نظرية الفيلم الهولليوودى

Hollywood Film Theory

 

| Part I | Part II |

 

NEW: [Last Minor or Link Updates: Saturday, July 21, 2007].

 

 March 4, 2003: Hollywood’s greatest year since the greatest of them all, year 1946. Movies dramatically thrive almost everywhere inside and outside the U.S. It’s depression time again, friend!

 June 11, 2002: Hollywood movies dramatically shrink almost everywhere outside the U.S. This might not be a so bad symptom. The whole planet just became a ‘Hollyworld!’

Sherry Lansing

 November 11, 2001: Hollywood enlists in the war against terrorism, but supposedly not a war  against Islam. How would the ever-secular industry handle this GOP condition?

 October 23, 2000: A whole new page on Sex and Religion!

 December 2, 1999: The famous and extremely controversial Hollywood Film Theory study is posted here as the first dedicated Arabic columnist page on the Web. Our publishing project under motto Think Internet! is born.

 

ê Please wait until the rest of page downloads ê

 

’ منذ أن نلت حريتى لم أصنع سوى أسوأ أفلامى ‘

چون هيوستون

‘Not what man knows but what man feels, concerns art. All else is science.’

Actually, I owe John Carpenter for the introduction to the whole concept as quoted in a late 1998s or an early 1990s yearbook that movies are about emotions not thoughts Bernard Berenson (1897) ê

‘Director should be invisible’

Speech in BBC re-broadcasted in part on his death 20020328 Billy Wilder

’ بعد السينما الصامتة ، لا يوجد جديد ‘

غالبا فى أحد الكتب السنوية لأواخر الثمانينيات أو أوائل التسعينيات والمؤكد أنها بدون حيثيات ستانلى كيوبريك

 هذه الورقة ميكروسوفت مكروسوفت افلام الافلام فيديو الفيديو فديو الفديو تلفزيون التلفزيون تليفزيون التليفزيون تليفزيونى التليفزيونى تلفزيونى التلفزيونى تليفزيوني التليفزيوني تليفزيونية التليفزيونية تلفزيونية التلفزيونية بقلم الكاتب مدحت محفوظ قدمت فى افتتاح احتفالات المجلس الأعلى للثقافة بمصر بمئوية السينما من 23-29 ديسمبر 1995 ، حيث ظهرت بعيد ذلك فى صدر الكتاب التذكارى للمناسبة . ثم أعيد تقديمها فى يوم السينما الأميركية فى برنامج دراسات ووثائق فى مهرجان القاهرة السينمائى فى 9 ديسيمبر 1996 . ونشرت بعد تنقيح شامل فى التوضيبة الثانية من كتاب ’ دليل الأفلام ‘ أغسطس 1998 .

 

 فى 2 ديسيمبر 1999 وتحت شعار رمزى اخترنا له اسم Think Internet! رئى وضعها فى الموقع -بعد تنقيحات إضافية ، لتكون فاتحة للمقالات السينمائية النقدية والتنظيرية باللغة العربية على شبكة الإنترنيت ، بل وأول صفحة عمود رأى إطلاقا عليها باللغة العربية . يفترض أن تصبح فاتحة لمواد أخرى تخص مختلف القضايا الفكرية والاجتماعية المطروحة عربيا وعالميا . تابع ما يضاف من صفحات جديدة تحت مسمى Views والتى ستظهر تباعا .

[ تحديث : بعد شهر : آخر ديسيمبر 1999 : انتهينا من وضع الصفحات الثلاث المنشودة لشهر Think Internet! ، وهى هولليوود ، التقنية ، الثقافة . نأمل أن تكون قد زرتها جميعا . كذلك يوجد عرض موجز لمحتوياتها ومصادرها فى مثل هذا المكان من الصفحة المذكورة أخيرا ] .

 [ تحديث : بعد عام : 2 ديسيمبر 2000 : عدد الصفحات وصل إلى 7 صفحات تحوى 50 ألف كلمة . الصفحات بترتيب ظهورها هولليوود ، التقنية ، الثقافة ، الصناعة ، الرقابة ، الليبرالية ، ما بعد‑الإنسان . يمكنك زيارة ما تم إبراده اليوم بالأخص فى هذه المناسبة ] .

[ تحديث : بعد عامين : 2 ديسيمبر 2001 : عدد الصفحات وصل إلى 14 صفحة هى بترتيب ظهورها هولليوود ، التقنية ، الثقافة ، الصناعة ، الرقابة ، الليبرالية ، ما بعد‑الإنسان ، الجنس ، الإبادة ، الجلوبة ، الفن الجماهيرى ، سينما ما بعد‑الإنسان ، سپتمبر ، الحضارة .

عدد كلمات هذه الصفحات بلغ صباح اليوم 140 ألف كلمة ، أو ما يوازى كتابا من خمسمائة صفحة . ولعل الملخص الذى أبرد لاحقا هذا الشهر بمناسبة انتهاء المائة يوم الأولى على حرب 11 سپتمبر يعطيك لمحة عن الحمية الكبيرة التى دبت فى صفحات الرأى هذا العام وبالذات فى الشهور الأخيرة ] .

ونحن نرحب بكافة المساهمات من تعليقات أو أخبار من زوار الموقع من خلال المساهمة المباشرة فى لوحة الرسائل إضافة أو قراءة أو بالكتابة عبر البريد الإليكترونى .

 

 

 

  ديسيمبر 1996 :

 

صناعة أم فن :

نظرية الفيلم الهولليوودى

Industry or Art:

The Hollywood Film Theory

 

تمهيد

Marilyn Monroe

Hollywood!

إذا كان جائزا القول إن الولايات المتحدة لم تضف بعد تعريفها الخاص لكلمة قدرة عظمى للقواميس انتظارا لما سيسفر عنه العقد الأول للقرن الحادى والعشرين ، فإن قول ذات الشىء عن السينما الأميركية ، لا يبدو جائزا …إنما مؤكدا !

إن كل الشواهد تدل أن السينما الأميركية ليست إلا فى بداية طريقها لسيادة عالمية لا يعلم أحد مداها . وكل ما قيل عن طغيانها وجبروتها وغزوها الثقافى ، إنما هو وصف لقرن أقرب إلى التعثر والمصاعب منه إلى النجاح . لقد شهد هذا القرن سنوات الميلاد والجهود الأولى لمجموعة من التجار اليهود المغامرين الشجعان الذين تحدوا القانون ، ورأوا الذهب فى التلال البعيدة ، هناك فى فلورنسا القرن العشرين المعروفة باسم كاليفورنيا ، فتحولوا من حرفهم الأصلية أولا إلى إنشاء دور للعرض ، ثم إلى تأسيس ستوديوهات لإنتاج الأفلام ، حيث توالت عقود من الكفاح المرير والدؤوب من أجل توليد وصقل الصيغ الإنتاجية والجمالية المناسبة لهذا الوسيط الجديد ، وبعد فترة ازدهار دامت حتى بعيد منتصف الأربعينيات بقليل ، بدأت النكبات بتحطيم الحكومة للستوديوهات الكبرى باسم معاداة التواثق والاحتكار ، وتكافح هولليوود شبح الإغلاق نفسه ، لقرابة ثلاثة عقود قبل أن تستعيد عافيتها من جديد . وأخيرا فقط بدأت رحلة الكفاح تؤتى ثمارها الحقة ، وتمهد لقرن جديد سمته الانفراد المطلق للسينما الهولليوودية بالساحة العالمية ، انفراد لا يعنى فقط إنتاج أفلام عالمية التوزيع ، إنما أيضا إنتاج أفلام ’ مزبننة ‘ لا تصلح إلا للتوزيع المحلى أو التليڤزيونى فى دولة بعينها ، وهى تجربة بدأتها هولليوود بالفعل فى بريطانيا ، وغالبا ما ستمتد لتشمل دولا ولغات أخرى ( وليس بوسع أحد استبعاد أن تصنع يوما الأفلام الناطقة بالعربية مثلا ، بواسطة ستوديوهات هولليوود ) .

لقد كان العقد الأخير من القرن العشرين ، أول عقد يشهد تجاوز الإيراد الخارجى للسينما الأميركية إيراداتها الداخلية ، وحتى بعض الأفلام التى حققت نجاحا كاسحا فى الداخل ( كالحارس الشخصى وغريزة قاعدية مثلا ) ، فاجأت الجميع بأنها تحقق أحيانا خمسة أضعاف هذا النجاح فى السوق العالمية ، بالمثل كانت التسعينيات أول عقد اعترفت فيه كل صناعات السينما القومية تقريبا باستسلامها وإغلاق أبوابها بعد عقود من المكابرة والعناد . إن رقما بسيطا كاف لتجسيد حجم الفجوة الآن ، ذلك أن نصيب أفلام هولليوود من إيرادات دور العرض فى كل العالم هو 92 0/0 ، بينما لا تحظى جميع صناعات السينما الأخرى عبر الجلوب ( بما فيها الإنتاجات من بقية الولايات المتحدة ) سوى بثمانية بالمائة فقط مما يدفعه سكان الكوكب لمشاهدة الأفلام  !

إذا كان الهدف من هذه الحلقات البحثية الإجابة على سؤال ماذا قدمت هذه السينما أو تلك ، للثقافة الإنسانية ، فإن الإجابة بالنسبة لهولليوود تبدو بسيطة وموجزة ، أنها قدمت السينما !

إن سينما هولليوود كما صممت أصلا فى عقول مديرى الستوديوهات المجيدين فى العشرينيات والثلاثينيات ( ولا سيما بعد دخول الصوت وبروز مشكلة اللغة ) ، سينما صممت لتكون سينما عالمية ، ولو كانت تسعى لترويج الثقافة الأميركية ونمط الحياة الأميركية  ، كما يقال عادة ، لما نجحت أبدا . إنها ليست مجرد سينما قومية أخرى ، بل هى السينما الوحيدة العالمية ، أو بدون حساسيات ، السينما كما يجب أن تكون .

إن هذه الورقة تفترض تلقائيا ودون حاجة لإثبات ، إن انفراد السينما الأميركية بالساحة العالمية وانهيار كل منافسيها ، يعنى ببساطة أنها الصيغة الوحيدة الصحيحة للوسيط السينمائى . وبالتالى تكرس ‑أى الورقة‑ جهودها وهدفها على سبر ملامح هذه الصيغة الإنتاجية والجمالية ( ولا نستخدم كلمة الفن السينمائى والصيغة الفنية فى ورقة يفترض أنها تعيد للمناقشة فرضية كون السينما فنا أو لأى مدى يمكن اعتبارها فنا ) ، تلك الصيغة التى كانت تحظى عالميا وثقافيا بالاستهانة أكثر منها بالاحترام على مدى سنوات القرن .

Legendary Cinecittà Studios, Rome, Italy.

Where’s the Point ‘Artistic Cinema’ MUST Stop?

Legendary Ufa Closed. Legendary Pinewood Closed. Legendary Cinecitta Closed.

The List Includes many Global and Local Legends (as Egypt’s Studio Misr) Closed or Almost.

إن الكتابات الحافلة حول نظرية السينما والتى كانت مصيبة بالطبع فى جوانب معينة ، كانت تفترض دائما أن السينما وسيط واحد يضم كل ما يصنع فى العالم من أفلام . واليوم بعد انهيار صناعات السينما القومية ، نصبح فى حالة تنوير إجبارية ، أن تلك الكتابات لم تمسك أبدا بتفسير لماذا تضمحل مناهج إنتاجية وجمالية بعينها وتزدهر أخرى . السبب هو أن تلك البحوث لم تسع أبدا للتفرقة بين النقيضين : صيغة أو صيغ معيبة ولا تلائم طبيعة الوسط السينمائى ، والصيغة الوحيدة الصحيحة التى أينعت دون غيرها ، لأنها نابعة وتفهم جيدا الحقائق والخصائص المتفردة أولا لوسيط السينما ، وثانيا لمستهلكه ، أى الإنسان ، سواء بسواء . نحن نعتقد أن ذلك النوع من الدراسة المقارنة يسهل علينا كثيرا محاولة إدراك الفلسفة الخفية للفيلم السينمائى وصيغه الفعالة الناجحة ، ومن ثم محاولة صياغة نظرية جديدة وواقعية للسينما ، تنبنى بالكامل على الصيغة الإنتاجية والجمالية التى وضعها مديرو ستوديوهات هولليوود قبل عقود طويلة .

أهمية الوصول لصياغة كاملة ودقيقة لهذه النظرية ، وهو أمر يتجاوز بطبيعة الحال طموح هذه الورقة الموجزة ، أمر نعتبره حيويا حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون يتمسكون بأحياء صناعات السينما القومية الغابرة . فعندنا فى مصر على سبيل المثال ، تقام الندوات والمؤتمرات بلا انقطاع حول هذه القضية ، لكنها جميعا لا تقترب ولا تمس من بعيد أو قريب النقطة الجوهرية ، ألا وهى ما هى السينما ؟ إنهم فى الواقع غير منتبهين لأن ما كانوا يصنعونه وما يريدون إحياءه ، هو ببساطة ليس سينما ، بل شىء يصعب حتى توصيفه توصيفا محددا .

إن كل تلك الجهود تبدو أحلام يقظة عبثية وتضييعا للوقت ، وإذا كان ثم أحد قد وعى الدرس ، فإنه لن يكون إلا البريطانيين . هؤلاء الذين وصلت ستوديوهاتهم مبكرا جدا لمرحلة الإغلاق المطلق ، بالمعنى المادى الملموس للكلمة ، لكنهم عادوا أخيرا جدا لفتحها تدريجيا ومن الصفر بالمعنى المعنوى والنظرى للكلمة . وانطلقت أفلامهم الكاسحة جماليا وبالتالى جماهيريا ، لتبهر العالم ويدفع مئات الملايين من الدولارات لمشاهدة ” لعبة الصراخ “ أو ” أربع جوازات وجنازة “ ، كأفلام مؤسسة بالكامل على أنجح وأرفع الصيغ السينمائية الهولليوودية .

Film director Steven Spielberg holds up a replica of his new star on the Hollywood Walk of Fame in Los Angeles, January 10, 2003.

Hollywood Walk of Fame!

فى كل ما كتبناه ونكتبه ، نقصد بالسينما الأميركية ، ضروبها وثيماتها الأكثر ازدهارا وجماهيرية وتقليدية وتكرارا ، قبل أن نقصد المحدود والمغمور والمراهق منها إن وجد . نقصد ما يصنع من أفلام رئيسة كانت أو مستقلة ، فى دائرة مقاطعة لوس أنچليس ، قبل أن نقصد ما يجرى فى المناطق الأخرى من القارة الأميركية . نقصد أفلام التيار الرئيس الأكبر والأشهر والأخلد . قبل أن نقصد مغامراتها ’ الفنية ‘ العابرة ( ليكن تعريف التيار الرئيس أنجح 10 أفلام فى كل سنة ونحن نضمن دائما تقريبا أن تكون من بينها الخمسة المسماة لأوسكار أحسن فيلم ) . نقصد ببساطة رامبو وإنديانا چونز وچيمس بوند وفريدى كروجر شارع إيلم ، قبل أن نقصد بوب رافلسون ووودى أللين وروبرت ألتمان أو حتى مارتين سكورسيزى وفرانسيس كوپولا ( إذا استبعدنا أفلامهما الناجحة جماهيريا محدودة العدد جدا ) . إجمالا نقصد السينما التى يترفع الجميع عن تحليل أغلب أفلامها باعتبارها سينما تجارية تافهة ، حتى لو كان صناعها هم سينيت وأينس وجريفيث وفورد وكاپرا وهيتشكوك وسپييلبيرج . نرفض كل ما يقال عن الغزو الثقافى والهيمنة …إلخ ، لأننا لا نفهم سوى شىء واحد هو أن هناك سلعة جيدة وأخرى رديئة . وبالمثل نرفض أى فصل مصطنع بين ما هو تجارى وما هو ’ فنى ‘ ، بل أننا نكاد نطابق بينهما فى الواقع ، إن لم نكن نتحاشى أصلا استخدام كلا الكلمتين . فالفهم الحقيقى فى رأينا لوسيط السينما هو فهم الخفايا الغامضة لأفلام توم ميكس ودووجلاس فيربانكس وآرنولد شوارزينيجر . هذه هى الأفلام التى تكمن فيها وفى نجاحها غير العشوائى ، أسرار النظرية العامة للفيلم الهولليوودى ، أو اختصارا : نظرية السينما .

تاريخيا كان ثم جهود نظرية جادة وحقيقية لعمل هذا ، لكنها ذهبت جميعا أدراج الرياح فى ظل التعالى والحذلقة العامة التى يشتهر بها تقليديا سكان العالم القديم . على رأسها تأتى بالطبع إنجازات الناقد وموجه الأفلام الفرنسى لويس ديلوك فى عشرينيات القرن ، حيث نادى بأن يفهم الفرنسيون الفلسفة التى يصنع بها الأميركيون الأفلام لا سيما جريفيث وأينس وتشاپلين ، لكن رد الفعل ضده جاء عنيفا ومتبلد العقل معا . ذلك أنه قال أن لوميير وغيره من الفرنسيين لم يكونوا إلا سذج السينما ، فى مقابل إثارة النشاط وسهولة الفهم والاستعقاد الفنى للسينما الأميركية . وقد كان شعار ديلوك الأكبر ’ ابدأ حرفيا تنتهى فنانا ‘ . بينما الجميع وحتى اليوم بما فيه عندنا نحن يصر على العكس . أيضا من كلماته الشهيرة عن عمالقة السينما الأميركية ’ جريفيث هو أول موجهى السينما ، وآينس هو أول أنبيائها ‘ . الواقع أن فهم ديلوك لفلسفة الفيلم الأميركى لا يقارن بفهم أحفاده فيما سمى الموجة الجديدة الذين أعجبوا بهيتشكوك أو فولر أو سيرك فقط بسبب المضامين المتمردة التى تحتويها أفلامهم ، وليس لصيغتها الإنتاجية والجمالية التى هى قاعديا الصيغة الهولليوودية المعتادة .

أيضا علينا أن نقرر أمرا ثانيا ، وهو أنه رغم إيماننا بأن من دور كل من الناقد وعالم الاجتماع تفسير سبب نجاح أو فشل فيلم مفرد دزن غيره ، ولا نوافق من يفترضون أنها ظاهرة لا تخضع للتحليل ( من هؤلاء ليويس ماير نفسه ! ) ، إلا أننا نعلم فى المقابل مدى تعقيد الظاهرة وكذا قصور الأدوات المتاحة حتى الآن . وإذا كنا لا نقبل قط إعفاء الباحث من تحليل أسباب نجاح وفشل الأفلام سواء كانت فنية أو اجتماعية ، فإننا نميل بشدة لافتراض أن نظرية الفوضى Chaos Theory ربما تلعب دورا بالغ الفائدة فى فك ألغاز النجاح والفشل . فإذا كانت أسعار الأوراق المالية ‑وهى عملية يفترض فيها العقلانية الشديدة‑ يمكن أن تتأثر بقرار فردى صغير فيؤدى لانهيار عام أو لتهافت كبير ، فإن السينما وهى مادة انفعالية محضة أولى بالتأثر بمثل هذه التصرفات . وكم سمعنا عن ضحكة عابرة متأخرة من أحد المشاهدين فى أحد العروض التمهيدية كانت البداية لموجة من الضحك ومن ثم لسلسلة من المراجعات الجيدة ومن ’ كلام الفم ‘ بين المشاهدين وفى النهاية لجماهيرية ساحقة للفيلم ، وغير هذا من الأمثلة كثير سواء كان فاتحة لنجاح هائل أو فشل ذريع .

ثالثا ، علينا بالمثل أن نقرر أننا لم نقصد أبدا أن السينما الحقة ابتكار هولليوودى خالص ، بل ربما العكس هو الصحيح . فالدنمرك والألمان والروس وغيرهم كانوا أيضا من أوائل من استكشفوا الصيغة المثلى للسينما . وحتى الخمسينيات كانت السينما لا تزال مزدهرة فى بقاع متعددة من العالم ، ما انفردت به هولليوود هو تمسكها بهذا الخيط الصحيح وحده دون غيره وبثقة وجرأة ورؤية صارمة منها ، بل واستقطابها لكل من يجيد جدله فى أى مكان فى العالم ، لينضم إلى صفوفها . ولم تسمح أبدا بالحيود عنه إلا فى حدود ضيقة جدا من الإبداع المدروس جيدا . وللأسف أنه ما أن تبلورت هولليوود كتيار رئيس للسينما ، حتى كان رد الفعل العكسى من الجميع ، أن ذهبوا يتخبطون فى صيغ إنتاجية وجمالية مخالفة تحت شعارات مثل الفنية والتجريبية والتجديد وتكسير القوالب وسينما المؤلف والذاتية والتمرد والواقعية …إلخ . وهى صيغ جمعها شىء واحد فقط ، هو الفشل المحتوم .

وأخيرا يجب أن نقرر كذلك ، أن سبر أغوار الصيغة الإنتاجية والجمالية الهولليوودية ليس بالأمر اليسير . على الأقل لا يزال الكثيرون يعتقدون أنها شىء أقرب لتعاويذ السحر ، لا يملك فكه إلا المديرين اليهود الكهول لستوديوهات هولليوود . فكثيرا ما حاولت بعض الدول صنع أفلام ضخمة التكاليف وناطقة بالإنجليزية ، بل واستقدام ألمع صناع السينما الأميركية لها ، رغم ذلك كانت النتيجة فشلا ذريعا يتكلف عشرات الملايين فى المرة الواحدة ( عمر المختار ، بوذا الصغير ، 1492 ، …إلخ ) . الأشد غرابة من هذا أن شراء الأجانب لستوديوهات هولليوود كما هى ، وبكل طاقتها ومواهبها ، كان يودى بها دائما لشفا الإفلاس أو الإفلاس الفعلى ( هذا ما حدث عندما اشترى الإيطاليون مترو ، والياپانيون يونيڤرسال وكولومبيا وتراى ستار ، والفرنسيون أو غيرهم أورايون وكارولكو …إلخ ) . هذا اللغز معناه ببساطة أن نجاح السينما الأميركية لا يقوم بالضرورة على إنجليزية لغتها أو جماهيرية نجومها أو ضخامة إنتاجاتها آو زغللاتها البصرية أو أخطبوطية شبكة التوزيع والعرض لها . ورغم الأهمية الجزئية لكل هذا اليوم ، إلا أن ذلك النجاح التاريخى انطلق أساسا فى عقود لم يكن لدى هولليوود أى شىء من هذا كله بعد ، فقد انطلق ‌ـ‌وانطلق فقط‌ـ‌ من طلسم الصيغة الإنتاجية والجمالية المنيع على الجميع تقريبا حتى اليوم ، الطلسم التى بذلت حتى الآن أقل الجهود من أجل فهمه وتحليله .

سنحاول فيما يلى استكشاف خصائص الوسيط السينمائى كما نعتقد أن هولليوود قد توصلت إليها . هذه الخصائص سوف نوجزها فى خمس كلمات : الضروبية ، الاستحواذ ، الهاى-تك ، الليبرالية ، المؤسسية . إننا نعتقد أن هذه الخصائص الخمس هى التى قادت هولليوود إلى المصير والدور المحتوم الذى كتبته عليها الأقدار ، إلا وهو أن تكون الدكان الوحيد لتصنيع الأفلام فى القرية العالمية الصغيرة للربع الأخير للقرن العشرين وما بعده .

 

1- الضروبية Genericalness

Rudolph Valentino in Son of the Sheik (1926).

King Kong (1933)

Snow White and the Seven Dwarfs (1937)

Gary Cooper and Barbara Stanwyck in Ball of Fire (1941)

James Cagney in White Heat (1949).

Natalie Wood and Richard Beymer in West Side Story (1961).

George C. Scott in Patton (1970).

Genres! Genres!

 النقطة الجوهرية وكلمة السر الهولليوودية الكبرى وسر السيادة الأعظم لها هى ببساطة مخيفة : الدراما . لقد اكتشف سادة هولليوود الأوائل أن السينما وسيط رائع للحكى ، ثم سرعان ما سرى الأمر على ما يبدو ليغرى جميع الوسائط باستخدامه أو الإغراق فيه .

لو حدث ووصفت عفوا الأفلام الوثائقية أمام أحد صناعها المهمين ، بأنها الأفلام غير الدرامية ، فسوف تواجه حتما بثورة عارمة منه ، ضد ما سوف يعتبره الإهانة الأقصى من نوعها التى يمكن أن توجه لأعماله . فكل الصناع المجيدين للفيلم الوثائقى يعتبرون الدراما أهم جزء فى إبداعهم ، وإن أفلامهم لو خلت من الدراما والبناء الدرامى لأصبحت مملة ولما استطاع أحد تحملها حتى النهاية .

عندما تحادث صحفيا أو مراسلا تليڤزيونيا أميركيا ‑بالذات‑ عن شغله ، لن تجده يستخدم مصطلحاتنا المعتادة ’ خبر ‘ ، ’ تحقيق ‘ ، ’ موضوع ‘ . فقط يستخدم كلمة واحدة دائما هى ’ قصة ‘ . هذه الكلمة ستبدو لك للوهلة الأولى أنها انتزعت من مكانها فى المعجم ووضعت فى مكان خاطئ ، لكنك عندما تتعمق مع هذا الصحفى أو المراسل فى طبيعة عمله تكتشف أنه فعلا لا يبحث إلا عن القصص ولا يكتب إلا القصص ، وأنه يستبعد دوما من أحداث الحياة وحتى من السياسة كل ما لا يمكن تسميته قصة ، فهذه أشياء لا تصلح للنشر فى رأيه ، لأنها ببساطة لا تهم أحدا !

إن تفسير هذا بسيط ، ويكمن فى طبيعة ذلك المستهلك الذى تقدم له تلك المادة ، وهو الإنسان . والدراما جزء عضوى جدا فى التركيب البيولوچى والعقلى لهذا الكائن ، وهو ‑غالبا بسبب خلل أو قصور ما فى عضو المخ عنده يصعب تخيل تكراره فى أى نظم حياة أخرى بذات ذكاء أو أكثر‑ ينجذب للدراما كما لا ينجذب لأى شىء أخر ، وهى تحدث فيه حالة يقظة عقلية ، لا تحدثها ذات المعلومات إذا لم ترتب بطريقة درامية .

لقد أصبحت الدراما اليوم ، هى جوهر كل صناعات الاتصال ، وأنت تقرأ أوصافا صحفية لكتاب عن الفيزياء النووية أو الجيل الخامس للحاسوب ، بأنه ’ مثير ‘ أو ’ مشوق ‘ رغم أنه لا يضم فى الواقع سوى معلومات علمية جامدة .

إذا كان ماكلوان قد قال أن ’ الوسيط هو الرسالة ‘ ، فإننا لن نشوه ما قال كثيرا إن عدلناه إلى تعميم مروع هو أن ’ الدراما هى الرسالة ‘ . هولليوود تفننت فى استكشاف الإمكانات الدرامية الكامنة لوسيط السينما وفجرتها إلى حدودها القصوى ، وهذا هو أساسا ما جعل هولليوود هى هولليوود . هذا التفجير هو ما سمى تاريخيا بالضروب genres أو الضروبية .

[ للدقة الدراما التليڤزيونية قد تكون قصة مستقلة . أساسا نظرية التليڤزيون هى المعايشة لا الدراما ( اقرأ دراسات ترجمناها فى كتاب مهرجان الإسماعيلية السينمائى 1995 ) . بمعنى أن المشاهد يقبل فى مسلسلات التليڤزيون الدفع السردى الضعيف أو البطئ ، ومكن الإثارة أن ’ من الجائز ‘ لا أكثر ، ان يحدث شىء مثير فجأة . فهكذا هى الحياة الواقعية . منذ الثمانينيات وبأعمال مثل ’ داللاس ‘ ودايناستى ‘ عرفت المسلسلات الدراما القوية الحاشدة السريعة والمثيرة على طريقة أفلام السينما . هل يرقى هذا لمستوى إلغاء النظرية الأصلية للتليڤزيون ؟ الإجابة صعبة . النجاح الساحق فى السنوات اللاحقة على كتابة هذه الورقة لما سمى بعروض الواقع reality shows أو البرامج غير المخطوطية unscripted programs ، لكن فى نفس الوقت مع تواصل الدراميات المثيرة ، يكاد يوحى أننا بصدد نظريتين للتليڤزيون . لكن بما أن هذا الكلام يتعارض قاعديا مع أطروحة ماكلوان حول الوسيط هو الرسالة ، حيث لا يمكن أن يكون المتلقى يتمثل الوسيط بطريقتين مختلفتين ، فالحقيقة أننا ربما أصبحنا بصدد نظرية معدلة للتليڤزيون تدخل فيها الدراما والإثارة بنسبة أكبر بكثير مما كان عليه فى الأربعينيات ، ذلك مع استمرار فكرة المعايشة هى الأخرى قائمة بل وقاعدية جدا . أو لعلنا نسمى النظرية الجديدة المعايشة بإثارة ! ] .

بعض القصص ممل وبعضها مثير ، ولو حاولت تفسير السبب لأعياك الأمر . قد تبحث أولا عن الإيقاع السريع ، لكنك تكتشف أن السينمات الأوروپية تحكى أحيانا قصصا تمتد عبر أجيال بتعاقب عال جدا للأحداث ، لكنك لا تشعر بالإثارة معها . أيضا قد تبحث عبثا عن عوامل حدة الصراع أو ما يسمى الاستقطاب الدرامى أو ذاك يدور حول شخصيتين بالغتى التناقض ، ومع ذلك لا يوجد فيه ما يدعو للاندماج معه ، مرة أخرى النصيحة هى البحث فى طبيعة الكائن المتلقى الذى هو الإنسان .

Tom Mix, circa 1921.

Father of All Genres!

لكن قبل هذا سنحاول أولا حصر الثيمات الدرامية الناجحة ، أى قوالب الحكى واضحة التكرارية فى السينما الأميركية سواء كبيرة أو صغيرة الإنتاج وذلك تمهيدا لمعرفة الخصائص العامة لها التى جذبت البشر إليها دون سواها . ولعل إمكانة حصر القوالب الدرامية هذا ، هو الفحوى الحقيقى لكلمة كيوبريك ، الصاعقة فى حد ذاتها ، والصاعقة أكثر عندما تصدر عن واحد من أكثر من اشتغلوا بالسينما إبداعا وابتكارا وتجديدا ، قال : ’ بعد السينما الصامتة ، لا يوجد جديد ‘ .

الويسترن هو أول ضروب السينما وأعرضها وأهمها جميعا على وجه الإطلاق . إنه أبو السينما وأمها وأغزر منابعها جميعا ، ولو كان قد قدر للسينما أو سيقدر لها أن تصنع ضربا واحدا من الأفلام لاختارت الويسترن دون أدنى تردد . لقد بدت السينما لعقود طويلة كما لو كانت اختراعا تقنيا صنع خصيصا لحكى قصص الويسترن . إن الغرب الأميركى الذى تقدمه هذه الأفلام ليس إلا فضاءا فسيحا يتجول فيه البطل وحيدا دون أن يستقر أبدا ، حاملا داخله فكرة رومانسية أو حزنا غامضا أو بقعة سوداء من الماضى ، هذا الفضاء يمثل الكون والطبيعة بالنسبة للإنسان منذ فجر وجوده على الأرض : بيئة عدائية تحمل المخاطر الدائمة والفجائية الفتاكة ، وعلى أوديسيوس نبيل الروح أن يتمتع بيقظة جبارة كي يبقى على قيد الحياة ويحقق ما يشبع هذه الروح المتأججة . إن الويسترن هو أقدم واعظم دراما ولدت مع فجر الإنسان ، إنه تراجيديا الوجود الإنسانى نفسه ، بعد وضعها فى خلفية القرن التاسع عشر . وهو أعظم قوالب الحكى المعاصرة جميعا فلسفية وكونية وعمقا .

Actress Janet Leigh appears as Marion Crane in the famous shower scene in Alfred Hitchcock's classic thriller Psycho (1960)

The Nightmare Genre!

القالب الثانى مبكر الازدهار أيضا هو الرعب : الإنسان فى مواجهة قوة مسوخية خارقة القدرة وشيطانية الشر تستطيع الفتك به بخبطة واحدة بسيطة منها ، وعليه أن يصمد أمامها صمودا جبارا كصمود يسوع أربعين يوما وأربعين ليلة فى وجه إبليس ! ألية هذا القالب هى كابوس معاش .

بالعكس هناك قالب المعجزة ، تخيل أنك وجدت نفسك فى عالم فانتازى يحقق لك حلمك الأكبر والأكثر جموحا فى لحظة ، فيأخذك لدنيا خيالات الطفولة الأخاذة ، لتجد ساحرة الشرق الجميلة فى انتظارك ، لتحيل بعصاها البراقة ذات النجمة المتلألئة كل حلم لحقيقة ، أو ماردا رهيبا يعرض عليك ثلاث أمنيات مستحيلة …قطعا لا يوجد فى دنيا الدراما ما هو أحلى من هذا الضرب .

رابعا يمكنك أن تذهب مسحورا مع قصص الحب الرومانسية الخارقة ، لتسبح مع فيلم حالم ( موسيقى عادة ) ، مع بطلين نسيا بدورهما الدنيا وكل ما فيها ، وذابا فى عالم صغير خلقاه بنفسيهما يشدوان فيه ويحلقان سويا فى خطوات راقصة إلى سماء تسمو فوق كل الماديات ، حيث يصبح كل العالم وإحباطاته وصراعاته وقبحه مجرد نسيا منسيا أو ثلة من التوافه التى ينبغى الترفع فوقها . فى هذه الأخيرة تكمن عادة دراما هذا الضرب .

خامسا ، وعلى العكس ، قد تجد نفسك فى ميلودراما ضد‌ـ‌جميع‌ـ‌الآحاد ، إما أن تعاندك ظروف طبيعية غاشمة تهدد أرضك أو مزروعاتك أو استثماراتك أو أن يعاندك عالم يسوده القهر الاجتماعى والظلم الطبقى بينما ولدت فيه فقيرا بلا حيلة . وفى أى من هاتين الحالتين تظل تكافح فى صبر وصمت رغم كل تلك الأقدار الغاشمة حتى تصل لتحقيق بعض أهدافك فى الأمان والاحترام والحب وتحقيق الذات .

على أنك سادسا ، قد تفشل أو تيأس من مثل ذلك الكفاح الدءوب ضد البيئة الظالمة والمجتمع الفاسد والضعيف المتواطئ ، فلا تجد تحقيقا لكرامتك ووجودك مفرا من الثورة ، فتصبح ساطى بنوك أو قطارات شهير ، أو قاتلا منتقما من أولئك الفاسدين . وفى كل الأحوال ورغم تصنيفك مع الأشرار فإنك تعبر عن الغضب الدفين لكل أهلك ومجتمع هؤلاء الذين يختلفون عنك فى شىء واحد : أنهم لا يملكون مثلك شجاعة التمرد .

لكنك سابعا ، قد تجد نفسك على العكس فى الضفة الصحيحة من القانون ، كأن تكون شرطيا أو محققا خصوصيا ، نذرت كل حياتك لشىء واحد هو تعقب الشر والقضاء عليه ، ورغم أن هذا الشر شىء عتى وواسع القدرة ، إلا أن عليك أن تستجمع كل ذكائك ومهاراتك البدنية والعلمية والعقلية لمداهنته إلى أن تقهره فى النهاية وتطهر المجتمع من آثامه .

ثامنا : يمكنك أن توجه بطولاتك إلى ميدان الحرب ، مبديا أعظم استعداد للتضحية بحياتك من أجل المثل العليا للوطن والعشيرة ، وتندفع فى اللحظة الحاسمة حاملا تلك الحياة على كفك فى مسعى بطولى خارق من أجل مبدأ عظيم اعتمل فى داخلك وربما لا يفهمه أحد سواك ، أو حتى لا تفهمه أنت نفسك فى لحظة أو موقف آخر .

تاسعا : يمكنك القيام بذات البطولات ليس إيمانا بمثال عال ، إنما بحثا عن لذة المغامرة فى حد ذاتها ، قد تصبح قرصانا يقفز فوق سفن الأمراء المتعجرفين أو غازيا لجزيرة يقال أن بها كنزا ، أو مغيرا على القلاع المحيطة بغابة شيروود ، أو مشاركا لعالم الآثار إنديانا چونز فى حملة صليبية خاصة بكما للعثور على الكأس المقدسة .

Charlie Chaplin and Jackie Coogan, The Kid (1921)

The Last But Not Least:

Art of Insult; Comedy!

عاشرا وأخيرا ، وبعد أن وضعتك كل الضروب التسعة السابقة فى موقع أدنى كثيرا من مرتبة أبطالها تنظر إليهم من أسفل إلى أعلى بإعجاب شامخ ، يظل هناك ضرب واحد يفعل العكس : الضرب الذى يجعلك أذكى وأقدر من الشخوص التى تراها : ضرب الكوميديا ، أو ما يمكن تسميته أوحت لى بهذا مقال الـ Charlotte Observer بعنوان The funniest jokes cut to the bone  محفوظ ياهوو 200210/01 فن الإهانة . هنا يجب أن يتعرض أحد لتحقير ما . يسقط الأبطال على الأرض ويتلقون الركلات فى مؤخراتهم أو على الأقل يغرر بهم الآخرون . إنهم حمقى لا يرون ما تراه أنت ولا يملكون حصافتك وقدراتك . أيضا ستجد أنه كثيرا ما تفجر فى هذا القالب غيظك الدفين من رتابة المجتمع وصرامة قيوده وتعالى وغطرسة أصحاب المراكز فيه ، فتقرر أن تركل الشرطى ، أو تدفع بالتورتة فى وجه رئيسك فى العمل ، أو تنزع الرداء المنفوخ للبارونة المتخايلة . ببساطة أنت الآن أسمى كائن فى الكون !

لماذا هذه القوالب تحديدا : يجب أن نسلم أولا أن أى قالب قد استمر من الأصل لسبب بديهى هو أنه واحد من الأنجح والأكثر فعالية بين زملائه فى معركة البقاء . هنا لا يجب أن نقول على الأفلام التى تنتهج هذا القالب أنها ’ تقليدية ‘ ومكررة ، بقدر ما يجب أن نقول أنها تعتمد على واحد من أفضل البنى الدرامية الممكنة التى عرفتها البشرية . ثانيا وهو الأبعد من هذا أن هذه القوالب لم تكن لتعيش أصلا إلا لكونها مادة مرنة تسمح بالإبداع المتوالى والتجديد المستمر وإمكانة الإضافة عندما يكون لدى شخص بعينه الموهبة والبراعة ليرى إمكانة التطوير والخلق .

هذا من منظور الخلود ، لكن ماذا عن الخصائص التحليلية الداخلية لهذه القوالب . أول خاصية يلوح لنا أنها تجمع هذه القوالب العشرة ، التى تقتصر عليها سينما هولليوود بصرامة شبه تامة ، هو أنه جميعا مأخوذ من مصدر واحد هو الدراما الكلاسية اليونانية ، وأساطير البطولات الفردية الخارقة فيها . فهى إما تحدى شبه مجنون لأقدار غاشمة ، أو سعى تراچيدى لأهداف نبيلة مستحيلة ، أو مواجهة يائسة لقوى شر عاتية أو مسوخ فتاكة ، أو تمرد نبيل ضد مجتمع عاجز ، أو تضحية سامية فى سبيل الغير ، أو تمسك شبه أحمق بالمثل العليا فى رومانسية لا يقرك عليها أحد ، أو إلقاء نفسك فى نيران التطهر من أجل تسامى وولادة جديدة لروحك .

الخاصية الثانية فى هذه الضروب العشرة ، هى أنك لا تستطيع فى كل هذا أن تصنع دراما لا تتملق الإنسان ، فالفن خاصية إنسانية ، شىء ابتكره الإنسان ليستهلكه الإنسان ، وكل ما سبق من ضروب يشترط بالضرورة كى يتوحد المشاهد معه ، أن يتبنى وجهة نظر الإنسان ، وتمجد فى بطولته وشجاعته وقدرته وعزيمته ونبله …إلخ ، كما لا يمكنك مطلقا إلا أن تنهى هذا التمجيد بانتصار ، وهذا هو سر النهايات السعيدة ( حالات قديرة واستثنائية جدا التى جعلنا بعض صناع الأفلام بالذات هيتشكوك وكيوبريك ، نتهلل فيها مع حقارتنا الأصيلة النابعة عضويا من كوننا أناسا ) .

الخاصية الثالثة هى أنك توحدت فيها جميعا مع بطل معين ، ضد الآخرين وضد التحديات وضد الكون نفسه أحيانا . إنهم النبلاء الذين يضفون على حياتنا معنى وبدونهم لن تسير حياتنا كما نريد لها أن تكون نفقد المثل العليا وروح الكفاح والإيمان بالصواب إلى آخر المعانى السامية التى يجسدونها لنا ويحفزوننا من خلالها لمواجهة تحديات وفساد حياتنا الواقعية . أنت فى حاجة لمثل هذا التوحد مع من هو أعظم منك ويفعل ما لاتقدر أنت عليه . والغريب هنا أن ميكانية هذا التوحد معقدة وغريبة بل ولا عقلانية أحيانا ، لدرجة تدفعنا للقول أن ذلك التوحد يكاد يكون مطلوبا فى حد ذاته عند المشاهد . إنك تشعر بالعظمة عندما يشعر هو بالعظمة وبالإحباط عندما يشعر بالإحباط ، وأخيرا تتهلل فى مقعدك عندما يفرض ذاته الكاريزمية ويكتب النهاية السعيدة للفيلم . وأنت مع الفيلم تحب ما يحب وتكره ما يكره دون أن تتدبر هذا عقليا —هل تحب حقا انتصار عصابة دون كورليونى وسيطرتها على نيو يورك فى الحياة الواقعية ؟ ! ( الحقيقة إن سعى الطرفين ‑هولليوود والجمهور‑ لمثل هذا التوحد المطلق هو السر وراء ظهور نظام النجم . إن ما تبيعه هولليوود حقا هو هذا التوحد ، وهذه الكلمة والتى سنخوض فيها مطولا تحت اسم أعم هو الاستحواذ ، هى الكلمة السحرية التى نفتقدها فى أفلام المهرجانات والسينمات القومية وما إليها ) .

وعندما تجتمع تلك الخصائص الثلاث فى قصة ، فإن مديرى ستوديوهات هولليوود المرعبين يسحبون أقلامهم ويؤشرون بقبول المخطوطة .

الواضح أن التوحد لا يعنى بالضرورة كما هو واضح التوحد مع حلم ، إنما قد تتوحد مع كابوس أو صراع مخيف أو وضع يائس أو فقر مدقع ، إلى آخر البنى الدرامية للضروب العشرة الكبرى . وعلى سبيل الدقة يجب التقرير أن هناك بعض الاستراتيجـيات الفرعية غير الانفعالية التى تراهن عليها بعض الأفلام من أجل خلق التوحد : أولا نقصد الكوميديا سواء كبيئة الحكى التى تستخدم بنجاح فى كل ضروب الأفلام بما فيها الرعب ، أو ككوميديا الفارص التى هى ضرب سينمائى له آلياته الانفعالية الخاصة . فالكوميديا ككل بنوعيها هذين ( الأول الممكن اجتماعيا والثانى المستحيل اجتماعيا ) ، تنطوى تأكيدا فى ذات الوقت على آلية ذهنية بالغة ، هذه هى آلية المفارقة . والمثير للفضول هنا أنه بدون ذهن يقظ لن يضحك المشاهد قط مع النكات ( بل إن بعضها يحتاج لثقافة كبيرة وخلفية واسعة لفهمه ، ومن ثم الضحك معه ) ، بينما لا يحتاج لذات اليقظة للبكاء مع بطلة فقدت حبيبها أو التهليل لبطل يحصد الأعداء بمدفعه . ثانيا هناك ضرب صغير لا يراهن على الانفعالات بالمرة بل هى أفلام ذهنية خالصة وهو ضرب الغموض ، وهى حالة خاصة جدا يكون التفكير هو نوع من الاندماج الكبير مع الأفلام لا الخروج عليه . الاستثناء الكبير الثالث هو السيريالية ، وهى تلعب على صعيد مختلف جذريا للتوحد ، لا هو العاطفة ولا العقل ، بل مخاطبة العقل الباطن مباشرة وبالأساس . فليس المطلوب هنا أن ينفعل المتلقى أو أن يفكر ، كل المطلوب أن يسترخى فى حالة من الاستنوام ويدع كوابيسه وأحلامه الباطنة تطفو للسطح . وعادة ما تشاهد الأفلام السيريالية تحت تأثير العقاقير ، وهو تقليد اكتشفته جماهير الشباب عام 1968 مع فيلم ” 2001 —أوديسا الفضاء “ ولم تتخل عنه قط حتى الآن ( ربما شعر لوى بونويل الذى يشتغل على هذا الضرب منذ أول الثلاثينيات بالحسد الشديد أن أحدا من جمهوره لم يستخدم هذه الطريقة ! ) . بخلاف هذه الاستثناءات الثلاث والتى أثبتت نفسها بالفعل فى صندوق التذاكر بأفلام صغيرة أو متوسطة لكن عالية الربحية عادة ، لا نكاد نرى مبررا يجيز الخروج عن استراتيجـية الانفعال ، والذى لولا هذه الاستثناءات لقلنا أنه القانون المطلق للسينما ( بل الواقع أننا حتى لو قلنا هذا لما أخطأنا كثيرا ! ) ، وسنفضل بعد قليل بدلا منه الكلمة الأعم وهى ’ الاستحواذ ‘ لتسميتها بقانون السينما . مشكلة الحركات المسماة بالفنية أنها تضحى بمبادئ التوحد والاستحواذ بل وبأساسيات الدراما المدرسية جدا ، سواء عن عمد أو دون أن تدرى أو ‌ـ‌وهو الغالب‌ـ‌ لأن صناعها لا يملكون الوسائل لذلك . فى مقابل هذا هناك مبدعون حقيقيون يحاولون تجريب وسائل جديدة للتوحد والاستحواذ ، وهؤلاء هم المجددون الحقيقيون للوسيط السينمائى .

المفارقة أنه رغم تلك الجذور الضاربة للدراما فى العقل الثقافى الجمعى للبشرية ، أن تكون اليوم هى أصعب العملات جميعا فى دنيا صناعة الأفلام المعاصرة . وهى من الصعوبة بحيث لا نكاد نرى الآن فرصا لتخليقها كما يجب ، فى أى مكان آخر فى العالم باستثناء حدود مقاطعة لوس أنچليس ‌ـ‌كاليفورنيا .

 

2- الاستحواذ Overwhelmingness

James Barry's neo-classical 'King Lear Mourns the Death of Cordelia' (1774).

Drama! Drama!

الأرجح أن أزمة السينمات القومية وجذور انهيارها لا تكمن فقط فى تسرعها فى اعتبار السينما فنا ، بل تكمن ‑وهو الأسوأ‑ فى تعريفها القاعدى نفسه للفن . فهى لا تزال تعتمد تعريفا كان يستخدم فى بعض الأحيان وليس كلها لتعريف الشعر ، وهو أنه تعبير عن الانفعالات الداخلية لصانع الفن . السينما بالذات تقنية حديثة ومكلفة ماليا ، ومن ثم لم يكن بوسع هولليوود اعتماد مثل هذا التعريف بالغ الترف ، فمن الأنانية بمكان ‑وربما الغباء‑ أن يستخدم شخص أموال غيره من الناس للتعبير عن انفعالات مر بها هو ولم يشاركه فيها أحد سواه .

سبب آخر لاستبعاد هذا التعريف للفن جاء من طبيعة الوسيط السينمائى نفسه ، فهذا الوسيط لا ينفذ بواسطة شخص واحد ، حتى يمكنه التحكم فيه بالكامل للتعبير عن رؤاه أو انفعالاته ( حتى بفرض أن أراد أصحاب رأس المال منه ذلك ) . إنه من ثم وسيط يستبعد تلقائيا وبالضرورة الذاتية والخصوصية لأبعد مدى . والحالات العكسية كالتى صارت تقليعة فى أوروپا وبعض دول العالم الثالث فى الستينيات والسبعينيات ( جودار ، فللينى ، فاسبندر ، شاهين ، …إلخ ) تعد قسرا يلوى ذراع الوسيط السينمائى ، وحكم عليها على الفور برفض الجماهير السريع .

Audrey Hepburn

Carroll Baker in The Carpetbaggers (1964)

Glamour!

السبب الثالث لفشل ذلك التعريف للفن وهو أهم الأسباب جميعا ، هو أنه من الأصل وفى العموم تعريف خاطئ . إن كل منا يستطيع أن يكتب خواطره ومذكراته ويدون مشاعره ، دون أن يسمى هذا فنا أو شعرا ، فأول شروط الفن إذن هو أنه وسيط اتصال يفترض بالضرورة وجود متلقى أو مستهلك له . على أن كتاب المقالات الصحفية ومؤلفى الدراسات والكتب ، يعبرون أيضا عما جال بخواطرهم أو استشعروا آو انفعلوا به وتخيلوه ، وأيضا لا يسمون هذا فنا بل فكرا . إذن الشرط الضرورى للفن وجوهر التعريف الصحيح لكلمة فن أن هذه المادة الاتصالية تهدف بالأساس وبالكامل تقريبا لتحريك انفعالات المتفرج ( وليس عقله بالمرة ، إلا إذا عاد فيما بعد التأمل فى الأفكار التى ربما انطوى عليها ما شاهده ) . وليس من الضرورى أن ينطوى الفن على أى فكر ، لكنه لا بد بالضرورة أن ينجح فى إثارة انفعالات ووجدان المستهلك .

الحقيقة ببساطة أن الشعر القديم ‑حتى وإن كان يعبر عن تجربة شعورية ذاتية‑ لا يعد فنا إلا لقدرته على تحريك المتلقى بكاء أو ثورة أو خوفا أو ضحكا أو حماسة …إلخ .

باختصار : الانفعالات emotions ثم الانفعالات emotions ثم الانفعالات emotions هى ما يدور حوله الفن !

فى الواقع مفهوم الانفعالات كمادة للفن قدمت له وأتبناه من خلال اقتباس عن چون كارپنتر فى كتاب سنوى للأفلام من أواخر التسعينيات أو أوائل التسعينيات لعل أشهر عبارة تقتبس عن ناقد فى حقل الفن التشكيلى هى كلمة المعروف جدا الأميركى من أصل يهودى ليتوانى برنارد بيرينسون حين قال فى سنة 1897 ’ ليس ما يعرفه الإنسان ، إنما ما يشعر به ، هو ما يخص الفن . ما عدا ذلك هو علم ‘ . قد يغضب الشق الثانى من العبارة قليلا من يرون أن الفنون يمكن أن تعامل كعلم ، تنقد وتدرس وتحلل وتخضع لقواعد وآليات . لكن المؤكد أنها برمتها تشيط غيظا حتى نخاع العظام نقاد وفنانى اليسار ممن ينظرون للفنون ‑وللسينما من بينها‑ كوسائط لتوصيل الأفكار والذهنيات والنظريات .

لدى مقارنة السينما بالفنون التقليدية فيما يخص قدراتها على تملك المتلقى ورج طاقاته الانفعالية التى هى أبرز خصائصه كإنسان ، والتى تميزه عن أى كائنات واقعية أو افتراضية عقلانية خالصة ، نكتشف أن قدرة السينما أكبر كثيرا ، ونحن لم نسمع قط عن كتاب أو مسرحية دفع فيه الناس بليونا أو حتى مائة مليون من الدولارات ، لكن هذا يتكرر سنويا لأكثر من فيلم . أو بصياغة أخرى فلسفية : السينما هى أحد أقوى الأشكال المعروفة لممارسة إنسانيتنا . البعض يمارس إنسانيته بالدين أو اليوجا والبعض بالغرائز الحسية والبعض بالعقاقير والبعض بالرقص والبعض بتشجيع فريقه المفضل وهلم جرا ، لتظل السينما أقوى وأرقى أداة معروفة لممارسة انفعالاتنا ، وذلك لأقصى حدود الاختبار والاستدعاء والإخراج التى أمكن التوصل إليها للإنفعالات وفى نفس الزمن المحدد . وعادة ما ترتبط الحدود القصوى لطاقاتنا الانفعالية فى أى وقت ، بقدرات ذلك الوسيط المحدد المسمى السينما ، الذى أمكن له أن يرسخ كالجبهة الطليعية فى حقل كهذا ( مثلا فى ربع القرن الأخير لم يكن ثمة شىء واقعى أو تخيلى ، قصة فى صفحة الحوادث أو رواية أو مسرحية أو لوحة أو مقطوعة من أى وسيط آخر ، لم يكن ثم على وجه الأرض ما يرعبك أكثر من فيلم ” الفك المفترس “ أو يضحكك أكثر من فيلم ’ الطائرة ‘ أو يبكيك أكثر من فيلم ” تيتانيك “ …وهكذا ) . أو بكلمة : لا وسيط يمكنه أن يستحوذ overwhelm على الإنسان كما السينما .

A Neiman Marcus Ad (2004)

A Neiman Marcus Ad (2004)

Victoria's Secret ad of Gift Cards for Valentine Day (2005)

Beauty as a Law!

المكانة المميزة التى تتمتع بها السينما فى هذا المجال ، لا تنبع فى واقع الأمر من تفرد فى النوعية ، فهى تعتمد ذات القوالب الدرامية وتلجأ لنفس الإستراتيچيات القاعدية وتمارس نفس المحاولات فى صنع التأثير . الفارق إذن لا يرجع إلى اختلاف النوعية بين السينما والفنون القديمة ، بقدر ما يرجع لاختلاف الدرجة ، وإن كان فى الحقيقة اختلافا كبيرا . كل ذلك يرجع إلى الوضع الخاص جدا الذى يتمتع به هذا الوسيط فى حد ذاته ، ولأسباب مادية محددة وملموسة داخله ، حققت له هذه القدرة المتفردة فى التلاعب ورج انفعالات المستهلك . إنها ببساطة إمكاناته غير المسبوقة فى تضخيم وتغزير حفز هذا التحرك وبقوة لم يسبق أن اعتادها البشر . فالسينما تستطيع جعل العين ترى كائنات عملاقة ومسوخا جبارة لا يقدر أى فن آخر على تجسيدها لتصبح فى متناول إبصار الإنسان ، بعد أن كان أقصى المتاح للفنون هو وصف تلك الأشياء بالكلمات .

السينما تستطيع بالمثل صنع أجمل الفتيات ، وتصورهن من أفضل الزوايا وحدها ، بنفس القدر الذى تستطيع فيه تصوير الأشلاء وقطع اللحم المتطايرة من جسم الإنسان لدى تفجير قنبلة فيه ، وهلم جرا من العوالم البعيدة والخيالات التى لا حدود لها . السينما تستطيع كسر حواجز الزمان والمكان فى غمضة عين وعلى نحو بالغ الإثارة وغير محدود ، بل إنها تستطيع كسر كل ما عدا هذا من قوانين الطبيعة جميعا إذا ما أرادت . تستطيع خلق سرعات عالية للحركة ، وتوافق مذهل للراقصين يستبعد الأخطاء المحتملة لهم على المسرح ، وتستطيع جعل راعى البقر يقتل ستة أشرار فى أقل من ثانيتين …وهكذا .

والواقع أن تقنيات السينما لا حدود نهائية لآفاقها . وكأى تقنية يتيحها العلم ، تفرض على الفور ما يمكن تسميته حتمية تقنية . ونكتفى بذكر مثال كلاسى واحد يثبت هذا ، هو زاوية التصوير المسماة عين الطائر . لا يوجد وسيط آخر يستطيع النظر للأشياء من عل من زاوية عمودية تماما ، وفى الثلاثينيات تخصص موجه الاستعراضات باسبى بيركلى فى خلق آلاف اللقطات المبهرة لتشكيلات بالغة فى التعقيد والدقة لأجساد عشرات الراقصات اللاتى يتحركن فى حركات دائرية متطابقة وهن راقدات على الأرض . لقد كانت عين الطائر ببساطة حتمية تقنية خالصة فى حينها . وليس إلا . والسؤال المذهل حتى اليوم هو لماذا حققت أفلام بيركلى كل ذلك النجاح رغم أنه لم يكن بها أى مقومات أخرى تؤهلها حتى للتسمية كأفلام ، بما فيها المقوم القاعدى جدا الذى هو الدراما كما سبق وأشرنا .

إجمالا ، إن السينما لن تكف أبدا عن تقديم كل ما تفوقت فيه دون غيرها من الوسائط ‑وبالذات تجسيد العنف والأشلاء‑ إذ لم توجد على الأرض قط حتى اليوم قوة استطاعت إيقاف اندفاع العلم والتقنية ، بما فيها الإنسان . خلاصة ما سبق أن السينما وسيط تمكن لأول مرة من تحقيق أول استحواذ كامل حقيقى ومطلق على أهم حاسة فى الكائن البشرى ، ألا وهى الإبصار .

الحاسة التالية فى الأهمية هى السمع ، فيها حققت أيضا السينما فتوحات غير مسبوقة ، فبفضل التطور الحديث للتقنية ، بات الاستحواذ على هذه الحاسة كاملا ومطلقا أيضا . وأصبحت الأذن تتلقى كما كثيفا من المعلومات فى ذات اللحظة لا يتاح فى الحياة الواقعية أو الوسائط الفنية الأخرى . لم يعد يقتصر هذا على الحوار المتدفق وخلفيات الغناء والموسيقى والمؤثرات الحية الصوتية الواقعية ، بل تجاوزها جميعا لخلق ما هو غير واقعى فيها جميعا . فمنذ تطور تقنيات الصوت فى السبعينيات وحتى الصوت الرقمى للتسعينيات ولم يعد كلام ممثلى السينما ولا غناؤهم ولا عزف آلاتهم أو حتى صوت حفيف ملابسهم أو لكماتهم المتبادلة هو بالأصوات التى يمكن سماعها فى الحياة الواقعية أو فى المسارح ، بل هى أصوات بالغة الدوى مخلقة ومحسنة جذريا لمدى يتجاوز كل واقعية ممكنة ، وفى العقود الأخيرة أصبح الرهان الأكبر للسينما لجذب الجمهور من أمام أشرطة الڤيديو ، هو بيع تلك الأصوات ذات القدرة الاستحواذية الفريدة إليهم . إنها حتمية تقنية أخرى أن كثر لدرجة مثيرة للاستغراب تكسير الزجاج فى أفلام النصف الثانى للتسعينيات . والتفسير ببساطة أنه يصدر صريرا رائعا يصم الآذان فى دور العرض الرقمية !

لا يكتفى صناع السينما الهولليوودية بهذا الاستحواذ المباشر على الحواس ، بل راحوا يركزون على الجو غير المباشر للمشاهدة ، الأمر الذى جعلها أكثر إمتاعا . وقد اكتشفوا طرقا متعددة لخلق مثل هذا الجو الخلفى ، هم مثلا يفضلون الجمال على القبح . ودون أن يكون الهدف زغللة الأبصار فإنك ترى دائما أحدث تصميمات الأزياء والملابس وتسريحات الشعر حتى مع الأشخاص والأماكن العادية ، هذا يؤدى لنوع من التلذذ العام أثناء المشاهدة . والألوان الزاهية البراقة وغير الواقعية بالضرورة لعبت هذا الدور منذ ظهور تقنية الفيلم الملون ومرشحات التصوير الرافعة لجماليات الصورة ، وذلك فى جميع الأفلام واللقطات ، ودون أن تكون مكونا جوهريا يستلزمه الصراع الدرامى . هذا يفسر بالمثل لماذا يكون أبطال السينما فائقى الوسامة فى العادة ، ونجماتها باهرات الجمال دائما ، حتى لو كن يؤدين أدوار تمثل البؤس وعدم الحيلة ، ولا تهدف مطلقا لتحريك أى نوع من الإثارة الجنسية لدى المشاهد .

من ناحية أخرى نحن فى احتياج دائم لأن نرى دوما أمام أعيينا النموذج باهر الجمال والثراء ، والذى يتمتع بكل أشياء الحياة ، ذلك رغم أنه الأبعد ما يكون عن واقع حيواتنا نحن أنفسنا . السبب ببساطة أنهم يشحذون خيالنا وكفاحنا من أجل حياة أفضل لنا نحن أنفسنا . هذا يفسر مثلا سر النهم الهائل فى الجرى وراء أخبار ما يجرى فى كواليس بيڤرلى هيللز من مغامرات وحواديت وفضائح وأى شىء ، وكلنا يتمنى فى داخله لو كان هو بطل هذه الحدوتة أو تلك الفضيحة . بالمثل كل منا فى حاجة لمعرفة ما هى أروع طريقة ممكنة لممارسة الجنس . كل فتاة تحلم بأن تمارس الجنس مع أولئك الناس الرائعون على الشاشة ، من كلارك جيبول حتى ميل جيبسون . نفس الشىء ينطبق على الرجال وفاتنات السينما . ربما يكونون لا شىء فى الفراش ، لكنك لن تعرف أبدا دون أن تجرب . وبما أنك لن تجرب أبدا ، فالأفضل أن تظل تعيش للأبد فى الحلم الجميل . باختصار : إن هؤلاء النجوم يقومون تقريبا بذات الدور القديم للملوك ، أبناء الآلهة على الأرض : الإلهام وإشاعة الحياة .

قيل دوما نتيجة لهذا أن هولليوود هى مصنع الأحلام من حيث وسيميها وحسناواتها وإبهار خلفياتها ، لكننا عند هذه النقطة من البحث نقول أن ما ذكرناه عن الجمال ليس سوى جوا عاما لتعزيز الاستحواذ علينا بكوابيس الرعب المخيفة أو بقبح وبؤس الحيوات الاجتماعية المتدنية المقبضة ، أو بوحشة ومخاطر حياة الويسترن ، وكلها منتجات هولليوودية مائة بالمائة ، دون أن يمكن وصفها بالأحلام .

الجو العام الثانى الذى تعمد إليه هولليوود لتعزيز الاندماج مع الأفلام هو الكوميديا أو خفة الظل العامة . بناء على اكتشافات هيتشكوك فإن خفة الظل واردة حتى فى أشد أفلام الرعب رهبة . ويبدو أن هذه الفكرة امتدت خارجا لتشمل كل صناعات الاتصال ، فنجد أن مذيعى الإذاعة والتليڤزيون وكتاب الصحافة وحتى مؤلفى الكتب العلمية يستخدمون دوما التعبيرات الخفيفة والطريفة لتحسين جو التلقى أو القراءة . لقد أضفت هولليوود جو المرح على كافة مناحى حياتنا الواقعية ، بحيث أنك تتوقع أن يسخر المدير فى العمل من أخطاء مرءوسيه ، بدلا من أسلوب التأنيب المباشر القديم والعنيف ، وهلم جرا .

الفن حرب منهجية منظمة يشنها صانع الفن على أعصاب المتلقى بهدف تفجيرها ، وتحطيم دفاعاتها . هذا هو المنطلق الثابت لهولليوود فى خلق الاستحواذ ، والفنان العظيم ( وفى ذهننا فيما يخص السينما هيتشكوك بالدرجة الأولى كأعظم من صنع الأفلام ) ، هو من يشن هذه الحرب بدم بارد ودون مبالاة أو رحمة بالضحية . إن الفن بهذا المعنى هو تخليق المشاعر والانفعالات الخالصة ، بطريقة عقلانية خالصة ‌ـ‌أو قل باردة الدم . والفنان الذى ’ يحس ‘ أو ’ ينفعل ‘ أو ’ يندمج ‘ ، مع مادته ، ليس فنانا كاملا ، ويصبح كمن يتذوق السم قبل توصيله للضحية ، والنتيجة إما أن يموت فلا يقدم للضحية شيئا ، أو أن يتضح أن ما صنعه لا يصلح لوظيفة السم .

Disney's Celebration Town Center, Celebration, Florida.

The Dream Factory:

200401/16TOWN.html ‘A Place That Takes You Back to That Time of Innocence.’

الأبعد من هذا وذاك ، ذلك التعاقد الضمنى لتذكرة السينما هو إنك تبيع نفسك لصانع الفيلم كفأر تجارب طيع عليه أن يتحكم فى انفعالاتك فى كل لحظة وبأقصى قوة ممكنة ، والويل له لو تقاعس عن ذلك لحظة واحدة ، أو حتى وهن قليلا فيه ، ساعتها ستعاقبه بأن تخبر أصدقاءك أن لا يذهبوا لمشاهدة هذا الفيلم أبدا . هذا هو الاستحواذ وهذه هى لمحة أولية عن قوانينه وأسراره . والبديهى أنه بناء سينمائى شاهق ، وأنه يتهاوى تأكيدا لم يكن قد بنى على أرضية صلبة هى تلك الضروب صخرية الرسوخ منذ أيام أرسطو وهومر والتى تحدثنا عنها فى القسم السابق .

من منظور ما نتوقع أن يتخيل القارئ أننا نتحدث عن هزيمة طوعية ، يذهب المتفرج إليها برجليه ، ويدفع ثمنا للكتاب أو للتذكرة كى يهزم فيها طوعا ، وأن سعادته تأتى من الهزيمة فى هذه الحرب ، وأن درجة الانهزام فى هذه الحرب يعطيها مؤشر صريح هو الإيرادات الكبيرة التى تحققها الروايات والأفلام الأكثر استحواذا على المشاعر أو ضغطا على الأعصاب ، والعكس بالعكس . لكن إذا ما وضعنا بالذات فيما يتعلق بالسينما الحملات الإعلانية السابقة لعرض الأفلام والتى تصل تكلفتها أحيانا لما وراء المائة مليون دولار ، لأدركنا أن لا مكان فى هذه الحرب الشعواء للصدفة أو للطوع .

على أن أسلحة الحروب متنوعة ، وليس غاز الأعصاب بالضرورة هو الوسيلة الوحيدة لإرضاخ العدو ، فهناك الغازات المسيلة للدموع وغازات الضحك . إن الفن فى أدق تعريف له فى تقديرنا هو حرب دمار شامل كيماوية‌ـ‌بيولوچية ، ذات أغراض محددة تصوب إليها ، هى رفع نسبة الأدرينالين فى دم الضحية ، أو مهاجمة غدده الدمعية ، أو مراكز الضحك فى المخ عنده . وكلما كانت تقنيات هذه الحرب أشد فتكا وتدميرا ، كلما كانت نتائجها مضمونة وفعالة وناجعة ، وتحقق السعادة لجميع الأطراف . جميع هذه الغارات ‑أو التقنيات الحربية‑ نمتها وخبرتها السينما على نحو متبلور وشبه يقينى ، فيما يسمى الضروب السينمائية ، التى كما رأينا ركز كل واحد منها على طريقة محددة للفتك بالمشاعر والأعصاب .

النتائج الأولية المترتبة على هذا النوع من الدراما فائقة الاستحواذ نتائج مثيرة حقا . فى كل ما سبق قلنا الدراما هى الصراع ، والاستراتيچية الرئيسة فيها هى التوحد أساسا من خلال التعاطف مع بطل تحول بينه وبين هدفه النبيل تحديات عظيمة . هذا هو الأساس الذى تنبنى عليه معظم القصص والروايات والمسرحيات ، وكلها يعتمد إن أراد التأثير فى مشاهديه على قوالب الحكى الإغريقية المختبرة مرارا والتى ثبت بالتجربة أنها الأكثر فعالية لدى بنى الإنسان . قبل قليل قلنا أيضا أن أبطال الشاشة هم النبلاء الذين يضفون على حياتنا معنى وبدونهم لن تسير حياتنا كما نريد لها أن تكون . ما لم نقله حينئذ هو لماذا أبطال السينما نبلاء بالضرورة ، والحقيقة أن السبب بالغ البساطة وهو أن النبلاء غير موجودين فى الحياة الواقعية .

ذلك النوع من الدراما الأسطورية يستتبعه بالضرورة أن تكون الأفلام عالما قائما بذاته بالكامل ، وأن تكون علاقتها المباشرة بالواقع ، علاقة شبه معدومة . إن دور الواقعية هنا ليس تقديم محتوى سياسى أو اجتماعى كما ينظر معظم العالم للسينما ، إنما هو دور محدد جدا ، بل وينحصر فى المعنى السلبى لكلمة واقعية ، أى بمعنى أنها مطلوبة فقط بالقدر الذى لا تيقظك فيه من الاندماج واستحواذ القصة عليك ، صحيح أن قوة القصة لا ينتقصها إن لم يكن الشارع الفقير موحلا ، أو لو كانت النساعة المعلقة خلف البطل متوقفة ، لكن الخطورة هنا إنها قد تيقظك من الاستغراق فى القصة .

The teaser poster for 'The World Is Not Enough' (1999)

The Villain Question!

نضرب مثالا للأهمية الواقعية فى الاندماج ، بشخصية الشرير فى السينما الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن ( يمكنك أخذ أفلام چيمس بوند كنموذج متصل وكلاسى لهذا المثال ) ، بعد الحرب كان الناس مؤهلين لتصور الألمان كقوة الشر الأولى ، فعمدت معظم الأفلام لاستقدامهم لملء هذه الوظيفة الشاغرة فى مخطوطات الأفلام ، هذا لم يعيق اندماج الناس مع القصة ، مثلما لو أن جئ مثلا باليهود أو إسرائيل لجعلهم قوة الشر ، بينما الناس يقولبونهم تلقائيا كالضحايا والأبرياء .

The Sophie Marceau poster for 'The World Is Not Enough' (1999)

Arabs Are too Dull to Be Villains!

فى الستينيات بدأ ظهور الياپانيين كقوة الشر ، إذ أن عدوانيتهم العسكرية عادت فى صورة أخرى هى عدوانية صناعية تغلق مصانع الصلب والسيارات والكاميرات وتشرد الشغيلة فى كل مكان . ومع استعار أوار الحرب الباردة بعد إزاحة خروتشوف ، أصبح الأشرار روسا وصينيين وكوبيين وألمان شرقيين . وفى الثمانينيات ومع بروز حروب العقاقير أصبح بارونات أميركا اللاتينية والمجاهدين الأفغان هم النموذج المثالى للشر ، ثم جاءت التسعينيات وأفلح العرب فى إجبار هولليوود على الاعتراف بهم كقوة الشر الرئيسة فى العالم ، فوضعتهم بالفعل فى كل مواقع الشر الممكنة فى الأفلام ، لكن هذا الاعتراف لم يدم طويلا ، غالبا لإتضاح أنهم أثقل ظلا من أن يصلحوا أشرارا للسينما . وسرعان ما بدأت الأضواء تنحسر عن العرب ، حتى قبل أن يتمكن فيلم واحد من محاكاة شخصية الشيخ المصرى الضرير عمر عبد الرحمن ، ومما فاقم الوضع سوءا أن چيمس بوند كان فى راحة إجبارية منذ 1989 حتى أواخر عام 1995 مما فوت الفرصة على معمر القذافى وصدام حسين أن يخلدا من خلال أفلامه كأهداف طبيعية لمغامراته . الأضواء تتجه هذه الأيام حسب فيلم العودة لبوند ’ العين الذهبية ‘ ، لتتسلط على مافيا تهريب المواد النووية الروس . وتدور العجلة وستظل تدور ولن تقف عند أحد معين ، فهذا هو دور الواقعية فى السينما : أن تقلل لأبعد مدى من احتمالات تيقظ المتفرج من الاندماج مع خيط الدراما المفتعل الوهمى .

فى فيلم لإيف مونتان بعنوان ’ الوعيد ‘ نرى البطلة تعطى بقشيشا لعامل محطة الوقود التابعة لشركة إسو . هنا تبدأ فى التساؤل هل هذا أمر طبيعى فى محطات البنزين ، وإذا كان كذلك فلا بد أن المقصود به شيئا ما . ويبدأ تفكيرك يذهب قريبا وبعيدا ، ويذكرك بتجاربك السابقة مع عمال تموين السيارات ، وسوف تعتقد فى أبسط الفروض أنه نقد للخدمة فى محطات شركة إسو ، وفى أسوأها أنه جزء من الپارانويا الفرنسية تجاه كل ما هو أنجلى أو ساكسونى . بينما الحقيقة أن المقصود حقا شىء آخر تماما وهو الواقعية ، فلو انصرفت البطلة دون منح بقشيش للعامل لما كان الأمر متمشيا مع الواقع الفعلى . هذه مثال للواقعية عندما تفسد المشاهدة . وحتى لا نتركك نحن أيضا فى ذات دوامة التفكير عن الدوافع الحقيقية لنا وهل أردنا مثلا القول أن الأخطاء سمة لصيقة للأفلام الفرنسية ، نسارع فنقول أن هذا كان امتدادا رفيعا لأفلام الغموض التى تخصصت فيها السينما الفرنسية قبل أن تلحقها الخيبة ، وإن فقط كان من الأفضل أن لا تدفع البطلة بقشيشا حتى تتيح لنا فرصة أفضل للاندماج مع قصته المثيرة .

الأمثلة العكسية لا حصر لها ، فقصور البيئة الواقعية للحكى سوف يفسد بدوره المشاهدة قطعا . فأنت سوف تفكر كثيرا بالقطع لو كان ثم كوب مقلوب فوق مكتب البطل أو أن أحد أزرار قميصه مفقود ( رغم أن من المحتمل جدا أن يكون قد سقط عرضا فى المصعد صباحا ) . هذا يخرجك أيضا عن الاندماج مع الدراما الأصلية للقصة . لهذا السبب لا يجرؤ أى فيلم على تقديم عربى أو مسلم عالما أو مخترعا ، ولا يجرؤ أى فيلم على تقديم شاب أسود بمثل رقة أودرى هيپورن . نعم ربما يكون هناك واحد أو اثنين من العرب أو المسلمين عالما أو مخترعا ، وربما يكون هناك واحد أو اثنين من السود برقة أودرى هيپورن ، لكن السينما لا يمكنها تقديم ذلك إلا إذا جعلته محورا للمناقشة ولمواجهة صريحة للآراء السائدة الثابتة ، أما تقديمه كشىء عرضى مسلم به فهذا ضرب من المستحيل ، بل فى الواقع ضرب من الجنون أو الغباء المهنى . من هنا فإن معيار الواقعية أنها مجرد ’ بيئة ‘ للحكى كما قلنا ، وليست جزءا منه . وأنها يجب أن تستخدم بميزان دقيق بلا إفراط أو تفريط بهدف واحد هو أن لا تخرجك عن الاندماج مع الدراما . فقط الشىء الوحيد المؤكد تماما أنها ليست هدفا فى حد ذاتها .

بالمثل وفى المقابل إذا زادت الواقعية عن الحد المناسب فإنها سوف تصبح آنذاك مصدر ضرر للسينما وانتقاصا من أسطورية القصة ونيران البنية الدرامية لها ، والتى هى شىء مصطنع بالكامل . خذ مثلا لهذا تجسيد العنف ، لقد ظل صناع السينما يلهثون عقودا وراء المحاكاة الواقعية للدم والقتل ، لكن عندما أصبح ممكنا تصوير قطع المخ وهى تتطاير فى الهواء بالتصوير البطىء ، وهو شىء غير واقعى بالمرة ، باتت الواقعية ضررا بالغا للسينما . نعم : إن جبروت السينما وتفوقها يكمن فى قدرتها التى لا تضاهى على التزييف .

إذن النتيجة الكبرى لتلك القوالب الدرامية وخصائصها أن كل شىء فى السينما ، وربما أكثر من أى فن آخر ، هو مصطنع بالكامل ، إن السينما كذبة كبرى تبدأ بمجرد شرائك للتذكرة ، فمنذ هذه اللحظة فأنت تدخل إلى عالم آخر عالم ذى قوانين متفردة ومستقلة فى كل شىء ، إيقاع الزمن علاقات الأمكنة لغة الحوار ، خصائص الأشياء ، علاقات الناس وأعرافهم وقيمهم ومثلهم العليا …إلخ ، لقد دخلت لعالم الأسطورة .

ربما يعرف الكثيرون هذا الكلام ، لكن ما نريد قوله تحديدا هنا هو أن الاصطناع هو الأساس ، بل الاصطناع هو اسم اللعبة ذاته . فأنت مثلا لا تصاحبك موسيقى عنيفة عندما تمر بأزمة فى حياتك الواقعية ، لكنك لا تكاد تلحظ أن هذه الموسيقى تكاد تدمر كل أجهزة جسمك وأنت تمر بأزمة البطل أو البطلة على الشاشة .

من نتائج هذا أيضا أن تفرد القوانين واصطناعيتها التامة ، أمور تكاد تجعل من المستحيل خلق أى قانون عام لطبيعة الأشياء حتى داخل الفيلم الواحد نفسه . إن هذه القوانين نفسها ذات طبيعة أسطورية بل شبه سيريالية ، تطبق القوانين المحددة فى اللحظة المحددة ولا تطبقها فيما عداها ، خذ مثلا على هذا أنك لو اعتمدت على أفلام السينما وحدها ، لما عرفت مطلقا الأثر الذى يحدثه إطلاق رصاصة على جسم الإنسان ، فبالنسبة للأشرار الذين يتقافزون حول البطل ، فإن الرصاصة تحيلهم لجثة هامدة فى أقل من ثانية لا تبدر عنها أى حركة مطلقا ، بعد ذلك وبالنسبة لصديق البطل . فإنها تسبب له أولا آلاما شديدة ، وتعطيه فسحة من الوقت ليقول كل ما عنده من كلمات مؤثرة أو نادمة لصديقه ، ومع الكلمة الأخيرة بالضبط تهوى رأسه فجأة وبعنف على كتف البطل لتجعله يصرخ عازما على الانتقام . أما بالنسبة للبطل نفسه فإن الرصاص لا يقتله على وجه الإطلاق ، حتى لو رأيناه بأم عيننا وهو يخترق صدره ، ذلك أن فى اللقطة التالية سنراه حتما تحت العلاج بالمستشفى أو على يد امرأة حسناء من الهنود الحمر !

تبقى بعد هذا أحد أكبر النتائج المتوقعة فى عالم الأفلام الضروبية شديد الاصطناع ، هذه النتيجة تكاد تكون أحد القوانين السرية الكبرى فى ترسانة هولليوود ، هذا هو قانون الإشباع ، أى ضرورة إشباع التوقعات المتاحة داخل الفيلم ولأبعد مدى ممكن ، فأنت مثلا تستطيع عدم تقديم سيارة ثمينة نادرة الصنع من الثلاثينيات فى فيلم ما يدور فى فترة لاحقة ، لكنك لا تستطيع لو ألمحت إلى أن أسرة البطل المراهق تمتلك إحدى تلك السيارات ، إلا أن تدمرها وتفتتها تماما أمام أعين كل المشاهدين قبل نهاية الفيلم . إنه ذات قانون تشيكوف القديم الذى يقول أنك لا تستطيع وضع بندقية على الحائط فى بداية المسرحية ، وتنهيها دون أن تستخدمها . إن هذا ما يتوقعه المشاهد منك دوما ، وإلا قال أن فيلمك ’ غير مصروف عليه ‘ ، أو على الأقل يخرج ببساطة فى حالة غير شعورية من عدم الرضا ، إنه يتوقع منك أن تقوم عنه بكل المغامرات الصعبة والمكلفة والمستحيلة بالنسبة له ، ويعتبر أن هذا جزء من شروط عقد التذكرة .

بالمثل عندما يقع بصرك فى وسط البطولة الجماعية للفيلم على شاب مغرور أكثر وسامة من غيره ، وامرأة حسناء متغطرسة ، فإنك تدرك فى هذه اللحظة وعلى الفور أن الاثنين لابد وأن يلتقيا فى مرحلة ما من الفيلم ، وأن يدخلا معركة صراع لابد وأن تنتهى بتنازل كل منهما عن كبريائه ويستسلم لنداء الحب .

كل هذه كانت أمثلة فى أفلام محددة لا حصر لها ، لكن خذ فى المقابل نموذجا أوروپيا لنرى كيف يتعاملون هناك باستهتار مع مشكلة خلق التوقعات ، وليكن فيلما مثل ” المترو الأخير “ لفرانسوا تروفو ، وهو صانع أفلام فرنسى مثقف وجاد ، بل ويحترم كثيرا السينما الأميركية ، لكنه لم يستطع أبدا محاكاتها . فى هذا الفيلم يختبئ البطل من مطاردة النازيين فى قبو لدى سيدة جميلة هى كاثرين دينيڤ ، أنت تتوقع أن تنشأ قصة غرام ملتهبة بينهما ، لكن الفيلم لم يفعل أى شىء من هذا . يبدأ الفيلم نفسه كلاما عن جنوب فرنسا غير الخاضع للاحتلال ، وتتأهب لمشاهدة مطاردة ضخمة عبر التلال والوديان والقطارات والطرق ، لكن أيضا شيئا من هذا لم يحدث . ما الذى فعله الفيلم إذن ( مع العلم بأنه أحد أفضل الأفلام الأوروپية ، وسمى لأوسكار أحسن فيلم بلغة أجنبية ) ؟ الإجابة الحرفية هى لا شىء ، مجرد دردشة جادة نوعا حتى النهاية . هذا لا يمكن أن يحدث فى فيلم هولليوودى .

Carroll Baker in The Carpetbaggers (1964)

Escapism!

وبعد… يبرز السؤال التراچيدى الذى يهوى الجميع طرحه دوما وهو : المحتوى . الفكرة المسيطرة أن الأفلام الضروبية الاستحواذية أفلام بلا محتوى . مبدئيا نكرر أن من حق أى فيلم أن يكون بلا محتوى ، أو ’ هروبيا ‘ إن استعرنا واحدة من قاموس السباب النقدى التقليدى ، لكن ليس من حقه أن لا يحرك انفعالات المستهلك الذى دفع ثمن التذكرة . على أن الأفلام الضروبية بالذات تحمل تلقائيا المحتوى الفلسفى الأصلى اللصيق بقالب الحكى الأسطورى الذى اختاره . فكل فيلم يقوم ببطولته مخبر خصوصى هو رحلة أوديسية إلى جحيم دانتى السفلى ، يكتشف فيها البطل ما لم يكن يعلمه عن الحياة ، وكل فيلم حربى هو تمجيد للتضحية ، وكل فيلم نشاط هو دعوة للحياة والقوة وتمجيد للبطولة ، وكل فيلم رعب هو تراچيديا لقهر مسوخ ما وراء الطبيعة …إلخ . هذه كلها مضامين ، ولا نفهم لماذا لا يوليها النقاد الاحترام الكافى . عامة يجب القول أن السينما الأميركية حرصت دائما على تحميل ( نعم تحميل هى الكلمة الصحيحة ونقصد بها حشو بعض قطع الماس الثمين تحت طبقة الكريمة التى يكتفى بها عادة معظم الناس ) تحميل قوالب الحكى التقليدية بمضامين خاصة مثيرة وعميقة أحيانا وذلك لإشباع الجمهور المهتم بالفكر والمعانى الخفية . لكن على السطح يبدو ” صمت الحملان “ و” لن أتسامح “ فيلمى عنف وويسترن بريئين تماما من المحتوى ، ذلك لمن لا تهمه مثل تلك الأمور من جمهور السينما العريض ، والذى لن يستطيع إخبارك أبدا بالأسباب الحقيقية التى جعلتهم يمنحون هذين الفيلمين جائزة أوسكار أحسن فيلم ، وحجبوها عن غيرهم . إن الأفلام العظيمة التى نعرفها كانت جميعا وبالضرورة ذات مضامين عظيمة ، لكن المحتوى لا يجب أبدا أن يتسامى فوق قواعد السينما . ولو وضعت محتويا عظيما يخل بالتعريف القاعدى للسينما كفن الانفعالات الأعظم ، فأنت لم تصنع فيلما عظيما ، إنما ببساطة لم تصنع فيلما أصلا .

أخيرا نتساءل متى يفهم السينمائيون عندنا أن الوسيط هو الرسالة ، وليس تلك المضامين الاجتماعية التى تؤرقهم أحيانا ، ويتباهون بها دائما . ببساطة إذا أردت أن تقول أفكارا ، اذهب لصفحة الرأى فى صحيفتك اليومية . إن أردت أن تخلق معايشة بدون دفع درامى قوى ومؤثرات مبالغ فيها ، اذهب لوسيط آخر . السينما تصلح فقط للدراميات الساخنة جدا المبهرة جدا ، أو بصياغة أدق كل ما يستحوذ على كل المشاعر . هذه هى إمكاناتها التى عرفها الجمهور ، أو عرفته هولليوود إياها ، ولن يمكنك خداعه ثانية باسم الفن أو الإبداع أو الذاتية أو الواقعية أو سينما المؤلف أو… أو… .

وبعد ، ورغم كل هذا نقول أخيرا أننا نحن نعرف جيدا كيف نفرق بين فيلم جيد كالتى تحدثنا عن شروطها هنا وبين فيلم عظيم بمعنى الكلمة وأعمق خلودا وأثرا . إن هذا الأخير يجب أن يحتوى بالضرورة بجانب كل ما ذكرنا على محتوى عظيم ، لكننا لسوء حظنا مع هؤلاء نعرف جيدا أيضا كيف نفك الخلط المتعمد بين فيلم عظيم حقا وبين فيلم حافل بالأخطاء الفنية رغم تشابههما ربما فى ذات المحتوى ، وطبعا رغم تسميتهم لهذا الأخير بفيلم فنى بينما لا يعدو فى الواقع سوى مجرد فيلم معلبات صنع خصيصا لخيمات الأوكسچين المسماة بالمهرجانات ولا يكتب عنه سوى نقاد المعلبات وغرف الإنعاش المتخصصين ولا علاقة له بالسينما الحقيقية التى تباع فى الأسواق .

 

3- الهاى-تك High-Tech

This Is Cinerama (1952)

This Is Technology!

’ هاى-تك ‘ مصطلح اقتصادى وعلمى معاصر ، ربما يختزل معناه الحقيقى المتفرد لو ترجمناه إلى ’ تقنية عالية ‘ . لا يقصد بالهاى-تك الصناعات التى تستخدم تقنيات حديثة أو مستعقدة أو لم تظهر إلا مؤخرا ، أو تقنيات مكلفة أو ما إلى ذلك . المقصود به تحديدا الصناعات ’ سريعة التغير ‘ تقنيا . وهذه أطلقت تحديدا على خمس صناعات دون عداها : الطاقة النووية ، وصناعات الفضاء ، والحاسوب ، والكيماويات ، والهندسة البيولوچية . فى اعتقادنا أن هولليوود تستطيع أن تزعم انتماءها لتقنيات الهاى-تك .

تحديث : ديسيمبر 1999 : فعلا تم هذا وأضيفت صفحة جديدة بعنوان التقنية ] .

ظاهريا سوف نرصد على الأقل أن تقنيات التنميق والمؤثرات البصرية والصوتية ، كانت تتطور سريعا منذ الثلاثينيات ، بحيث كان يعد معظمها من أسرار الستوديو ، ولا يسمح للستوديوهات الأخرى بالإطلاع عليها ظاهريا أيضا سوف نجد اليوم أن حقل الحاسوب الذى هو حقل مؤكد للتقنية العالية ، يلعب دورا جسيما فى السينما الهولليوودية المعاصرة سواء بالاستحراك أو مؤثرات الصورة المولدة حاسوبيا أو الصوت الرقمى …إلخ ، وأن عملاقة البرمجيات ’ مايكروسوفت ‘ أصبحت جزءا من شبكة تحالفات واسعة من عدد من أكبر ستوديوهات هولليوود ، وقد وصل الأمر لأن اعترفت الحكومة بضرورة هذا التكامل ، بحيث لم تعد تحارب تواثق الشركات ، أو عمل الشركة الواحدة فى حقول السينما والاتصال والتليڤزيون والحاسوب والنشر مجتمعة ، بحيث وصل الحجم النمطى لمؤسسة الترفيه الأميركية إلى 50 بليون دولار مثل ديزنى ، وتايم‌ـ‌وارنر ، وڤياكوم‑پاراماونت ( لا ندرى فيم يتحدث بالضبط أولئك الذين يدرسون إحياء السينما المصرية ، ويثورون على شركات لا يزيد رأسمالها مجتمعة على ما تنفقه وارنر فى 72 ساعة للدعاية لأحد أفلام باتمان ؟ ! ) .

الحقيقة أنه لو استعرضنا التقنيات الحديثة التى جلبت للسينما فى السنوات الأخيرة لطالت الصفحات ، ( سبق لنا متابعة هذا على فترات متصلة فى جريدة العالم اليوم ، ومجلات كالفنون والعربى ، وقد كان آخرها فى كتاب مهرجان الإسماعيلية الأخير [ وربما يجمعها محدثة ومنقحة مثل هذا المكان فى وقت قريب ] ) .

 

لو اكتفينا فقط بهذه الملامح الظاهرة للجميع والتقنية المحضة ، لكانت وحدها دليلا كافيا على أن صناعة الترفيه السينمائى هى صناعة عالية التقنية ، لكننا نود أن نزعم أيضا أن السينما عالية التقنية فى مجال كتابة المخطوطات نفسه ، خاصة وأنه سيكون التفسير الحاسم لتخلف صناعات السينما القومية جميعا عنها ، ذلك إنها قد تفلح فى محاكاة كل شىء ، إلا كتابة المخطوطات الفيلمية .

صحيح أننا ذكرنا قوالب عشرة محددة للحكى ، قلنا أنه ثبت تاريخيا أنه الأنجح والأضمن دوما ، والتى وجد فيها وسيط السينما نفسه ووجد تفرده ، لكن ما حدث أن كتاب هولليوود لم يكفوا أبدا عن البحث عن الحدود القصوى لهذه القوالب . نضرب مثلا بطابور أفلام الرعب شديدة التأثير والقوة ، الذى فتح له الطريق اختراع چون كارپنتر فى عام 1978 لشخصية القاتل الذى لا يقتل فى فيلم ” هاللوويين “ .

$2 billion Steven Spielberg sits among fellow graduates during commencement ceremonies, California State University, Long Beach, May 31, 2002.

Later Better Than Never:

Legend Says It Wasn’t Easy for Them to Join Film Schools in Their Youth!

أيضا فإن العلاقة بين تقنيات السينما وبين الكتابة علاقة تبادلية قوية ، بل الأرجح أن هذه التقنيات تولد أصلا فى ذهن الكتاب ، ثم تستحيل بعد ذلك واقعا ملموسا ، هذا أكثر احتمالية من أن تولد فى عقل العلماء ثم يعرضونها جاهزة على صناعة السينما ، أمثلة هذا لا تنتهى ، لكن نكتفى منها بمثال ” حديقة الرعب —الديناصورات “ ، فلولا علم مايكل كرايتون وستيڤين سپييلبيرج بأنه بات فى إمكان الحاسوب تنفيذ تلك المؤثرات المذهلة ، لما طلبا من شركة سوفتيماچ أن تنمى لهما البرنامج الحاسوبى المناسب لغرضهما ، بل ربما لما كتب كرايتون وثيق العلاقة بالسينما ، الرواية أصلا .

إن أى مراجعة لتاريخ المؤثرات الحديثة بدءا من ” 2001 —أوديسا الفضاء “ يثبت هذه الحقيقة التى ترد على مقولة ساذجة تقول أن هولليوود ناجحة لأن لديها الإمكانات ، بينما الحقيقة أنها ناجحة لأنها تختلق مثل تلك الإمكانات اختلاقا بعقولها وأيديها . لقد وصل مستوى التعقيد فى كتابة الأفلام فى هولليوود لدرجات مرعبة ، وبات الحاسوب نفسه لاعبا أساسيا فى تأليف الأفلام من خلال برامج خاصة ، وقد باتت الصنعة وكثافتها فيه ، شيئا يلهث وراءه أى مشاهد متمرس . وهناك آلاف الأمثلة المتاحة بدءا بتعدد المستويات التى تعمل فيها الأفلام . بعض هذه الأمثلة كلاسى كأفلام هيتشكوك ’ المسلية ‘ ’ البريئة ‘ ( ” النافذة الخلفية “ فيلم تشويق درامى وفى ذات الوقت تأمل فلسفى ، وأيضا نقد اجتماعى لأحد القوانين المعمول بها فى ولاية نيو يورك . ’ شمال الشمال الغربى ‘ فيلم نشاط فائق ، لكنه أحد أعمق وأعنف التأملات فى الطبقة الوسطى الأميركية ، ’ سايكو ‘ ، ” الطيور “ ، وهلم جرا ) . وبعض تلك الأمثلة حديث ، وخذ نموذجا لها فيلمى ” صمت الحملان “ و” لن أتسامح “ سالفى الذكر ، أو أفلام الكاتب چو إيستراس ( ” غريزة قاعدية “ فيلم تشويق درامى ، وكذا إثارة جنسية تغتصب عقل أى رجل يشاهده ، لكنه فلسفيا مراجعة لنظرية الغريزتين القاعديتين الأساسية لدى فرويد ، ليجمعهما فى غريزة واحدة دون أن يشير مطلقا لأن هذا هو ما يناقشه ، لولا العنوان قد يلفت نظرك ذات مرة للتأمل فيه عرضا ) .

الأبعد من كل هذا أن الأفلام الهولليوودية لم تعد تقنع بمهمتها الأساسية فى مخاطبة الصعيد الانفعالى الوجدانى بإبكائه أو إضحاكه أو إرعابه أو تهليله ، ولم تعد تكتفى بمخاطبة العقل بالمضامين الفلسفية القاعدية لقوالبها الأسطورية ، أو بما تحمله تحتها من مضامين خاصة أخرى ، إنما راحت تخاطب صعيدا ثالثا فى الإنسان نادرا ما تخيلت إمكان مخاطبته إلا وهو كما ألمحنا آنفا العقل الباطن أو اللا شعور .

نقصد بهذا الكتابة المدروسة لخلق تفاصيل محددة تثير حفزا محددا لا شعوريا لدى المتلقى ، وهى شىء مختلف عن خلو ذلك الجو العام البهيج أو الجميل الذى قلنا أن هولليوود اهتمت به دائما أبدا ، هذه الإشارات تمر عبر تخريمة مباشرة للعقل الباطن دون أن تمر على الصعيدين الوجدانى أو العقلى .

إن جزءا أساسيا من المتعة الخفية لفيلم ” إى . تى . “ ، هو إحساسك الباطنى بأنك سمعت هذه القصة من قبل ، فالفيلم إعادة بالغة الدقة لقصة المسيح بالكثير من تفصيلاتها ومواقفها ، إنه هكذا يخاطب منطقة محببة من اللا شعور تزيد من نشوة مشاهدة الفيلم . ذات قصة المسيح لكن الجوانب التى أثارت هلع كل منا فى طفولته هى ما وظفه على نحو خفى فيلم ” صمت الحملان “ كعمق داخلى بعيد غامض لقصته .

لا شك أن الأستاذ الذى بدأ بالتلاعب بالعقل الباطن للمشاهد بوعى تام ودم بارد منه هو ستانلى كيوبريك . وكان السياق الهلوسى المبهم لفيلم ” 2001 —أوديسا الفضاء “ هو تحديدا الذى جذب ملايين الهيپيين ليشاهدونه تحت تأثير المخدر ، وينقذون بالتالى شركة مترو من إفلاس محدق كادت تصل إليه آنذاك .

إن هذه التقنية الغامضة التى بدأت بها السينما توظفها بشىء من التوسع فى أفلام شديدة التباين ، لابد وأنها تعلمتها من المبادئ السيريالية ، والأفلام السيريالية الخالصة ، التى تخصصت فى مخاطبة اللا وعى عن طريق السير على الخيط الرفيع بين الواقع والحلم . توظيف هذا فى كتابة مخطوطات أفلام لا تبدو سيريالية بالمرة ، إنما تنتمى لأحد القوالب التقليدية ، لا شك أنه تقنية عالية تتطور بسرعة فائقة هذه الأيام .

 

4- الليبرالية Liberalism

Modern Times (1936)

Liberalism Means Left Wing, Especially in Hollywood!

إن هولليوود تشبع رغبات الجمهور العريض ، وتضع دوما فى حسابها أن هذا الجمهور هو الصديق الدائم والحميم لكل صانع أفلام هولليوودى . وبالطبع ليس فى الميل الجماهيرى لهولليوود أى تعارض مع نظرية فأر التجارب التى تمارسها على الجمهور ، بل هى تأكيد لها ، وأحد أسرار عدد أصدقائها اللا نهائى .

من هنا نسوق هنا هذه الملحوظة الأولية التى تخص ما يقوله عامة الناس عادة أن هولليوود تقدم فقط ما يريده الجمهور . نحن لا نتفق بالمرة مع هذا الرأى الذى يتبناه بعض النقاد هنا أو هناك . فى المقابل نميل مطلقا لرأى يتبناه بعض المؤرخين الأكثر عمقا إذ قالوا أن هولليوود تقدم ما تريد أن يريده الجمهور . هذا هو الرأى الذى نشاركه تماما بل ونرى فيه محور الإبداع الحقيقى فى العملية السينمائية كلها أو ما تدور حوله السينما أصلا . أن هولليوود كيان فوقى واعى يخاطب مجموعة من فئران التجارب وليس إلا ، ولا يقدم ما يقال عادة عن صناع السينما التقليديين فى البلاد الأخرى مما يسمى ’ الجمهور عاوز كده ‘ . إن السينما الأميركية هى النقيض ليس فقط للأفلام المسماة بالفنية بل أيضا للأفلام المسماة بالتجارية فى تلك البلدان . ونرجو أن لا يغيب هذا للحظة عن ذهن القارئ لدى أى حديث سابق أو تال فى هذه الدراسة عن جماهيرية أو جمهورية أو ’ ليبرالية ‘ السينما الأميركية .

Cinderella Castle, Magic Kingdom Theme Park, Walt Disney World, Florida, 1971.

The Audience Want What Hollywood Wants Them to Want!

ولاء السينما الأميركية للناس وللثقافة الجماهيرية ( وهى النقيض من ثقافة المثقفين ! ) بدأ مبكرا جدا ، حتى قبل اختراع آلات العرض على الشاشة نفسها . فقد منع عرض فيلم ’ كارمنشيتا فى رقصتها الشهيرة الفراشة ‘ من العرض على آلات الكينيتوسكوب يوم 17 يوليو 1894 ، لأن نائب نيو چيرسى رأى فيه خلاعة زائدة .

مع القرن الجديد وفى ظلت نجاح وتبلور النمط الأنجلو‑يهودى فى الحياة ، كانت تسود أميركا روح تسمى ’ الأخلاقيات الجديدة ‘ تحض كلها على العقلانية التامة وصراحة الرأى والبعد عن التزمت الأخلاقى والجنسى وإعلاء شان تفتح الفكر والاستخفاف بالجوامد والأفكار القديمة ، هذه كلها صفات تجسدت فى النجوم الأوائل للسينما الهولليوودية رجالا ونساء . [ مصطلح أنجلو‑يهودى يستحق دراسات مفصلة باعتباره سمة مؤسسة فى رأينا لكلا الحضارتين الصناعية وبعد الصناعية ، وقد مثل جانبا من دراسة ضيقة النشر لنا بعنوان ” حضارة ما بعد الإنسان “ عام 1989 ، وغيرها ] .

الرائد الكبير الأول لهذا ، وبالتحديد التركيز على شق الليبرالية الجنسية ، هو بلا منازع سيسيل بى . دو ميل . كان دى ميل منتجا مستقلا ومغامرا ، اشترت شركته التى أسسها مع ساميول جولدوين ، فى عام 1913 إحدى روايات الويسترن وركب دى ميل القطار مع موجهه أوسكار أپفيل لتصويرها فى أريزونا ، لكنهما فوجئا بقمم الثلج تغطى جبالها ، فعادا إلى القطار وظلا فيه وقد كسا وجهيهما اكتئاب جسيم ، ولم يشعرا بنفسيهما إلا وقد توقف بهما فى المحطة الأخيرة تماما . هذه كانت قرية صغيرة فى الطرف البعيد من مدينة لوس أنچليس أسسها مستثمر عقارى متقاعد جاء من كانساس سيتى قبل نحو خمسة عشرين عاما فقط ، لقضاء ما تبقى من عمره فى الركن البعيد الهادئ للولايات المتحدة ، وأطلقت زوجته مسز دايدا ويلكوكس على مزرعتهما المنعزلة هذه اسم الأخشاب أو الغابة المقدسة أو إن شئت هولليوود . فوجئ أخيرا دى ميل أنه أمام مكان رائع من حيث الطقس والفضاء المتسع المحيط ، ناهيك عن بعده عن قصاصى أثر شركة إديسون الاحتكارية وقربه من طرق الهرب المعتاد لصانعى الأفلام غير القانونيين أمثاله إلى المكسيك !

Marlene Dietrich

The Ever-Sensual Hollywood

هذا المكان كان ملائما جدا أيضا لانطلاق أفكار دى ميل التحررية ، ويكفى أن تتلاحق أفلامه الصامتة بعناوين مثل ’ استبدال الزوجات القديمات بأخريات جديدات ‘ 1918 و ’ لا تغيرى زوجك ‘ 1919 و’ لماذا تغير زوجتك ؟ ‘ 1920 ، و ’ غراميات أناتول ‘ 1921 ، ومن كلماته الخالدة جدا رده على منتقديه الدينيين عندما تحول فيما بعد للملحميات الدينية الكبرى والجريئة جنسيا فى آن واحد ، بأن قال ’ أنا لم اخترع الخطيئة ، إنها موجودة فى الكتاب المقدس ‘ .

الجنس كان محور اهتمام كبار موجهى السينما ، وجريفيث مثلا كان أشهر من جمع ونمى مجموعة من الممثلات الشابات ليحولهن لنجمات بعيدات المجرى . لكن يظل الجنس شديد الارتباط بمن جاءوا من أوروپا للعمل فى أميركا ، وتحديدا إيريخ ڤون ستروهايم ( ’ أزواج عميان ‘ 1919 ، ’ زوجات حمقى ‘ 1920 ، ’ الجشع ‘ 1925 ) ، وإيرنست لوبيتش ( ’ حلقة الزواج ‘ 1924 ، ’ مروحة الليدى ويندرمير ‘ 1925 ، ’ هكذا هى پاريس ‘ 1926 ) .

هكذا كانت الأفلام الجنسية الأولى ، وهكذا كانت عناوينها ، ولم يعجب هذا بالطبع الكثيرين ، فاستغلوا بعض الفضائح الحقيقية فى هولليوود ، ليهاجموا الصناعة كلها بشراسة . أدى هذا لإنشاء هذه الصناعة لرقابة ذاتية تولتها ’ جمعية منتجى وموزعى التصاوير المتحركة الأميركية ‘ التى كان ذلك هو السبب الرئيس لتأسيسها . فى أول يوليو 1934 صدرت ’ شفرة هيس ‘ كنوع صارم لهذه الرقابة من الصناعة نفسها ، لكن الشفرة تعرضت دوما لاختبارات وتحديات من أفلام مثل ’ الخارج على القانون ‘ 1936 لهاوارد هيوز ، و’ القمر الأزرق ‘ لأوتو بريمينچر 1953 ، ولم يكف صانعو الأفلام قط عن مقاومتها . وفى هذا دخلوا معارك لا حصر لها مع القوى الدينية فى المجتمع ، بحيث يمكن تصويره كملمح مستقل وقائم بذاته لليبرالية الهولليودية وهو الليبرالية العلمانية أو اللا دينية . وهذا الكلام ليكتسب قيمة كبرى إذا ما وضعنا فى الاعتبار الميل العام للتدين لدى أغلب طوائف الشعب الأميركى ، وذلك على العكس من أوروپا ( آخر الأرقام تقول أن ثلث الشعب الأميركى يذهب لخدمة الأحد ونحو ثلثيه بمارس صلوات فردية من حين لآخر ، بينما تتراوح هذه الأرقام ما بين الصفر والخمسة بالمائة فى كل أوروپا تقريبا بنصفيها الپروتستانتى والكاثوليكى ! ) . بالمثل نجد لهذا تأكيدا آخرا لنظرية فئران التجارب ، إذ كان المفروض أن تجارى وتتزلف الميول الدينية لدى الشعب الأميركى ( وغيره شعوب كثيرة بالطبع ) لو أنها تسير بمنهج ’ الجمهور عاوز كده ‘ .

Jailhouse Rock (1957) starring Elvis Presley and Judy Tyler. The great legs of striptease dancer belong to the uncredited Gloria Pall.

Rocking the Rigid:

Jailhouse Rock (1957) starring Elvis Presley and Judy Tyler. The great legs of the striptease dancer belong to the uncredited Gloria Pall.

مع حلول النصف الثانى للخمسينيات توسعت الأفلام فى اختبار الحدود القصوى للشفرة . وفى النهاية جاء التغيير الجذرى عام 1966 ، مع التنامى الضخم لقوى التحرر فى المجتمع الأميركى والعالم ، وصدور أحكام قضائية بهذا الصدد ، وإيمان الرئيس الجديد للجمعية التى صار اسمها ’ جمعية التصاوير المتحركة الأميركية ‘ منذ 1944 ، چاك ڤالانتى ، إيمانه بأن مهمة الرقابة تشجيع الناس على المشاهدة لا تخويفهم منها . وبفضل صلابة وقوة الرجل الرمز الأول لصناعة السينما الرئيسة ممثلة فى الستوديوهات الكبرى ، والذى لا يزال يرأس الجمعية المهيبة حتى اليوم ، سارت الرقابة الأميركية فى قفزات متلاحقة حتى وصل التحرر فيها لحدود يمكن معها اعتبار كل الأفلام تقريبا ( أكثر من 98 0/0 من إنتاج الستوديوهات ) متاح لمشاهدة الأطفال من أى سن ، بالذات لو كانت المشاهدة بصحبة أحد البالغين كالأخ الأكبر مثلا ، ( بفضل حقائق كهذه ، فضلا عن كونها اتجاها عالميا ، يبدو مرة أخرى الحديث عن مستقبل السينما المصرية مضيعة للوقت مع عدم إلغاء الرقابة أو تحويل اختصاصاتها للصناعة متمثلة فى غرفة السينما ، أو لاتحاد يشكله موزعو أفلام الستوديوهات الأميركية الرئيسة المحليين ، أو لكليهما معا ) .

Actress Jeanne Crain is shown in her then new short hairstyle, Hollywood, April 24, 1953.

Controversial:

Actress Jeanne Crain is a winsome beauty who starred in lightweight 1940s romances and comedies and won an Academy Award nomination as a black girl passing for white in the controversial pioneer racial melodrama ‘Pinky,’ 1949, directed by Elia Kazan. Crain is shown in her then new (and controversial also!) short hairstyle in Hollywood on April 24, 1953. She died December 14, 2003. She was 78.

 الشق الثالث لليبرالية هولليوود بعد الليبرالية الجنسية والليبرالية العلمانية الا دينية ، هو الليبرالية السياسية . وبالعودة إلى أفكار چاك وارنر مثلا أحد مؤسسى ومدير ستوديو وارنر ، والتى وصلت لحد صنع فيلم يمجد الستالينية ، أو يكون أول أميركى يعلن الحرب على هتلر فى وقت لم يكن العالم قد تنبه لخطره بعد ، وبالعودة لأن هولليوود أصبحت معقلا لليبرالية تنتشر فيه كافة الاتجاهات السياسية بحرية بالغة ، فإن الطبيعى أن تأتى ضربة لهذا ، مشابهة لضربة شفرة هيس . هذه المرة جاءت الضربة على يد السناتور چوزيف ماكارثى ولجنة المنزل ( أى الكونجرس ) للنشاط غير الأميركى ، بعد الحرب العالمية الثانية بقليل . اكتشفت اللجنة وجود 300 عضو فى الحزب الشيوعى الأميركى من بين فنانى هولليوود ، ووضعتهم جميعا زائد مئات آخرين فى قائمة سوداء ، كما تم سجن عشرة منهم .

بالطبع كانت الضربة قاصمة كما الحال فى الضربة الرقابية ، واحتاجت مثلها لعقود للعودة للتحرر الليبرالى مرة أخرى . واليوم تعد هولليوود ذات الميول الجماهيرية بحكم طبيعة المنتج الذى تقدمه ، أحد أكبر معاقل الحزب الديموقراطى وأكثرها تأثيرا ( على الأقل أثناء الانتخابات ، وخذ مثلا سيل الأفلام التى جسدت شخصية رئيس أميركى شاب مفعم بالحيوية فى التسعينيات ، وكانت أشبه بمنشورات انتخابية صريحة للرئيس كلينتون ) .

هولليوود تتمتع بموقع فريد من نوعه لتحقيق المصالحة التاريخية بين التحرر الاقتصادى والتحرر الاجتماعى . لا تجتمع الرغبة فى تحرير الاقتصاد وفى التحرر الأخلاقى معا ، قدر ما تجتمع فيها !

تابع هذه المناقشة وكذا المزيد عن تاريخ الرقابة فى أميركا وعن چاك ڤالانتى فى صفحة الرقابة

إن هولليوود تمر فى هذا العقد بحالة صراع عنيف مع الحزب الجمهورى ، وتحديدا بعد ظهور دعاوى للتشدد الدينى فى بعض صفوفه . هذا لا ينفى هذا بالطبع وجود أنصار للحزب فى هولليوود ( بل أن رئيس الجمهورية الهولليوودى الوحيد رونالد ريجان كان صقرا جمهوريا ) ، لكن لا يمكن اعتبار أفلام أى من هؤلاء الجمهوريين معبرة عن الفكر المحافظ كما أنها تنأى تأكيدا عن التزلف الدينى ، ومنهم النجوم ردفورد وشوارزينيجر وكوستنر . والمؤكد أن أكثر الهولليووديين محافظة يؤيد من الحزب الجمهورى خطه الاقتصادى ، لكنه يتعاطف ‑وهى أضعف كلمة ممكنة‑ مع الخط الأخلاقى والعقائدى العلمانى للديموقراطيين . الشركات نفسها كشركات يعنيها التحرر الاقتصادى أكثر من أى شىء آخر ، لكنها فى نفس الوقت تبيع سلعة تحررية جدا . أى أنه يؤيد الشق الأكثر تحررية لدى هذا الطرف أو ذاك . وهذا ما عبرت عنه ببلاغة يوما الروائية آن رايس ( صاحبة ” لقاء مع مصاص الدماء “ ) فى رسالة مفتوحة للرئيس كلينتون قبيل إعادة انتخابه ، قالت فيها أنها لا يمكن قط أن تنتخب رئيسا جمهوريا رجعيا ، وأنها تريد انتخابه هو ، لكنها تريد منه فى ذات الوقت أن يتبنى السياسة الاقتصادية والاجتماعية للجمهوريين والتى لا تحض الناس على الكسل . لا نبالغ إن ضفنا هنا أن هولليوود تتمتع بموقع فريد من نوعه لتحقيق المصالحة التاريخية بين التحرر الاقتصادى والتحرر الاجتماعى . لا تجتمع الرغبة فى تحرير الاقتصاد وفى التحرر الأخلاقى معا ، قدر ما تجتمع فيها !

Arnold Schwarzenegger and financier Warren Buffett, the second richest man in America, conference of world business leaders, Buckinghamshire, England, September 23, 2002.

Economical Liberalism and Social Liberalism:

Hollywood Can Bridge the Gap!

(Added Later: A Special Section on Schwarzenegger)

من الناحية التقانية يمكن القول أن هولليوود لا تهتم إلا بما سبق ذكره من شروط كالاستحواذ والقوة الدرامية وإتقان الصنعة ، ولا يكاد يعنيها أى محتوى يمكن تحميله بعد ذلك . ويمكن القول أن ميلودراميات التعليق الاجتماعى للثلاثينيات وكذا خليط أفلام الجريمة والعين الخصوصية ( المسماة إعلاميا ودون دقة علمية كبيرة بالفيلم نوار ) ، هى أم كل اتجاهات الواقعية الاجتماعية التى ملأت العالم بعد ذلك . ذات الشىء مع أفلام ستوديو وارنر السياسية التى هى الكلاسيات الكبرى للسينما السياسية ، والتى انتشرت عدواها فى الستوديوهات الأخرى فى الثلاثينيات ، ثم فى العالم كله فى موجة أفلام الستينيات والسبعينيات السياسية الكاسحة .

أتمنى شخصيا لو أرى الأفلام وقد شرحت للناس أن مصلحتهم تكمن فى إدارة إمپريالية موحدة للعالم ، وفى حكم الشركات الكبيرة مطعمتهم وراعيتهم ومستقبلهم وإلههم وإله الكون كله ، أو فى أن الديكتاتورية ذات الرؤية يمكن أن تصنع أشياء أفضل كثيرا من الديموقراطية وتدير المجتمعات والاقتصادات على نحو أعلى كفاءة بكثير ، أو أن تحاول أقناعهم بأن العلم والتقنية أقيم وأبقى من ذلك الكائن المغرور التافه المدعو الإنسان ، أى أن أراها قد انقلبت لتقوم بدور تنويرى لا بالدور التغييبى الحالى ، وأن لا تدغدغ العواطف باسم الديموقراطية والمساواة …إلخ . لكن هولليوود لن تفعل هذا أبدا ، وستظل تهجو الإمپريالية والديكتاتورية والشركات الكبيرة لسبب واحد على الأقل : أن السينما لا تصلح وسيطا لركب convoy الفكر !

طبعا أتمنى شخصيا العكس من كل هذا . أتمنى لو أرى الأفلام وقد شرحت للناس أن مصلحتهم تكمن فى إدارة إمپريالية موحدة للعالم ، وفى حكم الشركات الكبيرة مطعمتهم وراعيتهم ومستقبلهم وإلههم وإله الكون كله ، أو فى أن الديكتاتورية ذات الرؤية يمكن أن تصنع أشياء أفضل كثيرا من الديموقراطية وتدير المجتمعات والاقتصادات على نحو أعلى كفاءة بكثير ، أو أن تحاول أقناعهم بأن العلم والتقنية أقيم وأبقى من ذلك الكائن المغرور التافه المدعو الإنسان ، أى أن أراها قد انقلبت لتقوم بدور تنويرى لا بالدور التغييبى الحالى ، وأن لا تدغدغ العواطف باسم الديموقراطية والمساواة …إلخ . لكن هولليوود لن تفعل هذا أبدا ، وستظل تهجو الإمپريالية والديكتاتورية والشركات الكبيرة لسببين على الأقل : أنها يسارية ، والسبب الاخر أن السينما لا تصلح وسيطا لركب convoy الفكر ، فقط تحريض الانفعالات . أو للدقة لسبب واحد فقط هو السبب الثانى ، حيث أن الأول ليس سبا مستقلا إنما نتيجة له .

كلمة أخيرة نوجهها لم لا يضجرون ليلا ونهارا من الحديث عن هولليوود كعدو للشعوب ولا هم لها سوى الإساءة لهم والتحقير من شأنهم جهارا نهارا عبر أفلامها لحساب شىء واحد تمجيد أميركا وأميركا وحدها . تلك الكلمة هى أنه إذا كان هناك شىء واحد لا يستطيع فيه أحد المزايدة على هولليوود فيه فهو انتقادها الصريح والحاد للمجتمع الأميركى قبل أى مجتمع آخر حيث لا يوجد هنا أى مجال لعقد عمليات نسبة وتناسب بين الأمرين سواء من حيث الكم أو النوعية . والمجال لا يتسع لذكر القائمة الطويلة من الأفلام السياسية والاجتماعية الراديكالية تماما التى أنتجتها هولليوود ، وهذه الأفلام متواصلة منذ ’ مستر سميث ‘ و ’ عناقيد الغضب ‘ إلى ’ نورما راى ‘ و’ چيه إف كيه ‘ ومنتجونها مستمرون منذ چاك وارنر وحتى آرنون ميلكان . تلك الأفلام لا تزال متواصلة رغم اندحار الفكر اليسارى وروافده المختلفة -ظاهريا على الأقل- عالميا . وهى تنتج بأضخم الإمكانات وتحظى بتكريمات الأوسكار الواسعة ، وكذا تحقق أكبر نجاحات جماهيرية ، طالما هى متسقة -ومتسقة فقط- مع نظرية الاستحواذ على فئران التجارب . أما عن المحتوى فهو ذلك الشىء الهامشى من الناحية التقانية وله زبائنه بالطبع وهم قلة وسط ذلك الجمهور العريض ، ولا شك أن تلك الأفلام تشبعه جدا .

Hollywood glamour as interpreted by Imitation of Christ, fashion house founded by, among others, Tara Subkoff and the actress Chloë Sevigny, Spring 2004 Fashion Week, New York, September 2003.

Hollywood Fashion:

—or: ‘It's the difference between a nymph and a sex bomb!’ (According to The New York Times)

بإيجاز وبارتياح كبير نقول أن هولليوود حفرت لنفسها عبر تاريخ طويل من النضال صك كونها وبجدارة الواحة الأكبر والأثبت للتحرر والاستنارة فى هذا العالم ، بدءا من ملابس بطلاتها التى تحمل محتويا فى حد ذاتها وحتى معاركها السياسية الكبرى من أجل حرية الفكر .

بكلمة هولليوود هى الضوء العالى لليبرالية فى هذا الكوكب بحقولها الثلاثة : الدين والجنس والسياسة .

 

5- المؤسسية Institutionalization

Henry Ford

Movies as Cars!

أحد الفوارق الكبرى الملموسة بين هولليوود وما عداها من صناعات للسينما ، هو ما يمكن تسميته المؤسسية ، فتاريخ السينما الأميركية ليس تاريخ أفلام وصناع أفلام بقدر ما هو تاريخ ستوديوهات ومديرى ستوديوهات . والمؤسسية فى هولليوود مرت بذات الدورة التى مرت بها كل من الحرية الأخلاقية والليبرالية السياسية : ازدهار فنكسة فازدهار .

المقصود بالمؤسسية هو تنمية إنتاج الأفلام داخل الستوديو طبقا للقواعد والمعايير ومواصفات المنتج التى يضعها هذا الستوديو للفنانين الذين يعملون بعقود كما الموظفين الآخرين . ولدت المؤسسية أو ما يسمى ’ نظام الستوديوهات ‘ ، فى أحد أوائل الستوديوهات التى تأسست فى لوس أنچليس ( لم يكن صناع السينما قد اكتشفوا هولليوود بعد ) . كان ذلك هو ستوديو أينسيفيل الذى أسسه توماس إتش . أينس فى عام 1912 على مساحة 20 ألف فدان ليقدم أفلام الويسترن ، ويصبح سريعا أباها ورائدها الكبير ، وراعى أكبر نجومها بدءا من أولهم وأشهرهم ويلليام إس . هارت . كان أينس ممثلا وموجها للأفلام ( آخر أفلامه كموجه جاء عام 1916 ’ الحضارة ‘ كالمنافس الأكبر والأوحد فى ذلك العام لملحمة جريفيث ’ التعصب ‘ ) لكن ما أن أسس أينس الستوديو ، واندلع الطلب على أفلام الويسترن ، حتى اكتشف أنه لا يجد الوقت الكافى لتوجيه كل الأفلام التى يكتبها ، فعهد بها إلى مساعده فرانسيس فورد ( الأخ الأكبر للعظيم چون فورد ، وأبوه الفنى ) ، ذلك تحت شرط واحد هو الالتزام الحرفى الدقيق والمطلق لكل ما يكتب له فى المخطوطة ، لقد أصبح فرانسيس فورد أول موجه فى تاريخ السينما بالمعنى المعاصر للكلمة ، أما السابقون له فكانوا ’ منتجين ‘ أى قائمين على كل مراحل الفيلم .

تسير كل صناعة السينما الأميركية على نهج ’ خط الإنتاج ‘ أو ’ الخط التيارى ‘ streamline production ( تماما كما أسسه هنرى فورد رائد صناعة السيارات الكبير ) ، حيث يتنقل المنتج من يد إلى يد لتنفيذ إجراءات محددة تم توصيفها بدقة فى الأوراق التنفيذية ، وذلك حتى يصل لصورته النهائية ، وهو الأسلوب القاعدى للإنتاج الكتلى mass production فى كافة أنواع الصناعات على اختلاف منتجاتها . وتسرى بالفعل عدوى صيغة أينس‑فورد ، إلى كل الستوديوهات ، وعبر العشرينيات وبداية الثلاثينيات يرسخ جيل العظماء الذين يحتلون إما منصب رئيس الستوديو ( ماير ، سيلزنيك ، چاك وارنر ) ، أو مدير الإنتاج ذى السلطة الرهيبة التى لا يعرف الناس عنها أى شىء مثل إيرڤينج ثالبيرج الذى لم يظهر اسمه على الشاشة قط ، أو نظرائه الأقل غموضا مثل داريل زانوك وهال بى . واليس ، كل هؤلاء كانوا ملوكا متوجين يرتجف أعتى النجوم من إشارة منهم ، ومن أشهر كلمات زانوك لهؤلاء النجوم ’ لا تقل نعم قبل أن أكمل بقية كلامى ‘ . بل إن الوصف الأدق أن أولئك المديرين كانوا أشبه بقادة الجيوش ، وقد قيل بالفعل أن المؤسسة الوحيدة فى أميركا التى تشبه مترو جولدوين ماير هى القوات المسلحة . وذلك لفرط الانضباط والجبروت والاستقلالية ( كانت لها قوة شرطة خاصة …إلخ ، هذا إن نحيت جانبا الأساطير التى تتحدث عن حظوة ليويس ماير وعلاقته الشخصية المباشرة والعلنية بزعماء مثل هتلر وستالين وماو تسى تونج وثلاثتهم تحديدا هم أكبر الأعداء التاريخيين للعالم الحر الذى يمثله ‌ـ‌بل أحدهم بالذات كان أكبر عدو عرفه التاريخ للديانة التى ينتمى إليها ماير ، ومع ذلك كان ماير الأميركى الوحيد الذى يمكن له أن يرفع سماعة التليفون ليهاتف هتلر رغم أن بلده فى حالة حرب معه ورغم كونه يهوديا . أو هكذا تجرى الأسطورة ! ) .

الجمهور يعرف أسماء النجوم ، والنقاد يعرفون أسماء الموجهين ، أما من يفهمون السينما حق الفهم فيعرفون فقط أسماء المديرين التنفيذيين . بعبارة أخرى : شخصية أى فيلم تتحدد بالكامل منذ الثانية الأولى فيه : شعار الستوديو !

الواقع أن هولليوود لم تكن لتصل لمجدها العالمى ولا تصنع أخلد أفلامها ، إلا بفضل هذا النظام الصارم المرعب ، ومن أشهر العبارات تعبيرا عن فلسفة نظام الستوديوهات وإنجازاته ما قاله موجه الضروب العظيم چون هيوستون : ’ منذ أن نلت حريتى لم أصنع إلا أسوأ أفلامى ‘ . تلك كانت أيام العصر الذهبى ، عندما كنت تعرف الفيلم من اسم الستوديو والعكس بالعكس . كانت الشخصية الفنية للفيلم تنبع من الشخصية الفنية للستوديو ، وليس من شخصيات أفراد بعينهم ، مؤلفين أو موجهين أو أيا ما كانوا ، وكانت البصمة تأتى فقط إن كان هناك بصمة ما لأحد الأشخاص ، من شخصية رئيس الستوديو أو مدير الإنتاج ، فكل مترو انطبعت بليويس ماير وإيرڤينج ثالبيرج ، وموسيقياتها بآرثر فرييد ، وكل وارنر انطبعت برؤى وأفكار چاك وارنر …وهكذا . الجمهور يعرف أسماء النجوم ، والنقاد يعرفون أسماء الموجهين ، أما من يفهمون السينما حق الفهم فيعرفون فقط أسماء المديرين التنفيذيين . بعبارة أخرى : شخصية أى فيلم تتحدد بالكامل منذ الثانية الأولى فيه : شعار الستوديو !

أما قصة كيف نال موجهو هولليوود حريتهم ، فترجع جذورها لأيام كان أقصى حلم لهم هو أن يتلقوا ورق المشاهد التى سيصورنها فى الليلة السابقة وليس صباح يوم التصوير ، ولكن هولليوود المصنع المنضبط لا يسمح بالشطط الفنى إلا بمعايير محسوبة جدا ، ولأناس وصل مدى الثقة بهم تجاريا وتقانيا أقصاه . استمرت هذه الحال حتى جاءت أولى الضربات لنظام الستوديوهات بعد عامين من العام الذهبى للسينما ( عام 1946 ذى الأربعة بليون تذكرة داخل أميركا ) . ففى مايو 1948 أصدرت المحكمة العليا حكما بإدانة ’ الخمسة الكبار ‘ ( پاراماونت ، مترو ، فوكس ، وارنر ، آر كيه أو ) ، باحتكار صناعة عرض الأفلام وبالممارسات البلطجية ضد الموزعين والمنتجين الآخرين ( على رأسهم يونيڤرسال ، ويونايتد آرتستس ، وكولومبيا ، وريپابليك ، الذين لم يكونوا يملكون دور عرض ) . بالتالى انتزعت منهم دور العرض لتصبح شركات قائمة بذاتها ، وتبدأ عصور الظلام الحالك فى هولليوود ، ( بل وكل صناعة السينما فى العالم التى أغواها ذات الشىء ، ودالت الهيمنة فيما لموجهى الأفلام الذين استغلوا ضعف هولليوود ليقنعوا منتجيهم الضعاف أصلا بتخفيف قبضتهم ) .

أما هولليوود فلم تبرأ من انكسارها إلا بدخول القرن العشرين لربعه الأخير . ما حدث فى الخمسينيات هو أن انطلق عنان من يسمون بالمنتجين المستقلين الصغار ، وما صار يسمى أفلام الدرجة ب . وباستثناء بعض قليل منها أداره منتجون ذوى رؤية خاصة ، أصبح الموجهون والكتاب ينفذون ما يتراءى لهم دون عين بصيرة حازمة وصاحبة رؤية إنتاجية وجمالية أبعد تردعهم ، أو حتى تطلب منهم إعادة كتابة وتنقيح مخطوطاتهم . ويمكن تقييم مدى صواب قرار المحكمة العليا بطريقة واحدة هى طرح السؤال التالى : هل ازدهرت صناعة السينما الأميركية والاقتصاد القومى حسب زعم الحكم أم لا ؟ الجمهور أعطى إجابته القاطعة وهو الوحيد المخول بإعطاء الإجابة . هذه كانت ’ لا ‘ كبيرة . ووجدت الشركات المؤسسة حديثا لإدارة دور العرض نفسها مضطرة لإغلاقها تدريجيا نتيجة انفضاض الجمهور ، ولم تعد الستوديوهات مجبرة على تلك الطاحونة الضخمة لإنتاج أفلام لتغطى دور العرض المملوكة لها ، فاقتصر إنتاجها على عدد محدود من الأفلام . وبدأ نجوم هولليوود وصناع أفلامها يجلسون على دكة الاحتياطى بلا عمل ، وكان المطروح آنذاك هو هل تنتهى هولليوود وتغلق أبوابها أم لا ؟ الواقع أنه لولا سعيها المتواصل وراء تنمية تقنيات جديدة للصورة فى أوائل الخمسينات ( السينيراما ، الڤيستاڤيچان ، السينماسكوپ ، الأبعاد الثلاثية …إلخ ) ، ولولا أن هولليوود ’ حالة عقلية ‘ فى وجدان كل سكان العالم كما يقول المؤرخ الكبير إفرائيم كاتز لما ظلت أبوابها مفتوحة ، ولما وصلت بعناد لاستعادة رقم إيراداتها القياسى لعام 1946 وهو 1.7 بليون دولار ( حدث هذا بعد 30 عاما ، وبحساب التضخم فإنه لم يحدث أبدا لأن هذا المبلغ يساوى 17 بليون دولار أى ثلاثة أضعاف الإيراد السنوى الحالى لصندوق التذاكر الأميركى ) .

Michael Eisner, CEO and Chairman of The Walt Disney World Company, looks over his glasses while discussing the earnings report at the Walt Disney World Investors Conference 2004 at the Walt Disney World Resort in Lake Buena Vista, Florida, February 11, 2004.

High Concept!

يمكن ‑وهذا اجتهاد شخصى على أية حال‑ التأريخ لعودة العجلة الهولليوودية لسرعتها القصوى الأصلية بتولى مايكل أيسنر لكرسى ديزنى عام 1984 . وذلك كمثال لستوديو متفكك نجح هذا الشخص فى إعادته لصرامته الأصلية والتى تفوق كل ستوديو ( تجرى الأسطورة أنه لا يدفع أبدا أكثر من الحد الأدنى للأجور ! ) . وركز الرؤية الفنية فى يد كبار التنفيذيين ، وتحديدا هو ومدير إنتاج الاستحراك چيفرى كاتزنبيرج ، وقفز به بفضل هذه الصرامة المؤسسية من الإفلاس لمكان الصدارة المطلق بين كل الستوديوهات لمدة عشر سنوات على الأقل . واليوم تعمل هولليوود تقريبا بذات الأسلوب المؤسسى القديم ، بالذات فى ستوديوهات مثل ديزنى وپاراماونت ووارنر ( وليس غريبا أن تحتل لهذا السبب أساسا المراكز الأولى معظم سنوات العقد الأخير ، ناهيك عن كونها أجزاء من مؤسسات الترفيه الثلاث العملاقة المشار إليها من قبل ) ، هذه الستوديوهات تعمل بطاقم شغل ثابت وبعقود مع الموجهين والمنتجين والكتاب محددة بالسنوات ( ثلاث سنوات فى العادة ) ، وبعدد محدد من الأفلام فى هذه المدة ، بينما تميل ستوديوهات أخرى مثل يونيڤرسال لنظام ’ العبوة package ‘ وهو امتداد لعصر الاستقلال ، حيث تخطط الأفلام وتنفذ بالكامل فى شركات مستقلة . عصر الاستقلال أسفر أيضا عن نظام الوكلاء القوى الذى تنضم له المواهب ، ويمكن القول أن مهنة التمثيل هى الوحيدة التى تخرج الآن عن نطاق التوظف بعقود ، وإن فضل البعض هذه الأخيرة مثل ارتباط ستيڤين سيجال بوارنر .

والخلاصة أن كل الدلائل الإحصائية ( بل والجمالية أيضا ) ، سواء للعصر الذهبى أو فى العقدين الأخيرين ، تشير إلى أن نظام خط الإنتاج الصارم القديم أو صورته المعدلة المعاصرة ، هو أنسب أسلوب إداريا وتقانيا لتصنيع الأفلام ، بينما لا تؤدى الحريات المعطاة للموجهين وغيرهم سواء فى أميركا أو خارجها إلا لاضمحلال صناعة السينما وربما تدميرها من جذورها .

وكلمتنا الأخيرة لمن يعتبرون قضية الإبداع شغلهم الشاغل نقول أننا ننتمى لذات المعسكر ولسنا فى حالة عداء كما لاح للكثيرين لدى قراءة الطبعات السابقة لهذه الورقة . إننا فى كل ما قدمنا حول ’ نظرية ‘ للسينما الهولليوودية وبنيناها أساسا على أفلامها الناجحة والمشهورة ، لم نكن نتحدث سوى عن الحد الأدنى الذى لا يجب أن يهبط أى إسهام دونه أو أن يتجاهل ما فيه من مقومات أساسية درامية وإنتاجية يجب أن تكون بديهية فى أى فيلم . بعد هذا فقط يبدأ الإبداع ، لو شئت فلتجعل هولليوود النمطية هى خط الصفر بالنسبة لك وكل ما عليك هو أن تبدع فوق هذا الخط لا تحته . هذا ما فعلته دوما هولليوود الأكثر إبداعا ، والتى لا نجد لهؤلاء اسما أفضل ‑أو لا نجد لها أى اسم‑ سوى تصنيف قاله أحد هولاء المبدعين أنفسهم ‑مارتين سكورسيزى‑ وبكل الرضا والاعتزار وهو تعبير ’ المهربين ‘ . إنهم يمررون ما يعتمل فى بصيريهم من أفكار جديدة داخل القواعد الثابتة المعمول بها دون أن يثيروا الكثير من الجلبة حول أنفسهم . هؤلاء لا يدعون قط أن الآخرين على خطأ ولا يهاجمون ويحتقرون أحدا ، فهم فى نهاية المطاف مجموعة مهربين عليهم العمل تحت جنح الظلام وهم يعلمون تمام العمل أنهم يرتزقون من فائض ثراء الآخرين ولو افتقر هؤلاء لما وجدوا هم من يشترى بضاعتهم . لكننا نعود بكل الأسف لنقول أن هذا تحديدا ما نجح فيه الجناح الهولليوودى الأكثر إبداعا وفشل فيه للأسف كل من عداهم ممن انطلقوا من فرضية ضرورة هدم المعبد أولا .

من هنا ‑ومن كل ما سبق‑ يمكن أن تكون إجابتنا على سؤال العنوان : صناعة أم فن ؟ إننا لو نحينا جانبا أن السينما كما كل الفنون تنتج سلعة الهدف منها إثارة الانفعالات ، لما وجدنا أى خاصية أخرى مشتركة يمكن أن تجمعها مع أى فن . إنها تأكيدا صناعة بل وصناعة كتلية تكون فى أفضل حالاتها وتقدم أفضل منتجاتها لدى استخدام خط الإنتاج التيارى وليس من خلال حرفى يشتغل فى كوخه الصغير ، وهى أمور ليس لها ما يشبهها فى أى فن على الإطلاق . إن السينما ستصبح فنا يوم أن يقل عدد مستهلكيها وينفض عنها جمهور المستهلكين ، آنذاك فقط سوف تصبح مشغولة يدوية أو بالأحرى فنا حقيقيا . من هنا لو أجبرنا على الإجابة بنعم أو لا على ذلك السؤال لقلنا بلا تردد أنها صناعة ، أما الإجابة الأدق فى رأينا ، أنها تنتمى لعلم السوسيولوچيا وتحديدا حقل الثقافة الجماهيرية فيه ، أكثر بمراحل من انتمائها لعالم الفنون الضيق والذى يتميز ويكتسب قيمته عادة من الصبغة الكلاسية له والتى تحتاج وتخاطب عادة جمهورا خاصا ومحدودا من المتذوقين . إن السينما ببساطة صناعة تصنيع الفن ، أو industry of manufacturing art ، أو قل البوابة التى نقلت الفن ( أو بالأحرى هجرته ) من عصر المشغولات اليدوية والإنتاج بالقطعة إلى عصر التصنيع لأول مرة فى تاريخه .

هل تريد المساهمة ؟ … يمكنك ذلك مباشرة من خلال لوحة الرسائل إضافة أو قراءة أو بالكتابة عبر البريد الإليكترونى .

 

الجديد :

 

 4 يونيو 2000 : أعاد الناقد / مدحت محفوظ تقديم هذه الورقة اليوم فى ندوة افتتحها السيد محافظ الفيوم بمبنى المحافظة وكانت أول فعاليات برنامج يحمل عنوان ’ السينما الأميركية والأدب ‘ وتقدم عروضه اعتبارا من اليوم وعلى مدى أسبوع فى المبنى الجديد لقصر ثقافة الفيوم . شارك فى تقديم الأطروحات فى الندوة السيد / هيينز آر . ماهونى Heynes R. Mahoney الملحق الثقافى الأميركى بالقاهرة والناقد الدكتور / رفيق الصبان . شارك فى تنظيم البرنامج محافظة الفيوم والهيئة العامة لقصور الثقافة بالتعاون مع سفارة الولايات المتحدة الأميركية بالقاهرة ، وأشرف على الإعداد فوقى فخرى مدير إدارة نوادى السينما بالهيئة . اكتب رأيك هنا

 

 23 أكتوبر 2000 : تابع المزيد عن قضايا الليبرالية الاجتماعية فى صفحة الجنس حيث تم نقل كافة المتابعات السابقة والخاصة بالموقف الليبرالى لهولليوود وموجة التدين المتصاعدة فى المجتمع الأميركى من هذا المكان إليها .

 

Sherry Lansing

The Ever-Secular Hollywood

 11 نوڤمبر 2001 : ڤارايتى War chores ربما على غير المتوقع ، أعلن بعض مما دار فى الاجتماع الجديد ‑والأهم حتى الآن‑ للبيت الأبيض مع قادة صناعة السينما فى هولليوود ، والذى تم فى أحد فنادق بيڤرلى هيللز . الكثير من التوجهات كان متوقعا ، ويستلهم التجربة الهولليوودية فى الحرب العالمية الثانية ، وبالأخص صنع أفلام ملهِمة والابتعاد عن الپروپاجاندا المباشرة . الملفت فقط هو تلك المقولة التى تصدرت مجموعة الخطوط العريضة ، وهى ضرورة التأكيد على أن هذه ليست حربا ضد الإسلام . مرة أخرى تتقاطع الاتجاهات ، ما بين حزب جمهورى ذو ميل مستحدث لدعم ومغازلة التدين وتمثله حكومة تخوض حربا خجول ضد التخلف والإرهاب تخشى فيها إغضاب الدول العربية والإسلامية ( لا أحد فى الغرب يرى سببا وجيها أو غير وجيه لهذه الأخيرة ) فى كفة ، وما بين صناعة السينما الهولليوودية العلمانية الصلدة دائما أبدا ، التى طالما قامت بواحد من أعظم الأدوار تنويرية فى التاريخ الحديث ، فى الكفة الأخرى . من تلا هذه البنود فى المؤتمر الصحفى كان كارى روڤ من قدامى ناصحى الرئيس وممثله فى الاتصال بهولليوود منذ بداية الأحداث . أما شريكاه فى المؤتمر چاك ڤالانتى رئيس الـ MPAA وشيرى لانسينج رئيس پاراماونت ، فلم يتحدثا فى موضوع الدين من قريب أو بعيد . وربما أهم ما ورد فى المؤتمر قول لانسينج إن لديها بالفعل حتى اللحظة 150 متطوعا من المواهب السينمائية ، ذلك للنهوض بالمشروع الهولليوودى الكبير فى التعبئة ضد الإرهاب محليا وعالميا . الأهمية المثيرة فى تصريحها المفاجئ هذا ، هو الإيحاء بأنه سيكون لكل المشروع فريقا موحدا تنسق فيه الشركات مع بعضها البعض من خلاله .

أكاد أجزم أن هولليوود لن تتحدث على نحو طيب أو متملق تجاه أى دين ، الإسلام كان أو غيره . بالمثل أكاد أجزم أننا سنرى المزيد من الأفلام الرائعة التى تحفز روح الكفاح ضد التخلف العالمى ، ومنه تأكيدا الدين ، وإن ربما بعمومه فى البداية ، فالإسلام من منظور علمانى لا يزيد عن كونه مجرد دين آخر ظهر قبل 14 قرنا ، وإن تصادف وكان الأنشط أو الباقى على قيد الحياة حتى اليوم . بكلمات أبسط ، ذلك البند ليس أكثر من بند موقوف من التنفيذ ومؤقت . مؤقت إلى حين وصول الموقت الحكومى لمستوى أكثر نضجا وفهما ووعيا بحقائق الصراع الذى دخلته والعدو الذى تواجهه !

ملحوظة شخصية : صورة شيرى لانسينج المبردة بجوار هذا المدخل ، هى نفس الصورة التى سعدت يوما بتعميمها بحجم ثلاثة أعمدة فى جريدة العالم اليوم العربية اليومية ، لواحدة من أعظم رموز الطواغيت النسائية فى دنيا السينما والبيزنس والبيزنس . الأمر الذى اعتبر آنذاك الإضاءة الأعلى فى مرحلة غير مسبوقة من التعريف بالوجه البيزنسى والإدارى للسينما فى الصحافة العربية ، وكلها لم تكن معروفة من قبل وسط غثاء الحديث عن عبقرية الموجهين . لقد كان من شبه المستحيل قبل أوائل التسعينيات أن ترى صورا ضخمة أو غير ضخمة حتى لأسماء مثل ريوپرت ميردوك أو بيل جيتس أو تيد تيرنر …إلخ ، فى صحيفة يومية عربية ، ذلك قبل شروعى فى تدشين هذا التخصص كجزء من تلك الجريدة التى كانت بدورها شيئا رائدا ككل ، وكان الاشتغال فيها متعة لا تضاهى .

نعم كان ذلك فى فجر التسعينيات ، وكان العالم العربى يختلف كثيرا عما هو عليه الآن . كانت هذه أول جريدة اقتصادية يومية ناطقة بالعربية ، وهذه دلالة عظمى فى حد ذاتها . كانت الروح العامة آنذاك هى أن العرب متجهون لهجر حقبة الشعارات القومجية والوطنجية ، ليحل معها عصر من العقلانية والمصلحة وإعلاء شأن البيزنس . كانت تلك أيام مدريد وأوسلو ودورة الأورجواى . كانت مصر تشتغل بجد على إنشاء بنية تحتية عملاقة من الصفر تقريبا على يد الدكتور عاطف صدقى ، وتستعد للمرحلة التالية من تحرير الاقتصاد على يد الدكتور الجنزورى . وكان الفخر يملأنى بالكتابة عن بعض الأشياء والأفكار فى صناعة الترفيه العالمية ، أو كيف يفكر تيد تيرنر أو بيلل جيتس مثلا ، أو عامة بعض ما يجرى فى الفكر العالمى المتطور ككل . وعندما كنت أرى محاولات تطبيق مثل هذه الأفكار فى بلادنا العربية ، أو أن أجد رجل بيزنس أو مستثمرا يفكر بنفس الطريقة ، كنت أقول لنفسى : ربما قرأوا العالم اليوم !

كل هذا لم يدم طويلا . انتصر كتاب الثلاثاء ، وعادت الشعارات الجوفاء لتهيمن على الخطاب العربى ، ولتختطف كل المستقبل العربى رهينة لأچندتها الهزيمية . أخطأنا خطأ واحدا ، هو أن تجاهلنا ما أصبح يسميه هنرى كيسينچر الطبقات الچيولوچية للشعوب ، أو ما يسميه هانتينجتون الشىء الذى يموت الناس من أجله ، وكنت أسميه أنا العمق الچيينى للشعوب ، وإن كان أدق تسمية ممكنة ربما ‑بالذات إذا كنا أمام حالة الحكام فيها الأكثر تخلفا وغباء من شعوبهم كحالة جبهة الرفض العربى‑ هى ما تستلهم نظرية الأمثال الشعبية المصرية عن ’ ذيل الكلب وقالب الطوب ‘ ، أو بأدب شوية ’ الطبع يغلب التطبع ‘ أو ’ ع الأصل دور ‘ !

المهم ، رغم كل شىء ، لم يكن بوسعى مقاومة البعد الحنينى فى إعادة وضع فوتوجرافية شيرى لانسينج هنا . أو لعلها عقولنا الباطنة التى تمنينا رغما عنا بمسقبل أفضل !

اقرأ المزيد من الذكريات الشخصية ، عما يسميه الفكر اليمينى الثورى وأبرز الكتب التى أثرت فى الكاتب فى صفحة الجلوبة ، أو عن علاقته منذ الطفولة بالعلم والتقنية فى صفحة ما بعد‑الإنسان ] .

… اقرأ تغطية شاملة للحرب فى صفحتى سپتمبر والحضارة أحدث صفحتين فى هذا الموقع . اكتب رأيك هنا

 

Burt Lancaster as the Prince of Sabina in Luchino Visconti's The Leopard (1963)

The Gangs of New York set at Cinecittà Studios, Rome, June 2003.

Shu Qi, left, and Chang Chen in Hou Hsiao-hsien's 'Three Times' (2005).

The Whole World Is a Hollyworld:

Hollywood and Revitalizing World Cinema!

 11 يونيو 2002 : عممت ڤارايتى اليوم التحليل بعد يومين H'wood battles local heroes والمزيد بعد شهر Last Year … والعام الماضى Foreign exchange flattens H'wood أرقام الإيرادات الدولية ( المقصود العالمية باستثناء دولة المنشأ ) للسينما الأميركية عن العام الماضى 2001 . الأرقام تحمل على نحو درامى للغاية مؤشرات جديدة لعلاقة هولليوود بالسوق العالمية . انخفضت نسبة العائد ( الإيجار rental ) للستوديوهات السبع الكبرى من السوق العالمية لتمثل فقط 38.7 0/0 من إجمالى العوائد ، بينما جاء 61.3 0/0 من السوق الأميركية ( أميركا وكندا ) وحدها . فى مطلع التسعينيات كان النصيب الإيجارى للستوديوهات من السوق العالمية 1.193 بليونا سنة 1991 . وظل هذا الرقم يتطفر بثبات من عام للتالى . وفى سنة 1993 كانت الإيرادات العالمية تصنع قطعة من التاريخ للعالم بأن تجاوزت لأول مرة فى التاريخ الإيرادات المحلية للسينما الأميركية . بتراجع طفيف ظلت النسبة تدور حول رقم 49 0/0 معظم سنوات التسعينيات حتى عام تايتانيك 1998 . بعد ذلك بدأت المفاجأة بأن تجمدت الإيرادات الدولية عند معدل إيجارات نحو 2.5 بليون دولار ، بينما ظلت تشهق الأرقام المحلية على نحو مذهل …وحدها !

Roberto Benigni, Academy Awards ceremony, Los Angeles County Music Center, March 21, 1999.

The Whole World Is a Hollyworld:

Roberto Benigni's La Vita E Bella (Life Is Beautiful; 1998) was the first non-English language movie to receive an acting Oscar or to hit more than $60 million in American box-office.

نعم ، معدل الزيادة السنوية للسوق المحلية يكاد يكون ثابتا عند 10 0/0 وصلت الأرقام المحلية إلى 3.5 بليون نصيب إيجارات الستوديوهات عن سنة 2001 ، ووصل إجمالى الشباك ‑أى الإيجارات زائد نصيب دور العرض‑ لجميع الشركات ستوديوهات ومستقلة إلى 8.14 بليونا ! كما ظل عدد المشاهدين داخل أميركا يضرب السجل القياسى ’ المعاصر ‘ ( كما بات يسمى ! ) بمعدلات ضخمة نحو يفوق 5 0/0 سنويا ، وعاد ليكسر من جديد رقم بليون ونصف تذكرة ، وإن كان بعيدا جدا بالطبع كما تعلم ، عن رقم العصر الذهبى سنة 1946 وهو أربعة بلايين تذكرة ، عندما كان المواطن الأميركى يذهب ثلاث مرات للسينما أسبوعيا فى المتوسط !

السؤال : لماذا تحدث كل هذه الإنجازات المدهشة فى الداخل ، بينما تتجمد الإيرادات العالمية للسينما الأميركية ؟ أليست السوق العالمية كما توقعنا وتوقع الكثيرون ، هى الكمون potential الكبير الذى بات ناضجا لا ينتظر إلا غزو السينما الأميركية له ؟ هل الدولار أقوى مما يجب والأرقام مضللة ؟ الدولار يوصف بالقوة خلال 2001 ولم يعد كذلك فى 2002 هل بات العالم فقيرا لهذه الدرجة مقارنة بأميركا ، ولا يستهلك الترفيه مثلها ؟ هل اختلف الترتيب التقليدى للدول فى استهلاكها للفيلم الأميركى ، والمطابق لترتيب الناتج الداجن الإجمالى GDP لها ؟ هل انتصرت الدعاوى المنادية بمقاومة الغزو الثقافى ؟ هل هناك غزو ثقافى مضاد ، والدليل اكتساح أفلام ناطقة بغير الإنجليزية على غرار ’ الحياة جميلة ‘ 1998 و’ النمر الرابض التنين الخفى ‘ 2000 للشباك الأميركى .

Spanish actress Penelope Cruz, Paris, September 24, 2002.

The Whole World Is a Hollyworld:

So Many Spanish Talents in That So Globalized Hollyworld!

المدهش أنه باستثناء السؤال الخاص بهل باتت الأفلام الصينية كما جميع السلع الصينية تغزو أميركا ، الإجابة على جميع الأسئلة هى ’ لا ‘ كبيرة !

مبدئيا الخريطة لم تتغير ، وكما نقول دوما ، استهلاك الشعوب للفيلم الأميركى ، هى أحد مظاهر رخائها وتحضرها . الياپان فى الصدارة بإيجارات قدرها 327.6 مليون دولار ، وبمؤشر ملفت أن الفيلم الأميركى تقدم فيها بنسبة 1.1 0/0 رغم تراجع السوق الدولية ككل 7 0/0 . بريطانيا التالية مباشرة فى قائمة الأسواق الرئيسة للفيلم الإميركى ، وبفارق ملموس بعد الياپان ، حيث جنت الإيجارات بـ242.2 مليونا . تتوالى بعد ذلك ألمانيا بـ239 مليونا ، وفرنسا 166.2 ، وإسپانيا 151.1 ، والمكسيك 116.3 ، وأستراليا 101.7 ، وإيطاليا 94 مليون دولار .

صحيح الدولار كان فى أوج قوته العام الماضى . وضعف العملات العالمية لا يقف عن مجرد رقم لتغيير العملة ، يحجم فى حد ذاته من إغراء الاستيراد من بلد العملة القوية . إنما هو مؤشر لأشياء كثيرة أعمق ، دليل على ضعف الاقتصاد وكساد أحوال المواطنين وتردى قدراتهم الاستهلاكية ومن ثم الاستيرادية سواء من بلاد العملات القوية أو غير القوية …إلخ . لكن لحسن الحظ أن الاقتصاد ليس كل السبب ! باسثناء الأرچنتين التى شهدت انهيارا اقتصاديا شاملا خلال العام ، وهوت إيجارات الأفلام الأميركية فيها بنسبة 32 0/0 ، والبرازيل التى كانت على شفا ذات الإنهيار ، وهوت تلك الإيجارات بنسبة شبيهة هى 28 0/0 ، يمكن عامة القول إن الاقتصاد ليس السبب المباشر لذلك الانقلاب ، إنما تحديدا ظهور مجموعة من الأفلام المحلية التى استأثرت بأسواقها . مثل و’ حذاء المانيتو ‘ Manitou's Shoe فى ألمانيا ، و’ أميلى ‘ Amelie فى فرنسا ، و’ وأمك أيضا ‘ Y Tu Mama Tambien فى المكسيك ، وغيرها . وعامة ، وبالمثل فى أوروپا على سبيل المثال هوى نصيب الأفلام الأميركية من 73 0/0 إلى 65 0/0 فى العام الأسبق ، طبعا لصالح الأفلام المحلية جيدة الصنع .

Spirited Away (2001)

The Whole World Is a Hollyworld:

Hollywood, Spirited Away!

وطبعا على رأس الجميع هذا العام فيلم ’ الاختطاف خارجا ‘ Spirited Away فيلم الاستحراك الذى أصبح أنجح فى كتاب الإنتاج المتاح فى Movieweb.com فيلم فى تاريخ السينما الياپانية ، محققا 230 مليون دولار داخلها وينتظره الكثير خارجها ، وتشاطره دب برلين الذهبى ليس غالبا إلا البداية لرحلة شباك تذاكر عالمية مظفرة . الرقم المذكور ضرب رقم ’ تايتانيك ‘ نفسه فى السوق الياپانية ، وهو 208 مليونا ، ويعيد اللقب لفنان الاستحراك الياپانى المخضرم هاياو ميازاكى ، الذى كان قد حمله عن فيلمه السابق ’ الأميرة مونونوكى ‘ ( 1997 ) ، والذى حقق 154 مليونا من الدولارات فى حينه . لكن بعض المفاجأة يزول لو قرأنا ما يقوله أصحاب هذه الأفلام وجميع قمم صناعة الاستحراك الهولليوودية نفسها عن ميازاكى . مثلا چون لاسيتر المدير التنفيذى لپيكسار إن ’ قصة لعبة ‘ ( فيلمه الذى دشن الاستحراك الحاسوبى ثلاثى الأبعاد سنة 1995 ) نفسه يدين بالكثير لميازاكى . ويقول إنه كلما صادفنا مشكلة فى فن التحريك نعتقد أن لا حل لها ، نذهب جميعا لغرفة العرض ونشاهد أحد أفلامه ، ودائما ما كنا نجد الحل . أيضا يبدى دهشته وانبهاره البالغين من تقانة ميازاكى فى تنفيذ أفلامه بعكس كل الخطوات التقليدية المعروفة فى ديزنى وغير ديزنى . فهو يبدأ بالرسم أولا ، ثم تدريجيا يعثر على القصة المناسبة ، وأخيرا يضع كلمات الحوار التى تناسب حركة الشفاه العشوائية المحددة سلفا . أما كيرك وايز مخرج ديزنى المخضرم والأسطورة أيضا فى حد ذاته ( صاحب ’ الجميلة والوحش ‘ و’ أحدب نوتردام ‘ ) ، فيقول إن ميازاكى هو ديڤيد ليين التحريك ، وإنه قرر تأجيل كل مشروعات پيكسار التى كان يشتغل عليها ، عندما أخبرته الشركة الأم ديزنى أنها تفكر فى عرض ’ الاختطاف خارجا ‘ فى نسخة إنجليزية . وكان رده : إنها الفرصة للتعلم تحت أقدام أستاذ كبير ! تقول الأسطورة إن ميازاكى الكهل ( مولود 1941 ) كان قد قرر الاعتزال بعد ’ الأميرة مونونوكى ‘ ( 1997 ) ، لكنه عدل عن قراره حين تعرف بطفلة لأحد أصدقائه مقطبة الجبين دوما ، ومن ثم ومن ثم استوحى الشخصية الرئيسة للفتاة شيهيرو فى ’ الاختطاف خارجا ‘ ، الذى هو فقط الثامن فى مجمل مسيرته الفنية .

[ الفيلم عبارة عن عمود فقرى هو ’ أليس فى بلاد العجائب ‘ ، مطعما بما يشبه موسوعة لأساطير لعصر الحديث منذ هانز كريستيان أندرسون والأخوان جريم ، مرورا برواية ’ لورد الخواتم ‘ التى استقى عنها أن ينسى الناس أسماؤهم ، وهى نقطة محورية فى فهم مغزى الفيلم المتعلق بالحاجة لكتشاف الإنسان لهويته والتمسك بها ، وانتهاء ببعض الإحالات لأفلام ديزنى الشهيرة بل وبصريا أحيانا لسلسلة ’ حروب النجوم ‘ . ويبدو أن كلمة الموسوعية هى المفتاح لشباك التذاكر هذا العام ، فهارى پوتر موسوعة لأساليب السحر ، و’ مملكة الخواتم ‘ موسوعة لأساطير اليونانية فى قالب تصعيدى هائل . هذا عن عرضه الأول فى مصر من خلال افتتاح مهرجان القاهرة الدولى لسينما الأطفال فى 13 مارس 2003 . بعد هذا بعشرة أيام فاز بجائزة أحسن فيلم استحراك طويل . وهذا صنع تاريخا لكونه أول استحراك بالسيليولويد يفوز بالجائزة التى فاز بها من قبل فيلم واحد هو ’ شريك ‘ العام الماضى ، وهو استحراك حاسوبى . جزء من المفاجأة فى منحه الجائزة أنه أقل الأفلام المسماة نجاحا فى السوق الأميركى ، ووقف فى مواجهة كاسحات السوق من أمثال ’ العصر الجليدى ‘ و’ لايلو وستيتش ‘ . ] .

العالم يذهب لهولليوود . الكل يحاول أن ينتج بنفسه أفلاما على النمط الأميركى . لا كلام على الثقافة ولا يحزنون ، فقط أفلام مما تسمى بالتجارية التى تكرها الصحافة فى كل مكان . باختصار الصورة العالمية الآن أقرب لحفنة من أسواق ناشئة ‑وربما واعدة‑ تجرب حظوظها بأفلام هولليوودية لكن بوجوه وألسنة غير أميركية !

إنها ، لو أردنا إيجاز الظاهرة فى الاشتقاق لى أكتبها الآن 20030306 من الذاكرة ، وللتأكد عملت بحث لكل نصوص صفحات موقع ڤاريتى والنيو يورك تايمز لدى كلمة : هولليوورلد ! اكتب رأيك هنا

تحديث : 20 أغسطس 2002 : الأرقام عن صعود الشباك الأوروپى تؤكد ما كتبناه هنا عن انتصار البعد البيزنسى وقناعة الجميع به على حساب الهراء الثقافى العتيق . مصدر الأرقام شركة دودونا للأبحاث ومجلة سكريين إنترناشيونال ، ويمكنك قراءة ملخصها فى قصة ڤارايتى بالأمس أو البى بى سى اليوم . الكلام عن الشباك عامة ، وعن جماهيرية السينما عامة ، ولا يحاول الفصل بين ما هو منتج أميركى ومنتج أميركى من حيث الأفلام . لكن العبرة هى ذلك الصعود الكاسح للصناعة ككل فى أوروپا ، بالذات فى الأسواق الصغيرة كالبرتجال والتشيك وپولندا ، والتى بلغت الطفرة فى بعضها أكثر من 250 0/0 فيما بين عامى 1995 و2001 . ارتفاع مستويات المعيشة زائد الاستثمارات فى البنية التحتية كبناء المليپلكسات ، تعد من أبرز عوامل الطفرة . والآن السباق مفتوح للأفلام الأفضل سواء المحلية أو الهولليوودية للتكسب من هذه البنية التحتية العملاقة ، وأيضا ‑وهو الأهم‑ من نهم الجمهور المتزايد نحو السينما .

إليك موجز بالنتائج ، مع ملاحظة أن النسب تتأثر بوضوح لدى الوضع بالاعتبار قوة الدولار الحالية :

 

2001

% change 1995-2001

Projected % change 2001-2006

Population

472 million

1.4

0.7

Screens

28,629

29.6

7.7

Admissions

1,021 million

35.8

17.4

Average ticket (€)

5.49

29.5

13.0

Box office (€)

5606 million

75.8

32.7

Average ticket ($)

4.91

10.5

13.0

Box office ($)

5018 million

21.5

32.7

Source: Singapore Film Commission Is the Available Chart Source Dodona Research and Screendaily.com

… والبقية تأتى ] .

[ ماذا حدث فى العام التالى 2002 ؟ مفاجأة كلية … قفزة 25 0/0 فى رقم الشباك الخارجى للسينما الأميركية ! تابع التحليل المستفيض بالأسفل .

ماذا حدث فى 2002 للأرقام الأوروپية ؟ أيضا تابع بالأسفل .

ماذا حدث فى أوسكار 2002 ؟ أربعة من الأفلام الخمسة المسماة لأوسكار أفضل فيلم صورت بالكامل خارج أميركا ، وكذا معظم الفيلم الخامس ، ولا شىء فى هولليوود ‑لوس أنچيليس نفسها . بمعنى أن أميركا تدعم كل سينمات العالم فى عقر دارها ، ومنها مثلا ستوديوهات كشينشيتا طال إغلاقها ، ومن ثم تضيف بعدا جديدا لكلمة هولليوورلد . انظر القصة المستقلة فى قسم المهرجانات ] .

 

 11 يوليو 2002 : القراءة لآرمى آرشارد ( 50 عاما و12 ألف عمود فى ڤارايتى ) متعة . للوهلة الأولى من يقرأ له يعتقد أنه مجرد عمود أقاويل آخر ، مقال 1993 عنه Variety_com - Army Archerd 40 Years as Hollywood's town crier.htm ومنه أيضا تقدير عدد الأعمدة يحكى ماذا فعل فلانا صباحا ، من قابل ، أى مشروع ربما تحادثا فيه ، هل أصبحت فلانة حاملا ، إلى أى حفل ذهبا معا ، من ذهب أيضا للحفل ، من دخل المستشفى ، ولماذا ، إلى آخر ما تعرفه جيدا ولا شك أنك شئمت من تفاهة نظائره فى المجلات العربية . آرمى آرشارد ليس كذلك . أولا الأخبار دقيقة للغاية ، وعنه اشتهرت كلمة حفل تكريم بداية العام الحمسين له فى فبراير الماضى فيما أذكر أنه يراجع الخبر مرتين . ثانيا هى أخبار فعلا ، بمعنى أن من الصعب على الآخرين الوصول إليها مثلة ، وغنى عن القول إنه صديق ودود للجميع فى هولليوود بدءا من النجوم إلى عموم الشغيلة . ثالثا وهو الأهم أن ما يكتبه هو تجربة إنسانية ، تخرج منها مشبعا لا بمعلومات فقط بل بمشاعر مؤثرة أيضا ، ويجعلك أقرب لصديق لهؤلاء المشاهير الذين تراهم على الشاشة أو تقرأ عنهم فقط .

اليوم كتب شيئا استثنائيا : Remembrances of Par's Past . هذا الأسبوع تمر تسعون عاما على تأسيس پاراماونت . ويا لها من مناسبة للاحتفال ! وقد احتفل بنا آرشارد بذكرياته الخلابة عن الستوديو المجيد ، ومن غيره أجدر بهذا !

أولى وظائفه كانت موظف بريد فيها بعد تخرجه من يى سى إل إيه سنة 1941 ، ويالها من ذكريات ساعى بريد مع بشر ما هم ببشر بل بأساطير . ورشة الملابس كان توحى له بقدرتها على إلباس جيش كامل ، وفى مقابلها مبنى ملابس النساء ، حيث الرئيسة هى إيديث هيد ( لا نعتقد أنها كانت تكدس عشرات تماثيل الأوسكار هنا ، إنما فى بيتها ! ) . دع جانبا بالطبع أن آخر ما يمكن أن توصف به الأحداث الجارية فى قسم الموسيقى ، أنها أحداث يومية ، بل هى فرجة ومتعة تفوقان الوصف بالتأكيد . ذلك ما يلمح إليه ، وهذا ما نتخيله نحن . أضف لكل هذا وصفه المثير لخريطة المكان ومبانيه ، وللبشر بدءا من بطوابير الممثلين الإضافيين أمام نافذة خاصة كل صباح أملا فى يومية شغل ، مرورا بالنجوم الساطعة الذين يصطدم بهم كتفك فى الطرقات ، وانتهاء بالمديرين وهالة الأساطير حولهم ( عامة هو على العكس من پيتر بارت مثلا رئيس ذات المجلة ، لا يبدو مقربا جدا من أباطرة الستوديوهات ولا يعنى بشئونهم ومشاغلهم وأسرارهم مثله ، إلا بالطبع الإنسانى منها ومن بعيد نسبيا فى الأغلب ) .

ثم أصبح محررا لحساب الأسوشيتيد پرس فالهيرالد تريپيون حتى استقر فى ڤارايتى فى 1953 . فى كل هذه الوظائف كان يأتى بالقصص من پاراماونت . باربرا ستانويك كانت أول ’ نجم سينمائى ‘ يقابله . كان هذا سنة 1946 ، وهو مراسل للأسوشيتيد پرس ، وهى تشتغل فى فيلم ’ كاليفورنيا ‘ . تركته ينتظر بالساعات ، فانصرف ، ثم عادت واعتذرت . ويضيف أنهما صارا أصدقاء فيما بعد رغم أنه هو الذى كتب قصة طلاقها من روبرت تايلور . ويروى طرفة مستعقدة من كواليس فيلم ’ أعظم استعراض على الأرض ‘ ، حيث چيمس ستيوارت بكامل زى وتنميق المهرج ، يستوقفه فى الطريقة بينج كروسبى ، ويتفحص بعض التفاصيل فيه ، وأخيرا يصرفه بسؤال : ’ هل لديك شغل اليوم يا چيم ؟ ‘ . والمعنى أكثر من مزدوج وافهمه كما شئت ، فستيوارت مهرج أصلا وليس لديه شغل ، أو ربما ثم معنى أبعد هو أن التهريج هو الشغل الحقيقى وما كان يفعله سابقا لا يعد شغلا ! ( ما رأيك أنت ؟ ) . موجه الفيم سيسيل بى . دو ميل أسطورة أخرى . كان له مبنى خاص به ، وهنا يروى آرشارد ذلك الاقتباس الشهير الذى طالما نتناقله ولا نعرف أصله ( والبعض ينسبه لليويس ماير أيضا ) . سأله آرشارد : ’ مستر دو ميل ، قل لى كيف تعرف أى الأفلام سيحقق مليون دولارا ؟ ‘ ، وهنا جاءت الإجابة الشهيرة : ’ لو هناك أى أحد يعرف أى الأفلام سيحقق مليون دولارا ، فأنا على استعداد لاستئجاره نظير ألف دولار أسبوعيا ! ‘ . ( عامة نحن لا نؤمن بأن هذه المقولة لا تزال صحيحة ، على الأقل فى الغالب الأعم من الأفلام ، وبعد التراكم الطويل للخبرة فى هولليوود ، وكذا النمو المضطرد فى أدوات فهم الجمهور ، والتطور الكبير فى آليات التأثير فيه بالدعاية وما إليها . بل الحقيقة أن أغلب ما لم يمكن التنبؤ به كان مفاجآت سعيدة وليس العكس . للمزيد اقرأ صفحة الفن الجماهيرى ) .

أخيرا يضيف آرمى آرشارد أن حفل پارماونت الوحيد الذى يفوق حفل عيد الميلاد التسعين لها ، هو حفل عيد الميلاد المئة لمؤسسها أدولف زوكر ، وكيف أن حضرته من كانت ملكة الجنس فى پاراماونت يوما ماى ويست !

وبعد ، شكرا يا جدو آرمى . وكل عام وأنت بخير يا پاراماونت . ويكفيك فخرا أنت وزميلاتك الشابات دائما أبدا ، أنكن شكلتن عقل ووجدان مئات الملايين من البشر فى كل جيل ، بأرقى ما يكون التشكيل . ولا زلتن ! العالم كان سيكون أسوأ كثيرا بدونكن ، أو حتى لا يمكن تخيله أصلا ! اكتب رأيك هنا

 

Jack Valenti, the opening address to the ShoWest Convention, Paris Hotel, Las Vegas, March 4, 2003.

The speech entitled ‘Emerson’s Doctrine —The Very Good, the Not-so-Good, the Brooding Menace, and the Wonder and the Beauty of Human Behavior!’

 4 مارس 2003 : اليوم قدم چاك ڤالانتى تقريره السنوى عن صناعة السينما الأميركية والعالمية ، Olink, Variety_com - Biz ticks with pricey pix.htm وذلك أمام المؤتمر البيزنسى الهولليوودى السنوى شويست ShoWest فى لاس ڤيجاس .

شباك التذاكر الأميركى حقق سجلا جديدا قدره 9.5 بليون دولار ، بزيادة 13.2 0/0 هى الزيادة السنوية الأعلى فى العشرين عاما الأخيرة . افتتاح ’ الرجل العنكبوت ‘ بـ 115 مليونا فى عطلة الأسبوع الأولى له هو سجل قياسى هائل ، كما الحال مع عدد الأفلام التى افتتحت بخمسين مليونا فأكثر ، والذى كان تسعة !

الأرقام الأكثر إثارة ، هى تلك التى لم تعتد هولليوود الحديث عنها . إنها أعداد المشاهدين . كلنا يعلم أن السجل القياسى للتذاكر سجل سنة 1946 بما يفوق الأربعة بلايين تذكرة . بعد ذلك هوى عدد المشاهدين بسرعة وحلت وسائط أخرى أكثر جماهيرية كالتليڤزيون ، ونادرا ما تعمم أرقام التذاكر كما يحدث فى فرنسا مثلا . وحتى لو عممت لا يركز عليها أحد ، ويفضل حديث الدولارات . ڤالانتى كسر القاعدة هذا العام . قال إن 2002 شهد 1.64 بليون تذكرة ، أى ما يفوق كل تذاكر رياضات المحترفين الأربع ‑البيسبول وكرة القدم وكرة السلة والهوكى‑ مجتمعة ، وبالطبع الشباب ( ما بين 14-24 ) كان فى الطليعة واشترى نصف التذاكر المباعة وحده . مع ذلك من هم فوق الأربعين مثلوا 32 0/0 من التذاكر المباعة ! وطبعا لم يسع ڤالانتى فى موقع آخر من حديثه إلا الترحيب بالشراكة المثمرة للـ MPAA مع النيتو ( الجمعية القومية لمالكى المسارح National Association of Theatre Owners ) ، وهو التعاون المتمثل فى التزام دور العرض التابعه لهذه الأخيرة بنظام التعيير الرقابى الذى تضعه الأولى للأفلام ، والذى يجده الآباء مفيدا لاختيار ما يشاهده أطفالهم ، ومن ثم يساعد ذلك على ازدهار صناعة التصاوير المتحركة ككل .

عدد تذاكر 2002 زاد بنسبة قدرها 10.2 0/0 عن العام السابق عليه . وهنا ألمح ڤالانتى للأيام الخوالى لسنوات العصر الذهبى تلك بطريقة ذكية غير مباشرة حين وصف تلك النسبة ، بأنها الأكبر فى الخمسة وأربعين عاما الأخيرة ولم تحدث ’ منذ أيام كان دوايت أيزنهاور رئيسا ‘ . عدد من دخلوا السينما خلال سنة 2002 بلغ 166 مليون أميركى ، 38 0/0 منهم يعدون كثيرو التردد ، وتعريفها التردد 12 مرة أو أكثر فى السنة . بعبارة أخرى أصبح معدل التردد 5.7 تذكرة لكل نسمة خلال عام 2002 . ورغم أنه بعيد جدد عن نسب التردد فى العصر الذهبى ، إلا أنه مؤشر بالغ القوة لعودة السينما لطليعة وسائط الترفية مرة أخرى . يحدث هذا رغم المنافسة القوية من الترفيه المنزلى ، حيث ثم 97.6 مليون منزل مجهزة بأجهزة ڤيديو ، و72.2 مليونا مجهزة بوصلة لتليڤزيون الكيبول ، منها 34.4 مليونا ابحث عن المقصود بالضبط بالاشتراكات المتميزة المسماة premium . أيضا ثم 17.6 مليون منزل مجهزة بتليڤزيون الساتيلايت ، و38.8 مليونا بأجهزة دى ڤى دى ، والتى وصل عدد العناوين المتاحة لها لأكثر من 20 ألف عنوانا . أما أحدث رقم لنفاذية الإنترنيت فهو 66.9 مليون منزل . لكن فى المقابل أكد ڤالانتى من ناحية على الاتقان والإبهار الذى باتت تصنع به الأفلام . ومن ناحية أخرى لأن السينما لا تزال الأرخص كترفيه‑خارج‑الأبواب ، وعقد مقارنة مثيرة فى هذا ، قائلا إن الأسرة المتوسطة المكونة من أربعة أفراد تتكلف 236 دولارا فى المتوسط لدخول عرض مسرحى فى برودواى ، و214 دولارا لدخول مباراة كرة قدم ، و204 دولارا لدخول مباراة كرة سلة ، و184 دولارا لدخول حفل موسيقى . أما دخول لسينما فلا يكلفها إلا 23.23 دولارا !

باختصار عام 2002 هو أعظم أعوام السنة الأميركية منذ 1946 ، ولهذا نهدى القارئ هذه اللائحة التى طال انتظارنا وتجميعنا لها . وبعضها جهد غير معمم من قبل أو تقديرى ، استكملتها وملأت فجواتها بتقديرات على مسئوليتها الـ MPAA ، بالذات أرقام شباك التذاكر فى العقود السابقة ، وأرقام التذاكر باستثناء الرقم الشهير لسنة 1946 المعروف للكافة .

Year

Box Office ($M)

% Change Prev. Period (%)

Admissions (M)

% Change Prev. Period (%)

Average Ticket Price ($)

% Change Prev. Period (%)

2002

9,519.6

13.2

1,639.3

10.2

5.81

2.7

2001

8,412.5

9.8

1,487.3

4.7

5.66

4.9

2000

7,660.7

2.9

1,420.8

(3.0)

5.39

6.1

1999

7,448.0

7.2

1,465.2

(1.0)

5.08

8.3

1998

6,949.0

26.5

1,480.7

17.3

4.69

7.9

1995

5,493.5

12.8

1,262.6

7.6

4.35

4.8

1992

4,871.0

(3.0)

1,173.2

(1.3)

4.15

(1.7)

1990

5,021.8

33.9

1,188.6

12.5

4.23

19.0

1985

3,749.4

36.4

1,056.1

3.4

3.55

31.9

1980

2,748.5

30.0

1,021.5

(1.1)

2.69

31.4

1975

2,114.8

48.0

1,032.8

12.2

2.05

32.0

1970

1,429.2

37.2

920.6

(10.8)

1.55

53.7

1965

1,041.8

5.8

1,031.5

(20.9)

1.01

33.8

1960

984.4

(18.2)

1,304.5

(37.1)

0.76

29.9

1955

1,204.0

(12.7)

2,072.3

(31.3)

0.58

27.1

1950

1,379.0

(18.5)

3,017.5

(25.8)

0.46

9.9

1946

1,692.0

-

4,067.3

-

0.42

-

Source: Magical Long-Awaited MPA Snap Shot 2002 US Theatrical Market.pdf MPAA

لو أردت تلخيصها فى كلمة ، ستقول إن السينما وصلت لذرة عصرها الذهبى سنة 1946 ، ثم ضربتها الحكومة بالتهمة السخيفة المسماة التواثق trust أو الاحتكار monopoly ( أو لعل الكساد والحرب كانا قد انتهيا ، وبدأ الناس ينصرفون عن الترفيه لأشياء أخرى فى الحياة ! ) . هولليوود لم تكن قد أضعف مما كانت عليه سنة 1960 ( حتى المستقلون وحتى بطل موسوعة جينيس فى ثقل الظل چان لووك جودارد كانوا يتطاولون عليها آنذاك ) . ببطء شديد بدأت تستعيد عافيتها ، وقيل فى تفسير هذا ، إنها ‑أى مصنع الأحلام‑ كانت قد أصبحت جزءا من البناء العقلى والوجدانى للعشيرة الإنسانية لا تستطيع الاستمرار بدونه . التسارع الحقيقى بدأ فى التسعينيات ، واليوم نضيف بكل الإعجاب أنه أصبح أكثر تسارعا فى صفريات القرن الجديد .

ملحوظة : قبل نحو أسبوع فى الواقع اكتشفتها بالبحث عن دودونا فى 20040313 ! أو تحديدا فى 23 فبراير كانت ڤارايتى قد عممت قصة مبكرة جاءت بها فيما يبدو من كواليس استعدادات الـ MPAA لتقرير الشو ويست السنوى هذا . تلك القصة ذكرت أن مبيعات التذاكر سنة 1949 بلغت 4.9 بليون تذكرة . هذا الرقم كان بمثابة الصدمة لى لأنه يغير ثوابت كثيرة درجنا عليها ، وكان سببا كافيا أن أجلت الإشارة لما جاء بتلك القصة رغم إثارته الكبيرة ، وانتظرنا حتى تكاملت عندنا الأرقام الدقيقة التى نقدمها لك اليوم ، والتى لحسن الحظ جاءت أسرع مما توقعنا .

بالتأكيد ڤارايتى هى المرجع الأكثر وثوقا فى دنيا الصحافة الفنية ، لكن هذا الرقم بالذات لا يتسق مع رقم الـ 4 بلايين تذكرة عام 1946 الذى تحدثنا به كثيرا هنا ( بل ولطالما درجنا عليه فى كتاباتنا النقدية منذ عقود ) ، وهو فى الواقع رقم لطالما أثار أكبر اهتمام فى المراجع السينمائية ، ولا يعقل أن كانت تتجاهل معه رقم 1949 المزعوم . الأهم طبعا أنه لا يتسق مع هذه اللائحة ( الرسمية لو شئت باعتبار مصدرها الأساس MPAA ) . فكما ترى هى تشير لهبوط حاد متسارع ما بين عامى 1946 و1950 ، لا ينسجم مطلقا فى وسطه ذاك الرقم القفزة . تفسيرنا الشخصى أن الكاتب أخطأ فى النقل عن مراجع الـ MPAA وهو يغطى القصة ، ونستبعد تماما أن يكون هذا رقما موثقا فى ڤارايتى نفسها أبدا .

المهم ، القصة المذكورة حافلة بالكثير من الأرقام الأخرى ، لا غبار عليها أو تشير لها كتقديرات أولية للعام الأخير . طبعا تكرر المعلومة الشهيرة أن معدل تردد الفرد الأميركى على السينما كان 40 مرة فى السنة ، وهو رقم هائل لو تأملت فيه ، لأنه متوسط عام يشمل الرضع والكهول والنساء والأرياف وكل أحد ، وربما يعنى أن رجال ونساء المدن مثلا كانوا يذهبون للسينما 3 مرات أسبوعيا على الأقل . من أرقام القصة أيضا أن تذاكر ذهب مع الريح بلغت 202 مليون تذكرة ، وأنها تقريبا ضعف تذاكر تايتانيك ، أما أنجح أفلام العام الماضى الرجل العنكبوت هائل الإيرادات ( 404 مليونا فى الشباك الأميركى أى ثلثى تايتانيك ) فلم يشاهده سوى 10 0/0 من السكان . كذا قالت إن مبيعات 2002 التى بلغت 1.5 بليون تذكرة داخل أميركا ( رقم تقريبى مبكر كما هو واضح وقد دققته الـ MPAA إلى الرقم الأعلى قليلا المذكور باللائحة أعلاه ) ، وأضافت أنه الأعلى منذ 43 سنة ، وهذا بالطبع يبدو متسقا مع اللائحة أعلاه ) .

تحليلنا للعام الماضى أعلاه انصب على السوق الدولية ( الخارجية ) . قلنا إنها كانت ضعيفة بالنسبة للفيلم الأميركى خلال سنة 2001 . الصورة استقاء من أرقام ڤالانتى اليوم تبدو مختلفة جدا هذا العام . وبالمثل ، ولأول مرة منذ وقت طويل يستخدم أحد أرقام التذاكر : 7.3 بليون تذكرة . والزيادة عن 2001 هى 7.5 0/0 ! هذا يعنى بالدولارات 9.64 بليونا ، وقفزة مذهلة 25 0/0 المؤكد أنها لم تحصل فى عام واحد مفرد منذ اختراع السينما . لا نملك إلا تكرار التأكيد على النظرية التى تحدثنا عنها مرارا من أن الترفية وبالأخص مصنع الأحلام السينمائى ، تزدهر فى فترات الكساد والحروب كما لا تزدهر أبدا فى أى وقت آخر . وكنا نذكر دوما بأن ليويس ماير كان أغلى مدير فى العالم فى كل حقبة الأربعينيات ، وكان الأميركى الوحيد الذى يمكنه رفع سماعة الهاتف ليحادث هتلر ، رغم أن بلديهما كانت فى حالة حرب ، وطبعا رغم أنه يهودى !

عامة فيما يخص 2001 كنا قد قلنا قوة الدولار من ناحية ، ومن ناحية أخرى قلنا جودة الإنتاجات المحلية . الأولى انقلبت بالطبع ، لكن الثانية لا تزال صحيحة . بعض من ذات الأفلام التى أشرنا لها أعلاه كخبطات عالمية فى العام الماضى مثل ’ أميلى ‘ Amelie من فرنسا ، و’ وأمك أيضا ‘ Y Tu Mama Tambien من المكسيك ، ’ الاختطاف خارجا ‘ Spirited Away من الياپان ، حقق هذا العام أرقاما جيدة من داخل السوق الأميركية نفسها . ولا تزال القائمة تتواصل . المهم أن كسبت هولليوود تلاميذا نجباء فى كل مكان ، وهذه لا يمكن أن تكون خسارة ، فالمنافسة تخدم الجميع ، وفيلم جيد يعيد الناس للسينما يكسبهم لكل الأفلام لفترة طويلة ، والجودة لا تعرف الحدود وفرقة الثقافات ، أو باختصار لقد تمت حلوبة هولليوود ، أو ما أسميناه هولليوورلد ، ولا رجعة عن هذا .

يلاحظ أن السوق الآسيوية تعادل تقريبا ما يسمى سوق أوروپا / الشرق الأوسط / أفريقيا EMEA ( والمقصود بها تاريخيا وضمنيا أوروپا / إسرائيل / جنوب أفريقيا ) ، وذلك عند نسبة 40 0/0 من إجمالى الحصيلة العالمية لكليهما . أيضا سوق أميركا الجنوبية تكافح لتحسين نسبتها المتمثلة فى 10 0/0 من الاستهلاك العالمى للفيلم الأميركى .

Spider-Man (2002)

Hollywood’s Greatest Year Since 1946:

Movies dramatically thrive almost everywhere inside and outside the U.S. It’s depression time again, friend!

مع ذلك الصورة ليست زاهرة جدا فى الواقع . الإيرادات ليست كل شىء ، الكساد يصنع مداخيلا هائلا لصناعة الترفيع ، لكنه لا يصنع أرباحا بالضرورة . عامة لو رجعنا قليلا للوراء سنجد الكثير من الأخبار غير السارة فى العام الأخير . Variety_com - AOL TW falls off the cliff.htm : إيه أو إل تايم وارنر ، ليست على خير ما يرام ، وسجلت فى 29 يناير الماضى رقما قياسيا فى رقم الخسائر فى تاريخ شركات العالم ، وهو 100 بليون دولار عن عام 2002 . 19 يناير 2003 Variety_com - The Year in Film.htm : رجل كرسى ديزنى منذ 1984 مايكل آيسنر أصبح الآن أقدم شيوخ الضباط التنفيذيين CEOs للشركات خدمة فى تاريخ الداو چونز . مع ذلك كان هذا علامة البداية لفقده بريقه وسحره طويلى المفعول ، منها أن تعرض للكثير من الانتقادات العلنية لأول مرة فى تاريخه خلال العام الأخير . ربما السعداء الوحيدون الذين لم يجدوا شيئا ينغص عليهم حقا ، هم مديرو كولومبيا ، وبالأحرى شركتها الأم سونى . ’ الرجل العنكبوت ‘ تصدر العام داخليا ( 404 مليونا ) وجاء ثالثا خارجيا ( 476 مليونا ) تاليا للأجزاء الثانية لكل من هارى پوتر ومملكة الخواتم ( لا تزال تعرض وقترب من 600 و500 مليونا بالترتيب ) . وأصبحت سونى فى صدارة الستوديوهات لأول مرة منذ تأسيسها بهذا الاسم باتحاد كل من كولومبيا وتراى ستار ، وبعد تاريخ حافل من التخبط وتغيير المديرين . فريق الإدارة الجديد المستقر حقق هذا العام فى الشباك العالمى ( أميركى ودولى مجتمعين ) 2.75 بليون دولار . هذا سجل قياسى تاريخى آخر فى عمر هولليوود .

American actor Keanu Reeves, front, director Andy Wachowski, right, and Larry Wachowski, behind Reeves, wait during countdown six seconds till the opening of world premiere of Matrix Revolutions, at a Tokyo movie theater. The final episode of the trilogy was released in more than 60 cities worldwide simultaneously, November 5, 2003 at 11 P.M. in Japan.

2003: The First Literally World Premiere…

Keanu Reeves, Andy and Larry Wachowski, wait during countdown six seconds till the opening of world premiere of Matrix Revolutions, at a Tokyo movie theater. The final episode of the trilogy was released in more than 60 cities worldwide simultaneously, November 5, 2003 at 11 P.M. in Japan.

صحيح ربما أذرع الإنتاج والتوزيع السينمائى ليست هى الابن العاق فى الأسر العملاقة التى تضمها كل واحدة من تلك الشركات الأم ، لكن بالعودة حديث ڤالانتى المذكور نفسه سنجد إشارة مخيفة إلى التكاليف . قال إنها بلغت فى المتوسط لأفلام الستوديوعات أعضاء الجمعية إلى 58.8 مليونا مقابل 47.4 عام 2001 ، أى بزيادة قدرها 23.3 0/0 وهى زيادة مخيفة بالنسبة لعام واحد . المدهش أن الستوديوهات باتت أقل إنفاقا على الدعاية ، حيث قلت أربعمائة ألف للفيلم هن رقم 2001 وكان 31 مليونا . إذن ارلقم الإجمالى لتكاليف الفيلم المتوسط فى سنة 2002 بلغت 90 مليونا ، أو للدقة 89.4 مليونا ، أى تسعين مليونا إلا قليلا أغلبها يظهر على الشاشة ، وهى أرقام لا داعى أن نهديها لنقادنا قطاع الطرق بتوع السينما المسماة بالفنية والواقعية …إلخ ، ذلك أننا منشغلون بمتى سيتم كسر حاجز المائة مليون !

مع ذلك يجب أن نضيف أن 2002 كان عام العصر الجديد للمستقلين . ليسوا مستقلى أواخر الخمسينيات الشيوعيين سليطى اللسان ، إنما مستقلين بيزنسيون وهولليووديون أكثر من بيزنسى وهولليووديى هولليوود نفسها . ’ حبيبتى اليونانية ، صار أنجح فيلم مستقل فى التاريخ ، وأنجح كوميديا عاطفية فى تاريخ الأفلام ، وقد صنع بميزانية شبه صفرية ، ووزعته شركة مستقلة صغيرة اسمها IFC . كان من أنجح خمسة أفلام هذا العام بقرابة ربع بليون داخل السوق الأميركية وحدها . تلك الشركة عينها كان لها فيلم ثان فى ذات العام 2002 . إذ وزعت أيضا الفيلم المكسيكى ’ وأمك أيضا ‘ ، وكان ناطقا بالإسپانية وبدون تعيير رقابى ، وحين يجتمع الأمران لك أن تتوقع إيرادا صفريا ، ناهيك عن كونه من الأصل صفرى الميزانية بدوره ! ما حدث هو أن حقق مليونا تعد نجاحا مدهشا من نوعه . هذا دفع البعض 19 يناير 2003 تود ماككارثى Variety_com - Critically Speaking Film.htm : لاختيارها وبجدارة موزعا للعام .

المستقلون الجدد ليسوا كارولكو وأورايون وميراماكس ونيو لاين ودريمووركس . هذا هو جيل التسعينيات من الشركات المستقلة ، الذى كان رهانه القاعدى أنه يستطيع صنع أفلام أكثر تكلفة من هولليوود . بالطبع لم يكن هذا ما يتباهون به ، بقدر تباهيهم بالزعم أنهم سوف يحققون أرباحا أفضل من الستوديوهات . هذا نادرا ما حدث ، وغنى عن الذكر أنهم جميعا فى النهاية إما أفلسوا ، وإما امتصوا بصورة أو بأخرى داخل نظام الستوديوهات . المستقلون الجدد ، هم فقط من لهم كل الحق وللمرة الأولى ، فى الزعم بأن أفلامهم أكثر ربحية من هولليوود . والكلام من فئة مئات الملايين هذه المرة !

رغم كل هذا جاءت إحصائيات 2002 لتقول إن الستوديوهات أعضاء الـ MPAA أفرجت عن 225 فيلما بزيادة 29 فيلما عن العام الأسبق 2001 ، بينما أفرج الموزعون الآخرون عن 242 بنقص 45 فيلما . ولا تعليق ، سوى أنها أيضا : هولليوورلد ! اكتب رأيك هنا

تحديث : 19 مارس 2003 : فى صفحة الفن الجماهيرى متابعة مستقلة لأحدث التطورات فى السينما الهندية ، بها كثير من الظلال حول موضوع الهولليوورلد هذا ، فإلى هناك ] .

Actress Halle Berry arrives for the screening of her movie Gothika in Berlin, February 25, 2004.

 

Actress Halle Berry arrives for the World Premiere of Gothika at the Mann Village Theatre in the Westwood section of Los Angeles, November 13, 2003.

Sexy:

I Never Liked That Short Haircut!

تحديث : 8 أپريل 2003 : اليوم Variety_com - Majors' overseas revenues grow 18%.htm توافر المزيد من الأرقام حول المداخيل العالمية لهولليوود خلال العام المنصرم 2002 ، ذلك مما يسمى بكل الوسائط all media ، أى التليڤزيون والڤيديو والدى ڤى دى والتليڤزيون المدفوع . 37.3 بليون دولار هو إجمالى مداخيل هذه الوسائط للستوديوهات السبع ( زائد نيو لاين حيثما توزع تحت لافتة وارنر ، وميراماكس حين توزع تحت لافتة بيونا ڤيستا ، ودرييمووركس ذات خريطة التوزيع العالمى المعقدة نسبيا ، فهى سينمائيا عضو فى معلومة من أحمد توفيق ، والكلام ككل اجتهاد وڤارايتى لم توضح شيئا لماذا ضم ما ضم ولماذا استبعد ما استبعد اليو آى پى ، لكن أرقام كل الوسائط المقصودة لا تشمل معظم مداخيلها الآسيوية ) . ذلك الرقم يعنى زيادة قدرها ( صدق أو لا تصدق ؟ ) 18 0/0 أو 5.7 بليون دولار مقارنة بالعام السابق 2001 . نسبة الزيادة وصلت إلى 19 0/0 داخل أميركا ( حققت 22.4 بليونا ) ، و17 0/0 دوليا بما فيه كندا ( حققت 14.9 بليونا ) . الأفلام السمة مثلت معظم إجمالى الرقمين ( 29.9 بليونا ) بزيادة 23 0/0 ، وغالبية البقية بالطبع للإنتاجات التليڤزيونية .

السبب الأساس هو انفجارة الدى ڤى دى عالميا . مبيعات الڤيديو حققت زيادة 31 0/0 عالميا ( اصبح 16.3 بليونا ) ، وهى محصلة انخفاض 12 0/0 فى الڤى إتش إس وزيادة مذهلة 82 0/0 فى الدى ڤى دى .

التليڤزيون المجانى وصل إلى 11 بليونا بزيادة 7 0/0 ، منها 7.3 بليونا داخل أميركا بزيادة 11 0/0 ، وتشير الأرقام لدور الأفلام السمة فى تحقيق معظم الزيادة عنه مقارنة بدور الأفلام التليڤزيونية والمسلسلات . أما التليڤزيون المدفوع فقد حقق 3.3 بليونا بالمناصفة تقريبا بين الداخل والخارج .

الأرقام مذهلة ، ولا تقارن إلا بأرقام 1998 التى قفزت فيها الأرقام بطفرة مشابهة ( مثلا كانت الإيرادات الأوروپية لكل الوسائط قد حققت زيادة 40 0/0 مقارنة بالعام السابق 1997 ) . وعامة لا يمكن تفسير كل الزيادة بضعف الدولار خلال 2002 . بل تعنى أن هولليوود لا تزال بصدد كتابة صفحة جديدة فى قصة عنفوانها العالمى الدائم فنيا وبيزنسيا ومنهجيا ] .

تحديث : 9 ديسيمبر 2003 : هل تذكر الجدول الخاص بالشباك الأوروپى أعلاه ؟ ثم هل هنا لاحظت كيف سارت الأمور بالنسبة للشباك الأميركى من 2001 إلى 2002 ؟ لدينا الآن تحديث مشابه للشباك الأوروپى . المصدر أيضا أحد أبحاث دودونا الموقع يقول أكتوبر مؤخرا ، وكذا عمم اليوم ملخص لها فى ڤارايتى . التركيز هذه المرة كان على المقارنة بين المنتج الأوروپى والمنتج الأميركى ، والنتائج تعيد التذكير بالفجوة الساحقة . 600 فيلم أوروپى عرضت خلال عام 2002 ، 22 فقط منها عرض فى خمس بلاد أو أكثر ، أما البقية فشديدة المحلية ( على الأقل بسبب حاجز اللغة ، إن لم يكن الموضوعات ، وأبرز مثال السينما الإيطالية التى حققت داخليا 39.6 مليون دولار ، بينما فى الدول العشر الأخرى التى شملتها الدراسة لم تحقق سوى مليونين فقط ! أما أنجح 27 فيلم أوروپى فى 2002 ، تلك التى حققت خمسة ملايين دولار أو أكثر ، فقد جاء أكثر من ثلثى إيراداتها من أسواقها المحلية ) . ككل ، الأفلام الأوروپية لم تحقق سوى 1.6 0/0 من الشباك الأوروپى ، والبقية لأفلام هولليوود ، وهذه نتيجة متوقعة .

هل 2002 هدمت نظرية الهولليوورلد التى طرحناها بعد دراما سنة 2001 ؟ ليس بالضبط ، بل لا نعتقد ذلك أصلا . هى تؤكد مقولاتها الأساس ، وهى حتمية الخروج من الطابع المحلى محدودالطموح لآفاق صنع أفلام جلوبية ناطقة بالإنجليزية ذات تقنيات هولليوودية وسخاء إنتاجى كبير . بقدر ما يتوفر هذا بقدر ما تقوى وتتماسك الصناعات المسماة بالقومية . ما نشهده ليس هدما لشىء ، إنما تطويرا للمناقشة . بمعنى أننا ندخل الآن أكثر فى التفاصيل ، ونعتقد أن صناع السينما خارج أميركا ، سيقومون بالتحليل الكافى لم الذى جعل من أفلام 2001 خبطات ، وكيف يمكن تكرار هذا بحيث لا يعد ذلك عاما فلتة لن يتكرر .

فى خاتمة قصة ڤارايتى يصرخ أحد كاتبى الدراسة قائلا ، إنه عبث أن يصنع 600 فيلم أوروپى من أجل تحقيق 600 مليون دولار . ربما هذا يحيلنا للسينما المصرية التى وجدت الإجابة فى تقليل عدد الأفلام ، بحيث لا ينتج سوى ما يضمن النجاح فقط ( انخفضت من 27 فيلما فى 2002 إلى 21 فيلما فى 2003 ، لاحقا حسب نهضة مصر 2003 العام الذهبى للشاشة الرقم 98 مليونا لكن لا يبدو أن الأرقام النهائية لشباك 2003 الوشيك ، ستقل عن المائة مليون جنيه التى حققتها الأفلام المصرية فى العام الماضى . وطبعا لا تنس أنها كانت تكاد تلامس حاجز المائة فيلم فى أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات ) . لاحظ أن هذا كله أيضا مبدأ هولليوودى . بعبارة أخرى ، كما أقول عادة ‑أو أحيانا لمجرد أغاظة من أحدثه !‑ إن السينما المصرية عمرها الآن ست سنوات ( بدأت بلحظة الإفراج عن فيلم ’ إسماعيلية رايح جاى ‘ ) ، نقول بالمثل إن السينما الأوروپية لا تزال أيضا فى المهد . والجميع فى حاجة لبعض الوقت كى ينضجوا كصناعة ، وهذا هو فحوى فكرة الهولليوورلد ، أى بناء السينما كصناعة بعد عقود من الهراء فى أشياء من قبيل الثقافة والمحلية والخصوصية والفن والذاتية والإبداع …إلخ ، حيث لا قيمة لهذه الأشياء إلا لو كانت مستوعبة داخل نمط مستقر وناجح اقتصاديا للإنتاج ، وإلا فلتذهب للجحيم .

حقائق الجلوبة ربما توحى بالتخصص وأن العالم لم يعد يتسع سوى لدكان واحد لإنتاج الأفلام ، كما قلنا فى مطلع الدراسة الرئيس لهذه الصفحة . رغم ذلك ، هذا لا يجب اعتباره مصادرة على اجتهاد أى أحد ، وسنظل نؤمن بأن هولليوورلد ستبقى فرصة مفتوحة للجميع ، بل وأيضا : ممكنة ] .

 

| Part I | Part II |