|
|
|
الحرب العظمى الأولى
سپـتمبر :
المواجهة الغائية بين الحضارة والدين
Great War I
September: The
Ultimate Confrontation Between Civilization and Religion
| FIRST | PREVIOUS | PART I | NEXT | LATEST |
NEW: [Last Minor or Link Updates: Sunday, August 11, 2013].
December 19, 2001: DAY 100: A GREAT PAGE OF HISTORY WRAPPED.
November
6, 2001: The East-West 09/11 blame game of
Tyranny-Democracy duality. A reply to today’s Thomas L. Friedman column on Fighting
Bin Ladenism [in English].
November 5, 2001: NEWS, REAL NEWS: Somebody is talking about a strategy for this
war! You should make a good guess!
October 31, 2001: Believe it or not: Tony bin Blair in Syria and even insulted by Bashar?
October 7, 2001: NEWS: WORLD WAR III HAS BEGUN, HASN’T IT?
September 26, 2001: Silvio Berlusconi becomes the first leader to put it right: the superiority of the Western civilization.
September 2001: This Page separated from the Extermination page to cover September 2001 events.
ê Please wait until the rest of page downloads ê
11-25 سپتمبر 2001 : اللمسة المصرية World Trade Center: The Egyptian Touch 11 سپتمبر
2001 : روع العالم بما حدث صبيحة اليوم من تدمير طائرتين نفاثتين مختطفتين
لبرجى مبنى مركز التداول العالمى بنيو يورك ، وتحطيم ثالثة لأحد جوانب مبنى
سكرتارية الدفاع الأميركية ( الپنتاجون ) . الرسالة واضحة لكننا
نشك فى قدرة قادة العالم الغربى على فهمها . إن روما انهارت وستنهار بلا
أدنى حاجة لأى إمكانات تتجاوز ما بأيدى العبيد العارية . أفواج العبيد
الجدد الذين يستقبلهم العالم الغربى بكل الترحاب يوميا ومعهم ولاءاتهم الدينية
الفاحشة ، لا يحتاجون لأكثر من إجادة الكاراتيه ، وتمويل المعاش لأسرة
طيار سابق يريد دخول الجنة فى أواخر حياته ( أو حتى ربما تدريب شاب على
الطيران بلا تكلفة تذكر فى شركة الطيران الأفجانية ) .
أنا أعرف تماما طريقة التفكير المصرية عندما استشمها
فى شىء ما . ولا يكاد يخالجنى أى شك أن الفكرة قد راودت أسامة بن لادن بعد
حادثة الطيار المصرى الأشهر جميل
البطوطى ، حيث أغضبه على الأرجح أن يفعلها شخص بمثل إيمانه الوطيد
مجانا هكذا . بل ربما تكون فكرة العملية مصرية خالصة من خلال
مساعديه ، فلمسات الإبداع المصرى الفريد جدا من نوعه واضحة فيها ،
الإبداع ذو التسمية المتفردة جدا أيضا : الفهلوة ، أى صنع أكبر
الأشياء من لا شىء ، لا قنابل ولا مسدسات : فقط تذكرة طائرة وقبضة
تجيد الكاراتيه ! هذا كان محور كل مناقشاتى اليوم ، وقد ذهلت أن البعض
لا يصدق أصلا أنها عملية إسلامية ، بينما لا ريب فى هذا بالمرة بسبب
الانتحار وحده على الأقل . وهذه المناقشة تافهة وسخيفة بحيث لا تستحق
التكرار هنا ، وتلهفى الوحيد الآن أن ينجلى أمر كونها عملية مصرية أو غير
مصرية وليس إلا ، ولا أعتقد أننا سننتظر طويلا قبل إعلان أسماء
الركاب . أيضا من ثم أكاد أجزم
أن هجمات جيوش الظلام لن تنتهى قبل أن تبدا عشرة قرون جديدة على غرار عصور
الظلام الشهيرة الأولى التى قادتها المسيحية بنجاح ساحق ، مع فارق أن
ستقودها هذه المرة إحدى شقيقاتها من الأديان التابع كل منها لأحد آلهة السماء
الثلاثة المعروفة ، ذلك بعد أن كانت هذه أختا صغرى تابعة فى المرة
السابقة . النجاح سيكون أروع وأكثر درامية هذه المرة ذلك أن قادة الغرب لن
يكونوا المبادرين باستخدام السلاح النووى مثلا ، بل ولن يستخدموه قط ذلك أن
الهجمة القادمة ستكون مجموعة من القنابل النووية فى قلب نيو يورك وواشينجتون
وربما غيرهما ، ولن يعيشوا ليعلموا بالأمر أصلا . … حقا لا أعرف من أين
أبدا ، ولعلى أستميحك الصبر حتى يلتتئم شتات الكلام ! …
هل هذا الغزو خير أم شر ؟ أجبنا على هذا السؤال من قبل ، المعايير واضحة والإجابة ليست صعبة . مواصفات التقدم
والتخلف أمور لا يختلف عليها اثنان ، المستوى التقنى وناتج الفرد وما
إليهما . لا بد من وقفة توضيحية وإن كانت مؤلمة . حين تغزو روما أو
بريطانيا أو إسرائيل مصر ، وناتج الفرد فيها 30 أو 40 ضعف مثيله
المصرى ، وفارق المستوى التقنى لا نهائى من المرات ، هذا تحديث وتنمية
وإعمار وتقدم وتنوير . حين يغزوها بدو الجزيرة العربية البدائيين الذين لا
يعرفون حتى الزراعة وطبعا بذريعة واحدة هى الدين هذا نهب ونهش ومص دماء وتخليف
وإظلام . الأول استعمار والثانى استخراب . الأول يفتح عينك على
ثرواتك الطبيعية يعلمك التقنية وفقط يقاسمك العوائد ، الثانى يأخذ الماعز
والشعير والنساء وفقط يعطيك ورقا اسمه القرآن . الأول عصرى صاحب علم وثورة
تقنية يأتى كى يزرع ويصنع ، والثانى راعى بدوى أمى كل وظيفته فى الحياة أن
يأتى كل يأكل ما زرع غيره . حين يغزو السوريون أو الفلسطينيون لبنان الثرى
الحضارى المتحرر وشبه المنتمى للغرب المسيحى هذا نهب ونهش ومص دماء وتخليف
وإظلام ، لكن حين تغزوه إسرائيل أو أميركا ، أو حين يغزو هو أولئك الأجلاف ،
يكون الأمر العكس مائة وثمانون درجة . نعم الأمور بسيطة وواضحة
للغاية ، فقط لو سأل الجميع سؤال المحتوى . مبدأ عدم جواز احتلال
الأراضى بالقوة مبدأ جميل بشرط أن تضاف إليه كلمتان : عدم جواز احتلال
الأراضى بالقوة بواسطة المتخلفين ! ( إلى هنا تنتهى الإجابة
القديمة ! ) .
هل للذباب والصراصير الحق فى
الحياة ؟ أيضا الإجابة واضحة . لا ، لأنها تسبب الأمراض القاتلة
للكائنات الأرقى منها . السؤال الآن : هل للعرب والمسلمين الحق فى
الحياة ؟ هؤلاء الساميون هم طاعون هذا
العالم ، انتشرت عدواه واستفحلت ووصلت بالهجرة والتكاثر لكافة أرجاء
الأرض ، ومن هاجروا بالفعل حتى اللحظة كافون عدديا وببعض الصوت العالى
وبقليل من التشدق بالديموقراطية وحقوق الإنسان لتقويض كل حضارة الصناعة وبعد‑الصناعة
الحالية وإعادتها للعصور الوسطى ، وما لم يتم استئصال الوباء جذريا ومن
كافة أجزاء الجسد الكوكبى ، فإن حضارتنا تمر الآن بفترة الاحتضار
الأخير !
أبدا لم يتغير شىء فى
طبيعتهم . إنهم من البداية وحتى الآن وحتى يحين يوم إبادتهم المحتوم لم ولن
يكونوا إلا جراد يثرب ، ( تسمية أطلقناها على استحياء يوما فى
صفحة الثقافة أيضا ، ومن الغباء أن
تشعر بالاستحياء أبدا ! ) هذا الذى انطلق ليلتهم الأخضر واليابس فى كل
ما وصلت إليه أنيابه وسيوفه وقوارضه على خريطة الأرض . دع جانبا أن يثرب
نفسها سطى عليها من ملاكها الأصليين يهودا ومسيحيين وما شابه ، قل إن
البداية كانت بمكة التى أولا قطعوا عليها طريق تجارتها بفضل موقع يثرب المختار
بدقة للهجرة المباركة كى تكون أول مدينة تحترف قطع الطريق ونهب القوافل فى
التاريخ الإنسانى ، ثم باحتلال مكة السليبة نفسها وإحالة كعبتها المشرفة من
ساحة للنماء والحياة والخمر وطقوس الخصوبة والجنس الجماعى إلى صنم دينى
كئيب ، ومن بعدها اجتاحوا كما تعلم خضرة مصر والشام والعراق وفارس
…إلخ ، وكلها سليلة حضارات زاهرة بدلا من أن يكتب لها التطور والخطو للأمام
فيما لو تركت تكافح حالها ، كتبوا عليها التعاسة والتخلف للأبد .
إن ما نراه اليوم من مص دماء
ونهب لثروات أكراد وشيعة العراق وأمازيغ وصحراوييى شمال غرب أفريقيا ومسيحيى
ووثنييى جنوب السودان لا يعنى إلا أن جراد يثرب الشهير باسم أهل السنة والجماعة
واللسان العربى المبين ، لا يزال للقرن الخامس عشر على التوالى يواصل مسلسل
الأرض المحروقة ، وها هو يمددها لتشمل نهب ثروات الغرب بالتكاثر ثم الهجرة
والهجرة ثم التكاثر ، كل ذلك طالما أنه لم يجد من يوقفه عن حده بالمبيد
المناسب . ( مصر قصة واحدة بسيطة ، يكفيك مثلا كمجرد اقتراح لهذه
الليلة التى لن يأتى أينا فيها نوم ، أن تعيد قراءة كتاب سناء المصرى
الصغير البسيط عن دار سينا بعنوان ’ حكايات الدخول ‘ ، لتعرف كم
وكيف كان عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص قطاع طرق محترفين بأفحش معنى ممكن للكلمة
لا شاغل لهم فى الحياة إلا النهب الممنهج لثروات كل شعوب العالم حتى الثمالة
منها ، وتركها خرابا أبديا ، فبعد ذلك لا شىء يكن ليهم
عندهما ! ) . وقطعا لا لوم على الجيل الحالى من الجراد الابن
الذى يفضل تسمية نفسه ’ السادة والأشراف ‘ ، لا لوم بالمرة إن
كانوا قد ضربوا نيو يورك وواشينجتون اليوم ، بل السؤال الوحيد هو لماذا
انتظروا كل هذه القرون . ولنؤجل قليلا سؤال هل نسى العالم فعلا أن مكة
نفسها أرض محتلة أسيرة يتحتم على المجتمع الإنسانى تحريرها يوما ، والعودة
بالعالم لحدود ما قبل غزوة بدر . هذا على غرار قرارات ما يسمى بشرعيته
الدولية الخاصة بحدود 4 يونيو ، ذلك إذا كان لديه أدنى قدر من احترام
الذات . ومع فارق أن القرار فى هذه الحالة سيكون نصرا لمسيرة الإنسان
الحضارية ، وليس تشجيعا لقوى الطغيان والبداءة والتخلف على مواصلة زحفها
على أرض الكوكب . على أن الكلام عن جراد يثرب يطول ، أشرنا له عابرا ذات مرة ، ونفصله بعض الشىء لأول مرة
اليوم ، ونقطع عهدا الآن بألا نبارحه ثانية أبدا ! …
الأنباء الجيدة أن العرب والمسلمين
ليسوا أقوى من الهنود الحمر أو
الأبوريچين . الأنباء السيئة أن أحدا لا يريد إبادتهم ( اقتراح سابق لنا كتبناه على استحياء ) !
نحن على بعد خطوة واحدة من عالم جديد مقدام ، مع ذلك لا يريد أحد الإقدام
عليها . أنا لا أفهم فائدة اختراع الأسلحة إن لم تستخدم ، ومن تذكروا
پيرل هاربور اليوم ، نسوا بقية القصة ، وأنها لم تنته إلا بوضع كل ذوى
الأصول الياپانية فى معسكرات عزل ، تلاها بالضرورة استخدام أحدث وأعظم
أسلحة ذلك العصر إطلاقا : قنبلتان نوويتان . اليوم بحوزة الحضارة ما
هو أفضل بكثير دقة وفتكا واقتصادية من ذلك السلاح العتيق ، لكنها لا تفكر
قط فى استخدامها . بل ولا تفكر حتى فى سحب
جنسياتها من المهاجرين العرب والمسلمين أو إعادتهم لبلادهم . ليست المشكلة
أن تتعرض الحضارة لخطر محدق ، إنما المشكلة أن لا تستخدم من القوة القدر
الكافى لحماية نفسها ، بل أصلا أن لا يعلم القائمون على حمايتها حجم وحقيقة
الخطر الذى يتهددها . المتخلفون ينجبون وينجبون ويدفعون بهؤلاء للهجرة
للغرب ، وتعيش البقية التى لا تريد هذا ( لاحظ أن تقريبا لا أحد هذه
الأيام يريد الهجرة ويفشل ! ) ، تعيش فى فقر وتخلف يزيدان شراسة
يوما بعد يوم ، وسيظلون لمليون سنة قادمة يلقون باللوم على الغرب
’ الصليبى‑الصهيونى ‘ لأنه نهب ثرواتهم يوما ( ولن يخبرونا
قط ماذا كانوا يفعلون أصلا بتلك الثروات ، كما لن يلحظوا قط أيضا أن الصين
أو الهند مثلا لم يعودوا يلوكون تلك الحجة بالمرة ، ذلك أنهم مشغولون بشىء
آخر هو مجاراة ما يجرى فى دنيا التقنية والاقتصاد
العالميين ! ) .
العقائد لا تصبح عقائد ، لو
كان واردا بها من الأصل فكرة التكيف . هذا ما يجعل من بن لادن الإسلام
الصحيح ، ومما عداه إسلام مصطنع ’ تكيفى ‘ . إذن الدائرة
مفرغة ، والدين ‑أى دين‑ هو مجموعة مطلقات ولو أخذه أتباعه على
محمل الجد لتحولوا لسفاحين يسفكون دماء كل من عداهم من البشر . والإرهاب لن ينته بحرب أو اثنتين ، وهو نفسه كلمة لا نشجع
استخدامها كثيرا ، ونفضل تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية كالدين أو ربما
الإنسانية . على الأقل لو أصررت كما الجميع على تعريف للكلمة ، فالإرهاب حقا هو محاولة المتخلفين الضعفاء فرض
أچندتهم على الآخرين بالقوة أو حتى بدونها . الإرهاب ليس الهجوم على المدنيين .
الإرهاب يتحدد بالزى الذى يرتديه المهاجم لا الذى يرتديه الضحية . نفس
الأفعال لو أتى بها المتقدمون ذوى الجيوش الهائلة ضد رافضى التقدم ، لا
يكون اسمها إرهابا فى هذه الحالة ، إنما عصرنة . من هذا مثلا إذا ما
مورس من دول الحضارة لترهيب السكان الأصليين للبلاد المتخلفة بهدف نشر
الحضارة ، فهو فعل إيجابى بل وواجب لا يجب التقاعس عنه . أما لو كنت
ترتدى زيا شيوعيا مهترئا أو جلبابا عربيا أو حجابا إسلاميا ، وقررت حمل ولو
مجرد سكين فأنت إرهابى تلقائيا . بعبارة أكثر وضوحا : استخدام السلاح
النووى الإسرائيلى فى قتل عشرات الملايين من الشعوب المحيطة هو حضارة وتحديث
وخلق رفيع ، بينما إلقاء حجر من طفل فلسطينى على دبابة إسرائيلية هو فعل
إرهابى مجرم يجب أن يقابل بالبطش الفورى فى الموقع !
ببساطة المعيار
فى مشروعية الإرهاب هو الحضارة ، أو بمعنى لا يحتمل الالتفاف :
التقنية ، وهل أنت منتج أم مستهلك لها . والإبادة نفسها فى المقابل فعل
مشروع إذا ما جاءت من المتحضرين منتجى التقنية ضد الشعوب الرافضة للتقدم .
هذه لا تسمى إرهابا إنما عصرنة . الجديد فقط بعد اليوم ، أن أصبحت هذه
مسألة حياة أو موت . نقصد أيضا أن الإرهاب الصادر من المتخلفين لن ينتهى
أبدا لأنه ذاتى التوالد طالما هناك شعوب فقيرة مهزومة لا تريد أن تعترف أن العيب
فيها ، وتبحث فى القومية أو الدين أو الشيوعية أو أيا ما كان عن مصدر
لكرامة مزعومة لها . والنتيجة دائما أبدا واحدة فى كل مرة : الحضارة ‑كل
حضارة‑ تتداعى تحت وطأة عبيدها ، وليس لأى سبب آخر . إن نفس
سيناريو الامپراطورية الرومانية بل وكل الامپراطوريات يتكرر اليوم حرفا
بحرف . والقوة تصلح لحل أى مشكلة فى الطبيعة بل والكون ، إلا مشكلة
واحدة هى أن يحجم أصحابها عن استخدام القدر الضرورى منها . إن الأسئلة القاعدية تطرح نفسها الآن من جديد :
هل كنا لنضحى بكهرباء إديسون وبحاسوب ڤون نيومان وبچيينات واتسون وكريك
وبهبوط أرمسترونج على القمر ، لمجرد أن الهنود الحمر كانوا أصحاب حق أصليين
فى أميركا ، ويرون ويرى بعضنا بالتالى أنهم أصحاب حق أبدى فى أرضهم ،
وبالتالى لم تكن لتصح إبادتهم مهما رفضوا المستقبل ؟ فى الستينيات والسبعينيات ، كنا نحن أبناء المدن
المصرية ، نطيل شعورنا ونرتدى الملابس الضيقة والقمصان المفتوحة ،
ونعاكس الفتيات على النواصى فترددن عادة المعاكسة بأحلى منها . كنا نعتبر
أنفسنا المتنورين المتفتحين ، وبالنسبة لنا كان المثال الكلاسى للبشر ضيقى
الأفق شديدى العناد هم أبناء الصعيد . هؤلاء الذين يمارسون أشياء غبية لا
معنى لها ، كالثأر الدموى أو عدم إظهار زوجاتهم أو بناتهم للضيوف أو تحريم
الأبناء دخول السينما أو مشاهدة التليڤزيون …إلخ . والأسوأ أنه لا
يمكن بأى حال من الأحوال تليين أدمغتهم الأصلب من الصلب . اليوم كبرنا
واكتشفنا أن عقلية الهنود الحمر
التى لا حل لها بغير الإبادة ،
لا توجد فى جنوب مصر وحده ، بل أن كل العرب والمسلمين صعايدة ، بمن
فيهم ذلك الجيل ‑جيل معاكسات الشوارع‑ نفسه . أو كما قلنا فى تحليل سابق المكون الثقافى ، الشرف
والتقاليد والهوية إلى آخر هذا الهراء ، يفوق عندنا أى شىء فى الأهمية بما
فيه الحياة المادية نفسها . باختصار ، إنها نفس القصة القديمة ، لكن
أحدا لا يرى ولا يسمع ، ناهيك عن أن يفهم . الأرجح أن يظل قادة الغرب ‑القادة
الذين تأتينا بهم آلية التدمير الذاتى المسماة صناديق الانتخاب‑ يظلون فى
غيبوبتهم يتشدقون بألفاظ على شاكلة الديموقراطية وحقوق الإنسان ، مستهلكة
لدرجة لم تعد تثير حتى الضحك القديم ، معتقدين أنها وليست التقنية هى تعريف
الحضارة . وسيظلون يحاربون باسمها إلى ما لا نهاية سواء فى البوسنة وكوسوڤو
أو فى كل مكان لأهداف قصيرة النظر أو حتى أحيانا لمجرد خدمة شعارات أخلاقية محضة
خرقاء ، دون أن يعلموا أنها هى تحديدا دائما وأبدا البداية لانهيار كل
الامپراطوريات والحضارات . دع جانبا أنها فى جميع هذه الحالات حاربوا ولا
يزالون يحاربون كتفا بكتف مع بن لادن ورجاله ، سواء بقواتهم المسلحة
المباشرة ، أو بالضغط على نظم الحكم التى تحاربها …إلخ . ومثال الأولى
الانتصارات الساحقة للحلف الغربى‑الإسلامى فى أفجانستان والبوسنة
وكوسوڤو ، ومثال الثانية رضوخ حكومة ماسيدونيا المسالمة
المغلوبة على أمرها لبطشهم ( صحيح كل الدنيا تكره وتحتقر الأرثوذوكس ،
لكنهم على الأقل كانوا الجبهة الوحيدة التى حاولت فى كل العقود الأخيرة وقف
الزحف الإسلامى مطلق الظلامية على الحضارة الغربية . ماذا فعل الغرب
العلمانى أو الپروتستانتى مقابل هذا ؟ ما أعلمه أنه حتى صباح اليوم كان
جنود الأطلنطى يضحون بدمائهم فى ماسيدونيا
من أجل حماية ونصرة أتباع بن لادن ، وأنه حتى صباح اليوم لا يزالون يحاكمون
سلوبودان ميلوسوڤيتش فى لاهاى ، بعد أن فعلوا بقيادة أميركا المستحيل
للتأكد من معاقبته على تطاوله الكبير بمحاولة وقف زحف جحافل جيوش بن لادن
للاستيلاء على كل أوروپا ) . أو مثالها أيضا الضغوط الغربية المتواصلة
على إسرائيل
العلمانية للرضوخ لمطالب المحيط الدينى المتخلف المحيط بها ، أو الضغوط على
الدول العلمانية ذات الماضى الإسلامى سواء الناجح منها كتركيا أو الفاشل كالجزائر ، أو حتى
الدول الأقل
هذا ليس كلاما جديدا بل قلناه من قبل : إن روما تتعرض الآن
للغزو الأخير من جانب جحافل العبيد ، وترسل فريق إطفاء نيو يورك متوسمة فيه
صد الهجوم وإنقاذ كل الحضارة الغربية ، هذا فى وقت لم تعد تجدى فيه مثل
بطولاتهم الفردية أو تضحياتهم الخارقة نفعا . بينما الحقيقة أن قادة روما
لم يعودوا يؤمنون حقا بما لديهم من حضارة ، وبأن التقنية لا يجب ولا يمكن
أن تهزم ، إلا فقط باختراع تقنية أكثر تقدما ، وليس بهجمات ظلامية
ورجوعية . بعبارة أخرى أبسط ، إنهم حضارة فى سبيلها للانهيار ،
والسبب لا أكثر ولا أقل : غباء قادتها . إن بيل كلينتون لا
يختلف كثيرا عن ماركوس أوريليوس فى اعتزازه باكتشافاته الإنسانجية
الملهمة و’ تأملاته ‘ الديموقراطية المدهشة . وكلاهما لا يختلف
كثيرا عن چورچ بوش چونيور فى كونهم لا يفعلون سوى نصرة
عبيد لا يحاولون هم فهم شىء عن أچندتهم الخفية ، أو أنهم ممن يتلقون عادة
تعليماتهم من السماء وحدها ، ولا يعترفون بأى ملكوت أرضى ، وتأكيدا لن
يقفوا عند أى خطوط حمراء يوما .
ربما كان لأوريليوس عذره إن لم يتنبأ بسقوط أول
إمبراطورية عظيمة ، فإن لا عذر لكلينتون أو غيره أن فتحوا أبواب الهجرة لمن
هب ودب و’ عشوائيا ‘ ( كما يسمونه رسميا ‑تصور ! )
أو أرسل جنوده لنصرة المتدينين المسلمين فى كل مكان . لكن هل يمكن أن يجدى
تذكير حكام الغرب بعبر التاريخ ، إذا كانوا نسوا فعلا شيئا حديثا للغاية
كلعبة السادات مع الجماعات الدينية والتى انتهت بموته . الواقع أن التعلم
شىء لا يعنيهم أصلا ، بل على العكس هم ملهمون مغرورون تستهويهم بشدة مثل
هذه الألاعيب ذاتية التدمير ، لمجرد إثبات نظريات بائدة إنسانية رجعية
ومعادية للحضارة عن الديموقراطية وحقوق الإنسان . إن اليسار العالمى حين يتحدث عن
الأسباب الاجتماعية للإرهاب يلاعبنا ذات لعبة الأخوان المسلمين . هؤلاء
يقولون لنا سلموا لنا السلطة وسيختفى الإرهاب ، وأولئك يقولون لنا ابنوا
مجتمعا اشتراكيا وسيختفى الإرهاب . إنها عينها لعبة الابتزاز ولى
الذراع ، وكأن كل تراث الحداثة يمكن أن يستسلم لهم ، أو أن عليه أن
يختار دوما بين الرمضاء والنار . ليست هناك أسباب اجتماعية للإرهاب ،
فقط هى أسباب چيينية ترجمت إلى نصوص مقدسة قرآنية وغير قرآنية ، تبيح
القرصنة وقطع الطريق واستحلال واسترقاق شعوب الأرض . لسنا فى حاجة للفقر
المدقع حتى نصبح قطاع طرق ، شعوب كثيرة عانت وتعانى الفقر المدقع ولم تلجأ
أبدا للإرهاب [ سنخوض بالمزيد فى هذا بالأسفل ] .
المؤكد حتى أنهم يجهلون أو
يتجاهلون أن فقط البعد الجنسى وحده كاف لتفسير ما حدث اليوم . وهذا كلام تسمعه آذاننا يوميا ، وليس فرضا جدليا أو
أكاديميا . فالمهاجرون عندما يروعهم جمال شقراوات الغرب بعيدات
المنال ، يكون أول شىء يخطر ببالهم أنهن موعودات لهم مملوكات لأيمانهم بحكم
الشريعة إن هم أرضخوا الغرب لحكم الإسلام . من هنا يتحولون للإسلام
المتشدد ، الذى يخذلهم بدوره بالنسبة لشقراوات أوروپا وأميركا ،
ويحيلهم إلى شقراوات الجنة ، ومن هنا تكون العمليات الإنتحارية هى الحل
’ الشامل والدائم ‘ ، الشىء الذى يعشقه العرب منذ بدء الكون . قل ماذا تفعل لو أنت مكان أبطال
طائرات اليوم ؟ البعض يقول لك إن أحوالك بائسة ، حاول أن تحكم حياتك
حكما صالحا تعتمد فيه على العلم والمنطق وتكافح باستماتة من أجل التنمية
والاقتصاد السليم ، والبعض يقول لك ما يلى : 1- لا تجهد نفسك فى الحكم
الصالح والطالح ونظريات الاقتصاد المعقدة ، فقط طبق الفريضة الغائبة ،
شرع الله ، فبالتأكيد لا يمكن أن يكون هناك أفضل منه ، 2- الله سينصرك
ساعتها وسيفتح لك العالم كما فعل مع الذين من قبلك ، فسلالتك ليست جديرة
فقط بتحريرك من استعمار الآخرين ، بل أحق الله لها حكم واستعباد كل العالم
وسلب كل ما بنى دون جهد ، 3- هذا ليس حقا فقط ، بل تكليف إلهى عليك أن
تبذل دمك وروحك من أجله ، اسمه الجهاد ، ستكافأ عنه إن لم يكن بنعيم
الدنيا والآخرة ، فعلى الأقل بهذه الأخيرة ، وكلتاهما تستحق المخاطرة
فى حد ذاتها .
الإجابة معروفة ، العصا
والجزرة ، إما نعيم الدنيا والآخرة أحدهما أو كلاهما ، وإما العبودية
والجزية والقتل على يد من آمنوا حقا بالوعد الحق . إجابة اخترعها محمد يوم
يوم واجه ذات السؤال يوما ، فإذا به يدخل للقاموس كلمة مرتزقة لأول مرة ( تصحيح
نهديه للموسوعة البريطانية التى تقول إنها ترجع للقرن الرابع عشر ومن اختراع
الإسپان ) . بخبطة عبقرية غير مسبوقة من نوعها ، وبعد أن فشلت
الدعوة بالحسنى والوعد بنعيم الآخرة وحده فى إدخال أكثر من حفنة تعد على الأصابع
فى الدين الجديد ، إذا بعقله الجهنمى يتفتق عن فكرة لم تعرفها الجيوش قط من
قبل ، أن أحلت لكم الغنائم ولم تحل لمن قبلكم . أصبح كل مقاتل تحت
راية الدين الجديد مشروعا استثماريا قائما بذاته يرفع السيف بيد ويحصد الذهب
والشقراوات باليد الأخرى . بخبطة عبقرية غير مسبوقة من نوعها ، تحولت
الجيوش لأول مرة فى التاريخ لتعاونيات فردية مستقلة ، فقط يجمعها وينظمها
تنظيم مركزى بطاش اسمه الإسلام ونبى الإسلام ، طبعا من أجل أهداف كبيرة
أبعد من رؤية أصحاب المشروعات الصغيرة ! هذا هو الإسلام . كل هذا
حدث ويحدث دون أن يتنبه إليه إلا قلة قليلة سرعان ما ترفع فى وجهها فزاعة
العرقية ( العنصرية ) . الهجرة العربية للغرب بدات بالمسيحيين
الباحثين عن مجتمعات علمانية نظيفة أو عن البحث العلمى أو الحرية الجنسية .
ثم بدأ يهاجر كل المسيحيين آخذين معهم كنائسهم وقساوستهم الأرثوذوكس ذوى
القلونسات والجلابيب السوداء الكئيبة وديانتهم البدائية التى تستخدم البخور لطرد
الأرواح كما فى عصور ما قبل التاريخ ، ولم يسمع عنه أو يشم رائحته الغرب
إلا على أيديهم . الآن تحول الأمر لزحف إسلامى يأتى أفواجا من كل فج
عميق ، حاملا ألوية التكفير والجهاد ومعدلات من الإنجاب فاحشة ، ولا
يرضى بأقل من نهب ثروة كل تلك البلاد وإسقاط نظمها وقيمها وإرضاخها لشريعة الذمة
والجزية . فى كل اللغات هجرة تعنى ترك . هؤلاء وأولئك يأخذون معهم كل
شىء . هذه ليست هجرة . هذا غزو ! وقطعا ستتداعى روما يوما تحت
وطأة كل هؤلاء العبيد .
انفجارة اليوم تأتى من جيل لم
تربه تعاليم الاسلام الدموية وحدها ، بل جيل أفهمتموه أنتم الغرب أن كل
البشر متساوون ، وبأشياء اسمها الديموقراطية وحقوق الإنسان . بالنسبة
لهم الجهاد وحكم كل العالم هو المحك الوحيد لاختبار تلك المساواة وهذه
الشعارات . بصراحة ، أنا لا ألوم تعاليم الإسلام فيما حدث
اليوم ، قدر ما ألوم الثورة الفرنسية ، وخضوعكم الذليل أمام شعاراتها
الديماجوچية . إن ما حدث اليوم يظل كارثة غير
مبررة ، وكان من الواجب تفاديها بالكامل . لكن الغرب هو الذى تمادى فى
حماية هؤلاء الإرهابيين ودعمهم وكفالة الملجأ لهم باسم تلكما الديموقراطية وحقوق
الإنسان . الحقيقة أننا فى غنى أصلا عن مناقشة كهذه ، فلو كان من
الممكن قديما المحاجة ‑جزئيا على الأقل‑ أن الحضارات فى حاجة لقوى
العبيد كى تبنى امپراطورياتها ، وأنها بعد ذلك قد لا تملك القوة الكافية
لإبادتهم عندما تحتاج لهذا . حتى لو كان هذا التحليل صحيحا ، وهو ليس
كذلك إنما العمى أو وهن القلب لبعض قادة الامپراطورية ، فإننا لسنا بحاجة
له بالمرة فى عصرنا الحاضر . التقنيات الحديثة والأتمته الكاملة تلغى
الحاجة للقوى‑الشغالة‑الكثيفة ، كذلك فإن الإبادة لم تكن أسهل
ولا أدق ولا أرخص فى أى وقت مضى مما هى عليه الآن .
أعزاؤنا المتدينون ، السبب الوحيد لأنكم
قتلتموننا اليوم هو أننا لم نقتلكم بالأمس ، وإن لم نقتلكم اليوم فسوف
تواصلون بالتأكيد قتلنا غدا . لا مفر من أحد الأمرين . الكل كان يحلم
بتعايش سلمى بين الدين والحضارة ، لكن الواقع كان يقول غير هذا ،
وقليلون جدا من فهموا هذه الحقيقة . أنتم الڤيروس أنتم
السرطان ، وخطأ دعاة التعايش أنهم طالما حاولوا أن يبيعوا لنا فكرة أن الڤيروس
والسرطان لا يمكنه قتل الكائن الحى بسبب أنه أصغر منه حجما . خبرة التاريخ وخبرة هذا الصباح الكئيب ، تقول
لنا ببساطة إن الدين شىء شرير
للغاية ، وعقائد التوحيد عامة ، والإسلام خاصة ، أبشع أسلحة دمار
كتلى عرفتها البشرية ، وإنه ما لم يتم استئصال كلمة الدين جذريا
فسوف يتحايل ويلتف حتى يقضى على العلم والحضارة والأمل ، ويلف العالم كله
بعصور ظلامه . فعل هذا فى العمارنة ، وفعله فى روما ، وفعله فى
الحروب الدينية التى لم تتوقف أبدا ، والآن يفعله فى نيو يورك ، وليس
لدينا شك أن آلهتكم هى الشيطان الأعظم ، ولن تكف أبدا على تحريضكم ضد
حضارتنا وضد أية حضارة فى أى عصر . هذا ليس تعسفا
ولا ولعا بالدماء سواء من طرفنا أو من طرفكم ، بل هو حقائق وقوانين الطبيعة
والكون البسيطة والقاعدية للغاية . ببساطة نحن نشارككم الرأى فى أن لا بد
أن يقتل أحدنا الآخر . أشياء كثيرة تفرقنا ، لكن يجمعنا شىء
واحد : السخرية من سذاجة أولئك التوفيقيين الطيبين مرهفى القلوب .
رغم أن كل آذان الغرب باتت
مفتوحة بشدة منذ الصباح لكل ما يبدر عن آرييل شارون وخبراته الطويلة المدهشة
فى تصفية الإرهاب ، والذى أصبح فجأة أحكم رجل على وجه الأرض فى
نظرهم ، إلإ أنه لا يمكن توقع الكثير . وكل ما أقدر تخيله فى هذا
الوقت المبكر بعيد الكارثة ، هو أن تلقى أميركا بعد أن تتروى بشدة جدا
كالعادة ، بعض صواريخها العابرة الباهظة ذات المليون دولار وزائد لكل
منها ، فوق أفجانستان . وهى الصواريخ التى نعلم ويعلمون أفضل منا أنها
لا تفعل شيئا يذكر ( المفارقة هنا أن تكلفة قتل الفرد باستخدام طريقة كهذه
لا تقل فى أفضل الحظوظ عن 100 ألف دولار للفرد ، أى أضعاف مضاعفة لما أنفق
عليه طيلة حياته المتخلفة ؛ ألا من علم لاقتصاديات الإبادة يا أصحاب العلوم
والتقنيات الحديثة ؟ ! ) . بعدها سوف ينسى الجميع
الموضوع ، وسيظل المسلمون وذوو الأصول العربية يقيمون كما هم فى أميركا
وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها ويتمتعون بجنسياتها ومواردها ( هذا إن لم
يتزايدوا بالطبع ، ينجب الواحد منهم عشرة أبناء ويقنع عشرات أخرى باعتناق
عقيدة الإسلام ومن بعدها بقليل عقيدة الجهاد ) ، كلها إلى يعود لنا بن
لادن ( نفسه وليس ابنه العريس الجديد أو حفدته من هذا الابن أو
غيره ) ، يعود ليس بأقل من شحنة زاخرة من القنابل النووية أو
الكيماوية يدوية الصنع ، وفكرة يوحى بها بطوطى ملهم آخر يتلقى رسائله من
السماء ، والنتيجة فتك سهل مادى ومعنوى ورمزى يفوق ’ البمب ‘ ماركة توماهوك
كأى شيوعى فى الدنيا ،
فإن بيلل كلينتون كان يؤمن بأنه باستثناء حفنة من الأشرار تسمى بالرأسماليين فإن
كل بنى البشر هم ملائكة أطهار متحابين . من هنا أصدر باسم الديموقراطية
وحقوق الإنسان والأخوة البشرية قانونه سيئ السمعة من سنة 1996 الذى غل يد
الاستخبارات فى ملاحقة القوى المعادية للحضارة داخل وخارج أميركا ، وباسمها
جيش جيوش أميركا والنيتو لتمكين أسامة بن لادن وشركاه ( هل سيكون چورچ دبليو . بوش أفضل ولو
قليلا ؟ لننتظر ونرى ، أو قل لكل حادث حديث . لكن سيظل المعيار
الذى يتبناه موقعنا مختلفا دائما أبدا : خطبة واحدة من أى حاكم عربى أو غير
عربى فى شبابه هاجمت الإمپريالية أو الصهيونية هى مسوغ كاف تماما لقصف هذه
العاصمة نوويا وعلى الفور غدا الأربعاء 12 سپتمبر 2001 الساعة الثامنة و46 دقيقة
صباحا بالتوقيت المحلى لكل منها !
بين القبائل ، ما حدث صباح
اليوم يسمى بأول دم ( بتاع رامبو ! ) . وهم يعلمون جيدا ما
تعنيه كلمة أول دم من انفتاح بوابات جحيم الانتقام . نحن فى عربستان
وإسلامستان ، قبائل بدوية ، نقدر معنى هذا ، ولا يعوزنا فهم
تداعيات وتبعات ما حدث . لكنكم فى الغرب أبناء مدن ولا تعرفون حتى أن هذا
ليس أول دم ، ونسيتم أن مركز التداول العالمى هو عينه قد فجر إسلاميا من قبل ،
وكذا سفاراتكم ومدمراتكم ، ولم تفعلوا شيئا سوى إطلاق بعض البمب . الحقيقة أن هؤلاء الحكام لم
يلقوا خطبة فى الشباب ، بل عاشوا ويعيشون حياة كاملة يحلمون ويخططون
ويتآمرون من أجل يوم يقهر فيه المعسكر الشيوعى أو البعث العربى أو الصحوة
الإسلامية أميركا والرأسمالية والإمپريالية . بل الحقيقة الأبعد أن كفانا
حتى من هزل قناة الجعيرة التى تصور الشعوب ملائكة أبرارا والحكام وحدهم أشرارا
آثمين هبطوا علينا من المريخ ، هذا إن لم تكن تذهب ضمنا وأحيانا علنا
لتمييز حكام الرفض بالذات كالأقلية المثالية ذات المبادئ والصامدة فى وجه الغزو
الإمپريالى الصهيونى . ولعلنا فى حل فى مثل هذا اليوم الرهيب من تكرار كلام قديم أو قديم جدا لنا أن ما يقال عنها عندنا شعوبا
مقهورة هى فى الواقع شعوب حقيرة . لو حكامها تنميون تخذلهم عند أول
ناصية ، ولو شعاراتيون تحريضيون تسير وراءهم بالروح بالدم حتى
النهاية ، نهاية الموت والخراب للجميع . بالطبع يقمعها الحكام
الأيديولوچيون باسم العروبة أو الاشتراكية أو الإسلام ، لكن انظر ما هو رد
فعلها لو نالت قسطا من الحرية فى ظل نظام تنموى متحضر يؤمن بالاقتصاد
الحر : إنها تتركه وتجرى وراء أصحاب الشعارات من جديد . هذا ما نراه
الآن فى مصر والسعودية والخليج ، إن لم نقل فى تونس والأردن أيضا ،
أما الشعوب المتحضرة الحقيقية فلا تسمح بظهور مثل هؤلاء المحرضين أصلا ! السؤال الذى يبقى كطعنة تمزق القلب : إن أميركا التى تعرضت للهجوم اليوم هى حضارة عظيمة
تقدم لنا ولكل العالم منتجات آى بى إم وفايزر ومايكروسوفت وإنتل والناسا
وهولليوود والإنترنيت ، وتبنى المزيد والمزيد كل يوم ، بينما العرب
والمسلمون مجرد قراصنة يقطعون الطرق ولا يملكون سوى القتل والخراب وهدم ما بناه
غيرهم ، ولا يستحقون الوجود على وجه الأرض للحظة بعد اليوم . ولا تقل
لى إن من فعلوا هذا اليوم هم قلة منحرفة شاذة ، بل هم التعبير المثالى
تماما عن طبيعة ثقافتنا وعقليتنا وهزيمتنا الحضارية . السؤال : أكان يجب أن
نفقد بناية عظيمة كهذه ، رمزا لعصر الوظيفية وجبروت ناطحات السماء بل وعلوم
الهندسة وكل التقنية ؟ وهل يجب أن نفقد على الأرجح بضياعها كامل عصر العلم
والعلمانية والعملية الذى نشأ عليه جيلنا ؟ هل يجب أن تنفجر فنبلة نووية
قبالة البيت الأبيض قريبا ؟ ببساطة هل يجب أن تسقط روما من جديد تحت معاول
المستنسخات الجدد من العبيد المسيحيين ، حتى نفهم الحجم والخطر الحقيقى
لقوى الظلام التى تعيش وسطنا ؟ وحتى نبدأ فى الخيار كاستر باستئصال كامل
للوجود العربى والإسلامى ، وكل ما هو غير علمانى صريح ، جذريا من
الغرب ، وإعادتهم عرايا لبلاد أجدادهم بعد تجريدهم لا من الجنسية الغربية
فقط بل من جميع ممتلكاتهم التى هى نهش من جسد الحضارة الغربية تم فى غفلة من
الزمن .
السؤال : هل يجب أن تسقط
روما من جديد قبل أن نوقن أنها مسألة حياة أو موت لكل الحضارة أن نتسامح أو
نتعاطف لأى سبب كان مع بقاء بعض من هؤلاء فى الغرب ، إلا تحديدا من سبق له
وبوضوح نبذ الإسلام و’ القبطية ‘ …إلخ ( وكلها قنابل موقوتة ،
واحدة انفجرت اليوم والبقية لن يطول انتظار انفجارها ، أو هى قنابل تخلف
إشعاعية صامتة ، انطلقت بالفعل منذ وقت طويل وراحت تقتل الحضارة فى هدوء
ودون أن يشعر بها أحد ) ، ومن ثم سبق له الانخراط لفترات طويلة من
الزمن فى نكرانية atheism نشطة لا تحتمل اللبس ؟ إن المرء لا يملك أن يقف ضد التطهير
العرقى ‑بل والإبادة نفسها‑ إذا ما رآها تتم فى الاتجاهات
الصحيحة . هل يجب أن تسقط روما من جديد حتى نبدأ فى إبادة الشعوب الخطرة
على الحضارة خارجها ، تلك التى تبددت معها كل جهود ومحاولات الاستعمار فى
التحديث ، فراح غضبها وتخلفها وفشلها يهدم فى دقائق ما بنته أجيال
المتحضرين فى قرون ؟ … بل بكلمة : أيا
نحن دعاة الحضارة العاجزين الثكلى ، هل يجب أن نعيش ، أو هل نستحق
العيش أصلا ، بعد أن حدث بنا ما حدث اليوم ؟ ! اكتب رأيك هنا
[ تحديث :
25 سپتمبر 2001 : على
مسئوليتى ، وأنا أتكلم الآن فى الثقافة لا فى السياسة : البصمة
المصرية واضحة جدا فى أحداث الثلاثاء قبل الماضى ، أنا استشمها حالما
وجدت . لا توجد عقلية فى التاريخ يمكن أن تفكر فى صنع الأشياء بطريقة
كهذه ، سوى عقلية الشعب المصرى . الشعب
الوحيد فى العالم المستلقى دوما ، المستلقى إما انتظارا لقدوم الفيضان وإما
انتظارا لرحيله ، الشعب الذى أفلح سبعون قرنا فى البقاء والتكيف من خلال
استبدال إبداعه الخاص جدا ، الشهير تاريخيا باسم الفهلوة ، محل الكدح
والمثابرة ! إن كل البشر فى العالم بمن فيهم بن لادن نفسه لأنه
سعودى ، مبرمجون بطريقة مختلفة ، لا يخطر ببالهم أصلا أن الإنجازات
الضخمة يمكن أن تتحقق بدون مجهودات ضخمة ( ما يمكن أن يخطر ببال بن لادن
فائق الثراء ، هو شراء سلاح نووى باهظ الثمن مثلا ) . والمؤكد أن
من المستحيل أن يقهر خيال هؤلاء فى عبقرية الكسل أو كسل العبقرية ، سبعة
آلاف سنة من التخصص ، حتى لو كانوا قطاع طرق متأصلين كالقبائل
العربية . لاحظ طبعا ما كتب من قبل فى آلاف الصفحات عن ’ عبقرية
مصر ‘ ونال شهرة كبيرة ، لا يعدو فى حقيقته نوعا من الخيال العلمى
الردئ ، لكنه صادف بالطبع هوى كبيرا فى أمة المهازيم ! انتهى التحديث ] . … تابع موضوع البعد الثقافى
المصرى فى أحداث 11 سپتمبر فى صفحة العلمانية .
[ تحديث :
27 أكتوبر 2003 : اليوم نعلن أنفسنا وبكل
الفخار ، كأعظم من فهم العقلية المصرية فى كامل التاريخ ، بل فى
الواقع ندعى أننا نشتمها فى الهواء ، ولو على بعد مجرات الكون . من
الثانية الأولى ، ونحن نشاهد الطائرات المدنية تقصف برجى التداول ،
جزمنا أنه لا يفعل هذا إلا عقل مصرى مطلق الفهلوة . كتبنا مساء ذلك اليوم
ما قرأته للتو تحت عنوان ’ اللمسة المصرية ‘ ، وقلنا إن بن لادن
كسعودى نزلت عليه نعمة النفط ، كان سيشترى قنابل نووية بعدة ملايين ولا
يفكر بهذه الطريقة أبدا . اليوم اتضح أن محمد عطا هو صاحب الفكرة وأنه هو
( وليس العكس ! ) الذى ’ جند ‘ أسامة بن لادن لديه
لتمويلها لا أكثر ! تفاصيل مرعبة كشفت عنها اليوم
الدير شپيجيل ( اقرأ الترجمة الإنجليزية 1
- 2 ) ،
لما اتضح الآن أن كان اسمه ’ العملية :
الثلاثاء المقدس ‘ ، وذلك 1
نقلا عن نص التحقيقات الأميركية التى جرت مع اثنين من أكبر مساعدى أسامة بن
لادن ، خالد شيخ محمد ورمزى بن الشيبة ، و2
نقلا عن التحقيقات الألمانية مع المغربيين منير المتصدق وعبد الغنى
المزودى ، أو ما يسمى بخلية هامبورج التى ترأسها المصرى محمد عطا .
أبرز ما فى القصة الأولى
كلام بن الشيبة شديد الحماس عن نظرية ’ الپلدوزر ‘ ، والتى وصلت
لحد الرغبة عنده فى إبادة كل سكان الغرب ، مما يحمل بالطبع صدى لفتوى القاعدة الشهيرة فى فبراير 1998 .
لكن يظل الشق الأكثر إثارة على وجه الإطلاق هو فحوى القصة
الثانية ذات العنوان المذهل Chief Atta, Assistant
Osama? ،
أن محمد عطا هو صاحب فكرة قصف أهداف أميركية بطائرات مدنية ضخمة ، وأنه هو
( وليس العكس ! ) الذى ’ جند ‘ أسامة بن لادن لديه
لتمويلها لا أكثر ، هذا حين سافر لأفجانستان لمقابلته سنة 1999 ومن ثم عرض
الفكرة جاهزة عليه . القصة الأولى أى تحقيقات بن شيبة وشيخ محمد ،
تؤكد هذه القصة ، وإن من منظور أصحابها . فالشيخ محمد ‑وهو
پاكستانى‑ يزعم أنه كان صاحب فكرة مشابهة هى استخدام طائرة صغيرة معبأة
بالمتفجرات لقصف مقر قيادة الاستخبارات فى ڤيرچينيا ، لكنه فوجئ برد
بن لادن عليه مؤجلا إياها قائلا ’ لماذا نستخدم بلطة بينما فى إمكاننا
استخدام پلدوزر ؟ ‘ . لاحقا عرف أنه يقصد بالپلدوزر فكرة محمد
عطا ، وطبعا واضح جدا أن فكرة طائرات صغيرة ومتفجرات تبدو سقيمة ومملة لأن
ليس بها أهم الأشياء إطلاقا : فهلوة المصريين ! ببساطة لا الشيخ محمد هو
’ المخ ‘ كما أسماه يسرى فودة فى كتابه المشترك مع نيك فييلدنج
’ العقول الأستاذية للفزع —الحقيقة وراء أكثر الهجمات التى رآها العالم
أبدا تخريبا ‘ Masterminds of Terror —The Truth Behind the Most
Devastating Attack the World Has Ever Seen ( اقرأ عرضا له فى ندوة قناة الجعيرة عنه فى 18
أكتوبر الحالى ) وأشارت له الشپيجيل ، ولا حتى المخ هو زعيم
القاعدة نفسه . الوحيد من القيادات التى كان من الممكن أن نتصور قدوم
الفكرة منه هو ابن بلدى البار أيمن الظواهرى ، لكن اليوم لم يعد يوم
التخمينات أو النظريات ، إنما يوم الاعترافات والوقائع الملموسة ! لغز واحد لم تجب عنه قصص الشپيجل
هو أين يخفى الأميركيون بن الشيبة وشيخ محمد . تطرح الجريدة عدة احتمالات
لكنها تحفز القارئ ضمنا لترجيح أنهما فى ’ فندق كاليفورنيا ‘ ،
أى التسمية التى استقاها عملاء السى أى إيه من أغنية أنجح ألبوم فى تاريخ
الموسيقى ، ويقصدون بها الدول التى تقوم بأشغال التعذيب القذرة نيابة عن
الأميركيين ! مرة أخرى ، الخطأ الوحيد فى
قصتنا والذى اعترفنا به فى حينه فى التحديث المجاور لصورة قطاعة الورق الصغيرة
أعلى هذا مباشرة ، هو تخيلنا أنها احتاجت لاستخدام الكراتيه فى السيطرة على
الطائرات ، ولم نصل للعمق الكافى فى فهم أن الفهلوة المصرية ، ليست
حتى فى حاجة لهذا ، ذلك أنها ‑بحكم تعريف كلمة فهلوة‑ ليست فى
حاجة لبذل أى مجهود أصلا لتحقيق الأهداف ! ] .
[ تحديث :
14 ديسيمبر 2003 : قطعا لا يوجد اليوم على وجه الأرض من هو أكثر منا فخرا
بنفسه على فخره بنفسه . قبل قليل اتضح أن محمد عطا هو صاحب الفكرة الفهلوية
مطلقة المصرية باستخدام الطائرات المدنية فى ضرب أميركا ، وأنه الذى سوقها
لبن لادن . الآن اتضح ما لا يصدقه عقل : أنه كان جوالا مستقلا يحمل
فكرته ويعرضها على أكثر من جهة ، والجهة الثانية هى صدام حسين . مرة
أخرى : تحيا مصر ، مصر العظيمة ، مصر الهزيمة ، مصر
إخناتون ، بلد رسالته المقدسة وحتى نهاية التاريخ الدمار الشامل لكل حضارات
العالم . هأ ! وانكشف أخيرا سر أول
انتحار بأربع رصاصات فى الرأس فى التاريخ ، انتحار أبو نضال ! إنه
ببساطة كان الهمزة ما بين صدام وتنظيم القاعدة . هو الذى تولى تدريب نجم 11 سپتمبر محمد عطا فى بغداد . اقرأ قصة
التليجراف اليوم ،
عن وثيقة مؤكدة الأصلية بتاريخ 1 يوليو 2001 مرفوعة من رئيس الاستخبارات العراقية
لصدام حسين ، تتحدث عن ’ الطالب من هامبورج ‘ الذى ’ يتعلم
الأشياء بسرعة ‘ و’ سيضرب الأهداف التى اتفقنا عليها ‘ . للمزيد من التفاصيل تابع مدخلنا
السابق عن أبو نضال ،
وكذا مدخلنا عن سقوط صدام الذى
أعلن اليوم أيضا بعد ساعات قليلة من تعميم التليجراف لقصتها ، وجعلها قصة
مغمورة على كل أهميتها . وطبعا لا نشك أنك تود إعادة قراءة قصتنا عن
’ اللمسة المصرية ‘ أعلى هذا الكلام مباشرة ! وقائع تتكشف يوما بعد يوم لتثبت
نظرية بدت غريبة للغاية فى لحظتها ، والأكثر إثارة أننا لا نعلم بعد ما
تخبئه لنا أسرار المستقبل من المزيد عنها ! ] .
18 سپتمبر
2001 : مرحبا بعد أسبوع من الفاجعة المقبضة بكل
معنى الكلمة لى ولكل من أعرف ولملايين غيرهم ، رغم أن هذا لا علاقة له بأن
لا نرى فيها أية مفاجأة بالمرة . الفاجعة كانت بالغة الوطأة بحيث لم أتوتر
من كثرة هراء الصحافة أو حتى الأصدقاء ممن رفضوا أو خالجهم الشك أن بن لادن هو
الفاعل . ورد الفعل المعتاد فى مثل هذه المواقف أن انطلق بسخرية تتصنع
الغضب أتهم فيها الجميع بالجهل . فقط وببرود مزعج كانت حجتى المقتضبة
الضجرة حزينة النبرة : ومن يمكن أن يقتل نفسه غير هؤلاء ؟ أو هل نسيتم
هجوم سنة 1993 على ذات بناية مركز التداول العالمى فى نيو يورك ؟ ومن كانوا
يوافقوننى هم فقط الذين انطلقت أشرح لهم نظريتى الأبعد فى أنها عملية مصرية
خالصة . تلك اللا مبالاة الممتزجة بالسأم الممتزجة بكآبة عميقة ، هى
سبب واضح للإمساك عن الكتابة أسبوعا ، بل حتى عمود الأسبوع الماضى كان أقرب
لدفقة ثورة وانفعال منه لكتابة بمعنى الكلمة .
المهم ، أكرر من حيث وقفت وحزن أكبر
يعتصرنى : أكان من الواجب أن نفقد مركز التداول العالمى حتى نشرع فى مواجهة
ما يسمى بالإرهاب . إن هذا المركز شىء عزيز على تاريخ الهندسة ، يمثل
مدرسة الوظيفية‑قبل‑الزخارف ، وهو مبدأ تربى عليه جيلنا ليس فى العمارة فقط بل فى الملابس
وكل شىء تقريبا . ربما كان أشهر الرموز الرائدان لويز هنرى سولليڤان
( 1856-1924 ) أبو فكرة ناطحات السماء ، المناضل الثورى الأول من
أجل تأسيس العمارة الحديثة ككل ، وتلميذه وغريمه فرانك للويد رايت
( 1869-1957 ) والذى أصّل فكرة الوظيفية وخاص حروبا درامية من
أجلها . وإن قاوم فى البداية مفهوم ناطحة السماء ، مفضلا عليها
تصميمات ’ البرارى ‘ الخفيضة الفسيحة . هاتان الشخصيتان ،
الأولى العبقرية التى عاشت معوزة فقيرة ومعزولة أغلب الوقت رغم لقب أبى ناطحات
السماء ( ! ) ، والثانية المثيرة للجدل والمعارك طيلة
الوقت ، أعتقد أنهما بالضرورة من بين من ألهم آين راند أن تكتب رواية ’ النبع ‘ The Fountainhead ، ومن ثم المنتج الجرىء متمرد الأفكار
چاك وارنر بصنع فيلم جارى كووپر عنها سنة 1949 إن كنت تذكره ، وكلا العملين
يكاد يكون نبوءة بما حدث الثلاثاء الماضى من احتمال انتصار السوقية على التفرد
والعلم والإبداع . والأسطورة تقول أن شباب الستينيات لم تكن لتخلو جيوبهم من ثلاث :
الكوندوم ، سجائر الماريوانا ، ورواية ’ النبع ‘ ، ولا تنس اليوم أن الستينيات كانت أيام أن كان مركز التداول
العالمى تحت الإنشاء متحديا الفكر المحافظ وأذواق العامة سواء بسواء .
الأهم أن كلا من الرائدين سولليڤان ورايت كانا إرهاصة للمدرسة الأحدث فى
العمارة التى انتصرت بدءا من هذه الستينيات فى كل العالم ، مدرسة العمارة
اللا إنسانية بالمرة ، الأكثر نقاء فى الوظيفية الهندسية والتجريد
والميكانية ذاتية الجماليات جميعا ، والتى هجرت كلية الجماليات السابقة
المتأثرة بالتراث الإنسانى أو بالطبيعة . والمفارقة هنا أن المخربين المسلمين
لو علموا أن المركز يؤشر للثقافة المضادة أكثر منه للثقافة السائدة أو الرسمية
التى تكره ناطحات السماء وتسميها علب الثقاب ، لربما ما فجروه أبدا ! إن رموز الوظيفية‑هى‑الجمال امتدت فى
تلك الأيام لتشمل كل شىء تقريبا وليس العمارة فقط . الأزياء مثلا بدءا من
فى كل الأحوال ، أعتقد أن ليس فى سقوط برجى
مركز التداول ما يشين الهندسة ، فهما صمما ضد كل شىء بما فيه ارتطام طائرة
بووينج 707 أقصى المعروف من طائرات فى حينه ، كاملة الركات والأمتعة
والوقود . أما اليوم فقد سقطت بسبب كمية الوقود الهائلة للطائرات طراز 757
و767 التى جعلت أعمدة الصلب الرأسية تصل لنقطة الانبعاج buckling ، فانهارت ليؤدى
الجزء العلوى للبناية دور المطرقة على ما هو تحته فى تفاعل متسلسل بامتداد 110
طوابق ( هذا هو سر عدم وجود جثث فكل شىء استحال غبارا تطاير بعضه فى دائرة
نصف قطرها ميلان ) ، حتى فى لحظة الاحتضار نفسها لم يتوان
’ أنبوب ‘ الصلب الخارجى للمبنى عن القيام بآخر مهمة نبيلة فى
حياته ، وهى حماية جيرانه من مبانى مانهاتان الأخرى ، من ميل البرج
المتداعى على أحد جوانبه ، وسمح فقط إنكفاء الطوابق الواحد تلو الآخر
للداخل من هذا القفص فى هدوء منتظم —إن جاز الوصف ) . الأهم أن كل ذلك
وقع بعد صمود دام لساعة كاملة تقريبا
-56 دقيقة- لم يكن الوقود وما أدى له من احتراق مواد أخرى قد نفذ فيها
بعد ، ولو كان قد نفذ لظل المبنيان شامخين حتى لحظتنا . إنه بكل معانى
الكلمات صمود مجيد مدهش ورائع ويثير اعتزاز وزهو كل مهندس فى التاريخ ، فى
الماضى والحاضر والمستقبل . نعم ، يبدو أنهم أخيرا قرروا قتل بن لادن
وإسقاط الطالبان ، ولا شك أن هذا الشخص وهذه الجماعة هما الوصمة الأكبر فى
جبين القرن الحادى والعشرين وكل القرون ( لاحظ هذا أقصى طموح وصل له
الآن ، تفكير الأميركيين مرهفى القلوب ، سكان العالم الجديد المحتمين
بعزلته بديلا عن قدرهم فى إنشاء إمبراطورية جلوبية ،
التى هى حتمية تاريخية تقنية واقتصادية قبل أن تكون قرارا حرا بيدهم أو بيد
غيرهم . ناسين أنهم القوم الوحيدون فى كل التاريخ الذين لم يحاولوا
يوما ، بل لم يخطر ببالهم ( مع استثناءات قليلة وعلى استحياء بالغ مثل
الدكتور كيسينچر ) ،
أن قوة أميركا الاقتصادية والعسكرية الجبارة ( ثلث اقتصاد العالم وما يكفى
لإبادة كل الثدييات إن أميركا بهذا المعيار هى
أكبر أمة مهدرة للموارد فى التاريخ ! …
إذن… بعد قليل سوف ينام چورچ بوش ناعم البال معتقدا
أنه لم يكرر غلطة أبيه فى ترك بقايا صدام حسين فى العراق ( بفرض أنه سيصل
لذلك المرمى المذكور حقا ) .
إن الإرهاب ليس شيئا يستأصل بطرق كهذه المطروحة
اليوم ، إنه سمة طبيعية لصيقة بالتعصب لا سيما الدينى منه الذى لا يعترف
بأية مؤسسات أرضية ( أو كما قلنا أعلاه إنه بالأحرى سمة لصيقة بالإنسان
نفسه ) . المطلوب إذن ليس مواجهة الإرهاب ، إنما استئصال التدين
أى تدين وكل تدين فى أى مكان وكل مكان ، إن كان يراد مستقبل للكوكب .
المطلوب مواقف حاسمة لهجرة المتدينين للدول المتقدمة ، وللدعوة الدينية
داخلها ، وبصرامة كل ما يمت لهذا الموضوع من قريب أو بعيد . وكل هذا
بالطبع يجب أن يسبقة مراجعة جذرية لفكرتى الديموقراطية وحقوق الإنسان ،
وإلا ستكون الحضارة برمتها هى الثمن . الشاب المصرى محمد عطا نجم الضربة الأولى التى اختصت البرج الشمالى ، ليس شابا معدما يجد فى الانتحار
الدينى فرارا من جوع مادى وجنسى ومستقبل مغلق الأبواب ، إلى جنة مترفة رحبة
موعودة الطعام والنساء . أى الصورة
التى طالما روجت لها صحافتنا ومثقفونا تحت زعم أقرب للتواطؤ اسمه مواجهة الأسباب
الاجتماعية للإرهاب . وهو زعم لم يثر إلا الضحك والشفقة لدينا . فليس
للإرهاب أية أسباب اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية من أى نوع ، فقط السبب
دينى محض . ونقول هذا ليس لأى غرض إنما لمجرد أننا نرى العالم يخوض حربا
غير مجدية ضد ما يسميه بالإرهاب ، بينما العدو فى الواقع هو
’ صحيح ‘ الإسلام ، الذى يتغلغل فى عقول ’ المعتدلين ‘
قبل المتطرفين ، المسالمين قبل المسلحين ، وبعد قليل يحيلهم جميعا
متطرفين ومسلحين . نقول هذا ليس افتراء منا ،
نحن نحب الإسلام أكثر من لعب الشطرنج والبريدچ وحتى أكثر من احتساء النبيذ وممارسة الجنس ، إنما نقوله
لأسباب عملية محضة . الخطوة الأولى تماما فى مكافحة الإرهاب ، هى
الاعتراف علنا بالحقيقة التى يعلمها الجميع ، يقولها بسطاؤهم كما مثقفيهم
فى مجالسهم الخصوصية ، لكن لكنهم يدورون حولها ، وحجتهم أنهم لا يقوون
على تطبيق هذا التشدد على أنفسهم : إسلام أسامة بن لادن هو الإسلام
الصحيح ! إلى حكوماتنا التى حاربت
الإسلاميين وتأسلمت هى نقول : شباب طائرات الثلاثاء لم يخترعوا
الإسلام ، هم فقط قرأوه . كل جريرتهم أن نفذوا ما تطالبونه أنتم به
صباح مساء فى مدارسكم وتليڤزيوناتكم ، حتى دون أن تكلفوا أنفسكم عناء
أن تقرأوه أنتم أولا ! بعبارة أخرى : هذا دين يا
سادة ، وإن لم نحارب الدين كدين ، أى بهجوم علمانى كاسح ومباشر ،
فإننا نخدع أنفسنا لا أكثر !
دعونا نعيد توصيف الوضع على نحو
أكثر تفصيلا وصولا للنتيجة هذه أن ليس للإرهاب أية أسباب اجتماعية أو اقتصادية
أو سياسية من أى نوع ، فقط السبب المباشر دينى أو بالأحرى چيينى محض .
ما الشىء المشترك بين السعودية ومصر واليمن أو أيا غيرها ممن يشكل أبناؤها
النواة القيادية لتنظيم القاعدة ؟
الإجابة لا تشابه فى الأوضاع لا
اقتصاديا ولا سياسيا ولا اجتماعيا . الإسلام فقط هو القاسم المشترك .
لو شئنا أوليا صيغة عمومية فسنقول إن للتدين أسبابا إنسانية ، باعتبار
الدين نفسه خاصية إنسانية تزدهر فى أوقات الهزائم الحضارية . لكن مما
يستوجب الانتباه هنا أن تلك النواة القيادية زائد على الأقل كتلة الصف الثانى
ليسوا بحال من الفقراء ولا حتى من المنغلقين على العالم ، بالعكس هم
يتراوحون ما بين الطبقة العليا فاحشة الثراء وما بين القطاع العلوى من الطبقة
الوسطى ممن يسافرون جميعا عبر العالم كل الوقت . ثم حتى لو افترضنا أن
الفقر هو السبب وراء الإرهاب ، يظل السؤال الذى يتحاشاه الجميع هو ما سبب
الفقر أصلا أو لماذا لم تنجح الثروة فى قهر الإحساس بالهزيمة الحضارية أو محو
عقدة أبناء الجارية الدفينة داخل النفوس ؟ أليس سبب الفقر والتخلف والعقد
هو عقليتنا الغبية التى ترفض البناء والكدح والمشاركة فى نماء الاقتصاد العالمى
وتفضل عليه المروق وقطع الطريق والنهب لما هو جاهز . أى بعبارة أوجز السبب
فى التحليل الأخير هو چيينات العرق السامى وأبناء عمومته وجيرانه من أمم عاشت
طيلة تاريخها على قطع الطريق وغير مستعدة لتغيير نمط حياتها أبدا ، هذا
لسبب غاية فى البساطة أنها لا تسطيع ! إن موقعنا هذا لم تكن لديه أبدا يوما
معركة مع الإسلام ، معركتنا من اللحظة الأولى هى مع الچيينات التى أنتجت
الإسلام . الأبعد والأفدح وبصراحة فإن ما يقولون عنه أسبابا اقتصادية يجب
معالجتها ، سيزيد علاجها من الإرهاب ولن ينقصه ( الإسلام كمنتج چيينى
تكيفى وصل لمستوى الكمال بين التجارب السابقة لصنع أديان للمنطقة ، هو مصمم
بالضرورة لحل كل المشاكل بما فيها هذه . تخيل مجتمعاتنا التى أرسل الله لها
نبيه كى يحضهم على التكاثر قبل أى شىء آخر ، يمكن أن تقبل بالاقتصاد
الحر ، وهو أكبر أداة للإبادة المنظمة عرفتها البشرية ، ناهيك عن
المفارقة المذهلة أنه الأداة التكيفية الأولى فى أماكن أخرى ! الوظيفة
التكيفية للإسلام ستجعل بلا شك الجياع الذين سيلقى بهم للشوارع يرون فيه مؤامرة
هائلة من تدبير اليهود والنصارى ، وتجعل الأثرياء يستخدمون المال لمزيد من
الدعوة لعقيدة الإسلام لتكريس منهج التعيش على دم وعرق الغير استحلالا واسترقاقا
وجزية وخراجا ، ومن ثم دائما تتفاقم الأمور أكثر
وأكثر ! ) . الفقر موجود دائما أبدا ،
لكن حتى الشيوعيين أنفسهم أشهر من دافعوا عن الفقراء ، لم يلجأوا قط لحمل
السلاح فى بلادنا ( ربما لهذا السبب عينه انقرضوا ، فهم من زاوية
تكيفية دارونية محضة ، ورغم عقلية الاستحلال لديهم ، ليسوا
الأيديولوچية الأمثل لأعراق المنطقة إذا ما قورنوا بذلك الإسلام كلى
الروعة ) . يستحيل لأى عاقل أن ينكر أن الجهاد المسلح ضد كل ما هو غير
مسلم جاء من صميم تعاليم الإسلام الصريحة والتى لا تحتمل التأويل ، وهو
يظهر فى كل مجتمعات المنطقة سواء كانت اقتصادا حر أو موجها أو سواء كانت ثرية أو
معدمة . صحيح ، لطالما قلنا ( بدءا من الخاتمة التى انتهت لها الدراسة الرئيسة لصفحة
الثقافة ) إن الإسلام قدر چيينى لشعوب المنطقة ، لكن ما يتحتم إضافته
اليوم إن أضعف ’ الإيمان ‘ أن نحاربه هو فى حد ذاته حربا صريحة كجزء
من محاولة قهر المشكلة الچيينية حتى وإن لم يكن هو أصل هذه المشكلة ولم يكن كلها
أو سببها إنما مجرد نتيجة طبيعية لها . أقول هذا عن خبرة عيانية متكررة منذ أكثر من ربع
قرن فى جامعات ومدن صعيد مصر فى وقت لم يكن يصدقنى فيه حتى عشر سنوات مضت ،
أى قاهرى أن هذه النوعية من البشر قد تكون موجودة أصلا ، لدرجة أن كنت
أتصور أحيانا أنى الشخص الوحيد فى الكون الذى يعرف شيئا اسمه الإسلاميين .
الإرهاب ليست تخيلات نظرية ، بل حقائق ووقائع وأسماء ووجوه وملمس وأصوات
وأنفاس عايشنا وعاصرنا مولد بذورها الأولى جدا ، التى تصادف أن كانت فى
مدينة أسيوط بدولة مصر بعيد حرب أكتوبر 1973 بقليل ، وتصادف أن من تقرأ له
الآن كان هناك ‑لمجرد الصدفة‑ وعاينها ، ثم ها هى الآن قد
أصبحت قبل سبعة أيام فقط من اليوم حقيقة كونية كاسحة بكل معنى الكلمة !
طبعا لا تشغل بالك كثيرا إن كان
صبى المدرسة المدلل چورچ بوش قد سمع عنها ، حتى بملاحظة أن أبيه المسمى
چورچ أيضا هو مدير الاستخبارات المركزية
إننى أتحدث ببساطة عن وحوش
ضارية لم يتورعوا يوما عن قتل الطلبة الشيوعيين والمسيحيين أو على الأقل إصابتهم
بعاهات مستديمة ( هذا بالمناسبة برعاية الأمن وبالتنسيق معه ، وبعد
توزيع شقق السكنى على كل أولئك بالمجان من محافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل ،
والذى يعد بحق أول راع إطلاقا للإرهاب فى موجته الجديدة المعاصرة التى تواصلت هى
نفسها حتى اكتسحت كل العالم الآن . هذه كانت بضربة معلم اقترحها على الرئيس
السادات فأرسله من قيادة استخبارات حرب سيناء أكتوبر إلى قيادة استخبارات حرب
جامعة أسيوط ، وإن كان لا يوجد كثيرون حاليا ممن يقدرون هذا الرجل ودوره
التاريخى حق قدرهما ، وقد عاصرنا كل هذا معاصرة العين وكان إبداعا بكل معنى
الكلمة ، إبداعا لحد الكارثة ، على الأقل هو تحديدا الذى قلده رونالد
ريجان بجلال قدره فى أفجانستان بعد قليل ! إذن لا تصدق أن الإرهاب وليد
التعذيب فى السجون كما يقول الأخوان الكذابون ‑أقصد المسلمون‑ كى
نمنحهم هم السلطة فى سلام وكفى الله المؤمنين شر القتال ، فهناك أحداث
كثيرة جدا جرت قبل أن يدخل أى أحد أى سجن من هؤلاء الطلبة ) . هؤلاء أصدقائى من الوحوش الضارية
أنفسهم ، كانوا من قتلوا بعد ذلك جنود أمن أسيوط بالمئات فى يوم واحد فور
سماعهم نبأ قتل تنظيم الجهاد للسادات ، ومن ثم كانوا بحق الوحيدين ممن
تقدموا للاستيلاء على السلطة فى مصر ، التى كما يقول محمد حسنين هيكل كانت
ملقاة على قارعة الطريق تنتظر من يلتقطها ، وكما يقول محمد حسنى مبارك لم
يكن يعلم ليوم كامل أو أكثر أنها قد آلت إليه . ثم هم أنفسهم من قتلوا
السياح بالعشرات كلما سنح لهم ذلك ، وغير ذلك كثير وكثير ، وكله الآن
قطعة من التاريخ . فقط ومهما ذهبت بعيدا فى أرجاء الجلوب ، فستجد
البصمة المصرية واضحة تماما عليه ، سواء بالوجود المادى للأشخاص المجاهدين
فى صفوف الطليعة ، أو بالفكر والإبداع الذى ولد فى مدينة أسيوط يوما وأصبح
يحرك كل العالم اليوم . أيضا فقط وقطعا لا شىء يمكن أن يوقفهم نظريا إلا
رسالة أخرى عكسية المحتوى من السماء ، كلنا يعلم أنها لن تأتى أبدا ! …
فى الإسلام الكامل لا يوجد
’ لكم دينكم ولى دين ‘ ( الكافرون رقم 18 ترتيبا
زمنيا ) ، أو ’ لو شاء ربك لآمن من فى الأرض ‘ ( يونس
رقم 51 ترتيبا زمنيا ) ، أو ’ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا
مؤمنين ‘ ( يونس وبمناسبة مناقشات جامعات
سبعينيات صعيد مصر ، هذه كانت واحدة من أشهر النقاشات وأكثرها جماهيرية
إطلاقا أمام مجلات الحائط الإسلامية : ‑لماذا كل هذا التشدد والتمسك
بتطبيق الحدود ، عمر بن الخطاب نفسه أبطلها حين رأى ظروف الحياة غير
ملائمة ؟ كانت الإجابة تأتى حاسمة سريعة وجيزة جميلة ، وأيضا بالغة
الإفحام : ذلك لأنه كافر . حتى محمد لم يكن يبد لى أن لديهم
احتراما كبيرا له ، كما قد تتخيل أو كما يفعل الصوفية مثلا وللأسف لم
أعد الآن أذكر بالضبط الموقف الذى جعلونى به أقرنهم بموقف الپروتستانية من مريم
المسماة بالعذراء ، لكن المؤكد هو أنهم كانوا ينظرون لمحمد كمجرد حامل
رسالة مهمته انتهت ، والأهم منه بما لا يقاس هو الرسالة نفسها والراسل
طبعا ! ببساطة الإسلام
الكامل ليس به لكم دينكم ولى دين وليس به حكمة ولا موعظة حسنة وليس به التى هى
أحسن ، إلى آخر هذه الرطانة ، به فقط وهم صاغرون . تلك كلها آيات
منسوخة وتلك برمتها قضية منتهية ولا قول لفقيه فيما به نص صريح . ومن مصلحة
الجميع أو توفيرا للوقت أن ننتقل للخطوة التالية من النقاش . ماذا
بعد ؟ الإسلام يقول عن نفسه إنه سمح ويقبل ببقاء الأديان الأخرى ، هذا
صحيح لكنكم جميعا تقولون هذا على طريقة لا تقربوا الصلاة . ذلك ليس اعترافا
بأى دين ، كما يوجد هنا شرط بسيط لعدم قتل هؤلاء واسمهم المشركين أو
الكفار ، هو قبولهم الاسترقاق وهم صاغرون . إسلام ما بعد تأسيس الدولة
هو إسلام لا يعرف إلا السيف لغة حوار مع بقية سكان الأرض ، والمراوغة هنا
لا تجدى ولا مثلها تناسى نصوص هى لا تزال قائمة كلية القداسة وتتوسل من يأتى
لتفعيلها . لنكن واضحين كل من يقول لك من هؤلاء الإسلاميين إن ليس هناك إلا
إسلام واحد ، هو محق ، وهو يقصد هذا الإسلام تحديدا : إسلام ما
بين احتلال مكة وما بين موت محمد ، وتحديدا كلمته ’ الآن أكملت لكم دينكم ‘
وبقيتها معروفة ، تلك التى سحبت الاعتراف صراحة من كل الأديان
السابقة ، ما فيها سحبه ضمنا من إسلام ما قبل الغزو الاحتلال
والاستيطان . ذلك الإسلام ’ الكامل ‘ هو الإسلام
’ الواحد ‘ الذى يتحدثون عنه . الجديد فقط هذه الأيام أن ها
هو الإسلام يكتمل مرة واحدة أخرى تاريخية واستثنائية للغاية ، هذا على يد
الإمام القائد أسامة بن لادن . سيقولون لك هذا تفسير منحرف أو متطرف
للإسلام . لا تصدق مثل هذا الهراء عن الاعتدال والتطرف ، إما إسلام أو
لا إسلام . بقدر ما القرضاوى يفهم الإسلام الحق ألف ضعف ما يفهمه
الطنطاوى ، فإن بن لادن وصحبه يفهمونه مليون مرة ضعف هذا القرضاوى
وأمثاله . السؤال فقط هل هؤلاء وصلوا فعلا لكل الفهم الصحيح للإسلام .
اعتقادنا أن الإسلام الحقيقى أكثر وحشية بعدة خطوات مما يفعل أو يطمح بن لادن
نفسه . كله لحسن الحظ محفوظ على نحو جيد جدا وللأبد هناك فى باطن تلك الكتب
الصفراء ، كامن ينتظر فقط من يكتشفه . إنه استرقاق مطلق دونه التقتيل
لكل البشرية حتى لو أسلمت وهو نهى عن الشغل للعرب أشراف الخلق حتى لو أجدبت كل
الأرض ، فالكدح فى شريعة الإسلام مهانة [ صغار ] أجدر بالعبيد أى
الأمم الأخرى [ انظر الاقتباس عن ابن العباس تفسيرا لسورة التوبة فى رأس صفحة
الحضارة ] !
طبعا ! أى دين يقول كل
الأشياء ويقول عكسها ، لذا لو أنت حصرت دينا معينا فى عدة سور كتبت فى فترة
زمنية وجيزة ، فأنت تحصل على أقل الأديان تناقضا على وجه الإطلاق .
المنطق يصبح قويا جدا ، لا شىء يخالف شىء ، ولهذا السبب إسلام التكفير
هو الإسلام الوحيد الصحيح ، أو بقولهم ’ ما قبله ناقص وما بعده انتقص
من جديد ‘ . بصراحة متناهية ، فكر التكفير الإسلامى هو الدين
الوحيد المتماسك بين جميع أديان هذا العالم . وما خلاه من إسلام هو
قطعا غير صحيح ، لأنه ببساطة سيصبح ساعتها مثل أى دين آخر حافلا بالخروق
والثقوب . أنا شخصيا أيام كنت شابا علمانيا يتخايل بقدرته على شم التناقضات
الداخلية لأى دين من على بعد ميل ، كان على أن أتوقف لبرهة وأقول
مهلا ، هذه المرة الأمر مختلف . من اللحظة الأولى وأنا أشهد تلك
المناقشات فى باحات جامعة أسيوط بصعيد مصر فى مطلع السبعينيات قلت لنفسى إننا
لأول مرة فى هذا العصر بصدد إسلام متقن حقا ، يخلو بالكامل من التناقضات
الداخلية . إنه يخلو حتى من المراوغات التقليدية لخطاب الأخوان
المسلمين ، وسوف يتسيد لا محالة بازار الأديان جميعا عما قريب ، طالما
ستظل هناك أديان . ليس السبب أنه يحمل السلاح وغيره لا يحمل ، إنما
لقوة المنطق وراء حمل هذا السلاح . هذا هو الإسلام الصحيح حقا وسيعم كل
العالم الإسلامى بل وحتى غير الإسلامى ، ولن يهزمه أحد أبدا بالحجة والبينة
طالما الاثنان يتعاركان على أرضية الخرافة ، تناقضاته فقط تناقضات خارجية
أى مع حقائق العلم الدنيوى التجريبى ليس إلا ، والسبيل الوحيد هو فقط
مواجهة علمانية استئصالية تفكك الفكرة الدينية من جذورها وتعريها أمام كل الناس
بصراحة وجرأة وبيد لا ترتعش ، وإلا فالرمال المتحركة ستكون لعبة هؤلاء
وسيكونون الوحيدين الواقفين على أرض صلبة فيها !
نعم ، لقد كان عمر بن
الخطاب الكافر شيئا مثيرا للفضول جدا بالنسبة لى . إنه هو تقريبا الذى بنى
الإمپراطورية الإسلامية ، فكيف يمكن تكفيره . من هنا بدأت أعرف شيئا
فشيئا أن المنظمات الإسلامية تنقسم لقسمين كبيرين يكفر كلاهما الآخر . كفة
الأخوان المسلمين ممن يعتقدون أنهم ملاك ما يسمونه بالصحوة الإسلامية وأصحاب
النتائج السريعة الباهرة ككل فى إحياء الاهتمام بالكتب الصفراء ، وكفة
الجهاديين أو التكفيريين أو أيا ما كان اسمهم يرون فى تكفير الأخوان للحاكم
تكفيرا سياسيا والواجب أن يكون تكفيرا شرعيا . لاحقا أصبحت الصحافة العامة
تصف الجميع بالإسلام السياسى ، لكن الحقيقة أن هذا وصف مهين جدا للفريق
الثانى . فإسلامهم هو إسلام المبدأ والعقيدة ، ولا يعرف الألاعيب
السياسية ولا المراحل ولا حتى التقية وإظهار ما هو عكس الإبطان أو أى من هذا
الهراء الأخوانى . هم الصدق والأمانة والوضوح والأخوان الكذب والانتهازية
وضيق الأفق . على أن للأخوان وجهة نظرهم الوجيهة أيضا . محمد نفسه كان
شخصا سياسيا بالأساس . لقد كان يلعب بالشرع والوحى كما يلعب الدجال بالبيضة
والحجر ، يطوعه طوال الوقت من أجل تحقيق المكاسب ، سواء السياسية
الكبيرة ، أو شديدة التفاهة أحيانا مثل رغبة جنسية طارئة اعتورته
( كتاب سيد القمنى المذكور ، هو على صغرة موسوعة فى هذه الألاعيب
السياسية لنبى الإسلام ) . والأسوة الحسنة لا انتقاء فيها ،
وعلينا التأسى بالرسول الكريم فى كل شىء بما فيه المكر السياسى لصاحب صلح الحديبية الذى أجاز صراحة
الكذب حتى فى عقد المعاهدات . هنا تبرز مشكلة يطرح الطرف الآخر نفسه حلا
لها . يقول إن لا مجال للمقارنة بين محمد وبين أى أحد . محمد كان من
حقه أن يفعل ما شاء لأنه كان يتلقى الوحى مباشرة من إله السماء الخفى ،
وحسن البنا أو عمر التلمسانى أو أى منا ليس بهذا المستوى ( فى حدود ما فهمت
من نقد الجهاديين للأخوانيين أن ما ليس من حق المعاصرين أو حق أى أحد هو إبطال
السنة ، أما إفعالها أيا ما كانت فهو أمر يتفق عليه الجميع . ومنه
مثلا
إذن ، محمد شىء ونحن ‑بمن
فينا عمر بن الخطاب‑ شىء آخر . ومحمد ليس بشخصه فهو ليس بالمهم
جدا ، إنما بانتهاء الوحى الموحى له . والحل بالتالى تجميد الإسلام
عند نقطة معينة ، بالذات وأن ‑لحسن الحظ‑ كلمة النبى صريحة جدا
’ أكملت ‘ لكم دينكم . يقولون إن ما يفعله الأخوان ناهيك عن
مشايخ الأزهر هو بوابة جهنم . لو كان من حق أى شخص الاجتهاد والفتوى طبقا
لمقتضيات الحال أو ما يسمى بالواقع المتغير ، لأفضى الأمر فى خاتمة المطاف
لتفكيك العقيدة برمتها . وجهة النظر هذه صحيحة تماما . أى دين هو فى
جوهره دوجما ، عقيدة لا تتزحزح ، مطلقات لا تعرف التفاوض أو
التهادن . ولو لم تكن هناك هذه الدوجما لأصبح شيئا آخر ، نظرية
اجتماعية أو فلسفية أو سياسية ، أو حتى علما ، أى شىء قابل للتطور ومن
ثم للدحض . هذا ما يرونه عن حق على الأرض الواقع من ذوبان للمسيحية
واليهودية ، وحتى للإسلام السائد نفسه ، وتحوله لأى شىء يبيح أى
شىء ، ولا وجه للشبه بينها وبين الأديان الأصلية . إذن ، التجميد
هو اسم اللعبة ، الأصولية المطلقة هى الحل الوحيد للحفاظ على
العقيدة . من عرفته شخصيا من الجماعات الإسلامية ( ومنهم من قاد بعد
ذلك فى الهجوم على مديرية أمن أسيوط يوم اغتيال السادات ) ، كانوا
أناسا أذكياء واسعى الثقافة ينتمون للطبقة الوسطى ، وليس كما قد يتصور
البعض مجرد عقول أغلقها الفقر والفاقة . الحقيقة إذا كانوا عقولا مغلقة فهم
قد أغلقوها طوعا . والسبب بسيط للغاية ، أنهم عرفوا السؤال الذى
يواجههم وصاغوه الصياغة الصحيحة ربما لأول مرة فى كل تاريخ الأديان : إما
دين أو لا دين . لو فتحت عقلك قليلا لأصبحت تعيش تناقضا فكريا
داخليا ، ربما لا تشعر به ، لكنه موجود ، وهم يرونه بوضوح .
لا يمكن للدين أن يسمح بالتطور ولا أن يعرف الپراجماتية ، هذا ترف دونه
بديل وحيد هو الانهيار ، أو بالأحرى عدا ذلك لكان أى دين كذبة من
الأصل .
والآن إليك القنبلة
الكبرى : لطالما سيطر على شخصيا تمثل أن أصدقائى هؤلاء ‑شباب أسيوط
النبيل ، الرواد الأوائل لكل ما يجرى الآن ، والنقيض المطلق للإخوان
ممن لا يؤمنون بآلهة ويريدون فقط إحياء أمجاد غارات النهب والسلب على عموم
العالم‑ لم يكونوا يؤمنون لا باسترقاق ولا استحلال ، لا بنهب ولا
سلب ، وكذا كنت من خلال معرفتى بأخلاقهم الشخصية أشك أن الجنة‑الماخور
التى يصفها القرآن كانت تعنيهم من قريب أو بعيد ، إنما يؤمنون فقط برسالة
سورة التوبة ، التى هى القتل والقتل فقط ، لا رحمن ولا رحيم ،
إنما فقط ولاء وبراء مطلقين . هم يؤمنون بالجنة على الأرض هنا والآن ،
من أجلها ‑لا من أجل الحور العين الموهومين اللواتى ربما قصد بهم محمد
مجرد تخليد عدد الاثنين وسبعين تابعا ممن آمنوا به فى مكة‑ يقدمون حيواتهم
رخيصة على كفوفهم كما فعلوا فى طائرات مانهاتان وواشينجتون صباح الثلاثاء
الماضى . حين تأسست طالبان زادت ثقتى فى أن ما فهمته كان صحيحا ،
واليوم باتت ثقتى كاملة تماما به . هؤلاء يؤمنون فقط بدين مطلق السمو
والنقاء ، خاليا من كل تناقضات القرآن وكل ضعفات النبى . بلى ،
محمد نفسه لم يكن فيما استشففت من مناقشتى لهم شخصا ذا صلة بالإسلام الحق
هذا ، هذا الإسلام الذى جسدوه بنقاء مطلق يفوق كل دونية ودنيوية صراعات
النبى وآله وصحبه وإخوانه المسلمين هؤلاء المرتزقة الصغار تافهى الأهداف
والمطامع ، جسدوه فى مجتمع طالبان الپيوريتانى ، حيث لا مكان لكافر أو
تافه أو عابد لشهواته أو حتى ذى إيمان ضعيف . نعم : إنها طالبان ذلك
العالم الجديد المقدام بكل معنى الكلمة ، هى مفتاح فهم فكر هؤلاء ! بعبارة أخرى ، كل ما فعله هؤلاء الأصدقاء أنهم
اختاروا طريق الإيمان لأنه دونه بوابات الكفر اللا نهائية . وحسنا ما
فعلوا . أنا شهدت شخصيا ‑وحتى أدق التفاصيل الممكنة‑ الميلاد
الأول جدا لكل هذا ، صباح ذات يوم من شتاء سنة 1975 على أرضية حرم جامعة أسيوط ،
والنتيجة المنطقية هو ما حدث قبل أسبوع فى سماء نيو يورك ، وليست بحال
النتيجة الأخيرة . حسنا ما فعلوا ، أقولها لأنى أحيى كل صدق مع
الذات ، أحيى أصحاب المبادئ ، أحيى أنصار الوضوح ، ودائما أبدا
أحيى اللعب ع المكشوف . اليوم بليون عربى ومسلم يقودهم أسامة بن لادن هم
الذين اختاروا تديين الصراع مع الغرب ومع الحداثة ، اختاروا طريق اللا
عودة ، واليوم قالوها بجرأة عظيمة إنهم مستعدون لتحمل كل النتائج حتى لو
كان الإبادة الشاملة لكل ما يسمونه بالأمة . اليوم الخيارات باتت واضحة
وكلام بن لادن وصحبه يبدو شديد الإقناع . قالوها من قبل كثيرا واليوم
أوصلوها واضحة قوية مدوية تصم آذان كل أحد فى كل ركن فى الأمة وفى كل
الجلوب : هذا هو الإسلام إن شئتموه ، لا تحدثوننا عن إله السماء وعن
أنبيائه ورسله ورسالته ليل نهار على شاشات التليڤزيون وعلى منابر المساجد
والكنائس ، ثم تطلبون منا ألا نقرأ ما قاله هؤلاء فعلا أو نعرف ما حدث
فعلا ، بالذات وأن ما تقولونه أنتم شىء متناقض مزور مفعم بالفجوات
والخروقات لا يمكن ’ تلصيمه ‘ ولا يمكن أن يقبل به أى عقل سليم .
نعم هم على حق ، وهم أناس محترمون لأبعد مدى . كل المشكلة أن الطرف
الآخر ‑نحن ، الساسة والعلمانيون والمثقفون والغرب … إلخ‑
لسنا مثلهم صادقين مع أنفسنا ، ولا أصحاب مبادئ ، ولا حتى
واضحين ، وأهم كل شىء أننا نرتعد من شىء اسمه اللعب على المكشوف . دعنى أضعها لك بصراحة أكبر : لقد احترمت
هؤلاء ’ الإرهابيين ‘ من اللحظة الأولى ، وأضيف اليوم أنى احترمهم
أكثر من أى أحد ! الجميل فيما حدث الأسبوع الماضى ، إن كان ثمة
شىء جميل فيه ، أن كل المراوغين من أصحاب الأديان قد ضبطوا عرايا .
الجميع يجد نفسه الآن على المحك : إما دين وإما لا دين . أيمن
الظواهرى أو أسامة بن لادن أو أى من أتباعهما لم يخترع شيئا من عندياته .
كل شىء منسوب لمحمد ، ولمحمد تحديدا ، ولمحمد فقط ، وبالضبط أكثر
لآخر ما توصل له محمد فى أعوامه وشهوره الأخيرة ، فماذا تقولون ؟
من غير المدهش ‑وأكرر أنى
أتحدث عن مناقشات عشتها فى وقت كانت لا تزال القاهرة فيه تلهث وراء حمام
الملاطيلى وبمبة كشر والمينى چوپ‑ أن أحدا لا يستطيع التعابث معهم فى هذه
المنطقة . مثلا حين تسمعهم يجادلون بأطروحاتهم القوية جدا تلك ، تبدو
لك مضحكة للغاية نظريات محمد سعيد العشماوى وأمثاله . يقول كل شىء مرتبط
’ بأسباب التنزيل ‘ ، ومن ثم سنظل نمد هذا على استقامته
و’ ننسخ ‘ النصوص إلى ما لا نهاية بمنطق شىء اسمه العقل ، فلا
يصبح عندنا دين اليوم بل سبب وسببية ، يختفى محمد وأبو بكر ويصبح عندنا
ديكارت وهيوم ! حلوة ! حل سحرى جهنمى فعلا ! عبقرية ما فيش
زيها يا سيادة المستشار ! بس على مين ؟ الإجابة جاهزة عند
أصحابنا . صحيح دين الشهر الأخير نسخ كل إللى قبله ، وصحيح هم يؤمنون
أكثر منك بأسباب التنزيل وبالناسخ والمنسوخ . لكن هناك فقط خلاف
بسيط : من ذا الذى قام بذلك النسخ . ربنا ( ومحمد إن كان ناطقا
باسمه وليس من عندياته أو حسب مزاجه ) ، دول بس إللى من حقهم
ينسخوا ، عمر بن الخطاب موش من حقه ، ولا إحنا . إحنا من حقنا
ننفذ بس ، وبالذات بالذات سورة التوبة التى جبت كل ما قبلها وجزت رقبة معظم
القرآن ’ السمح ‘ بتاع الشيخ طنطاوى يقرأه لنا صباحا مساءا ولا يعلم
أنه منسوخ . نعم جبت كل شىء وبصراحة لا تحتمل اللبس يا من لا تعجبكم فتاوى
تنظيم القاعدة أو حتى فتاوى شيخ الحكومة
السعودية بن باز وديدنكم تشويه سمعة أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وأنتم لا
تقرأون : ’ فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ‘ أو ’ قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من
الذين أوتوا الكتاب ‘ ، هذه وتلك كمجرد عينات من تلك السورة مسك
الختام مباشرة قبل الاحتفال الأخير حين أتى نصر الله والغزو الاستيطانى ! أى دين هذا الذى يحلم
’ علمانيونا ‘ بتصفيته ، بأساليب اللف والدوران ؟ مرة
أخرى : لو أردت محاربة الدين ، حاربه كدين ، ضعه على محك
العلم التجريبى وحقائق المادة أمام الناس ، ثم أبد كل من يبشر به .
عدا ذلك ستبتلعك رماله المتحركة ، هذا إلى تصطدم رأسك بصخرة ابن تيمية
وأبى الأعلى وقطب بن البنا المنيعة الأصيلة القارئة الفاهمة ( موش حافظة زى
الأزهرية الغلابة زى عم طنطاوى ) تلك الصخرة التى لا تفل أبدا ! [ حين
كتبنا هذا ومن قبله ومن بعده صفحات الثقافة والإبادة والحضارة
[ والعلمانية ] ، لم تكن على الإنترنيت كلمة واحدة تقريبا باللغة
العربية ، تحاول تعرية الإسلام أو الأديان عامة ( ربما باستثناء موقع
أو موقعيين لمسيحيى مصر فى أميركا ولا تعد علمانية بالطبع ) . اليوم فى
2003 القائمة لا حد لها ولا حصر . فقط إليك بعضها ( بترتيب اكتشافنا
نحن شخصيا لها وهو ما يتم بالصدفة عادة لا أكثر ) ، وهى ما يبدو
أمامها ما كتبناه كنقطة فى بحر فى موضوع لا يكاد يعنينا أصلا فأغلب المذكور هنا
يضم كتبا وبحوثا ضخمة بمعنى الكلمة : نادينا ،
أبناء إسماعيل ، الناقد ، كتابات ، islameyat.com ، والموقع الساخر المسمى موقع الاسوة الحسنة خالص أوى جدا .
تفسير الصحوة لا يحتاج لتفسير ، حتى وإن كان معظم أصحاب المواقع والكتابات
غالبا ما ينكرون أسماءهم لأسباب لا تخفى على أحد ، ذلك التفسير أن طفح
الكيل ، ثم أن ثمة سببا تقانيا محض هو وفرة المواقع الإسلامية نفسها ،
فاليوم البحوث فى ’ الأسوة الحسنة ‘ سهلة جدا وكل النصوص متاحة لديك
إليكترونيا ، ولست بحاجة لاقتنائها ككتب صفراء بدائية الكتابة تحتاج لسنوات
للتنقيب فيها عن حديث هنا أو واقعة هناك . فى حدود علمى لعل أكبر هذه
المواقع التى تحوى أمهات الكتب هى الشبكة
الإسلامية والمكتبة الإسلامية ،
كذلك الطريات الحاسوبية المحدث وهى
ضخمة حقا لكنها توقفت عن التحديث وكذا يوجد المجلس الأعلى للشئون
الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف فى مصر . وطبعا هناك موقع الوراق الإماراتى الأضخم من نوعه والذى يسعى
لأن يضم كل كتب التراث ككل أى ليست الدينية أو اللغوية فقط ، أو ربما يطمح
لأبعد من هذا كأن يصبح موقعا عاما للكتب الإليكترونية بالعربية جمعاء . فقط لدى مشكلة شخصية مع هذه
المواقع ، هو أنى أصبحت أرتعد من التجوال فيها . هذا منذ ذلك اليوم
الذى عثرت فيه بالصدفة وأنا أقرأ تفسير القرطبى لسورة التوبة ( وهو
الاقتباس الذى وضعته فى حينه صدارة صفحة الحضارة ) . هذا
’ الاكتشاف ‘ الذى أذهل الكثيرين من قراء الموقع ، جاء معى على
نحو أقرب للمصادفة . قرأته فى سياق قراءتى لتفسيرات سورة التوبة ، لاح
لى كدورة أخرى لطاحونة الكلام عن الاسترقاق والاستحلال اللا نهائية فى
الإسلام . لم أهتم كثيرا وذهبت لأسترخى قليلا . لكنى بعد برهة انتفضت
صارخا بالحرف الواحد وبصوت عال : يا نهار أسود ، ده بيقول له ما تشتغلش ! طبعا دموية وتخلف الإسلام
والمسلمين باتت معلومة عامة يعرفها كل طفل عبر العالم ، ولا يجب أن تخيف
أحدا . ما أخافنى فى تلك القصة أنها تتعلق بشخص مسلم ( ملتزم أو
مستثمر أو ما إلى ذلك ) يريد أن يفعل شيئا إيجابيا . هو ليس حتى طيب
القلب . لقد جاء لبن عباس راوى التفسير والحديث ابن عم النبى محمد طالبا
منه أن يصادر لنفسه الأرض التى فشل ملتزموه فى أداء الخراج عنها كى يزرعها
بنفسه . فرفض الأخير بشدة ناهرا إياه عن التفكير فى هذا الصغار ( أى
المهانة ) ، وأن التعليمات القرآنية تقول أن يقتل هؤلاء الناس ،
ببما يعنى أن بالتالى تترك الأرض خرابا أفضل من أن يزرعها مسلم . ما أرعبنى
ذلك البطش الذى حل بدماغ الرجل لمجرد أن خطر بباله فعل الصواب ، وعومل
وكأنه نطق الكفر عينه . أنا أشفق على الأجيال الحالية من هول ما تعانية من
كافة أنواع البطش هذه باسم الدين ، وأشفق على نفسى من هذا الإشفاق وعلى
أنفى من الرائحة العطرة التى تفوح كلما فتحت إحدى صفحات ذاك المرحاض ! ] .
… ما أردنا قوله إن هذا النوع من الخطاب المزدوج شىء
شديد التأصل فى أدبيات الإسلام المقدسة والأقل قداسة سواء بسواء . والمهم
فيه أنه يقودنا لقضية يجب أن يحيط بها الغرب ، والمؤكد أنه لا يحيط بها الآن
على وجه الإطلاق ، حتى أغلب مواطنى بلاد الإسلام لا يحيطون بها ، ألا
وهى التقية ، ومعناها فى
الإسلام الكذب عند الاستضعاف . هذه قد تبدو نقطة
ثانوية أو خارج السياق ، وربما تعيدنا للجدل هل التقية هى من حق محمد وحده
فى وقت بناء الدين ، أم حق كل أحد وكل وقت بعد اكتمال الدين ، لكنها
فى كل الأحوال شىء عميق الدلالة على مدى غيبوبة الغرب والخطر الذى يتهدد الحضارة
من جذورها ، فالمؤكد جزما أنهم لا يعرفون شيئا عن طبيعة العدو الذى
يتهددهم .
سنسمع فى الأيام القادمة
كلاما كثيرا عن احترام العقائد و’ الغير ‘
و’ الاختلاف ‘ ، وهلم جرا . هذا ليس جديدا . عندما يجد
أتباع الأديان أنفسهم فى ورطة يركعون متوسلين نفس كلمة الحضارة الغربية :
احترام العقائد . العقائد لا
تحترم أحدا ، ومن ثم لا يجب أن يحترمها أحد .
ذلك النفى للغير هو الشىء الوحيد المشترك فيها جميعا ، وكل هذا دون الخوض
فى كونها لا تستحق الاحترام أساسا من حيث كونها تلك المخلفات التى أنتجتها
العقلية البدائية لإنسان العصور القديمة والوسطى . فتوى أسامة بن لادن الشهيرة فى
جريدة القدس العربى فى 23 فبراير 1998 ، فتوى بسيطة جميلة لا تحتمل اللبس
أو التأويل أو التفاوض أو الحلول الوسط : قتل كل يهود ومسيحيى
العالم ، وإن اقترح فى البداية التركيز على إبادة الشعبين الأميركى
والإسرائيلى . [ انظر صورة كاملة منها هنا أو فى صدر
صفحة الحضارة ] . مع ذلك لا يتورع
باسم التقية عن نفى ضلوعه فى الأحداث ( والحقيقة أنه لم يعترف بشىء من قبل
قط ، سوى عملية الصومال ، عملا بذات المبدأ . حتى وإن أمكن فهم
النص الحرفى لنفيه على أنه شخصيا لم ينتحر ، وأنه لتحية للمنتحرين ولتشجيع
بقية أتباعه على مزيد من الانتحار ، يظل مبدأ التقية واضحا جدا ، بل
السبب أنها مكون عضوى جدا فى فكر وتاريخ الحركات الإسلامية جمعاء ) .
ربما لم ينخدع الغرب بهذا ، لكنه بالتأكيد ينخدع بأغلب بيانات الشجب
الصادرة عن بعض المنظمات الأخرى بالمنطقة العربية ، أو فيما يصدر عن مسلمى
الغرب الذين ينظّرون لعملية إسرائيلية وراء الحادث ( كالعادة ! فلا
تندهش ! ولعلهم محقون فنظرية المؤامرة لا تموت أبدا طالما كل ما تفعله
يدانا يضرنا ويفيد غيرنا على طريقة الأهداف المرتدة فى كرة
القدم ! ) . أيضا هو لا يفهم بالضبط صيغ الخطاب التى وجهت
للطالبان أيام كارثة التماثيل أو التى
توجه إليها الآن من الحكومات والمنظمات الإسلامية ، والتى تقول لها كلمة
واحدة ’ هذا ليس الوقت المناسب للتشدد ‘ . أى أنها التقية عينها
لا أكثر ولا أقل ، وليست دفاعا عن التحضر من قريب أو بعيد ، وليس حتى
نقاشا شرعيا يدخل فيما يسمى بالإسلام الصحيح الذى يعرف الجميع ما هو ،
ويعرف ما هو النبع النصى الأصلى لأطروحاته ، وبالمثل يعرف من يتبناه ،
ويعرف من يعرفه لكن لا يقوى على تبنيه ، فيما قد نسميه الإسلام
التكيفى . وكلنا يذكر أيام كان يذهب مشايخ الأزهر للسجون المصرية لإقناع أعضاء
الجهاد والجماعة الإسلامية بترك أفكارهم المتطرفة ، فيخرجون وقد اقتنعوا هم
أنفسهم بها . والمذهل أن هذا كله كان يذاع على شاشات التليڤزيون
المصرى ، ولم يحاول أحد التأمل فيما يجرى أمامهم فعلا ، مكتفيا بما
كان يقوله من ثم ‑وباختصار‑ فإن كل المشاكل جاءت
فقط بسبب تفاوت تقدير الطالبان والقاعدة هل هذا هو وقت التقية أم وقت
الجهاد ، أو بصيغة أدق هل هو وقت إسلام ما قبل احتلال مكة ، أم إسلام
ما بعد احتلال مكة ، إسلام قبلته الهيكل أم قبلته الكعبة . دائما نجد
ذات المنطق المتماسك المتسق مع نفسه ومع دمويته الصادقة التى لا يوقفها
شىء ، وبين منطق آخر هزيل انتهازى مثير للشفقة لا يمل من تكرار ذات
العبارة : سورة التوبة نائمة
لعن الله من أوقظها ! هذا يقودنا لكلمة الدين الناقص أو المنتقص ،
لنضيف فى هذا السياق أن أية جدليات حول ما قبل الفتح تجهضها فى مهدها مقولة
الأصوليين إنه الدين الناقص ( بمقولاتنا نحن العلمانيين كان دين العبيد
وليس بعد دين السلطة ، كان كل طموحه آنذاك العبث بعقول أكبر عدد ممكن من
العبيد تمهيدا لتجنيدهم للوثوب للحكم ، حسب الآلية التى اتبعتها كل
الأديان ) . فى المقابل بالضبط فإن أية
جدليات حول الاجتهادات التالية للفتح ، لعمر بن الخطاب أو عمر بن عبد
العزيز أو أى من الخلفاء العباسيين مثلا ، تجهض هى الأخرى فى مهدها
أيضا ، باسم الدين المنتقص . فهى ببساطة ليست من الإسلام فى
شىء ، الذى هو القرآن والسنة وما قالاه بالضبط لا يزيد ولا ينقص ،
وهذه هى الأصولية بحكم التعريف . أنا لا أقول شيئا من عندى ، ولا أفتى
فيما لا أفهم فيه ، ولا أريد حتى أن افهم فيه . فقط هذه كما
قلت ، مناقشة حضرتها بنفسى ألف مرة وآخرها إلى ما قبل وقت قصير ،
ووجدت فيها صديقى المسلم الطيب المسالم الذى يسمى نفسه بالمستنير ، فريسة
لغول هائل آخر التهمه فى لحظات دون أن يستطيع حياله شيئا ، ولن أستغرب قط
إن وجدت صديقى ذلك ملتحيا بعد قليل ! أخيرا ، مما أتذكره من هذه
الأخيرة بالذات المغزى الحقيقى لما
يشاع عادة من الإسلاميين التكيفيين عن اعتراف الإسلام بالأديان السابقة .
هذا صحيح لكن فقط من أجل أن يحتويها ، ومن ثم يعود ويلغيها ، وأن لن
يدخل الجنة ، إلا من ’ قبل الإسلام دينا ‘ و’ من اصطف
خلفى ‘
[ استطراد :
ما قصدته بخبرة جامعات مدن وصعيد مصر كثير ، لكن
أضرب مثلا واحدا منه . هذا هو صداقتى ( نعم أقصد هنا الصداقة ،
وكنت أقصدها حين أتيت على ذكرها قبل قليل ) لاثنين من القادة المؤسسين
لتنظيم الجماعة الإسلامية ، طبعا قبل أن يصبحا هكذا ، وقبل أن يقضيا
حاليا عقوبة السجن مدى الحياة بسبب قيادتهما للهجوم المتزامن مع اغتيال الرئيس
السادات ، على مديرية أمن أسيوط ، والتى لولا عدم افلاتهما من تنفيذ
هذا الحكم ، لربما كانا الآن أمراء يأتمر منهم أيمن الظواهرى فى تنظيم
القاعدة ! هؤلاء كانا أصغر منى سنا فى قسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة
( أحدهما كان يحضر المحاكمة فوق نقالة لإصابته فى الهجوم ، والثانى هو
الوحيد زميل نفس الدفعه بل القسم . هذا يسهل عليك معرفة الاسمين
هذان الزميلان المهذبان المجتهدان
ذوى الأصول الطيبة ، كانا من بين من يثيرهم كطلبة الزملاء الأكبر سنا
المتفوقون دراسيا ، ومن هنا بدأت الصداقة . وفى المقابل كان يعجبنى
فيهما تحررهما الملموس فكريا ، فى وقت كان أن تكون مثقفا فيه يعنى بالضرورة
أن تكون شيوعيا . على عكس الشيوعيين كانا يعلقان مجلات الحائط الخاصة بهما
فى مدخل القسم ، عبارة عن صفحات بيضاء كبيرة ، ويتركان لنا نحن كتابة
أو لصق ما نشاء ، وفعلا كنت ممن شاركوا بالكتابة فيها . ما حدث بعد
عام أو اثنين من هذه الصداقة ، أن انقطعت فجأة أخبارهما أسابيعا قليلة ،
ظهرا بعدها ليس فى القسم ‑فالواقع لم يكن لديهما الوقت للعودة له أبدا‑
إنما كقادة للجماعات الإسلامية فى مواقع الجامعة النشطة ملتحيان يرتديان
الجلابيب ويحملان الهراوات الصخمة والجنازير الحديدية ينهالا بها ‑مع
غيرهم بالطبع‑ على الشيوعيين ثم على الطلبة المسيحيين فى بدرومات مبانى
المدينة الجامعية ، فى عمليات تنكيل تفوق خيال آل أوشڤيتز
أنفسهم . وما هى إلا شهور قليلة حتى كانت النيابة العسكرية تطالب بإعدامهما
لقتلهما المئات فى الهجوم على مديرية الأمن ! هؤلاء الوحشان البشريان وغيرهما
ممن يبدو بن لادن حملا وديعا بالنسبة لهم ، ممن عرفتهم عن قرب منذ منتصف
السبعينيات ، وليس يوم قتلت الشيماء الطفلة أو يوم قتل سياح الأقصر بالجملة
وطبعا ليس يوم 11 سپتمبر 2001 ، كانوا من القطاع الراقى والمثقف للطبقة
الوسطى ، وليسوا من قاع المجتمع ، كما يفترض أصحاب نظرية التفسير
الاجتماعى للإرهاب . [ عدت لاحقا للحديث عن هذه الخبرات الشخصية فى
صفحة الفن الجماهيرى بمناسبة تناول أحد أفلام الكاتب وحيد حامد لما يعتقد أنه
جذور الإرهاب ، فيمكنك المتابعة هناك ] . ما أردت قوله إن چورچ دبليو . بوش الذى يتحدث الآن عن سماحة
الإسلام ، هو إنسان لا يعرف شيئا عن الإسلام لا بالطيب ولا بالردئ .
هو فقط عانى منه يوما واحدا ، أما نحن ‑شعوبا واقتصادات وحريات‑
فنعانى منه كل الزمان . إن للإرهاب وجوها وملمس وأصوات وروائح ،
المؤكد أن لم يخبرها چورچ دبليو . بوش عن كثب أبدا ! أنا مثله لم أكن
أعرف شيئا عن الإسلام . كان من النادر فى أوساطنا الطلابية أن تعثر على أحد
يصلى الجمعة ، ومن المستحيل أن تجد أحدا يصوم رمضان . كان التليڤزيون
يعرض بأنصاف الساعات رقص سهير زكى ونجوى فؤاد ، لا أذان العصر
والعشاء . أما لو أردت العثور على شخص يصلى الصلوات اليومية أو يصوم أى
يوم ، فعليك أن تقوم بجهد بحثى جسيم ، عما كنا نتصوره حفريات قد
انقرضت . الإسلام فيما كنا نفهم هو المنطقة الممتدة فى شارع پورسعيد من
جامع السيدة زينب فيمينا لجامعى الأزهر والحسين . هناك كان يمكن أن تجد مقار
الطرق الصوفية ، وبعض المكتبات الإسلامية ( ومع ذلك فى الواقع كانت
تلك الطريق أكثر شهرة بشىء آخر غير الإسلام ، هو أنها التى كانت يسلكها
محمد عبد المطلب ذهابا وعودة مرتين يوميا من أجل رؤية حبيبته ، كما تزعم
الأغنية ! ) . وبالفعل كنا نسعد عندما نحصل على دعوات مجانية من
هيئة الآثار لزيارة تلك المساجد والبنايات القديمة ، وتفرحنا زيارتها
كثيرا . عدا ذلك مصر ‑الحضرية على الأقل‑ كانت علمانية
بالكامل ، وكانت اهتماماتنا علمية وتقنية وثقافية وفلسفية وما إليها .
لكن فجأة ومن حيث لم نحتسب ، ومن أعتى الأبواب فرض الإسلام نفسه علينا
فرضا ، وكان لا بد أن نحاول فهمه . وهذا ، ولتسمح لى
سيدى ، ما أتمناه عليك اليوم قبل التورط فى المزيد من التصريحات ! ما أردت قوله : عفوا للاستطراد وتابع القراءة ] . …
بغض النظر عن أن والد محمد عطا المحامى المتطرف
الذى يتحدث هو نفسه
الفارق بين المعتدل والمتطرف كان
دائما أبدا أن الأول لا يقرأ فى الدين ، والثانى يقرأ ( كل من قرأ هو
متطرف ، وأى خلاف بين من يقرأون ليس حول التقتيل والذمة والجزية ،
إنما كما قلنا حول توصيف المرحلة . هل هى أشبه باستضعاف ما قبل الفتح ومن
ثم يمكن تأجيل التكليفات فيها ، أم هى امتداد طبيعى لعصر يجب كل ما
قبله ، أى ما قبل الفتح ، عصر اجتياح كل العالم بقوة السيف تنفيذا
للتكليفات التى هى جهاد لا يحتمل الاجتهاد ) . هذا هو معنى الأصولية كما علمتنا إياه الحياة اليومية : الناس يعيشون فى تسامح وحب
وإقبال على الحياة طالما يحكمون على الأمور بالفطرة والحس الشائع ، أو
بالأكثر بنوع من الإيمان البسيط . أما لو قرأوا أو ذهبوا لدور العبادة ،
فإنهم ’ يعودون للأصول ‘ ويصبحون حتما متطرفين ، هذه قصة كل
يوم ، وتقريبا قصة كل من نعرف ، ولا ألف مليون آية يمكن أن تلغى هذه
القناعة ! بعبارة أخرى : التوفيقيون
الذين لا يقرأون ، يعرضون علينا بلا انقطاع إسلاما بالصلصة وإسلاما
بالبشاميل وإسلاما بالكريز ، ناسين أن ثمة إسلاما واحدا فقط : إسلام
محمد بن عبد الله الخارج منتصرا من غزوة بدر متوسما فى نفسه إرضاخ واستعباد كل
البشرية تحت شبشبه . سواء شئنا أم أبينا إسلام أسامة بن لادن هو الإسلام
’ الصحيح ‘ ، الإسلام الحق والأصولى ، هذا ما يقوله غالبية
مسلمى العالم الآن الذين يعتبرون بن لادن أعظم قائد مسلم بعد محمد نفسه
مباشرة ، ويعلقون صورة فى بيوتهم وحوانيتهم ومظاهراتهم ( ناسين حتى
أنه شخصيا يحرم الصور ! ) . نعم أنا أعلم أن هناك الملايين من المؤمنين حول
العالم ، يجدون فى دينهم راحة وسكينة بل وواعزا لحسن الخلق والسلوك
الاجتماعى الصالح . ملايين يعرفهم كل واحد منا يريحهم أن يعتقدوا فى إله
يقف بجانبهم فى ضيقاتهم ، وأنه قد يحاسبهم إن أساءوا السلوك لغيرهم من
الناس . لكن هذا شىء والموجود فى الكتب شىء آخر . الأنبياء لم يقولوا
مثل تلك الأشياء ولم تكن تعنيهم فكرة الأخلاق أصلا ، إنما كانت شتغلهم
أفكار وأچندات أعقد بكثير ، عليك أن تقرأ آلاف الصفحات قبل أن تدعى الإلمام
بها . المشكلة أن وجود ملايين البشر الطيبين المسالمين من ذوى التدين
البسيط هؤلاء ، لا ينفى أنهم جميعا قنابل موقوتة ، طالما أنهم مستعدون
بداية للاعتقاد بأشياء غير ملموسة . المهم أن المبدأ نفسه موجود ، كما
كان موجودا عن محمد عطا الشاب الواعد المهذب بل وحتى الأميل للترفيه
البرئ . وطالما المبدأ موجود لا تحتاج لأكثر من أن تميل على الواحد منهم
بسؤال أول هو دائما : أليس لكل مخلوق خالق ؟ ولأن الإجابة نعم ،
يكون السؤال التالى وهل تؤمن بالله ؟ وهل تؤمن بما قال ، ثم هل تؤمن
بالحياة الآخرة ، وهكذا تتوالى الأسئلة لتذهب لكلام السلوك والأخلاق ،
ثم تعرج على كلام الفروض والتكليفات ، ومن بعدها العقائد والتعاليم ،
ولتنتهى بكلام الجهاد ، وبحزام ناسف حول خاصرتك . الحالة الوحيدة التى
أعرفها من خلال خبرتى المذكورة ، التى لا يمكن أن تصل فيها هذه المناقشة
إلى نهايتها الطبيعية والوحيدة هذه ، هى أن يكون الرد على السؤال الأول
جدا : لا ، أنا لا أؤمن بأى غيبيات ( وحتى هذه لم يعد يجرؤ عليها
الكثيرون كما فى أيامنا ) . أو بالأكثر أن يجاريه فيه قليلا :
نعم لا يوجد شىء بدون خالق ، ولذا أريدك أن تقول لى من فضلك من خلق
الرب ؟ فى جميع الأحوال كانت وستبقى القاعدة العامة أن
الدين بئر رمال متحركة ، التعمق فيها لن ينتهى بصاحبه إلا إلى ابتلاعه
بالكامل فى أحد التنظيمات المسلحة . نعم أنا أعلم أن هناك استثناءات قليلة
هى التى يمكن تخيلها هنا ، وهى الأناس الأذكياء من ذوى الإيمان الفطرى
الذين لا يعنيهم الأمر كثيرا ، لكن لو أجبرهم المتدينون على التفكير
ومناقشة التفصيلات والنصوص ، فإنهم قد يتحولون ساعتها لرفض الإيمان
برمته . كذلك أعلم أن هناك الملايين من المؤمنين حول العالم ، أصبحوا
مؤمنين لا عن موقف أو قناعة ، إنما فقط لأنهم وجدوا المؤسسة الثقافية
لمجتمعاتهم تقول لهم أن هناك ألهة وأنه يجب الإيمان بها . ولو قالت لهم هذه
المؤسسة صباح الغد أن كل الآلهة أوهام خلقها البشر أيام كانوا جهلة بدائيين لا
يرتدون أربطة العنق مثلنا ، فإنهم سيتحولون قبل حلول المساء للفكر
الجديد . فعلها أتاتورك وبورقيبة باستئصالية extirpationism جذرية ماضية
العزم ، ولا يصعب بالمرة تخيل حال الشعبين التركى والتونسى لو كان قادتهم
اختاروا الطريق السهل ، وتركوهم كما فعل جيرانهم يمضون فى خزعبلات
الماضى . ما تفتقده بقية الشعوب الآن هو إيجابية وحزم هذا الفعل
الاستئصالى . هذا ما تتضرع إلينا به الآن جميع المعطيات :
الهجوم !
إن أبسط ما علمنا إياه القرن العشرين ، أن
الناس لم تعد على دين أنبيائها ، إنما على دين تليڤزيوناتها . إن العالم تقاعس كثيرا عن التبشير
بالعلمانية ، وعليه أن يعلم أن لا حل آخر إلا الانزلاق التدريجى لعصور ظلام
جديدة . إن صورة الآميشى المسالم للشخص المتدين هى أكبر خلط وقع فيه العالم
الغربى فى القرن العشرين ، وأعماه عن القوة التدميرية الحقيقية
للدين . الدين عقيدة ، وكل عقيدة تلغى العقل وكل أرضية للمناقشة لأنها
تنبع من الفرضيات المسلمة والتعليمات التى تأتى من السماء أثناء النوم . الدين قوة ما فى ذلك شك ،
قوة شر ما فى ذلك شك ، لكن الأهم أنه ليس أبدا قوة مبادرة أو إيجابية حتى
فى فعل هذا الشر . هو ينتظر حتى تزدهر حضارة ما ، وساعتها فقط يعرف أن
وقت الشغل قد حان ، فيحشد كل معاوله وينقض لهدمها . بعدها لا يفعل
شيئا ، فقط ينتظر بزوغ الحضارة التالية . سلبيته هذه هى التى نجا بها
على مر العصور ، وها قد حان الوقت للعالم أن يفيق . من الغباء أن حارب السادات الشيوعيين والقوميين
بالمسلمين ، وعلى هديه حاربتهم أميركا ببن لادن فى أفجانستان والبوسنة
وكوسوڤو ، وحاولت ذات الشىء فى الشيشان ولم تستطع . يكفينا أن
الشيوعيين والقوميين لا ينتحرون أملا فى فردوس النعيم ، بل هم ذوو مرجعيات
أرضية محضة ، مهما أساءوا فهم حقائق الواقع وقوانين الطبيعة والكون ،
ومهما تصرفوا بعاطفية وتحريض أحمق للشعوب الجاهلة ، أو ‑بلفظ مهذب‑
الانفعالية . ( فى جميع الأحوال لا يمكن الفرار من حقيقة أن غباء المشروعين الشيوعى والقومى هو فى التحليل
الأخير الذى قادنا الآن لسيطرة الإسلاميين ، لكن
هذا لا يلغى الفارق الشاسع بين المعسكرين ، كما لا يعفى بالطبع الغرب من
خطل تقديره ، وسياساته التى لا تخطط لأكثر من سنوات الانتخابات
الأربع ، إن لم يكن أحيانا لأربعة شهور أو حتى أربعة أسابيع ، وهى
بدورها إحدى خطايا الديموقراطية ، هذه التى نكرر أنها ستودى لانهيار
الحضارة برمتها يوما ! ) . لقد حان الوقت أن نعيد
للمتدين المسالم والمتدينة المسالمة ( بصليبها أو حجابها أو بعلامات صلواته
ولحيته ) إحساس العقود الماضية بأنه شخص غير طبيعى وشاذ فى مجتمع تسوده
العقلانية والتفكير العلمى العملى العلمانى . عليه وعليها أن يعلموا أننا
فى قرن اسمه القرن الحادى والعشرين ، وأنهم مصابون بمرض جذام اسمه
الدين ، يستوجب العزل فى المعسكرات أو لو لزم الأمر : القتل .
لقد أقامت المسيحية بل والصغار الآخرين محاكم تفتيشهم يوما ، واليوم جاء
وقت الهجوم المضاد : على الحضارة العلمانية أن تشرع فى إقامة محاكم تفتيشها
الخاصة ضد المتدينين ، وأن توظف أو تخترع لها كل ما يحتاجه أمر كشف التدين
أو القابلية لاكتسابه فى المستقبل ، من تقنيات عالية جديدة ، چيينية
أو فسيولوچية أو تحليلية نفسية …إلخ . هذا وإلا لن تقوم للحضارة قائمة بعد
اليوم . ما قاله 11 سپتمبر إن هذا أصبح ببساطة مسألة حياة وموت .
نعم ، لا شىء أكثر ولا شىء أقل . اكتب رأيك هنا [ ملحوظة : بمناسبة الأفلام كل ما
قيل وكتب هذا الأسبوع مثير للعجب ، وتخيل مثلا أن لم يتطرق أحد لأهم فيلمين
إطلاقا تنبئا بما حدث . فيلما ’ أكاذيب حقيقية ‘ و’ صانع السلام ‘ ،
اللذان ذهبا لقلب نيو يورك بقنبلتين نوويتين ، واحدة داخل مجموعة آثار
عراقية ، والثانية على ظهر ضابط بلقانى . بالطبع مع تقديرنا لتجسيد
’ الحصار ‘ مثلا للحالة التى أصبحت تعيشها نيو يورك الآن ، ولـ ’ يوم الاستقلال ‘ ليس
لمشاهد الهجوم المتزامن على المدن الكبرى والحرائق والدمار الشامل ، بل
بالذات فى رأيى للتتابع الخاص بفرار الرئيس لمكان سرى آمن ، والذى حدث فعلا
لمدة 12 ساعة الثلاثاء الماضى . على أن المثير للغثاء حقا أن تنطلق
الأقلام النقدية والصحفية العربية الشامتة —والجاهلة طبعا ، تسخر من فشل
رامبو وشوارزينيجر وبرووس ويلليس . إن السينما
الهولليوودية شىء جدير بالتبجيل حقا ، وليس بوسع أحد المزايدة عليها
وعلى كفاءة روءيتها وخيالاتها فيما يخص ما حدث قبل أسبوع . بل الحقيقة أن
السياسيين هم الجديرون بالخجل أمامها ، حيث حذرتهم من مخاطر الإرهاب
—والإسلامى منه بالذات ، لكن هؤلاء المتعجرفون طالما صموا آذانهم
وأعينهم ، باعتبار أن ’ المخرج عاوز كده ‘ ! … وبعد ، هل تعرف إلام أنا أكثر
تلهفا فى هذه اللحظة ؟ إلى معرفة ما ستكون عليه ماهية الجيل الجديد من أفلام الرعب لعصر ما بعد 11 سپتمبر
2001 . كلنا يذكر الصيغ الفنية والتنويعات التى
ترجمت بها السينما الرعب الذى سببه انطلاق مارد العلم من قمقمه فى
هيروشيما . وكلنا يعرف كيف ترجمت أفلام الستينيات وما بعدها فكرة أن الرعب
كامن هنا والآن ، إلى تحت السطح مباشرة من حياتنا الحضرية المعاصرة ،
فى أبنائنا وحيواناتنا وأحشائنا وعقولنا وجيراننا ، وأن شرا قاتلا لا يمكن
قتله أقرب جدا مما يمكننا التوقع ، والقائمة معروفة بدءا من
’ الطيور ‘ و’ طفل روزميرى ‘ و’ ليلة الموتى
الأحياء ‘ ، حتى ’ طارد الأرواح ‘ و’ هاللوويين ‘
و’ الإشراق ‘ . ما هى المعادلات البصرية والدرامية
الكابوسية الممكنة لمشهد البرجين المحترقين فالهاويين ؟ لا نعلم
بالضبط . المؤكد أنها أشياء تعتمل جدا الآن فى ذهن صناع سينما الرعب
المبدعين ، والمؤكد أيضا أن الدين سيكون محورا مركزيا فى كل تلك المعادلات
البصرية والدرامية لشر القرن الحادى والعشرين السينمائى القادم ] .
[ 9 أكتوبر
2001 : موضوع فنى آخر : أحداث نيو يورك الأخيرة أعادت إلى
دائرة الضوء اسم ميلتون جليسر ، بعد أن بلغ من العمر الآن 72 سنة .
ظهر هذا الملصق لأول مرة فى سنة 1975 ، وكان يقول أنا أحب نيو يورك ،
وكان يطبع عادة على القمصان والقبعات التى يشتريها السياح هناك ، ثم انتشر
بسرعة البرق لتستخدمه بقية مدن العالم ، بل وأصبح يستخدم حتى فى التعبير عن
الآراء السياسية فى لافتات المظاهرات …إلخ . يعد ميلتون جليسر من أوائل فنانى
الجرافيك الذين حطموا القواعد الصارمة لفن الملصقات ، والتى تأسست على يد ما
يسمى المدرسة السويسرية أحيانا والمدرسة الألمانية أحيانا أخرى . كل هذا
بدأ فى عقد الستينيات حيث ذاعت شهرته من خلال الأغلفة التى رسمها لألبومات
المغنى اليسارى بوب ديلان ، ثم بدأت أعماله فى الانتشار من خلال مجلة
’ نيو يورك ماجازين ‘ التى شارك فى تأسيسها ، ثم بعد ذلك بدأ
التعاون مع الصحف والمجلات الكبيرة العامة .
عاد ميلتون جليسر لدائرة الضوء من
جديد هذه الأيام ، وأصبح علما مطلوبا للحضور فى جميع المناسبات والاحتفالات
أو حتى اجتماعات التخطيط لها . والبداية أن انفعل هو نفسه بالأحداث فلم
يشعر بنفسه إلا وقد راحت ريشته تجرى فوق ملصق نيو يورك القديم ، لتضع بقعة
سوداء صغيرة على حافة القلب الأحمر ، وليضيف كلمتين أسفله ليصبح ’ أنا
أحب نيو يورك أكثر من ذى قبل ‘ ، ومرة أخرى يسرى التصميم كما النار فى
الهشيم ، وإذا به يغطى رءوس وصدور الناس وجدران البيوت والشوارع ، بل
وأيضا صفحات الصحف ومواقع الإنترنيت فى غضون ساعات قليلة . هذا الأسبوع
شاركت هولليوود ونجوم السينما فى الحملة التى أصبح شعارها نسخة جديدة من ملصق
جليسر ’ نحن نحب نيو يورك ‘ ، بأن انتقل الجميع إلى نيو يورك
لتصوير جميع الإعلانات المطلوبة فى الفترة المقبلة ، بدلا من لوس أنچيليس
حيث يصورونها عادة ] . 25 سپتمبر
2001 : مرحبا بعد أسبوعين من
الفاجعة . ولأن شر البلية ما يضحك ، كانت الدول العربية والمسلمة هى
الأضحوكة فى الأسبوعين الماضيين . ظلوا يفصلون ويهندسون شروطهم طولا وعرضا
للدخول فى التحالف الدولى ، ووصل الأمر ببعضهم لحد إيراد اسم الأمم المتحدة
كشرط لدخوله . هذا الاسم يثير الضحك تلقائيا عندى كما تعلم ، لكن المضحك هذا المرة هو
الطلب الغريب جدا من نوعه : أن لا تعلن أميركا الحرب على أحد إلا بعد
موافقة الأمم المتحدة . تخيل أن تتعرض لهجوم كذلك الهجوم ، ثم تجد
لزاما عليك أولا أن تستجدى المائتى دولة الصراصيرية التى لا يعرف أحد متى أصبحت
أعضاء أصلا ، تستأذنها واحدة واحدة قبل أن تدافع عن نفسك . نكتة أليس
كذلك ؟ ! على أن هذه ليست النكتة الأصلية التى
قصدناها ، بل أن من راحوا يملأون المؤتمرات الصحفية أو صفحات صحفهم بشروطهم
المتشددة أو المتعقلة أو أيا ما كانت ، اكتشفوا فى النهاية أنهم لم يدعوا
أصلا لمثل ذلك التحالف . تخيل أن تعرض إيران والعراق والسودان مثلا كل
المساعدات وبلا تحفظ تقريبا ، ولا تجد حتى من يقل لها شكرا ! ببساطة
أميركا وحدها هى التى تحدد من يدخل ومن لا يدخل . وقد حددت الپاكستان وبعض
دول القوقاز وربما من بعيد روسيا والهند ، والمعيار طبعا هو الفائدة
والكفاءة ، وأن لا يوزع الأجر على متشاركين كثر بلا داعى .
السبب المباشر لهذا كما سنرى أن طبيعة الحرب
القادمة هى حرب عصابات ، وليس بمب توماهوك إعلامى يلقى على معسكرات
خاوية . لكن قبل أن نرى كيف وصلت أميركا لهذا القرار ’ الجاد ‘
لأول مرة وذى الفهم الأولى على الأقل لطبيعة العدو ، نقول إن نكت
الدپلوماسية العالمية المذكورة فى هذا الأسبوع ، تؤشر بدرجة ملموسة لطبيعة
العصر القادم . حيث يجب الشطب من الذاكرة الحفل الصاخب الذى أقيم باتساع
العالم من أجل تحرير الكويت ، عندما كان الكل مدعوا للحضور واقتسام الكعكة
الدسمة . فى المقابل بدأ توجه جديد نحو أشياء أكثر واقعية وعملية ، بل
واقتصادية فى تصنيع التحالفات ، وطبعا تعبيرا عن القوة بلا الخجل الأميركى
المعتاد ، أو بكلمة أشياء أكثر طموحا ( من المذهل أن بات واضحا فى
الساعات الأخيرة أن حلف النيتو نفسه
غير مدعو ! ) . ولعلنا تحدثنا يوما عن
خطط إنشاء منظمة للدول الديموقراطية بديلة لمنظمة الأمم المتحدة التى فقدت
شرعيتها عندما لم تعد معبرة عن موازين القوى فى العالم كما كانت سنة 1945 .
نجم دونالد
رامسفيلد الذى نجا بحياته من قصف الپنتاجون بالصدفة
( أو لعل المؤامرة كانت محكمة جدا ! ) ، بزغ فى وقت كان
الكل يحاربه فيه فى أمور ثانوية كاتفاقية الصواريخ الپاليستية أو ميزانية الدفاع .
لقد كان صوته قد بح متنبئا ومنظّرا للكارثة قبل حدوثها بوقت طويل . هذا
الذى صنع التاريخ مرتين عندما اختاره چيرالد فورد سنة 1975 كأصغر سكرتير للدفاع
سنا فى التاريخ الأميركى ، وحين اختاره چورچ دبليو . بوش 2000 كأكبر
سكرتير للدفاع سنا ، هذه بعض من ساطراتنا المفضلة من
بين ساطرات رامسفيلد : - The
winner is not always the swiftest, surest or smartest. It’s the one willing
to get up at 5:00 a.m. and go to the plant gate to meet the workers.
(Unknown) - If you
try to please everybody, somebody’s not going to like it. - Don’t
necessarily avoid sharp edges. Occasionally they are necessary to leadership. - Beware of
the argument that ‘this is a period for investment, improvements will come in
the out years.’ The tension between the short term and long term can be
constructive, but there is no long term without a short term. - Don’t let
the complexity of a large company mask the need for performance. Bureaucracy
is a conspiracy to bring down the big. And it can. You may need to be large
to compete in the world stage, but you need to find ways to avoid allowing
that size to mask poor performance. - In
unanimity there may well be either cowardice or uncritical thinking.
(Unknown) - If it
doesn’t go easy, force it. (G. D. Rumsfeld’s assessment of his son Don’s
operating principle at age 10) - If a
problem cannot be solved, enlarge it. (Dwight D. Eisenhower) - Most
people spend their time on the ‘urgent’ rather than on the ‘important.’
(Robert Hutchins) - If you think you have things under control, you’re not going fast enough. (Mario Andretti, racecar driver) - Victory is never final. Defeat is never fatal. It is courage that counts. (Winston Churchill) - Intellectual Capital is the least fungible kind. (Unknown) وقرب النهاية تماما تأتى الأفضل إطلاقا ( والطريف أنها لشاعر يسارى ! ) : - History marches to the drum of a clear idea. (W. H.
Auden) … وأيضا الأسوأ إطلاقا :
[ للمزيد
كولين پاول
هو العكس على طول الخط . لا يزال الحمامة الطيبة مفلطحة الشخصية التى تتسرع
فى التصريحات الطرية ، ثم تسحبها كالعادة .
صرح بأنه سيقدم دليلا علنيا للعالم على تورط بن لادن ، لكن الدفاعيين
والاستخبراتيين أجبروه على سحبه ، لأنه سيكشف مصادرهم وأساليبهم —وهل
أميركا فى حاجة حقا لأن تقدم للعالم مبررات الولاء والطاعة ؟ ! لكنه
رغم ذلك كان فى نفس الوقت حامل رسالة التهديد التاريخية بأن من ليس معنا هو
ضدنا ، حملها لثمانين وزير خارجية عبر الكوكب كما تجرى الأسطورة .
وبالذات وأولا للحكومة الپاكستانية ، فجعلت مطاراتها تغلق فجرا فى وجه
الطيران المدنى وتفتح فيما يعتقد للمجهود الحربى الأميركى بعد ساعات من الحادث
( فجر ثالثا ، ديك تشينى أثبت أنه كما الحال دائما
عند الشدائد ، محارب صلب عنيد ومتشدد يطرح دوما أكثر الخيارات جذرية
وجرأة . وهو أقرب الجميع لفكر دونالد رامسفيلد وپول وولفوويتز ، الذى
ينتصر فى النهاية . وليس لأى سبب غامض يستمد هذا الرامسفيلد ذلك النفوذ
الذى يعلو سلطة الرئيس الأميركى فقط بل سلطة الدستور نفسه . السبب فقط أنه
يقول الشىء الصواب ، يترك بوش وپاول وكل من شاء يجرب ما شاء ، لكن
يعودون له حتما فى النهاية ، لا لآى سبب فى الدنيا إلا لأنه الشخص الذى قدر
سلفا فشل كل المناهج وكل الحلول ، وأيضا قدم سلفا التشخيص الوحيد الصحيح
والحل الوحيد الممكن : الاستئصال extirpation . ( للمزيد عن
هذه الكلمة ابحث هذه الصفحة مستخدما Ctrl+F ) .
من ظل يستمع إليهم
الرئيس طوال الأسبوعين الماضيين ، هم هؤلاء الثلاثة زائد پول وولفوويتز
مساعد سكرتير الدفاع ( أيضا كرئيسه رامسفيلد هؤلاء هم أقطاب ما أصبح يسمى فى أميركا اليمين الجديد أو المحافظين الجدد ، ومحور
أفكارهم أن أميركا يجب أن تحكم العالم ، وتحديدا باستخدام قوتها
العسكرية ، ودون الحاجة لأى حلفاء من أى نوع .
وربما نفضل نحن تسميتها الرؤية
الرامسفيلدية‑الإسرائيلية للعالم ، أولا
إحقاقا للحق ، وإعطاء لكل من ساهم فى صياغاتها الأولى حقه : رامسفيلد
كرمزها الأميركى الأكبر ، وإسرائيل حيث تشارك فى طرحها بنفس القوة كل من بنيامين نيتانياهو وآرييل شارون ، ناهيك عن كونهما
الأسبق فى طرحها كما رأينا فى أكثر من موقف . وثانيا لأن ما نحب أن نقرأه
ونتمثله فيها هو أنها فى ثوبها الجديد الموحد والمتوافق عليه لأول مرة على نطاق
واسع قسمت العالم بكامله ‑وأيضا
لأول مرة منذ قرون طويلة‑ بالطريقة الوحيدة الصحيحة : التقدم ضد
التخلف .
تلك الرؤية وهذا التقسيم مستقيان
من حقلى التقنية والاقتصاد ، وهى تنتصر لهما بل ولكل الفكر بعد‑الإنسانى
نصرا لا سابق له ، يسعد لها كما لم يسعد أبدا كل من آمن بأولية التقنية
والاقتصاد على كل ما هو إنسانى . للأسف لا السياسة ولا الدپلوماسية ولا
الستراتيچية لم تكن تقسم البشر والشعوب على هذا النحو من قبل قط ! الأسوأ
أن الغرب الساذج لم يكن يعرف كيف يفكر العرب والمسلمون . لكن لأن إسرائيل
تعرف فإنها طالما بدت أقرب للعقل وأميركا لمجرد العضلات التى يحركها
’ لوبى ‘ شيطانى وهمى . هذه الفجوة انتهت الآن ، ولعله أعظم
إنجاز لأحداث نيو يورك وواشينجتون حتى الآن ! [ هل أميركا ألعوبة فى يد
إسرائيل ؟ عدنا لمزيد من الخوض فى هذا بعد عامين فى صفحة الحضارة ، بمناسبة
تصريحات لمهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا كان هذا هو فحواها ] . بعد كل هؤلاء ورؤاهم الممتعة نصل أخيرا للشخص
الوحيد فى الدنيا ، الذى يقال إن بوش كان يفضى إليه بالحديث وما يحاول التفكير
فيه : كوندولييززا رايس . هذه أصبحت الآن أجمل وأروع امرأة فى العالم وأكثرهن إثارة من
كافة النواحى ( أنت تفهمنى ! ) . فكل نظرياتها الكيسينچرية
عن ضرورة إعادة رسم خريطة العالم ، ها هى تنفذ حرفيا أمام عينيها وبسرعة لم
تحلم بمثلها قط من قبل . ( للمزيد عنها ابحث مثلا صفحة الإبادة مستخدما Ctrl+F ) . هدية : انقر هنا لصورة هائلة الحجم لمجلس الحرب الأميركى الذى انعقد
برئاسة الرئيس بوش يوم 12 سپتمبر 2001 ( ديك تشينى غائب لأسباب أمنية
دستورية ، أما كولين پاول فغائب لأنه لا يدعى لمثل هذه
الاجتماعات ! ) . [ تدقيق : لم تمر أسابيع قليلة
حتى كانت السمة الرئيسة لكوندولييززا رايس ( المتخصصة أصلا فى الشأن السوڤييتى )
هى الصمت المطبق ، كما بات كيسينجر متواضع الطموحات للغاية مقارنا بأطروحات
باليمين الجديد . من ثم خلصنا إلى أن مدرسة يمين الحرب الباردة الكيسينچرية غير مؤهلة كثيرا اليوم
لفهم العالم الجديد أو استيعاب أچندة الحرب الحالية ، والتى لا بد وأن تفضى
لسيطرة مطلقة أميركا على العالم ، أو لزوال مطلق لها . انظر التفاصيل هنا ] . بعد ، لا ندرى إن كان صائبا جدا قرار أميركا
فى نهاية المطاف باعتماد تكتيكات آرييل
شارون كستراتيچية رئيسة وربما وحيدة للحركة لها .
والمضى فى مشروع طويل المجرى للاستئصال الجراحى للإرهابيين من خلال زرع وكلاء
الاغتيالات والمروحيات الخفيضة وعمليات الكوماندوز الليلية ، وما
إليها . ناسين أن شارون نفسه يرى كل هذا كجزء جد مؤقت من ستراتيچية أبعد
للردع ستستخدم فيها يوما القوة بكل اتساعها ، وربما تصل لحد الإبادة إن لزم
الأمر . المؤكد هنا أن هناك بعد نفسى آخر للموضوع ، لعله لا يزال
غائبا عن القيادة الأميركية . فجميع الأمم الفاشلة فى الشرق الأوسط راعية
للإرهاب فردا فردا وبلا استثناءات تذكر ، لكن كل هذا انقلب فى الأسبوعين
الأخيرين لرعب من بطش أميركى هائل قادم . ولا نعتقد أنه يجب تفويت هذه
الفرصة لتلقين هذه الشعوب درسا جديا يشعرها بعدم جدوى الإرهاب ، ويقنعها
ربما مرة واحدة للإبد ، بحمق مناطحة الحضارة الغربية ، وأن تسعى فى
المقابل إن أرادت الحياة ، محاولة محاكاتها وترسم خطى نجاحها قدر
المستطاع . المؤكد أن أى تراخ فى استخدام أميركا لأقصى معايير القوة وفورا ،
سوف ينقلب عليها وبالا مضاعفا بعد قليل ، ومن كان مذعورا ترتعد فرائصه قبل
أسبوعين بدأ يستعيد صوته العالى فى اليومين الأخيرين . إن التيئيس هو اسم
اللعبة فى هذا الشق النفسى والمعنوى للصراع ، وخسارته هى خسارة حضارتنا
برمتها . بمعنى آخر نحن بحاجة لبعض الألعاب النارية الصاخبة
جنبا إلى جنب مع التصفية الحقيقية الصامتة والتحتية للإرهاب . فى جميع
الحال تظل القضية فى رأينا ، أبعد ما تكون عن الحل بدون خيارات جذرية كوقف
الهجرة ( مؤقتا من خلال الإجراءات الأمنية الصارمة التى لا تأخذ
أسرى ، أو ستراتيچيا من خلال التنمية بالتقنية لا بالعبيد ) ، أو
استخدام أسلحة الدمار الشامل الضرورية لحسم قضية استفحلت حتى وصلت لمرحلة
الحضارة أن تكون أو لا تكون . رغم هذا ، بات واضحا أكثر من أى وقت مضى
فى التاريخ ، عدم صلاحية الحلول الغربية العقيمة التقليدية لها . كما
أن الأطروحات الأميركية الجديدة لمواجهة قوى الظلام القادمة من المنطقة الوسطى
للشرق ، هى محدودة الطموح ، لكن فاهمة نسبيا لطبيعة المشكلة ،
أيضا أكثر من أى وقت مضى . هذه أكثر الأشياء إيجابية مما أتت به حتى الآن
أحداث 11 سپتمپر ، ونجد لزاما علينا مبدئيا على الأقل أن نتوجه بالشكر لصاحب
الفضل الأول والأكبر فى هذه الخطوة ’ الجبارة ‘ للغرب ، أو على
الأقل البدء فى طرحها للمناقشة ، إلى السيد أسامة بن لادن ، أن
أعطيتنا بارقة هذا العالم الجديد الشجاع ، أو شجعت فينا الأمل فيه
يوما ! …
نكتة : عقليتنا العربية تفتقت عن فكرة جميلة فحواها أن هجمات 11 سپتمبر من
تدبير الموساد ، وأنه حذر 4000 يهودى ما نود قوله شىء أبسط بكثير : أنا من أكبر المعجبين وأشد المؤيدين لنظريات
المؤامرة ولأصحابها . القاعدة بريئة من هجمات نيو يورك وواشينجتون
الإرهابية هذه ، وإسلاميو الجزائر أبرياء من مذابح المدنيين ،
والموساد هو مدبر كل شىء فى الكون بما فيه الفجوات السوداء والانفجارات
الشمسية . لا خلاف على الإطلاق . فقط سؤال واحد يحيرنى : لماذا
يبرئ الكل الإسلاميين ولا يبرئ الإسلاميون أنفسهم ، وما الذى يمنع هؤلاء
حتى الآن من إصدار بيان بسيط يقولون فيه أن لا علاقة لهم بتلك الهجمات والمذابح ؟ سؤال آخر : لا أفهم بعد كل ما يقوله المسلمون
عن الموساد ، لماذا لا يتركون الله الذى خذلهم فى كل حروبهم ويعبدونه
هو ؟ … هامش فلسفى : على أنه فى هذه ، أو فى جميع الأحوال ، لا
يمكن أن نكون قد نكصنا عن مفهوم الديالكتيك ، ولا يمكن أن نحل الإشكالية
مثلا بالقول بإنه لصيقة إنسانية لا أكثر . طبعا هذا غير صحيح ، فعلى
الأقل إن لم يكن قانونا كونيا قاعديا ، فهو قانون ثابت بامتداد كل قصة
الحياة التى نعرفها على كوكب الأرض ، وهو يقع فى القلب من نظرية
التطور ، وبدون تفاعل وتأثير متبادل لم يكن ليوجد تطور . ببساطة ، المشكلة لا تقع فى الكون ولا فى
الحياة ولا حتى فى الإنسان ، إنما تقع تحديدا فى الدين . هنا تكمن
مفارقة تبدو طريفة وغريبة للوهلة الأولى . المانوية اختراع دينى ،
وچورچ بوش نفسه مؤمن . هل هو يحارب دون أن يدرى صلب العقيدة التى يؤمن بها
هو شخصيا ؟ هنا بالمثل لن نقول شيئا توفيقيا ، مثل عجيبة هى مسالك
الجدل ! بالعكس . لا بأس ! ما المشكلة ؟ المانوية تحتاج لحل مانوى . نعم المانوية شىء
تبسيطى غير ديالكتيكى وغير واقعى ، بل وغير مفيد . لكن أين الديالكتيك
عندما يتعلق الأمر بالدوجما ، التى هى بحكم التعريف النفى لكل مفاهيم
التفاعل والتطور والديالكتيك . فى هذه الحالة يصبح الديالكتيك هو الصراع
بين الديالكتيك ونفى الديالكتيك . هذا الصراع يكون مانويا فى هذه
الحالة ، لن يتعلم فيه الديالكتيك شيئا من الدوجما ولن تتعلم منه هى قط
مهما طالت العصور . فقط إما أن تقهره إلى حين وهذا ما سمى عصور
الظلام ، وإما أن ينفيها هو بالكامل ، وهذا ما أعلنته الحكومة
الأميركية على العالم فى حربها اليوم . الأبعد من هذا أن الإيمان المسيحى الحالى عند چورچ
بوش أو غيره ، هو إيمان مخفف جدا ككل ، ناله الكثير جدا من النحر
الديالكتيكى . نحر ولا نقول تفاعلا ، فالدين لا يتفاعل إنما يحتضر
ببطء . نحر تولته معطيات الحياة والتطور المختلفة على مر العصور ،
بحيث لا تكاد تسمى العقيدة المسيحية الحالية دوجما أو مانوية إلا بالكاد .
هذا سواء أحس أصحابها بذلك أم لا . هذا يطمئننا أكثر إلى أنها ليست حربا صليبية بين دوجما ودوجما ، بل حربا
حضارية بين الديالكتيك والدوجما . حرب مصيرية نعم ، حرب المانوية هى
التى فرضت الزمان والمكان فيها نعم ، هى التى حددت قواعد اللعبة ، هى
التى حددت السلاح وطريقة القتال نعم ، هى التى فرضت أن تكون قتالا مانويا
حتى الموت نعم ، لكن فى النهاية ورغم كل هذا وذاك ، هى حرب الديالكتيك
هو موضوعها . إما أن ينتصر وإما أن يدخل فى بيات شتوى جديد لعشر قرون أخرى
لحساب قوى الظلام ، قوى المانوية الحقة !
ببساطة نحن لسنا أمام إشكالية فلسفية حقيقية ،
بل فقط أمام متفردة singularity بمصطلحات الفيزياء . طبعا جمال الفيزياء
يصل للذروة عندما تلغى كل المتفردات ، وتعمم القوانين بما يسقط كل الحالات
الخاصة . على الأقل فى اللحظة
الراهنة لا نعرف من أن تأتى متفردة الدوجما فى كوننا الديالكتيكى ، ولا نستطيع رؤية ذلك الجمال المنشود فى إشكالية أسامة بن
لادن ! نعم ، المتفردات إجابات مؤقتة . ربما
بقدر ما يفشل الإنسان فى فهمها ، بقدر ما يكون هو بإنسانيته موجدها فى بعض
الأحيان . أو ربما يستطيع أحد إعطاء الإجابة النهائية يوما . الجديد : 26 سپتمبر 2001 : تطور عاجل ومثير
تتناقلته منذ ساعات مواقع الصحف الإيطالية ، ثم سبقت البى بى سى لنقله
بالإنجليزية لأول مرة قبل دقائق . كلمات جديدة لا بد أن تثير اهتمام العالم
كله سريعا ، وطبعا سوف يتلقفها إعلامنا العربى وينسج حوله قصصا
وحكايات ، وإن كانت كلها على العكس قديم ومعروف . ’ يجب أن نظل واعين لتفوق حضارتنا الغربية ،
التى حققت احترام الإنسان ورفاهته ، على العكس من العالم الإسلامى ‘ . بهذه الكلمات الصارمة تحدث الوزير الأول الإيطالى سيلڤيو
بيرلوسكونى خلال زيارته اليوم لألمانيا . هذا اليمينى الصلد ، وأحد
القلائل على وجه الأرض بهذه المواصفات حاليا ، ربط بين الإرهاب الإسلامى
الذى يقاوم ما يراه إفسادا من الغرب للقيم التى تعيش بها البلاد
الإسلامية ، وبين معارضى الجلوبة ’ الذين يريدون إشعارنا بالخجل
والذنب من حضارتنا ‘ . هذه الرؤية العميقة الشمولية والنادرة ،
وطبعا الجريئة مقارنة بما درج قادة الغرب على تبنيه ناهيك عن التصريح به ،
اختتمها بيرلوسكونى بتعهد رائع : ’ إن الحضارة الغربية كانت ولا تزال ملتزمة بغربنة وغزو الشعوب
الأخرى ‘ . هل من الصعب أن نجعل كلمات بيرلوسكونى الشجاعة
بداية للتفكير فى إصلاح أنفسنا . ونبدأ بشجاعة ممائلة التخلى عن الهوية
التى تسببت فى خرابنا وخراب مستقبل أولادنا ؟ على الأقل هل نناقشه فيما
قال ، بفرض أن ما قاله يتجاوز كونه تقريرا لواقع موضوعى معروف للجميع بما
فيه نحن المثقفون العرب ، لكن لا تحتمله أذاننا الضعيفة ؟ ببساطة :
لو هناك خطأ فيما قال ، اذكروه لنا بهدوء وموضوعية . أو بعبارة
أخرى : متى نفيق ، إذا كان سقوط مركز التداول العالمى لم يفقنا ؟
ماذا تنتظرون ؟ الياپان أفاقت بقنبلتين نوويتين ، فهل لا تفيقنا إلا
الإبادة ؟ ! هل من الخيال المفرط أن نطمح لأن نجارى بيرلوسكونى
فى جرأته التى لم تخش فزاعة الغربيين المعاصرين التقليدية بالاتهام بالعرقية
( وهذا ما فعله زعيم الحزب الشيوعى الإيطالى فى الساعات
الماضية ) ، إذا كان الأمر يتعلق بحقائق تاريخية وعلمية وواقعية مجردة
وثابتة ؟ الواقع أنى لا أتوقع أكثر من فورة غضب متشنجة من إعلامنا
المتخلف ، نواصل بها حالة اللا حسم اللذيذة التى تتمتع بها العقلية
العربجية ( من العروبة وليس العربة ) ، وتمثل السر فى لماذا نحن
عرب ولسنا ألمانا أو ياپانيين ، أو حتى هنودا أو صينيين ! بعد ذلك سوف
ننسى الموضوع برمته ونعود لأفيون القومية و الدين والهوية وغيرها . هذا
بينما تواصل الشعوب الشرقية العظيمة المذكورة النظر خلفها فى غضب بنسيان ماضيها
وإصلاح عقلياتها . وتواصل الحضارة الغربية سيادتها . التى لا خوف كبير
عليها إن كثر فيها القادة من معدن سيلڤيو بيرلوسكونى ! ( ملحوظة :
5 أكتوبر
2001 : بعد بيرلوسكونى ، ها هو زعيم غربى
آخر يعلو صوته بشىء من الحقيقة ، ولا نقول الذكاء أو الشجاعة ، لأن لا
شىء يحتاج لذكاء فى الحقيقة ، ثم ما هو معنى الشجاعة بعد كل ما ضاع فى 11
سپتمبر 2001 ؟ ! البارونة
ثاتشر التى رسمت أياديها يوما بعض الخطوط على خريطة
العالم ، قالت بالأمس لصحيفة التايمز اللندنية إنها لم تسمع من مسلمى بريطانيا الإدانة
الكافية لما حدث . طبعا سنهيج عليها كالعادة ونتهمها بالعرقية والنازية
…إلى آخر قاموسنا الجميل ، بينما كلنا يعلم أنها محقة تماما ، وأن
الإدانة الصادقة التى تحلم بها لن تأتى أبدا . لن تأتى حتى من غالبية
العلمانيين أنفسهم ذوى الفكر اليسارى الجمهورى فى معظمهم ، ولن تأتى من
الشارع ، وقطعا لن تأتى من رجال الدين كما تطالب هى . [ تحديث : 10 أكتوبر 2001 :
كلام مارجاريت ثاتشر تجاوزته الأيام بسرعة مع نشوب القتال قبل ثلاثة أيام ،
ظهرت خلالها حفنة فتاوى من زعماء مسلمى بريطانيا ضد
قصف أفجانستان بل —ولا سقف إلا السماء : استحلال دم تونى بلير ! بالمثل انهمر سيل من فتاوى
مشايخ سعوديين بأن حكام السعودية أنفسهم كفرة لأنهم يساعدون الكفرة ضد
المسلمين . عفوا سيدتى البارونة ، يبدو أن انتظارك قد يطول… يطول
للأبد . فنحن الآن لسنا بصدد إدانة أو عدم إدانة الإرهاب ، بل حرب
شاملة من الداخل ضد العلم البريطانى ! ] . [ تحديث : 28 أكتوبر 2001 :
الجدل البريطانى المحتدم أضيف له منذ بداية الشهر بفوز ڤى . إس . نايپول
بجائزة نوبل ، ومن قبله تصريحاته المثيرة . اقرأ المدخل الجديد الخاص
بهذا فى صفحة الثقافة ] . [ تحديث : 29 أكتوبر 2001 :
بدأ تساقط المسلمين الأميركيين والبريطانيين فى الحرب الأفجانية ، ليس
بالسلاح الطالبانى ، بل وهم يقاتلون فى صفوفها . الشبان الستة ‑أميركيان
وأربعة بريطانيون‑ الذين أعلن عن مصرعهم اليوم ليسوا الإجابة الأخيرة على سؤال
البارونة ثاتشر . وليسوا إلا قطرة فى بحر ، مما هو آت فى حرب الولاءت
فيها أوضح وأسرع من أن يتعامى عنها الغرب ، بل وكل نصير للحضارة والتقدم فى
أى مكان ، ناهيك عن إمكانة تفاديها . إن مثقفى بل ومسئولى الغرب أبعد
ما يكون عن فهم أى شىء عن ماهية العدو الذى يواجهونه ، لا طبيعته ولا حجمه
ولا طموحاته ولا المرمى الذى سيصل إليه . عدم الفهم هذا سيطيل أمد الحرب
ويصل بتكاليفها لمدى فادح لكل العالم . حتى بعض القنابل النووية ‑أو
أى صورة أخرى من الإبادة غير الشاملة‑ ربما لا تضمن ردع بليون كائن بشرى
ستتبلور ولاءتهم بسهولة مدهشة وربما بأسرع مما يتخيل أحد ، ولديهم من
النصوص ما يكفى جدا ، ويجعلهم يتبعون ببساطة وشراسة من سيمنيهم بحجز مكان
فى الجنة ، بعد أن فشلوا فى عيش حياتهم على الأرض . إنهم تقنيا وعقليا ،
ليسوا الياپانيين الذين ما إن هبطت عليهم قنبلة أو اثنتين حتى ندموا على كل
تاريخهم . من بعد كمال أتاتورك ، لم يعد
هناك شىء اسمه التاريخ فى العالم الإسلامى ، لقد توقف هذا التاريخ ،
أو بدأ يشق طريقه للوراء . المشكلة
والجميل أيضا فى هذه الحرب ، أنها على الأرجح لن تنتهى إلا بقضاء أحد
الطرفين على الآخر كليا . لا نعلم من حتى الآن ، والمؤكد أن الغرب ليس
أهلا بعد للنصر . المؤكد فقط أن انتهت فكرة التعايش بين الحضارة واللا
حضارة للأبد . المدهش أنه رغم كل ما حدث ،
تساءل [ تحديث أسرع من الخيال : 30 أكتوبر 2001 : هدية أخرى للبارونة ثاتشر ، المرأة الحديدية سابقا ،
بالغة الطيبة حاليا : الاحتجاجات العلنية تعم بريطانيا تطلب السفر للجهاد ضد
بريطانيا ! ] . [ تحديث أعجب من الخيال : 31 أكتوبر
2001 : استيقظنا ، والمؤكد البارونة ثاتشر
أيضا ، على أغرب خبر منذ قصف مركز التداول العالمى قبل خمسين يوما : تونى بلير فى طريقه لسوريا الآن ! هل نحن فى حرب فعلا ، أم أنها أمور هذر من البداية
للنهاية ؟ هل سيفلح الشرق فى التلاعب بالكلمات على الغرب إلى الأبد ؟
المؤكد فى أضعف الإيمان أن بشار الأسد سيفعلها اليوم
باقتدار مؤكد بالوزير الأول الغر ، وأنا أكتب قبل أن أرى ما سيحدث .
ولن أعلق ثانية قرفا بالطبع ، ولأنى أعرف تماما كل كلمة فى المحاضرة المحفوظة التى يلقيها بشار على تلاميذه من زعماء
العالم ، عن قرارات الشرعية الدولية التى لا أعرف أين كان موقف سوريا منها
منذ 1947 أو 1948 ، وعن عظمة أذنابه أبطال المقاومة ‑أو هو ذنبهم لا
أحد يعلم ، وعن إسرائيل الإرهابية وكأنه هو أبو التقنية والحضارة ،
وعن خطته الذكية الجديدة لإزالتها باستخدام القرار 194 ، وهلم جرا . لا أكاد أفهم مبررا لزيارة
كهذه ، إلا فى حالة واحدة : أن تكون الإنذار الأخير جدا ، وأن
القرار قد اتخذ بالفعل بمحو تلك الدولة
الرابعة سر كل بلاوى المنطقة من الخريطة . لكن المؤكد أيضا أن الغرب لا
يمتلك بعد مثل هذه العزائم الماضية ، ولا يفكر حاليا فى أكثر من ضرب
العراق ، إن كان سيضرب حقا . إن رأس الأفعى ليست أحمقا أهوج مثل صدام
حسين كما يأخذ الغرب بسطحيات الأمور ، إنما حافظ الأسد وسلالته ، وما
سببوه لشعوب العرب منذ جيشوها جميعا بأسلوبهم التحريضى المعروف ضد إسرائيل سنة
1967 ، يفوق مراحل كل ما حدث فى الكويت . يكفى أن عبد الناصر سفاح كل العالم وقاطع طريق الحضارة
وجلادها ، والذى لم يغرر به أحد أبدا ، استحال حملا وديعا وصبيا غرا
فى يد الذئب السورى . المشكلة أن أحدا من شباب
داونينج سترييت والبيض الأبيض لا يستطيع التذكر ! للمرة الألف حديث الإبادة فى هذه
الصفحة دعوة للصحوة ومسايرة الحضارة ، أو على الأقل لتدارك الكارثة أو
تأجيلها ، وحتى وإن كانت دعوة يائسة ومتأخرة ، لكنها تأكيدا ليس
تحريضا من أى نوع أو لأى أحد . والمؤكد عاشرا أن الذنب يقع أولا علينا
كتنويريين فشلنا فى أن يسمع صوتنا أحد ، داخل بلادنا قبل خارجها ، ومن
ثم نستحق قطعا كل ما سيحل بنا أو بشعوبنا من إبادة . إن النشامى تونى بلير ( وفى رواية
أخرى المجاهد الأكبر تونى بن بلير صديق المساجد ) هو أول رئيس وزراء بريطانى فى التاريخ يزور
دمشق ، اختار لها نفس يوم بدء محاكمة النائب الپرلمانى الإصلاحى ملحوظة أخيرة : بلير ومثله
بوش عندما يقولان إن الإسلام قد اختطف بواسطة المتطرفين ، يرتكبان نفس الغلطة
التى ارتكبها الإعلام المصرى منذ مطلع التسعينيات وأفضت لا إلى القضاء على
الإرهاب إنما لتدين المجتمع كله ، ومن إفراز أعداد متزايدة من أمثال محمد
عطا . كان الإعلام المصرى يقول
إن الإسلام الصحيح برىء من إسلام الإرهابيين ، وكان الواجب أن يقول إن هذا
هو التدين اعرفوه من خلال نتائجه ، أما مجتمعنا فهو علمانى وبرىء من الدين
بكافة أشكاله . لكن هذه الفرصة التاريخية ضاعت بالطبع بسبب غياب الإرادة
السياسية ] . [ تحديث أسوأ من الخيال : 1 نوڤمبر 2001 : حصل إللى خفنا منه وأكتر كمان . اتشتم بلير ، وأى
شتيمة . ما لناش نفس نعيد الكلام ، روح اقرأه فى البى بى سى ] . [ تحديث أنيل من الخيال : 17 ديسيمبر 2002 : وكأن كل إللى جرى ما كفاش . بلير عاوز يتكتب مرتين فى موسوعة
جينيس . دعا بشار لما ستسميه جينيس أول زيارة فى التاريخ لرئيس سورى
لبريطانيا . اتشتم شتايم أسوأ المرة دى . الظاهر من كتر تشبيهنا لبشار
بالحيوانات هنا ، راح طلع التشبيهات دى على جتة بلير ، وشبهه
بالنعامة . الظاهر ما عندهوش مراية . روح اقرأ القصة تحت ] . للحق يجب أن أستثنى من الآن فصاعدا ، الغالبية
الكبيرة من مسئولى ومحللى ومثقفى دول الخليج ، الذين تجاوزوا بمراحل كل ما
يمكن أن تقرأه أو تسمعه فى أى منبر آخر ، بل ومجمل كل ما تدور حوله العقلية
العربية . بعد ما قاله مثلا يوسف
بن علوى وزير خارجية عمان ، متجاوزا زعماء الغرب
أنفسهم ، عندما تساءل بسخرية : أى دليل تطلبون ضد بن لادن ، هل
نحن فى حاجة لدليل ؟ ، أو بعد كل ما قرأته وسمعته من صحفيى الخليج
والسعودية . بالتأكيد لفت نظرى كثير من الأسماء من قبل ، مثل بالطبع عبد الرحمن الراشد رئيس
تحرير الشرق الأوسط ،
لكن ما أراه فى ظل الظرف الحالى هو طوفان كبير من الآراء الناضجة الصريحة
الشجاعة . على سبيل الطرافة وحدها ، أنوه فقط بأن أطلق أحدهم على
العرب اسم ’ بنى لكن ‘ ( للدقة سرعان ما اكتشفت أن كثيرا من الأقلام الخليجية
تستخدمه بحيث لم أعد أعرف من ابتكره ! ) . ’ بنو لكن ‘
أولئك يدينون الغزو العراقى ’ لكن ‘ بشرط أن لا يضرب العراق
أحد ، يدينون الإرهاب ’ لكن ‘ بشرط أن لا يحاربه أحد ،
وهكذا ؟ ! شخصيا ومن صميم قلبى أود أن لا أستثنى من هذه الرؤية
الإيجابية جدا والمشرقة لمثقفى الخليج ، قناة الجزيرة التى
أدهشتنا يوما ، أو أن اعتبرها منبرا غير مسئول تحريضيا قومجيا
دينجيا ، ذلك أنى أعتقد أنها ستفهم يوما الخيط الرفيع بين الحرية وجريمة
يعاقب عليها القانون فى قطر كما فى غيرها ، اسمها دعم الإرهاب ( بينى
وبين نفسى وضعت معيارا بسيطا للمهنية أبنى عليه موقفى من قناة الجعيرة أو
غيرها : أن تكف عن استخدام لفظة استشهد ومشتقاتها ! ) . ’ لكنى ‘ فى أوكازيون الـ
’ لكن ‘ هذا ، أريد إضافة لكن أخرى ، لم يذكرها المتحدثون
المقصودون ، وأصبحت رائجة للغاية هذه الأيام بين المصريين وربما كثير من
العرب بعد أن تيقن أن الضربة قادمة لا محالة وربما خلال ساعات : اضربوا
أفجانستان وبن لادن ، لكن ابتعدوا عن العراق وحزب الله والمنظمات
الفلسطينية ! فى كل هذا وذاك ، لم أعد ‑كما فى الأيام
الخوالى‑ أفهم بالضبط ما يجرى فى عقلية الهزيمة : هل هى ستراتيچية
التقية المنصوص عليها فى أدبيات الإسلاميين ؟ هل هى نفس الحيلة
القديمة ، حيث لطالما نصحونا بترك الأخوان ’ المعتدلين ‘ يدخلون
مجلس الشعب والقصر الجمهورى حتى ننجو من ذبح الأفجان العرب لنا ، ثم نصحونا
أن نترك الأفجان العرب فى حالهم حتى لا يأتينا بن لادن إذا ما قتل عزام ، أنا لا أرجح أن هناك متعة أو ستراتيچية أو حيلة أو
وعى أو حتى لا وعى ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : 6 أكتوبر 2001 : خمنت
بمجرد الحدس أن من الجائز أن مصطلح ’ بن لكن ‘ ( هكذا كان
أصله ، وليس بنو لكن ) ، ربما يكون قد ظهر أولا فى جريدة الشرق الأوسط ( فحقا ،
هل ثم صحافة عربية أكثر تحررا منها ، أو بالأحرى هل ثم أصلا فى العالم
العربى ‑محليا أو لندنيا‑ جريدة ليست يسارجية‑عربجية‑إسلامجية
جمهورية متطرفة معا ؟ ‑المفروض أن ’ الوفد ‘ تمثل اليمين
الليبرالى العلمانى فى مصر ، لكنك لا تكاد تميزها عن جرائد شيخ الإسلام عمر
التلمسانى أو جرائد عدوها التاريخى جمال عبد الناصر أو حتى ’ إيسكرا ‘
ڤلاديمير إيليتش لينين ! ليبراليون لا ، وطنيون نعم ، وهى
سبة فى نظرنا ، أليس مضحكا أنهم پارانويون سياسيا حمائيون
تجاريا ! ) . المهم ، بالفعل المصطلح يرجع للدكتور مأمون
فندى ، هذا فى عمود رأى بالشرق الأوسط يوم 26 سپتمبر ] . اقرأ مقال د . فندى . اكتب رأيك هنا [ تحديث آخر : 15 أكتوبر 2001 : الواقع أن د . فندى لا يزال يتابع تعميق فكرته بسلسلة مقالات
آخرها كان اليوم ! …اقرأ مقال د . فندى الجديد . أو تفحص مقالات الرأى
الأخرى اليوم بنفس الجريدة ، حيث لا شك أنها من أفضل ما يمكن
قراءته بالعربية يوميا ( بفرض أنك ممن لا يزالون يقرأون بها ، وطبعا
إذا ما استبعدت من القائمة مقالات فهمى هويدى ، أستاذ أساتذة اللكن منذ
عقود ! ) . أيضا يمكنك تغيير تاريخ اليوم فى وجهة address الصفحة http://www.asharqalawsat.com/pcdaily/15-10-2001/leader/leader.html لتصفح مقالات الرأى فى أيام سابقة ،
فهى جريدة كريمة تتيح جميع موادها على موقعها بالمجان ، فى وقت يتنفس فيه الكثيرون على أى
مواد تنويرية أو أرشيفات للأخبار باللغة العربية على غشاء
الإنترنيت ] . اكتب رأيك هنا
7 أكتوبر
2001 : نعم ، بدأ الليلة قصف الأفجانستان ، كما قلنا من أميركا
فقط وبمشاركة رمزية من بريطانيا ، ربما فقط باعتبارها آخر إمپراطورية شرعية
سابقة ، ودون دعوة لأحد آخر بما فيه النيتو نفسه ، إلا فى أضيق الحدود
وبحساب دقيق وليس كوليمة تحرير الكويت . رغم هذا قد تكون هذه البداية
المتواضعة مجرد أول الغيث لما يرجح أنه لن ينتهى قبل أن يصبح الحرب العالمية الثالثة . وبعد… فى اليوم الأول لما يلوح أنه أكبر وأوسع حرب فى تاريخ الكوكب ، والثالثة كما تعلم هى الأخيرة حسب المثل المصرى العامى
( ! ) ، ليس هناك الكثير ليقال سوى خبر واحد وبعض
الملحوظات . أما تفاصيل هذه الفرضية الأخيرة ولماذا ستصبح حربا
عالمية ، أو بالأحرى الحرب العظمى الأولى والحقيقية والنهائية بين الحضارة
والدين ، فقد دشنت بها صفحة جديدة اليوم تحت اسم الحضارة . الخبر هو ما أوردته صحيفة النيو يورك تايمز اليوم ،
عن انضمام 500 من أفراد القوات الخاصة الأميركية للتدريب فى مصر ، تمهيدا
للمرحلة اللاحقة من الحرب وهى العمليات الخاصة الأرضية . المعروف أن 23000
جندى أميركى قد بدأوا التوافد إلى الأراضى المصرية فى الساعات الأخيرة ،
وذلك فى إطارات مناورات ’ النجم الساطع ‘ التقليدية . لكن الواضح
أنها صممت بشكل مختلف هذا العام ، الأمر الذى كان بلا شك محور مباحثات وزير
الدفاع الأميركى مع الرئيس مبارك أمس الأول . كان الرئيس قد قال عشية وصول
رامسفيلد إن القوات المصرية لن تشارك فى عمليات فى أفجانستان ، الأمر الذى
يؤكد بالطبع ما بات معروفا حاليا من أن الحرب لن تأخذ أبدا صورة
’ الغزو ‘ التقليدية من قوات أجنبية ، أميركية كانت أو
غيرها . المقال المذكور يحوى الكثير من المعلومات المثيرة
والطريفة عن الفرق المختلفة للقوات الأميركية الخاصة ، بالذات لمن اعتادوا
مشاهدة الأفلام الأميركية ويحاولون معرفة الفروق الدقيقة بينها . هذا عن الخبر ، أما ملحوظتنا الأولى فهى عما يتبدى كولع فى
الشارع العربى والإسلامى بأسامة بن لادن . ربما يتضاعف هذا مع بدء
المعارك ، وربما يصعد بن لادن من ردود أفعاله ، والتى قد تصل كما
توقعنا أعلاه لتفجير فنبلة نووية قبالة البيت الأبيض
( لهذا السبب أبعد ديك تشينى من جديد مؤخرا لمكان بعيد آمن حتى لا يحدث
فراغ دستورى فى حالة كهذه ) . لكن فى نهاية المطاف ‑بعد شهور أو
سنوات لا يدرى أحد بعد ، سيتحدد هذا بناء على متى سيبدأ أحد الطرفين القصف
النووى‑ سوف يسحق بن لادن حتما وبلا أدنى شك ، ولن يعود فى نظر
الشعوب البائسة المتعلقة بأى شىء إلا الشغل وتطوير ذواتها ، لن يعود أسطورة
بل مجرد صرصور آخر ’ فُعص ‘ ويطويه النسيان سريعا . بل من الجائز
وقتها أن تراجع هذه الشعوب موقفها من الرب نفسه ، والذى سيكون فى نظرها قد
قهر على يد الشيطان فى هذه الحالة ! من يدرى ؟ ! المشكلة فقط كم
ستتمدد الحرب قبل أن تنتهى هذه النهاية السعيدة . توقعنا أنها لن تنتهى قبل
إبادة أحد الطرفين ‑الإسلام والحضارة‑ أحدهما للآخر بالكامل . [ للمزيد انظر الصفحة الجديدة
التى دشنت بهذه المناسبة اليوم ، تحت عنوان الحضارة ] . الملحوظة الثانية أقرب لأمنية فى الواقع لا أعلم مدى واقعيتها . إن هذه ‑والحال
كذلك‑ هى فرصة العمر التى قد لا تتكرر قط لحكامنا العرب الضعفاء
الوجلين ، لبدء عملية استئصال واسعة النطاق للتدين من حياتنا
العمومية ، وذلك بالمعايير التركية إن لم يكن أفضل . القوى الدينية
تمر الآن بلحظة تاريخية غير مسبوقة منذ بداية عصر التنوير فى أوروپا قبل
قرون ، تقف فيها عارية قبيحة أمام العالم ، بأچندة بشعة باتت مكشوفة
أكثر من أى وقت مضى ، وبالعالم كله وقد استقطبته عدوا لها . وحان الآن
وقت الضرب على الحديد وهو ساخن ، فلم يكن التدين السياسى بهذه الهشاشة قط
كما هو الآن . [ تحديث : 9 أكتوبر 2001 :
هل نعتبر إطلاق ياسر عرفات وبرڤيز مشرّف الرصاص الحى على المتظاهرين ومن
ثم قتل بعضهم ، بداية قد ترقى بعد قليل إلى ستراتيچية استئصالية extirpationist شاملة هى فى الواقع مسألة حياة أو موت ، إن لم يكن بمفهوم
الإبادة الشامل ، فبمفهوم صراع الحكم البسيط الحالى . الواقع لا
نعرف ، ثم أن ما قد يصل إليه علمانى صريح ك ، قد لا يصل له عرفات الذى
لوث نفسه بشعارات دينية كثيرة فى السنوات الأخيرة ، أيضا ليست شخصيات كل
الحكام لها نفس العزم والتصميم ، وقس على كل هذا الآخرين ] . الملحوظة الثالثة تكرار لا بد منه ، تصحيحا لمصطلح يستخدم بعماء وغباء ويصدقه
الناس وعاد للبروز اليوم مع إرهاصات الحرب ، وهو كلمة صراع الحضارات
( ومرة أخرى نستثنى مثقفى الخليج الذين باتوا فى طليعة من يسمون الأشياء
بأسمائها عندنا )… [ تم نقل النص الكامل لهذه
الملحوظة كمدخل مستقل الأول من نوعه فى الصفحة الجديدة الحضارة ] . الملحوظة الرابعة تأمل آخر أميل للتجريد عن عن مفهوم كلمة حرب لغويا وتاريخيا . فى العقلية العربجية الحرب خدعة ، ويجب الفوز بها بأى وسائل
وبأى ثمن من مدنيى الجانبين أو غيره ، ذلك أنها ببساطة تكليف سماوى .
يمتد هذا سواء من قبل 14 قرنا ، أو بالهجوم قبل ربع قرن على اليهود يوم
عيدهم ( هذا أفزعهم فعلا لنحو الأسبوع ، وإن لم يهزمهم
طبعا ) . فى الغرب ليس الأمر كذلك ، إنما هى احتكام للقوة عندما
يعرف طرفان أن كليهما لا يمكن أن يكونا صوابا فى نفس الوقت . وهما يلجآن
لها بروح رياضية حقيقية ، وفى قرارة كل منهما أنه لو هزم فسيكون هو الفائز
بأن تعلم الصواب ، وغالبا ما يخرجان صديقين بعدها . هذه هى روح قيصر وأنتونى ، ويللينجتون وناپوليون ،
هيروهيتو وماكآرثر …إلخ . الحروب النبيلة تنتهى
جميعا بطقوس جليلة لتوقبع وثائق استسلام ، يتبادل بعدها الطرفان التحية
العسكرية بكل الوقار والاحترام ( ثق أنها حقيقية وليست شكلية ، بل حتى
خذ مثلا صلاح الدين —بمراعاة
اليوم نحن أمام حالة فريدة من نوعها فى تاريخ
الحروب : الغرب فى قمة حضارته التقنية يدخل حربا ضد الشرق الانفعالى وبل
تحديدا منه حالته الأكثر تأزما : الإسلام ( أميركا ضد أفجانستان تحت
إمرة رئيس وزراء عربى هو أسامة بن لادن ، وأركان حرب أغلبهم من العرب
أيضا ) . ترى هل ستكون حربا نظيفة على طريقة آخر حرب أميركية التى
أرسلت خلالها عشرات الوسطاء والمهل لصدام حسين ، وفى النهاية تماما أخبرته
بموعد بدء القصف ؟ أم ستكون حربا قذرة خفية ، أو بقول أخف حربا عملية
لا رحمة فيها ؟ أعتقد أن الأرجح فى معادلة كهذه أن تفرض العملة الرديئة
نفسها فرضا وتطرد العملة الجيدة ، فالمشكلة الفريدة هنا أن أحد الطرفين
ضعيف جدها ، والأهم منه أنه ليس مستعدا للتعلم قط إن هزم . سوف تذهب
الطالبان وبن لادن بقواتهم وراء دروع بشرية من المدنيين ، إن لم يجيشوا كل
المدنيين أصلا ، ثم يستدرون دموع العالم على مدنيين وهميين لا وجود لهم من
البداية ، أو كأن أميركا لم تخسر بالفعل ومقدما 5000 مدنيا فى هذه
الحرب ، أو كأن هناك حرب لا يسقط فيها مدنيون . أيضا هى حرب بدون أسرى
حرب ، فالشريعة الإسلامية لا تعرف چينيڤ ، ولا حتى فى أى قارة
تقع . فى مقابل هذا بدأت أميركا بالفعل التكتم ، إن لم نقل
الكذب . وأحيا رامسفيلد وفريقه مقولة ونستون تشرتشل القديمة المرحة ‑وإن
بكثير من الجدية هذه المرة‑ إن الحقيقة أثناء الحروب شىء ثمين
للغاية ، بحيث يجب إحاطتها بجيش من الأكاذيب . توقع الكثير من
الإشارات المتعارضة من فريق الحرب الأميركى ، ولن تعرف ماذا ينتوون
بالضبط ، لفترة لأنهم شخصيا لا يعلمون ماذا يتنتوون ، ثم بعد ذلك
انصياعا لقواعد هذه الحرب الأقذر من نوعها . اقرأ المزيد عن غياب فكر الاستسلام ‑وهو
المطلوب أحيانا‑ من العقلية العربية فى صفحة الثقافة .
اكتب رأيك هنا [ تحديث : 26 أكتوبر 2001 : أحد
أبرز ملامح الحرب القذرة تبدت اليوم من خلال إعدام القائد الأفجانى [ تحديث
آخر : 13 نوڤمبر 2001 : المفروض أن أحصل على جائزة ‑من أى
جهة أو فى أى حقل ؟ لا أدرى ، وإن كنت أفضل الأوسكار بطبيعة
الحال !‑ ذلك لأنى اشتممت من صبيحة يوم 11 سپتمبر ، بل وتحديدا
من الدقيقة الأولى البصمة المصرية فيما حدث ، ويشهد بهذا زائد كل المكتوب أعلاه ، ناهيك عن كل أصدقائى . اليوم ها هى بصمة مصرية فهلوية
جديدة : الأفجان العرب المحاصرون فى قندوز دعوا قوات التحالف الشمالى
لاستلام المدينة ، ثم إنهالوا عليهم تقتيلا . إنها أمجاد رشيد مع
الإنجليز سنة 1807 تتكرر اليوم ، لتبين ما تدور حوله الحرب أصلا من منظور
المجاهدين ، بالذات عندما يلتقى
الجهاد مع الفهلوة المصرية . إنها تقتيل وتركيع
العالم بأى وسيلة وبأى ثمن حتى لو تعلم علم اليقين أن الطرف الآخر سيبطش بك
تماما ، وليس الاحتكام للسلاح للإدراك المشترك للطرفين للحق غير المدرك أو
غير المحسوم . فى العقيدة الدينية كل شىء محسوم سلفا كما تعلم . وهذه
حرب دينية بنسبة 100 0/0 بهذا المعنى وحده على
الأقل ، والذى فرضه المجاهدون عليها ! أرجوكم أن تسموا
ما حدث اليوم The Rosetta Touch ،
فقط لعله يثير اهتمام أصحاب الأوسكار ! ] . [ تحديث أخير : 20 نوڤمبر 2001 : دخل موضوع الحرب القذرة مستويا جديدا رائعا وأصيلا يخص بشدة القرن
الحادى والعشرين وحده ، ذلك من خلال التصريح العلنى الجامح لوزير الدفاع
الأميركى أنه لا يقبل أسرى . هذا الكلام يمثل بالطبع دخول العالم لمرحلة
تقدمية جديدة فى استيعابه لفكرة الإبادة المنظمة ذاتها . ومكانة ليس هنا
إنما مستوى أعلى من هذا السياق ، فتابع الموضوع فى صفحة الإبادة ! ] . [ تحديث بعد ثلاثة شهور أخرى : 19 فبراير 2002 : ’ من أسود العمليات السوداء حتى أبيض العمليات البيضاء ‘
هذا هو جوهر المشروع الذى كشف عنه الپنتاجون اليوم باسم مكتب النفوذ الستراتيچى Office of Strategic Influence . الفكرة شن حرب إعلامية بالطريقة
الكلاسية القدمية جدا من تشوية السمعة والپروپاجاندا الخبيثة ضد أعداء أميركا فى
هذه الحرب . النيو يورك
تايمز هى التى انفردت بتعميم الكثير من التفاصيل اليوم ، لكن تبعا
للقاعدة الرامسفيلدية الذهبية أعلاه ، لا شىء يقينى ، بما فى ذلك أنك
لن تعرف أبدا إذا كانت الأخبار الملوثة للسمعة صحيحة أم مزيفة ! فعلا ، هى حرب قذرة بكل معنى
الكلمة واللعب بشرف وبقفازات النبلاء البيضاء ، لن يؤدى إلا لفوز الهمجيين
الذين لا يوقفهم أى شىء عن كسب النقاط ، والترخيص بهذا قادم من السماء
مباشرة كما تعلم . المهم دلالة هذا على مدى التطويع الذى يدخله رامسفيلد
بدأب لا يلين على أساسيات الديموقراطية الغربية التى بات واضحا أنها كعب أخيل
الذى نفذ منه هؤلاء لتركيع الغرب . فى هذه الحالة المكتب الجديد يعد
انتهاكا صريحا للقوانين الأميركية التى تحظر على الأجهزة الحكومية تسريب أنباء
كاذبة . مسئولو الپنتاجون قالوا ببساطة : سنعممها أولا فى الإعلام
الأجنبى ! ماشى ! وإن كان ما نفضله طبعا
أن تتغير صراحة تشريعات الديموقراطية وحقوق الإنسان و قانون يالتا المسمى مؤقتا
القانون الدولى ، لتعكس نضج الفهم الذى استجد بعد 11 سپتمبر ، ذلك
بدلا من اللف والدوران ] . [ إلغاء للتحديث السابق : 26 فبراير 2002 : أعلن دونالد رامسفيلد اليوم [ تحديث : 1 مايو 2004 : اليوم قررنا القيام بمغامرة
غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى : أن نقرأ اتفاقية چينيڤ التى لا يكف
الإعلام العربى عن التشدق بها . صدق أو لا تصدق
ماذا وجدنا ؟ ديجول ومقاوموه أنفسهم كانوا خرقا لها ؟ ماذا عن
الانتحاريين العرب أو عن قتل المدنيين أو عن الاحتماء بهم ؟ موش ها أحكى
لك ، روح اقرأ بنفسك ! ] .
14 أكتوبر
2001 : من أسف تلك المواجهة التى تمت أمس الأول بين عمدة نيو يورك رودولف دبليو . چوليانى والأمير الوليد بن
طلال حول حل القضية الفلسطينية لتحاشى المزيد من
الإرهاب ، ومن ثم رفض شيك التبرع منه لضحايا نيو يورك بقيمة 10 ملايين
دولار . واليوم كرر الرئيس حسنى
مبارك للتليڤزيون الإسرائيلى نفس المعنى الذى ورد
فى رسالة مكتب الأمير قائلا إن عدم حل القضية الفلسطينية هو سبب معظم الإرهاب فى
العالم . انحياز الرئيس والأمير للمستقبل والحضارة أشياء لا
يشك أحد ( ربما بمن فيهم العمدة نفسه ) للحظة فيها ، لكنها لا
يجب أن تمنعنا من مناقشة مدى صحة الربط الذى قاما به . الحقيقة أنى أتمنى
من صميم قلبى أن يكون ما قالاه صحيحا . هنا تصبح المشكلة سهلة وقابلة
للحل . لكن الحقيقة ليست كذلك ، وأن ثقة الأمير والرئيس بخصوص
الإرهابيين وطموحاتهم وحدودهم ليست فى محلها ، وأخشى أن يصبح كلامهما بداية
لسلسلة عقود جديدة من عدم الفهم بين النخب العربية والعالمية لطبيعة المشروع
الإسلامى وأهدافه الحقيقية . مع الوضع فى الاعتبار بالطبع أنهما لا يقصدان
هذه النتيجة ، ولا يناوران أو يعبران عن مواقف تكتيكية لدعم المفاوض
الفلسطينى مثلا ، أو كل ما إلى ذلك . إنما يقولان بالضبط ما يؤمنان
به ، والرئيس مبارك مثلا كان يوما صوتا وحيدا فى برية العالم ، لا
يسمعه أحد وهو يحذر من أچندة الإرهاب المستقبلية . حتى لو فرضنا جدلا أن استمرار الصراع العربى
الإسرائيلى هو سبب الإرهاب ، فهو ليس السبب البعيد على أية حال .
فللسبب نفسه أسباب ، وسوف تجد فى التحليل الأخير السبب العميق الوحيد هو
التخلف والتدين العربى ورفضه للمستقبل والتطور . أتضرع إليكم جميعا أن تفعلوا شيئا واحدا طالما
أجلتموه : أن تقرأوا أدبيات الإسلاميين ، الأساس والأصل منها كلما
أمكن ، وليس البيانات التكتيكية فقط . أو إن كنتم قد قرأتموها أن
ارحمونا قليلا من الحديث المستهلك الذى لا يقدم ولا يؤخر عن سماحة
الإسلام ، وكفوا عن الاستهزاء بما يكتبون ، أو خذوه لبرهة على محمل
الجد . إن إزالة إسرائيل نفسها
لن توقف أو حتى تبطئ عجلة الإرهاب . بن لادن لم
يذكر اسم القضية الفلسطينية أو العراقية قط إلا قبل أسبوع . والسبب ليس
أنها لا تهمه أو أنه فقط أراد بها تحريك الشارع الآن . مثلما لا نقول إن
طرد الأميركيين من السعودية لا يهمه . بل السبب أنها جميعا ليست إلا نقطة
فى بحر لا تكاد تعنى شيئا وسط طموحاته الحقيقية . ولا نريد أن تغيب عن
العالم مرة أخرى الأچندة الخفية للشبكة الإسلامية : إنها ليست فقط إزالة
إسرائيل وإقامة دولة إسلامية محلها ، وليست إزالة حكم الرئيس مبارك وإحلال
حكم أيمن الظواهرى محله ، وليست إزالة آل سعود وإحلال آل لادن محلهم ،
بل وبتحديد كامل : حكم كل
العالم ، وإرضاخ كل البشرية إما بالتقتيل أو بالجزية . هذه ليست من بنات أفكار بن لادن ، أو مجرد طموحات هتلرية حمقاء
منه أو سوء تقدير مؤقت لإشكالية الجهاد‑أم‑التقية . إنه فقط
( وببساطة تامة يتضاءل بجانبها سؤال هل إسرائيل عدو أم حليف وقوة حضارة أم
قوة قمع ، أو ترف أى أسئلة آخرى ) : إنه فقط نص الرسالة السماوية
التى تلقاها السيد بن لادن والملايين من أتباعه فى أفجانستان كما فى مصر كما فى
أميركا كما فى حزب الله كما فى منظمة حماس . والمشكلة أنهم تلقوها فردا
فردا ليس منه إنما مباشرة من السماء ، ولا يقوى هو شخصيا حتى لو
أراد ، التراجع عنها أو إيقاف عجلتها . ببساطة : الأديان لم تخلق لتكون سمحة ، إنما
هى وبحكم طبيعتها الدوجماتية ، تصمم لتكون الكلمة الأخيرة التى تدحر وتنفى
كل ما عداها من عقائد قبلا وبعدا ( ولا ننكر طبعا أن الأهداف المباشرة هى
سياسية وإقليمية فى العادة ) . لكن حتى لو فرضنا جدلا أن الأديان
سمحة ، فهذا مجرد ’ كلام ‘ نظرى . والكلام لم يعد بعد شيئا
ذا معنى أو يهم أحدا . فالمهم اليوم شىء واحد فقط هو ’ أفعال ‘
أسامة بن لادن ومشروعاته . تماما كما كانت أفعال ومشروعات قتلة الفيلسوفة
الوثنية المصرية هيپاتيا هى الشىء المهم فى حينها ، وهلم جرا . وحتى لو فرضنا —جدلا أيضا ، أن هناك إسلامان ‑إسلامكم
السمح وإسلام بن لادن الشرس ، طبقا للنظرية الرائجة حاليا فى الغرب الساذج‑
فهذا بالمثل أمر غير مهم ، ونحن نرى فقط إسلامكم مستودع يضخ منه الناس
يوميا إلى الإسلام الآخر بتذاكر وحيدة الاتجاه فى نهر بلا عودة . الغريب
فقط أن لا تسألوا أنفسكم لماذا لا يحدث العكس أبدا بالرجوع من إسلام بن لادن إلى
إسلامكم ’ الصحيح ‘ . ( طبعا نقول كل هذا وذاك بما لا
يتعارض مع مقولاتنا الأساسية أن
المتدينين لم يكونوا قط قوة فاعلة فى التاريخ يوما ، بل مجرد رد فعل سلبى
مضاد للحضارة . وهم اليوم نتاج لقرار الاستقلال الخاطئ ، والذى أوصلنا
لأشياء أقلها كارثية هزيمة 1967 . وحتى فى هذا ليسوا هم الفاعلين ، بل
المجرمون الأصليون هم من أمثال سعد زغلول والمهاتما جاندى وجمال عبد
الناصر ، من أشباه العلمانيين الذين تبنوا فصل شعوب العالم الثالث عن قاطرة
الحضارة ، وألقوا بها فى دوامة العزلة والتخلف خارج حدود الامبراطورية
الجلوبية ، بريطانيا أو أيا ما كان اسمها اليوم ) . ببساطة أكثر : إنها نفس المعركة ، معركة أميركا هى عينها
معركة إسرائيل هى عينها معركتنا . إنها حتى صورة طبق الأصل من حرب التهديدات غير المماثلة التى تعانى منها أميركا
وطالما نظّر لها بعيدو النظر منهم ، حينما بالمثل تصبح إسرائيل فائقة
القدرة ومصر فائقة الضخامة والسعودية التى تملك ثلث پترول العالم ، رهينة
لابتزاز ريچيم قزمى كالريچيم السورى والمنظمات الصغيرة التى يحرضها . الواجب
ليس أقل من أن تنطلق الآن الطائرات السعودية والمصرية لتقصف دمشق وبيروت ،
ويجب أن ينصب عرفات آلاف المشانق فى الشوارع لحماس والجهاد . لنفعل هذا
وذاك فورا ، إن كنا نريد حقا لإبنائنا حياة راقية مزدهرة ، ولا نكتفى
بمجرد إطعامهم بالشعارات . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 28 أكتوبر 2001 :
مزيد من الوقود على النار فى مسألة الإسلام والتخلف ، جاء منذ بداية الشهر
بفوز ڤى . إس .
نايپول بجائزة نوبل ، ومن قبله تصريحاته المثيرة
فى هذا الصدد . اقرأ المدخل الجديد الخاص بهذا فى صفحة الحضارة ] . [ تحديث : 16 نوڤمبر 2001 : مزيد ومزيد من الوقود على النار فى مسألة الإسلام ، جاء مساء
اليوم فى حديث تليڤزيونى على لسان القس
فرانكلين جريهام ابن القس الأميركى الأشهر بيللى جريهام . اقرأ المدخل
الخاص بهذا فى صفحة الحضارة التى باتت
تستضيف القضايا الثقافية المتعلقة بهذه الحرب ، أو اقرأ ملخص لحديث
فرانكلين جريهام يركز على دعوته لتطوير الحرب لتشمل دين الإسلام نفسه أو ملخص آخر مع تسجيل
ڤيديوى للحديث وتحليل للإرباك الذى سببته صراحته للساسة والرئيس وحتى
لوالده ! ] . 13 أكتوبر
2001 : بصراحة ، أنا لم أشعر بارتياح لرد الفعل الرسمى الأميركى على
شرائط بن لادن ‑أو الناطق باسمه‑ الڤيديوية المرسلة لقناة
الجعيرة . وما خطر ببالى للوهلة الأولى هو مدى سذاجة محاولة منع
’ رسائلها الخفية ‘ من الوصول لخلاياه النائمة فى أميركا ، نحن
الذين نتحدث عن القرية العالمية منذ 40 سنة مضت ! لكنى مع ذلك لم أفكر فى
الأمر بأنه سادج فعلا ، لا سيما وأن شاركت فيه كوندولييززا رايس بشخصها
علنا وهو نادر . واعتقدت أن به شيئا ما يخص الجمهور فى الداخل ، أو
حالة التعبئة ، أو هدفا تكتيكيا ما ، أو بصراحة شىء ما لا
أفهمه . كل هذا الشعور ذهب وأنا أقرأ عمود فرانك ريتش فى النيو يورك تايمز اليوم ،
وإذا بكل مخاوفى تتأكد ، وأنهم لم يفعلوا سوى إثارة المزيد من الذعر عند
الأميركيين المذعورين أصلا . إلا أن تفسيرى الشخصى يختلف بعض الشىء ، ويرجع
بالدرجة الأولى إلى جهل الغرب بتفكير الإسلاميين وعقليتهم ومدى أچندتهم .
إنهم لا يتصورون مثلا أن هؤلاء يعتبرون كل مخترعات الغرب ومنجزاته التقنية ‑بل
والبشر أنفسهم الذين صنعوها من ذوى الأديان الأخرى أو من الكفار الغربيين‑
ما هى إلا أدوات وأناس خلقها وسخرها الله لحكمة وغرض واحد ، هو أن تكون
أدوات فى أيدى المسلمين من أجل إعلاء راية الإسلام لا أكثر ولا اقل ( المؤكد
أن دعاء السفر الذى تلاه محمد عطا لدى كل مرة ركب فيها طائرة بووينج كافرة يقول
هذا المعنى صراحة ) . من نافلة القول أنك تعرف رأينا فى موضوع السخرة
هذا من حديث ما بعد‑الإنسان ، فالإنسان
هو الذى سخر لخدمة التقنية وليس العكس . للأسف مرة أخرى ، ما حدث هو أن فريق البيت
الأبيض قد فوجئ باستخدام بن لادن للإعلام كما وصلت إليه أرقى تقانات العقول
الغربية ، كما فوجئوا باستخدامه لطائرات البووينج فى الهجوم عليه ،
وكما بدأت تتماثل مفاجأة جديدة تخص الهجوم البيولوچى ( وإن كنت لا أعتقد
حتى أنها الضربة الحقيقية بعد ، فالأنثراكس الطبيعى ‑إن جازت التسمية‑
لا يكاد يصلح سلاحا . فليس به الكثير من متطلبات السلاح البيولوچى كسرعة
وسهولة وتعدد طرق انتقال العدوى ، وطول فترة الحضانة الضرورية لإنتشارها
دون انكشاف ، وطبعا الفتك السريع ، والاستعصاء على العلاج ) .
اكتب رأيك هنا 15 أكتوبر
2001 : اهتز العالم شرقه وغربه أمس واليوم بكلام الشيخ سعود ناصر الصباح الوزير السابق وأحد أفراد العائلة المالكة
الكويتية ، وصف فيه الموقف المتردد الحالى لحكومة بلاده فى مناصرة أميركا
بأنه ’ خيانة مشينة ‘ ، أو هذا ما نقلته أو فهمته الصحافة الغربية . الحدبث نفسه كان قد نشر بالأمس
الأول فى جريدة الشرق الأوسط اللندنية ، وتساءل فيه عن ماذا لو أن
أميركا ترددت فى نصرة الكويت أيام الغزو العراقى . كما أضاف فى تفسير السبب
أنه التحالف غير المعلن بين الحكومة والإسلاميين ، و’ أقول بكل ألم أن
هذا حصل لأن البلد مخطوف من قبل جماعات تسمي نفسها إسلامية ‘ ، وأن
’ فى طليعة قواعد الحكم والضرورات الأولى للعمل السياسى فى العالم عموما
وعندنا خصوصا ، تبرز مسألة فصل السياسة عن الدين ‘ . بعد ذلك
يدلف لسرد حكايات مسهبة هائلة وموثقة من خبرته الشخصية عن سلوك الإسلاميين فى
بلده وأهدافهم الخفية سياسية واقتصادية ، المفروض ( بالذات تلك أثناء
الغزو العراقى ) أن يشيب لها شعر الكثيرين ممن لا يصدقون سوى أن المتدينين
هم ملائكة الرب على الأرض ! وأخيرا يقول صراحة إن الكويت وصلت إلى
’ نفق مظلم ‘ ، حيث ’ القاعدة الذهبية
[ للإسلاميين ] هى ’ خذ وطالب ‘ . فمهما تعقد معهم من
مواثيق ، لن تثنيهم عن المطالبة بالمزيد بعد فترة وجيزة ‘ . [ اقرأ نص حديث الشيخ سعود ناصر الصباح . واقرأ مثالا لتداعياته خبرا عن تحالف جديد للتيارات الليبرالية والعلمانية فى الكويت ] . [ تحديث : 10 نوڤمبر 2001 : أدلى الشيخ سعود ناصر الصباح بالحديث الثانى له منذ 11 سپتمبر ،
وذلك لجريدة القبس الكويتية اليوم . الجديد حديثه عن أن الشريعة
الإسلامية تتعارض مع حقوق الإنسان والقوانين العصرية ، كما شبه انتصار
الإسلاميين باحتلال عراقى جديد للكويت ] . هذا يضاف لما ذكرناه فى أكثر من مناسبة أعلاه فى
الأيام الأخيرة ، من مواقف شجاعة لكتاب ومثقفى الخليج . لا شك أنهم
يستحقون أكثر من مجرد التحية على صمودهم الجرىء فى الأيام الأخيرة دفاعا عن
العقل والمنطق ، وحتى نيابة عن حكوماتهم التى آثرت الصمت فى مواجهة الرأى
العمومى الواقع حاليا فريسة للمتطرفين . هذا لم يتغير حتى عندما خرجت الحكومة السعودية
أخيرا جدا عن صمتها الطويل إلى موقف أسوأ هو التحفظ على الحرب ضد
أفجانستان . ورغم الرضا الأميركى التام علنيا عنها ، إلا أن المملكة
تجد نفسها الآن فى موقف حساس للغاية بالفعل ، سوف تمتد آثاره القاتمة علينا
جميعا كعرب بعد قليل . فالمشكلة الحقيقية ليست تحاشى الحرب فى رمضان
( فالغرب ليس جاهلا فى هذه بالذات ، ويعلم أن المسلمين قديما وحديثا
لا يعشقون الحرب أكثر من عشقهم لها فى رمضان ، وأن ما يريدونه هذه المرة أن
تلتقط طالبان وبن لادن أنفاسهم ) ، وليست الدفاع عن صورة الإسلام
عالميا ، أو تأكيد دور المملكة القيادى للعالم الإسلامى ، أو الخوف
مما يسمى الشارع العربى ، إلى آخر هذا وذلك الهراء . إنما كون العم سام سوف يظفر بعد هذه الحرب بجائزة مؤكدة
تعوضه كل ما تكبد : عروس پترولية شابة جديدة بضة وعفية تتدفق من جسدها
السوائل الذهبية دون أن تسأل عن ثمن كبير كالأخريات . هذه اسمها بحر
قزوين . بل إن خطوات عملية قد اتخذت فعلا ، كأن أعطى والد العروس
السيد پوتين الضوء الأخضر الأول للخطوبة ، بقبول مد خط أنابيب الوصال بين
العروس وأسرة العم سام عبر تركيا بعد طول تحفظ . هذا هو أول تحول ستراتيچى
هائل يطرأ على خريطة العالم بعد 11 سپتمبر . وللأسف
هكذا يكون بن لادن قد ضرب السعودية وكل العرب فى مقتل ربما من حيث لم
يحتسب ! وطبعا الحل الوحيد لتدارك هذا المستقبل المخيف للخريطة الپترولية ، هو شطب كل كلمات اللكن من قاموسنا بأوضح وأسرع صورة ممكنة .
لا أعلم هل هذا يكفى أم لا ، لكن المؤكد أنه ضرورى على نحو مطلق ، لعدم
تكرار سيناريو الزوجة البدينة المهجورة الأشهر ، مصر ! السبب نفس
السبب : التوانى عن دخول حلف حضارى
عرض عليها ، هو الحلف الإسرائيلى‑التركى كما تعلم . والنتيجة قد
تكون هى هى : عزلة إقليمية ودولية قاتلة وانهيار اقتصادى مرعب ! وعودة لحديث المثقفين بمناسبة مصر : هنا الأمر
العكس مقارنا بمثقفى الخليج . قيادة الدولة هى الأشجع من المثقفين ورؤساء
التحرير ، بفرض أن مشكلة هؤلاء الشجاعة وحدها ! للإنصاف نشير لبعض
الجهود الجيدة والمتقدمة ( على غير العادة ! ) التى قام بها التليڤزيون
المصرى فى تغطية ما أسماه صراحة ’ الحرب ضد الإرهاب ‘ ( وهذه
شجاعة فى حد ذاتها ) ، هذا حتى قبل إعلان الرئيس مبارك تأييده الصريح
لشن أميركا للحرب . لكنها للأسف يبدو أن الضعف الأزلى للمسئولين فى
مصر ، قد أطاح قبل أربعة أيام برئيسة التليڤزيون المشهود لها
بالكفاءة والأمانة معا ( وهذا نادر ! ) السيدة سهير الأتربى . ولا
تسأل لماذا لأن الإجابة سيريالية حقا : الخوف المرهف لذعر الرأى العام
الأكثر رهافة ، من برنامج تليڤزيونى عن السجل السابق للإرهاب فى مصر
( على حد علمنا لم يفصل أحد من وظيفته عندما أثار أورسون ويللز هلع كل الأمة الأميركية
إلى الشوارع يوم 30 أكتوبر 1938 بتمثيليته الإذاعية عن رواية إتش .
چى . ويللز ’ حرب العوالم ‘ ، وهى عن غزاة من المريخ ، وليست عن بشر واقعيين
من صعيد مصر وجرائم وقعت فعلا ! ) . ترى من فى الإعلام المصرى سيجرؤ بعد هذا على الحديث
فى الموضوع ، بل على القيام بدور إعلامى أصلا ! اكتب رأيك هنا 16 أكتوبر
2001 : أحال اليوم الرئيس حسنى مبارك عددا من التنظيمات الإسلامية ،
بعضها كان مؤجلا لسنوات ، إلى محاكمات عسكرية حيث لا استئناف حتى لأحكام
الإعدام . إجراء ’ عنيف ‘ وتوقيت رائع يعتبر تحديا فى الصميم لما
يجرى فى الشارع والصحافة ، المخترقين كليا بواسطة المتطرفين . مرة
أخرى لا حل إلا المواجهة ، ولو هناك وقوف فى منتصف الطريق فهو الانتحار
عينه . يسير هذا بالتوازى مع تواصل المواجهات الدموية مع المتظاهرين فى
الپاكستان ، وإصرار الچنرال على تصعيد المواجهة سواء بالإعلان طوعا وعمدا
عن وجود قوات أميركية على أرض پاكستان ، أو استقباله الاحتفالى اليوم
للچنرال پاول سكرتير الدولة الأميركى …إلخ . اكتب رأيك هنا 21 أكتوبر
2001 : ’ لقد خلعت
القفازات ‘ : هذه العبارة
بلسان أحد كبار المسئولين السريين الأميركيين ، تصدرت معظم العناوين فى كل
مكان اليوم ، وذلك نقلا عن الواشينجتون پوست . حيث كشف هذه الجريدة اليوم عن أكبر
عملية سرية فى تاريخ الاستخبارات المركزية ، هدفها القضاء على بن لادن
وتنظيم القاعدة . المقال يسرد الكثير من تاريخ علاقة الاستخبارات بهذا
الموضوع على مدى السنوات ، وكيف كانت تملك قتله لكن كانت مكبلة قانونا عن
الحركة بعدم اغتيال أى أحد ، أو ليس لديها تقنيات كالتى اخترعت خصيصا الآن
من أجل حالة بن لادن . كذلك يذكر بعض التفاصيل عن العملية الجديدة التى رصد
لها بليون دولار كاملا . إلا أن المقال يضع فى النهاية مؤتمر چورچ بوش
الصحفى فى الپنتاجون يوم 17 سپتمبر ، كنقطة التحول فى تاريخ الستراتيچية
الأميركية ، وهو المؤتمر الذى قال فيه عبارات ’ مطلوب —حيا أو
ميتا ‘ و’ نوع جديد من الحرب ‘ …إلخ ( الحقيقة أن معظم
أفكار هذا المؤتمر عن طبيعة العدو ومدى وطبيعة الحرب ، قد عبر الرئيس عن
معظمها بالفعل فى المؤتمر الصحفى الأكثر شهرة فى فناء البيت الأبيض فى اليوم
السابق ، والمعروف باسم مؤتمر ’ الحملة الصليبية ‘ ) .
أبرز ما فى المقال فى رأينا ، الكلمات المنقولة عن ديك تشينى ، وتحمل
تصميما هائلا على مواصلة الحرب ’ التى لن تنته أبدا ، أو على الأقل فى
حيواتنا ‘ ، بكل ما تعنيه من تضحيات مادية أو فى الأرواح ، أو فى
تغيير نمط الحياة العادى للأميركيين للأبد . مرة أخرى ، ما يصنع
التاريخ هو الإرادات العظمى ، أو ما نسميه عادة ’ عقل المادة ‘
أو مجازا ’ عقل الطبيعة ‘
24 أكتوبر
2001 : تنفيذا لما تنص عليه اتفاقات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية من
’ ملاحقة ساخنة ‘ hot pursuit ، اقتحمت القوات الإسرائيلية فى الأيام
الأخيرة ست مدن فلسطينية . الهدف هو ملاحقة قتلة رحبعام زئيفى وزير السياحة
الإسرائيلى قبل سبعة أيام ، والذى يعتبر بلا شك أحد أبرز رموز اليمين
العالمى ، تميز بأن وصل فى خطابه السياسى لحد الاستخدام الصريح والمتكرر
لكلمة ’ إبادة ‘ . ليست المشكلة فى قتل الفلسطينيين لوزير إسرائيلى ، أو
فى عويلهم بعد ذلك على ’ المجازر ‘ الإسرائيلية ( ’ مذبحة بيت ريما ‘ [ تحديث : 27 أكتوبر 2001 : بالفعل
التهبت الأقلام الأميركية تستهجن الموقف الأميركى من إسرائيل . ما كتب فى
الساعات الأخيرة ، يكاد يستعصى على الحصر . ولا شك أنه غُطى على نحو
محموم فى الإعلام العربى . لذا سأشير فقط لمقال أقدم كثيرا من كل هذا يرجع
لقبل خمسة أيام ، هو عمود ويلليام سافاير فى النيو
يورك تايمز ، والذى كتبه بمزيج من المرارة والتهكم زائد حشد لقدر هائل
من الأسرار . عنوان المقال ’ ادفع القصة قدما ‘ ، ويقصد به
رغبة كل صحفى فى أن يصبح ما يكتبه جزءا من صيرورة صنع الحدث نفسه . والتهكم
المرير يأتى من أنه يكتب عن صحافة لا تنتمى لها جريدته الرصينة ، لكنه
يراها هى الأفضل لأنها ’ تدفع بالقصة قدما ‘ ، من خلال كشف
الرياء فى موقف الحكومة . هنا تنهمر الأسرار : مجلة تعقبت مكالمة بين
الأمير بندر ووالده وزير الدفاع ، استنتجوا منها أن السعودية ليست فى صف
أميركا بأى حال . سيل من التحقيقات الصحفية من مصادر مختلفة يكشف مدى تورط
العراق فى كل خطوات بن لادن ، ومنذ سنوات ، بما فيها لقاء قمة بين
أيمن الظواهرى وطه ياسين رمضان ، وبما فيها التدريبات الخاصة بـ 11 سپتمبر
نفسه . المقال هكذا يعطينا سلفا تفسيرا للإنزعاج الذى أبداه المسئولون
الأميركيون لإعلان التشيك بالأمس عن لقاء محمد عطا بالدپلوماسى الاستخباراتى
العراقى ، بدلا من إخبارهم به سرا . لقد قرر الأميركيون أن لا أكثر من
حرب واحدة فى الوقت الواحد . لذا لا يكفون عن تعنيف إسرائيل بشدة ،
ولذا لا يكفون عن المدح السخى لكل الدول العربية والإسلامية وبالأخص
السعودية ، ولذا يخفون بشدة كل الخيوط المشيرة للعراق ، بالذات فى
قضية الأنثراكس التى ظهرت اليوم فيها نظريات صحفية أخرى ذات المرارة تصل للذروة فى عمود
سافاير التالى بعد ثلاثة أيام ، أى أول أمس ، والذى يحاول فيه
تخيل ماذا لو انصاع شارون للمطالب الأميركية بالانسحاب . ثم ينتهى للقول
بإن الرسالة التى وصلت بن لادن وأنصاره بالفعل ، هى أن ها هو 11 سپتمبر قد
أثمر تخلى أميركا عن إسرائيل ، وهجوم الأنثراكس سيؤدى بذات القياس إلى تخلى
العلمانيين الأميركيين عن يهود بلادهم ، باعتبارهم هم وليس بن لادن السبب
الحقيقى والأصلى وراء تعرضهم للهجوم البيولوچى . وهلم جرا تطبيقا لذات
المنطق الانهزامى للحكومة الأميركية فى مواجهة الإرهاب . التعليق : مع احترامى الشديد لأشهر كاتب يمينى فى
العالم ، وكاتب خطب ريتشارد نيكسون يوما ، لا أوافق على أى
كلمة ، وأعتقد أنها قربة مخروقة يا أستاذنا . سيدى يجب أن تعترف أن من
العسير على فهم أى أحد تقريبا أن الحرب ضد الإرهاب والسلام فى الشرق الأوسط
هدفان متعارضان . وأن الهدفين الصحيحين هما تصعيد الحرب فى كل من أفجانستان
والشرق الأوسط معا ، وأنه لن تكسب إحداها دون كسب الأخرى . وأقول لك
كمواطن مصرى أنى لا أريد سلاما ينجو منه حيا أو حتى طليقا الأسد والبرغوثى
وياسين ونصر الله ، أو أى من قوى جبهة الرفض العربية التى أذلتنا وعذبتنا
ورهنت مصائرنا واقتصادنا وتقدمنا ، وقتلت حكامنا ورموزنا الثقافية وأطفالنا
وسياحنا منذ 1979 وحتى اليوم . إنه ليس سلاما بل ببساطة استسلام لقوى
التخلف والديماجوچية والفشل ، ويعنى الموت حيا لملايين مثلى ، كما
أعتقد هو لأبناء كل بلاد العرب ، فهؤلاء لن يركنوا أبدا للدعة والفرجة ،
ما لم يحيدوا تحييدا مطلقا بالقتل أو غيره . سيدى دعك من قربة چورچ بوش
التى لا تزيد عن كونها برقع خجل مخروق ، ذلك أن من شبه المؤكد الآن أن
الوحيد المخول فى ظل هذا الوضع الراكد ’ بدفع القصة للأمام ‘ ،
هو أسامة بن لادن وضربته النووية الأكيدة يوما . أما الغرب الخامل
بانتخاباته المضحكة واستهلاكيته الأفيونية ، لا يملك سوى الانتظار …انتظار
الضربة …أقصد الضربة تلو الضربة تلو الضربة تلو الضربة ] . [ تحديث : 7 نوڤمبر 2001 : أخيرا وبعد قرابة شهر من الشد والجذب ، انتهت هذه المناظرة بأن
أعلن الرئيس الأميركى صراحة أن الحرب
ضد الإرهاب ستتواصل بغض النظر عن حل القضية الفلسطينية أم لا . كذلك قال أنه يرفض مقابلة ياسر عرفات خلال الاجتماع المزمع للجمعية
العامة للأمم المتحدة فى عطلة نهاية الأسبوع . وبعد بما أنه لم يعد محل جدل كبير
أن لا علاقة بين الموضوعين ، فسوف نفك نحن أيضا هذا الاشتباك ، وسنعود
بتفاصيل ما حدث اليوم وسائر مستجدات حرب الإبادة المستقلة فى الشرق الأوسط إلى
مكانها التقليدى فى صفحة الإبادة ] . 25 أكتوبر
2001 : هاجت وماجت كل أميركا لحديث دونالد رامسفيلد
لجريدة پو إس إيه توداى اليوم ، وأجبره الصحفيون فى مؤتمره
الصحفى اللاحق اليومى على سحب كلماته . كان قد قال إن أميركا قد لا تستطيع
الإمساك أو قتل بن لادن أبدا . بل أنها لو أفلحت فى هذا فلن تكون نهاية
دورة الإرهاب . مهزلة وليس إلا هو مؤتمر اليوم الذى أعقب هذه
التصرفات ، حيث ظل الصحفيون يلاحقونه بالأسئلة كما مجرم ضبط متلبسا ،
وفى نهاية المطاف قال لهم وهذا هو النص الحرفى : الحقيقة أن ما يزال يزعجنى حقا ، هو السذاجة
التى لا يريد الأميركيون التخلى عنها فى التعامل مع حقائق الأمور ، وأنهم
فقط يريدون سماع ما يحبون . أولا ما قاله رامسفيلد ليس جديدا بالمرة ،
وقد كرره مرارا منذ سنوات ، وليس منذ 11 سپتمبر فقط . ثانيا :
إنه لم يقل يوما إن هدف الحرب قتل أو أسر بن لادن ، إنما ما قاله من قبل
وحرفيا ’ مواصلة الشعب الأميركى لحياته العادية قدر الإمكان ، تحت أقل
قدر ممكن من التهديدات الإرهابية ‘ . ثالثا : كما قلنا فى 25
سپتمبر أعلاه أنه أقنع أو ‑بالأحرى أجبر‑ چورچ بوش على دخول هذه الحرب
كالأولى فى التاريخ بلا نصر ’ معرّف ‘ defined
victory .
رابعا : إن من هاجوا وماجوا ، لم يقرأوا جيدا حديث اليو إس إيه توداى ، وأرادوا فقط أن يكف الرجل بأى ثمن
عن صراحته . ومنها مثلا قوله الصريح إن العسكرية الأميركية غير جاهزة بعد
للحرب التى بدأتها فعلا . والكل يعلم إن الأسلحة الحالية ، لا يمكنها
قهر سكان الكهوف القادرين على هدم العالم كله لو شاءوا من قبورهم هذه
( طبعا إذا ما استبعدنا أسلحة الدمار الكتلى ، كما تفعل أميركا حتى
الآن ، وأن اختراع وتنمية أسلحة
مناسبة لهذا الوضع الجديد على الفكر العسكرى الإنسانى
يتطلب وقتا من فئة الشهور على الأقل ‑نصف دستة كحد أدنى على
الأرجح ) . ومنها أيضا ’ الفضفضة ‘ غير الدپلوماسية بأنه لا
يعنيه من يحكم أو لا يحكم أفجانستان ، ولا يعنيه حتى إن حكم كل مدينة فصيل
مختلف ، فشرطه الواحد الوحيد أن لا يدعم أحد الإرهاب . ولا أقصد فقط بما لم يقرأونه تلك الرؤية الصافية
مثلا لما أسماه اعتمادا من الآن وصاعدا لستراتيچية فعل الممكن كله ، تقنيا
وتنمية للأسلحة وغيره إلى آخر المرمى المستطاع ، بدلا من ستراتيچية رد
الفعل الأميركية التقليدية ، انتظارا لعدو وصل أولا لهذا الممكن .
فكلامه قبل كل شىء يحوى تحليلا رائعا لآليات الحرب الباردة التى استغرقت 50
عاما ، ثم انتهت من حيث لم يحتسب أحد . وكان كل ما فعله الغرب تضييق
الخناق بعزم ودوام على الاتحاد السوڤييتى ، بحيث فقدت الشيوعية
جدواها الاقتصادية ( بمعنى أنها كمشروع تنموى قائم على محاربة الإمپريالية
كان يهدف أصلا لتحقيق الرفاه لشعوبه ، لكن اكتشف فى النهاية أن الفكرة لم
تؤد إلا للعكس ) . أنا
شخصيا لا استمتع بحديث أى أميركى ابن ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان ،
عن التخطيط لشىء يزيد عمره عن أسابيع أو شهور ، وأعلم أن أعظم القادة
التاريخيين جميعا ممن أتى بهم الشىء المسمى انتخابات ، لا يستطيع التخطيط
لشىء يحتج لأكثر من أربع سنوات . كذلك ليس فى وسعى فهم الحاجة لخمسين عاما
فى حسم صراع يمكن أن يحسم معظمه فى عام واحد من خلال أسلحة يؤثر السياسيون لها
أن تصدأ فى مخازنها . مع ذلك أسعدتنى كل كلمة لرامسفيلد ، فالدنيا
11 / 9 لم تعد نفس الدنيا ، وكل شىء أصبح مطروحا الآن على مائدة
البحث ، ومن يدرى ربما يحل التخطيط بعيد المجرى ولكل الكوكب ، محل الدوجما
المتخايلة الغبية المسماة ديموقراطية‑و‑حقوق‑إنسان .
ببساطة الحقيقة التى لا يريد أحد سماعها : إننا أمام حرب جديدة قد تطول خمسين عاما
أخرى ، هذا ما قاله رامسفيلد . وقد تكون الإبادة الحل الغائى الوحيد
لها على الأرجح ، وهذا ما لم يقله رامسفيلد صراحة ، اكتفى فقط بالقول
من طرف خفى بعجز الأساليب الحالية ! …ما رأيكم فى هذه
الإجابة ؟ ! …أنا على العكس من رامسفيلد أعلم
أن لا رأى لأحد . فقط علينا جميعا انتظار ضربة بن لادن النووية
المحققة ، حتى يتحرك الملل الحالى فى صراع الخمسين عاما بين الغرب
والإسلام ، ودعونا نأمل ‑فقط نأمل‑ بعدها أن لا يعُد الرجل
الذى قد يكون أكفأ وأبصر وأوسع من حكم الجلوب
منذ الأسكندر الأكبر نفوذا بما فى ذلك
الملكة ڤيكتوريا ، مجبرا
على الصمت ، أو إلحاق كل إجابة بالجملة المهينة : ما رأيكم فى هذه الإجابة ؟ تعليق أخير أن ربما كان لهذا كله وجهه
المفرح ، حتى وهو يقتل روح المرح والسخرية التى طالما جعلت من مؤتمرات
رامسفيلد عروضا ممتعة . الوجه الرائع الذى لا يمكن طمسه أبدا هو احتقار
دونالد رامسفيلد للصحافة ، وأنه يقول إلا ما يريد قوله ، ويتحدث بما
تحقق من نتائج فعليا وليس بالأمانى أو النوايا . ورأينا طبعا أن إنسانا يحتقر الصحافة لا بد وأن يكون بالضرورة
شخصية عظيمة ! اقرأ نص حديث دونالد رامسفيلد . اقرأ معالجتنا الأقدم فى صفحة الثقافة لإشكالية أخلاقيات القوة والضرورات
الجبرية للاسراف فى استخدامها ضد المتخلفين … اكتب رأيك هنا [ تحديث : 9 ديسيمبر 2001 :
شىء طريف للغاية أن اختارت مجلة النيو يورك تايمز اليوم عدم حاجة البيت الأبيض للصحافة
كأحد ’ أفكار
2001 ‘ ! مرحى ! :
لم يتبق الآن سوى ثلاث سلطات ونرتاح من حكم البشر
أمثالنا ، وينفسح الطريق للحواسيب الذكية مطلقة الوعى والأمانة
لحكمنا ] . 29 أكتوبر
2001 : موضوع محو واشينجتون بقنبلة نووية من الخريطة ، الذى كان أول
خاطر تبدى لنا أعلاه يوم 11سپتمبر ، أصبح حاليا حديثا
واسعا وجادا للغاية ، لم يعد قصرا على الفصل دوما بين الرئيس ونائبه ،
وإخفاء النائب لا سيما عند ظهور الرئيس فى مناسبات عمومية علنية . اليوم
كتب ويلليام سافاير الكثير من الاقتراحات التفصيلية من أجل
تفكيك مركزية الحكومة فى واشينجتون ، وذلك على صعيد كل من السلطات الثلاث
كل واحدة فى حد ذاتها ، وكذا خلق سلطات ’ ظل ‘ بديلة
احتياطية ، وتوظيف تقنيات كالإنترنيت والاتصالات الحديثة لأداء الاجتماعات
وعمليات التصويت …إلخ . [ تحديث : 1 نوڤمبر 2001 : أوه… بهذه السرعة لم يعد الأمر مسألة مقالات صحفية بعد الآن .
بل أصبح منذ الأمس إنذارا فيدراليا رسميا بهجوم نووى شامل من بن لادن ضد
أميركا ، أقله أن اعترفوا أخيرا ‑وأمنت على هذا الأمم المتحدة ممثلة
فى فقط ما يمكن أن تفعله الآن هو أن
تقرأ معى هذا البحث المطول نسبيا للنيو يورك تايمز عن فرص نجاح هذا
الهجوم فى إبادة أميركا والأميركيين ] . 2 نوڤمبر
2001 : كالمتوقع حسمت تركيا العلمانية خياراتها فى صف الحضارة .
بالأمس أعلن عن إرسالها طاقم مدربين عسكريين لتدريب المقاومة الأفجانية على
الأساليب والتقنيات الجديدة لحرب العصابات . واليوم 5 نوڤمبر
2001 : هل تريد بعضا من الفكر اليمينى الثورى الحقيقى ،
فى ظل هذا الغثاء ، أو فى أفضل الكلمات التخبط أو الصراع الداخلى ،
عند حكام البيت الأبيض وداونينج سترييت ، وهم عمليا جمهوريين شيوعيين
إسلامويين أكثر منهم أى شىء آخر ؟ إليك بعض من ذلك الفكر : 1- هل تسمى ما يجرى حاليا حربا ؟ إنه مجرد
ردود أفعال تفتقد لأى ستراتيچية . 2- الخطوة الأولى : اعرف عدوك ! إنه ليس
تلك الخلايا الإرهابية من المخابيل ذوى اللحى المضحكة ، بل مجمل الحركة
الإسلامية والريچيمات التى تدعمها بهدف الهيمنة على أموال الپترولين السعودى
والكويتى . 3- الستراتيچية المطلوبة يجب أن تكون تصورا للعالم
كله ، وليس لمنطقة بعينها . 4- الجوهر فى هذه الستراتيچية تطبيق سياسة فرق تسد
على العالم الإسلامى ، فهى وحدها التى أفلحت فى دحر الشيوعية عندما قسمناها
إلى اتحاد سوڤييتى وصين . 5- يتم تقسيم العالم الإسلامى ما بين علمانى ومتدين
على أسس من أبيض وأسود . وبما أن تركيا هى الدولة العلمانية الوحيدة وفى
نفس الوقت الأقوى عسكريا ، من ثم سيكون التقسيم الآن إلى تركيا
والآخرين . 6- ما توافر عن تورط صدام فى الأسلحة النووية
والچرثومية وعلاقات مع شبكات الإرهاب ، يكفى مع غطاء من مجلس الأمن وغطاء
جوى منا ، لأن يسقط لنا الأتراك صدام حسين . هذه ستكون حربا قصيرة
خاطفة ولن تثير مشاكل تذكر . 6- تكافأ تركيا فورا بضم الثلث الشمالى من العراق
الغنى بپترول كركوك إليها . 8- الاتحاد الأوروپى سيتهافت هكذا على ضم تركيا
له . 9- النظام الصديق الناشئ فى بجداد سيتولى ضخ پترول
جنوب العراق إلينا بجنون . وهذا سيعنى تدمير منظمة الأوپك للأبد . 10- المشكلة الكردية ستحل نفسها بنفسها من خلال منح
تركيا حكما ذاتيا للأكراد فى كردستان ( شمال العراق سابقا ) . 11- سوريا فأر ( التشبيه من عندنا والمعنى من
عندهم ! ) ، لا خوف منه يرتعد لمجرد سماع قعقعة الدبابات
التركية ، وهذه المرة ستسلمنا بقية الإرهابيين تماما كما فعلت فى المرة
السابقة من الحشود التركية 1998 بمناسبة أوچلان . 12- طالما سكتت سوريا فلن يهيج العرب أحد . 13- تضم إسرائيل غور الأردن حماية للأردن ،
وتتنازل عن باقى الضفة للفلسطينيين . أعلم أنك لا توافق على هذا ،
لكنه سيقنع شيوخ الپترول حينئذ بالاستثمار فى فلسطين وكل المنطقة ، حيث لا
خطر عراقى أو إيرانى أو غيره . ( ملحوظة منا : 14- بتغيير موازين القدرة والثروة فى الشرق الأوسط
سيسقط بن لادن فى أيدينا كما الفاكهة العفنة . إن كل الشبكة الإسلامية
ستموت فى اللحظة التى تيأس فيها من الوصول للسلطة فى بلاد الپترول . 15- لتعلم دوما أنه إذا أردت الفوز بسهولة
وتأكيد ، كل ما عليك هو إعادة تفنيط كروت اللعب ! التوقيع … … محاولة جيدة ، لكن ليس هنرى كيسينچر ،
عزيزى القارئ . إنه فى نهاية المطاف مجرد أكاديمى مهذب وأرستقراطى ،
وليس ابن طبقات دنيا ليتفوه بأفكار بهذه الجرأة ، حتى لو فكر فيها .
لا بأس ، الواقع أنك اقتربت كثيرا . نعم إن الخليق بفكر كهذا شخص لا
بد وأنه كسر كل حواجز العقل والنفس بأن زار يوما الصين فى ذروة شيوعيتها ! التوقيع : ريتشارد نيكسون . تعليقى الشخصى : أنا لم أقرأ فكرا ستراتيچيا حقا كهذا منذ 11 سپتمبر ، أقصد اقرأ
نص الحديث مع ويلليام سافاير ( الأول عبر هاتف خليوى اشتراه نيكسون
تكفيرا عن نفسه من بخل عمر كامل —طبعا حسب قول سافاير ! الأهم أنه وعد كاتب
خطبه السابق برد على مكالمة أخرى للحديث عن روسيا . نحن فى الانتظار ،
لكن اعتقد أنك ربما تستطيع من الآن عزيزى القارئ القيام بتخمين أفضل يخص الخطوط
العريضة على الأقل لما سيقول ، لا سيما مع ملاحظة أثر سنوات السكينة الست
التى قضاها حتى الآن بعيدا عن دنيانا ، دنيا الشقاء ! ) . اكتب رأيك هنا [ مفاجأة ! : 6 نوڤمبر 2001 : لم يتأخر إدلاء كيسينچر بدلوه . فبعد 24 ساعة فقط حملت لنا الواشينجتون پوست تقييمه الستراتيچى لأول مرة . فهو
وإن كتب فيها قبل هذا من بعد 11 سپتمبر ، لكن ذلك تم دون طرح رؤية
ستراتيچية مستقبلية شاملة . أبرز نقطة هى أن 11 سپتمبر أوجد ‑وهى
مفارقة عجيبة‑ الإجابات لسعيه الماراثونى طوال عقد كامل للتوصل لصيغة
لماهية الترتيب العالمى الجديد New World Order المحتمل . العدو
المشترك أزال فجأة بسهولة وبضربة معلم ، كل التناقضات بين القوى الفاعلة
جميعا أميركا وأوروپا وروسيا والصين والهند ( هو دائما ما يحددها كما تعلم
بست قوى مع إضافة الياپان بالطبع ، لكن هذه الخمسة هى الواقعة بشكل مباشر
تحت أنياب الخطر الإسلامى ) . الصورة التى يطرحها تخلو تماما من
درامية الطرح التخيلى النيكسونى . مجرد جهود طويلة
ومتصلة لتجفيف منابع الإرهاب ، مع الحرص على استمرار النظامين المصرى
والسعودى ، ومحاولة استقطاب سوريا وإيران ، وحل القضية
الفلسطينية . نأمل أن يكون هذا الطرح خفيض النبرة كافيا ، لكن هيهات
فيما نعتقد . إذ بمجرد ما تبدأ علامات التجهم التى تقطب جبين چورچ بوش
چونيور أمام الكاميرات فى الزوال ، حتى يغرقه السوريون والفلسطينيون فى
مطالب لا تنتهى أقلها إزالة إسرائيل بالقرار 194 ، كما سيعودون للتلويح
والابتزار بورقة الإرهاب والعنف . هذه هى العقلية العربجية التى لا تعرف
التفاوض البيزنسى الأرستقراطى المسئول ، بل هات ثم هات ( سيكيولوچية
العبد‑الشحاذ‑القنفذ كما أفضنا فيها كثيرا من قبل ) . وقد كان كيسينچر من
أوائل من فهموها يوما عندما تعهد بأن يجعل العرب يشربون پترولهم . لكن يبدو
أن الپروفيسور الكهل فقد الكثير من عزيمته ، إن لم نقل فهمه لطبيعة خطر
يتلقى تعليماته من السماء هذه المرة . وها هو بات أميل للتفاؤل بأن تدمير
مركز التداول العالمى كاف بأن يجعل الترتيب العالمى الجديد يسير بسلاسة وتقريبا
من تلقاء ذاته ، ربما كما انسياب الماء فى متنزهات العاصمة
واشينجتون ! اليوم اتضح أن جيل
ساسة الحرب الباردة هم آخر من يصلح لفهم حرب التهديدات اللا مماثلة .
الاتحاد السوڤييتى كان يسعى لتوازن القدرة بل ولنوع من التعايش ،
بينما حماس لا ترضى بانتحارييها ولعبة حافة الهاوية بأقل من كل شىء أو لا
شىء . هذا ما بدأ اليوم أن أمثال هنرى كيسينچر وكوندولييززا رايس لن يفهموه
أبدا ، وأنه لا بد من معدن آخر مؤهل ومبرمج عقليا ونفسيا لهذا منذ أكثر من
عشر سنوات ، أمثال دونالد رامسفيلد وپول وولفوويتز . المشكلة طبعا أن كلام كيسينچر
المنظر على طول الخط للسياسة الحالية المعتدلة للرئيس الأميركى وولايته ،
جاء فى وقت حاسم عززها فيه ، ومن ثم قد يحيّد الرؤى الجذرية كأطروحات
سافاير النيكسونية التى تعبر عن فكر الپنتاجون . ببساطة يبدو أن قدر
السياسة الأميركية أن تظل للأبد سياسة ردود أفعال . ولا أعتقد أن هذا هو
نفس الدرس الذى طالما علمتنا إياه يا عالمنا الجليل . وعفوا إن كنت من الآن
فصاعدا سأستحدث عن عرض جديد اسمه هاجس الخطر الشيوعى ، حيث تقاس كل الأمور
بمدى استسلام روسيا والصين وقد تم مؤخرا ، ذلك دون إقامة وزن يذكر للمخاطر
الجديدة والمتجددة . للأسف الشديد أنه بينما حليف عمركم ريتشارد نيكسون لم
يكن لتبدو عليه هذه الأعراض قط اليوم ، نرى بوادرها فيكم وفى تلميذتكم
النابغة الپروفيسور رايس ، التى يبدو أنها حملت الجرثومة معها من خلال
تخصصها فى الشأن الروسى ! ] . اقرأ معالجتنا السابقة لمسألة الترتيب العالمى الجديد . [ مفاجأة أخرى ! : 27 ديسيمبر 2001 : أقسى وصف للموقف الغامض لكوندولييززا رايس فى الفترة الأخيرة ،
جاء اليوم على لسان الواشينجتونى المطلع جدا ويلليام
سافاير ، فى صورة مداعبة ثقيلة عندما وصفها بابتسامة مونا ليزا ،
ويقصد أنها لا تقول شيئا وتتحاشى إبداء رأى ] . 6 نوڤمبر 2001 : تعليق على مقال توماس إل . فرييدمان اليوم عن
الصحافة والمثقفين المصريين والعرب ، بعنوان Fighting bin Ladenism : Dear Mr. Friedman, For years, I used to read your articles. I even often
advocated them in my column website, especially when they were attacked here
by Egyptian press. I never wrote directly to you, but when I read your column
‘Fighting bin Ladenism,’ I thought it should be the time. My main anger didn’t only came from your quoting of
people you don’t know much about their whole views or misunderstood what they
meant. The intellectuals you quoted are mostly Arab nationalists or left-wingers
who hate America and the West just as bin Laden himself. This is not the real problem. You became pleased on
reading them writing against the Arab tradition of blaming the West for
everything. This is the problem. Since September 11, you made all what you
could just to evade the fact that the West is whom had harbored, supported
and sometimes invented Islamic movements for about quarter a century. It’s
still even fighting for them in Balkans. I think you know that we were about to be a part of what
later known as Israeli-Turkish Ally, while the big wave of violent terrorist
acts was erupting and peaking in Egypt. The West took sides against the
regime. Of course, Mubarak should remove Nafie and many thousands alike
tomorrow morning. To do so he must be a harder iron-fist not a soft ‘open’
democrat. The word ‘openness’ you’ve promoted for weeks is
precisely what I tried much to understand. I’m sad to say that though all
your history and experience with the Arab World you couldn’t catch their
mentality. People like Ariel Sharon and most recently, Richard
Nixon really could, but not the left-wing democrats as Ehud Barak and
Bill Clinton.
Excluding the most leftist Bashar’s of course, most of
those regimes don’t suppress open ideas. They’re just weak or afraid to
promote them. Entering the bad medicine, your Democracy and Human Rights
ideals, the situation worsens. Sadly, most of the West never appreciated the
true value of generals as Atatürk, Pinochet or Musharraf. They’re just great
allies and builders of civilization, but you always opt to underestimate or
oppose their quest due to the modern-era dogma of D&HR. Sadly, September
11 is a direct result of this blind out-of-date inefficient dandy dogma.
Civilization, which is power, progress and technology never has been exactly
a synonym of democracy.
Decadence has been. And if this dogma not to work in the real world,
the third one, it’s no good for any part of the globe. September 11 has
proved. I think the problem lies in the very concept of
Democracy and Human Rights. The Civilization should fall apart again on doing
so —remember Marcus Aurelius? The Dark Ages will return not only because of
‘non-open’ Arab regimes, but because of ignoring the deepest concept of
civilization, the visionary but determined leadership. I’m afraid that the
lack of long-run strategical nor global planning due to short-sighted,
self-hypnotizing, self-indulgent D&HR is a sure path to civilization
deterioration. So I suggest: 1- Your offer
to moderate Arab regimes should be so clear: ‘The
three things we’re absolutely expecting are a totally free reformed economy,
new modern secular identity and radical birth control. We’ll never mind what
your political system is. Naturally, we expect it to be a harsh dictatorship
and we’ll support that too.’ 2- As well the U.S. —especially the compassionate Mr. Powell, must put it bluntly: ‘Palestinians and Syrians will retain nothing because they’re the primitives and Israel is the civilization.’ Only then the Arab mentality will begin to get it. And only then the blame game between your democracy and our (and Aristotle’s) tyranny will end. At last, a lot of greetings to one of great searchers for the truth and of course one of my favorite writers. I’m sorry for the enthusiasm and I hope you would find here some real ‘alternate’ Arab views which will never be published in Al-Hayat or Al-Jazeera! Yours truly, Medhat Mahfouz Egyptian Writer 6 نوڤمبر 2001 : مذهل ! مشرّف فى رحلة خارج بلاده تمتد أسبوعا . هذا الرجل لايخاف من انقلاب ضده . متى يتعلم الغرب شيئا عن معدن الچنرالات العلمانيين فى العالم الثالث ؟ هؤلاء هم بناة الحضارة فى أسوأ بقاع الكوكب ، وليست دوجمات الغرب الديموقراطية الإنسانية الخرقاء . يا ليتهم فقط يقومون بدورهم فى دعمهم بدلا من محاربتهم فى الشق الاقتصادى ! حتى امتلاك الپاكستان ذات الخلفية الإسلامية للسلاح
النووى يصبح اشكالية ثانوية بل ربما شيئا جيدا فى وضع كهذا . سؤال إلى قلبك
قبل عقلك : ألا تتمنى بالمثل امتلاك تركيا للسلاح النووى كرادع يخلصنا من
جبهة الرفض العربية ، الخلاص الذى طالما تخاف منه أميركا وتخجل منه
إسرائيل ؟ ! اكتب رأيك هنا 9 نوڤمبر
2001 : اعترف اليوم أسامة بن لادن علنا لإحدى الصحف الپاكستانية ،
بامتلاكه للسلاح النووى . بالنسبة لهذه الصفحة لا مفاجأة بالمرة ، فهى
أنشأت أصلا لتحذر من هذا . مع ذلك توجد
مشكلة مهمة فى هذا ، هى قوله إنه لن يكون البادئ بالهجوم . هذا لا
يمكن إلا أن يعنى أحد أمرين : إما أنه يكذب كعادته وسيضرب ضربته قريبا
جدا ، وإما أنه يكذب أيضا ولا يمتلك السلاح النووى أصلا . الآن فقط
بدأت آخذ الاحتمال الثانى على محمل الجد . قناعتى كانت أن من الغباء المطلق الإقدام على ما جرى فى 11 سپتمبر ، قبل
امتلاك العدد الكافى من القنابل النووية ، بل وزرعها فعليا فى أهدافها فى
واشينجتون أو غيرها . النبرة
’ الدفاعية ‘ لأسامة بن لادن اليوم وغير الجديرة بشيم
المجاهدين ، بدأت تزرع بعض الشكوك فى ثقتى الكبيرة به ! صحيح أنه كان
من المستحيل بالمثل بدء 11 سپتمبر بضربة نووية ، لأن بهذا يكون قد حدد الرد
سلفا ، لكن المؤكد أيضا أن بن لادن لا يمتلك السلاح النووى لمجرد
الدفاع ، فهذه نكتة . على أية حال هو لم يخسر كلية بهذا ، فقد
عودنا الغرب البطىء أنه لا يبدأ الفهم إلا بتلقى لطمات جبارة ، وها هو قد
حرمهم من واحدة منها . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 16 نوڤمبر 2001 : كشفت التايمز اللندنية اليوم بعض الحقائق
عن منزل كابول الذى اتضح أنه أقرب لمعمل للأسلحة الكيميائية وصل لنتائج فعلية
جادة . بالنسبة للسلاح البيولوچى يذكر أن من بين ما تركه فيه الطالبانيون
أيضا قبيل فرارهم جثتا طبيبين مصريين مقتولين بعد تعريضهما لتعذيب جسيم لمنعهما
من الهرب بالطبع ( لو لم يثبت أن القتلة مصريون أيضا ، فستكون هذه من
الحالات النادرة تاريخيا التى كان فيها أحد آخر أكثر دموية من الإسلاميين
المصريين ) . الأبعد كشفت به وثائق قال موجه أمن أرض الوطن الأميركى
توم ريدچ إنها متسقة تماما مع تصريح بن لادن عن امتلاكه للسلاح
النووى ] . [ تحديث : 20 نوڤمبر 2001 : فى برنامج خاص لقناة الجعيرة بعنوان ’ أيمن الظواهرى من قصور
المعادى إلى كهوف أفغانستان ‘ ، قال منتصر الزيات
10 نوڤمبر
2001 : حدث مبشر آخر وقع بالأمس ولم يبدُ مهما جدا لى فى حينه كما حديث بن
لادن المذكور . ذلك هو سقوط مدينة المزار الشريف بفرار قوات الطالبان
منها . المغزى الحقيقى للحدث بدأ يتضح اليوم ، حيث التقارير لا تتحدث
إلا عن سير النساء مرحات فرادى بدون الرجال فى الشوارع ، والأغانى تنبعث من
أجهزة الراديو فى الشوارع ، والطوابير الهائلة تصطف أمام محال الحلاقة
لإزالة اللحى . مبروك للمزار الشريف فرحتها حيث ستعود النساء للتعليم
والشغل وتعود إليها مرافق الترفيه 12 نوڤمبر
2001 : تحطمت طائرة إبر باص عملاقة فوق مدينة نيو يورك اليوم ، ولقى
261 ‑هم كل الركاب والطاقم مضافا لهم ستة على الأرض‑ مصرعهم .
السلطات الأميركية تستبعد مبدئيا أن وراء الأمر تخريبا ، أو أنه كان
المقصود أن تقع مثلا فوق مبنى الأمم المتحدة ومسئولى العالم مجتمعين فيها .
ولا أعتقد أنهم سيغيرون رأيهم مهما تكشف من أمر التحقيقات ، فهم زهدوا
الحياة ولا يريدون شيئا : لا يريدون إزعاج العراق رغم كل ما تكشف
عنه ، ولا يريدون إزعاج لبنان رغم صفاقته فى رفض تجميد أموال حزب الله أو
اعتقال قياداته الإجرامية ، وها هم لا يريدون إزعاج الجمهور الأميركى بأن
لا زالت للإرهاب يدا طولى بعد . ربما يكون الارتطام حادثة فعلا ، طبعا
لا يوجد ما يمنع هذا . لكن ما لا يبدو أنهم يريدون تهيئة أنفسهم له ،
هو أن تفجير الطائرات لا يحتاج حتى لحقيبة مفرقعات تخلع الجدران على طريقة
لوكيربى . مجرد جهاز تفجير صغير جدا يلصق فى كنصول كهرباء أو أنبوب
هيدروليكى صغير ، أمر كاف للقيام باللازم . كل المطلوب أن يوضع فى
المكان الصحيح ، بل ربما لا يحتاج الأمر لأى متفجرات بالمرة ، بل بعض
الخيال ومجرد محاكاة لعطل خطير . وطبعا أتباع بن لادن ليسوا جهلة جدا فى
شئون الطائرات أو الخيال . إن الطريق مفتوح الآن لتدمير أى طائرة فوق أية
مدينة ، من خلال الجيب الخلفى لأى فنى طيران وطيد الإيمان مجاهد ، وما
أكثرهم وما أسهل هدايتهم وبرمجتهم ! اكتب رأيك هنا
12 نوڤمبر
2001 ( ليلا ) : سقطت
كابول فى أيدى قوات ما يسمى بالتحالف الشمالى ،
الذى ’ أذهل ‘ العالم باكتساح أكثر من نصف الأفجانستان فى 72 ساعة ،
ولم يجد فى طريقة سوى إلقاء العمائم وأجحبة النساء على الأرض وباقات الزهور
عليهم هم ، أو طالبانيين يفجرون القنابل فى أنفسهم ، كى لا يدعوا
الإسلام يتخلف عن نظرائه الذين سبقوه إلى عصر الانتحار الجماعى . الواقع أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد ،
سواء فى قندهار والجبال أو فى مدن العالم الغربى الكبرى . بالنسبة للأولى
لا شك أنها ستنتهى بسحق أمير المؤمنين ورئيس أركانه بن لادن فى عز
شبابهما . فالدبابات الروسية الجديدة متقدمة حقا ، والقصف الجوى تبدأ
وطأته فى الظهور بعد شهرين أو اقل قليلا ‑أساسا بسبب نفاذ الوقود‑
كما أثبتت بجداد وبلجراد . كما أن الأسلحة الجديدة اللازمة لسكان الكهوف
ستكون قد جهزت وفى طريقها لدخول الخدمة . المهم فقط أن لا يفرح الغرب سريعا
بحكم سذاجته المعهودة ، ويجهض حربا ناقصة النضج ضد أيديولوچية تأكيدا لن
تموت عند هذا الحد . فيذهب للنوم حتى توقظه أو تقتله الضربة العكسية فى عقر
دياره ، واعتقادنا دائما أن هذا هو
الاحتمال الأرجح . أو حتى لو لم يحدث هذا فبدون وقفة حاسمة ، ستتواصل
العملية الطويلة الدءوب لدس السم فى العسل ( أسلمة الغرب تدريجيا بالإنجاب
ثم الهجرة ، والهجرة ثم الإنجاب ) ، بالضبط بذات الحكمة والموعظة
الحسنة التى تغلغلت بها المسيحية فى الامپراطورية الرومانية حتى أركعتها كلية
وللأبد . ربما لا أبالغ إن قلت إن أعظم نتائج هذه الحرب
جميعا ، أنها ‑طبعا بفضل بعض من ذوى الهمة والرؤية والدقة المهنية
أمثال رامسفيلد ، ستكون البراء لأميركا من عقدة ڤييتنام . والتخلص
من اهتماماتها الاستهلاكية السطحية التافهة ، والبداية لخوض الحروب كقاطرة
التقدم ‑كما قال الأقدمون‑ ببساطة : Welcome
Back to Real World, Shallow America; Wars Want YOU! أو بقول أكثر تأدبا : America,
Here’s Your Planet; Just Give Your Vision! الأبعد من هذا ، أن ربما انفكت أيضا عقدة الصومال ( انفكت
عند أميركا وليس عندنا ،
انفكت بمعنى انتهاء الإحجام الأميركى عن التدخلات العسكرية المباشرة ، لكن
لا شىء يمكن أن ينفى حقيقة أن المستقبل الصومالى لا يزال مطروحا جدا كمصير لكل
الشعوب الفاشلة ، وعلى رأسها العرب والمسلمين ! ) . تلك
العقدة لا يزال تلوح فى أفجانستان نفسها ، حيث يمكن أن تتحول لنسخة جديدة
من الصومال بلوردات الحرب يملأون كل مكان ، ويحيلونها لفسيفساء من مناطق
النفوذ ، كأحد السيناريوهات المحتملة لما بعد الطالبان . فبينما لا
يمكن تصور مدينة أو دولة بدون جهاز للشرطة ، تركت القدرة العظمى الوحيدة
العالم طويلا نهبا لقطاع الطرق المحليين ، بحروبهم الصغيرة طمعا فى قطعة
فساد هنا ومزايدة على التخلف هناك . ونتيجة تخاذل أميركا عن تحمل
مسئولياتها أن أصبح الأغنياء والمواطنين الصالحين هم المستهدفين بعد قليل من قبل
قطاع الطرق المعتصمين بعشوائيات العالم ، سواء بالهجرة أو برطم الطائرات فى
ناطحات السماء .
نقول كل هذا رغم علمنا أن أميركا غير متحمسة جدا
للدخول فى ’ المستنقع ‘ الأفجانى ، تحت شعار إعادة الإعمار أو
غيره ( كلمة quagmire باتت رائجة جدا هذه الأيام ، وهدفها
التذكير بالمستنقع الڤييتنامى أو الصومالى ، أوبالنسبة لروسيا
المستنقع الأفجانى نفسه . بغض النظر أن كل هذه ’ المستنقعات ‘
جاءت خلال فترات حكم اليسار الديموقراطى الشهير بسذاجته البالغة فى شأن فهم
فقراء العالم وطريقة تفكيرهم ، وإحجامه عن استخدام القوة بالقدر الكافى
الصحيح حين يقرر اللجوء لها ضدهم ، فإن من يحلمون ’ بمستنقع ‘
جديد لأميركا ، ينسون أن ثم شيئا اسمه اكتساب الخبرة ، وأن التاريخ لا
يعيد نفسه ، ولن يستطيع أحد كسب معركتين ضد الحضارة بذات الطريقة
أبدا ، ناهيكم بالطبع عن كسب الحرب نفسها ) . وأميركا سوف تترك
الكثير من المهام ’ المدنية ‘ هذه للأوروپيين ، أو لو أبدت بعض
الدول الإسلامية المعتدلة الاستعداد لها . فقط ما أردنا قوله أن هناك حدودا
دنيا لشكل أفجانستان مسقبلا يجب أن تنال الرضا التام من أميركا ، حتى لا
تعود مرتعا للتطرف الدينى مرة أخرى . المفردات التى استخدمها السيد ربانى
تقع تأكيدا خارج هذه الحدود . شىء آخير من نافلة القول ، وقلناه مرارا من
قبل : إن الشعوب تحب وتحترم
وترحب بالمستعمر ، وهذا هو العمق الإنسانى لمفهوم الجلوبة . وأتحدى مثلا أى أحد أن يأتينى بمصرى واحد لديه شكوى
واحدة ، بل لا يشعر بالحنين و’ الترحم ‘ على ما يسمونه أيام
الإنجليز . السبب بالطبع أن المحتلين أرقى وأعدل وأحكم من حكامهم
المحليين . المشكلة تنحصر دوما فى المحرضين الوطنيين والقوميين ممن يثيرون
غرائز الكرامة والكراهية والشك عندهم ، بهدف الاستيلاء على السلطة
لأنفسهم . بعد سنوات قليلة يبدو ندم الشعوب المنساقة وراء غرائزها وطبائعها
الچيينية ، واضحا ، لكن عادة بعد فوات الأوان وتجاسم الفجوة الحضارية
والتقنية ، هذا إن لم تدخل فى طور الأمم قاطعة الطريق نصيرة الإرهاب ،
حيث لا تقبل أية محكمة إبادة دفوعها بأن غرر
بها بلطجيتها يوما . نعم ، مثلما لم يعد ممكنا استمرار الكوكب بدون
جيش ، لم يعد ممكنا أيضا تركه بدون شرطة وبدون سيادة قانون ! العم سام
هو أوه… لعله كان يجب على أن أضع كل هذا فى صفحة الإبادة ! اكتب رأيك هنا 13 نوڤمبر 2001 : شاهدت اليوم
برهان الدين ربانى يتحدث إلى قناة الجعيرة وتسميه الرئيس الأفجانى . تحدث عن
تطبيقه للشريعة الإسلامية وعن قبوله عودة الملك ظاهر شاه كمواطن أفجانى
عادى . الراجل ده عبيط ولا إيه ؟ ! لا الجعيرة
ولا ربانى مخولين بتنصيب رئيس لأفجانستان ولا بصياغة دستور إسلامى ولا غير
إسلامى لها ولا بتحديد موقع الملك السابق فيها وفى قيادتها مستقبلا . إلى
متى يظل موقفنا هكذا من قضية القوة والنصر
والهزيمة ؟ فى الحروب هناك شىء ربما لم نسمع عنه من قبل فى عالمنا
العربى والإسلامى ، هو إن المنتصر هو الذى يفرض شروطه . وأميركا لم
تحارب وتنفق كل هذه الأموال ، لتترك ربانى يصيغ أفجانستان كما يشاء
بخيالاته وشريعته الإسلامية …إلخ . سذاجة لا أكثر ولا أقل ! أيها
السادة ، أفجانستان ستصبح بلدا ديموقراطيا علمانيا ، أو هكذا يسمونها
فى الغرب . ومن سيصيغ دستوره لا ربانى ولا خلافه ، إنما الأخضر الإبراهيمى الذى
وضعت فيه أميركا كامل ثقتها فيه ، وتعلم أنه لن يفعل ما يغضبها . ثم
من الذى يتطلع إليه الشعب الأفجانى المبتهج فى الشوارع اليوم ليطعمه ويمده
بأموال إعادة الإعمار والتحديث ؟ قطعا لست أنت يا سيد ربانى ، وقطعا
قطعا لستم أنتم يا قناة الجعيرة ، التى أضافت أميركا ‑اليوم فقط
وبالذات‑ إيماءة بسيطة لكن معبرة ، بتسوية مكاتبكم فى أفجانستان بالأرض .
اكتب رأيك هنا [ تحديث : 14 نوڤمبر 2001 : هأ… الراجل العبيط بتاع إمبارح لم يذهب لكابول بموكب احتفالى وطائرة
تدشن مطارها لأول مرة ، وهذه كانت من بين ما قاله أيضا فى حديث أحلام
اليقظة مع قناة الجعيرة أمس . عندما سئل أتباعه عن سبب عدوله ، قالوا
لا يوجد تفسير عندنا . طبعا هم على حق ، فالموضوع ليس فى حاجة
لتفسير ، فقد جاءته المكالمة التى تأمره بأن يلزم حدوده ، وربما منزله
كذلك ! ] . [ تحديث : 21 نوڤمبر 2001 : هأ مرة أخرى… يبدو أن الحل لقضية أفجانستان أبعد من أن يحل بحسم
بواسطة ولاية أميركية لا تتحاشى شيئا قدر كلمة حسم . يبدو أن الصفقة ستسير
على النحو التالى وقد تقرر مؤتمر بون بعد خمسة أيام [ تأجل يوما بعد ذلك
إلى 27 نوڤمبر ] : إذا كان الأفجان يريدون الشريعة الإسلامية
ولا يريدون أجانب ، فلا بأس . لن يعود الملك وسيحكم ائتلاف يضمن عدم
العودة لمستويات العنف الطالبانى وإيواء الأجانب وما إليها ، مع السماح له
بالحكم بالشريعة الإسلامية ، لكن فى مقابل هذه لن يحصل على أية استثمارات
أجنبية . لا أعتقد أن من الصواب طرح خيار الأفجنة هذا على الأفجان مهما
تشبثوا به ، فآليات نمو الإرهاب الإسلامى مرة أخرى ليست فى حاجة لبيئة أفضل
من هذه . عامة لا أصدق أن أميركا ستستسلم
هكذا بسهولة ، لا سيما وأن الملك أصبح رمزا يعبر بالفعل عن جميع القوى
العلمانية والنسوية ، كما بدأت هذه تتحدث عن نفسها بقوة [ تحديث : 5 ديسيمبر 2001 :
توقيع اتفاق بون بانتصار شبه كامل للخيار العلمانى . التفاصيل بالأسفل ê ] . ملحوظة أخيرة تخص قناة الجعيرة هذه ، ووجوه
مذيعيها الممتقعة اليوم وهم ينقلون نبأ انسحاب الطالبان من جميع المدن
الأفجانية ، ويضيفون على ألسنتهم وألسنتهن من غير نص مكتوب ، كلام
التعازى وبث الأمل فى المشاهدين بما معناه أن التطرف الإسلامى لا يزال باقيا حيا
ويركل . نعم أنا أقدر من الزاوية الإنسانية إحساسكم بأنكم أنتم من هزمتم
اليوم ، لكن ألم يحن أوان القول إنكم من البداية تجاوزتم دوركم بتبنى موقف
طالبان وبن لادن ، وإنه قد آن أيضا أوان العودة إلى الصواب والحياد
المهنى ، بدلا من البحث عن تراجع تكتيكى بالبحث عن الفصيل التالى فى
التشدد ، لتتبنوه وتروجون له كرئيس لأفجانستان …إلخ . أيضا هل أتطاول
إذا أضفت لطلبى أن تشملوا فيه أيضا التطرف
الفلسطينى ، ويكون موقفكم من الآن فصاعدا فى صف
الحضارة ولا شىء إلا الحضارة ، فهذا أفضل من إضافة رهان خاسر جديد ؟ اكتب رأيك هنا [ تحديث : 16 نوڤمبر 2001 : فيما يخص قناة الجعيرة پست موقع النيو يورك تايمز
مساء اليوم مقالا هائل الحجم من مجلة
النيو يورك تايمز التى تحمل تاريخ بعد غد . الكاتب هو الپروفيسور فؤاد
عجمى ، المعروف من جامعة چون هوپكينز ، ويعرض تفصيلا لأسلوب الجزيرة
فى تغطية الأحداث منذ 11 سپتمبر ، ومن قبلها تغطية الانتفاضة . ولا
يخالج الپروفيسور أدنى شك فى الأچندة القومية الإسلامية المتطرفة للقناة .
وفى النهاية يخلص إلى عكس ما وصلت له الحكومة الأميركية ، التى اختارت
مواجهة أفكارها من فوق شاشتها . ويدعو مثلا لأن يدلى الرئيس الأميركى بشخصه
بحديث لمحطة MBC الأوسع انتشارا ، وذلك فى سياق سحب
البساط من الجزيرة لحساب القنوات العربية الأخرى الأرقى مهنيا ، حيث لا أمل
البتة حسب رأيه ، فى ترويضها أو جعلها مسئولة . الكلام قوى ومسهب ويصعب المجادلة
فيه ، لكن ما يحز فى نفس المرء أن يكتشف أنه كان مخطئا عندما علق الكثير من
الآمال والتفاؤل على هذه القناة . مع ذلك أعتقد إنى لا زلت عند قناعتى فى أنها لم تبدأ بمثل هذا
التطرف عندما دشنت فى أكتوبر 1996 . بل بالعكس كانت نافذة لا نظير لها حتى
للفكر العلمانى والتحررى نفسه على سبيل المثال ، بالطبع مع وضعه فى حلبة
مواجهة طبيعية حرة ومحايدة ضد أفكار ’ الشارع ‘ التقليدية . بل
حتى برنامجها الدينى الوحيد ، كانت النظرة الدارجة له أنه يقدم شيخا مجددا
ومعتدلا ( لو نحيت جانبا بالطبع رأينا أنه فى العقائد الصماء لا يوجد شىء
اسمه اعتدال من الأصل ، وأن هذا القرضاوى ’ المعتدل - الوسطى ‘
هو عينه رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين ، أحد أذرع جماعة الإخوان
والذى سرعان ما سيطر على القناة برمتها وحول دفتها لقناة تحريضية
بالكامل ) . الواقع كما سبق وقلت ، أنى كنت أعلم منذ سنوات
إلى أين سوف تذهب قناتى الجزيرة وأبو ظبى وإذاعة البى بى سى العربية ،
والآن أستطيع أن أؤرخ بانتفاضة العصابات المسماة الشعب الفلسطينى فى سپتمبر 2000
كبداية الظهور الفعلى للتحولات التى جرى الإعداد لها طويلا بالدفع الصامت
بالعناصر الإخوانجية إلى داخل هذه المؤسسات الثلاث وغيرها من صور التغلغل .
من مظاهر تلك التحولات كما أيضا سبق ورصدنا من قبل
استخدام لفظة الشهيد سيئة السمعة ( التى لاحظها الدكتور عجمى بدوره وأفاض
فيها ) . بعدها سقطت ورقة التوت المهنية التى طالما كبحت جماح المستخدمين
الذين استأجرتهم القناة . وهى لم تأت بهم من المريخ ، بل هم صورة
لسائر المثقفين العرب . لحظتها انطلق كل المراسلين فى كل الاتجاهات
كالأخوانجى القاهرى البدين أحمد منصور ، أو الاثنين الجوالين ممن يأتيان
بقصص المؤامرات الپارانوية عبر العالم ، ومن بعدهم ضم الصفوف بقية المضيفين
المقيمين فى الستوديو ، والذين راحوا يعبرون بصراحة أكبر عن ميولهم
الإسلامو‑قومية . وهكذا دارت كرة الجليد ، بل وبها الكثير من
الانتهازية أحيانا كالخوف من منافسة قناة حزب الله سافرة التطرف ، أو تحقيق
انفرادات صحفية من خلال بن لادن ، بيضة الذهب التى ملأت خزائن القناة
…إلخ . وكلها مما لا يعتقد أحد أن العائلة القطرية الحاكمة صاحبة
القناة ، قد خططت له يوما ، بل لا يكاد يتصور أحد أنها الآن تريده حقا
بهذه الحال التى وصلت إليها . إن الخطر الحقيقى فيما تفعله
الجعيرة ليس تهييج الدهماء هنا أو هناك ، فهم لا قيمة لهم فى أى
تحليل ، ولن يكون لهم يوما أى تأثير على أى شىء . الخطر أنها تهدم كل
ما استطاعت دول مجلس التعاون الخليجى إنجازه بدأب مهول منذ 1973 وحتى
الآن : أن يصبحوا أصحاب كراسى على مائدة كبار العالم ، تراهم جميعا
أصحاب قارب واحد ، ولكل منهم كلمته المسموعة من كل الآخرين . تراهم
يحددون أسعار الپترول بمجرد مكالمات چنتلمان بين واشينجتون والرياض ، وليس
بالانتهازية ولى الذراع وألاعيب الصغار ، وتراهم وكل طرف قد وثق من أن
الطرف الآخر لن يلعب بالسياسة أو سواها ولن يطعنه أو يبتزه تحت الحزام . إن
ما تفعله الجعيرة هو الهبوط بالصفوة الخليجية من شركاء فى رسم مسيرة تقدم العالم
إلى ‑وآسف للتعبير ومتألم لنطقه‑ وضعية الدهماء الذين يلقون الحجارة
على أصحاب المائدة أو يستجدون فتاتها منهم أو غالبا الاثنين معا . الانتقال
من عقلية البيزنس وحديث المصلحة المسئول لأثرياء العرب ، إلى وضعية فقراء
العرب الساخطين بسبب أو بدون سبب ، أو ما اعتدت تسميته سيكولوچية العبد‑الشحاذ‑القنفذ . للأسف
هذا الدور لم يسبق أحد الجعيرة إليه ، وآمل أن يعيدها أحد ما بأسرع ما
يمكن ، إلى بداياتها الأولى التى لا يمكن أن أنكر دون ألم كبير منى ،
أننى كنت من أشد المتفائلين بها ] . [ تحديث : 21 نوڤمبر 2001 : بدأت الشركات العالمية سحب إعلاناتها من قناة تليڤزيون أبو
ظبى بسبب برنامج يدعى ’ إرهابيات ‘ يسخر من آرييل شارون . [ مفاجأة : 30 نوڤمبر 2001 : شىء مذهل ما كشفته من الواضح أن الشرق الأوسط حصلت
على هذه الحقائق من مصادر حكومية بريطانية لديها النسخ الكاملة لشرائط الجزيرة
وتعتبرها دليلا صريحا ضد بن لادن . ربما فهمنا الآن فقط سر رد الفعل الخفيض
من القناة تجاه قصف مكتبها فى كابول . إنها طرف مباشر ورئيس فى إدارة حرب
بن لادن ضد أميركا ، وتعلم وتسلم بأنها هدف عسكرى
صريح ! ] . [ متابعة : 24 نوڤمبر 2002 : بينما العرب لا يزالون مهوجسين haunted بفكرة مخاطبة الغرب بتليڤزيونات
ناطقة بالإنجليزية ( وهى فكرة كارثية بكل المعايير ستأتى بأطنان من النيران
العكسية ) ، ربما يكون حلم قناة إخبارية عربية موضوعية من الإم بى سى
بالذات ، لتنوير العرب لا الغرب ، لم يعد مجرد حلم بعد . اقرأ
هذه المتابعة فى صفحة
الثقافة ] .
25 نوڤمبر
2001 : إنه حقا عالم جديد شجاع . والدليل ثلاثة مشاهد تاريخية بمعنى الكلمة من موسكو وبرلين
وطوكيو . انظر هذا المدخل عن هذه المشاهد الأعمق مغزى من أن تكون مجرد
تطورات ميدانية فى الحرب الحالية ، ذلك فى صفحة الإبادة . أما الصورة المجاورة والمنقولة عن
5 ديسيمبر 2001 : انتهى اليوم فقط
ماراثون مؤتمر بون . وفعلا كما توقعنا ( é ) فرضت أميركا من خلف الستار كل ما تريد . ستأتى قوات
دولية غربية ‑لا إسلامية‑ وسيتولى الملك وأتباعه والزعماء الشعبيون
القبليون ‑لا الدينيون‑ رئاسة السلطة الجديدة . حامد كرزائى
( ينطق ويكتب حميد عالميا ) الزعيم القبلى الشاب مما يسمى جماعة
روما ، ’ المستغرب ‘ فى رأى الأفجان ، وقريب الملك وأكبر
نصير له ستسحب الأمم المتحدة اعترافها من ربانى والكلام
يسرى على عبد رب الرسول سياف وسائر ذوى العمامات أزهريين كانوا أو
وهابيين ، حتى لم يعد مؤكدا إسناد وظيفة قضائية لأحدهم كربانى مثلا ،
وأملهما الوحيد هو إقناع الشعب وهيئاته بالعودة للإسلام والانغلاق والاقتتال
الدينى ، وترك النظام العلمانى وآمال الرخاء والانفتاح على العالم
المتحضر . أما أهم شىء على الإطلاق استعادة دستور 1964 الأقل تأسلما ،
وصاحبه الملك ظاهر شاه سيكون السلطة الرمزية والدستورية الأعلى للبلاد ،
باعتباره رئيسا لمجلس النواب القبلى المسمى لويا چيرجا ، كما وعدت القوى
الغربية أنصاره بدور أكبر بعد الفترة الانتقالية . الأبعد أن لا يشك أحد أن
الدستور الجديد سيكون أكثر علمانية . أيضا أوروپا كانت أعلنت صراحة فى مطلع
الأسبوع الأول للاجتماعات أنها ستمول إعادة الإعمار بشرط واحد هو ضمان حقوق
الإنسان ، وهى عبارة يقصد بها التخلى عن الشريعة الإسلامية . انتزاع
الدين من العقول والحناجر ليس بالشىء الذى يتم فى تسعة أيام ، لكنها تأكيدا
بداية رائعة ] . اكتب رأيك هنا
[ ملحوظة :
أعددنا لاحقا هذا العرض المجاور بالصور لأبرز ما جرى فى
أفجانستان ، وبالمناسبة يمكنك متابعة المزيد حول كرزائى كنموذج إمامى رائع
يجب الاحتذاء به من جانب أميركا فى سعيها لتنصيب بدائل عصرية لأمثال صدام
وأشباهه من حكام المنطقة ، ذلك فى الجزء
الثانى لهذه الصفحة ، ثم المزيد من تطورات ذات الموضوع فى صفحة الجلوبة ، هذا بالطبع
بالإضافة لتصورنا القديم فى صفحة الثقافة
حول مدى حاجة شعوب العالم الثالث للعودة من جديد لحكم الاستعمار بنظافته وعصريته
وتقدميته ، وكرزائى أول انتصار كبير لمثل هذه الفكرة منذ عقود . عفوا
للتأخير ، لكنه أفضل من لا شىء ، كما يقولون ! ] . [ تحديث : 10 ديسيمبر 2001 :
فى أول حديث شامل لحامد كرزائى للإعلام الغربى ، وهو لجريدة الواشينجتون پوست اليوم ، استخدم عبارات قوية
جدا ، عن ضرورة أن ’ لا تذهب ‘ أميركا من أفجانستان ، وأنه
ينتوى إبادة كل أعضاء القاعدة وحرقهم ، حسب الألفاظ التى استخدمها .
أنت لا تستطيع تخيل أن حامد كرزائى سيحكم سويسرا ، ولا شك أن سقف شعبه
البائس ليس كبيرا جدا . مع ذلك يبدو يوما بعد يوم كم هو كرزائى اختيار رائع
من حيث قوة شخصيته ، وفرض كاريزميته الشخصية على الجميع ، ويكفى أن لم
يجرؤ أحد على انتقاده قط حتى الآن رغم صغر سنه . النظام القبلى له مزاياه
أحيانا ، ومنها تقدير كل أفراده وبالأخص شيوخه للعلم ولأبناء المدن ،
ويمكنك ملاحظة هذا من جلسة عشاء واحدة مع كهول إحدى قرى صعيد مصر او جنوب
السعودية على سبيل المثال ، ساعتها ستدهش كم هم أبعد ما يكونون عن الاتصاف
بپارانويا مثقفى عاصمة كالقاهرة مثلا . لم أتخيل من قبل أن غربئية كرزائى
سوف تكون فى صالحه لهذه الدرجة . أيضا فاتنى شىء آخر أهم لدرجة أن
يستحق الندم والاعتذار . إنه تحية الجبروت الدپلوماسى الفريد للجزائرى
المخضرم مهندس اتفاق بون الأخضر
الإبراهيمى . عامة أنا أكره كل وزراء
الخارجية . حتى كيسينچر لم يثر انطباعى إلا وهو ناصحا للأمن القومى وليس
سكرتيرا للدولة . الأخضر الإبراهيمى يختلف عن غالبية الدپلوماسيين الشغالين
حاليا وعلى رأسهم كولين پاول ، أنه لا يفترض مثلهم أن وظيفة الدپلوماسى أن
يقول كلاما يرضى كل عاصمة يذهب إليها . الإبراهيمى من قماشة الدپلوماسيين
الذين يعرفون جيدا ما يريدون ، ويعرفون كيف يحققونه ، إن لم يكن بنسبة
100 0/0 فليكن بنسبة 90 0/0 ،
لكن بالتأكيد ليس أقل . عندما تمتزج هذه الصفات مع صفة العقلية التقدمية
التى لا تعرف المساومة ، لا بد وأن تكون النتيجة شخصية عظيمة ] .
10 ديسيمبر
2001 : لا شىء أذكى فيما فعله الإعلام الغربى منذ 11 سپتمبر حتى
الآن ، من موضوع الغلاف
لمجلة النيوزوييك عدد 17 ديسيمبر الصادر اليوم . الموضوع الخاص بالشاب
الأميركى الكاثوليكى المرتد للإسلام چون
ووكر المحارب فى صفوف الطالبان ، والذى أسرته
القوات الأميركية ، لتسلمه لشعبة العدل . تحدث ووكر بإيمان مطلق عن
ضرورة الجهاد ضد أميركا الكافرة ، وعن الاستشهاد وعن العقيدة وعن
الجنة ، إلى آخر ما قد لا يصدقه الكثيرون عن الأناس الذين يتلقون رسائل من
السماء مثله . وقع خارق على القارئ أن استنطقت النيوزوييك ووكر نفسه مطولا
من خلال مذكراته المكتوبة أو كلامه مع والديه ، ولم تكتف بالآخرين يقولون
آراءهم فيه ، أو بالمتابعة التفصيلية لخطوات تعلقه بالإسلام والذى بدأت
بالولع بنجوم الراپ المسلمين ، ثم من تلقاء نفسه راح يكتشف أنهم منحلين
وليسوا مسلمين حقا . مع ذلك فالبراعة الإعلامية الحقيقية ليست هنا .
إنها هناك فى شريط
الصور المصاحب للموضوع . سترى فيه طفلا لأسرة ثرية بديع الطلعة خجولا
يداعب أخته الصغرى وأبيه والدمى والأعشاب …إلخ . إنه الصبى الذى يتمناه كل
منا أو لديه بالفعل . المعنى أن الخطر أصبح هنا والآن ، يتهدد أبناء
كل البلاد وكل الطبقات وحتى كل الأديان . هذه الستراتيچية الإعلامية تذكرنى
بما ترجمته يوما عن المؤرخ السينمائى الإنجليزى القدير پيتر نيكوللز ( كتاب
السينما الخيالية ، والترجمة لحساب الهيئة المصرية العامة
للكتاب ) . عندما تحدث عن أشهر أفلام سنة 1968 التى كانت المفصل
الفارق فى إنطلاقة السينما الخيالية الهائلة والمتصلة حتى الآن ، لاحظ فيما
يخص أفلام الرعب منها أنها أصبحت لأول مرة أفلام ’ هنا والآن ‘ .
قالها عن ’ طفل روزميرى ‘ وعن ’ ليلة
الموتى الأحياء ‘ ، ثم عن كثير من الأفلام
التى تلتهما . النيوزوييك فعلت نفس الشىء بقوة لا تقارن فى بث الرعب ،
سوى بالرعب الذى سببته لنا جميعا هذه الأفلام قبل ثلث قرن . إذن ها هو الخطر أصبح يتهدد الجميع . ولا أحد
فى كل الغرب يمكن أن يزعم بعد هذا التحقيق الصحفى أنه بمنأى عن ذلك الخطر .
كما قلنا قبل قليل أتحدى أى وزير داخلية فى
العالم ، وليس وزيرى مصر والسعودية فقط ، إن يجزم لنا علنا أن ابنه
ليس عضوا فى تنظيم القاعدة ! ونكرر للمرة الألف من ذات المكان أعلاه
أن ليس للإرهاب أسباب اجتماعية . فقط له أسباب دينية ذهنية محضة ، ما
أن تلتقط طرف الخيط فيها حتى تبتلعك حتى أخمص قدميك ، وطالما المدرسة لم
تهتم باسم حرية الرأى أن تطلعك على التفنيدات العلمية الصريحة للخرافة
الدينية . إن المسخ موجود تحت أنفنا ، ليس بالضرورة فى
صبية المسجد الذى على الناصية ، أو فى الطفلة المحجبة الصغيرة زميلة مقعد
الدراسة ، بل ‑وهو الأرجح وهو حالة ووكر‑ لست فى حاجة أصلا لأن
تقابل شخصا مسلما وجها لوجه ، وغالبا ما تكفى جدا الفرجة على إحدى مباريات
الوزن الثقيل للملاكمة ، أو فيلم من صنع الشىء الوحيد الذى لم تقله النيوزوييك هو كيفية
اجتثثاث المسخ . أنا شخصيا ذهبت لإعادة مشاهدة هذين الفيلمين لأتذكر ما
اقترحته علينا خواتيمها . هل تريد أن تعرف النتيجة ؟ نعم ، هناك
طرق جيدة وكثيرة لقتل وحرق المسوخ ، لكن رسالة التحذير من أن إبادتها
التامة قد تكون حلما بعيد المنال ، كانت أقوى ! اكتب رأيك هنا
13 ديسيمبر
2001 : ليس فى شريط بن
لادن الذى بث مساء اليوم أى مفاجآت أو أى شىء مثير ،
إلا لو اعتبرت أن العملية ’ مشيت معاه ‘ أكثر مما خطط
’ بخبرته ‘ معلومة جديدة ، وهى فى الحقيقة ليست كذلك بعد كل ما
قرأناه عن حظر استخدام الأسپستوس وعن العوازل الحرارية المتقادمة …إلخ .
هذا ليس معناه أنه سيصبح شريطا مغمورا ، فتعليقات ملايين الأمريكان تتوالى
معبرة عن هول وذعر ودهشة هائلين من تلذذ بن لادن بالقتل والدمار ، هذا طبعا
لأنهم جهلة لا أكثر ولا أقل . بالنسبة لى الشريط طويل وممل وبلا قيمة
واحتملته بالكاد ، وقد أذاعه التليڤزيون المصرى فى وقت مدهش التبكير
بالتوازى مع الإفراج عنه فى أميركا . لكن شيئا واحدا فقط استوقفنى ،
هو الكلام عن الأحلام . الكل رأى دمار مركز التداول العالمى فى حلمه .
التفسير الأولى أن الكل كان يعلم ، وبفضل احترافهم للكذب ( يسمونه
التقية ، أو ربما فقط لأسباب أمنية ! ) يتداولون الحديث مع إلحاق
عبارة رأيت فى المنام كذا أو كذا . الاحتمال الثانى ، وهو كلام علمى
وجدى ولا يمكن استبعاده ، هو حالة الهذيان الدينى التى يعيش فيها أمثال
هؤلاء . المتدينون ليسوا بشرا عاديين مثلنا ، بل هم أناس يرون أشياء
ويسمعون أشياء وتأتيهم رسائل طوال الوقت فى الصحو وفى المنام ( أعتقد أن لعلماء النفس دور كبير فى علمنة
حياتنا ، وطبعا من القلائل الذين يجاهرون بعلمانيتهم اليوم بعض من كبار
الأطباء والعلماء النفسيين والعصبيين فى مصر ( هل تذكر حلقات برنامج هالة
سرحان ’ يا هلا ‘ عن العلاج بالقران فى قناة art فى أكتوبر 1996 ،
وكيف تحدى الأطباء النفسيون من يسمون المعالجين بالقرآن وفضحوهم على الهواء وعلى
نحو عملى ) . لأولئك دور عظيم فى كسر هالة القداسة والغموض التى تحيط
بالظواهر النفسية الملازمة لحالة الهوس الدينى ، أو علاج الأمراض ،
وما يسمى معجزات …إلخ ، والتى دشنت بالطبع بأسطورة ظهور العذراء فى كنيسة
الزيتون بالقاهرة ، فى أپريل 1968 لتعزينا فى هزائمنا الماحقة فى
سيناء . النداء موجه للتليڤزيون والإعلام العربى ككل ، بشرط أن
يكون الالتزام واضحا بحجب أو فضح من يلعبون على مشاعر الناس الدينية .
فإعطاؤهم ما يسمى ’ فرصة متساوية ‘ يفرغ كل شىء من محتواه إن كنتم
تريدون حقا إشاعة الروح العلمية فى ثقافتنا . اقرأ النص العربى لشريط بن لادن فى جريدة
الشرق الأوسط أو الترجمة الإنجليزية فى موقع شعبة
الدفاع الأميركية . اكتب رأيك هنا
19 ديسيمبر
2001 : تغلق اليوم المائة يوم الأولى لهذه الحرب التى
بدأت فى الثامنة والدقيقة السادسة والأربعين صبيحة الحادى عشر من سپتمبر 2001
بارتطام طائرة بووينج عملاقة يقودها شاب مصرى مع زملائه الإسلاميين
المتطرفين ، بالبرج الشمالى لمركز التداول العالمى فى نيو يورك .
أشياء عظيمة كثيرة جرت فى هذه المائة يوم . سقط حكم طالبان القمئ فى
أفجانستان ، ودشن بدلا منه نظام علمانى تقدمى بدرجة لم تخطر بأحلام أحد من
قبل بالنسبة لهذا البلد المنكوب . بن لادن صار مطاردا محاصرا ومحدود الحركة
للغاية ، إن لم يكن قد لقى مصرعه فعلا . بدأت الدول المختلفة تطارد
وتقتل الإسلاميين ، كما الحملة التى بدأت فى اليمن هذا الأسبوع . ككل
زاد وعى الشعوب العربية بأخطار التأسلم ، بعد أن أبدت تعاطفا كبيرا معهم فى
الشهرين الأولين ، وانقلبت الآن إلى العكس أو على الأقل اليأس . بدأت
الاستعدادات لضرب العراق ودول أخرى راعية للإرهاب أو ناشز على الترتيب العالمى
الجديد . انتهت موجة الإرهاب المسماة انتفاضة الأقصى فى الأراضى
الفلسطينية ، والتى كانت قد نجحت بالفعل فى سفك دماء عشرات
الإسرائيليين ، وشل مسيرة تقدم البلاد العربية ككل لسنوات أخرى .
أصبحت خبرة إسرائيل الفريدة فى مقاومة الإرهاب
الإسلامى محل احترام وتقدير غير مسبوقين فى كافة أرجاء العالم . وأصبحت تل
أبيب القبلة التى تحج إليها حاليا وفود كل أجهزة الاستخبارات والأمن فى
العالم ، بدءا ومن السى آى إيه والإف بى آى بدأت تتداعى أركان الشرعية الدولية البالية التى
كتبت قوانينها سنة 1945 ، والبداية إنسحاب أميركا من طرف واحد من معاهدة
الحد من الصواريخ الپاليستية دون اعتراض يذكر من روسيا . تهاوى بمعدل مذهل
مفهوم سيادة الدولة ، الذى ينظر له تقليديا كعقبة كأداء أمام إرساء الترتيب
العالمى الجديد موحد المركز جلوبى المجال . سقطت كل الخلافات التاريخية
للعالم القديم ، وليس أكثر إثارة من انخراط روسيا فى العالم الغربى ،
بل الكلام عن انضمامها لحلف الأطلنطى يوما ، وكذا إنضمام الصين لصفوة
العالم سياسيا واقتصاديا ، بعد طول تمرد ومساومة . تخطت منظمة التداول
العالمية WTO
الاختبار المصيرى فى الدوحة ، ولولا هذا
أعظم سمات هذا العالم الجديد أن لم يعد المجال
فسيحا كثيرا لمراواغات الماضى ، أو بكلمات چورچ بوش چونيور المبكرة غداة
أحدث سپتمبر وأشهر اقتباس ممكن لأى أحد فى المائة يوم ’ من ليس معنا فهو مع الإرهاب ‘ . ولعلها تعنى فى التطبيق العملى اختفاء الرماديات والغثاء mediocrity من كل شىء وليس حقل السياسة فقط ، نراه بلا شك مؤشرا لانتصار
جديد ’ لحضارة ما بعد‑الإنسان ‘ .
تغير وجه علوم الستراتيچية للأبد ، انتهى عصر اللعب على الحبال ، ولم
يعد للعرب أو غيرهم فسحة للمناورة بعد أن صار الشكل الوحيد الآن للتحالف الدولى
لإسقاط الريچيمات الرجعية ، هو تحالف ضيق مكون من أميركا ودولة صغرى أو
اثنتين للدعم اللوچيستى نظير أجر ، زائد بعض قوى المعارضة الداخلية .
هذا الشكل الجديد من التحالف الذى طرحه دونالد رامسفيلد فى مقابل شكل التحالف
الدولى الموسع الذى تبناه كولين پاول على طريقة الحرب العالمية الثانية أو حرب
تحرير الكويت ، ثبت أنه يأتى بنتائج باهرة حتى لو عارضه كل العالم ( أو
اكتفى بالتمنع على طريقة العاهرة القبيحة
La Laide France ! ) . من النتائج الأجمل أن قضى سپتمبر مرة واحدة وللأبد
على موجة ما يسمى بحركات التحرر الوطنى . هذه الحركات التى سيطرت على أواسط
القرن العشرين ، ودفعت بشعوب العالم الثالث دهورا من التخلف إلى
الوراء ، وفصلتها عن قاطرة العالم المتقدم ، باتت تدمغ حاليا
بالإرهاب . حدث هذا فى أسابيع قليلة مع الفلسطينيين والشيشانيين ،
ويحدث الآن مع الكشميريين والبقية تأتى . لقد بدأ العالم يعامل القضية
الفلسطينية كشأن إسرائيلى داخلى ، والقضية الشيشانية كشأن روسى
داخلى ، وهلم جرا باعتبار مكافحة الإرهاب والتيارات الجمهورية المهمة
الأساسية التى تعطى الحكومات المحلية شرعيتها الآن . لقد بات العالم أكثر
تقبلا الآن لفكرة أن الأرض لمن يستعمرها وأن الأكثر تقدما وتقنية وقدرة هو الأحق
بالحكم . وأن الصراع بين البشر يجب أن يكون من الآن فصاعدا على أسس
التطلعات الفردية وحدها ، لا الوطنية ولا القومية ولا الدينية ، التى
يلفظها حاليا كما لفظ من قبل الصراع الطبقى كما تمثلته الاشتراكية . أصبحت الدنيا غير الدنيا ، لم يعد أى ركن فيها يشبه نظيره قبل مائة يوم ، والتى تلوح
أحيانا وكأنها مائة عام . لكن لا شىء أهم إطلاقا من صحوة الغرب للأخطار
التى تتهدد الحضارة من استشراء التدين فى بلاده وفى بلاد المسلمين سواء
بسواء ، وللأخطار الهائلة للهجرة من هذه الأخيرة إليه . وتوالت فى
المائة يوم كثرة من التشريعات التى تسد الطريق على هذه المخاطر ، وأصبح
المهاجرون المسلمون تحت الأضواء الكاشفة الساطعة ، ورحل معظمهم إيابا لموطن
رأسه حتى لو كان حاملا لجنسية غربية ، وتم بالفعل إغلاق عدد من المساجد
والمراكز الدينية فى المدن الغربية . زادت معدلات قراءة أدبيات الإسلام فى
الغرب ، وأتت بنتائج باهرة كثيرة نيرة واعية وعميقة ، وإن أكثرها
درامية وإثارة لعموم الناس استنتاجات القس جريهام الابن بعد قراءته للقران
( انظر صفحة الحضارة ) . بل وبدأ
كثير من المسلمين عبر العالم يستشعرون بأنهم ككل ضيوف على هذا العالم الذى تحكمه
الحضارة الغربية ، وأنهم باقون على الحياة فقط بفضل أريحيتها وسماحتها
( انظر صفحة الإبادة ) . أيضا
بات التعليم الدينى فى السعودية والپاكستان وغيرهما محل تمحيص أدق ميكروسكوپات
العالم ، باعتبارها البنية التحتية الكبرى لنقل تعاليم الدين الأصلية
للأجيال الجديدة ، بعد أن تناساها أو حورها أغلب المسلمين عبر
الأجيال . لكن رغم كل شىء لا يزال الغرب
أبعد ما يكون عن فهم حقيقة ما يحاك له بواسطة قوى الظلام بعد ، ولا يزال
لحد كبير سادرا فى غى شعارات كارثية أعمق وأشمل من أن يقلع عنها فى مائة يوم ،
وفى صدارتها شعارا الديموقراطية وحقوق الإنسان ( وليس فقط تلك الأريحية
والسماحة تجاه الدين ) ، ذلكما اللذين كتبنا مرارا أنهما لن يفضيا
لأقل من اضمحلال وسقوط حضارتنا المعاصرة . إذن الرحلة لا تزال طويلة فى هذا
الصعيد كما فى كل صعيد آخر . وإذا أخذنا تقديرات دونالد رامسفيلد المنظر
الأول والنجم الأوحد حتى الآن لهذا الدنيا الجديدة ، فإن هذه حرب سوف تمتد
كما الحرب الباردة لخمسين عاما ، والتى نجحت فى نهاية المطاف فى استئصال
الشيوعية . وهكذا تكون هذه المائة يوم مجرد الخطوة الأولى فى مسيرة الألف ميل ،
نحو استئصال الشقيقتين الباقيتين للشيوعية من أيديولوچيات الدهماء الكبرى :
الدين والقومية ، وبالتحديد طبعا النسختين النشطتين الوحيدتين
الباقيتين ، الإسلام والعروبة . ويفترض أن يتم ككل تفريغ العالم من جميع
الأيديولوچيات الجمهورية والإنسانية التى عفا عليها الزمن ، وكذا تخليص
الكوكب من الشعوب عديمة أو منخفضة الجدوى الاقتصادية . أو بعبارة أشمل
إنهاء كل فشل أو نشاز على الحضارة أيا كان شكله أو مصدره ، بعد أن أثبت 11
سپتمبر التكلفة الباهظة للغاية لاستمرار هؤلاء فى الوجود . قائمة المهام طويلة
للغاية ، وتشمل تغييرات جذرية يجب إدخالها على كل بقعة مهما صغرت فى هذا
العالم ، لا بد وأن تنتهى فى النهاية لتأسيس جلوب علمانية الهوية متقدمة
تقنيا موحدة اقتصاديا ذات بسلطة مركزية واحدة سياسية وعسكرية قوية ، المرشح
الوحيد لها هو الولايات المتحدة بطبيعة الحال . أيضا لن تكف مخاطر جديدة من
التولد ، وعلى سبيل الجدل المحض يمكن مثلا أن نتخيل ردة من العلمانية إلى
المسيحية عند بعض بسطاء البشر فى الغرب ، كرد فعل لتمسك المسلمين
بدينهم ، على غرار ما حدث من نمو من العدم تقريبا للاتجاهات الدينية فى
إسرائيل ، ذلك نتيجة تواصل عداء العرب لها لمدة خمسين عاما . وربما
يظل للإسلاميين نفسهم دور مهم فى المرحلة المقبلة ، فالمحافظة على مستويات
عالية من الأخطار سيسمح باستمرار الحملة على المستويات الاستئصالية والجذرية
التى توصلت لها كحل وحيد عقول ذوى الرؤى من أمثال رامسفيلد . بينما خفوت
الأخطار قد يؤدى لوقف الحملة تحت ضغوط العامة فى الغرب الدلول الملول ،
الذى علمته وول سترييت أن تعريف المستقبل هو الدقائق العشر التالية .
وينتهى الأمر بالتصالحيين يميعون الأشياء مرة أخرى ، ومن ثم تحصل عصور
الظلام على فرصة للضرب مرة أخرى ، مع فارق واحد أنها ستكون ضربة قاتلة هذه
المرة . أما بالنسبة للمهام العاجلة لليوم 101 والأسابيع
التالية له ، فلعل أكثر المهام إلحاحا وحتمية إطلاقا فى تقديرنا
المتواضع ، هى إسقاط الريچيم
السورى أخطر راع للإرهاب والتطرف فى العالم ( إذا
ما نحينا فرنسا جانبا ) ، وأكثرها أفعوانية فى التمويه على حقيقته
ومآربه وفشله وعفنه الداخلى . ونقول هذا لأن كل يوم يستمر فيه هذا الريچيم
فى مكانه ، يدفع العرب الثمن غاليا لابتزازاته التى لا تنتهى ولا تعدم
الحيلة ، بشعارات مثل الهوية والقومية وفلسطين والجولان و’ العدو ‘
الصهيونى …إلخ . وحتى لو كانت المائة يوم لم تشأ أن تنتهى دون أن تبرز هذا
الريچيم معزولا للمرة الأولى فى تاريخه فى اجتماع مجلس الجامعة العربية هذا
الأسبوع ، فإن التحرك العربى الجماعى لإسقاطه هو وتنظيماته الإرهابية
الحليفة ، بات مطلوبا وعاجلا أكثر من أى وقت مضى . ولن أدهش إن رأيت
الطائرات المصرية والسعودية تدك دمشق وبيروت صباح الغد : اليوم 101 من أمجد
وأشرف حرب فى تاريخ البشرية . لكن لن أدهش أيضا إن لم يحدث هذا أن يتحول
الشأن العربى والأوسطى كله فى نظر العالم لمجرد شأن إسرائيلى داخلى ،
باعتبارها الحكومة المحلية للإقليم . قبل أن ننهى هذه الصفحة التى تضخمت بما فيه الكفاية ، ونبدأ صفحة جديدة ، نذكر آخر خبر ورد للتو فى هذا اليوم المائة . الخبر يقول أن خمدت أخيرا نيران مركز التداول العالمى . ولعل هذا الحدث الصغير يحمل فى طياته رموزا أعمق بكثير من مدلولاته الظاهرية . نعم لقد مرت بنجاح ساحق المائة يوم الأكثر حرجا فى الحرب العالمية العظمى الأولى : حرب كل المتقدمين ضد كل التخلف . اكتب رأيك هنا |
| FIRST | PREVIOUS | PART I | NEXT | LATEST |