|
|
|
العرب ومستقبل الثقافات القومية
لماذا نحن
دائما فى الجانب الخطأ من معركة الحضارة ؟
—أو : لعنة الچيين المفقود !
( الجزء الثانى )
Arabs and the
Future of National Cultures
Why We’re Always
on the Wrong Side of the Battle of Civilization?
—Or: The Curse of the Lost Gene!
(Part II)
| FIRST | PREVIOUS |
PART II | NEXT | LATEST |
الآن : العرب ومستقبل
الثقافات القومية لماذا نحن
دائما فى الجانب الخطأ من معركة الحضارة ؟ Arabs and the
Future of National Cultures Why We’re
Always on the Wrong Side of the الدراسة الرئيسة لصفحة
الثقافة على هيئة ملف .pdf أنيق سهل التنزيل والطباعة … هذه الدراسة التى تقع فى نحو 140 صفحة ( أو
نحو 4 ميجا بايت ) ، وكتبت ما بين أپريل 1992 ومايو 1996 ، هى
أقدم ما عمم حصريا من خلال قسم الرأى بالموقع ، وتمثل تلخيصا متكاملا لأغلب
ما طرح فيه من أفكار جريئة وصادمة على مدى قرابة عقد كامل . هذه الدراسة التى ستضاف لكتاب ’ حضارة ما
بعد الإنسان ‘ الأقدم الذى عمم مستقلا مطبوعا سنة 1989 ، ويمثل أيضا
حجر زاوية أساس لأفكار هذا الموقع ، انضمت الآن تنزيل كتاب ’ العرب ومستقبل الثقافات
القومية ‘ هنا تنزيل كتاب ’ حضارة ما بعد
الإنسان ‘ هنا القائمة الكاملة للكتب والكتيبات المتاحة كملفات .pdf هنا |
NEW:
[Last Minor or Link Updates: Saturday, July 09, 2011].
July
23, 2002: Masters of defeat gather to celebrate the most
notorious disaster in the modern Arab history: Egypt’s July 23, 1952
‘revolution’!
June 7, 2002: FIFA World Cup as a demonstration of Man-Machine conflict. Also as a demonstration of Arab culture illnesses!
May 5, 2002: VOA Arabic signing off, sorrowfully for the last time. A new broadcast launched!
April 6, 2002: A HISTORY MADE! First Human Cloning. Surprisingly, it’s an Arab cultural event than a scientific one!
March 18, 2002: Thatcher’s new book!
March 15, 2002: EgyptAir Flight 990 crash: All secrets revealed. It’s just an ‘internal affairs’ issue of the Islamic Brotherhood.
January 31, 2002: What’s ‘Right?’ A simple question has never been answered in the eternally left-wing Arabic language!
January 1, 2002: How to repair the image of Islam in the West? Here’s our advice: JUST SHUT UP!
November 30, 2001: The ‘Arab Street’ is dead silent. Why?
November 18, 2001: Arabic MTV. WHAT AN IDEA! But, could it really work?
October 7, 2001: A whole new page on the concept of civilization and the misconceiving of clash of cultures as a clash of civilizations!
January 25, 2001: EgyptAir officially acknowledges liability for Flight 990 crash.
January 17, 2001: Arab unity accomplished at last: Nabil Ali’s new book Arab Culture and the Information Age.
October 20, 2000: Hezbollah website ruined; some lessons obtained. Or may not?!
…
In Part I
ê Please wait until the rest of page downloads ê
الجديد
( تابع جزء 1 ) : 20 أكتوبر 2000 : يكتب هذا التعليق وموقع الجماعة الدينية الإرهابية اللبنانية المسماة حزب الله على شبكة الإنترنيت فى حالة انهيار كامل [ موقع آخر للجماعة أصبح يرفع مؤخرا العلم الإسرائيلى ويبث نشيدها القومى ! ] . واليوم بعد نحو ثلاثة أسابيع من الانهيار بات السبب معروفا من خلال توضيح من الجماعة نفسها جاء فى إذاعة بى بى سى العربية . مبدئيا علاقتى بلبنان ليست كبيرة جدا . ما
أذكره أنى عندما كنت طفلا كان يقال لنا فى كتب الجغرافيا إن نسبة المسيحيين فى
لبنان 92 0/0 ، وبقية الأديان بما فيها الإسلام 8 0/0 من
سكانها . لكن يبدو أن الأحوال انقلبت حاليا . هل تمت أرثذكسة
الموارنة ، بحيث يسهل لهم التخلى عن دينهم وأراضيهم للمسلمين ، كما
حدث فى كل أراضى الأرثوذوكس ؟ هل دجنهم المسلمون ؟ هل هاجروا ؟
هل تم غزو لبنان من الخارج ؟ هل مجرد معلومات كتب المدارس المصرية لا يعتمد
عليها ؟ لا أعلم بالضبط ، ولا شك أنها حكاية معقدة . ربما كثيرون
مثلى لا تتاح لهم فرصة التفقه فى الشأن اللبنانى العجيب ، أو حتى أن يودوا
الخوض فيه . لذا فإنه اعتمادا على ما يستمد من مجمل الصحف ومحطات الإذاعة
وغيرهما يمكن معرفة أنه حاليا بلد محتل من قبل سوريا المجاورة وتحكمه بالتالى
حكومة عميلة لها رغم المقاومة المتواصلة من أغلب قطاعات هذا الشعب العتيد فى
الحضارة والإنجاز ضد هذا الاحتلال المتخلف ( عامة لا يكون الاحتلال شيئا
متخلفا ، فالحضارة تنتشر بالاحتلال أساسا ، وهو عادة غزو من المتقدمين
لمناطق متخلفة ، لكن أحيانا قد يحدث العكس تحت ظرف ارتخاء حضارى استثنائى
ما ، فنرى مثلا بدو الصحراء العربية أو تتار الجبال الآسيوية ، وقد
غزوا المدن الخضراء الزاهرة . والاحتلال السورى للبنان ‑مثله مثل
الاحتلال العراقى للكويت كأمثلة معاصرة‑ ينتمى لذلك النوع البغيض من
الاحتلال ’ الجرادى ‘ ، أى الذى يهجم كالجراد على بلد أكثر تقدما
ولا يريد إلا نهش خيراته وإعادته لما عليه هو نفسه من تخلف ، يبحث بعدها عن
التهام الأخضر واليابس فى مكان آخر وهكذا دواليك ) . بالمثل أيضا فوصف
الإرهابى للجماعة المذكورة ليس من عندنا إنما من التصنيف الرسمى لشعبة الدولة
( وزارة الخارجية ) الأميركية والمعتمد عالميا على نطاق واسع بما فى
ذلك فى مصر التى طالها الكثير من الإرهاب المدعوم من إيران ، سواء ذلك
رسميا أو فى الكثير من صحفنا مثلها كأغلب صحف العالم . أما ما نوده حقا هنا
فهو استخلاص بعض العبر من تلك الواقعة التى تأتى فى ذروة المواجهات المحتدمة فى
الأراضى الفلسطينية وقبيل القمة العربية التى أصبحت شهيرة حتى قبل أن يبدأ
انعقادها غدا فى القاهرة ، رغم أنها تأتى فى الواقع فى الوقت الضائع بعد
اهدار فرصة أخرى لمستقبل عربى تنضم لطابور الفرص الطويل الذى ذكرناه
عاليا ، وهى فرصة مؤتمر كامپ ديڤيد الجديد قبل ثلاثة شهور حيث كان
يجب للقمة أن تنعقد آنذاك لإقرار العروض الإسرائيلية حول مستقبل فلسطين والقدس
...إلخ وهى للمرة المائة ربما عرض جاء فى زمانه لم يعد قائما ، وكغيره من
العروض سيراه العرب يوما عرضا سخيا للغاية ، هذا بغض النظر عن كون كلا
الطرفين يراه حاليا مجحفا لا سيما فيما يتعلق بالنزاع حول أرض المعبد التى أنشئ
المسجد الأقصى على جزء منها ولا يزال ( الحقيقة أنه ترجمة سلمية مبدعة
وجريئة حقا لأكثر من 3000 عاما من صراع الأديان القبيح ) . التدمير طبقا لما قاله المسئول التقانى عن الموقع
المنهار جاء بسبب رسائل بُعث بها من كل من إسرائيل والولايات المتحدة ولا يزال
العطب مستمرا منذ بداية أحداث العنف الفلسطينى الذى أعلنت الجماعة تضامنها معه
وذلك حتى الآن . كما قلنا فى مكان سابق فى هذه الصفحة فالبرمجيات الحاسوبية
العربية الكبرى هى صناعة إسرائيلية بالكامل حركتها صدفة محضة هى كون اللغة
العبرية تكتب كما العربية من اليمين إلى اليسار ، ومن ثم بات من الاقتصادى
نسبيا تعريب نظم التعميل والتطبيقات الرئيسة لشركة مايكروسوفت رغم الهامشية
الشديدة للسوق العربية . ثانيا وبالمثل فالبرمجيات الكبرى للإنترنيت نفسها
كالدردشة ونقل الملفات والترجمة على الخط ...إلخ هى مبتكرات إسرائيلية فى
معظمها ، ومستخدمو الشبكة يعرفون جيدا هذه البرامج ولا يستطيعون الاستغناء
عن أيها قط . بايجاز ، الويندوز
العربية مجرد منتج ثانوى ظهر تلقائيا وهم يصنعون الويندوز العبرية ، ولولا
تلك المصادفة التى جمعت العبرية والعربية من حيث اتجاه الكتابة ، لكنا لا
زلنا حتى الآن نستخدم ألواح الإردواز فى الكتابة ونستخدم الرصاص المصبوب فى
الطباعة ! ما يهمنا هنا ليس أننا فقط أمام حالة نفاق عربية
أخرى ، إنما فى تحليل الفارق بين شخص يعتقد أنه أصبح متطورا بشراء جهاز
حاسوب من الغرب ووضع بعض البرمجيات من صنع الغير ثم ينطلق فى الهجوم على كل
هولاء باعتبارهم الأعداء الذين يجب محوهم ، وبين من يبتكر هذه التقنيات
أصلا وهو الوحيد الذى يستحق حقا فى رأينا وصف المتطور . مبدئيا كما رأينا
فالأخير يستطيع بسهولة تخريب كل مجهودات الأول ولا يملك هذا سوى الولولة
المعتادة . والواقع الأبعد أن إسرائيل اعتقادا منها أن هذا سيكفل لها مزيدا
من الهدوء ، تركت فى مايو الماضى جماعة حزب الله تستشعر النصر بانسحابها هى
على نحو مفاجئ من الجنوب اللبنانى . بينما الواقع أنها لم تنسحب إلا بعد أن
ضمنت حتى آخر قطرة تحقق كل الأهداف التى دخلت من أجلها الأرض اللبنانية قبل 22
عاما والتى كما هو معلوم لم يكن منها قط فى أى لحظة التمسك بأى أرض
لبنانية . آنذاك كانت لبنان تعج بكل منظمة التحرير وعشرات الآلاف من
مقاتليها زائد عشرات المنظمات الأخرى التى تحيل كلها الحياة فى الشمال
الإسرائيلى جحيما وكذا بحزب الله الوليدة تخطف خمسينا من المارينز فى بيروت
... إلخ ، أما الإنسحاب فقد تم ببساطة بعد أن تم ضمان عدم إطلاق رصاصة
واحدة من لبنان على إسرائيل . والآن احكم أنت من انتصر ومن انهزم ،
هذا بالذات لو لم تكن أحد صبية الحجارة الموعودين بالجنة ومن ثم لم يعش تلك
الأيام ويعرف حقائقها ويغرر به حاليا كل المرتزقة باسم تحرير الأرض التى أضاعوها
هم أنفسهم بأيديهم الرعناء وعقولهم المضطربة ، والأسوأ أنهم لا زالوا حتى
الآن باسم تحريرها يضيعون المزيد والمزيد منها ؟ ! الدرس المستفاد هو إننا على العكس بالضبط مما هو
حادث ، يجب أن نستفز بشدة من هذا الفصام المتواصل فى حياتنا والذى قال عنه
يوما الدكتور زكى نجيب محمود :
أنت لا تستطيع مهاجمة الغرب باستخدام ميكروفون مصنوع فيه ! لن نتحدث عن البذور والحيوانات المنماة چينيا التى نستوردها من
إسرائيل وتكفل حياة رخيصة نسبيا لشعوبنا شرهة التكائر ، ولن نتحدث عن 11
دولة عربية تتعاون مع إسرائيل والتسمية الأدق —وعذرا لعادتنا القبيحة فى تسمية
الأشياء بمسمياتها– تتلقى الصدقات منها كدولة غنية متقدمة وسط محيط فقير
متخلف ، ولن نتحدث عن المعونات الغربية لإطعام الجياع منا ، أو عن
آلاف التصرفات الأخرى التى ينطبق عليها قول هذا المفكر العربى العظيم .
إنما نكتفى –وطبقا لما تفرضه المناسبة– بالحديث عن صدور الصحف ونصب خادمات
الإنترنيت لتهاجم الغرب وإسرائيل باستخدام حواسيب وبرمجيات غربية بل وفى غالبها
إسرائيلية تحديدا ، هذا بينما نذكر أنه –وطبقا لمجلة روز اليوسف المصرية–
تقدم 15 ألف مهندس حاسوبيات مصرى للإعلان الإسرائيلى السابق لعملية تعريب الويندوز 95 .
الأهم أن ليس أن كان هذا الجزء المثير فى الخبر إنما كون أن النتيجة هى :
لم ينجح أحد ! باستثناء البلاد العربية لا يكاد يوجد بلد لم يستطع
أطفاله اختراق الشبكات الحاسوبية الكبرى فى العالم بما فيها شبكة شعبة الدفاع
الأميركية ( الپنتاجون ) عالية المنعة ، ذلك بدءا من أطفال
أميركا وإسرائيل حتى أطفال روسيا والفلبين ( حتى الڤيروسات الحاسوبية
لا يوجد فيها ابتكار واحد مسجل باسم أطفالنا أو حتى كبارنا ! ) .
من هنا يمكن أن تتجسد الفجوة المخيفة حقا وأيضا من هنا يمكن فهم لماذا لم ينجح
أحد فى تلك المسابقة ! ببساطة : عزيزى
القارئ ، إذا كنت تستطيع الآن قراءة المكتوب أمامك هنا ، فمعناه حرفيا
أنك مررت بما لا يقل عن دستة من المنتجات الإسرائيلية الموضوعة فى الخادمات
والراوترات وحوائط النار عبر الجلوب ، زائد طبعا فى حاسوبك نفسه . هذا
ما يحدث أيضا مع رجال حزب الله عندما يقرأون ما كتبوه فى موقعهم ، ويرفعون
حواجبهم إعجابا ببلاغة الهجوم على إسرائيل فيه ! [ تحديث : 7 مارس 2001 : نفس
القصة تتكرر مع موقع منظمة حماس ، الذى يقودك لموقع پورنوجرافى . ليس
لدينا الجديد ليقال . نفس الكلام بالضبط ! فقط اقرأ القصة كما
عممها أحد مواقع التفصيص hacking اليوم . جريدة الأهرام كتبت عن
القصة لاحقا ] .
وبعد ، وبمناسبة هيئة الإذاعة البريطانية وهى مكان يفترض ولو نظريا أنه رفيع وأصيل المهنية ، كما أن دورها
فى التنوير الاجتماعى من خلال برامج التحقيقات الاجتماعية أمر لا يمكن التقليل
من شأنه ، إلا أن كثيرا من الظلال تحيط بها ككل فى السنوات الأخيرة ،
وبالأخص كثيرا القسم العربى منها . هؤلاء لا زالوا لم يتحرروا بالكامل من
الپارانويات العربية التقليدية ( عامة ودون خطأ كبير يمكن التمييز بين
المخضرمين القدامى أصحاب التقاليد وبين الشباب الأحدث الذى يضم للأسف إما
مستشيخين ومستشيخات أو قوميين وقوميات يرسلون جميعهم لنا يوميا ’ بتحياتهم
من لندن ‘ ويرسلون إلى دافع الضرائب البريطانى بالفاتورة ، وهم فى أفضل
الحالات يتوهمون أنهم أصبحوا موضوعيين بمجرد استضافة بعض الإسرائيليين فى
برامجهم وأخبارهم ، وليس بأن يكونوا موضوعيين هم أنفسهم . بشكل تقريبى
ربما يمكن وضع فاصل سنى بين القدامى مطلقى الموضوعية والجدد ذوى الولاءات ،
بشخصية حسن معوض رئيس دائرة البرامج الإخبارية بالقسم العربى وآخر الرعيل ذوى
التقاليد المهنية الرفيعة ) . لا نريد أن نقفز لاستنتاجات
متسرعة ، لكن المؤكد أن القسم
العربى للبى بى سى صار مرتعا للعروبيين والإسلاميين على نحو لم يسبق له
مثيل ، والشائعات تجرى على أنه يتم تجهيزه بالفعل بالتعيينات وكافة أشكال
التسلل والتغلغل بصفته الهدف الإعلامى رقم 3 للتنظيم العالمى للإخوان
المسلمين ، بجانب قناتى الجزيرة وأبى ظبى .
أما الخدمة العالمية ككل ، فقد بدأ يتلاشى حيادها تدريجيا مع المزيد من
هيمنة قوى اليسار عليها بالذات منذ نهاية الفترة الثاتشرية . ولا نعتقد أن
أحدا يتمنى أن يتحول ’ منزل الحرش ‘ Bush House العريق ليكون آخر بيت
على الشمال فى عالمنا المعاصر ! [ هذا الكلام عن اختيار واستهداف هذه المؤسسات
الإعلامية الثلاث ، كنا أول من قال به ، والأبعد أننا كنا نعرفه من
قبلها بنحو ثلاثة أعوام أخرى أى أيام كنا بعد فى عقد التسعينيات . عرفناه
من مصادر داخلية جدا ، وكتبناه هنا فى وقت لم يكن ظاهرا فيه على شاشة
الجعيرة ( الجزيرة سابقا ) نفسها أى شىء يدل على عربجيتها أو
إسلامها ، بل بالعكس كانت الوحيدة فى كل ما ينطق بالعربية التى تأتى
بعلمانيين صارخين كصادق جلال العظم وغيره . للمزيد انظر متابعتنا لهذه
القصة فى صفحة سپتمبر ، وقد جرت بشأنها
مياها كثيرا فى فترة العام ونصف التالية بالأخص فيما بين سپتمبر 2000 إلى سپتمبر
2001 ، أقلها شأنا هذا التعديل الذى أجريناه على الاسم ! ] . أحد رموز ذلك الشباب المتحمس رئيس الموقع العربى على الغشاء
والذى كانت آخر حلقة يقدمها من برنامجه غير المأسوف عليه كثيرا المسمى بالمقهى
الإليكترونى ولا أريد الحديث
كثيرا عن دلالة اختيار هذا الفريق لعنوان الموقع bbcarabic.com منتميا للنطاق الرئيس
التجارى العام .com ، نازعا عنه صفته
القومية .uk ، رغم التاريخ العتيد للبى بى بى
كمؤسسة ورمز قومى تاريخى . إنها اختطاف لا يحتمل التأويل يسلبها حضاريتها
وانتماءها ، ويسرقها ويسرق تاريخها مع سبق الإصرار والترصد لحساب هوية أخرى
أشد تخلفا فى المحتوى وفى كل شىء هى الهوية العربية . ببساطة ، الكل
يسأل إذا لم تكن البى بى سى تحمل النطاق .uk ، فمن ذا الذى غيرها
يمكن أن يحمله ؟ أيضا هذا الكلام قد يسرى بالمثل على دعوة أخرى
رائجة فى السنوات الأخيرة هى تحرير
منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الكتلى WMD .
إذ ننسى أن من اكتشف أو وضع المعادلات النووية هما عالمان يهوديان ، أحدهما
صهيونى متطرف نشط رشح ليكون رئيسا لإسرائيل واسمه ألبرت أينستاين ( بعد سلف
كان بدوره عالم كيمياء مرموقا عالميا هو الدكتور حاييم وايزمان ) . إن
العالم كله يغض النظر عن السلاح النووى الإسرائيلى ليس لأسباب سياسية أو ما
شابه ، إنما ببساطة لأسباب تتعلق بالإيتيكيت ، إذ من المحرج الكلام مع
المخترعين بهذه الطريقة ! إجمالا فإن كل ما أردنا قوله هنا بمناسبة إنهيار
موقع جماعة حزب الله على الإنترنيت إنه ربما لا يحق لنا الكلام من أى نوع بينما
لا ننتج تقنية أصلا . للمرة الألف نرى
أن التقنية ( ومن ثم الاقتصاد
بالتبعية وحدها ) هى اسم اللعبة ، وهذا ما
يجب أن نكثف كل جهودنا له وننسى دونه كل هزائمنا ومفقوداتنا السابقة وهى أتفه من
أى مما قد نفقده مستقبلا . للأسف الخطوة الأولى والحتمية هى أن يكون لنا
عقولا أخرى غير تلك الحالية ، عقولا تشبه عقول أعدائنا ، على الأقل
عقولا لا تجعل منهم أعداءنا بل أساتذتنا . سؤال أخير : من منا يكفل أنك لو نزعت السلاح النووى أو حتى الچيينى لهذا الطرف أو
ذاك أنه لن يخترع ما هو أحدث منه ؟ ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : 11 نوڤمبر 2001 : الأستاذة إياها بتاعة التحيات من لندن بدأت بوضوح الطور الجديد من
حياتها المهنية ‑أقصد النضالية‑ فى البى بى سى : التحول من
القومجية العربجية ( من العروبة وليس العربة ) للإسلامجية . 11
سپتمبر كان البداية ‑لو تذكر‑ فى تحولها للإعجاب بالإسلام .
وذلك تحديدا فى حديثها مع المفكر القومجى البحرينى محمد جابر الأنصارى بعيد
الأحداث ( استضافته طبعا بناء على ’ طلب الجماهير ‘ الذى تحرص
دوما على أن تبرر به لدافع الضرائب البريطانى كل حلقات برامجها ) .
القومجيون كما تعلم لا يصنفون إلى معتدل ومتشدد كالإسلاميين ، إنما إلى
جديد وقديم ، والجدد ‑والأنصارى منهم‑ أكثر ذكاء وأقل طموحا
لكن ليسوا أقل پارانوية ولا كراهية للغرب من القدامى . خلال هذا الحديث بدت
سيدتنا فى حالة اكتشاف طفولى لذلك السلاح الجديد المذهل ‑الإسلام‑
الذى طالما أهمله القومجيون فى معركتهم مع الغرب وإسرائيل ( مثلا رددت
بإعجاب خلفه وصفه لهذا العامل الجديد بأنه ’ ورطة تاريخية ‘ ،
ولم أفهم لحظتها أنها قد عقدت العزم على أن تحلها بنفسها ) . هذا الأسبوع قامت بضربتين فى وقت
واحد حلت بهما كل ورطات القومجيين التاريخية : استضافت رئيس المنظمة
الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ( أو أيا ما كان اسمها ، فلم يسمع
عنها أحد من قبل ) ، وفى برنامجها الآخر الذى أعطته إياها البى بى سى
( ربما بمناسبة توسع اكتشافاتها بعد 11 سپتمبر ! ) تحدثت عن كتاب
أوروپى عن الإسلام لسليلى هنرى كورييل وحسن البنا . بعبارة أخرى : لقد اكتشف
القومجيون العربجيون سابقا ‑الإسلامجيون حاليا‑ أن الغزو من الداخل
هو أنجع وسيلة ، فهذا هو الدرس التائه الذى علمهم إياه محمد عطا ،
وأنقذهم به من ’ ورطتهم التاريخية ‘ ( ولم يكن السبب فيها كما
تخيلنا من قبل ! ) . أنا لم أرد أن أروح عنك بنكتة
عزيزى القارئ . فقط تأمل كيف يفكر هؤلاء المتدينون ، ولا تناقشنى إن
كانوا قنابل موقوتة أم لا . إنهم حتى لا يعتزمون مجرد هداية بقايا المؤمنين
بالمسيحية بل هدفهم كل العلمانيين . أوروپا علمانية يا سيدتى . لا هى
مسيحية ، وقطعا لم ولن تكون إسلامية ، فهذا هو الأبدا أبدا .
استيقظى قليلا يا أستاذة فأيام أمثالك معدودة فى الغرب . ومرة أخرى أرجو
من السادة أصحاب البى بى سى ، الصحوة لما يقدم من وراء ظهورهم . أنتم
المنبر الإعلامى الوحيد فى العالم ( باستثناء تليڤزيون حزب
الله ، وتليفزيون الطالبان غير الموجود أصلا ! ) الذى لا يصف بن
لادن بالإرهاب ، إنما بـ ’ ما تسميه أميركا بالإرهاب ‘ .
أذكر أنى كنت ضمن مجموعة من الناس استعلموا آراءهم قبل نحو أربع سنوات ،
عندما كانت الأمور متأزمة للغاية مع الحكومات العربية . وبالفعل تم إجراء
تعديلات واضحة ، لكن ها هى الأمور تنتكس من جديد . ساعتها قلت أنى لم
أعد أسمع شيئا بالعربية ، وأنى تحولت فعلا للاستماع للنسخة الإنجليزية من
صوت أميركا . ثم سألتهم سؤالا بسيطا : من يصنع هذه الإذاعة :
لندن أم العرب المقيمين فى لندن ، ناهيك عن أن يكونوا تحديدا العرب
الساخطين المعارضين المنفيين من قوميين وإسلاميين ، وناهيك عن أنها يجب أن
تتحدث عن لندن أولا وعن العرب ثانيا ؟ إنها ليست جريدة أخرى أسسها عبد
البارى عطوان لنفسه ولشركاء نضاله المشبوه فى لندن ، بل إذاعة تحمل اسم
جلالة ملكة بريطانيا . بالمثل أرجو ‑وإن كان للمرة
الأولى‑ من السيد تونى بن بلير
قليلا لمن يمنحهم تأشيرات دخول وصكوك جنسية بريطانيا
العظمى ، بدلا من ’ الجهاد ‘ فى المساجد وتلقى التقريع من بشار
الأسد . التفاؤل ليس من طبعى ، ولا حيلة لى فى هذا وكل الأشياء تعززه
يوما . والأرجح أن لا هذا ولا ذاك سيحدث ، إنما أن يطيح الشعب
البريطانى نفسه بمن يخونون قيمه وتاريخه وحضارته ] . اقرأ بعض آراء نايپول الفائز
بجائزة نوبل للأدب فى الإسلام وتونى بلير
وتردى الثقافة البريطانية . وطبعا يمكنك أيضا قراءة المزيد فى صفحة سپتمبر عن الصراع ككل عامة ، وعما
يجرى فى بريطانيا خاصة من صحوة فى فهم الأچندة الخفية ‑أقصد العلنية‑
للإسلاميين . [ هدية رمضانية : ديسيمبر 2001 : تابع تطورات سباق التأسلم الكبير فى البى بى سى العربية فى صفحة الفن الجماهيرى ] . [ هدية غير رمضانية : أپريل 2002 : تابع تطورات سباق التأسلم الكبير فى البى بى سى العربية فى صفحة الإبادة . ككل الأجهزة الإعلامية
التابعة للتنظيم العالمى للإخوان المسلمين ، أعلنوا الحرب على إسرائيل
لحساب بارونات الانتفاضة ] . [ هدية بمناسبة غزوة بالى الإندونيسية العظمى : أكتوبر 2002 :
تابع المزيد عن عينة ضيوف البى بى سى العربية فى صفحة الحضارة ، الأڤوكاتو الكبير
أركان حرب الشيخ بن لادن ، ولا أحد غير الشيخ بن لادن ، الأستاذ منتصر
الزيات . بالمدخل أيضا إشارة لسحب إذاعة راديو سوا الأميركية للبساط
جماهيريا من تحت أقدام البى بى سى العربية الإسلامية المباركة . وكذلك لقصة
الدين الجديد الذى تدعو له البى بى سى والمسمى همزة وصل ، وكان فيها تحديث
بمناسبة موت مرشد الإخوان ، ويا لهوى ع إللى عملوه ع
المرحوم ! ] . [ فضيحة بجلاجل هذه المرة : يوليو 2003 : البى بى سى العالمية تزور معلومات الاستخبارات حول العراق وتتهم
الحكومة بذلك ، والنتيجة أن انتحر أحد خبراء الأسلحة بعد توريطهم له .
إنها عقلية اليسار ( ناهيك طبعا عن حلفائه العروبيين والإسلاميين )
المصرة على أن بالروح بالدم نفديك يا صدام ويا أمثال صدام . النتيجة :
انفجارة لم يسبق لها مثيل من الكتابات الصحفية تفضح كل ركن فى عقلية البى بى
سى ، التى هى بالأحرى حزب أو قبيلة أو عصابة أو طائفة دينية ، أكثر
منها جهازا إعلاميا . تابع القصة فى صفحة الجلوبة ] . [ عودة للهدايا الرمضانية : نوڤمبر 2003 : أسلوب البى بى سى العربية فى وضع الإجابات على ألسنة الضيوف ،
أو أسلوب موقعها على الإنترنيت فى الإيحاء بإجابات الاستفتاءات سلفا ، هنا بمناسبة ما فعلوه
أثناء هجمات إرهابية فى إستانبول نسبوها ‑بأنفسم مباشرة أو من خلال الضيوف
المتحمسين والمتمنعين معا‑ للموساد ! ] . [ يناير 2004 : النهاية السعيدة : ما أن وصل الأشرار لقمة نجاحهم وأرغموا روبرت كيلروى‑سيلك على
الاستقالة ، حتى جاءت النهاية السعيدة للفيلم : الهزيمة النهائية
للأشرار ، ليس مجرد الصحفى المزور أندرو جيليجان ، بل جميع قيادات البى بى سى العليا ، التى أرغمت على الاستقالة ، ووضعت كل السياسة التحريرية
تحت الفحص والمراجعة بواسطة لجنة قومية ، يأمل أن تعود بها لمجدها العظيم
أيام كانت بمعنى الكلمة إذاعة بريطانيا العظمى قائدة التحديث والتحرر فى
العالم . فى صفحة الجلوبة
ستجد هذه القصة المطولة جدا ، لأن ببساطة حقبة بغيضة كاملة من تاريخ البى
بى سى الخدمة العالمية قد انتهت الآن وللأبد برمتها . وفقط الخطوة التالية
هى تطهير الخدمة العربية ، التى ستجد أن معظم المدخل ذهب للتدقيق فى أساليب أبطالها
الأشاوس فى لى الحقائق والتحريض المغلف بورقة توت من الحيادية لا تستر
شيئا ، وتقديرنا الشخصى أن هذا التطهير مسألة وقت الآن وليس
أكثر ] . 11 ديسيمبر 2000 : بالهوجة الپارانوية
المعتادة تلقف الإعلام المصرى فى الأيام الأخيرة خبر اندماج بعض من أفضل
المستشفيات الخصوصية الكبرى فى إحدى المؤسسات الطبية البريطانية . واليوم
ظهر على شاشة القناة الأولى للتليڤزيون فى برنامج اسمه رئيس التحرير كل من
الدكتور حسام البدراوى صاحب إحدى تلك المستشفيات والدكتور حمدى السيد نقيب
الأطباء لمناقشة القضية . بينما أخذ يعدد الأول ضرورات ومزايا
الاندماج ، كان موقف الثانى من الجلوبة ككل ومن قضية حرية انتقال العمالة
التى ستفرضها اتفاقية الجات قريبا جدا موقفا بسيطا وجميلا : سوف
نقاوم ! الأبسط منه فقط هو ما سنقوله نحن : إن مصر متخلفة بسبب وجود حمدى السيد وأمثاله فيها . دائما هذا هو رد الفعل التلقائى عندنا : أن
نقاوم ، نقاوم أى شىء حتى ما وقعت عليه حكومتنا ودرست وارتضت فيه
صالحنا . لكن أن نقول أن الآخرين سوف يغزوننا بسبب تخلف تعليمنا ونظامنا
العلاجى والإدارى ...إلخ ، وأن الواجب أن نصلح هذه الأشياء لا أن
’ نقاوم ‘ ، فحاشا لمصرى أن ينطق بمثل هذا الكلام الذى يندرج عند
هؤلاء تحت تصنيف واحد فقط : الخيانة العظمى ! اكتب رأيك هنا
17 يناير 2001 : يصدر غدا
الكتاب الجديد للدكتور نبيل على ’ الثقافة
العربية وعصر المعلومات ‘ فى إطار سلسلة عالم المعرفة من الكويت .
وبالنسبة لى لطالما تعودت أن لا أبدأ قراءة كتاب لهذا الخبير والمفكر العربى دون
الفراغ منه فى نفس اليوم . كتابه الأول كان بحثا رائدا بكل المعايير فى
’ اللغة العربية والحاسوب ‘ . كتابه الثانى ’ العرب وعصر المعلومات ‘ كان
أيضا أول عرض پانورامى شامل لقضية التحديث المعلوماتى فى الوطن العربى ،
وقد انطوى على برنامج شامل لخطة هذا التحديث كان تحفظى الوحيد عليه فى وقته أنه
غير عملى بالنسبة للمعطيات الراهنة متمثلة فى عقلية الحكام واهتماماتهم ويتجاهل
المفتاح العملى الوحيد لهذا التحديث وهو الانفتاح الكامل على العالم
المتقدم ، وبالأخص منه إسرائيل . كتابه الجديد أقنعنى أن هذا التجاهل
كان متعمدا .
الدكتور نبيل على جمعنى به يوما ود واحترام عميقين
للغاية ، وكنت أرى فيه الجبهة المتقدمة جدا للتحديث الذى نحلم به ،
وأستاذا ومثالا عظيما لجيل جديد عليم ومتطور ولى أنا شخصيا ، بالذات وأن
التكنوقراطى والمثقف نادرا ما اجتمعا معا فى شخصية عربية كثيرا من قبل .
للأسف تمر الأيام ويتضح أنها لم تكن سوى أيام الآمال الرومانسية يوم أعطانى
نسخته الشخصية من كتاب الجيل الخامس للحاسوب وذهبت لأكافح من أجل ترجمتها وتعميمها
متخيلا أنى قد أضيف شيئا لمعرفتنا العربية بالعالم حولنا أو بشكل الأشياء
القادمة . ساعتها لم تكن أصداف القنفد قد تصلدت وتشنجت للدرجة التى نراها
اليوم . وقطعا لم أتخيل يوما أن الدكتور نبيل على سينضم فكريا لقافلة من
أسميهم كتاب الثلاثاء فى جريدة
الأهرام ، ممن يزرعون الفواصل إن لم يكن البغضاء بيننا وبين العالم المتقدم
بجوارنا أو إلى الغرب منا ( تماما كما لم يتخيل أحد قبل أسبوع واحد من
اليوم أن ينضم شخص مثل الوزير
فاروق حسنى لكتائب الظلام ) . أولا : تملأ كتاب ’ الثقافة العربية وعصر المعلومات ‘ نبرة عالية
للغاية تنادى بتدعيم الهوية العربية ، وتعليقى لن يأتى بجديد أكثر من كل ما امتلأت به هذه
الصفحة من آراء . وهذه الصفحة المتواضعة والتى بدأت أنشغل بكتابتها تقريبا
فى نفس الوقت الذى يقول الدكتور نبيل على أنه بدأ فيه الانشغال باشكالية مستقبل
الثقافة العربية ، ليست بحثا أكاديميا عملاقا ككتابه القيم تماما بمعايير
الجهد البحثى ، لكنى أزعم أنها تتميز عنه بالاتساق بين المقدمات
والنتائج . كتب لى أحد زوار الموقع مؤخرا يسبغ على بأسماء يعرفها مشاهدو
السينما من سنة 2000 : المصارع
والمناضل والعاصفة المثالية والحقيقة الخفية والصرخة والمهمة المستحيلة جزء 3
( ! ) . الحقيقة أن هذا لم يسعدنى بالمرة ذلك أنى لا أستحقها
بحال ، فلست مناضلا أو صاحب رسالة إنما مجرد شخص ساخط ، ولو كان قد
سخر منى وليكن باسم السيد اتساق مثلا لربما
سعدت إذ يكون قد فهمنى أكثر . ببساطة أنا لا أستطيع أن أكون مؤمنا بالعلم وأجعل
انتمائى لوطنى أو للشرعية الدولية أو حتى انتمائى للإنسانية يفوق ولائى لشىء
أكثر قاعدية وأقدم بملايين السنين مثل قانون التطور مثلا ، أو أن أكون
مؤمنا بالتقنية وأعادى أكبر الدول تقدما تقنيا كأميركا وإسرائيل ، ولا
أستطيع أن أكون علمانيا ولا أكن إعجابا بالحركة الصهيونية ، أو أن أكون
مؤمنا بالكفاءة والدقة وعلوم الهندسة والرياضيات وأقبل بنظام عبثى مثل
الديموقراطية ...إلخ ...إلخ . لا
أستطيع ، نعم هذا هو كل ما هنالك وببساطة هو كل
الإشكال ، وتضارب الأفكار يضعنى فى حالة من الانمحاء الذهنى على طريقة بطل
فيلم كيوبريك ’ الإشراق ‘ ، صدقنى هكذا الأمر لا أكثر ولا
أقل . هذا الاتساق هو الذى قصدته والذى يخلو منه كتاب ’ الثقافة
العربية وعصر المعلومات ‘ . على الأقل من نافلة القول أن تدعيم الهوية
الذى يتمحور حوله الكتاب شىء غير جلوبى وغير عصرى بالمرة ولا يتماشى مع أى
مقدمات تدعو للتحديث والعصرنة ، ذلك من حيث الأصل والمبدأ أولا ،
وثانيا بالأخص من حيث إذا ما كانت هذه هذه الهوية رجعية ومتخلفة بطبعها بل
والأسوأ إطلاقا على ظهر البسيطة . وبالمناسبة يتحرق فى داخلى سؤال يا دكتور : هل
يعجبك إذن نموذج بشار الأسد ، شخص
يلوك كالعلكة كلمة المعلوماتية صباحا مساء ؟ ( بغض النظر عن أنى لا
أعرف من أين أتى بهذا الاشتقاق العربى الركيك أو هو ترجمة لأى كلمة
إنجليزية . أعرف فقط شيئا اسمه المعلوماتيات ، أو ربما أشياء اسمها
خدمات معلوماتية ، تقنيات معلوماتية ، أو هكذا ) . إذا كان
ما تحلم به هو زعيم ’ عصرى ‘ من هذا النوع فلست فى حاجة لأن أذكرك أنت
بالذات أنه يلقى علينا كما على شيوخ القمة
العربية بخطبه المعادية لإسرائيل والمدافعة هن الهوية العربية من أوراق بصمت
حروفها ببرامج حاسوبية إسرائيلية التعريب . ناهيك أصلا عن أن معلوماته فى
كل شىء بل وفى ’ المعلوماتية ‘ تلك ضحلة أصلا وخذ دليلا على هذا ان
قدرته على التفكير متوقفة عند أطروحة ساذجة للغاية هى قهر إسرائيل من خلال
مقاطعتها ( تصور ! ) . إن حصيلة ذكائه لا تختلف كثيرا عن
حصيلة ذكاء أبيه وفكرة كليهما عن الدهاء السياسى لا تعدو شيئا واحدا هو أنه إذا
كان من بد أن تغرق سوريا فيجب أن تغرق مصر والأردن ولبنان معها ( تحية لا
بد منها للراحل الشجاع محمود التهامى
رئيس تحرير روز اليوسف والوحيد فى كل الصحافة المصرية
الذى تجرأ يوما على قول شىء بهذا المعنى ) . هل هذه هى الهوية التى
تنادى بها يا دكتور ؟ الإجابة عندى أن كل باحث عن الهوية فى عالمنا الجلوبى
عالى التقنية المفتوح والموحد الحالى لا بد وأن ينتهى إلى نوع ما من هوية الوجه المزدوج
هذه . إنك حتى لم تدفع بضعة سطور فى كتاب يناهز الستمائة صفحة لتعريف ماذا
تقصد أصلا بالهوية العربية ! [ اقرأ المزيد فى نفس هذه الصفحة لا سيما
الدراسة الأصلية ] . ثانيا : بالنسبة لقضية إسرائيل تحديدا ، الكتاب يقدم فرضية مسلمة أنها عدو . بادئ ذى بدء
علميا هذا كلام غير منهجى وكان يجب البرهنة عليه لا افتراضه . تناقض آخر أن
أحدا فى كل الأقلام العربية لم يقدم وصفا مرعبا لمدى تقدم إسرائيل فى حقل
المعلومات بل وفى حقل اللغة والثقافة العربية ( وهذه واحدة من أكبر مفاجآت
الكتاب ) مثلما قدم كتاب الدكتور نبيل على ، ثم بعد ذلك يطالبنا
بالتصدى لها . هل هذا معقول ، وأى منطق فى التاريخ يقول بجدوى
هذا ؟ ! فى بعض مناطق الكتاب نراه يحتج بشدة على غياب أثر مجمعات
اللغة العربية ، والمنطقى بعد ما قاله عن إسرائيل وجهودها فى حقل اللغة
العربية ، أن يفترض طبقا لعلاقة المسبب والنتيجة التى هى أساس المنهج
العلمى ، أنه لن يوجد مجمع حقيقى ومؤثر للغة العربية فى أى مدى منظور إلا
بإنشاء مجمع اللغة العربية بتل أبيب ! ( على الأقل لن يسموها لغة الضاد بعد الآن ، فالضاد
موجودة فى لغات كثيرة بينما العربية تنفرد بحروف أخرى كالعين والحاء ، لكن
جهل العرب الأثير والمزمن بالعالم هو الذى هيأ لهم حكاية الضاد
هذه ! ) . عامة هو لا يكاد يذكر من وسائل مواجهة إسرائيل شيئا
عمليا واضحا ( ونحن لسنا ضد مواجهة أحد ومحوه من على وجه الخريطة فقط إذا
كانت لدينا لذلك خطة علمية حضارية محكمة ولا تؤدى إلى محونا نحن وليس
هو ! ) ، بل الحقيقة أن ما قدمه من مقولات عامة عن الهوية
والإيمان مثلا لن يؤدى بنا قط لأن نصبح قوة عصرية تهزم أى حشرة وليس وليس قدرة
عظمى كإسرائيل .
الأبعد أن لاح لى أحيانا أنه يختزل هذا الصراع إلى
مجرد منافسة بيزنسية بين شركتى مايكروسوفت وصخر ، الأولى باعتبارها قوة
إمپريالية صهيونية تريد احتكار المعالجة الحاسوبية للغة العربية ، وصخر
باعتبارها البديل القومى لهذا . ومن هنا يرفع ورقة رخيصة فى الحقيقة
للتنافس البيزنسى –ناهيك عن التنافس العلمى– وهى التحريض على الولاء القومى
والتخويف من الغزو والتآمر ...إلخ . لن أكرر ما تعلمناه من جيلكم الرائع
جميعا أن لا وطن للعلم ، بل أذكر فقط أول
درس تلقيته بل وتلقيته مرتين فى أول يوم لى فى كلية الهندسة . كان هذا درس التقييس ( التوحيد القياسى ) مرة فى محاضرة
الصباح من أستاذ هندسة الإنتاج ربما يرد هنا من يقول أن الدكتور نبيل على من أنصار
التقنية وأننى أتحدث عنه كما لو كان عدوا لها . بالتأكيد ذلك صحيح ،
إلا أن التقنية ليست مجرد شعار يرفع ، لكنها شىء يحيط به عشرات الاعتبارات
العملية وأولها أنك لا تستطيع أن تفعل شيئا واحدا حتى –وليس كل ما هو بين الإبرة
والصاروخ– بمفردك فى عالم اليوم حتى لو كنت الولايات المتحدة نفسها . نحن
فى عالم يتحدد التقدم والتخلف فيه بفارق أسابيع وأحيانا أيام فى سباق
التقنية ، والطريقة التى يتحدث بها الكتاب نتائجها بطيئة للغاية إن لم تكن
مستحيلة . وأنت فى حاجة ماسة لربط عجلتك الاقتصادية والتقنية بقوى تقنية
حقيقية تساعدك أولا فى اكتساب التقنية ، وثانيا وهو الأهم فى تسويق ما سوف
تنتجه . وقدرنا –الجيد أو الردئ أيهما شئت– أنه لا أرخص ولا أفضل ولا أسرع
ولا أيسر شروطا من إسرائيل لنعقد معها مثل هذه الصفقة . ربما نكون جارحين بعض الشىء إن قلنا أن مشكلتنا
الأولى هى ببساطة أننا لا نعلم كوننا أصفارا ، وللدقة عشرين صفرا لهواة
حسابات الوحدة العربية . وأن الدور الذى سيسند إلينا فى البداية لن يكون
أكثر من المهام الدنيا فى منظومة التقنية الجلوبية . وما سيحدث بعد ذلك
سيتوقف على شىء واحد فقط هو نحن ، أى اجتهادنا وسرعتنا فى التعلم وقدر
استيعابنا لحقائق الأمور بتواضع موضوعى وبلا پارانويا أو شعارات . إن ما
ننادى به فى علاقتنا بإسرائيل ودونما تزويق للكلام هو التبعية النشطة أو ما
أسميناه تحديدا التتلمذ النجيب prolific
apprenticeship .
ونحن لم نيأس من تكرار الكلمة ، لكن ما حدث أنها نفسها لم يعد لها جدوى أو
حتى بقى لها جزء من معنى مع كل هذه التحولات المخيفة فى العقلية المثقفة العربية
فى السنوات الأخيرة ، ولأن عروض التبعية وفرصها من ناحية الطرف الآخر لم
تعد قائمة أو انخفض سقفها بشدة . هنا نعود لنغلق الدائرة بمناقشة الحجة الأشبه
بالعلكة فى أفواه المثقفين العرب : وهل سيسمح لنا ’ العدو ‘ بالتقدم ومنافسته ؟ الإجابة موجهة لهم وغير موجهة لك يا دكتور ، لأنك ككل مشتغل فى
حقل التقنية يعرفها جيدا . نعم ، بل سيرحبون بشدة ، لأن تقدمنا
واكتسابنا للتقنية العالية سيزيد من سوق منتجاتهم ، ويمنحهم موارد جديدة
لمزيد من الاختراع والتقنية الأكثر علوا . أما من حيث المنافسة فهى شىء
ألفوه من بقية عمالقة العالم ، والقادمون الجدد ليسوا بالخطر ذى الشأن بهذا
الصدد . والمنافسة فى جميع الأحوال هى اسم اللعبة التى تعودوها وارتضوا
نتائجها أيا كانت نصرا أو هزيمة . الحقيقة الأبعد أنهم لا يخشون حتى
التقنية العسكرية العالية ، إن كانت فى أيد مسئولة ، ويعتبرونها قوة
للحضارة وليست ضدها . [ اقرأ المزيد فى نفس هذه الصفحة لا سيما الدراسة الأصلية وحروب الإنترنيت ] .
ثالثا : المسألة الدينية مفاجأة أخرى فى خطاب الدكتور نبيل على ، ومنها دعوته لتوظيف
الدين كقوة إيجابية للتقدم . وليس لى فى هذا كلام جديد كثير عما جاء فى
صفحات هذا الموقع المختلفة . وكذا من نافلة القول إن ما يطرحه هو رهان خطر
بل خاسر بالتأكيد ، وكأن آلاف السنين لم تعلمنا كم هو قوة محافظة ومعادية
للتقدم ذلك النفى للعقل باسم الإيمان ، أو تعلمنا أن لا مستقبل لشعوب جعلت
مرجعيتها الغيب وليس العلم الدنيوى التجريبى ، أو تعلمنا أن لا إبداع ولا
اختراع ولا حتى اكتشاف إلا بتنشئة الأطفال على الاستهانة بكل المقدسات والثوابت
والجوامد . نعم ،
الدين كان وسيظل رمالا متحركة لن تصل فيها لأية
نتيجة أبدا ، والنهاية أن تبتلعك . خذ مثالا جدليا من ذات الكويت
( التى طبعت هذا الكتاب ) . تخيل مفكرا مستنيرا أراد استخدام
جماهيرية الإسلام فى الترويج التصالحى لقيم تقدمية ، فيلقى مثلا بمقولة
عمومية مثل الإسلام كرم المرأة كى يمرر منح المرأة بعض الحقوق ( الانتخاب
والترشيح مثلا ) ، معتقدا أن هذه النبرة التصالحية ستحبب الناس أكثر
فى الفكرة باعتبارها ليست خلافية أو حادة ، أو واهما أن المتدينين سوف
يتغاضون عنها هكذا ويمررونها . ما سيحدث هو أن سيرد عليه المتدينون الحق
ردودا شعواء ، وكأن جاءتهم كلماته هدية من السماء . سيذكروننا جميعا
بقول النبى إن لا يصلح قوم ولوا عليهم امرأة ، وأشياء مثيلة كثيرة
جدا . هنا قد لا يجد المستنير بدا من الدفع بأن هذا الحديث النبوى أو ذاك
ربما كان ’ ضعيفا ‘ ، أو ربما ’ غير صحيح ‘
…إلخ . ويستمر الجدل على هذا المنوال . انظر من فاز ومن خسر . هو
خسر كل شىء وهم فازوا بكل شىء . كل ما فعله صاحبنا هو أن بيض وجه الإسلام
ورسوله …إلخ ، بأن قال إنهم متحررون متطورون ، ودفع حتى أبناء معسكره
للاستغراق فى قراءة الدين وتضييع وقتهم فى ترهاته القديمة . ونال خصومه
اعترافا هائلا بالمرجعية بحيث لا يمكن بعد ذلك مناقشة إلا شىء مستنيرا أو متخلفا
إلا فى ضوء الإسلام والشريعة ونصوصهما المقدسة . الموقف الصحيح الحرى بمثل
ذلك الشخص ، هو فقط أن يدفع بتخلف الدين من حيث كونه دينا ، وليس لأى
سبب آخر . كما قلنا للتو ، بدون علمانية 100 0/0 فستنتصر الخرافة
حتى لو كانت 1 0/0 ! أستاذى العالم الجليل ، المرجح أن كل سكان الكواكب وصلوا أو سيصلون لنفس
علمنا ، بل ربما بنفس ترتيب الاكتشافات ، لكن المؤكد أن أيا منها لن
يصل أبدا لنفس تصوراتنا الدينية . هذا هو الشق الإنسانى المحض فى
’ معارفنا ‘ أو للدقة قل جاهليتنا . الدين ‑أى دين‑
لم يكن فعلا إيجابيا قط . فقط هو رد فعل على حضارة قائمة لا هم له إلا
إطفاء نورها ، عندما يتفاقم عدم تكيف أعين الدهماء مع سطوع ضوء معطيات
العلوم والتقنية الجديدة التى تطرحها . هذا ما حدث لأثينا على يد الدين
القديم ، ولروما على يد المسيحية ، ثم تكفل الإسلام بالجيوب الأخرى
المتبقية بعدهما ، ومن ثم يستكمل إحكام قبضة عصور الظلام على كل
العالم . أسوأ ما يمكن أن يفعله الذهنيون اليوم هو التعمية على هذه
الحقائق . العلم كالماء ترى كل شىء من خلاله على حقيقته ولونه ،
والدين كالزيت يجعل الأشياء ذهبية وهمية براقة ، أما أن يمتزج الماء والزيت
فلن ترى شيئا على الإطلاق ، ولطالما ربأ التاريخ على رجال العلم الحقيقيين من موقف كهذا . [ اقرأ المزيد وتحديدا ما يخص
البديل الذى نطرحه للمستقبل العربى فى نفس هذه الصفحة لا سيما الدراسة الأصلية أو فى صفحات الليبرالية ،
الجنس والدين ، الجلوبة ،
حضارة ما بعد الإنسان ] . رابعا : مفاجأة أخرى بالكامل هى الموقف الجديد للدكتور نبيل على من ذكاء الآلة أو ما يسمى
بالذكاء الاصطناعى الذى هو تأكيدا أحد رواده العرب . وقد سرت فى جسدى
صاعقة ، وأنا أقرأ سخريته بسكين بارد من نبوءة مارڤين إل . مينسكى
أن من حسن حظ البشر أن تقبل الآلات معاملاتهم كحيوانات أليفة مستقبلا . لقد
كنت أعتقد أن هذه معرفة شائعة بين أمثالنا يا دكتور ، بل لعلى أنا شخصيا
كتبت هذا قبل مارڤين إل . مينسكى وأسميته سيناريو القط المدلل . أين أيام الخيال
القديمة يا أستاذى ، يوم كان أبرعنا هو من يستطيع التعمق أكثر ليرى قبل
غيره ماذا يوجد فى آخر النفق ؟ لقد تعلمنا من مينسكى بعد ذلك أن البيولوچيا طريق مسدود ، ويقصد بالطبع أنها
–أى الهندسة الچيينية– مجرد ترميمات على كائن فادح العور فى التصميم هو
الإنسان ، وقد قال هذا رغم علمه أن تمويلها وفير وجاهز ، بينما ذكاء
الآلة لم يف بأكثرية ما وعد به فى نصف القرن الأخير بسبب نقص التمويل ، لا
سيما بعد خيار آى بى إم التاريخى بترويج الحواسيب كآلات تابعة طيعة للإنسان وليس
ككائنات أذكى منا . بهذا المعيار كان يجب أن يكون مينسكى هو أكثر
الجميع يأسا لكن الذكاء السيليكونى ما كان تحت أى الظروف ليستحق منك مثل هذا
التنكر يا دكتور . فإذا كان الإنسان معيبا لدرجة لا يفخر بها إى
خالق ، فليس الحال كذلك مع ذكاء الآلة مستقبلا أو الآن حتى . إنه لا
يزال المستقبل الحقيقى لذكاء كوكب الأرض ، والحقيقة أن الصورة قبل تنقلب
فجأة فى القريب العاجل نفسه ، وتختفى مشكلة التمويل خاصة مع تقدم الهندسة
النانووية وانتصار مبدأ الخلق من الصفر كنقيض
لمبدأ محاكاة الإنسان التى هيمنت على فكر مخترعى التقنية وعلى ما سمى الذكاء
الاصطناعى بالذات . ساعتها لن ترث الروبوتات الأرض كما قال مينسكى فى نبوءته الشهيرة
يوما ، بل تحديدا النانوويات منها ، كائنات مجهرية فائقة الذكاء لا
حاجة للكوكب معها للقرد آندى أو لحاسوب الأزرق العميق وطبعا لا حاجة لعدد كبير من
القطط المدللة . [ اقرأ المزيد فى صفحة حضارة
ما بعد الإنسان ] . أخيرا ، أرجو عفوك يا دكتور إن لم استطع كتم آكبر شعور تولد لدى من
كتابك ، أن الوحدة العربية قد تحققت أخيرا ، وأن حلم من يسمون
بالقوميين الجدد وعلى رأسهم الدكتور محمد الرميحى بشخصيته التنويرية المرموقة
يوما ، والمسئول حاليا عن المجلس الذى صدر كتابك فى إحدى سلاسله قد أصبح
حقيقة حية . فرغم أن القوميين
الجدد أضحوكة حية ، إذ يعترفون مثلا بالتمايز
القطرى وهو كلام كان يجب أن يقال منذ نصف قرن مضى ، أما ما يجب أن يقال
اليوم وهو الذوبان فى العالم فهم يقاومونه بكل الجنون الممكن ، ورغم أنهم
أناس طيبون أدركوا حجم ما نحن به من هزيمة ويستحقون الشفقة أكثر من أى شىء
آخر ، إلا أن أبشروا يا قومجيينا الجدد : لقد تحقق كل ما بشرتم به من
حلول وسيطة ، وها هى الهوة قد ضاقت كثيرا بين أسامة بن لادن ويوسف القرضاوى
من جهة ، والفنان فاروق حسنى والدكتور نبيل على من جهة أخرى ( لا تشغل
بالك بكم هى وسيطة حقا تلك الحلول ، والأوائل لم يتزحزحوا عن مواقفهم قيد
أنملة ! ) . سيدى : الحقيقة أن العلمانية ومن ثم العلم لم
تكن يوما مكونا أصيلا فى الفكر القومى العربى ، وخير شاهد حفنة الدراويش
التى عجت بها الطغمة الناصرية بعد هزيمة 1967 ، أو أن حزب الله الدينى هو
الكتيبة الوحيدة التى يحارب بها البعث السورى إسرائيل بعد هزيمة 1973 ، أو
تلك الكلمات العجيبة التى أصبحت تملأ علم العراق منذ 1990 وقد كان أحد أكثر
الريچيمات العربية تشدقا بالعلمانية ذات يوم ، بينما العلمانية الحقيقية تعنى
العلم وموالاة الحضارة صانعة العلم ، وهذا شىء لم يفعله إلا الحبيب بورقيبة فى حدود
علمنا . ببساطة لقد ورث القوميون العلمانية من إنجازات العصور السابقة
عليهم لكنهم بددوها عند الناصية مع أول هزيمة . المهم فقط أن ها هم
المثقفين العرب بل وكل الأمة قد اتفقوا أخيرا على كلمة رجل واحد : الانتحار ! اكتب رأيك هنا
[ تحديث خاص
بالأسماء : بعيد كتابة هذا
أرسل لى أحد القراء يقول أن حروف اسمى هى إم إم ويطلق على بالتالى اسم Eminem آخر أو شىء كهذا . ربما على العكس من سيل أسماء الأفلام المذكور
أعلاه والتى أشكر كاتبها تأكيدا وإن نسيت هذا فى حينه ، سعدت بهذه التحية
والفهم لا لشخصى إنما لروح التمرد التى نعتقد أنها لم ولن تموت فى أى مكان ذلك
أنها جذوة التطور والتحرر الاجتماعيين وما أن تخبو حتى تبزغ من جديد أكثر
اتقادا . والحقيقة أنه شرف كبير أن يشبهنى بشخص هاجمه من على منصة الكونجرس
نائب الرئيس الأميركى المحافظ الحالى ديك تشينى . سعدت لأن هذا الشاب هو من
الدلائل القليلة على أن الحياة لا تزال تنبض فى الثقافة الأميركية المعاصرة التى
اكتسحها التدين والنفاق ولو على السطح ، وأن الروح التى بثتها هيپية
الستينيات لا تزال تتجدد وتتوالد ، لكن يظل رأيى أنها يجب أن تتطور
جذريا ، ذلك أن الثقافة المضادة لا يجب أن تظل شيئا يساريا بالضرورة ،
فهذا شىء غير منطقى بالمرة فى عالم كله من اليسار . صحيح أن إيمينيم شاب
لطيف يتحدث عن القتل والانتحار أكثر مما يتحدث عن الحب والسلام ، كذلك فهو
حاد الشخصية وصريح مثلا فيما يتعلق بالأقليات لا سيما المثليين ، لكنه يفعل
هذا على طريقة النازية والفاشية ، ومن غير الصحيح أن يكون هناك موقف مسبق
من أى جماعة بشرية أيا ما كانت ( هذا هو الفرق بين هتلر
وداروين ) ، فالمعيار الوحيد هو التنافس الحر وإفعال قوانين التطور
والانتخاب الطبيعى وليفنى من يفنى بعد هذا . أنا شخصيا يذكرنى إيمينيم أكثر
بالقبضة السوداء وربما حتى بالبلاشفة ، أكثر مما يذكرنى مثلا بالهيپية التى
صنعت الإنترنيت ، لكن على أى حال شكرا لمحاولة الصديق ! ] . [ تحديث آخر : 14 مايو 2002 : طبقا للرويترز اليوم مغنى الراپ الأبيض إيمينيم الملقب باسم الصبى
السيئ سيصدر ألبومه الجديد حافلا بالسباب كالعادة ، فقط مع تطور طريف هذه
المرة ، أن ألحق بكلمة السباب الأثيرة لديه اسما مثيرا للفضول : Fuck Lenny Cheney! . اقرأ كامل القصة فى صفحة الليبرالية ،
لأنها تختص أكثر بأن جناحى الليبرالية ، الحرية الاقتصادية والحرية
الاجتماعية ، لا يجب أن يتجزءا ، ناهيك عن أن يتحاربا على هذا
النحو ] . 25 يناير 2001 : أقر اليوم قانونيو مصر للطيران فى الولايات المتحدة رسميا
بمسئولية الشركة عن كافة التعويضات التى تطالب بها أسر ضحايا حادثة الرحلة 990
الشهيرة فى 31 أكنوبر 1999 والتى راح ضحيتها 217 راكبا وفرد طاقم قبالة سواحل
ماساتشوسيتس الأميركية . جاءت هذه الخطوة المفاجئة قبيل تقدم قانونيى عشر
من أسر الضحايا بأدلة تبرهن على عدم الاتزان النفسى لمساعد الطيار الذى يعتقد
على نطاق واسع فى السلطات الفيدرالية الأميركية أنه قام بالانتحار ، ومن
تلك الأدلة التى توصل لها القانونيون ممارسته لأفعال جنسية علنية فى فندقه
بمانهاتان قبيل الحادث ، وأيضا تأتى ذات الخطوة قبيل شىء محدق آخر هو ظهور
التقرير النهائى والرسمى لهيئة سلامة النقل القومية الأميركية والذى تقرر أن لا
يعلن حتى فى مؤتمر صحفى بل سيكتفى بالتوقيع عليه بالتمرير . ما يهمنا هنا
هو المنظور الثقافى للقضية ، فقد ملأت الصحافة والإعلام المصرى بل والعربى
( بما فيها قناة الجزيرة التليڤزيونية التى كان يفترض فيها الالتزام
المهنى ) عشرات من نظريات المؤامرة ، لكن لم يكن من بينها أن مساعد
الطيار شخص مهوس دينيا وأن أمثال هؤلاء يمكن أن يفعلوا أى شىء ، رغم أن
احتمال الانتحار المذهل لم ينطلق إلا بعد تصريحات ملفتة للغاية أدلت بها أرملته
نفسها لجريدة الأهرام القاهرية بعد الحادث بعدة أيام ، وليس من أى مصدر آخر
فى الدنيا . إن المتدينين كما نعلم أناس خطرون للغاية ولا يمكن التنبؤ
بتصرفاتهم ويتلقون أصواتا من السماء طوال الوقت ، وحتى إن لم يكن باستطاعة
أحد اثبات هذا الاحتمال على نحو قاطع فمن الحمق التام استبعاده أيضا . الصحف المصرية تحدثت بلسان مصر للطيران وبلسان مصر
كلها ، دون أن تلاحظ أن مصر الرسمية لم تقل شيئا مما يقولون ، أو على
الأقل جدا لم يحاولوا أبدا قراءة ما بين السطور فى موقف الرئيس مبارك ، شبه
المتحاشى كلية للحديث عن الموضوع والذى كان أول تدخل له هو قيام زوجته بتعزية
أسر الضحايا بعد 72 ساعة من الحادثة . إن الجميع يعلمون أن مصر للطيران
أصبحت برمتها أحد الفروع النشطة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة ، وأن
أحدا لم يتنبه لهذا مبكرا يوم أحجم طيارو ومضيفو ومضيفات الشركة عن تقديم
الكحوليات للركاب فى السبعينيات رغم أنف السياسة الرسمية للشركة . إن موقف
الحكومة المصرية الفعلى وليس العلنى فى هذه القضية هو شىء واحد محدد جدا وهو عدم
نكئ الجراح ، لا أكثر ولا أقل . هذا أمر سئ حقا ولا يعدو سوى استمرار
لقاعدة الازدواجية وقداسة الشكليات الدينية بغض النظر عن الجوهر ، تلك التى
تملأ المجتمع كله . فنحن نقر بالخطأ ويدفع الشعب الفقير البلايين كتعويضات
للأميركيين ، كل هذا غير مهم . المهم فقط أن لا يتطرق أحد لموضوع تدين
الطيار ، سواء كان أسر الضحايا أو الهيئات الفيدرالية الأميركية ، أو
غيرها . لكن هل أوقف هذا مثلا تمحيص الصحف العالمية ؟ طبعا لا ،
وطبعا –وهو الأخطر– لم ينصلح أو يتغير أى شىء ولو حتى فى السر ، وعلينا
الانتظار حتى كارثة أخرى يقوم بها المهوسون دينيا ونبحث كيف نداريها ، وكل
نظرية مؤامرة وأنتم بخير ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : 11 سپتمبر 2001 : الطيار
المنتحر جميل البطوطى بات جزءا أساسيا من نظريتنا الفورية عن أحداث اليوم
المروعة التى شاهدتها أميركا . اقرأ ما كتبناه اليوم
بعيد الأحداث ، والذى ستتلوه متابعات كثر بطبيعة الحال ] . [ مفاجأة كبرى ( ليس لنا ) : 30 أكتوبر
2001 : ما ألمحنا إليه عن صفقة ودية بين الحكومتين
المصرية والأميركية لعدم نكئ الجرح الإسلامى ، بات موضعا لتنقيب وتمحيص
ومناقشة علنية فى الإعلام الأميركى . هذا ما فعلته اليوم إحدى كبريات صحف
العاصمة الأميركية واسعة الاطلاع الواشينجتون
تايمز . ببساطة بعد 11 سپتمبر لم يعد فى وسع أحد الاستمرار فى مثل هذا
التواطؤ . الشىء الجيد أن الجريدة كانت من الحرص بحيث نسبت الجرم
لأصحابه : عصر بيلل كلينتون ! نعم الآن العالم غير العالم ،
وتواطؤ كلينتون لتجميل الإسلام فى البوسنة والشيشان وكوسوفو ، وأيضا إسلام
الإخوان المسلمين فى مصر ، أصبح شيئا ينتمى الآن لمزبلة
التاريخ ] . [ الموضوع أصبح رسميا الآن وكل المستور استبان : 15 مارس
2002 : تابع بالأسفل ] .
18 نوڤمبر 2001 : فكرة
جيدة جدا التى تحدثت عنها پاميلا ماككلينتوك اليوم فى ڤارايتى ، وهى
تجنيد قناة إم . تى . ڤى . الموسيقية فى تغيير موقف الشباب العربى تجاه أميركا بعد أحداث سپتمبر 2001 ، وأنها قد تصل لحد التفكير فى تدشين
نسخة عربية بالكامل منها . قطعا هى فكرة ضرورية وملحة ويجب البدء فيها
فورا ، وهى تقول إن التفكير الجدى بدأ فعلا . هناك بعض التجارب التى تبدو ناجحة للتعريب ،
لعلى أذكر منها البرنامج التليڤزيونى التعليمى شارع السمسم ، وربما السبب هو
الانخراط المتواصل للأميركيين فى تنفيذ النسخة العربية ، وقد سمعت بنفسى
آراء لبعضهم تقول إن النسخة العربية أفضل من الأصل الأميركى !
فى المقابل أضرب المثل بتجربة شخصية مؤسفة فى مشروع
آخر موجه للأطفال أيضا ، كانت نتيجته النهائية تعسة للغاية . مشروع ترجمة World Book ، الذى رعته هو أيضا السيدة سوزان مبارك بنفس جديتها
وحماسها المعهودين ، وأيضا أقبل الأميركيون عليه بقلب مفتوح . هذا
كانت ترجمته على العكس تماما شيئا مبتسرا للغاية ، مختصرة لحد الإخلال لا
تكاد تزيد عن ربع النص الأصلى ، بل ومحرفة المعانى أغلب الوقت ،
وركبتها صراحة الپارانويات العربية التقليدية أحيانا غير قليلة . السبب
المباشر هو التخلف العقلى للشخص الذى أسندت إليه الإدارة الفعلية للمشروع تحت
مسمى نائب رئيس التحرير ، مع نأى أصحاب المشروع الأصليين كلية عن مراجعة
المحتوى . طبعا ما قصدته بالچيينات چيينات من سيقدمون
القناة ، قبل وبمراحل چيينات من سيستقبلونها ! والسؤال الآن :
ترى لأى من النموذجين المذكورين ستنتمى الإم . تى . ڤى .
العربية ؟ أسمعك تقول إن التفاؤل ليس من فضائلى المفضلة ! ماشى ،
أو بلغة تليق بالمقام ، أو . كيه . لننتظر ونرى ! اكتب رأيك هنا 30 نوڤمبر 2001 : ران الصمت على
’ الشارع العربى ‘ منذ بداية الشهر الحالى . السؤال : لعل
المانع خيرا ؟ الإجابة : ربما نعم ، وربما لا ! سقوط كابول أزاح حشدا هائلا من الأوهام . شاهد
الشعب العربى أبطالهم الطالبانيين العظام وما يمثلونه من حلم جنة الإسلام
الموعودة على الأرض ، وقد راح شعبهم يرقص مهللا لطائرات بى-52 وهى تقصف
بلادهم لتحررها من حكم إمارة الإسلام ، وراحت النساء تكشفن وجوههن تحديا
وفرحة . بالمثل ، تأكد ’ الشارع العربى ‘ أن سقوط روبين
هوود العرب أسامة بن لادن ، لن يتأخر كثيرا . وعندما يسقط لن يكون
بأكثر من صرصور ’ فعص ‘ ويطويه النسيان كما وصفناه من قبل ، وليس مستنقعا ڤييتناميا
جديدا . إذا كانت شعوبنا بمثل هذه الحساسية ، فما هى
إذن مشكلة العقل العربى ؟ الإجابة صعبة ومعقدة ، وإلا ما فاضت فيها
الصفحات هنا كما فى كل مكان . مع ذلك الإجابة المؤكدة وصفيا على
الأقل ، أن لب المشكلة هو الفشل باللحاق بقطار الحضارة الجلوبية
الجديدة . لكن هل صمت نوڤمبر المخيف يعنى أن قطع العرب صلتهم بالتطرف
والتدين ؟ لا أحد يقول هذا فيما أعتقد . مع ذلك لا شك والحال
كذلك ، أن نعتبر الشعور باليأس هو الخطوة الأولى للإصلاح ، اليأس من
الجبروت الأميركى ، من الجبروت الإسرائيلى ، من جبروت الآخر
عامة . وعلينا الآن اتخاذ الخطوة التالية : السؤال لماذا هذا الجبروت .
لن نقول العلم والتقنية إلا بحذر شديد ، فالعرب والمسلمون يؤمنون بالعلم
والتقنية أيضا . علم وتقنية الغير التى تستخدم لإبادة هذا الغير . إذن
ليست المشكلة فى إقناع العرب والمسلمين بأهمية العلم والتقنية ، بل فى
اكتساب الهوية التى تجعلك ’ تخترع ‘ العلم والتقنية ، لا أن
تتطفل على صانعيها ، ناهيك عن أن تعاديهم . هذا شىء أكثر جذرية بكثير
من أن يكتسب فى شهر مثل ’ نوڤمبر الحلو ‘ انشغل فيه الناس
بمشاهدة أفلام الحب منه بالمظاهرات ! كما قلنا أعلاه ،
علينا التخلص من هويتنا العربية والإسلامية حتى أدق أدق دقائقها ، فهى
السبب الجوهرى لبلوانا وتخلفنا . إنها أيديولوچية دينية فى عالم كله
علمانى ، وأيديولوچية قومية فى عالم جلوبى التوجهات . إنها أيديولوچية
دينية تقدس النصوص والمرجعيات الجامدة ، بينما لا تقدم إلا بتحرير العقل
وهدم كل المقدسات ، وتحديدا تربية الأطفال على التجديف على كل ما هو
مقدس . أيديولوچية قومية تكرس كراهية الآخر ، بينما لا صلاح للذات إلا
بكراهية النفس ، واحترام هذا الآخر المنتصر . مرة أخرى نجدنا نستعيد
ما قلناه من قبل عن أن الحل يكمن فى التتلمذ النجيب
على يد بلاد الحضارة ، وتحديدا منها إسرائيل . يا سادتنا حكامنا العرب ، لطالمنا تفهمنا
الخيارات الصعبة التى تحكم تحركاتكم ، لكن الآن الوقت يختلف . التطرف الدينى يترنح ، وقد تعرى
من كل أوراق التوت . حان وقت الكر ، والمطلوب ليس أقل من ثورة ثقافية
شاملة وكاسحة . ثورة تطرح وتنفذ كل شىء ، بدءا من الانضمام بأى ثمن
للحلف الحضارى الإسرائيلى‑التركى‑الأردنى ، حتى توزيع الكوندوم
بالمجان على تلاميذ المدارس . إن اليأس النوڤمبرى لشعوبنا شىء جيد وأفضل
كثيرا من تعليق الآمال على قطاع طرق الحضارة أمثال بن لادن . لكنه ليس إلا
مجرد الخطوة الأولى ، وإلا لما زاد الأمر عن مجرد الصمت انتظارا لظهور
روبين هوود آخر . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 24 يناير 2002 : ’ الكلاب لن تعوى
مرة أخرى ‘ هو عنوان مقال ويلليام سافاير اليوم فى النيو يورك
تايمز . مقال بصير للغاية فى توصيف الواقع العربى . إنه نفس الموضوع
الذى ناقشناه هنا تحت اسم ’ نوڤمبر الحلو ‘ على ما لاحظنا فى
حينه من الصمت المثير للفضول فيما يسمى ’ الشارع العربى ‘ بعد سقوط
كابول . المقال يبدأ بشرح كيف انصاعت الصين وروسيا بهدوء مذهل وراء أميركا
رغم كل قصص التجسس على چيانج زيمين وإهانات تمديد النيتو وإلغاء معاهدة الصواريخ
الباليستية لروسيا . ويخلص لأن لا أمل لأميركا فى أية قيادة جماعية للعالم
على الطريقة الكلينتونية ، إنما الممكن فقط هو القيادة المنفردة .
أحسنت مستر سافاير ، فهذا ما نقوله دوما : العالم يتضرع لزعامة قوية وصارمة ، وأميركا تؤثر التخاذل
عن دورها القدرى . بعد ذلك يأتى الجزء القوى للغاية
الذى ينبئ فى حد ذاته أن الأميركيين باتوا أكثر وعيا بالسيكولوچية العربية على
نحو لم يسبق له مثيل ، وأنهم فهموا أخيرا ( طبعا بعد سنوات من مقاومة
خبرات نيتانياهو وشارون ، وقرون من مقاومة خبرات العالم الطبيعى وعلوم
الفيزياء ) أن القوة وحدها هى
الكفيلة ’ باسكات نباح الكلاب ‘ . تطور رائع ، لكن لا يزال به
بعض القصور ، بالأخص فيما يتعلق بنقد الريچيمات العربية باعتبارها فاسدة
وديكتاتورية . أنا لا أنفى استشراء الفساد فيها . لكن كما أفضنا مرارا
الفساد نتيجة للفشل الاقتصادى وليس سببا له ، وقطعا ليس مجرد أهواء فردية .
كذلك أنا لا أنفى دور الريچيمات فى أسلمة الشارع أو على الأقل غض النظر عن
أسلمته ، لكن الخلط بين الأسلمة والديكتاتورية شىء ليس أكثر سوءا .
القضيتان مستقلتان تماما ، والمهم المشروع الذى تملكه الديكتاتورية .
والمشروع الحضارى لها هو الوحيد الكفيل ببناء دول عربية عصرية لا فساد ولا إسلام
فيها . أما الديموقراطية فمصيرها معروف وهو الفساد والتأسلم ، كما
قالت لنا العقود الأخيرة بألف صورة مختلفة ، ولا أحد يريد بعد اليوم المزيد
من التأكيد لها . فقط قولوا لنا ماذا تريدون
بالضبط : إسكات الدهماء والتحديث الحقيقى والعميق اقتصاديا وثقافيا ،
أم مجرد شكليات مقرطة المجتمعات العربية ؟ المؤكد أن الهدفين متعارضان
بزاوية 180 درجة ] .
1 يناير 2002 : قناة تليڤزيونية ناطقة
بالإنجليزية موجهة للغرب من مجلس التعاون الخليجى . قناة مثيلة من منظمة
المؤتمر الإسلامى . قناة ثالثة بذات اللغة بأموال خليجية خصوصية .
قناة رابعة مصرية ناطقة بالعبرية موجهة لإسرائيل . تأجير السعودية لشركة
خصوصية أميركية لعرض وجهة النظر العربية والإسلامية فى أحداث سپتمبر . ما
كل هذا الهراء ؟ بحق كل أنبياء العرب واليهود
معا ، من ذا الذى سيشاهد قناة كتب عليها صنع فى عربستان ؟ من ناحية
لأن هناك عدة آلاف من قنوات
الساتيلايت ( المسماة تبجحا عندنا بالفضائية ، فقط لأننا فشلنا فى
الطلوع للقمر . الغرب الذى غزا الفضاء فعلا يستخدم كلمة ساتيلايت التى تعنى
’ ملازم ‘ أى أنك بعد تدور فى فلك الأرض . تخيل كم سيقهقه المواطن
الغربى لو قلت له إن لدينا space
channels
أو شيئا بهذا المعنى ! ) . تلك القنوات أصبحت كما نشرات الشركات والصحافة المحلية لا يشاهدها
إلا صانعيها ، حتى هذا إن لم تشغلهم أشياء أقل مللا ( ابحث فى جهاز
استقبالك عن قناة باسم شركة رييد إلسيڤييه ، أو عن ضواحى مدينة
پييتسبيرج ، وستجد واحدة على الأقل فى كل حالة ! ) . من
ناحية ثانية أننا لا نعرف أصلا كيف تصنع القنوات ، ولا كيف تنتج
برامجها ، ولا ماذا تقول للغير ، ولا كيف تقوله . المفارقة أن
قبل أسابيع قليلة كتبنا فى صفحة الصناعة
ندعو لإغلاق كل القنوات المصرية ، والإبقاء فقط على القناتين الأولى
والثانية ، وإن لأسباب مختلفة تتعلق فقط بالتمويل . مبدئيا ، بعد مئات الصحف اليومية العربية لا
مهنة لها سوى الزعيق مع غياب مطلق لأى منطق حتى بين صفحات العدد نفسه
منها ، وبعد قناة الجزيرة ( التى هى نفسها عبارة أصلا عن خريجين
لمدرسة البى بى سى أيام كانت عظيمة لكنهم ها هم وكالديدن العربى الطفيلى الأصيل
يستخدمون تقنيات الغرب وخبراته التى تعلموها منه كى يردوها لصدره ) ،
وبعد قناة لحزب الله تحريضية صريحة لا تحتاج لتعليق ، [ وبعد مكتب متخصص تابع لعرفات شغلته اختراع
وتلفيق عشرات الأنباء الضخمة يوميا من لا شىء ] ، يلوح لى أن الإعلام لم يعد حرفة غربية أصلا ، وبات مجرد
سلاح الضعفاء ( تماما مثله مثل الإرهاب ! ) . لعلها ذات المقارنة
بين العربى الانفعالى المتخلف ’ الإنسان ‘ والغربى المتقدم العقلانى
’ ما بعد‑الإنسان ‘ . فى عصر بوش ، وبالأحرى فى
إسرائيل تحت حكم الليكود ، بات الاهتمام بالمحتوى الذى يتم تنفيذه على
الأرض ، أكبر بكثير من الاهتمام بإقناع عموم الناس عبر وسائط الإعلام بأشياء
لن يفهمها أصلا أفقهم الضيق . هذا عالم بعد‑إنسانى ،
والواضح أنهم تركوا لنا أن نأخذ دورنا فى عيش عصر الوسائط البائد ( نبوءتنا
أن الخطوة التالية أن يصبح عالمنا المتخلف هو الموطن الوحيد للديموقراطية وحقوق
الإنسان ، ويشهرهما كسلاح فى وجه غرب راح ينضج متجاوزهما . نعم ،
سيتسابق عليها المتخلفون كما الموضة ‑طبعا دون المساس ’ بثوابت
الأمة ‘ ، ويقصد بها التخلف كما تعلم ! لكن كم سيفجعون ساعتها
حين يكتشفون أن المتقدمين لن يركعوا تمجيدا لنا ، بل سيحتقرون تمسكنا
بأفكار الماضى سيئة السمعة التى عفا عليها الزمن كهذه ! ) . [ تابع المزيد فى صفحة الليبرالية عن فكرة العرب كمرقد
أخير للديموقراطية ، بعد نجاح غزو أميركا للعراق ، وتحول الديموقراطية
لصرعة عند المثقفين والريچيمات العربية سواء بسواء ! ] .
نعم ، صورة العرب لدى الغرب
مشوهة جدا ، لسبب بسيط هو أنها أفضل بكثير مما هى عليه فى الحقيقة .
وكل كلمة ستقولونها عن العرب وثقافتهم وأفكارهم وأساليب حياتهم ، ستزيد
الطينة بلة ، لا لشىء إلا لأنها فعلا ستصحح صورة الغرب عنا . هذه
الصورة التى رسمتها لهم حتى اللحظة ، على نحو رومانسى زائد عن الحد ،
كتب بيرتون وأمثاله من الرحالة ، أو أفلام رودولف ڤالينتينو ولورانس
العرب ، أقصد عمر الشريف . أما إذا كان التعريف بالإسلام هو
هاجسكم ، فلن نفهم لماذا أنتم قلقون لهذا الحد . هذا ليس وقت تعريف
الغرب بالإسلام . الغرب ’ الآن ‘ يعرف الإسلام . منذ 11
سپتمبر والإسلام بات مقروءا جدا مكروها جدا . وكل مزيد من التعريف به سينقلب
نيرانا عكسية . أيضا فرصة التزييف أو حتى تهدئة الخواطر قد فاتت . لو
حدثتموهم عن ’ سماحة الإسلام ‘ سيسألونكم عن سورة التوبة وعن الناسخ
والمنسوخ . ولو حدثتموهم عن ماضيكم ’ الحضارى ‘ سيسألونكم عن قطع
طرق القوافل وعن جنس الأطفال فى حياة محمد . ولو حدثتموهم عن حقوق الإنسان
فى الإسلام سيسألونكم عن الذمة والجزية وذبح سبعين ألفا بدم بارد فى يوم واحد
بيد واحدة اسمها سيف الله المسلول . وهكذا ، وهكذا .
ببساطة : هذا ليس وقت محاولة تعريف الغرب بالإسلام . هذا وقت محاولة
إنساء الغرب الإسلام . من هنا ، وببساطة ، المطلوب الآن ليس أن
نقول للغرب أو إسرائيل شيئا . المؤكد أن هذا سيزيد الطين بلة ، ولن
يجدوا أكثر من هذه القنوات برهانا عمليا لجمهورهم لما يقوله إعلامهم عن حقيقة
العرب والإسلام . الفارق هذه المرة أن ضبطنا متلبسين بقوله ، وليس
منقولا عما اعتدنا تسميته إعلاما صهيونيا . وإذا كان إعلام بالمستوى المهنى
للنيو يورك تايمز والسى إن إن إعلاما صهيونيا ، فالمؤكد أن العالم كله لا
يريد إلا الاستماع للإعلام الصهيونى . فقط حان الوقت لنسمع نحن ما
يقولونه هم ، فالدور دورنا فى الإصغاء والتعلم والتنفيذ . الأجدى أن
نوجه قنواتنا لشعوبنا لا لشعوب الآخرين . نوجهها لتقول لنا صراحة إننا
اخترنا الهوية الخطأ والثوابت الخطأ ، وترشدنا لكيفية الانضمام للهوية
العالمية والثوابت العالمية الأكثر حداثة وتحضرا . لو طلبت منى النصيحة فستكون كلمة
واحدة : كل إناء ينضح بما فيه ، وأملنا أحد أمرين ، إما أن نسد
جميع المسام التى يعرف من خلالها الغرب كيف نفكر وماذا نقول وهذا حل صعب ،
وإما أن نغير المحتوى العفن داخل الإناء ونضع بدلا منه شيئا نظيفا ، وهذا
حل أصعب ! أيها السادة : مشكلة
الإعلام العربى ليست فيما يقوله ولا من يقوله ولا متى يقوله ولا أين يقوله ولا
كيف يقوله . مشكلته لا علاقة لها بالإعلام أصلا . مشكلته لا أكثر ولا
أقل من أننا شعوب متخلفة معادية للحضارة والتحضر ، والعالم لا يحترم
المتخلفين ولا يحبهم . فقط وباختصار شديد : Just: SHUT UP! . اكتب رأيك هنا [ تحديث :
5 مايو 2002 : VOA Arabic signing off. Sorrowfully
for the last time! .
نعم ، بدون تنويهات كثيرة سابقة أغلقت إذاعة صوت أميركا العربية
بالغة العراقة فجأة . وحلت محلها إذاعة مختلفة تماما اسمها راديو سوا . الكل
يعلم أن أميركا الرسمية تخطط لإذاعات وقنوات تليڤزيونية موجهة للعرب بعيد
11 سپتمبر ، لكن ظهور راديو سوا جاء مفاجئا لدرجة أنى لم أجد خبرا يشير
لموعد تدشينه بما فى هذا موقع الإنترنيت
الجديد بعد إلغاء الموقع
التقليدى لصوت أميركا ، وإن كان من المستبعد أن بدأ كل هذا خلال هذا
الأسبوع ، أو ربما بدأ تحديدا مع أواخر أپريل إن لم بداية شهر مايو ،
بحكم أنى دائم التردد على المهم أن ليست هذه حتى هى المفاجأة
الحقيقية ، ولا حتى الاسم الغريب نسبيا ، بل المحتوى . أساس
البرمجة أغانى عربية وغربية مناصفة بالضبط ، يجمعها أنها أغانى حديثة أو ما
يسمى بالشبابية . يتخلل هذه عند الدقيقتين 15 و45 من كل ساعة موجز سريع جدا
للأخبار . نعم هكذا ولا شىء آخر . تركيبة غريبة محيرة بل جريئة ومثيرة
للدهشة ، وقطعا غير متوقعة على الإطلاق ، وأقرب شىء يمكن تشبيهها به
هو محطة MBC-FM ، مع فارق المحتوى الخليجى‑السعودى
المكثف فى هذه الأخيرة ، مقابل غنائيات مصرية‑لبنانية بالأساس فى
النصف العربى لأغانى المحطة الجديدة . المذيعون والمراسلون مزيج من بعض
القدامى ، مع تطعيمهم ببعض العناصر الجديدة ربما أكثره ملاحظة إحدى
المذيعات المعروفات ذوات الأصل اللبنانى من إذاعة مونت كارلو ، والسبب طبعا
الحاجة لخبرات فى برمجة الأغانى لا شك أن للإذاعة المذكورة خبرة فى
الترفية الخفيف ، لكن طغيان الثقافة الفرنسية عليها يجعلها شيئا بالغ
التقزيز والتخلف ، مع ذلك يظل إدخال بعض من واهبها فى سياق إذاعة أميركية
شيئا مختلفا إيجابيا ومحببا . من منظور الإسلاميين ، ليس فى
هذه الإذاعة ما يستفزهم . الأخبار موجزة بلا تحليلات ولا برامج رأى
…إلخ ، حتى مما كان موجودا أصلا فى الإذاعة القديمة . هذا طبعا بعد
التنحية جانبا فكرة إن الغناء رجس من غواية الشيطان . من الناحية الأخرى
ستجد سوف تجد الإذاعة بلا شك وفرة من المنتقدين . فالمستمع الجاد يريد فعلا
الاستماع ليس فقط لوجهة النظر الأميركية الرسمية وشبه الرسمية فى الشئون
السياسية ، بل فى شتى مناحى الحياة الأميركية ، وهذا ما كان يقدمه
بكفاءة صوت أميركا العربى التقليدى ، ولا يزال يقدم الآن لكن ليس بعد
باللغة العربية . أنا شخصيا تأثرت فى طفولتى ببرامج الأدب الأميركى
والتاريخ الأميركى ، وكتبت هذا يوما .
ذلك ناهيك عن الوضع الفريد فى تلك السنوات لبرنامج الموسيقى الغربية ، وهو
أيضا مما نوهت به من قبل . وإن
كنت للأسف الشديد أصبحت أنسى أسماء جميع هذه البرامج حاليا . هذا التأثر
القديم والعميق يمثل فى الواقع جزءا من صدمة اليوم ومشاعرها المختلطة ، لا
سيما وأن كان يراودنى كثيرا فى الأسابيع الأخيرة فكرة التأريخ الأدق لتلك
البرامج ، هذه التى سبق وأشرت لها على نحو عابر ، واعتمادا فقط على
الذاكرة القديمة . هذا الشق من المشاعر يجعلنى أقرب اليوم لشخص شديد الأسف
على فراق أخير برحيل جاء فجأة لشخص عزيز عليك ، لا سيما إذا ما ولد بك هذا
الرحيل شعورا أنك كنت مقصرا أو لم تكن وفيا جدا نحوه . بصراحة كانت معظم
متابعتى فى السنوات الأخيرة تتركز على واحدة من الساعات الإخبارية المجمعة
باللغة الإنجليزية ، فالشىء الوحيد الذى لم يكن بوسعى احتمال سماعه فى
القسم العربى وهجرته كله تقريبا بسببه ، هو ذلك البرنامج الخاص بالمهاجرين
العرب ، والأسباب لا تخفى عن قارئ الموقع ، وأقدم بعقود فى الحقيقة
مما قلته يوم 11 سپتمبر . الشىء المدهش بعد كل ذلك ، أن
تلك الإنحناءة العجيبة لصوت أميركا ربما تكون قد جعلتها أكثر إغراء
للاستماع ! البرمجة أصبحت 24 ساعة وليس أربعة أو نحوها كالسابق .
الأغانى تعطيك الاستماع السهل الذى لا يتطلب تركيزا كبيرا . كونها أغانى
عصرية عربية وأجنبية ، تمثل مزيجا يطابق بالضبط أذواق الجيل الجديد ،
لا سيما القطاع الأفضل تعليما منه ( فقط ربما هناك بعض ملحوظات شكلية يجب
مراعاتها لتحقيق استماع أكثر سلاسة كذكر أسماء المذيعين وذكر أسماء الأغانى فى
بداية ونهاية كل نصف ساعة ) . الإذاعة بلا ريب موجهة للجيل الأصغر ،
بما فى ذلك حتى الإعلانات التوجيهية التى تعنى بشىء واحد هو عدم تناول
العقاقير . الموجز الخبرى يضعك فى وضع المتابعة للأحداث ، بالذات وأن
هناك أخبار فنية ومنوعة من بينها . المفارقة فى هذا الوضع هى
السياسة ، إذ ربما عندما تقدم الإذاعة أنباء مهمة ستجد نفسك مضطرا لتركها
والتحول للإذاعات أو قنوات التليڤزيون أو مواقع الإنترنيت الأخرى الأكثر
إسهابا فى التعامل مع الأخبار ! ترددت كثيرا قبل الكتابة حول إذاعة
سمعتها ليوم واحد ، لكن هذه الصدمة المربكة ربما تستحق التسجيل كما
هى ، بالذات وأن من المحتمل أن تنهال الانتقادات عليها من كافة
الاتجاهات ، وقد يتم تحوير وضعها الحالى . لذلك لم أشأ إنكار رد فعلى
الأولى المرتبك ، الذى تغلب عليه المشاعر والانطباعات السريعة
والحنين ، أكثر منه التحليل والتقييم . المذهل ، أنه رغم كل ما
قلته عن الغرابة والصدمة ، فإن الانطباع اللا شعورى كان كاسحا فى انجذابه
نحو الجوانب اللذيذة والمحببة للإذاعة الجديدة . بل لعل راديو سوا هو
بالضبط ما يحتاجه شبابنا الباحث عن التنوير العمومى البسيط الخالى من أى
تعقيد ، والفار بالطبع من الخطاب ’ الاستشهادى ‘ المخبول لقناة
الجعيرة ، اسمها الصحيح بعد مواقفها الجنونية التحريضية وغير المهنية بالمرة
بالذات مع اندلاع الحرب السادسة
الشهر الماضى ، حيث جعلت نفسها أول وأكبر إحياء لأيام صوت العرب وأحمد سعيد
التى كنا قد اعتقدنا أن الزمن قد عفا عليها للأبد ] . [ فى
ديسيمبر 2002 اختارت مجلة
النيو يورك تايمز راديو سوا ، كواحد من أعظم ’ أفكار
2002 ‘ . تابع القصة فى صفحة الثقافة ] . [ فى
17 يوليو 2003 [ تحديث : 24 نوڤمبر
2002 : الآن أنا متفائل بشىء واحد على
الأقل ، القناة الجديدة التى تخطط لها حاليا الإم بى سى . قناة
إخبارية ناطقة بالعربية ( طبعا ! ) سوف تبث من دبى ، يرأسها
الإذاعى المصرى المستنير صلاح نجم . هذا الإعلامى المرموق والرفيع مهنيا هو الذى صنع السنوات
الخمس الأولى ’ المحترمة ‘ من عمر قناة الجعيرة ، الجزيرة
سابقا ، ما بين تدشينها فى يوليو 1996 وحتى سپتمبر 2001 ، حيث أزاحه
تدريجيا هبوط التنظيم العالمى للإخوان المسلمين عليها ، وتجنيدهم لها كأداة
للجهاد والانتفاضة ، ثم من بعده كبوق صريح لطالبان والقاعدة . القناة
اسمها ’ العربية ‘ ، وهذا ما نحتاجه حقا : قناة ناطقة بالعربية تخاطب الناطقين بالعربية ‑عربا
وغير عرب ، بمن فيهم نحن المصريون أنفسنا‑ لترتقى بمعلوماتهم وفهمهم
من خلال خدمة خبرية موضوعية خالية من التهييج والغثاء والشعارات السافلة . ها هى أخيرا القناة التى قلنا من قبل
إنها تستحق أن يكون ضيف اليوم الأول لبثها الرئيس چورچ دبليو . بوش ،
ويخطئ كثيرا لو لم يفعل هذا . أدعوك بقوة لقراءة هذه المقابلة الرائعة
للإصدار الجديد اليوم من دورية الجامعة الأميركية فى القاهرة نصف السنوية Transnational Broadcasting Studies مع صلاح نجم ] . [ تحديث : 18 أغسطس 2003 : اليوم
أغلق مركز زايد للتنسيق والمتابعة ، أحد المشاريع التى أنشئت لما يسمونه
التقارب بين الأديان والتواصل مع الغرب وتحسين صورة العرب والإسلام . ما
حدث أن فقط الإناء نضح بما فيه ، كما توقعنا ونتوقع لكل مشروع مشابه ،
فكانت كارثة وفضيحة بجلاجل ، تابعها فى قصة مستقلة بالأسفل ] . [ أيضا بدءا من ديسيمبر 2003
تابع فى صفحة الجلوبة قصة تدشين
قناة ’ الحرة ‘ الأميركية الناطقة بالعربية ، وتقييمنا
لها ] .
1 يناير 2002 : هذا المدخل كان من الواجب كتابته منذ شهور لكن أحداث سپتمبر
وما تلاها أدت لهذا التجاهل . الموضوع لا يبدو مهما جدا ، وهذه هى
المشكلة . فى عدد أپريل 1998 صدر فى سلسلة عالم المعرفة عن
المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب فى دولة الكويت ، كتاب فى نظريات
النقد الأدبى بعنوان المرايا المحدبة . الموضوع لا يهمنى كثيرا شخصيا ، مع ذلك قرأت
المقدمة . لم أكون رأيا ، أو لعلى فهمت إجمالا أنه يقدم نظرية تسير فى
طريق تأكيد الهوية العربية ، وكما تعلم هو أمر لا يروق لأمثالى من أنصار
هذا العالم الجلوبى . المهم هذا ليس حكما على البحث ولا دخولا فى
تفاصيله ، لأن ما لفت نظرى شىء آخر تماما هو استخدامه للعنوان فحسب قوله
المرآة المحدبة هى التى تنظر فيها فترى نفسك متضخما . المفروض أن أى تلميذ
فى الابتدائى يعلم أن العكس هو الصحيح . اغتظت بالطبع فما يجب لپروفيسور
حتى لو كان فى الآداب أن يتورط فى استخدام بديهيات العلوم بهذا التسرع
( ناهيك عن حقيقة أنه ينظر يوميا ألف مرة عبر مرايا سيارته المحدبة ،
والمؤكد أنه لا يرى فيها الأشياء ضخمة على الإطلاق ! ) ، لكنى
سرعان ما نسيت الموضوع ، فما أكثر الأخطاء ‑بل الجهالة‑
العلمية فى حياتنا .
الجديد مؤخرا أن صدر الجزء
الثانى من الكتاب بعنوان المرايا
المقعرة ، ويتحدث فيه عن كيف يرى النقاد العرب
أنفسهم والأدب العربى صغارا كمن ينظر لمرآة مقعرة ‑هكذا يقول أيضا . تخيل حجم الملهاة أو المأساة أو
رأى أى طفل حضانة فى أميركا أو حتى الهند فيما يلى : أستاذ جامعى مصرى كبير
شهير يؤلف كتابا بعنوان المرايا المحدبة ، يمر على مئات المتخصصين بدءا من
شغيلة المطابع والمراجعين اللغويين فى مصر والكويت صعودا إلى مشرفى سلسلة عالم
المعرفة ممن يفترض أنهم من عتاة المثقفين العرب ، ثم يقرأه عشرات الآلاف هم
أيضا الأرفع ثقافة فى بلاد العرب ، ثم يصدر منه جزء ثانى ، كل ذلك دون
أن يلحظ شخص واحد فقط من كل هؤلاء طيلة كل تلك السنوات أن المرايا
المحدبة ، مثل مرآة سيارته التى ينظر فيها يوميا ألف مرة ، تصغر
الأشياء لا تكبرها ، وهو الأمر الذى بنى الكتابان نظريات كاملة عليه !
المشكلة إذن ليست غلطة شخص اسمه عبد العزيز حمودة ،
ولا دستة ’ علماء ‘ يشرفون على السلسلة ، فاتتهم جميعا تلك
الحقيقة العلمية البسيطة . الآن المشكلة تخص عشرات الآلاف من النقاد
والقراء الذين اشتروا الكتاب الأول ، وفاتتهم جميعا هذه الغلطة ، أو
بالأقل لم يلفت أحد منهم انتباه السلسلة لهذه الغلطة . أو على الأقل جدا
فقد فاتت الغلطة على المئات من زملاء وأصدقاء وتلاميذ المؤلف ممن قرأوا
الكتاب ، ويلتقون به يوميا ، بل ويعلمون أنه سيؤلف كتابا ثانيا يكرر
فيه ذات الغلطة . بالطبع لم أتخيل حدوث هذا قط ، وإلا لكنت قد تطوعت
بتنبيه المؤلف بنفسى ! ( لو كان أحد قد لفت نظره ، ثم صمم هو على
المضى فى الخطأ ، باعتبار الأمر مثلا من التفصيلات التافهة ، فهذه
ستكون قضية أخرى وكان سيكون لها مقال مختلف غير ما نخوض فيه
هنا ! ) . اعتقد القارئ قد وصل بالفعل لما نريد قوله ،
وهو شىء بسيط جدا لكن رهيب بالكامل : No Future! . العلوم والتقنية أمور خارج
دائرة اهتمام العقلية العربية بالكامل . لا مجال للمقارنة بصبية أميركا أو
شرق آسيا المشغولون ليلا نهارا بالاختراعات الإليكترونية التى يمكن أن تحقق حلم
طفولتهم الأوحد ، حلم إكمال المليون دولار قبل بلوغ العشرين من العمر
( وعما قريب ستشغلهم الاختراعات الچيينية —الواقع أن احتفالنا الذى بدأ
اليوم بفيلم بليد رانر هو الذى
ذكرنا بهذا المدخل المؤجل ! ) . العقلية العربجية مشغولة إما
بطمئنة بعضنا البعض فى خضم النوازل القاتلة المتوالية على أن الله لا يزال مسلما
ولم يتحول بعقيدته إلى اليهودية ، أو مشغولة بالهزيمة نفسها وانتوت أن تدور
إلى ما لا نهاية فى دوائر الثأر الذى لا يأتى أبدا ، أو فى أفضل الحالات
مشغولة بالتأكد من منعة القوقعة التى تحمينا من العواصف الهوجاء وضوء الشمس
المميت ، قوقعتنا الرائعة المسماة الهوية العربية ،
ذلك كما يفعل الدكتور عبد العزيز حمودة والمجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب
بالكويت . اكتب رأيك هنا
31 يناير 2002 : تعليقات مشكورة كثيرة ظهرت فى لوحات
الرسائل لهذا الموقع ، كثير منها منشغل بنقطة الولاء التى أفضنا فيها
فى الدراسة الرئيسة أعلاه ، والالتباس البالغ الذى يبدو أن كلمة اليمين
( أو هكذا اصطلح على تسميتها ) تثيره كثيرا لدى البعض . لعل
الوقت قد حان الآن للرد عليها جميعا . لن نكرر كلاما ذكرناه من قبل عن معنى الوطنية أو عن اليمين الغائب من الفكر العربى ،
واعتقدنا أنه كان كافيا فى حينه ، لكننا نود تقريب الصورة بحيث لا تبدو
أحيانا مثيرة للدهشة لهذه الدرجة المدهشة . الشيوعيون طالما آمنوا بشى اسمه الأممية ومعناه أن
كل شغيلة العالم تجمعهم مصلحة مشتركة ضد كل رأسماليى العالم . الإسلامى
ويرى ويستشعر الأخوة فى كل إسلامى آخر عبر العالم ، بينما يعتبر بقية ابناء
بلده كفرة يستحقون القتل . حتى الشباب الصغير الذى تجمعه غرف الدردشة فى
الإنترنيت يشعر بالألفة والصداقة نحو شاب أو فتاة تفصله عنها آلاف
الأميال ، وكل الكلام لا يخرج عادة عن صب النقمة معا على الأب والأم اللذين
لا يبعدان أكثر من أمتار . إذن ما الغريب فى أن تستشعر صفوة العالم أو
المفكرون أو الساسة اليمينيون أن رؤية واحدة للعالم ومستقبله تجمعهم ، وأن
العدو الذى يعرقل الإصلاح هو عدو واحد يضم ستالين كما يضم الكولونيل ناصر كما
يضم بيلل كلينتون كما يضم شيمون پيريس كما يضم روبرت موجابى . إن رؤية الأسرة الحاكمة السعودية مثلا للاقتصاد
والمستقبل العالمى أقرب ألف مرة من وجهة نظر بنيامين نيتانياهو ودونالد رامسفيلد
ومارجاريت ثاتشر لذات الأمور ، منها لرؤية حافظ الأسد أو صدام حسين أو آية
الله خومينى أبناء الجوار واللغة والدين . وإن كان فى هذا فى حد ذاته دلالة
على مدى اتساع الطيف اليمينى نفسه وتفاوت رؤاه التفصيلية هنا وهناك ،
وأبرزها بالطبع ما يخص الموقف من الليبرالية الاجتماعية والحريات الشخصية كالجنس
وغيره ، حيث التراوح ما بين العلمانية الخالصة والتدين المعتدل . هذا
الأخير أصبح بالذات منتشرا فى المجتمعات الديموقراطية لتمرير الرسالة الانتخابية
اليمينية المرة بالنسبة لعموم الشعب ، لا سيما الجمهور الواسع من الأسر
التقليدية التى قد يغريها شعار مثل القيم الأسرية ، وترى بطبعها اليسار
كمجرد إنحلال خلقى . وضعية حصان طروادة هذه شىء سيئ ، ما فى هذا
شك . لكن لا يجب أن ننسى أن الدين
لم يكن يوما ( ولا يجب قط أن يكون ) مكونا جوهريا أو ركنا من أركان ما
اصطلح على تسميته بالفكر اليمينى . على الأقل بسبب رفض الدين للفكر
الدارونى وهو لا يعدو إلا تعميما أوسع لفكرة المصلحة والصراع التى أتت بها
ليبرالية آدم سميث . كما أنه من نافلة القول أن كل آباء أميركا المؤسسين
ممن يصعب تصنيفهم كيسار ’ ديموقراطى ‘ أو ’ جمهورى ‘ طبقا
للاستخدام الفرنسى للكلمات ، كانوا جميعا علمانيين لا تفاوض فيهم . بل
الواقع أن كان الدين حتى سنوات قليلة مضت واحدا من أعمدة الشأن اليسارى الحريص
على مغازلة الأقليات أيا كان ما يستجدى من ورائها ( وحتى اللحظة لا يزال
القطب الأكبر للتزمت الأخلاقى فى السياسة الأميركية هو السيناتور الديموقراطى
چوزيف ليبرمان ، ومن خلفه طابور طويل من رموز الحزب وزوجاتهم ) .
فى جميع الأحوال لا يجب أن تنسى
عندما تلوح لك تناقضات معسكر اليمين ، أنه بعد قرنين من سيطرة الغثاء
اليسارى على الفكر العالمى ، فإن اليمين أشبه برضيع يحبو ، ويتلمس
طريقه لعالم بديل عبر سلسلة من القادة العظماء المقدامين أمثال ريتشارد نيكسون ومارجاريت
ثاتشر ورونالد ريجان وبنيامين نيتانياهو ودونالد رامسفيلد . ليس علينا أن
ننسى المنحنى العام لصراع الفكرين اليمينى واليسارى فى القرون الأخيرة بعد تلك
الدفعة القوية التى أولدت اليسار الحديث ، وهى ما يسمى بالثورة
الفرنسية . هى نفسها كانت تخبطا بل وكاد ناپوليون بونابرت أن يعيد
الامپراطورية ، لكن القرن التاسع عشر شهد الكثير من ثورات الشغيلة ،
وأكثر منها المفكرين الاشتراكيين ، وعلى رأسهم بالطبع كارل ماركس . فى
القرن العشرين زادت الأحوال سوءا . فى روسيا انتصرت ما سميت بالثورة البلشڤية ،
وبدأت الاشتراكية تهيمن على الغرب ’ الرأسمالى ‘ نفسه ، وجاء
فرانكلين رووسيڤلت بالصفقة الجديدة ، وأصبح چون ماينارد كينز هو رسول
’ الإصلاح ‘ الاقتصادى . فى الهند طرد جاندى الإنجليز ، حصل
على الملح الذى يريد وجنى معه أيضا الإملاق والخراب الشامل الذى يحمل اسم
الاستقلال ، وعلى هديه سارت عشرات الشعوب وراء شعارات محرضيها الانتهازيين
وجلبتهم للسلطة لينهبوها هم بدلا من أن يعمرهم الاستعمار . فى أميركا نفسها
تصاعد المد الشيوعى ، صريحا أحيانا ومتلونا أحيانا أخرى . كان لا بد
من إجراءات استثنائية لوقفه ، وحتى الآن لا يعلم المرء لماذا نلعن المكارثية
صباح مساء وهى التى حمت أميركا فعلا من الشيوعية ، بل فى الواقع حمت
العالم ، إذ تخيل كم قرنا كنا سنرزح تحت وطأتها لو نحجت فعلا فى إسقاط
أميركا فى قبضتها . على أن الانتصار لم يكن ساحقا كما يجب ، وتوصلت
أميركا لمنطقة رمادية ما من خلال إيصال اليسارى الوسطى چون كينيدى للسلطة كأول
كاثوليكى يدخل البيت الأبيض فى تاريخ أميركا ، والأخير حتى اللحظة .
تميعت الأمور إلى نحو لم يسبق له مثيل ، لكن الذروة الدرامية الأعظم منذ
الثورتين الفرنسية والبلشڤية تظل بلا شك هى 1968 ، تلك السنة الظاهرة
التى عمت فيها مظاهرات الطلبة كل مكان فى العالم تقريبا . منحنى صاعد
متصاعد حتى وإن بدا ’ مشرشرا ‘ بعض الشىء ، لكن المؤكد أن ما كان
اليسار يتراجع قليلا فيه حتى يعود بصورة أعتى بعد قليل .
المثير أننا ومنذ 1968 ونحن نمر
بمنحنى ، ربما مشرشر أيضا ، لكن واضح ومؤكد –إن لم يكن أيضا سريع‑
الهبوط لقوى اليسار ، ذلك فى مقابل صعود سريع للفكر الصفووى الحضارى أو ما
يسمى اصطلاحا باليمين . البداية ، وهذه مفارقة عظمى للغاية وتحتاج
لأسفار طويلة من البحوث النفسية والسوسيولوچية ، جاءت فى ذروة عام 1968
نفسه . فقبل أن ينتهى بقليل اختار الشعب الأميركى شخصا لم يكن له نظير من
قبل ربما فى كل التاريخ الأميركى فيما يوصف عادة بالتشدد اليمينى ، اختاره
رئيسا له . ربما يجوز القول إن الشعب استشعر أنه تمادى طويلا أكثر مما يجب
وراء الشعارات ، وأن أسس الاقتصاد والرخاء سوف تقوض والنموذج الشيوعى ماثل
فى أعين الجميع . وبدخول ريشارد نيكسون للمكتب البيضاوى دخلت كل البشرية بل
وكل الكوكب حقبة جديدة بالكامل . بعد نيكسون جاءت مارجاريت ثاتشر .
وبعدها جاء رونالد ريجان . وانهارت الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوڤييتى ،
كلاهما على نحو بالغ السرعة والمهانة .
هذا الصعود المظفر للمنحنى لم
يشهد سوى سن منشار واحد هابط إن جاز الوصف ، ذلك هو الحقبة
الكلينتونية . فبدلا من استثمار اختفاء القوة الأساسية المعادية للحضارة
وقوانين الطبيعة ، راحت السياسة الأميركية ( وبسعادة بالغة من أوروپا
التى عاد ليهيمن عليها اليسار أيضا باسم الوحدة ، لا وحدة ألمانيا فقط التى
أنجزها اليمين وتحديدا المستشار العظيم هيلموت كول ، بل وحدة كل أوروپا تحت
سلطة اليسار ) ، راحت ، وكأنها استكثرت على نفسها ذلك
النصر ، تلطف وترطب من السقوط المدوى للشيوعية ، بل وتكاد تصبغ الغرب
نفسه بها من خلال صياغة ممسوخة اسمها الطريق الثالث أو أيا ما كان المسمى . ضاع كل عقد التسعينيات فى هذا
ضياعا ما بعده ضياع . لكن سرعان ما عاود المنحنى الأصلى صعوده ،
فاليسارية فكر مهزوم ، وهذا شىء واضح لكل الأعين لا اقتصاديا فقط بل كل
شىء ، ومن ثم ولا يمكن لأتباعها أن يختطفوا العالم طويلا مهما كانت
ديماجوچيتهم وأحاييلهم . فى إسرائيل صعد بنيامين نيتانياهو فى 1996 ، لكنه
كان أشبه بطير مغرد وحيد فى هذا العالم المغيب وسقط سريعا . مع ذلك يظل هو
البشير تاريخيا لكل تلك العودة الجارفة للفكر الحضارى بدءا من عام 2001 .
فى يناير منه دخل چورچ بوش البيت الأبيض ، والمهم فى چورچ بوش ليس شخصه أو رؤيته
التفصيلية أو حتى الخاصة ، فهو أقرب لمجرد شخصية ودودة يحبها الناس فى
الخطب وشاشات التلفاز ، بل عبقريته فى انتقاء فريق مساعدين هائل يمثل رؤية أيديولوچية
حضارية ماضية العزم والإرادة ، تسعى
للتغيير الجذرى لكل العالم ، وإنهاء كل مخلفات الماضى تلك أيا ما
كانت . ثم كذلك سرعان ما عاد سيلڤيو بيرلوسكونى لرئاسة الوزارة فى
إيطاليا ، بل بتحالف مع آخرين أكثر تشددا منه . وفى إسرائيل نفسها جاء
آرييل شارون . عامة يجدر التنبيه هنا لأن ليست
النتائج المباشرة للانتخابات هى الفيصل فى الحكم على مدى تقدم اليمين أو
تراجعه . المهم من أجل الحصول على حكم صائب أن نحاول دوما رصد خط المنتصف
للخريطة السياسية لمجتمع ما ، وكيف تحرك على مدى العقود . ربما تسقط
اليمين وتأتى أحزاب اليسار ذات مرة ، لكنك حين تقارن هذا اليسار باليسار
( أو حتى اليمين ! ) قبل عشرين أو أربعين عاما ستكتشف كم اندفع
المجتمع يمينا خلال تلك الفترة ، بالذات من خلال ترسخ قيم الاقتصاد الحر
وتقليل تدخل الدولة فى الحياة العمومية ، والتى أصبح يقرها كلا الجناحين
السياسيين على نحو أكثر تجذرا باضطراد ( قارن إسرائيل مثلا التى لم يكن بها
حزب لليمين أصلا قبل عقود قليلة ! ) . من ذلك قد تكون المسميات
أيضا مراوغة أو مضللة . فتونى بلير مثلا يسمى باليسار فى بريطانيا ،
بينما ما حدث أن له فضلا كبيرا فى الاندفاع بخط المنتصف ذاك للمجتمع ككل طفرة
كبرى نحو اليمين . العكس صحيح أيضا ففى فرنسا مثلا يسمى چاك شيراك باليمين
بينما نعلم أن كل فرنسا يسار فى يسار ، والفوارق التى تميز الطيف السياسى
فيها طفيفة وتافهة . ومهما أصبحت فرنسا ’ يمينية ‘ فإنها لن تقف
أبدا على يمين أقصى اليسار فى بريطانيا أو أميركا . وهكذا . … وبعد ، وبينما تتوالى
الارهاصات بسقوط اليسار فى كل أوروپا ، جاء الحدث الجلل الذى غير مجرى
التاريخ كله مرة أخرى من جديد : 11 سپتمبر 2001 . الوعى والاستنارة
التى حدثت فى يوم واحد تفوق ما كان يمكن أن يتحقق فى قرن كامل . تبنى الجميع بنوع من التسليم المطلق ما أسميناه الرؤية الرامسفيلدية‑الإسرائيلية
للعالم . وأدرك الكل حجم المخاطر الحقيقية التى تتهدد الحضارة إن هى ظلت
سادرة وراء اليسار ، وما يتكفل به من أمن وحماية لأبنائه الشرعيين كل فقراء
العالم ومتخلفيه ، بل وغير الشرعيين كالإسلام ، الذين يمثلون معا قوة
دمار هائلة كامنة ، لم يحدث أن تعرضت الحضارة لمثلها منذ سقوط روما فى
براثن المسيحية فى أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع للحقبة
الشائعة . وتفاصيل قصة هذا الصعود اليمينى بعد الحادى عشر من سپتمبر أبردناها
للتو بالأمس فقط فى مدخل خاص بصفحة
الليبرالية . وطبعا صفحات الإبادة وسپتمبر والحضارة ،
هى ككل امتداد لصفحة الثقافة هذه ، وأشبه بسجل يومى حاشد لكل تلك المتغيرات
الهائلة فى الوعى التى شهدها العالم فى العامين الأخيرين منذ بداية الألفية
الجديدة . ما يهمنا قوله فيما يخص كون
اليمين وليدا يحبو ، ولم تتح له فرصة النضج الكافية بعد ، أنه فى جميع
الأحوال تظل رؤية كافة التيارات اليمينية للاقتصاد ، وهى الأهم والجوهر
واحدة موحدة . إن لم تكن هى التى يمكن المراهنة عليها أنها ستصل يوما
بالجميع لاستكمال ما نقص لهم من ليبرالية فى النواحى الاجتماعية والعلمانية
والشخصية ( الفردية كالحرية الجنسية …إلخ ) . باختصار ،
الحضارة لا تتجزأ ، وكذا الليبرالية ، وما يسمى باليمين هو التيار
الفكرى الذى يتخذ من آدم سميث وتشارلز داروين ، بل من الطبيعة نفسها
وقوانينها التقدمية دائما أبدا ، أجدادا روحيين له . [ نفس المدخل المذكور فى الفقرة السابقة توقع
، بل وتابع فيما بعد ذلك النضج المتسارع خلال سنة 2002 ، خاصة لما
بات يسمى فى أوروپا ما بعد‑الفاشية ] . بصيغة موجزة وربما أكثر وضوحا : اليسار هو السماح للناس باتخاذ قرارات تفوق
مستواهم المعرفى ، وما اصطلح على تسميته باليمين هو السماح للناس باتخاذ
قرارات تساوى مستواهم المعرفى . اليسار يمكن أن
يكون ديموقراطيا ويمكن أن يكون ديكتاتوريا ، أن يكون روزفلت أو
ستالين . أما اليمين فهو ديموقراطى على طول الخط إذا كان الأمر يخص شئون
الفرد الخاصة ، ديكتاتورى على طول الخط إذا كان الأمر يخص الشئون عالية
المعرفية ، كالسياسة والاقتصاد والتقنية . أو كما قالت مارجاريت
ثاتشر : التنازل انتفاء
للقيادة ! ( والمقصود بالتنازل Consensus توافق الآراء والحلول الوسط . انظرها بكلماتها الإنجليزية
الأصلية فى صدر صفحة الليبرالية ، حيث أيضا الدراسة الرئيسة للصفحة المذكورة ،
وكذا الدراسة الرئيسة لصفحة الحضارة تعدان إفاضة
فى توضيح الكثير من المفاهيم الواردة هنا ) .
الأخوة الأعزاء رواد لوحات الرسائل ، اليمين
ليس حفنة من الأثرياء الأنانيين مصاصى الدماء دعاة الإبادة والتصفية
العرقية ، ورموزه دائما أدبا ما جاءوا من كل الطبقات . ولذا ليس
مستغربا أن نجد أن حفنة من أعظم اليمنيين كانوا من أصول فقيرة ، وربما
السبب فى عظمتهم وصلابتهم ، أن عايشوا التخلف ويعرفون عن كثب حجم شروره
وآثامه ، وأن لا حل له إلا الاستئصال الجذرى ، وأن لا سبيل إلا هذا
إلا أولا بإفعال آليات الاقتصاد الحر الدارونى بلا هوادة . ليس الكل أبناء
دوقات مثل تشرتشل ، أو أبناء وزراء امپراطوريات أوروپية مثل پيتر
دراكر ، إنما غالبيتهم أبناء طبقة وسطى مثل كيسينچر وثاتشر ، وأحيانا
أبناء طبقات ريفية دنيا كأعظم اليمينيين قاطبة ريتشارد نيكسون ، أو مثل ابن
بائع الأحذية رونالد ريجان . بل واقع الأمر يقول تاريخيا ، إن الطبقة
الوسطى هى الحارس الأكبر على قيم اليمين وفكره الدارونى التنافسى ، أكثر من
أية طبقة أخرى ، بما فيها حتى الأرستقراطية . من هنا إليكم بعض هذه الحقائق الموجزة : المؤكد أولا ، أن ما اصطلح
على تسميته باليمين ليس دفاعا عرقيا طبقيا أهوج عن طبقة بعينها كما هو حال
اليسار ، هذا الذى تحركه فى بعض الأحيان المثالية الساذجة المستحيلة وغير
العلمية ، وتحركه فى أغلب الأحيان مجرد أحط مشاعر الحقد الطبقى والكراهية
لدى المتخلفين المهزومين والفاشلين . اليمين فى المقابل رؤية شاملة لكل
الطبقات ولكل العالم ، ترى لكل وظيفته التى تمليها عليه قدراته
ومواهبه ، ولا شىء يمكن أو يجب أن يقف أمام حقه فى تنافس شريف يحقق له كل
ما يستحق فى هذه الحياة . فى نفس الوقت ليس من حقه أن يجور على حق غيره فى
التمتع بنتائج ثوراته ومواهبه .
المؤكد ثانيا بالتالى ، أن
ما اصطلح على تسميته باليمين هو إطلاق لكل قوى التنافس الحر الخلاق ، بينما
اليسار رغم كل رطانته ، هو مصادرة للحراك الاجتماعى والطبقى والدولى ،
من خلال تأميم مبدأ المنافسة نفسه . فى الواقع المهم ليست عدد القرى التى
تصلها الكهرباء من ميزانية حكومية متهالكة ، بل أن تكون منتجات هذه القرى
من الجودة بحيث تنافس كل قرى العالم . التنمية تحت مسمى البعد الاجتماعى
وهم ، والتنمية الوحيدة الحقة هى التى تقوم على أسس تنافسية لا ترحم . المؤكد ثالثا أن ما اصطلح على
تسميته باليمين معنى قبل أى شىء آخر بالكيف أو الجودة Quality ، بينما المعيار الوحيد عند
اليسار هو الكم . حين سئلت مارجاريت ثاتشر عن لماذا لا تعنى بالجامعات
البريطانية ، قالت بل أعنى بها ، كلتيهما both ! ليس المهم عدد السكان ،
إنما المهم مستوى معيشتهم . عليك ألا تقبل بأقل من حد معين للجودة ،
ويأتى الكم لاحقا بهذا المعيار ، أو لا يأتى إطلاقا . النظام
الاقتصادى الاشتراكى يكافئ الفقراء لا بتغيير مستوى معيشتهم ، إنما بحثهم
على إنجاب مزيد من الفقراء ، طالما أن الدولة ترعى كل أحد ، تعلمه تعليما
ركيكا ، وتعالجه علاجا تافها ، وتضمن له الخبز المدعوم ولا يهم إن كان
ثمة ما يؤكل به أو لا . كل شىء حداثى ، بدءا من المبتكرات التقنية حتى
أساليب الحياة ، تظهر فى حقب وأمم وضعت كلمة الجودة نصب أعينها ، لا
أمم كل همها الشكوى من غيلان وهمية اسمها الاستغلال الطبقى والإمپريالية أو أيا
ما كانت . الأسوأ من كل هذا أن النتيجة الوحيدة لسياسات الكم الاشتراكية
تفضى ، كما علمتنا كافة تجارب التاريخ ، لنتيجة واحدة : الفقر
للجميع . هذا هو نوع المساواة الوحيد الذى تحققه سياسات تدخل الدولة فى
الاقتصاد والتمويل بالعجز والتسعير الجبرى والتوظيف المؤبد وجباية الضرائب عمال
على بطال …إلى آخره ( دع جانبا التأميم والمصادرة ) ! المؤكد رابعا أن ما اصطلح على
تسميته باليمين هو الحل الغائى لمجتمع بلا رشوة أو فساد . الفساد مكون أصيل
وعضوى فى الاشتراكية وليس ’ انحرافا فكريا ‘ . فنظام قائم على
جعل الثروة مالا عاما ، وأوسع السلطات فى جهاز حكومى مركزى ، لا بد
وأن يودى للرشوة واستغلال النفوذ . مثال من مليون مثال : إذا سلبت
الحكومة أحد مظاهر حرية التداول ، وليكن مثلا حرية دخول السلع ، وجعلت
هذا لا يتم إلا بإذن منها . لا يتنتفع الاقتصاد ولا تحمى الصناعة
القومية ، ولا أى شىء من هذا القبيل . كل ما يحدث هو فقط زيادة جيدة
دخل الموظف المسئول عن تطبيق هذا القانون ، وهكذا . كل سلطة يقابلها
فساد . الحل الأمثل ‑بل الوحيد‑ أن تكون الحكومة بلا وظيفة على
الإطلاق . على الناس أن يطعموا أنفسهم ويعلموا أنفسهم ويعالجوا
أنفسهم ، وحتى يتولون معظم مهام حماية أمنهم بأنفسهم . وظيفة الحكومة
الوحيدة التى قد تبرر جباية الضرائب من أجلها هى فقط الحرب . فى هذه أيضا
لو هناك بديل قطاع خصوصى لكان أفضل . الشركات العملاقة يمكنها القيام بكل
شىء على نحو أعلى كفاءة بكثير ودون إهدار للموارد ، تلك السمة المميزة للقطاعين
الحكومى والعمومى .
المؤكد خامسا ، أن ما اصطلح
على تسميته باليمين ، وما ينادى به من دارونية تنافسية ، يمثل حركة
التاريخ ، كل التاريخ ، التاريخ الطبيعى ، وليس التاريخ الذى
فرضه الدهماء لوهلة وفى غفلة من الزمن منذ الثورة الفرنسية وحتى عهد قريب .
أما اليسار فهو سباحة رجعية وغبية ضد تيار الزمان والكون . بعبارة
أخرى : الحضارة واليمين كلمتان مترادفتان ، ومن ثم قد لا يحب المرء
وصفه بكلمة يمينى ، بينما شغله الشاغل هو الإبقاء على جذوة حضارة كوكبنا
التقنية مشتعلة ومتطورة ولا ينال منها جمود عرق كالعرق الإنسانى أو غيره
أبدا ، ذلك إذا ما فشل البعض منهم فى التكيف ومجاراة التطور المحيط بنا
( انظر صفحة ما بعد‑الإنسان ) ! أو باختصار : تلك الرؤية
اليمينية هدفها مجتمع أفضل مبنى على حقائق ومعطيات العلم والتقنية ، لا
العواطف والشعارات والتحريض الديماجوچى ، وعلى الأقل لا يقف فقط عند حد
النوايا الحسنة . … من العبارات ذات الدلالة قبل نحو سنة كلمة چورچ
دبليو . بوش يوم 6 نوڤمبر 2000 ، إبان كان مرشحا للرئاسة
ردا على منافسه اليسارى آل جور ، عندما قال هذا الأخير فى مؤتمر الحزب
الديموقراطى ، إنه لو فاز فسوف يضمن أن تذهب التنفيسات
( الإعفاءات ) الضريبية ’ لمن يستحقونها ‘ . رد بوش
جاء صارما مفحما قويا : ‘My opponent
said he would make sure that if he were elected, that ‘the right people’
would get tax relief. That’s not our vision of America. The role of the
president is not to pick out who the ‘right people’ are. In our vision for
America, everybody’s the right person. That’s what’s made this
country great. That’s what’s made this land the greatest land on the face of
the earth, that we’re a country of equality and equal opportunity, and it’s
the role of the government — it’s not the heavy hand
of the federal government to dictate and to tell people. It’s the helping
hand. It’s to help people help themselves. …’ نعم ، ومع ملاحظة أن لا جديد فى أية كلمة
هنا ، بل كلها أصداء لتراث طويل عظيم من الفكر الليبرالى ، اليمين لا
يسعى لأكثر من عالم من الفرص المتكافئة ، يحكمه التنافس الحر . هذا هو
معنى المساواة . لا اضطهاد ولا كراهية لأحد بسبب لونه أو خلفيته الدينية أو
توجهه الجنسى ، فقط الكفاءة والمقدرة هى المعيار . وهو يؤمن إطلاقا
بالحراك الاجتماعى كلى الحرية ، بمعنى فرصة الفقير ذى الموهبة والكفاءة فى
الوصول لأعلى المراتب الاجتماعية ، والعكس بالعكس . بل ويعتبر هذا
الاكتشاف والتصعيد جزءا من دور النظام السياسى والمجتمعى ككل ، ومعيارا
لنجاحه أو فشله فى استثمار موارده . وظيفة الدولة ليست أكثر من إفعال
قوانين الانتخاب الطبيعى حتى تقوى المجتمعات ، وإلا فالبديل هو تشجيع الكسل ،
وإفقار الجميع فى نهاية المطاف ، وجميع التجارب التى تحاول القفز على قانون
الطبيعة القاعدى هذا ، انتهى بها الأمر لنفس النتيجة المذكورة ،
وأشهرها الطبع تجربة الاتحاد السوڤييتى . يا ليت هناك نظام اقتصادى
يسمح بالرفاه لكل الأحياء ، ويسمح بزيادتهم إلى ما لا نهاية . ساعتها
كنت شخصيا سأكون من طليعة أنصار اليسار ، لكن المشكلة ببساطة أن هذا النظام
غير موجود ، بل وسراب محض . والسبب لا يقل بساطة ، هو تحديه
لقاعديات الطبيعة . بدون إصلاح جذرى على أسس دارونية ، البديل الوحيد
هو التنمية بالعجز واستفحال الإنفاق الحكومى وتردى المرافق والاستدانة الخارجية
لسد أفواه الجياع ، ناهيك بالطبع عن تضخم الجهاز الحكومى ومن ثم استشراء
الفساد وما إليه . النتيجة واحدة دائما ، غلبة الكم على الكيف ،
وخلق احساس زائف بإمكانة مواصلة الحياة ، وطبعا لا شىء عمليا أكثر من تشجيع
الفقراء على إنجاب مزيد من الفقراء ، بدلا من ترك التوازن البيئى يؤتى فعله
فى وقف الإنجاب غير المطلوب حقا لتنمية الكوكب . باختصار نحن نتمثل اليمين
كالحاضنة الطبيعية للتقنية ، ومن ثم للمستقبل نفسه . المؤكد بحكم
التعريف أن اليسار لن يكون أبدا إلا رافضا لأية حضارة بعد‑إنسانية . ولا
نبالغ إن قلنا إن تفسيرنا لانهيار اليسار عالميا هو فى التحليل الأخير ذلك
المستوى من التقنية العالية الذى وصلت إليه مجتمعاتنا ، بحيث أصبح الإنسان
نفسه فاقدا للدور تقريبا . أصحاب الياقات البيضاء ، أو رجالات
البيزنس ، سيجدون فى ظل هذه البيئة الدارونية أفضل مناخ ممكن للازدهار
والانطلاق . وبازدهارهم وانطلاقهم يعم الرخاء على بقية الطبقات ، بشرط
واحد فقط أن لا تزيد معدلات إنجابها عما تتطلبة التقنية فى العصر المعطى . مثال صغير على أن اليمين هو القرينة المنطقية
للتقدم ، هو تسميه أحد الأحزاب الكندية باسم الحزب المحافظ التقدمى ، رغم ما
قد يبدو للوهلة الأولى من تناقض لفظى . بينما الحقيقة أن أصحاب هذه التسمية
المدهشة والمتحدية ، أصابوا كبد المعضلة . لا تناقض على الإطلاق
فالمحافظون الحقيقيون هم دائما أبدا حملة لواء التقدم ، وهذا هو تحديدا ما
يجب أن يكون عليه الجزء المحافظ الذى لا يتغير فيهم أبدا . أما العشوائيون دعاة قلب المائدة باسم التغيير وابتزاز
واختطاف كلمة التقدم ، فهم اليساريون والظلاميون الدينيون الذين لا يريدون
سوى تدمير الحضارة وثوابتها التقدمية والعودة لعصور البداءة وحكم الدهماء ،
وتسييد أچندة الشارع من قتلة هيپاتيا وبلطجية اللودايت على أچندة العلم
والتقنية . أما المثال الكبير الذى ينتظر منه الكثير بالطبع
لتغيير صورة العالم كثيرا للأمام ، فهو ولاية الرئيس چورچ دبليو .
بوش ، مثال مبشر كثيرا للوجه التقنى هذا لليمين . حتى وإن كان بها بعض
الميول الدينية ، إلا أنها خفتت كثيرا بعد الحادى عشر من سپتمبر .
الآن بدا الوجه بعد‑الإنسانى أكثر بروزا من خلال سياسات التسليح والبيئة
وما يسمى حقوق الإنسان ، فضلا عن فرض تصور للعالم نراه متسقا مع قوانين
الطبيعة بما فى هذا تركيز القيادة فى جهاز عصبى مركزى واحد هو أميركا
( ناقشنا هذه الفكرة تفصيلا بمناسبة ولاية بوش الجديدة فى صفحة الليبرالية ) . فى أميركا يطلقون
على هذا الفريق اليمين الجديد أو
المحافظين الجدد ، ونحن نفضل تمثل كلمة جديد
هذه ، بمعناها التقنى‑الحضارى المحدد أكثر من أى شىء آخر
( للمزيد عن هذا الفريق انظر صفحة سپتمبر ) . هذا هو ملخص بسيط لما يمكن أن يعنيه ذلك البعبع
المسمى اليمين ، والذى يجعل من مجرد فكرة أن بنيامين نيتانياهو أو آرييل
شارون ، هم أقرب إلينا وإلى مصلحة شعوبنا من أنفسنا ، زلزالا يثير
الفزع والاحتجاج لدى بعضكم . مرة أخرى شكرا لجميع الاسهامات . … اقرأ المزيد عن الحاجة لتوحد الليبرالية
الاقتصادية والليبرالية الاجتماعية فى صفحة الليبرالية
… اقرأ المزيد عن إشكالية الشمولية ضد المنافسة داخل الفكر اليمينى فى صفحة الجلوبة … اقرأ أيضا فى صفحة الجلوبة عن بعض الأعلام التاريخيين للفكر
الليبرالى … أخيرا ، اقرأ أمثلة متفرقة لنقد التيارات الدينية داخل الأحزاب
اليمينية سياسيا أو ثقافيا أو جنسيا … اكتب رأيك هنا [ اقرأ لاحقا فى ذات صفحة
الثقافة هذه مدخلا مشابها دفاعا عن شىء آخر يكرهه الجميع : العرقية ! … أيضا اقرأ لاحقا هذا الپروفايل لدونالد
رامسفيلد كنموذج تطبيقى لليمينى المتكامل الذى يجمع ما بين التنافسية التى لا
ترحم عسكريا وبيزنسيا ، وبين الليبرالية الاجتماعية العلمانية المؤمنة
بالحريات الشخصية على اختلافها ] .
28 فبراير 2002 : جيل شويد هو
البرواز العملاق الذى اختارته هذه المرة مجلة فوربس وهى تعمم قائمة بليونيرات العالم
لهذا العام اليوم . شاب إسرائيلى فى الرابعة والثلاثين من عمره هو حامى حمى حواسيب العالم . قضى سنوات تجنيده فى جيش الدفاع ما بين 1986 و1990 فى كتابة برامج
حماية شبكة حواسيب الجيش من الاختراق ، أو ما أصبح يسمى بحوائط النار firewalls .
خرج من سنوات خدمة وحدة الاستخبارات السرية المسماة الوحدة 8200 هذه ،
ليؤسس فى بلدة رامات جان الإسرائيلية شركة باسم Check
Point Technologies .
الآن أصبحت تشيك پوينت مورد حوائط النار ’ التى لا تخترق قط ‘ لربع
مليون موقع للإنترنيت عبر العالم ، من بينها 450 من الخمسمائة موقعا
الأميركية الكبرى ، وأصبح جيل شويد ضيفا ثابتا على قائمة فوربس
للبليونيرات ، رغم التحديات العملاقة التى أصبحت تمثلها له مؤخرا
مايكروسوفت وسيسكو . فى إسرائيل تهوى الصحافة تسميته جيل بيتس ،
إيحاء لأنه بيلل جيتس الإسرائيلى . أما نحن فنهوى فقط إلقاء الحجارة ! اقرأ قصة الفوربس المطولة عن شويد هنا … اقرأ كامل
ملف قائمة بليونيرات 2002 هنا … اكتب رأيك هنا [ تحديث : 19 مارس 2002 : ابتكار
حاسوبى إسرائيلى جديد يهز العالم بعد أيام فليلة من اهتزازه لقصة شويد .
المكان معرض هانوڤر ، والتفاصيل هنا ] . 5 مارس 2002 : بمناسبة مؤتمر الكومونويلث
لن نطيل الدرس أكثر من هذا ، أو نسهب فى لفت
نظر أخينا المراهق الصغير تووووتى
بلير إلى تكاتف كل الأفارقة دفاعا عن موجابى فى قمة
الكومونويلث ، طبقا لنظرية أنا وابن عمى على الغريب ، والغريب هو
أولئك الدخلاء البيض القادمين من كوكب المتقدمين . الحل الوحيد أن يذهب
تونى بلير ببوارجه لسواحل جنوب أفريقيا ، فقط كما فعلت مارجاريت ثاتشر فى
الفوكلاند . ما نعلمه أن أحدا لم يقل لثاتشر اذهبى للجحيم ، لسبب غاية
فى البساطة أنها أتت والجحيم معها ! اكتب رأيك هنا 15 مارس 2002 : عشية إعلان تقرير لائحة سلامة النقل القومية الأميركية National
Transportation Safety Board (NTSB) ، عن رحلة طائرة مصر للطيران 990
المنكوبة ( انظر أعلاه ) ، اللوس
أنچليس تايمز تكشفت تفاصيل مذهلة مسهبة للغاية . كلام كثير جدا من قلب
مدينة لوس أنچليس التى يبدو أن كان للبطوطى فيها صولات وجولات ، وليس بها
من يعرف البطوطى ويعارض نظرية الانتحار . من هذه نظرية جديدة عن أن ما حدث
ليس انتحارا محضا بل عملية قتل انتحارية على الطريقة الفلسطينية الشهيرة .
والهدف منها قتل حاتم رشدى كبير طيارى الطائرة والذى كان مجرد مسافر فى تلك
الرحلة . والسبب السلوكيات الجنسية للبطوطى والتى اعتبرها زملاؤة الأشد
تدينا مشينة للشركة ( طبعا باعتبار الشركة إحدى خلايا جماعة الإخوان
المسلمين ) . هذا ما قاله فى مقابلات امتدت لسع ساعات مع التايمز
الطيار المصرى ما حدث أن 49 من الحضور التزموا ورفض واحد
( لا لشىء إلا لأنه أكثر تدينا منهم جميعا ، ويرى البطوطى زنديقا
يستحق التنكيل باسمه وجسده فى الأرض وفى السماء ) . وكما تعلم الفارق
بين البطوطى ورشدى وطه هو فقط فى درجة التطرف الدينى . حيث البطوطى لا يرى
فى نكاح المسيحيات الأميركيات أية مخالفة للشريعة الإسلامية ، بل جهادا
وإعلاء من اسمها . ورشدى يرى فى البطوطى هذا كافرا . أما طه فهو الأشد
تكفيرا للجميع بمن فيهم القبطان مشرفة وكل قيادات شركة مصر للطيران ، عفوا
أقصد شركة الإخوان المسلمين فرع مصر
للطيران . ذلك ليس تبعا للتايمز أو لنا ،
إنما طبقا للوصف الذى قدمته السلطات المصرية للطيار طه فى حينه ! قبل الإقلاع بدقائق كانت جهود الشيخين طه ورشدى فى
حرمان الشيخ البطوطى من فلوس رحلات أميركا التى تسهل له مغامراته الجنسية ،
قد أتت أكلها . قال رشدى للبطوطى ’ هذه سنكون رحلتك
الأخيرة ‘ ، فرد البطوطى : ’ وستكون الأخيرة لك أنت
أيضا ‘ ، وقد كانت كذلك لـ 215 آخرين غيرهما ! كما ترى الموضوع كله لا يعنى الحكومة المصرية ولا
الـ NTSB فى شىء ، إنما
هو فقط شأن داخلى يمكن أن يعهد به للجنة السلوك فى جماعة الإخوان
المسلمين ، لتفض كل شىء بدلا من كل هذه الضجة . لأسباب سياسية متفق عليها ، سيتحاشى التقرير
تماما الحديث عن الدافع والخلفيات الشخصية . أيضا سوف يتحاشى إسباغ تفسير
ما على أصوات أداء الصلاة وكلمات ’ توكلت على الله ‘ ، والتى
تعاقبت فى الدقيقتين والعشرين ثانية التالية لإجبار البطوطى لزميله الطيار
المساعد الآخر الشاب عادل أنور على ترك الكابينة والانفراد بها وحده . إلا
أنه سيكتفى عوضا عنها بدليل مادى حاسم لا يقبل التأويل ، هو سياق ما حدث
بعد انتهاء الصلاة ، يتمثل فى تمكن المحققين الأميركيين من اثبات وقائع ما
حدث والجزم بأن البطوطى كان يتصرف بعد ذلك مع أجهزة التحكم على نحو مضاد لجهود
القبطان أحمد الحبشى لرفع مقدمة الطائرة للأمام ، حيث 1- أغلق الطيار الآلى
2- دفع رافعة الذيل لأسفل حتى تهبط الطائرة 3- أغلق الوقود عن المحركات ،
وقد نهره الحبشى بقوة عندما راه يفعل هذا 4- واصل دفع الرافعة لأسفل ضد محاولات
الحبشى لشدها بالعكس وصياح الأخير المتواصل فيه ليفعل العكس ( البديهى أن
ردود أفعال الحبشى الفطرية تفترض أن زميله قد اضطرب ولا يجيد التصرف ، وليس
إنتحاريا من منظمة حماس ، مع ذلك فلهجته لا تحتمل التأويل ) 5- تأكد
أن رافعتى الذيل اليمنى واليسرى كانتا تتحركان عكس بعضهما البعض ، ولا يوجد
أى احتمال لأى عيب ميكانى واقعى أو خيالى يتسبب فى هذا سوى أن الطيارين يتصرفان
عكسا بعكس . 6- رغم كل هذه المعركة لم يكف طوال الوقت عن ترديد كلمة توكلت
على الله بصوت يزداد علوا . بقية تحقيق اللوس
أنچليس تايمز المطول ، عبارة عن مقابلات تؤكد الرواية ، سواء مع
زملائه الطيارين الذين تحدثوا عن ديونه وأزماته المالية وابنته المريضة ،
أو موظف الفندق الذى شهد محاولته الأخيرة لممارسة الجنس قبل لقاء ربه ،
والتى فشلت بسبب تشتته الذهنى بحيث أعطى المرأة رقما خطأ للغرفة ، واعترف
بهذا للموظف ، وهلم جرا . طبعا الرد المصرى والإسلامى على التايمز كان جاهزا
وسريعا ، وهو تكرار النفى المطلق . أسر الضحايا التى لا يزال التنسيق السياسى قائما بين مصر
وأميركا ، وإليه يعزى تأجيل إعلان التقرير للأسبوع القادم حتى لا يتزامن مع
وجود نائب الرئيس الأميركى ديك تشينى فى القاهرة للتنسيق بخصوص غزو
العراق . وإن طبعا قصد أن يتزامن التسريب مع يوم الزيارة لأسباب لا
نعلمها ، لكن يعلمها ديك تشينى طبعا . بصراحة كلمة أخيرة للبسطاء
الذين لا تزال تروعهم الكارثة ، ويروعهم أكثر تشممهم للبعد الدينى فيها :
لو أن أملكم هو صدور شهادة البراءة للإسلام لا من شيوخ التكيف إنما من الـ NTSB ،
فالمؤكد أن سيطول انتظاركم كثيرا !
لكن مرة أخرى لا يزال سؤالنا
القديم قائما : ما الذى
يمنع الحكومة المصرية من إعلان الحقيقة كاملة ، واستغلال هذه الفرصة
الممتازة لتعرية شئون قداسة الإسلاميين ؟ من أجل
هذا السؤال حول هذا النوع من الرياء الثقافى ، وضعنا المقال الأصلى فى هذه الصفحة بالذات ، ونصر على
وضع هذه المتابعة بها أيضا . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 21 مارس 2002 : اليوم
صدر التقرير
فعلا . 160 صفحة لكن لا جديد بمعنى الكلمة ، حتى فى النصوص الكاملة
للصناديق السوداء . أيضا حسب الاتفاق القديم
الذى قبلت مصر بمقتضاه تحمل كافة التعويضات والالتزامات ، نظير تضمن
التقرير الرأى المصرى بلا تعليق وبلا ترجيح لأى من الرأيين . فقط الرأيان
جنبا إلى جنب ، وهذا معروف منذ أربعة عشر شهرا ، وتكلمنا عنه فى حينه . والواضح أن التقرير كان تحت إطلاع
الكامل للوس أنچليس تايمز ، ولا جديد عما قيل أعلاه
الأسبوع الماضى . الجديد فقط بعض التصريحات الغبية
من المسئولين المصريين تلعب على ذات الحبل الپارنويى : لماذا لم يذكر
التقرير الدوافع ؟ لماذا تأخر كل هذا الوقت ؟ قليلا من الذكاء أيها
السادة . لو أجابتكم أميركا فعلا على هذه الأسئلة ستكون الفضيحة
بجلاجل . هم ببساطة فعلوا ذلك ( التأخير وتجاهل الدوافع ) بناء
على طلب سياسى من مصر ، وأميركا هى التى
استجابت له وعلى مضض ، لكنهم نفذوه حرفيا ! ارحمونا بقى وارحموا أعصاب
الناس ، وأقلها ارحموا إحراج رؤسائكم يا ناس . يا تعترفوا بالحقيقة يا
تسكتوا ! افتكر كده بس خلاص ، الموضوع
اتقفل . أو كما وعدناكم قبل 14 شهرا :
إلى اللقاء مع كارثة جديدة يقوم بها أحد المهوسين دينيا ، ونبحث كيف
نداريها ] . 18 مارس 2002 :
كتاب البارونة ثاتشر الذى أشرنا إليه قبل أسابيع ، احتل اليوم صدر الصفحة
الأولى للتايمز
اللندنية صباحا . ومساء وقبلها طيلة اليوم كل صحافة العالم ومواقع
الإنترنيت . وسيتاح الشهر
القادم للقراء . هذا المدخل يأتى بمناسبة كتاب
مارجاريت ثاتشر الجديد ، الذى أثار موقفها من الاتحاد الأوروپى فيه ضجة
كاسحة . كان من الممكن أن نناقش أفكار البارونة فى صفحة الجلوبة ، كما
قد يوحى الأمر للوهلة الأولى ، إلا أننا نعتقد أن الدروس المستفادة تضرب فى
الصميم كثيرا طريقة التفكير العربية التى اهتممنا بها فى صفحة الثقافة
هذه . منها أن العقلية العربية طالما تشدقت بكلمة التكتلات الكبرى ،
وهى المقولة التى فندناها فى الجزء الأول من هذه الصفحة كفكر مضاد للجلوبة وما
تستلزمه بداهة من سيطرة قطب واحد . كما أنها طالما بجلت وانبهرت بكل ما هو
أوروپى واعتبرته مردافا للتقدم والحضارة ، وبالأخص الإعجاب البالغ بتجربة
الوحدة الأوروپية ، بينما لا تعدو مجرد محاولة فاشلة أخرى من اليسار
العالمى للبقاء على قيد الحياة بعد سقوط الشيوعية .
السؤال الكبير : هل لا تزال ثاتشر تحكم العالم
من وراء الستار ؟ لا نقصد أثرها
الواسع على الفكر العالمى الاستئصالى بعد 11 سپتمبر ، كما قلنا من
قبل ، بل نقصد شيئا أكثر تحديدا ومباشرة : هل يكون كتابها
الجديد ، ميلادا جديدا لحزب المحافظين ، دستورا جديدا لجيل جديد من
القادة الشبان يخرجون به من غيبوبته ؟ اكتب رأيك هنا [ تحديث : 14 يونيو 2002 : لا
سكت لك فوه ، يا ست الكل ! قالوا اليوم إن
الأطباء منعوك من الخطب ، ونقول المؤكد أنهم لم يمنعوك من التفكير .
والمؤكد أكثر أنهم لم يمنعونا من استلهام ترائك وكلماتك ، ورؤاك الخارقة فى
عمق المستقبل ، وإرادتك التى لا تلين فى فرض رؤية الحضارة واقعا ملموسا على
أرض الحياة . مارجاريت ثاتشر ليست حنجرة واهنة ، إنما كلمتان لا
تموتان أبدا : رؤية وإرادة ! ] .
18 مارس
2002 : ابتكار حاسوبى جديد بهر معرض هانوڤر CeBIT بالكامل اليوم .
الاسم : لوحة مفاتيح فضيلة virtual keyboard . بلد
المنشأ : إسرائيل . لعلك تذكر فى الأيام المبكرة لهذه الصفحة كلامنا عن المفارقة التى ينطوى عليها قيام حزب الله
بإنشاء على موقع فى شبكة الإنترنيت ، ما لبث أن أركعه بضعة صبية
إسرائيليين . المفارقة ليست فى التركيع إنما فى علاقة الإسلاميين
بالتقنية . ولعلك تذكر قبل أيام قليلة احتفاء مجلة فوربس بالبليونير
والمبرمج الحاسوبى الإسرائيلى الشاب جيل شويد ، وقد عرضناه أيضا فى حينه . اليوم قصة جديدة … يعتقد أن هذه الوحدة صغيرة الحجم حقا ، ستجد
تطبيقات واسعة لا سيما فى الظروف الاستثنائية لإدخال البيانات ، أو الحوسبة
المتحركة على نحو عام . أو عامة فى الظروف التى لا تحتمل وجود لوحة مفاتيح
وأجهزة تقليدية ، كغرف العمليات الجراحية التى يشترط فيها إجراءات تعقيم
خاصة ، أو مثل الاتصال ونقل البيانات فى الظروف العسكرية عالية
اللوچيستية . أيضا ستتصل بجميع أنواع حواسيب قمة الحجر laptops ،
أو الحواسيب الأصغر ’ المينى ‘ غير القياسية ، أو الهواتف
الخليوية . يقال إنها لوحة مفاتيح كاملة الوظائف بما فيها وظائف
الفأرة . هذه الوحدة الصغيرة ترسل وتستقل شعاعا ضوئيا معينا ، بحيث
تترجم لمس نفطة معينة من السطح الأملس للنضد على نحو مختلف ، وتعامله كما
تعامل لوحة المفاتيح العادية دفع أحد أزرارها . هذا المبتكر ككل معروضات CeBIT ،
هو منتج تجارى معروض للتسويق فعلا ، وهذا سوف يتم من خلال شركة سيمينز
الأوروپية العملاقة . أما اسم المبتكر الأصلى Developer
VKB Inc. ،
ومقره القدس . الشىء غير الواضح فيما عمم حتى الآن هو درجة سرعة
وسلاسة إدخال البيانات ، وكم تبعد عن السرعة والسلاسة المعهودتين للوحات
المفاتيح التقليدية . أيضا الشىء الآخر غير الواضح هو كيف ستستجيب لإلقاء
الحجارة عليها ! اكتب رأيك هنا
19 مارس 2002 : من هنا كان قد أعد له حفل عشاء خاص الليلة
التالية ، چاك ڤالنتى رئيس جمعية التصاوير المتحركة الأميركية MPAA
التى تضم ستوديوهات هولليوود السبعة الكبرى ، والذى يعد أحد أقوى الشخصيات
المؤثرة حاليا وتاريخيا فى السينما والثقافة الأميركية على مدى العقود الأربعة
الأخيرة ، أقلها أن ثورات التحديث التى شهدتها الرقابة فى هذه العقود لم
ترتبط إلا باسمه وحده . وما حدث أن كان ڤالنتى بعد فى واشينجتون
يمارس مهامه المعتادة مع أعضاء الكونجرس كممثل لمصالح السينما الأميركية ،
ومن ثم تخلف عن العشاء الملكى بسبب غلق المجال الجوى لأول مرة فى تاريخ
أميركا . كما أن الملك نفسه كان قد عاد للأردن مستقلا طائرته الخاصة ،
بالطبع استثناء خاصا من حظر الطيران . اهتمام الملوك والرؤساء بالسينما ليس غريبا ،
ومنه مثلا حرص الملكة إليزابيث على حضور حفلات الافتتاح للأفلام البريطانية
الكبيرة كجميع أفلام چيمس بوند ، وهناك كذلك الممثل رونالد ريجان الذى أصبح
رئيسا للولايات المتحدة . ومنه بالطبع العكس أى عدم اهتمام البعض بها
إطلاقا ، وهناك سخرية دارجة فى أميركا تقول إن رئيسها الحالى چورچ بوش لم
يشاهد أى أفلام منذ ’ صوت الموسيقى ‘ . الملك عبد الله الثانى تفوق على الجميع بأن ظهر هو
نفسه بدور غير ناطق ( لهذه الدرجة النقابات قوية فى هولليوود ! )
فى أحد المسلسلات التليڤزيونية ، وهو مسلسل ’ رحلة إلى النجوم
—الجيل التالى ‘ 1994 Star Trek —The Next Generation . وهو بالطبع
امتداد لمسلسل الستينيات الشهير ولسلسلة الأفلام السينمائية فائقة النجاح فى
الثمانينيات والتسعينيات . هذه المعلومات لم تكن معروفة كثيرا قبل أحداث
الهجمات التخريبية الأخيرة ، لكن رحلة عودة الملك لبلاده تحت هذه الظروف
الاستثنائية ، جعلتها معروفة للكثيرين من عشاق السينما الذين أصبحوا يعتزون
بانضمام زميل جديد مرموق لناديهم ! بالأمس فقط أقام السؤال : بغض النظر عن العائد السياحى المباشر
للأردن ، كم تساوى الدعاية التى تجسدها للعالم شخصية الملك عبد الله الثانى
نفسه ، لبلاده وللعرب وللشباب العصرى ذوى الخلفية الإسلامية ؟ للأسف
الإجابة لا بد وأن توجهنا لكم هى نقطة ، فى بحر يغلب عليه التخلف
والپارانويا والاعتصام بالماضى ومعاداة التقدم ، والتى تحتاج لأكثر من مليك
واحد لتصحيحها . والمؤكد بعد أن أسامة بن لادن يظل أكثر شهرة . المهم
يكفينا أن أهدينا قراءنا هذه الصورة الثقافية المشرفة لحاكم يلوح أن التزامه
الوحيد هو عصرنة شعبه وبلده ! اكتب رأيك هنا 6 أپريل 2002 : تاريخ : الكشف أمس عن أول حالة كلونة
بشرية ! صاحب العملية طبيب الخصوبة الإيطالى
الشهير سيڤيرينو أنتينورى . لا مفاجأة طبعا فى الاسم ( ارجع
لصفحة ما بعد‑الإنسان حتى أنك
ستجد له صورة هناك ! ) . المفاجأة ، بل المفاجأة الكبرى فى
مكان إجراء هذه العملية الأولى ، أو على الأقل الأولى المعلنة . صدق
أو لا تصدق : أبو ظبى ،
دولة الإمارات العربية المتحدة ! الخبر عممته
اليوم رويترز نقلا عن الصحافة الياپانية التى نقلت وكالاتها نبأ إعلان أنتينورى
أمس فى أبو ظبى عن نجاح العملية . وجاء فى إعلانه أن السيدة الحامل بطفل
مكلون تمر الآن بأسبوعها الثامن للحمل بنجاح . كل الإعجاب والتهانى للدولة والصفوة الإماراتية
التى جعلت مثل هذا الحدث التاريخى ممكنا . وقد قلنا مئات المرات منذ كتابنا
حضارة ما بعد‑الإنسان
( 1989 ) ، إن تبنى التقنيات الچيينية هو طريق الثروات الكبرى فى
عالم الغد . ولو تقاعست أميركا نفسها عنها فستصبح دولة من الدرجة الثالثة
خلال عقود قليلة . كما قلنا فى السطور الأخيرة جدا للكتاب
إنه مهما كانت البلد أو الشعب فقيرا أو محملا بتراث ثقيل كئيب ومحافظ ، فى
استطاعته فى حالة توافر الإرادة أن يمرق إلى الغد وتقنياته ، من خلال ما
يسمى قطعة قصيرة short-cut . إن أية دولة مهما كانت متخلفة أو حتى
مقيدة بماضى دينى تستطيع القيام بهذه القفزة ، إن حولت إيمانها إلى
العلم ، والعلم فقط . والآن : هل لنا الآن أن نتخيل بلدا عربيا يفتح أحضانه لتقنيات الهندسة الچيينية
الحقيقية لتصميم بشر بمواصفات خاصة ، والى تبدو هذه الكلونة بالنسبة لها
لعب عيال لا أكثر ؟ للمرة الألف بعد المليون : لا شىء يقف أمام
العلم . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 26 نوڤمبر 2002 : دكتور أنتينورى أعلن أن ثم امرأة فى طريقها لولادة أول إنسان
مكلون فى يناير المقبل . بعض الأوساط العلمية تتشكك ، ونحن
نشفق . سنعود لمتابعة هذا الموضوع من جديد فى مكانه الأصلى فى صفحة ما بعد‑الإنسان ،
فإلى هناك ] .
24 أپريل 2002 : إذا كانت الأيام تخطت الأعصاب الضعيفة ليمينيين مثل هنرى كيسينچر
وكوندولييززا رايس ، فإن الفارق بينهم وبين توماس فرييدمان إنهم لاذوا
تقريبا للصمت . فرييدمان المتذبذب دوما بين يساريته الأصيلة وبين الواقع الذى
يزلزل الأرض بسرعة لا تطيق استيعابه العقول اليسارية ، يجعل من حين إلى آخر
كتاباته شيئا يستحق إلقاء النظرة عليه . فهو لا يزال صحفيا لامعا وباحثا لا
يهدأ عن الحقيقة ( كما وصفناه ذات مرة ) ،
وإن من المشكوك ربما أن يصل إليها . اليوم كتب شيئا يذكرنا بإحدى المرات القديمة
التى قال فيها عبارة ’ أربطوا
الأحزمة ، الصين اختارت المستقبل ( والعرب اختاروا
الماضى ) ‘ . وقد استخدمناها فى حينها
لتعزيز كلامنا فى المدخل الأصلى لهذه الصفحة
عن كيف يجب أن نمحو هويتنا كما فعلت ألمانيا والياپان ، وكما تفعل الآن
الصين والهند .
اليوم التقط
فرييدمان بأناقة وذكاء خبرا من الصين أيضا ، يقول إن أنجح الكتب مبيعا فيها
حاليا يحمل عنوان ’ فتاة هارڤارد ييتينج ليو ‘ عن كيف تؤهل
ابنتك لدخول هذه الجامعة الأعظم فى العالم . وقد باع الكتاب أكثر من مليون
نسخة ، وسرعان ما تبعته سلسلة مؤلفات تخطت الخمسة عشر عن كيفية إدخال
الصغار الصينيين والصينيات للجامعات الكبرى الأخرى المختلفة فى أميركا
وبريطانيا . وفى المقابل يلتقط من عندنا قصة الفتاة الفلسطينية التى فجرت
نفسها فى متجر إسرائيلى ، ليجد أنه فى ذات أسبوع الكتب الصينية هذا ،
ينظم سفير السعودية فى لندن قصيدة تمجيد لها فى جريدة الحياة اللندنية .
وبعد المقارنة الإجبارية للصين مع رفض العرب للمستقبل يضع فرييدمان الحقيقة صلفة
ومفجعة : المجتمع الذى جعل من كيفية دخول هارڤارد أكثر كتبه مبيعا ،
سينتهى به المطاف بأن تكون له هارڤارد الخاصة به ، أما المجتمع الذى
يمجد الموت باسم الشهادة وتعظيم اسم الله فهو … . لا داعى ، فقط اقرأه
بنفسك لو شئت . هل تريد أن تعرف حقا لماذا أكتب هذا ؟ ليس للسخرية من
هذا أو ذاك ممن فاتهم قطار التاريخ أو الفهم ، إنما لأقر بأن الأمور
تجاوزتنا جميعا ، وسياق
الإبادة الذى نكتب فيه هذا الكلام ، لم يعد من الممكن تداركه . للأسف المشكلة چيينية . قول
الإسلام ( أو الأخناتونية أو أى شىء آخر خرج أو يخرج أو سيخرج من عقول أهل
المنطقة ) ، قوله قبل 14 قرنا أو يزيد إنه الكلمة الفصل فى كل
شىء ، أرضيا كان أم سماويا ، وتصميمه الستاتى الاستماتى على هذا حتى
اللحظة رغم كل المياه التى جرت فى الدنيا فى كل تلك القرون ، لا يمكن إلا
أن يدل على شىء متأصل فى الچيينات حتى النخاع منها ، شىء يرفض التغيير مهما
كان الثمن . هذا هو الفارق بين شعوب كل تراثها من الماضى هو حض على التغيير
والتقدم المتواصلين ، وشعوب كل تراثها هو تجميد الأشياء واعتقادها طوال
الوقت أنها وصلت للحقيقة المطلقة . اكتب رأيك هنا [ ملحوظة : بعد شهور قليلة تابعنا
قصة أخرى عن معلق آخر ، من النيو
يورك تايمز أيضا ، كتب عن الصين أيضا ، وقاده الحديث إلى هارڤارد
أيضا ، ووضعنا نحن فوقه حفنة وفيرة من الصور كهذه أيضا ‑ألا تجد
غرابة ما فى الأمر ؟ ] .
19 مايو 2002 : خبر رويترز اليوم هز الأوساط العلمية والاقتصادية وربما السياسية
أيضا ، عبر العالم . وطبعا هواة الطرائف وحمع وتبادل الصور عبر
الإنترنيت لم يكن لديهم من شاغل سوى هذا ! الجامعة العبرية فى القدس نجحت
فى تنمية دجاج مهندس چيينيا بدون ريش ، لا شك أنك استنتجت أنه جاء من
التعرف على الچيين الذى يجعل بعض الدجاج عارى الرقبة ( يسمى فى مصر
الچركسى ) . ليس للأمر علاقة بموضة العرى التى تحدثنا عنها قبل قليل ، بل هو اختراع سيقلب كثيرا من
الموازين . من ناحية يقولون إن التخلص من الريش ينتج دجاجا منخفض
الدهون . أيضا الدجاج التقليدى الذى يبدو أن الپروفيسور أڤيجدور
كاهانير أصبح يطلق عليه من الآن فصاعدا ’ دجاج المرجل ‘ . فهو
ينمو فى إناء ضغط عالى الحرارة اسمه الريش ، مما يكلف المربين أموالا طائلة
للتهوية والتبريد ، او يمنع تربيته أصلا فى الفصول أو البلدان
الحارة . أخيرا هو يسمى دجاجته ’ الدجاجة العارية ‘ ،
ويعتبرها لكل هذه الأسباب من الكائنات ’ الصديقة للبيئة ‘ ،
ناهيك بالطبع عن أن التخلص من الريش مشكلة بيئية فى حد ذاته ! ربما المشكلة
الوحيدة أن فقدت الديوك هيبتها التقليدية ، وهى عارية ومضحكة هكذا ،
أو لعلها مضحكة أكثر فى صور نراها فيها تطارد فيها الإناث بهمة عالية ،
وكأن شيئا لم يحدث ! نعم ، هو مجرد اختراع إسرائيلى آخر من الآلاف
التى تسجل سنويا ، وتضخ البلايين سنويا فى الناتج الداجن الإجمالى GDP لهذه الدولة . ونعم هو دعوة وتحدى آخر ، يدعونا للإفاقة
لحجم التحديات الحقيقية ، تحديات ليست ضد أحد ، وليست من أجل كلمات
جوفاء مستهلكة من قبيل التنمية المستقلة والأمن القومى ، إنما ببساطة
تحديات ضد المستقبل وضد الحياة وفرص البقاء نفسها ، أو بالأحرى تحديات
أنفسنا ضد أنفسنا . الكل يحلو له الحديث عن مراكز بحوثنا ومنتجاتها الجديدة
سنويا من المحاصيل المحسنة …إلخ . لكن الكل يعلم أيضا أن هذا لا يعدو ذرا
للرماد فى العيون ، وليس شيئا جديا ، أو على الأقل هو ثانوى ومحدود التأثير ،
بينما مزارعونا المصنوعين من اللحم والدم ، يلهثون وراء مهربى التقاوى
الإسرائيلية عبر الحدود ، والتى أصبحت تباع فى السوق السوداء بأضعاف الثمن
بسبب ديماجوچية المقاطعة وما إليها . غلة هائلة الوفرة ، نوعية منتج
لا تقارن ، توافر طوال السنة …إلخ . لهذا السبب عادت الطماطم
’ البلدى ‘ القديمة للظهور فى الأسواق ، بعد أن كنت قد خشيت
شخصيا عليها من الاندثار دون تسجيل الچينوم الخاص بها من قبيل الذكرى
والحنين ! إنها تصل للتاجر أصلا شبه عجينة سائلة ، ناهيك عن بذورها
المزعجة وطعمها اللاذع وشكلها بالغ التعرج المستعصى على التنظيف ومنبتها الأخضر
الذى لا تستطيع نزعه منها قبل أن تنعصر الثمرة بكاملها فى يدك . وعندما
تسأل عن الطماطم ’ العادية ‘ يقال لك ’ تقصد البلح يا
أستاذ ، هو حد لاقيها دلوقت ، دول بطلوا يجيبوها من
إسرائيل ‘ . قس على هذا الفلفل والخيار والبصل والكوسة وكل ما يباع فى
متجر الخضر ، أو حاول تذكر كيف كانت قبل عشرين سنة . وقس على الخضار
جميع الفاكهة بأنواعها . وقس على الخضار والفاكهة ما لا تشتريه أنت مباشرة
كالقمح والقطن والفول …إلخ . ثم قس على مملكة النبات مملكة الحيوان .
وبعد كل ذلك قل لى كيف نحب العلم
ونحن نكره من يحبونه ، أو بعبارة أصرح هل أنت مع
الانتفاضة أم ضدها ؟ اكتب رأيك هنا [ فى ديسيمبر 2002 اختارت مجلة
النيو يورك تايمز الدجاجة العارية ، كواحدة من أعظم ’ أفكار
2002 ‘ . تابع القصة فى صفحة الثقافة ] .
7 يونيو 2002 : ربما لا كلام لأحد فى كل العالم اليوم إلا عن المباراة المثيرة
للغاية ، والتاريخية غالبا ، فى كأس العالم لكرة القدم ، التى
قهرت فيها انجلترا الأرچنتين بهدف مقابل لا شىء ، وعن براعة مايكل أوين
وأستاذية ديڤيد بيكام …إلخ . هى تاريخية من حيث الإثارة ، وربما
الأمتع ‑فى حدود مشاهداتى المركزة نسبيا‑ منذ مباراة ألمانيا وفرنسا
فى نصف النهائى فى بطولة 1982 . أيضا هى تاريخية من نواح أخرى ، فهى
النصر الأول لانجلترا على الأرچنتين منذ 1966 ، وثأر ما بعده ثأر من هدف
’ اليد الإلهية ‘ المزور لمارادونا فى بطولة 1986 . لكن دائما ما تكون كرة القدم كاللعبة الرياضية الأولى
عالميا ، انعكاسا لما يجرى وراء المستطيل الأخضر ، انعكاسا للتقنية
والسياسة والاقتصاد والثقافة وكل شىء . ولا يجب أن
ننسى أن بريطانيا هى آخر أعظم امپراطورية فى التاريخ الإنسانى حتى الآن ،
ولا ننسى أنها مخترعة كرة القدم ، وطبعا لا ننسى أن آخر حرب عسكرية واسعة
النطاق لها كانت ضد الأرچنتين بغزوها جزر الفوكلاند فى 2 أپريل 1982 ! فيم يخص هذا الثقافة العربية ؟ الواقع أنه
يخصها فى أشياء كثيرة . المناقشات تملأ الصحف عن أسباب تدهور الكرة
العربية ، وهى تقترب كثيرا ‑على نحو ربما أدهشنا شخصيا‑ من
القلب الثقافى للإشكالية . يتحدثون كثيرا عن الاحتراف ، وكيف لا
نطبقه ، وكيف أن النجوم ذوى عشرات الملايين هم ’ عبيد ‘ لأنديتهم
الأوروپية طوال فترة التعاقد . لو أضفت لهذا حبى شخصيا للآلة ، ومنها آلة كرة القدم كما بدأنا نعرفها وبالتصاعد فى
دورات كأس العالم الثلاث فى السبعينيات ، والتى انعدم منها تقريبا السير
بالكرة أو حتى توقيفها ولو لبرهة ، وحل محلها ما يسمى بلغة الكرة الالتزام
الخططى . الآلة الهولاندية الدوامية بالغة الدقة فائقة الأداء ، الآلة
الألمانية متينة البنيان صارمة التروس قياسية الكفاءة ، وها هى أخيرا
الجماعية الإنجليزية الإليكترونية المبدعة الممتعة ، التى تتألق من فوق
أكتاف جبل جليد سويدى صامت مخيف اسمه جوران إريكسون . صحيح ربما يفوز
الإنسان أحيانا على الآلة ( أو يفوز اللاتين على الأنجلو ساكسون إن جاز
التقسيم على هذا النحو ، وهو جائز للغاية فى هذه الصفحة منذ أيامها الأولى كما تعلم ! ) .
فاز مرة بالروح الإيطالية ، ومرة بالفهلوة المارادونية ، ومرة
بالفرديات البرازيلية ، وآخر مرة بثورة جماهيرية لا تقل غوغائية عن ثورة
الباستيل الأولى ، لكن تظل القضية كلها دائما أبدا ، مجرد تظاهرة أخرى
للصراع الأعظم فى كوكبنا ، صراع الإنسان‑الآلة . والآلة فكر وروح . الآلة
كينونة ومعطيات وبنية تحتية أرقى بما لا يقاس من الإنسان . الآلة أسلوب
حياة كامل متكامل لا يقبل التجزئة . إنها محتوى وجوهر ، إنها دقة
ومثابرة وموضوعية ، إنها كائن حى لا يعرف الملل ولا ينجذب للمظهريات ولا
يتدنى للانفعال . إنها الكائن الوحيد الذى أمامه الطرق مفتوحا للارتقاء
للمستويات القصوى فى الكفاءة والأداء . وفى كل الحالات التى تراقى فيها
البشر لمصاف يناهز الآلات فى جزء كبر أو صغر منه ، كان بالتأكيد الفكر الآلى
شيئا عميقا للغاية فى الچيينات والثقافة والتراث والأجواء الباردة للطرف الشمالى
القصى من أوروپا ، وكانت شيئا لا يمكن للآخرين تصنعه ولا يمكن فجأة
اكتسابه .
المؤسف أن العرب يقفون على أقصى الطرف البعيد
الخاطئ لهذا الطيف ، الطرف المغرق فى الإنسانية ، تحكمهم الانفعالات
فيه ، كما تحكمهم فى كل شىء . ( أنا شخصيا أدهش من كل هذا
الإقبال مؤخرا على الهواتف الخليوية ، والكفاءة المذهلة فى معرفة كل دقائق
الأجهزة وتفصيلاتها وكيفية التعامل معها ، ذلك فى بلاد لا يعرف أحد فيها
كيف يبرمج فى بيته قنوات جهاز التليڤزيون أو مستقبل الساتيلايت ،
ويستدعى المتخصصين لأتفه شىء ، هذا طبعا بفرض أن هؤلاء يعرفون . الأمر
لا علاقة له بالتقنية ، إنما هى مجرد ظاهرة أخرى تتعلق بالتواصل والاعتصام
بالأسرة والناس …إلخ ! بصراحة ، علاقتى بالكتابة عن الهواتف الخليوية
توقفت منذ كانت تقنية فى طريقها للظهور أو بعد بكر فى مطلع التسعينيات ،
ومن ساعتها لم يخطر ببالى أنى قد أكتب عنها ثانية يوما ! ) .
نحن فى حاجة لمدخلات علمية متقدمة ، تتمثل فى
مدربين أجانب أكفاء . لكن اللاعبين لا يحبون الأجانب ، ويحبون محمود
الجوهرى . ومحمود الجوهرى بياع كلام بالغ المهارة يضع الصحافة فى جيبه
( عفوا ، فالأوصاف الأكثر دقة لحقيقة محمود الجوهرى سوف تعرضنا على
الأرجح للمساءلة القضائية ) ، بل ويستطيع حتى فى كل مرة إقناع حتى
أعلى سلطة فى البلاد بإعادته لتدريب المنتخب المصرى . لماذا هذا وذاك ؟ ربما لا يكون البعد الخاص
بالكراهية العربية والإسلامية الصريحة لكل ما هو أجنبى واضحا جدا ، لكنه
يظل موجودا . ويكفينا دليلا عليها دوما فرحة لاعبى الفريق المصرى العلنية
فى كل مرة ينزاح فيها ’ الكابوس ‘ الأجنبى ويعود الجوهرى . وحتى
لو كانت غير موجودة ، فالمهم هنا الحب والمشاعر والتكافل وروح العائلة لا
العلم والتقنية والمحتوى والكدح ، وأهم كل شىء شحن المعنويات المزيف ودغدغة
المشاعر بالتصريحات والآمال على طريقة الريان
ومنظمة حماس . الموضوعية
ليست بالشىء الوارد فى الشخصية الانفعالية . المهم أيضا أن المدرب الأجنبى يطالب اللاعبين
بالتزامات تفوق طاقتهم وتحد من استمتاعهم بالحياة ، الذى هو أصلا سبب
انجذابهم لأضواء الكرة .
أيضا هناك العاطفية ، إن لم نقل الفساد ،
ممثلا فى تدخل المسئولين فى قرارات المدرب . المفروض أن يأتى مدير فنى
أجنبى ، ويتم إفهام اللاعبين أن سلطاته مطلقة ، وأن لا صدر حنون لهم
من أى نوع ، فقط هذا الأجنبى أمامهم وأوراق الاستقالة خلفهم . وعلى حد
علمنا هذا لم يحدث قط فى تاريخ الكرة العربية ، ربما إلا فترة تولى المجرى هيديكوتى تدريب النادى الأهلى
المصرى فى السبعينيات . وقد سبق لنا مؤخرا ‑ولعل
به ما يكفى من تفسير‑ الحديث عن طبيعة شخصية رئيس هذا النادى ، الفذ
الراحل صالح سليم ، الذى اختار
هيديكوتى وسانده وأطلق يده على نحو مطلق كمدير للكرة إن الكلام عن هيتشكوك
فى السينما هو نفسه الكلام عن كرة القدم وعن كل شىء يقدم للجمهور العريض : مادة انفعالية لا بد لها أن تصنع بدم بارد . مادة مصممة لانفعال فأر التجارب المسمى الجمهور ،
وعندما ينفعل الصانع بصنعته ، يكون كم يتذوق السم ليتأكد أن طبخته كانت
مضبوطة ، هذا إن استعرنا كلمات قديمة لنا عن هولليوود .
هذا لا يتعارض مع جماهيريتها الجارفة التى تنبع ربما من أن كل الجمهور يلعبها
منذ طفولته ، فهى تلعب فى الحوارى ولا تحتاج لإمكانات بالمرة . فذلك
قانون لكل الفنون ، وأيضا الرياضات ، الجماهيرية . أيضا هى
جماهيرية لأنها مثيرة ، ولا نوافق من يقول إن الألعاب التى تحرز فيها
الأهداف أكثر هى الأكثر إثارة . بالعكس ربما الأهداف العزيزة هى مصدر أقوى
للإثارة . إذن ما مشكلتنا ؟ لا نريد تلخيص الأمر فى كلمة
الفهلوة ، فهى لب الثقافة المصرية ،
لكنها ليست كذلك بالنسبة لكل العرب ، هذا بينما ذات الأمراض منتشرة فى كل
مكان . إنها سندروم ، أى مجموعة أعراض مختلفة لكن متصاحبة معا
دائما . ربما يكون ناصر الجوهر مدرب السعودية التى هزمت من ألمانيا صفر / 8 شخصا محترما
وعالما على العكس مثلا من نظيره الدجال المصرى ، وربما تكون الصفوة
السعودية والإدارة السعودية والصحافة السعودية أنضج من نظائرها فى أغلب العالم
العربى ، لكن المؤكد أن الظاهرة الثقافية شىء أكبر بكثير من أن يحتويه فرد
لا سيما إن لم يكن مطلق السلطات . والمؤكد للأسف ، أنها لا تخرج فى
غالبية الحالات عما اعتدنا فى كل مناسبة قوله بمرارة عن خصائص العقلية العربية
فى هذه الصفحة : سيكولوچية العبد... سيكولوچية الشحاذ... سيكولوچية
القنفذ... سيكولوچيتنا ، ذلك المزيج الفريد : مثلث الحقد‑الاستجداء‑الپارانويا !
اكتب رأيك هنا
[ تحديث :
14 يونيو 2002 : انتهى الدور الأول . الفقراء
واللاتين يخرجون أفواجا ، والآلات وجبال الجليد الأنجلو ساكسونية والشمالية
تتقدم . لأن كل المعلقين لا يرون العالم
بهذه الطريقة فإنهم يقولون إنها دورة اللوغاريتمات والمفاجآت . يستغربون أن
خرجت الأرچنتين ، ويتخيلون أكثر إنجلترا أو السويد بدلا منها . فرنسا
أكذوبة سوقت نفسها للعالم ، فصدقها البسطاء عندنا ولا يزالون !
بالمناسبة ، لا مكان للفقراء ليس فى النتائج فقط ، إنما
فى كل شىء . كأس العالم والدورة الأوليمپية لن تقام أبدا فى أفريقيا فى
المجرى المنظور . ليس لأنهم لا يستطيعون إنشاء الملاعب أو الفنادق
( فما أسهل تقديم شيوعيى الاتحاد الأوروپى للمنح والقروض لخلق الوهم بصحة
أيديولوچيتهم ! ) . وليس لأنهم متخلفون لا يستطيعون التنظيم
( ممكن ’ يحزقزا ‘ وينظموا شيئا ما بصورة أو بأخرى ) .
إنما لسبب أهم من هذه جميعا : أنهم بعد ذلك لن يستطيعوا شراء
التذاكر . ببساطة : الناس مقامات ، والرياضة بيزنس هائل لا مكان
للاشتراكية والديماجوچية وهراء المساواة فيها . وبالمناسبة أيضا
تخيل حجم المهزلة لو ستختار المغرب أو جنوب أفريقيا بدلا من ألمانيا لتنظيم
الدورة القادمة ، أو انتخب ذلك الأفريقى لرئاسة الفيفا . يا
للهول : هل الأوهام الاشتراكية لا تزال حية لهذا الحد ؟ اللعبة باتت
مكشوفة يا سادة ، ولن يضحك ناصر أو مانديلا على العالم مرة أخرى .
الرءوس لا يمكن أن تتساوى ، وأكثر ما يغيظ فى طموحات الفقراء فى إقصاء علية
القوم واحتلال مواقعهم ، أنها توحى لك بأنك ستعود بك لأيام ما قبل
التاريخ ، وعليك البدء من الصفر من
جديد ، هذا طبعا بفرض أنها لن تسير للخلف إلى ما قبل ما قبل التاريخ . [ حين كتبنا هذا لم يخطر ببالنا أن مصر مدقعة الفقر والتخلف
يمكن أن تفكر هى الأخرى فى التقدم لتنظيم كأس العالم 2010 ، وهذا ما حدث
على هيئة مهزلة قومية كبرى فى صيف 2003 ! ] . كل
ما نستطيع قوله الآن إننا نأمل للماكينات بمواصلة المسيرة والفوز بالكأس .
إنها الأجمل والأمتع ، والأهم أنها الأكفأ والأقدر . ولو لم يحدث
هذا ، فلن نملك سوى القول إن الإيمان بالآلة ليس بالقدر الكافى بعد فى
عالمنا ! ] .
[ تحديث :
17 يونيو 2003 : حسنا ! تحديث تأخر عاما
كاملا ! فاز البرازيليون بالكأس على ألمانيا ، انتصر أولاد الحوارى
على الماكينات بعد‑الإنسانية . الآن مر عام ، ورونالدو صاحب
الهدفين لم يخرج عن كونه نجما لأطفال الحوارى ليست العالمية حتى إنما على الأكثر
فى قارته اللاتينية . من هو النجم العالمى الكاسح ؟ إنه بلا منازع ديڤيد
بيكام الإنجليزى الأبيض لامع الشعر وأشقره ، وحتى مع ملاحظة أنه ليس من
أصول مرفهة بالضرورة . ظاهرة كاملة يولع بها كل العالم شبانا وفتيات ،
إنجليز وياپانيون وكل أحد . كاريزما عرقية ، سمها لو شئت . إنه
نجح فيما كان مستحيلا أن ينجح فيه رونالدو ، أو من قبله بأربع سنوات زين
الدين زيدان ، الفرنسى ، والأسوا منه أنه عربى الأصل .
باختصار : الظواهر العالمية لا يصنعها إلا العرق الأنجلو‑يهودى ،
شئنا أم أبينا . إنها مسألة تخص الكاريزما الچيينية ، إن جاز
التعبير ! اليوم نكتب هذا ليس للتشفى فى
العرق اللاتينى ، بل بالعكس . الدنيا ارتجت منذ
الصباح بإعلان نبأ انتقال بيكام لريال مدريد الإسپانى ، لينضم لمجرة Galacticos النجوم العالميين
فيه . وكان كلام الأيام الأخيرة أنه قد ينضم لبرشلونة بإرادة الناديين وليس
بإرادته هو . ما أردنا قوله ، أن قد فعلها
الإسپان . ضموا الأشقر الوسيم وزوجته ڤيكتوريا مغنية التوابل
الحريفة ، وكل الظاهرة العالمية لتجعل ناديهم أكبر آلة تسويقية فى دنيا
الرياضة فى الأعوام القادمة . هنا تكمن عبقرية الحل المركب ،
اللاتينيون حين يتطلعون بذكاء للرتباط بالأنجلو ، وكل ما يمثلونه من رفعة
لا تنافس . ولا شك أنهم وجدوا تناسبا ذهبيا لا شك أنه فعال للغاية فى دنيا
الرياضة التى تعتمد على الحماسة والانفعال قدر اعتمادها على البرود
والعلم . ولا شك أننا فى انتظار رؤية أشياء مثيرة
قريبا ! ] . [ تحديث : 23 سپتمبر 2003 : أوه !
الأمور تطورت بسرعة وديڤيد بيكام أصبح خطرا على الأمن القومى الإيرانى
وعلى دين الإسلام وعلى كل كوكب الأرض . هذه قصة مكانها صفحة الرقابة ، لأنها ببساطة
تختص بمنع صوره ، ولو حتى مجرد صورة القدم ! ] .
[ تحديث :
15 مايو 2004 : فعلا مضت مصر قدما للسعى للاستضافة
كأس العالم 2010 . النتيجة أعلنت اليوم .
كم صوتا تتخيل قد حصلت عليها ؟ الإجابة : صفر / 24 ! بالنسبة لنا لا غرابة
بالمرة . هذا ما حذرنا منه منذ أن بدأت المهزلة . هذا تهريج محض يرقى
لمستوى التطاول والوقاحة ، وينطبق عليه القول إن لم تستح فافعل ما
شئت . دع جانبا التطاول الليبى الذى تقدم
للترشيح ورفض بالطبع من حيث المبدأ لأنه قد يعن له ساعتها منع إسرائيل من الحضور
لو تأهلت [ ما لحقناش نكمل الكلمة وفعلا
الأخ العقيد منع فريق إسرائيل للشطرنج من حضور بطولة العالم فى
طرابلس ! ] . ودع جانبا أنه رغم هذا الرفض المخزى ربما يكون
القذافى قد مارس فعلا هوايته الأثيرة فى دفع الملايين من أموال الشعب الليبى
كرشاوى [ العالمون ببواطن الأمور
دع كل الفكاهات القذافية فجميعها
نكت قديمة ضجرنا منها ولا مكان للتندر بها اليوم . فنحن نتحدث عن مأساة حقيقية اسمها مصر . رشاوى إيه وكلام
فاضى إيه ؟ حتى حكاية العلاقات والاتصالات التى زينوا لنا أن المسألة تقوم
عليها هى كلام فاضى أيضا . لو أن لديك شيئا محترما ومقنعا تقدمه على الترابيزة
لما احتجت لأى علاقات أو اتصالات ، ساعتها اقتصادك سيتحدث عنك . وطبعا
لأننا لم نملك فى تاريخنا كله شيئا نضعه فوق الترابيزة ، فكل تفكيرنا أن
الأشياء توضع دائما تحتها ! كم كنت أصاب بغصة أنا شخصيا لشهور
كل مرة أرى فيها الملصقات تغطى جدران البلد تدعو لجمع عشرين مليون توقيع
مصرى ؟ أية مهزلة هذه ؟ على من يضحكون ؟ ليس المطلوب ولا توقيع
واحد من كل هؤلاء . الكل يعلم أن كل المطلوب هو توقيع 13 فرد أجنبى فقط لا
غير ، كل إنسان جاد يدرك أنها أصعب بليون مرة من توقيع كل الـ 1300 مليون
عربى ومسلم فى كل العالم . قيادات
البلد حتى أعلى المستويات أقنعت الشعب ( وكذا بكل أسف أقنعت عمر
الشريف ، وهو أكثر ما يحزننا فى الأمر ) بأن كل المطلوب هو شىء سحرى
غامض اسمه الملف . حفنة من الصفحات تتحدث عن عدد
الملاعب وسعة المدرجات وأسرة الفنادق ، وشخص جذاب كعمر الشريف يقرأ
محتوياته . لا يفهمون بالمرة أن الفيفا لا تسأل بالمرة عن أشياء
كهذه . هى تتوقع أن تأتيها كل ’ الملفات ‘ ممتازة ، على
الأرض فعلا وليس على الورق ، بل تتوقع أن ترى إبداعات غير مسبوقة فى
الملاعب والتنظيم والتقنية …إلخ ، ولا تتخيل من كل من يفكر فى التقدم إلا
أن يكون كل شىء جاهزا فعلا ، وليس قيد الإنشاء أو التفكير ، وبأضعاف
المطلوب كما وكيفا ، المطلوب الذى هو على الأقل أعلى المستويات المتاحة حتى
اللحظة عالميا .
ملاعب إيه إللى
أنت جاى تقول عليه ؟ الفيفا لا تسأل هذه الأسئلة أصلا . هى تسأل
الأسئلة التالية : هل هذه الدولة ستشجعنا على رفع سعر تذكرة المباراة
الختامية من خمسمائة دولار إلى خمسة آلاف دولار ، أم إلى ألفين فقط ؟ مصر بلد من
الجياع الذين لن يشتروا التذكرة أبدا حتى لو كانت بألف قرش ، ولن يرتدوا
أبدا أحذية نايك وأديداس إلا توالف الدرجة الثانية و’ الأثرياء ‘ منهم
فقط ، ورفضوا أن يدفعوا مثلا لقناة إيه آر تى جنيها واحدا ( 15 سنتا
أميركيا ) فى اليوم لمشاهدة الكرة 24 ساعة . وسفالة ، نعم
سفالة ، مجرد أن يفكر هذا الصفر التاريخى الكبير المسمى مصر فى
إهدار كل تلك البلايين على الاقتصاد العالمى ، لمجرد وهمه الغبى بأنه حضارة
وتاريخ وبلد ذو ’ ثقل إقليمى ‘ !
( يا ليتهم يكفون عن مثل هذه العبارة المثيرة لتندر الكل علينا ،
ويتذكرون دوما أن وزنهم الإقليمى صفر على 24 ، وأن ثقل المغرب على الأقل هو
10 على 24 ) . الأكثر غباء أنهم يتحدثون الآن عن مؤامرات
’ سياسية ‘ وراء تلك النتيجة المخجلة . حسنا يا ذوى الثقل
الإقليمى ! ليكن ذلك ، فقط اعلموا أنكم أنفسكم من أتيتم الآن على ذكر
السياسة . ولذا لا تصدعوا أدمغتنا غدا بوزنكم وثقلكم ، لو حدث وقابل
أرييل شارون مثلا أحد مسئوليكم ( على سبيل المجاملة
طبعا ! ) . المغرب ليست أقل
فقرا من مصر ، لكن على الأقل العقول هناك مختلفة ، ولا تفكر بمثل هذه السذاجة ، أو بالأحرى العنطزة ،
الاشتراكية . ونكتفى على سبيل الاحترام والتحية لها اليوم أن نبرد لك
موضوعين عن كيف صنعوا ويصنعون مهرجان مراكش السينمائى ، واحد عن دورة 2002 وواحد عن دورة 2003 ، الأخيرتين .
هذا سيغنينا عن كلام كثير ، وسيثبت على الأقل أنهم أناس يحق لهم شرف
المحاولة ، ناهيك عن الحق فى التفكير فيها . لا يعرفون لغة طالب ثم طالب وأيضا طالب المصرية‑الفلسطينية‑العربية‑الإسلامية
الشهيرة ، ويعلمون أن كل شىء على منضدة الاقتصاد العالمى هو فقط خذ
وهات ، وليس أى شىء آخر . وتحديدا لا توجد به تلك الكلمات المقززة
الأثيرة فى القاموس العربى ، المطالبة والحقوق المشروعة والثوابت والهوية
والغزو الثقافى …إلخ . وطالما ليس لديك ما تقول به خذ ، فلتبتلع
كرامتك وتصمت . على الأقل جدا من ذلكما التقريرين سوف تعرف أنهم فى المغرب
يفهمون السياحة على أنها بالأساس جنس وخمر وعقاقير ، وهذا مما لا تريد مصر
أن تفهمه أبدا ، والحديث ذو الشجون عن السياحة
المصرية المحجبة يطول ! مع ذلك يبدو أن عمر الشريف ليس
الوحيد الذى غرر به . نقول المغرب ليست اشتراكية لكن من المؤسف أن غرر بها
من قبل الاشتراكيين . بدلا من أن تضع رهاناتها فى المكان الصحيح ،
راحت تجرى وراء ذلك الشيوعى المارق قاطع طريق الحضارة الذى يريد أعادة عجلة
الزمن للخلف ، المدعو عيسى حياتو ، وطبعا وراء شيوعيى فرنسا ،
وراهنت عليهم كل تلك العقود المرة تلو الأخرى دون جدوى ودون أن تتعلم .
بينما جنوب أفريقيا ‑الاشتراكية فعلا لكن الخبيثة التى تعرف كيف
’ تلعبها صح ‘‑ لم تعر أية اهتمام لا بالأفارقة ولا بالآسيويين
ولا حتى بالأوروپيين ، وتوجهت فقط لأميركا وبريطانيا ومن خلفهما بقية
العالم الجديد .
اليوم كان معركة أخرى ، وكان
بدوره نصرا كبيرا آخر لإمپراطور الفيفا المتوج بلاتر ، الذى استطاع الإطاحة
بمعظم مناهضيه ، مناهضى النهوض بكرة القدم ، دعاة الستالينية والماوية
فى عصر الأديداس والنايك . وليس لدينا شك أن نصر اليوم نقطة تحول
كبيرة ، وسيكون المسمار الأخير فى نعش ذلك المتطاول المتآمر الوقح المدعو
عيسى حياتو ، ولا شك لدينا أن بلاتر قادر على البطش به ، وكذا بالتسعة
الباقين ، فى أقرب فرصة ، وإعادته لعزب الصفيح الكاميرونية من حيث
أتى . وطبعا ليس لدينا شك أن ستلغى أيضا مسألة دورية تداول القارات العبيطة
هذه ، لقد ذهبت الدورة الموعودة الاستثنائية لجنوب أفريقيا وانتهت كل
الحدوتة ، هذه التى كانت المبرر الوحيد لقصر التنافس هذه المرة على
الأفارقة حتى لا تضيع منها مرة أخرى لحساب دولة متقدمة . ومن الآن فصاعدا
لم يعد منطقيا مساواة أوروپا أو الأميركتين ببلاد إللى ما لهاش فى حاجة أصلا
بالذات أفريقيا والعرب . وهى لعبة تهريج واضحة من البداية ، إذ أين
كرة القدم من الأساس فى أستراليا مثلا ؟ ( اقرأ سيرة بلاتر الذاتية هنا .
وعلى أية حال اقرأ أيضا هنا
تقرير الفيفا عن ملفات الدول ، والذى يقول كل من يفهم بواطن الأمور إن تفوق
مصر فيه على المغرب قصد به فقط تيئيس هذه الأخيرة قبل أعلان النتيجة
بأيام . فبلاتر يعرف أن عدوه هو حياتو ، هذه هى معركة الفيفا طيلة كل
العقد الأخير ، المعركة التى يدور حولها كل شىء ، كرة القدم هل
رأسمالية أم اشتراكية ، وبالتالى مشكلة المغرب أنها صدقت هذا الأخير ولفت
لفه ولف الأيديولوچيين الفرنسيين حلفائه . أما مصر فهى أضحوكة غير واردة فى
حسبان أحد أصلا ولا لأية لحظة من اللحظات ، أو ’ فاسوخة ‘
المباراة ، أى فكاهتها وفاكهتها بلغة مشجعى الكرة فى
مصر ! ) .
عن هذه جنوب
الأفريقيا الفائزة بالأربعة عشر تصويتة الباقية ، نقول إن هذه كانت قدرة
عظمى بمعايير القارة المنكوبة لا تنافس ، لكن أحوالها تسير من سيئ إلى أسوأ
وبمعدلات هندسية ، منذ نهب السود المتخلفين السلطة فيها . كلام چوزيف
بلاتر المطول بدرجة ملفتة ، والعجيب والخارج عن السياق لأبعد مدى ،
الذى حاول فيه أن يعدد اللغات التى تتحدث بها أفريقيا ( والتى بالمناسبة لم
يذكر منها العربية ) ، هو واحد من أكثر الكلمات فى التاريخ الإنسانى
خبثا ، ويجب أن تدخل الكتب من أوسع أبوابها . على الأقل كتب علم
الدلالات ، حيث كلمات بسيطة وديعة تبدو حسن الطوية للغاية بل وحتى
تلقائية ، تحمل وراءها رسالة رمزية خطيرة للغاية ، كلاما كبيرا
جدا ، إن لم نقل نظرية كاملة للتاريخ ! إنه
يوجه تفكير المستمعين أو على الأقل عقولنا الباطنة ، لمسألة اللغة ،
ومن ثم منها لمسألة الأعراق . والرسالة المضمنة واضحة ، وهى أن جنوب
أفريقيا ‑أو الأفريكان مستوطنيها البيض‑ هم العضو المنسى فى أسرة
صفوة العالم الأنجلية ، بريطانيا وأميركا وأستراليا ، وأن ها قد حان
الوقت لتسليط الضوء عليهم ، أو حتى قل مواساتهم ونصرتهم وهم المحكومون
اليوم من قبل السكان الأصليين . ومن ثم فهذا السويسرى اللماح أراد أن يجدد
ولاءه شخصيا للحضارة الأنجلو‑أميركية ويقدم لها ولشركاتها فروض التحالف
والإخلاص . ربما كان الكل يعرف النتيجة سلفا ومنذ سنوات ، لكن هذه
كانت أول قرينة فى الحفل تؤشر لمن هو الفائز ( أنا شخصيا فهمتها
هكذا ) ، والتى سرعان ما حسمت بقوله إن التصويت تم فى مرحلة
واحدة ، وطبعا ضجت القاعة بالهمهمات ساعتها . مع ذلك ‑وأيا ما
كان الأمر‑ لا يزال نصيب الفرد من الناتج الداجن الإجمالى فى جنوب أفريقيا
أكثر من ضعف مثيله فى مصر . على الأقل هى تستطيع أن تقول عن نفسها إنها
أغنى بلد أفريقى ، والبديهى أن من المحسوم سلفا أن يذهب تنظيم الكأس لها
دون تفكير ، طالما أن ثمة قرارا ’ سياسيا ‘ أيديولوچيا سقيما
وغبيا متخذا سلفا ، يقول إنه ذاهب ذاهب لأفريقيا ، وأن على الفيفا أن
تأتى بمتفرجيها معها هذه المرة ! للأمانة نقول إنهم يأملون أن الوضع
لن يكون كذلك بالضبط . فمراهنة
جنوب أفريقيا على جنوب أميركا رغم غرابتها وبعدها عن التفكير للوهلة
الأولى ، هى مراهنة لا بأس بها سياحيا واقتصاديا . فقد نجحت منذ المرة السابقة حين خسرت أمام ألمانيا ليس بفارق بصوت
إنما لمجرد غياب عضو عن التصويت ( ! ) ، نجحت فى تسويق العالم
فكرة أن إقامة الكأس بها تعادل بالضبط إقامتها فى إحدى دول جنوب أميركا .
فهذه بلاد قريبة لها جغرافيا من ناحية وستوفر بالتالى الجماهير المطلوبة ،
وكذلك ففرص الشركات فيها واعدة وهو الأهم ، ولا نريد هنا طبعا المقارنة
بالأرض الخراب دائما أبدا المسماة بلاد العرب والمسلمين . وما أعلن اليوم
هو النتيجة المنطقية لكل هذا وذاك ، ناهيك عن فكرة الأعراق واللغة
الإنجليزية وحضارة الأفريكان المنسية ، التى نبهنا لها اليوم بصلف ذكى شخص
يبدو أن من عاداته تصنع المرح طوال الوقت ، شخص اعتاد أقرانه مناداته بسيپ
بلاتر . مع ذلك هذا الكلام عن الأعراق لا
يهم كثيرا فى رأينا ، لن يدير رأس موقعنا
كما قد تتخيل . ذلك لأنه جاء فى الوقت بدل الضائع ، بلغة كرة
القدم . جاء بعد أن تآمر كل العالم فعلا ، على تدمير وإسقاط حضارة
الأفريكان الزاهرة ( باستثناء إسرائيل ، ووقفتها العظيمة عمليا وأدبيا ، وللدقة أيضا رونالد ريجان
وإن أدبيا فقط حيث لعلك تذكر كيف أسقط السينيت ذلك الڤيتو التاريخى الشهير
وفائق الشجاعة له ) . فى هذا الوقت بدل
الضائع ستذهب كل الأمجاد للسود الذين هم بالتحديد مدمرو تلك الحضارة . باختصار :
كل كلام بلاتر المعسول ذاك لم يستطع أن يلغى من عينى أى أحد حقيقة ذلك الوجود
الجاثومى الكئيب للإرهابى المخضرم العتيق نيلسون مانديلا فى وسط الحفل . من هنا كان
موقفنا الأصلى كما قلناه أعلاه ، هو أن لا
يذهب كأس العالم إلى هذه القارة أصلا أو أبدا . … وسيظل ! ] . [ تحديث : نوڤمبر 2009 والشهور التالية : للتحديثات الخاصة بالحرب العرقية
المصرية‑الجزائرية أو بالأحرى المصرية‑العربية ، 2 ديسيمبر 2010 وما بعده : ] . 7 يوليو 2002 : مصرى يقتحم بالأمس
الأول ، مكتب شركة طيران العال الإسرائيلية فى لوس أنچيليس ، ويقتل
شخصين ويصيب كثيرين غيرهما . القصة بكاملها أوردتها السى إن إن ،
كما يمكنك متابعتها فى النيو يورك تايمز .
أما الچيروزاليم پوست
فراحت تسعى وراء علاقة صداقة بين هاشم محمد هدايت هذا ، وبين جميل البطوطى . كندا
دوت كوم كل ما نفعله اليوم أن ندعوك لقراءة هذا مرة أخرى . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 9 يوليو 2002 : لو
معجب قوى بحكاية الأخ هدايت ، وعاوز تفاصيل عن كان بيعمل إيه ويقول إيه من
ساعة ما وصل أميركا ، إليك هذا الموجز لما عرضته هيئات التحقيق على
زوجته ، ذلك كما روته النيو يورك
تايمز . المدهش أن ما قالته الزوجة عنه لا يخرج بالحرف عما قاله والد محمد عطا عن ابنه . لكن
المدهش أكتر أن ما كان يقوله هو لا يخرج كثيرا عما يكتبه إبراهيم نافع كل
يوم ! … وموش عاوز تصدق إن الكل قنابل
موقوتة ؟ ] . 23 يوليو 2002 : المهزومون بكافة شيعهم
وأجيالهم جمعتهم اليوم مناسبة واحدة ونادرة حقا للاحتفال : الذكرى الخمسون
لما يسمى بثورة 23 يوليو 1952 . مبدئيا نحن لسنا
ضد تسميتها ثورة . صحيح أنها بالمعايير التقانية المحضة لا تعدو انقلابا
عسكريا نمطيا ، لكننا فى ذات الوقت لا نريد تبرئة الشعب المصرى والشعوب
العربية مما ارتكبته ’ ثورتهم ‘ من جرائم ، وأهمها إطلاقا
الجرائم التى ارتكبت فى حق هذه الشعوب نفسها وآلت بها للفقر والعزلة ومعاداة
العالم . لو لم تكن هذه الشعوب غبية وجاهلة لما سمحت لنفسها بأن تساق كما
القطيع وراء محرض شوفينى أخرق كالمدعو جمال عبد الناصر ، قادها لهزائم
عسكرية مهينة ولإفلاس اقتصادى وتقنى مروع . عامة نحن غير نادمين كثيرا على
سرقة هؤلاء لكلمة ثورة من القاموس ، حيث يفترض أن تعنى قفزة نوعية ضخمة
للإمام كالثورات العلمية والتقنية والفكرية مثلا ، لكنها يبدو أنها كلمة
سيئة السمعة دائما أبدا عندما يتعلق الأمر بالقاموس السياسى ، واسألوا
تشارلز ديكينز ودكتور چيڤاجو .
فى داخلنا لا نريد أن نفيض كثيرا فالمناسبة تدعو
للقىء أكثر من أى شىء آخر ، كما أننا أوجزنا رأينا فى كل هذا منذ سنوات
بعيدة فى الدراسة الرئيسة لهذه
الصفحة ، حين علقنا على من يقولون
إن ناصر وحد الأمة العربية تحت قيادة مصر ، بينما الحقيقة أنه هو الذى فتتها
مرة واحدة وللأبد ، وأنه هو الذى أضاع القيادة من يد مصر أيضا مرة واحدة
وللأبد . حيث اختزلت هذه القيادة فى مجرد البعد السياسى ( ناهيك عن
كونه بعدا ديماجوچيا رجعيا معاديا لقوى الحضارة إقليميا وعالميا ، ومن ثم
لم يقبله الكثيرون فكان سبب ذلك الصدع المخيف بين النظم الملكية والريچيمات
الجمهورية فى العالم العربى ) . ذلك بعد أن كانت مصر الليبرالية تقود
العرب فى النصف الأول للقرن العشرين قيادة ثقافية فكرية حضارية شاملة ومثيرة
للفخر بمعنى الكلمة . وكانت مرشحة لآفاق هائلة مع المزيد من تطور تقنيات
الاتصال كالسينما والراديو والتليڤزيون والطباعة …إلخ ، فإذا بمصر
بلد مترهل فقير مهزوم محطم معنويا معادى للغرب يقاوم الخروج من مستنقع
الاشتراكية ويتسابق فى ذات الوقت إلى الأفكار السلفية . بل وأصبحت الفجوة
الثقافية بينه وبين كثير من العرب فجوة عكسية ، لا سيما منذ التسعينيات حين
كتبنا هذا الكلام . من هنا سوف نكتفى فقط اليوم –إن أذن لنا القارئ‑
بمجرد عقد مقارنة لاحت لنا مثيرة للفضول فجأة ، بين مصر 1952 ، ودولة
أخرى كانت أشد فقرا وتخلفا آنذاك ، لا يفصلنا عنها سوى عبور المتوسط .
مقارنة بين ما كان وما أصبح . إنها إسپانيا ، وهى فى الواقع ليست أكثر
من مثال هناك عشرات مثله ، ليس فقط فى الضفة الشمالية للمتوسط بل فى كل
قارات العالم . وللأمانة ‑ولا تصدقنا لو شئت‑ عندما اخترنا
إسپانيا لم نخترها بسبب سيطرتها على عناوين الأحداث هذين الأسبوعين ، حتى
لو كان للا شعور دورا فى هذا الاختيار غير مقصود فى البداية على الأقل .
فالحقيقة أننا كثيرا ما تحدثنا عن هذه الحالات النهضوية فى صفحة الليبرالية مثلا ، بل وقارنا بينها
فعلا وبين مصر التى سارت 180 درجة فى الاتجاه العكسى أى إلى اليسار . وحقا
لا ندرى على وجه الدقة لماذا أصبحت مقارنة أكثر دخولا فى التفاصيل أمرا ملحا
اليوم . لعل السبب ليس أخبار جزيرة بيريخيل ، بقدر ما هو الغيظ من تلك
الطبول الغوغائية التى تحيط بنا صباحا مساء منذ بداية الشهر تسبيحا بثورة يوليو
وقائدها الملهم ( على أية حال انظر
عرض الصور المجاور ، ففى نهاية المطاف اكتشفنا أن ليس أفضل منه احتفالا
كلاسيا للغاية بالذكرى الخمسين لأمجاد ثورة يوليو ، وإن جاء من المغرب هذه
المرة : 1- الخطب والشعارات الملتهبة عن العزة والكرامة تملأ عناوين الصحف
والمقاهى عبر إذاعة صوت العرب ، 2- الجيوش الأجنبية تغزو البلاد فى دقائق
معدودات ، 3- لا أحد يطلق عليها طلقة واحدة سوى بعض الحجارة العقلية ،
4- جنودنا ينسون شعار ارفع رأسك يا أخى وكل ذلك الهراء عن العزة والكرامة ،
ويساقون مطأطئى الرأس محجوبى الأوجه ) —انظر تحليل
ومدلولات أخرى لأحداث بيريخيل فى صفحة الحضارة . المهم : عبد الناصر وضع على رأس أولياته طرد
الإنجليز من منطقة قنال السويس . إسپانيا ( ولن نذكرك مرة أخرى أنها
كانت أفقر من مصر ) كانت مثله محتلة بواسطة بريطانيا ، أيضا فى قنال
اسمه جبل طارق . لم ترفع شعار ’ ارفع رأسك يا أخى ، فقد مضى عهد الاستعباد ‘ ، كانت تعلم أن المصريين أساتذة الذكاء الفهلوى كانوا
فى قرارة أنفسهم يقرأون ’ ارفع رأسك يا أخى ‘ بل وكل شعارات ناصر على
أنها ’ شحات وأنا سيدك ‘ وليس أكثر . لكن رئيسهم ضرير البصيرة ظل يتكابر على أسياد
أسياده من إنجليز وأميركيين وإسرائيليين …إلخ ، معتقدا أن سيضع رأسه برأسهم
يوما ، بينما الواقع أنه لم يضع رأسه ورأس شعبه إلا فى الطين والجوع .
ابتلعت إسپانيا المهانة بذكاء ، وعلمت جيدا أنه عندما يتعلق الأمر بالمغرب
وجزر بيريخيل وسبتة ومليلية فإن هذا الأخير سوف يرضخ لها بمهانة ، لكن
عندما يتعلق الأمر ببريطانيا وجبل طارق ، فإن الدور على إسپانيا كى تهان
وترضخ . أما ناصر فقد طرد الإنجليز ، وبعبقريته الفذة طرد معهم
تقنياتهم ومصانعهم وأسواقهم التى جعلت للقطن المصرى قيمة بيعية ، بعد أن لم
يكن سلعة معروفة أصلا ، وصنعه هو بنفسه ( صناعة ق . ع . كما
كان يكتب على سيارات القطاع العمومى ! ) ، فلم يصنع شيئا أصلا
سوى مصانع خربة وقيادات فاسدة ، أفضت كلها لإفلاس اقتصادى ومهانة فقر لا
مثيل لها ملأ صيتها العالم . أما بالنسبة لإسپانيا التى لم تطرد بريطانيا
من أراضيها حتى اليوم ( نعم : حتى اليوم ! ) ، بل
تعاونت معها واشتركت معها فى حلف عسكرى مشترك اسمه حلف شمالى الأطلنطى ،
فإن : اليوم الناتج الداجن
الإجمالى الإسپانى يفوق الناتج الداجن الإجمالى لكل الدول العربية بما فيها
السعودية !
بعد أن فرغ عبد الناصر من طرد الإنجليز ،
وتأكد له أن المصريين قد رضوا بحاكم غبى وضيع الأصل معدوم الكفاءة مثله ،
ولن يطالبوا بحكم الملكة ڤيكتوريا ولا الملكة إليزابيث ثانية ، أصبح
رأس أولياته البحث فى مبررات أيديولوچية لاستمراره فى موقعه . لم يجد أفضل
من أن يعادى كل من حوله . ملوك السعودية أصبحوا ’ رجعيين ‘
متخلفين يلبسون الجلابيب البيضاء والعمائم المخططة ويجب طردهم من اليمن ،
بينما على حد علمنا أن الريچيم الجمهورى الوحيد الذى زرعه ناصر فى الجزيرة
العربية حرص بكل جد على وضع بلاده فى موقع الذيل بفارق شاسع عن بقية
الدول ، بما فيها من كانوا أشد فقرا وتخلفا منه آنذاك كعمان على
الأقل . وعلى حد علمنا أيضا فإن من أعتبرهم ناصر فى السعودية وغيرها ،
الرجعيين المتخلفين أصحاب الجلابيب البيضاء والعمائم المخططة كانوا أصدقاء
شخصيين لتشرتشل وروزفلت وتروومان وأيزنهاور ، ممن لم يحلم مثله بالفرجة حتى
على مواكبهم . رفع شعارا ديماجوچيا اسمه الوحدة العربية وحرض كل الشعوب
العربية على حكامها ، لا لشىء إلا لأنهم تنمويين وليسوا بتوع شعارات
مثله . أصبح نورى السعيد وسعود بن عبد العزيز والحسين بن طلال والحبيب
بورقيبة وغيرهم ، الذين نقلوا ( أو بعضهم آمل لكن لم تمهله مؤامرات
ناصر ) ، بلادهم قرونا للأمام خونة ، لا لشىء إلا لأنهم لم
يجهضوا النهضة الحداثية أو الليبرالية لدى شعوبهم ومثقفيهم ، كما فعل
الكولونيل ناصر بكل سفالة وتبجح بالبقايا الأخيرة للنهضة المصرية . النهضة
التى وضعت مصر فى مركز الطليعة والمثال يوما من كل الشعوب العربية ، تلك
النهضة التى حلم بها وأرسى أول لبناتها أصحاب رؤى حقيقيين من أمثال محمد على
والخديوى إسماعيل ، وواصلتها من بعدهم أجيال الليبراليين المخلصين ممن
حاولوا وقف كارثة ما سمى بثورة 1919 ، وكل التدهور الجمهورى بعدها وهيمنة
كلمة الدهماء ومحرضيهم المرتزقة على مصائر البلاد ( ونكتفى بكلمة نجيب
محفوظ
بعد أن فرغ عبد الناصر من طرد الإنجليز ،
وتأكد له أن المصريين قد رضوا بحاكم غبى وضيع الأصل معدوم الكفاءة مثله ،
ولن يطالبوا بحكم الملكة ڤيكتوريا ولا الملكة إليزابيث ثانية ، وتأكد
له أن الشعوب العربية باتت كلها فى جيبه ولن تسمع ثانية صوت العقل من حكامها
الملتزمين بل سوف تسحلهم فى الشوارع ، أصبح رأس أولياته البحث فى دفتر
الهزائم السابقة التى مرغت كرامته فيها ليرفع شعار الثأر ، ويحرق الأخضر
واليابس وقودا لاستمراره فى الحكم . اكتشف أنه كان ضابطا فاشلا معدوم
الكفاءة حوصر حصارا مذلا حين حارب فى فلسطين ، وليس بروميل ولا پاتون ولا
مونتجومرى كما أوهم كل من حوله من قبل ومن بعد ، وتذكر أن لم تتباجح إسپانيا بأنها ستتصدى للإمپريالية
الأميركية أينما وجدت ، ولو فى أفريقيا وأميركا الجنوبية كما فعل الأخ
ناصر . لم تصدر الثورة للكونجو وأندونيسيا وكوبا ( حتى فرنسا أم
المعارك ، أم الشعارات ، أم الجمهورية ، أم ’ الحرية
والمساواة والأخاء ‘ ، استعداها فى الجزائر ، ولم يراع أصول
الزمالة الفكرية بين الجمهوريين بعضهم البعض ! ) . إسپانيا لم
تتحالف مع الاتحاد السوڤييتى نكاية فى إمپريالية أميركا . إسپانيا لم
تنشىء منظمة عدم الإنحياز لتلعب على الحبال . إسپانيا لم تؤمم قناة
السويس ، وترتكب سرقة لا تحتمل التأويل فى نهب أصحاب الأسهم بسطاء كانوا أم
كبارا . إسپانيا لم تنهب أموال الأقليات بالتأميم والمصادرة والتحرش الأمنى
والإعلامى ، إسپانيا لم تطردهم خارج البلاد كما فعل ناصر فى أول تجرؤ
عالميا على عملية تطهير عرقى بعد الهولوكوست . ببساطة قبلت القروض والتعاون
الاقتصادى والتصدير والاستيراد مع أميركا ، وانخرطت فى الشبكة العالمية للاقتصاد
مما نسميها الآن الجلوبة أو الأمركة ، ولم ’ تتعنطز ‘ أبدا على
عرض أميركى بقرض لبناء السد العالى على نهر النيل الإسپانى . ناصر انتهى
للفقر والعزلة والمهانة الاقتصادية ، أما بالنسبة لإسپانيا فإن : اليوم الناتج الداجن الإجمالى الإسپانى يفوق
الناتج الداجن الإجمالى لكل الدول العربية بما فيها السعودية ! لم تقل إسپانيا أنها كعبد الناصر قادرة على صنع كل
شىء من الإبرة إلى الصاروخ . كانت تعلم أن أميركا نفسها لا تصنع من الإبرة
إلى الصاروخ ، ولا تستطيع ذلك حتى لو أرادت . بتواضع تام قالت إنها لن
تستطيع صناعة أى شىء ، لا الإبرة ولا الصاروخ ولا أى شىء على
الإطلاق . وقالت إنها ستكتفى فقط باستقبال السياح الأثرياء من الدول الأكثر
تقدما وتحضرا منها ، فقط ليتفرجوا على الكائنات الإسپانية ، ذكورا
تصارع الثيران ، وإناثا ترقص التانجو المثير لتدعو الضيوف لليالى حافلة
بملذات الجنس على الطريقة الإسپانية . اليوم الناتج الداجن الإجمالى الإسپانى يفوق الناتج الداجن
الإجمالى لكل الدول العربية بما فيها السعودية !
لم أحتمل الفرجة على التليڤزيون اليوم لأكثر
من خمس دقائق متواصلة . كل الكلام انفعاليات خالصة ، وكنت قد اعتقدت
بسذاجة أنها مناسبة للتقييم والتمعن والتأمل . كل الكلام عن الكرامة
والاستقلال فى مقابل التبعية والرضوخ ، ولم يتحدث أحد عن العلم ولا التقنية
ولا الاقتصاد . غنوا إلى حبيب
الملايين ونسوا أنه عدو البلايين ، بل وأشهر قاطع
طريق للحضارة فى التاريخ الحديث . تكلموا عن التعليم المجانى
والجامعى ، ولم يتكلم أى أحد عن مستواه أو جدوى الشهادات الورقية التى
يمنحها . تحدثوا عن كرامة الفلاح ، ولم يتحدث أحد عن ماذا ينتج أو كم
ينتج الفدان عنده ، وما قيمة هذا الإنتاج التصديرية أو حتى الغذائية .
تحدثوا عن الصناعة وعن حقوق الشغيلة ، ولم يتحدث أحد عن أى أسواق غزتها
منتجاتهم . بل واحدا لم يقل لنا ما فائدة كل ذلك الحديث عن العزة والكرامة
إذا كان قد أفضى لكل تلك الذلة والمهانة سنة 1967 . حتى الحلول المطروحة
للمستقبل كلها حلول انفعالية قائمة على توريث الأحقاد والهزائم للأجيال الجديدة
لعلها تنتصر يوما ، بينما كلنا يقرأ الصحف ويعلم أننا لا نضيف كل يوم سوى
هزائم جديدة ( الناصريون
والشيوعيون والإسلاميون يملأون الدنيا هراء حاليا عن استعداد الشعب العربى
للتصدى للهجوم الأميركى الوشيك على العراق . استعدوا من الآن لما ستقولونه
عندما ترون الناس ترقص طربا فى شوارع بغداد والكويت والرياض وكل مدن ما هو ليس
إيران أو سوريا –اللتان سيأتى دورهما لاحقا إن لم يأت متزامنا إذا ما كان لدى
الأميركيين الإرادة الكافية– على سقوط صدام ودخول الجيش الأميركى ! أو مرة
أخرى : صباح الخير يا بيريخيل ! ) .
فجأة أصبح الجميع تلاميذا للچنرال سعد
الدين الشاذلى الذى
كما قال روبرت مكنمارا يوما ‑وهو
يتحدث بمسئولية رسمية بلسان سمعة تقديرات سكرتارية الدفاع الأميركية أيام كان
مسئولها الأول ، قال إنهم قدروا أن لو بدأت إسرائيل الحرب فسيمحق الجيش
المصرى خلال سبعة أيام ، ولو بدأت مصر الحرب فسيمحق الجيش المصرى خلال من
10 إلى 14 يوما ( الواقع أنه لم يكن دقيقا جدا ، إذ محق الجيش المصرى
خلال ثلاثة أيام فقط ، وتلاه الأردنى خلال يومين ، والسورى خلال يوم
واحد ، ولذا سميت حرب الأيام الستة ! ) . لا نقول هذا ردا على ذيول عبد الناصر الذين يدعون أننا كنا سننتصر
لو لم ننصع لخديعة أميركا والاتحاد السوڤييتى وكل العالم الذى اشترك
بكاملة فى هذه المؤامرة ، وكنا نحن الذين بادرنا بالهجوم . كذلك لا
نقوله ردا على زعمهم المضحك أن الجيش هو الذى لم ينصت لنبوءة القائد العبقرية فى
2 يونيو بأن الحرب خلال 72 ساعة . فالحقيقة أنه لم يخطط للحرب أصلا ،
وبنى كل قراراته على هذا الاحتمال الرغيد . هذا منذ لم يستمع لنفى رئيس
أركانه محمد فوزى الجازم له ، بناء على استطلاعات جوية شخصية منه للجبهة
السورية أن لا حشودا إسرائيلية عليها ولا يحزنون ، وأن السوريين يضحكون
عليه وعلى السوڤييت أنفسهم ، وفى نفس الوقت مخدوعين فى قوته ،
وأن بالتالى لا داعى لأى تصعيد . ومنذ بقرار فردى منه أن طرد قوات الطوارئ
( للدقة طالبها بأن تفسح له ما يريد كجبهة عمليات وتتمركز فى مناطق
أخرى ، فما كان بداهة من يو ثانت إلا أن أبلغه إنها موجودة لحفظ السلام
بجد ، وليست جزءا من لعب العيال العسكرى بتاعه ، أو ديكورا لتجميل
استعراضاته الجوفاء بالجيش فى سيناء ، حيث أراد صاحبنا منها أن تظل تحميه
فى مناطق مغامراته التالية المبيتة فى غزة وشرم الشيخ ، بينما تفتح له
النقب لخلق إيحاء إعلامى زائف بأنه سيغزو إسرائيل من خلاله ! ) .
ثم منذ أن دفع بجيشه لسيناء ، ومع ذلك لم تحرك إسرائيل ساكنا . ثم
ومنذ أن أوعز لكلاب غزة المسعورة بالانطلاق لداخل إسرائيل ، وأيضا تحاملت
إسرائيل لترى ماذا بعد . وثم أخيرا منذ أن فعل ما لا يمكن السكوت عليه قط
وهو إغلاق المضايق . وهذه المرة
لم يكن الأمر لصوصية أو سطو عاديين مما برع فيها منذ تأميم القناة وتأميم ما
تطوله يداه من المصريين والمتمصرين ، إنما كانت قطعا للطريق بالمعنى الحرفى
للكلمة . هنا لم يكن بوسع الحضارة العالمية تحمل المزيد منه ، ومن
أمثاله من البلطجية المحليين الآخذين فى التكاثر باسم شعار كذاب يطلقون عليه
التحرر الوطنى ، والذين أخذوا يرتعون فى العالم الثالث بكامله
تقريبا ، نهبا وسلبا وطغيانا ، ويمارسون قطع الطريق على الحضارة حين
تحاول إعمار أو استعمار هذه المناطق البائسة من الكوكب . طوال كل ذلك الوقت
كان يقول لقادة الجيش من أن لا حرب ، بما فى ذلك مؤتمر أبو صوير العسكرى‑الصحفى
الشهير فى 23 مايو الذى أعلن فيه ’ إلى العالم ‘ غلق خليج
العقبة ، وأسر إلى قواده أنه بعبقريته السياسية وتقديراته الفذة للسياسة
العالمية ، أو كما قلنا خبرته التى لا تضاهى فى اللصوصية ، سينجو
بفعلته كما جميع عمليات السطو السابقة منذ قيام ثورته المباركة . الواقع حتى لو كانت تلك نبوءة عبقرية ، فإنها جاءت متأخرة
للغاية ، ومن المستحيل أصلا أن تؤهل جيشا فى ثلاثة الأيام تلك ، لما
يحتاج أصلا لثلاثة قرون . والواقع المذهل يقول إن القادة العسكريين ممن لم
يعودهم قط فى حياتهم على شىء اسمه حرب حقيقية ، إنما كونهم فقط مجرد ورقة
فى ألاعيبه الإعلامية ، هؤلاء لم يحاولوا قط أخذ نبوءته تلك على محمل
الجد ، ومضوا على نحو مدهش إلى المزيد من حياتهم المسترخية المترهلة ،
تاركين له حل المشكلة التى بدأها وهم منها براء بالكامل . والبديهى بالطبع
أن لا عبقرية أصلا فى نبوءته ، ولا حتى وراءها رأفت الهجان أو أية أسطورة
عبيطة أخرى . كل ما هنالك أن زعيمنا الهمام ذعر لتعيين ديان وزيرا
للدفاع ، وتيقن أنه سيضرب قبل وصول الجيش العراقى الضخم لجبهة الأردن فى
نحو 6 يونيو ! كل هذا وذاك كلام موجود فى كتب التاريخ والمذكرات الشخصية
للقادة المصريين قبل الإسرائيليين ( وآخره برنامج وثائقى جيد ، رغم
أنه يعتمد فقط تقريبا على رموز تلك الثورة ومؤيديها ، الأمر لا يختلف كثيرا عن الفوز
بكأس العالم لكرة القدم ، فى كل مرة يعتقد المصريون أنهم سوف يقتربون
منه ، لكنه لم ولن يحدث أبدا ، ولأسباب لم ولن يفهمونها أبدا
( لعلهم فقط يحاكون الفصل الذى كنت فيه أنا فى المدرسة الابتدائية ،
والذى كان يقاتل يوميا من أجل اللعب لكنه لم يكسب مباراة كرة واحدة فى
تاريخه ! ) . فى كل الأحوال بالأمس أو اليوم أو بعد قرن من
الزمان النتيجة واحدة ، وهى محق الجيش المصرى وأى عدد من الجيوش
العربية ، حتى لو كان حجمها ألف ضعف الجيش الإسرائيلى . ما يختلف فقط
هو عدد الأيام . إنها مسألة فارق بشرى حضارى وتقنى وچيينى جسيم يحتاج
قرونا ، أو ربما لا يكفيه كل الزمان . وتلك عبقرية شخص اسمه أنور
السادات كان الوحيد من كل أمة العرب الذى فهم هذا ، وخطا الخطوة الصحيحة
الوحيدة بناء على هذا المعطى . طبعا الشاذلى يبلف فى إيحائه أن تحذيره كان
سينقذ الجيش من مذبحة الدبابات ‑مذبحة كل الدبابات وكل الجيش
الثانى ، أو من الحصار المميت للجيش الثالث ، أو من أى شىء آخر .
لقد كان يفكر بذات الطريقة اللصوصية لسيده القديم ، يسرق 12 كيلومترا كل
عشر سنوات ، معتقدا أن الطرف الآخر سوف يسلم بالأمر ويقف مكتوف
الأيدى ، لمجرد أن يبدى هو بعض المقاومة الدفاعية على الخط الجديد ،
أو معتقدا حتى أن ذلك الكرف سوف يلدغ من الخضة أو من صلح الحديبية فى كل مرة
آتية مستقبلا . السادات ‑وربما السادات وحده‑ كان يعلم كل
هذا . كان يعلم جيدا أن جيشه هالك لا محالة من أجل 12 كيلومترا واحدة وحيدة
فى التاريخ ولن تتكرر ، وأن المهم إثارة أكبر قدر من الجلبة فى هذه
المرة ، وأن المنقذ الوحيد من مطرقة ديان وشارون وآلون …إلخ ، ولحدود
معينة وبثمن معين وواضح عبر صفقة شاملة ، سوف يكون شخص ما قابع هناك فى
البيت الأبيض اسمه هنرى كيسينچر . فض الاشتباك ( أو ما اشتهر إعلاميا
باسم مباحثات الكيلو 101 ، حتى توحى إسرائيل للعالم كم كانت قريبة جدا من
مطار القاهرة ) ، رسم الملامح بعيدة المجرى لتلك الصفقة ، وليس
مجرد إعادة انتشار قوات الطرفين . بعبارة أخرى : عسكريا أكتوبر هزيمة
منكرة ، مذبحة دبابات تاريخية المقياس ، ساعة على المطار ، مصطفى
خليل يستجدى العرب لرفع حظر الپترول عن الغرب فقط كى ترفع إسرائيل حظر مياه
الشرب عن نصف جيوش مصر ، والنهاية عودة السكان لمدن القناة الثلاث وفتح
قناة السويس . من تعتقد المنتصر فى هذه الأخيرة ؟ سنحبطك ونقول
إسرائيل أيضا ، لأن هذه كانت ضمانتها الغائية التى طالما حلمت بها بأن لا
حروب أخرى مع مصر للأبد ! نعم ، إسرائيل وافقت على الإنسحاب شرقا ، والإفراج عن الجيش
الثالث ، وترك شريط الـ 12 كيلومترا تلك لمصر ، لأن ذلك أولا سيخلق
مسافة جغرافية عازلة ضخمة بينهم وبين المواقع المسموح بها للجيوش المصرية ،
وثانيا ‑وهو الأهم جدا لإسرائيل‑ لأنه سيتيح لمصر إعادة فتح
القناة ، وإعادة المدنيين لمدنها ، مما يعنى عدم نشوب أية حروب
مستقبلا . الصفقة الكيسينچرية اشتملت أيضا على زيارة أسطورية لنيكسون
لمصر ، لا تقل درامية عن زيارتهما معا للصين ، وعلى تحول أيديولوچى
جذرى إلى الرأسمالية ، أو ما سمى بالانفتاح الاقتصادى . وقد لا نبالغ
إن قلنا أن الصفقة كانت تفترض ضمنا قيام السادات بزيارة القدس فى غضون سنوات لم
تزد عن ثلاث بعد تلك الاتفاقية . لكن الحقيقة أن هذه كانت أكبر من أن تعتبر
جزءا من صفقة ، بل صفقة جديدة كاملة قائمة بذاتها ، أعطى كل طرف فيها
للآخر أشياء كثيرة رائعة مهمة وتاريخية للغاية ، ومنها أن كادت تدخل مصر
بوابة العالم المتقدم فعليا ، لولا أن نكصت فى التسعينيات وراحت تقدم ساقا
وتجفل اثنتين ( الحلف الإسرائيلى
التركى - الإصلاح الجنزورى
…إلخ ) !
بمناسبة الكلام المسرف هذا بلغة القرون
( وأيضا بمناسبة فض الاشتباك الذى أدى لاستقالة أخينا الذى سنتحدث عنه من
وظيفته ) ، يبدو أن الجميع أيضا استمرأ ما تبثه مؤخرا حفرية الماضى
الشهيرة ، صاحبة الإبداع المشهود فى تسمية هزيمة 1967 بالنكسة وهزيمة 1973
بالثغرة ، الحفرية المسماة
’ الكاتب الكبير ‘ محمد حسنين هيكل .
ربما أحس فخامته بدنو الأجل ، فتخلى عن ’ عنطزة ‘ عبد الناصر
الشهيرة فيه ، عندما كان يوهم الناس بأنه لا يكتب إلا بالإنجليزية وأن
المطابع الغربية تتهافت على تحليلاته الفذة ، وقبل تقديم برنامج تليڤزيونى
من أنت ؟ ما هو ’ محتواك ‘ ؟
ما هو مشروعك ؟ ما هو موقفك من التقنية والعلم ، أو بالأحرى ما هو
موقف التقنية والعلم منك ؟ ستقول إنك ومثلك كل العرب تحبون العلم
والتقنية ، وستوظفونها فى مشروع المائة عام المزعوم المبروك . أقول لك
هذا صحيح ونسمعه صباحا مساءا ، لكن المشكلة ليست أن تحب العلم والتقنية بل أن تحبك العلم
والتقنية . فى مصر تستخدم وزارة البحث العلمى
لتمثيل الأقليات وليس لأى وظيفة أخرى . حين كانت البلد علمانية كان الوزير
الإسلامى الوحيد هو وزير البحث العلمى . ثم استخدمت لتمثيل
المسيحيين ، وذات مرة استغلت لتمثيل كل من المسيحيين والمرأة التقنية الحقة ليست كتابا يقرأ
فى كهوف قندهار أو موقعا لحزب الله على
الإنترنيت . إنها حتى ليست مجرد اختراع التقنية ، بل أساسا اختراع
العقول التى تخترع التقنية . هذا هو المستحيل الذى لن يفهم أسبابه العميقة
أبدا جيل الهزيمة عندما يحاول الخروج علينا بصورة من أصبح متحضرا فجأة .
للأسف ، حتى العلم والتقنية تعتبرونها أيها الجهابذة ، معركة تدخلونها
وتفوزون فيها بالكلام ! إنها أيضا مسألة
چيينية . لا يمكن أن تكون فى صف العلم والتقنية أو يكونا فى صفك ، قبل
أن تطرد كل نزعاتك الوطنية والقومية والدينية والشيفونية أيا ما كانت ،
وقبل أن تحب مبدعى العلم والتقنية الحقيقيين ، الذين هم بالصدفة العاثرة
أعداؤك .
العلم والتقنية لا تنتجها سوى عقول مختلفة تماما عن
عقولكم . تنتجها عقول علمية عملية علمانية ، لا عقول انفعالية همجية
خرافاتية لا يعنيها سوى الثأر والكرامة ، والإيمان بالملائكة وبثالوث الأرض
والأهل والعرض ، إلى آخر ما ظلت هذه الصفحة تقوله على مدى عقد كامل . عقول ترسل للتعلم فى الغرب
الإمپريالى الكافر ، لا فى جامعات ناصر المجانية معدومة التعليم .
عقول لا تقول قط ’ لا صوت يعلو
على صوت المعركة ‘ ( تقرأ صوت
الهزيمة ) ، إنما عقول تؤمن فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتها أن لا صوت
يعلو على صوت العلم ( بما فى ذلك أصوات ومواعيد الآلهة ) . عقول
لا تنفعل أبدا ولا تتحدث عن الكرامة والفخار ، بل تتحدث عن تجارب الآخرين
وابتكاراتهم وأرقام نواتجهم الداجنة ( بمن فيهم طبعا الأعداء ) ،
لأنها الشىء الوحيد الذى يجب أن يثير الإعجاب . عقول لا تتقمصها سوى كلمة
واحدة هى الكفاءة والمزيد من الكفاءة ، لا شعارات الكراهية والعناد ورفض
الغير وعشائرية فكرة ’ أهل
الثقة قبل أهل الخبرة ‘ . أو بكلمة واحدة
مختصرة : عقول آلات ، فكى
تحبك الآلة يجب أن تكون آلة ، وهذا مستبعد جدا على أمثالكم محترفى الشعارات
والانتصارات الكلامية ، ناهيك عما استجد من الاعتقاد فى الدين
والخرافة ! أو على الأقل جدا هى عقول لا تتكبر قط على الاعتراف بالهزيمة
كالطريق الوحيد للتعلم واكتساب القدرة ، لكن مثل ذلك الاعتراف هو ما لن
تفعلونه قط . لو قال الياپانيون سنة 1945 ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير
القوة لما أصبحوا ثانى أكبر قدرة اقتصادية فى العالم . فقط كانوا قد
أبيدوا . وحتى لا نخرج عن إطارنا ونتحدث عن
الياپان أو ألمانيا ، سوف نكتفى مرة أخرى بالقول : اليوم الناتج الداجن الإجمالى الإسپانى يفوق
الناتج الداجن الإجمالى لكل الدول العربية بما فيها السعودية !
السؤال دائما أبدا وببساطة : هل أنت مع العلم والتقنية والاقتصاد ، أم مع
الشعب ؟ الاثنان لا يجتمعان ، إما العقل
وقراراته المؤلمة الشجاعة الصعبة ، وإما تدليك الغرائز ومداهنة الدهماء كى
يقبلوا بحاكم عاجز متخلف مثل ناصر ويؤمنون بأنه سيجلب الديب من ديله .
بينما كانت بنوك أميركا تلقى بآلاف من أصحاب الأراضى خارج أراضيهم ، وتتيح
قيام ملكيات بملايين الأفدنة كما تقول كتب العلم والتقنية والاقتصاد التى لا
ترحم ، ومن ثم تنتج وتبيع القمح الممتاز بسعر لا يزيد عن ربع سعر القمح
المصرى الردئ ، كان ناصر يفتت الملكية الزراعية باسم العدالة
الاجتماعية ، وينشئ مزارع حكومية فاشلة اسمها مديرية التحرير دخلت كتب
التاريخ الزراعى كواحدة من أكبر الفضائح فيه . وانتهى أو كاد للأبد مستقبل
الزراعة فى مصر التى كانت يوما محل حسد كل دول العالم كبيرها وصغيرها ، إلى
أن أحياه مؤخرا أمير سعودى شاب سليل أولئك الخونة الرجعيين المتخلفين أصحاب
الجلابيب البيضاء والعمائم المخططة ، اسمه الوليد بن طلال . العيب الوحيد
فى هذا الرجل أنه يحترم الكلمات الثلاث إياها : العلم والتقنية
والاقتصاد . والأسوأ أنه يعرف أنها جميعا لا وطن لها ، حتى لو جاءت من
مختبرات الهندسة الجيينية الإسرائيلية أو من بنوك وول سترييت اليهودية الإمپريالية .
وأسوأ كل شىء أن هؤلاء الصهاينة والإمپرياليين نسوا أن يتآمروا عليه كما يتآمرون
صباحا مساءا على كل ما هو عربى أو إسلامى ، أو لعلهم ربما لم يلحظوا
العمامة الحمراء المخططة فوق رأسه ، وسمحوا له أن يحول فى سنوات قليلة هدية
والده الأمير الكهل المتقشف ، البالغة 15 ألف جنيها استرلينيا ،
لواحدة من أضخم خمس ثروات فى العالم . وعفوا إن كنا قد تحدثنا عما حدث
للقمح وحده ، وقررنا تجاهل الكلام عن الإبرة والصاروخ وفيما بينهما آلاف
المنتجات الأخرى . فالواقع أننا لا نريد المقارنة بين ثروة الوليد بن طلال
والناتج الداجن الإجمالى المصرى ، حتى لا نفسد على مسئولينا احتفالاتهم
الكبيرة بهذا اليوم البهيج ، كما أننا أيضا سئمنا المزيد من قول : اليوم الناتج الداجن الإجمالى الإسپانى يفوق
الناتج الداجن الإجمالى لكل الدول العربية بما فيها السعودية ! فقط لو كنت ناسى أفكرك : إسپانيا سنة 1952
كانت أفقر وأشد تخلفا من مصر بكثير . المشكلة بكل أسف أن چيينات الكولونيل ناصر تختلف جذريا عن چيينات
الچنرال فرانكو . كذا فچيينات الإسپان لا تسمح لهم
كثيرا بالهتاف ’ بالروح بالدم
نفديك يا چنرال ‘ ، والأنكى تغييرها كلما
تغير هذا الاسم الأخير . نعم كلا
الرجلين كان ديكتاتورية ، ونحن لسنا ضد الديكتاتورية ، نحن ضد
الديموقراطية . لكننا نفرق بزاوية 180 درجة ما بين ديكتاتورية يسارية تضع
شعوبها فى مصاف قطاع الطرق من العالم المتقدم ، وديكتاتورية يمينية تحاول
وضع شعوبها فى مصاف العالم المتقدم . وبالمناسبة نسينا مقارنة أخرى لعلها كان يجب أن
تسبق كل ما ذكرنا ، ألا وهى موقفه من الملكية . لقد ظلت لبعض الزمن
أتعجب من محو كل أسماء الشوارع القديمة من وسط القاهرة ، والإبقاء فقط على
اسمى عدلى يكن وعبد الخالق ثروت على اثنين من أهم شوارعها . الرجلان كانا تأكيدا ضد القيم
الجمهورية والجماهيرية وكل ما مثلته ثورتهم المباركة ، وخاضا اشرس المعارك
فى أحلك اللحظات التى واجهتها التجربة الليبرالية المصرية الوليدة قبيل وأثناء
هوجة 1919 التى قتلتها فى المهد . ثم بعد قليل اكتشفت أن الفكرة أنهما ليسا
من الأسرة المالكة ، حتى لو كانت تنظيراتهما اليمينية تجعل ملوكا مثل فؤاد
وفاروق يبدون أناسا شعبيين للغاية لدى المقارنة ! كم كنت ساذجا فى
السؤال . الأمر كله ببساطة ليس إلا الحنق والحقد والشيفونية العمياء جميعا
عمى بلا حدود . إن الأفكار لا تعنيهم كثيرا ، إنما فقط صم جام شهواتهم
السوداء على أسرة محمد على لأن دماءها ملكية ، ولأنها ثرية جدا ،
ولأنها ليست مصرية ! الآن كدت أهم بكتابة أن محو اسم الخديوى إسماعيل من
أكبر ميدان من القاهرة الحديثة التى بناها برمتها ، ليس مجرد حنق وحقد
وشيفونية ، إنما هو جريمة . لولا أن تذكرت أن كل شىء كان جريمة ،
وتحديدا جريمة خيانة عظمى ، لهذا البلد وماضيه وحاضره ومستقبله . ما
علينا ! نعود للمقارنة التى قصدناها ، وهى أنه عندما أنجزت إسپانيا
نهضتها تحت القبضة الحديدية والبصيرة للچنرال فرانكو ، لم تعلنها جمهورية
اشتراكية ثورية تنتقم وتهدم كل ما سبقها من ’ عهد بائد ‘ ، إنما اختارت
بهدوء ووقار العودة للملكية ، تلك التى كان محوها أول أوليات جدول أشغال
عبد الناصر فى الساعات الأولى لثورته ! ومن أجل ذلك لا يزال إن لم يكن
مرشحا للزيادة : اليوم الناتج
الداجن الإجمالى الإسپانى يفوق الناتج الداجن الإجمالى لكل الدول العربية بما
فيها السعودية ! ببساطة كنا
نود لو سرنا فى نفس طريق كل من فى رأسه عين لترى ، سواء فى شمال المتوسط أو
فى جنوب أميركا أو فى شرق آسيا ممن لم يغرهم بريق ارفع رأسك يا أخى ،
وقبلوا التمرغ فى تراب الاستعمار والإمپريالية والصهيونية ، فأصبحوا اليوم
نمورا وأسودا يجلسون مع البريطانيين والأميركيين على ذات مائدة علية
القوم . أو باختصار ، يا ليتنا كنا
لا نزال مستعمرة مثل جبل طارق تحتفل هذا العام باليوبيل الذهبى للملكة إليزابيث
الثانية ، لا باليوبيل الصدئ لأسوأ كارثة فى التاريخ العربى الحديث :
ثورة يوليو ( تموز ) 1952 ! ( وبالمناسبة
تموز وكل أسماء الشهور التى يستخدمها دعاة القومجية العربجية الكبار فى العراق
وسوريا –أقصد كبار الحناجر كسيدهم ناصر‑ هى أسماء شهور السنة
اليهودية ! ) . إلى اللقاء بعد عشر سنوات ،
هذا لو طال بنا العمر ، لنحتفل بالذكرى الستين لثورتنا المجيدة . ساعتها ربما لن نحتاج لمثل هذا المجهود فى
كتابة مدخل طويل كهذا . كل ما سنفعله أن ننقل نفس محتويات هذا المدخل
بالضبط ، ثم نستخدم Ctrl+F للبحث عن كل ورود لعبارة ’ الناتج الداجن الإجمالى الإسپانى
يفوق الناتج الداجن الإجمالى لكل الدول العربية بما فيها السعودية ‘ ،
ونجرى عليها تعديلا بسيطا بشطب كلمة الإسپانى واستبدالها بكلمة
الإسرائيلى ! شفت سهلة إزاى ! شرطها الوحيد أن يكون العرب بعد على قيد
الحياة ولم يبادوا ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : بعد سنة : 23 يوليو 2003 : اشطب كلمة إسپانيا من كل إللى فات ، وكفاية قوى تحط كلمة
المكسيك بدلها . للمزيد |
| Part I | Part II | Part
III | Part IV
|