هذه نبالة لا شك ،
ورحيلها لم يؤذ أحدا إيذاء حقيقيا ، بل أراحهم على نحو ما . الكاتب
النيو يوركى المثلى المعاصر ينتحر هو الآخر . بينه وبين نفسه يعتبر حياته
الإبداعية ليست ناجحة ، حتى وإن رأى الآخرون العكس ومنحوه جائزة . هذا
حقه . لكن هذا ليس سبب انتحاره الوحيد ، فهو مصاب بالأيدز ويشعر أنه
بات عبئا على صديقته القديمة التى تعاوده كل يوم لترعاه وتأتيه بالطعام أو
الملابس أو الزهور …إلخ . الانتحار هنا نبالة أيضا وشعور بالمسئولية .
تبقى الحالة الثالثة ، والتى اختار صناع الفيلم أن يعبروا من خلالها على
فكرة أن الحياة أفضل من الموت . هذا لم يكن مقنعا على وجه الإطلاق .
زوجة منزل فى ضاحية هادئة من ضواحى الخمسينيات . ربما الحياة مملة
قليلا ، لكن لديها طفل ترعاه طوال اليوم ، ولديها زوج طيب
تنتظره ، ولا شىء استثنائى خاص يميزها عن ملايين زوجات المنازل ، لا
تحب شخصا آخر مثلا ، ولم نعرف عنها أن لديها هدفا كبيرا مثلا يستحيل تحقيقه
فى هذا المكان الضحل ، بل بالعكس ربما نتخيل أن كثيرات يحسدنها غالبا على
الطفل الجميل والزوج المحب . صديقة لها تجرى عملية استئصال رحم ، ولا
إشارة حتى لأنها ماتت أو ستموت . هذا لا يرقى لمستوى القول إن الحياة يخيم
عليها الموت مثلا . أقصى ما يمكن قوله إنها حياة مملة قليلا . تلك
الزوجة تترك طفلها يصرخ بحرقة وتنطلق بسيارتها لفندق وقد عزمت العزم على
الانتحار استلهاما لشىء ما من رواية مسز داللواى التى كانت تقرأها . تنكص
ربما بعد أن تحسست الجنين داخل بطنها ، وتنتظر حتى تضعه ، وتهرب لكندا
تاركة زوجها وطفليها . من الناحية الدرامية المحضة لا توجد مبررات لفعلتها
’ المسوخية ‘ بتعبير الفيلم ، ولا شىء يمكن أن يكسب تعاطفنا
معها . أما من الناحية الفلسفية ، فبصراحة إذا كانت الحياة هروبا من
الملل وطموحا شائشا تافها وتنصلا من المسئولية وإيذاء لأقرب الناس ، فقط
لمجرد الرغبة فى تفادى انتحار غير مبرر أصلا ، فهى رخيصة جدا وليست ثمينة
بالمرة كما أراد الفيلم أن يقول . بمعنى آخر ، كان من الممكن للفيلم
أن يقول أشياء جيدة بعض الشىء لو أراد قولها من خلال شخصية أخرى غير هذه ،
هى كلاريسا ڤون التى قامت بها ميريل سترييپ ، وأقرب من يشبهنا جميعا
فى كل الفيلم . إنسانة حضرية عادية تمر بإحباطات يومية كثيرة ، لكنها
فى النهاية تستعين بالأشياء البسيطة كالصداقة والحب وشراء الزهور ، على
مواجهة الحياة أو ’ قضاء الساعات ‘ . هذا شىء يمكن احترامه .
لكن الإنشائيات فى امتداح الحياة ونقد الموت ، فهى غير مقنعة بل ذات أثر
عكسى إطلاقا ، لا سيما وأن الفيلم باستثناء عبارات النهائية المفتعلة مقبض
جدا طوال الوقت ويغرى بشدة على الاكتئاب إن لم يكن الانتحار تحديدا !
( كان من الممكن كذلك على سبيل المثال تنمية الخيط الأنوثى feminist الذى يذكر طوال الوقت حتى حول هل العصفور الميت أنثى أم لا ،
لكن كل هذا ضاع من أجل تمرير مقولة ما ’ بالعافية ‘ . أيضا لاحظ
أنه منذ سنوات لم نجد موسيقى أى فيلم بمثل هذا الصخب لدرجة تكاد تكون لا
احترافية ) . الحياة جميلة تستحق العيش فى نظر غالبية
البشر . وليكن ، لكن على هؤلاء أن لا يتحدثوا عن الانتحار لأنهم لا
يفهمونه . الأسوأ أن هذا نوع من الهجوم كخير وسيلة للدفاع يكشف عن حجم
البؤس الداخلى عندهم الذى لا يشاءون مواجهته ( اليس هذا معنى السؤال فى
الفيلم العظيم ’ من يخاف ڤيرچينيا وولف ؟ ‘ ) .
نعم هم لا يفهمونه ، وترعبهم فكرته . الانتحار نبالة ، وكلنا لسنا بالنبل أو حتى بالشجاعة
الكافيين كى نتخذ قرار مغادرة الحياة . ڤيرچينيا وولف باتت رمزا
تاريخيا لهذه الشجاعة فى اعتبار الحياة كما نعرفها لا تستأهل من الإنسان النبيل
أو من المثقف الحق العيش فيها . الفيلم يلح على أن
العيش لمجرد العيش هو هدف ثمين . على أن آخر شىء يمكن أن يقنعك بهذه الفكرة
هو الفيلم نفسه ! ] .
19 مارس
2003 : خبطات الشباك الهندى تتوالى ، ومصر
تدخل الصورة من خلال عرض ’ أحلام الحب ‘Kabhi
Khushi Kabhie Gham الواقع أن كل شىء بدأ يوم 15 يونيو 2001 ،
بعرض كل من ’ جادار ‘ ( التمرد ) و’ لاجآن ‘
( الأتاوة ) فى نفس اليوم . إذا بالأول يصبح أنجح فيلم فى تاريخ
السوق المحلية بـ 650 مليون روپية ( 14 مليون دولار ) ، ولاجآن
من بين العشرة الأوائل بنصف الدخل تقريبا ، لكن بسمعة عالمية هائلة ،
ذروتها التسمية لأوسكار أحسن فيلم بلغة أجنبية . … The Top Indian Domestic Grossers of All Time (150
Million Rupees & Above):
The Top 10 Indian Grossers of All Time Adjusted for Inflation:
The Top 10 Indian Domestic Grossers of All Time in
The Top 10 Indian Domestic Grossers of All Time in UK:
… الكلام عن القيمة الفنية لما يسمى
بالسينما الهندية المسماة بالتجارية ، لا ينتهى . والواقع أننا وجهنا
شطرا كبيرا من كتاباتنا على مدى العشرين سنة الأخيرة ، للقيم الفنية
والإنتاجية للسينما الهندية والصينية ( المسماة بالكاراتيه ) والتركية
والأسترالية ( سينما ماد ماكس ) ، وغيرها من صناعات السينما
المغضوب عليها من النقاد ، وهم أناس يفهمون جميع الأشياء جيدا ، وإن
تأخروا مجرد خمسين سنة عادة !
حصر كل ما كتبنا بهذا الشأن مهمة أكبر من أن نقوم
بها مرة واحدة الآن . لكن لعل أكثر دفعة من هذا الكتابات تركيزا ،
وأيضا ريادة ولفتا للانتباه ، هى بالأساس ما ظهر فى مطبوعات مهرجان
القاهرة ، وبالأخص سنة 1987 . هذه ظلت تعمم تباعا فى الأعداد
المتوالية من نشرة تلك السنة ، بحيث لم يعد ثم متسع فى اليوم الأخير إلا
لتعميم نصف الدراسة الخاصة بالسينما الصينية ( أفلام فنون
القتال ) . هنا نتيح لك تلك الكتابات من تلك السنة ( كل صناعات
السينما الأربع المذكورة ) ، زائد أخرى من العام التالى 1988 ،
تكريما للنجم الهندى أميتاب باتشان ( لا زال حيا ويركل كما رأينا اليوم فى ’ أحلام
الحب ‘ ! ) ، تتحدث عن القيمة الفنية لأفلامه ، تلك
التى يرونها مفرطة الميلودرامية والمصادفات ، وتحديدا فيلما
’ الشعلة ‘ و’ عمار أكبر أنتونى ‘ . للأمانة ، ودون إدعاءات شخصية كبيرة ،
فعلى الأقل ثم عقل آخر يستحق التحية وراء مثل هذه البرامج هما مارى غضبان ويوسف
شريف زرق الله ، نقول بكل المعايير ، إن ما فعله مهرجان القاهرة من
خلال تلك البرامج والكتابات فى أواخر الثمانينيات ، هو بالضبط ما تفعله
الآن مهرجانات مثل كان وبرلين وڤينيسيا بعد 15 سنة ، احتفاء بصناع
السينما المسماة بالتجارية فى الهند وهونج كونج وتركيا ، بعد عقود ازدرتها
فيها على نحو مذرى ( نقصد طبعا مذرى للمهرجانات وليس لتلك
السينمات ) . ندعوك بشدة لقراءة هذه الكتابات ، التى نوفرها
لك فى الوقت الراهن ، كمجرد صورة من المطبوعات التى ظهرت فيها ( بما
فيها دراسة سينما فنون القتال الصينية ، كاملة لأول مرة ذلك كمخطوطة يدوية
كلما لزم الأمر ، نأمل ألا تكون مرهقة القراءة جدا ) . أيضا
يمكنك متابعة الكثير من المتابعات والتحليلات لأداء هذه الأفلام فى السنوات الأخيرة
من خلال قسم المهرجانات فى هذا
الموقع : Indian Cinema: 0, 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7. Chinese Cinema: 0, 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8, 9, 10, 11, 12, 13. Turkish Cinema: 0, 1, 2, 3, 4, 5, 6. Australian Cinema: 0, 1, 2, 3, 4.
[ تحديث :
13 مايو 2004 : اقرأ هذا الملف ومن ناحية أخرى يرصد كيف تصاعدت
إيراداتها العالمية فى الغرب تحديدا . أنجح فيلم لعام 2003 وعنوانه Kal ho Naa ho حقق أرقاما مثيرة للفضول :
10 مليون من الداخل ، 3 مليون من بريطانيا ، 2 من أميركا ، 5 من
بقية العالم . المناصفة بين الداخل والخارج ، زائد غزو أصعب سوقين فى
العالم على وجه الإطلاق ، وناهيك عن كونها
أرقام غير مسبوقة ، هى سمات سينما عالمية بمعنى الكلمة ! بالمناسبة ، سمة أخرى
للعالمية : فيلم القمة للعام الأسبق 2002 Koi … Mil
Gaya (Someone)
كان يكسر أرضا جديدة أخرى : صنع أول فيلم خيال علمى هندى . … للمزيد
انظر أيضا المدخل المسمى هولليوورلد بصفحة هولليوود . … كذا
انظر متابعة مسهبة نسبيا لدورة مهرجان
كان الأخيرة ، والتى فرضت فيها هاتان السمتان البارزتان للسينما
الهندية نفسيهما فرضا ] .
|
| FIRST | PREVIOUS | PART II | NEXT
| LATEST
|