|
|
|
على
السياسة
On Politics
| FIRST | PREVIOUS | PART I | NEXT | LATEST |
NEW:
[Last Minor or Link Updates: Thursday, September 20, 2012].
January 29, 2003: Floating of the Egyptian Pound, a very good step indicates a very bad economical situation!
February 24, 2002: A
train inferno kills 400 Egyptians. Unfortunately, the largely condemned
Minister of Transportation is not the real killer!
February 6, 2002: Egypt receives an astonishing $10.3 billion of grants and aid virtually nobody asked for! Again, the man behind the mystery should be, who else, Saddam Hussein!
January 14, 2002: The ailing Egyptian economy enters the age of free Internet!
October 10, 2000: Intel to build a $500 million microchip plant in Egypt. Egyptian students vow to boycott American products. What an interesting country!
January 3, 2000: Whatever Happened to Baby Egypt (and lead her to strangle her
best Prime Minister and ride a one-way ticket, well, to HUNGER)?
ê Please wait until the rest of page downloads ê
3 يناير
2000 : ما يلى كان [ فى الأصل ] تحديثات
للمدخل الرئيس لهذه الصفحة [ المقصود صفحة الصناعة
قبل نقله هنا لصفحة السياسة فى 26 فبراير 2005 ] ، وذلك من خلال رصد
موجز لمجريات صناعة الترفيه فى مصر خلال العام الماضى 1999 ، نرفقه به
تدشينا لهذه الصفحة الجديدة من صفحات الرأى فى موقعنا [ أيضا المقصود صفحة
الصناعة ] . لكن هذا يتطلب منا أولا وقفة مستحقة مع كل تجربة الدكتور الجنزورى ، التى وإن لم
نكن قد علقنا عليها الكثير على فرص نجاحها ، إلا أننا تأكيدا تناولناها بكل
الحب والاحترام والترحيب ، ذلك حين تحدثنا عنها فى
المدخل الرئيس فى صفحة الثقافة ، المكتوب
قبل أربع سنوات من الآن .
بدأت مسيرة الإصلاح فى مصر بالمؤتمر الاقتصادى الذى
عقد بعيد تولى الرئيس مبارك الحكم . ثم تطور بدخولها لمرحلة تحديث هائلة
للبنية التحتية للمرافق فى عهد حكومة الدكتور عاطف صدقى . ثم فجأة
( وهذه غلطة وقع فيها البعض حين أقيل د . صدقى دون تفسير
واضح ) ، انتقلت لمرحلة تحول طموح للاقتصاد الحر اختير لها الرجل
المناسب : الدكتور كمال الجنزورى . المستجد الكبير فى السنوات الأخيرة
هو قطعا إجهاض كل هذا وإقالة أو استقالة الدكتور الجنزورى . تم الاستغناء عن الحكومة الاصلاحية بإجماع كامل من
الجميع شعبا وپرلمانا وقيادة ، ممن لم يحتملوا فكرة الإصلاح عندما بدأت
تتخذ بعض ملامح واقعية على أرض الواقع . ربما بدأ مسلسل التنازلات ، أو
سمه الجبن لو شئت ، حين روعت القيادة بحملة الإرهاب المسلح فى النصف الأول
للتسعينيات . لكن المدهش أن القضاء على الإرهاب لم يعنى الرجوع لمسيرة
الإصلاح ، بل الإقلاع عنها نهائيا .
والآن دخلت مصر منعطفا جديد من الانهيار الصريح
اقتصاديا وثقافيا ، وأصبح الوضع ببساطة مجرد حالة من الاستسلام الكامل والانتظار البريچينيڤى تام
السلبية لاستحقاقات الجلوبة واتفاقية الجات وكل ما يتعلق بهما ( ساعتها سوف
تعلن مصر منطقة كوارث ، ودولة قاطع طريق خارجة على الاتفاقات الدولية محل
إجماع العالم ) . وحالة الكساد التى تشهدها البلاد ونفاذ السيولة من
الموازنة العمومية وإفلاس الشركات اليومى كبيرها وصغيرها وهروب المستثمرين
المقترضين من البنوك إلى خارج البلاد ، كلها تشير إلى أن هذه ليست مجرد
دورة أخرى من دورات الرواج‑الكساد بل هو الكساد الأخير . لا ندرى
ماذا نقول : هل هدمت مصر ما بعد‑السادات بأيديها ما كانت قد بنته
بدأب ، أم نفسح المجال لطرح نظرية أخرى : أنها لم تكن يوما صاحبة رأى
فى أى شىء ؟ جاءها صندوق النقد الدولى والبنك العالمى ليقولا لها إن لديهما
وصفة ممتازة ومجربة للنمو والتقدم اسمها الاقتصاد الحر ، فوافقت . ثم
اعترض الشعب ، إرهابيوه ومسالموه ، فوافقت أيضا !
لا أحد ‑شعبا ولا صحافة
ولا پرلمانا‑ قبل زيادة أيام العام الدراسى ، ذلك لأنها ستزيد
’ الأعباء العائلية ‘ ، ورغم كل ما شرحه وزير التعليم عن أعداد
أيام الدراسة فى الياپان وبريطانيا وإسرائيل . هل تعلم لماذا نضرب المثال
بالتعليم ؟ لأنى ظللت شخصيا طوال سنوات الجنزورى أقول لمن حولى من
المتشائمين أو المتفائلين سمهم ما شئت ، إن جعل الضرائب صفرا ، وجعل
الجمارك صفرا ، وجعل سعر الفائدة صفرا ، وجعل الميزانية الحكومية صفرا ،
وجعل نسبة حقوق التملك للأجانب 100 بالمائة ، وجعل نسبة تحويل أرباح
المستثمر الأجنبى للخارج 100 بالمائة ، ليست هى العقبات التى تجعل مصر أقل
جاذبية للمستثمر من هونج كونج ، وإن الجنزورى ووزيره طلعت حماد فى الواقع الوضع كان أسوأ حتى من
هذا ، ولا يتعلق فقط بحجم التحديات ، إنما بعدم الرغبة أصلا فى أى
إصلاح ، الأمر الذى وصل لحد الإجماع الشعبى . وإليك مثال آخر … لا أحد ‑شعبا ولا صحافة
ولا پرلمانا‑ أو حتى من البيزنس نفسه ، وهذا هو المدهش‑المفزع ،
قبل مثلا تخفيض القيود الجمركية تدريجيا قبل حلول الجات ، وقالوا
للجنزورى : ’ هل تريد أن تبخل علينا بالعامين أو ثلاثا التى سنكسب
فيها ؟ ‘ . ناهيك عمن هرول
الجنزورى هذا الذى جاء لتنصيبه
فى الأسبوع الأول من سنة 1996 آل جور نائب الرئيس الأميركى رغم ساقه المكسورة
حينئذ ، زعيم أتت به شرعية قيادة أميركا للعالم وشرعية صندوق النقد الدولى
والبنك العالمى أو اختصارا لكل هذا وذاك شرعية العلم ، وكلها شرعيات تفوق
شرعية الانتخاب سواء كان بواسطة شعب عالم أو شعب جاهل . لذا ربما لا نبالغ
بعد أن رأينا بأعيننا مصر تلفظ الدكتور الجنزورى بهذا الإجماع الصامت والاحتفالى
معا ، تدريجيا فى كل قرار وكل موقف ، حتى جاءت الاستقالة الحزينة فى 5 أكتوبر 1999 ،
لا نبالغ إن قلنا إن لم يعد ثم أمل قط فى المستقبل . عندما نكصت مصر عن الحلف
الإسرائيلى‑التركى فجعت . عندما أعفت الجنزورى من منصبه نفضت يدى من
كل أمل فى الغد . المصريون قالوا له بإجماع مدهش يموت أولادنا ولا نمس
نحن ، وها هى النتيجة أن مات الجميع . ببساطة لا يوجد ما يمكن
فعله :
إن مصر أم الحضارة ، أو أم
الدنيا كما يقول أهلها . هذه هى المشكلة . إن مواصفات شعبها الذى صنع
ما يزعم أنه أول حضارة فى التاريخ ، تحعله آخر شعب على وجه الأرض يصلح
للتعايش مع عالمنا المعاصر . … أيا ما كان الأمر ، وحتى لا نؤنب أنفسنا يوما
بالقفز سريعا للاستنتاجات مطلقة اليأس ، نقول إن الوضع يحتاج لأكثر كثيرا
مما هو مجرد تعديل أو حتى تغيير دستورى شامل ، لكنهما على أى حال أضعف
المرتجى . فلا يمكن مثلا تصور ازدهار جدى للسياحة وهى الصناعة الوحيدة التى
من الجائز أن تكون لمصر ميزة تنافسية ما فيها ، مع شلل التشريع فى ظل وجود
تلك المادة سيئة السمعة التى أقحمت على الدستور المصرى لتعطى بلدا ليبراليا
راسخا نسبيا صبغة دينية فجائية . وكلنا يعلم فشلنا المطلق والمؤبد فى
الصناعة والزراعة . فى نفس الوقت كلنا يعلم ما تتطلبه السياحة ، لكن
لا يقوله صراحة قط . فى تايلاند أعلنوا تجارة الجنس ، أو ما نسميه نحن
الدعارة ، الصناعة القومية رقم 1 ، فانتشلتهم من خط الفقر سنة 1987
إلى نمر آسيوى شامل فى غضون سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة . وفى كل
العالم لا تايلاند فقط ينظرون للجنس كصناعة عالية التقنية high-tech تتطلب الابتكار والإبداع
المتواصل ، إن لم يكن حتى كسر الحواجز القانونية التقليدية للسن المناسبة
لممارسة الجنس ، أو عامة حتمية استكشاف جبهات ومناطق جديدة من العلاقة
الجنسية لم يتوصل لها البشر من قبل . ناهيك عن أن بعض ما يقدمون من تدليك
وخلافه هو علاجات لأمراض معينة وثبتت فعاليتها وعلميتها بعد قليل .
إن السائح يأتى كى يحتفل مع أهل البلد المضيف
بالجنس والخمر والعقاقير والمغامرة ، وتحديدا بأساليب جديدة متفردة ،
وقطعا علنية فى الشوارع ، لا أن يظل يسأل طوال الوقت إذا ما كان ما يطلبه
من موظف الفندق بصوت هامس هو شىء قانونى أم جريمة قد تنتهى بقطع رأسه . هل
تصدق أن السياحة تأتى لسيناء من أجل التمتع بأشكال الشعب المرجانية ؟
ببساطة يعرفها الجميع ، الغالبية الكاسحة منها تنتمى لما يسمى سياحة
البانجو إن الحرية
الجنسية بأبسط معانيها شىء غير متاح عندنا . وأبسط المعانى هذا ، هو
أن يمكنك بحرية التقاط مجلة الپلاى بوى وشرائط الپورنو من أرفف المتاجر ،
ويمكنك الخروج للعشاء فتعجبك امرأة المائدة المجاورة فتدعوها للطعام ، ثم
تذهبان لمنزل أحدكما لبذل السعرات فى الفراش حفاظا على رشاقتكما . هذا
ناهيك بالطبع عن الجنس المدفوع العلنى المتنوع ومتفاوت الأسعار والمذاقات ،
هذا بمتعه الاستثنائية احترافية المستوى . أضف لذلك حظر الخمور فى معظم
البلاد وحظر القمار فيها كلها ، وقل لى أى مستقبل يرجى للسياحة المزعومة فى
مصر . لا يمكن ، ومهما طال الزمن ، بدون تولد سمعة كاسحة ومدوية
عبر العالم بالانفتاح والحرية وبراعة النساء ، أن تقوم للسياحة قائمة
عندنا ، والسبب ببساطة أنه لا توجد سابقة ناجحة واحدة لطموحنا فى سياحة
محجبة ! مرة أخرى مصر هى أم
الدنيا ، ولو هذا تمويه لفظى على الطريقة المصرية المعتادة ، فالمقصود
حقا هو أنها أم الدين !
كل هذا ناهيك بالطبع عن القضية الأكثر قاعدية
وعمومية للتنمية مما أفضنا فيه سابقا ،
أن لا إبداع دون تحطيم كل
المقدسات ، وأن بالأخص لا إبداع دون الانتعاش الجنسى ،
أو على الأقل مع وجود هاجس الحرمان الجنسى ، أو هاجس إخفاء ممارسته فى
الخفاء . هذه البيئة والمعطيات التحررية يجب تحقيقها جميعا وبلا تجزئة
للصغار قبل الكبار ، إن أردنا حقا منافسة لا تتطلب أقل من الإبداع من نوع
اتفاقية الجات . ملحوظة : لم أقصد بالسياحة المحجبة فقط الكلمة
بمعناها المجازى العمومى الذى ينطبق على كل شىء وعلى مفهومنا نفسه لها وحتى لكل
شىء ، بل قصدت أيضا المعنى الحرفى جدا الذى يطالعنا أحيانا : [ تحديث : 26 أكتوبر 2000 : فى
مقابل هذا الحديث الطيب عن الدكتور الجنزورى ، هل تريد معرفة ما هى الأشياء
الصحيحة التى جفل منها أو لم تدعمه فيها الإرادة السياسية اللازمة ؟ انظر
المدخل الجديد اليوم عن الچنرال پينوتشيت فى صفحة الليبرالية . أما لو أردت معرفة من أين
بدأ كل مجرى الانهيار هذا ، فهو مكتوب منذ سنوات فى صفحة الثقافة لحظة أن
تمنعت مصر عن دخول الحلف الإسرائيلى‑التركى ،
وكان بالنسبة لنا البوابة الكبرى للمستقبل التى لا تأتى سوى مرة واحدة فى عمر
الشعوب ، وعندما تذهب يذهب معها كل شىء ] . [ تحديث : 14 يناير 2002 : تابع
بالأسفل بعد عامين من هذا الكلام لأى مدى تحقق ما
فيه نبوءات عن كارثة الجوع القادم فى بر مصر ، وكيف تم تجاهل مثل هذه
الأمور البديهية بدم بارد من قبل الحكومة الشيوعية ! ] . [ تحديث : 4 أكتوبر 2002 : تابع
بالأسفل بعد ثلاثة أعوام من هذا الكلام قصة عن تصنيع
أقراص الڤياجرا فى مصر ، هى فى الواقع نعى لأحلام الدكتور الجنزورى
فى جذب الاستثمارات العالمية ، حين كان يقول فى كل ملحق للفاينانشيال تايمز
عن مصر ، إننا لسنا أقل من ماليزيا التى تستقطب 40 بليونا من الدولارات
سنويا ! ] . [ تحديث : 31 أكتوبر 2003 : اليوم
استقال مهاتير محمد من رئاسة وزراء ماليزيا ، وبوادر انهيار ونكوص النهضة
الماليزية درامية ومخيفة ومؤسفة معا . ربما سنجد المزيد من الدروس هناك فى
صفحة الحضارة ، هذا لأن
الإسلام كان اللب فى هذه الجدلية ! ] .
قس على هذا استحالة تطوير الإعلام أو التعليم ولا
نتحدث عن طرد كل متدين كما تفعل تركيا ، بل طردهم من المناصب القيادية
فقط . أيضا بالمثل لا يمكن تخيل إمكانية إجراء تخفيضات حقيقية فى الموازنة
العمومية –وبالأحرى فى مستويات الضرائب أو الفساد– مع وجود كل ذلك الحشد من
المواد ’ الاشتراكية ‘ فى الدستور ، والمصممة فقط من أجل تشجيع
التكاثر بأمل الدفع بهذا المنتج الوحيد الوفير إلى البطالة المقنعة تحت مسمى
الاشتغال فى الجمعية الخيرية الكبيرة المسماة الحكومة ، أو غير ذلك من سبل
التحايل على العيش دون الاشتغال جديا . ومن تلك المواد كأبسط مثال مجانية
التعليم فى كافة المراحل بينما هو فى كل العالم مجانى للمرحلة الأساسية فقط أو
غير مجانى إطلاقا ، والأمثلة الأخرى لا حصر لها ولا يخجل المستثمرون
الأجانب من طرحها صراحة فى سياق اعتذاراتهم عن القدوم لمصر . هل تعرف لماذا لا نستطيع منافسة القمح الأميركى فى
أسعاره ، وأن سيظل من الأفضل لنا دوما استيراده لا زراعته . الإجابة
طويلة مؤلمة وصعبة ، لكن يسهل أن تجد بعضها على ألسنة من انتزعت البنوك
مزارعهم ، وأعطتها للشركات الأكبر ذات التقنيات واسعة المقياس علميا
وتقنيا ، ومن ثم انتهت بأولئك للجوع والتشرد بل وربما الانتحار . إن القمح الأميركى أرخص وأفضل من القمح المصرى لأن
العجلة الدارونية التهمت آلاف الأميركيين على مر الأجيال كى تجعله أرخص وأفضل .
أما إذا أردت رأيا أكثر عمومية فى هذه القضية
فستكتشف أن النهضة لا تصنعها الدساتير والقوانين وفن الممكن ، وأن
الچنرالات أتاتورك وفرانكو وسالازار أو چنرالات النمور أو أعظمهم جميعا إنجازا
الچنرال پينوتشيت لم يصنعوا طفراتهم
الاقتصادية التى تعرف ما يقوله الكتاب ولا تعرف ما يسمى بالبعد الاجتماعى –فهناك
تناقض لغوى من الأصل بين الاثنين– لم يصنعوها إلا من خلال رؤى خارقة
ملهمة ، تحدت بكل الصرامة قوى التخلف والرجعية والديماجوچية باسم
الإنسان ، وخلقت نهضات حقيقية من شعوب كانت فى غاية الفقر والجهل . الأهم أنك ستعرف أنهم تحديدا العكس بالضبط من
’ الكولونيل ‘ ناصر الذى سار بدقة فى الاتجاه المعاكس الخطأ أى إلى
اليسار ومعاداة الدول المتقدمة –أحد الأسباب يكمن ربما فى اختلاف الرتبة
العسكرية !
أما إذا أردت رأينا الشخصى فربما لا ننصحك بذلك فما
ذكرناه كان كلاما عن عن شعوب متخلفة
نعم ، تعلم أنها متخلفة نعم ، لكنها تأكيدا لم تكن سعيدة بتخلفها ولا
ترضى عنه بديلا كما شعبنا عريق الأصالة فى كره الغير والتشكك فى كل ما لا يعرفه
بما فيه التقدم ( تبعا لقاعدة إن إللى تعرفه أحسن من إللى ما
تعرفهوش ) . الأرجح أن أصحاب الرؤى لا يفلحون فى حالة كهذه مهما كان
جبروتهم أو إرادتهم . لو شئنا استعارة بعض المصطلحات
الكبيرة من أدبيات الأحزاب الشيوعية المصرية المتطرفة الصغيرة ، لاستخدمنا
على بياض مصطلحى ’ البرچوازية البيروقراطية ‘ و’ الرأسمالية
الطفيلية ‘ لتشخيص الاقتصاد المصرى بحكومته ورأسمالييه . إنهما وجهان
لذات العملة ، الچيينات المصرية ، التى تستمرئ الكسل والفساد
والفهلوة ، وتكره الشغل والاستقامة والمنافسة الجادة . طبعا ليس الحل
فيما تقوله تلك الأحزاب من تطبيقات شيوعية واشتراكية . كذلك ليس الحل فيما
نقوله نحن من رأسمالية تنافسية لا ترحم
وحكم عسكرى يمينى يفعل الاقتصاد الحر ويحرسه . الحل لا هذا ولا ذاك .
فيما يخص مصر الحل هو أن لا حل على الإطلاق !
ثقافيا لا يختلف الوضع كثيرا عن المشهد الاقتصادى
تراجعا أو استسلاما ، حتى الشباب الذى يتعلم فيما يسمى مدارس اللغات بدأ
يحب أكثر أفلام محمد هنيدى وأغانيه وأغانى حكيم ولطيفة بعد أن كان قد بلغ شأوا
طيبا فى متابعة السينما والغناء الغربيين . وبالطبع لا يمكن فى هذا الصدد
نسيان أثر سنوات من حملات الكراهية ضد كل ما هو أجنبى أو متقدم وبالذات أميركا
وإسرائيل وروادها من كتاب جريدة الأهرام ممن نود تسميتهم كتاب الثلاثاء ( وهم سعد الدين وهبة وفهمى
هويدى ومصطفى محمود ) حيث سرعان ما أصبح أغلب كتاب
مصر من كتاب الثلاثاء وتلاشت بالكامل مع كتابات الهزيمة المنهمرة يوميا فرحة
الشعب المصرى العارمة والتاريخية التى بدأت بالاستقبال الأسطورى للرئيس الأميركى
ريتشارد نيكسون وتواصلت مع بهجة السلام
الكبرى عامى 1978 و1979 وما بعدهما ( آنذاك كنت
اشتغل فى أحد المصانع الكبرى وكانت فرحة من حاربوا لا يفوقها سوى فرحة الشباب
الذى توقع إعفاءه من التجنيد الإجبارى ، وكان الأمر كاسحا وجماهيريا بمعنى
الكلمة ، وليس كمظاهرات الأزهر المحدودة جدا دعما للإسلاميين الفلسطينيين .
ذلك كان يشمل أيضا وبوضوح الإدانة الصارمة لجبهة الرفض والمناداة بطلاق نهائى مع
العرب وبالذات الفلسطينيين . وكان من الحماس بحيث كنت شخصيا أميل للتوجس
أكثر منه للاندماج معه ، وما شغلنى آنذاك أنه قد يكون مجرد نوبة انفعال
مصرية معتادة أخرى ، أكثر منه تحولا حقيقيا فى السياسات ) !
هذا ما حدث فعلا بمجرد
اغتيال السادات ، ونسى الجميع وعلى رأسهم هؤلاء الكتاب أنفسهم أيام كانوا
يخوضون فى مياه المجارى كل صباح للوصول لأشغالهم ، أيام لم يكونوا يجدون
الصابون فى المتاجر أو الماء فى الصنابير أو الحرارة فى الهواتف –دع جانبا ما
يستمتعون به الآن من هواتف خليوية . وأصبح الجميع يعظنا عن شىء واحد هو
خسائر السلام . لا شك أن للسلام خسائر لكن أهمها جميعا هو تلك الحياة
المقززة التى يريدون لنا العودة لها ! ( بالمناسبة أيضا ، كتاب
الثلاثاء هؤلاء هم أول من أحيوا من فكرة الكراهية الناصرية القديمة بعد
اندثار . هذه كانت قد اختفت بعد هزيمة يونيو ، نعم بعد 1967 وليس بعد
السلام كما قد تتخيل . منذ الهزيمة ، وبالأحرى منذ بدأ الشغل الجاد
نسبيا يحل محل الشعارات ، حل محل خطاب الكراهية الأخرق القديم احترام شعبى
ومثقفاتى كبير ’ للعدو ‘ . وارجعوا للأفلام بدءا من ’ أغنية على الممر ‘ ،
أو حتى لأغانى حرب أكتوبر نفسها ستجدون بها جميع المعانى إلا العدوانية .
وأتحدى من يأتينى من هذه أو تلك كلها بكلمة كراهية أو احتقار واحدة . أما
عصر سعد الدين وهبة وفهمى هويدى ومصطفى محمود فهو عصر انحطاط حقيقى ، لا
يفوقه فى انحطاطه إلا عصر الزعيم الخالد الذى سعوا لتناسخه من
القبر ) .
قناة الجعيرة تسوق لنا الآن
مصطلحات من قبيل ’ النظم العربية ‘ و’ الحكام
العرب ‘ ، باعتبارهم سبب النكبات ، وأن لو أزيحوا سيحل كل
شىء . يجب أن نعرف أولا لماذا حكوماتنا سيئة . حكوماتنا سيئة لأن
شعوبنا أسوأ . ولو كان لديها عناصر أفضل لأفرزتها فعلا ، ولو حدث
وأفرزتها لما سارعت بقتلها كما فعلت مع الدكتور الجنزورى . حكوماتنا سيئة
لأن معارضتنا أسوأ وأسوأ . ولو كان العكس صحيحا أى شعوبنا أفضل من
حكوماتنا ، ومعارضتنا أفضل من شعوبنا ، لما حصلنا أصلا على تلك
الحكومات . ذلك هو ما تفرزه شعوبنا فعلا : ناصر وقذافى وصدام وأسد
وكتاب ثلاثاء ، تفرزهم صباح مساء ، ولو قتلناهم وأتينا بالسادات
والجنزورى ، لبحثت هى عن محرضين جدد وأولتهم أمرها . معارضة تجر
الشعوب نفسها فى الاتجاه الخاطئ 180 درجة للإصلاح والحداثة والجلوبة والاقتصاد
الحر ، وتزكى فيها طبيعتها الانفعالية الغبية ، وحبها لحياة الاهتياج
الدائم ، وتلبى رغبتها الدائمة فى أن تسمع دوما لصوت التحريض وتخمد صوت العقل ،
وطبعا الأهم من كل شىء أن تعفيها ، بمجرد حفنة من مظاهرات الشوارع أو حتى
المظاهرات التليڤزيونية ، من مواجهة تحديات التطور التقنى والبناء
الاقتصادى المضنية حولنا . هذا صحيح حتى فى البلاد التى انتصر فيها صوت
التقدم طويلا كبلاد الملك حسين والرئيس الحبيب بورقيبة . انظر من ينادون
بالديموقراطية فى البلاد العربية الآن . إنهم المعارضة الإسلامجية
والعربجية والشيوعيجية . لو هؤلاء الذين تبيعهم لنا قناة الجعيرة تولوا
الحكم لما بقت ولو ذرة واحدة من تلك البقية التافهة أصلا من مستويات التنمية
والحرية الحالية . هذه ليست سيناريوهات فرضية ، وليست تجربة الجنزورى
الموءودة هى دليلنا الوحيد ، إنما لأن هؤلاء الشعاراتيون حكمونا
فعلا ، ولا يزالون يحكمون بلادا عربية كثيرة ، والنتيجة واحدة
دوما : الخراب التام أو الموت الزؤام ! هل كان فشل الجنزورى قدرا ؟
سألنا هذا السؤال قبل أربع سنوات ،
والآن نكرر الإجابة : نعم ! إنه كامن
هناك فى أعماقنا الچيينية ، على الأقل أعماق هؤلاء الدخلاء العرب أصحاب
الصوت الأعلى ! الجديد : 10 أكتوبر
2000 : ربما يذكر التاريخ يوما أن 10 أكتوبر 2000 هو أهم
يوم فى تاريخ الاقتصاد المصرى منذ إعلان الرئيس السادات عن انتهاج سياسة
الانفتاح الاقتصادى قبل ربع قرن بالضبط . على مدى الخمس والعشرين سنة
الماضية ورغم كل الجهود الحثيثة لم يزد حجم الاستثمارات الأميركية فى مصر عن 800
مليون دولار أغلبها فى حقول تقليدية أو استهلاكية وليس منها مشروع تقنية عالية
واحد أو حتى مشروع إليكترونيات تقليدية كالذى تنشئه سونى أو غيرها فى كل بقاع
العالم ! اليوم تم الإعلان وعلى نحو مفاجئ تماما عن مشروع واحد بخمسمائة
مليون دولار ، نكرر : خمسمائة مليون دولار ، وخمن فى أى
حقل : الميكرو رقاقات الحاسوبية من عملاقتها رقم 1 فى العالم إنتل
كورپوريشن ! للوهلة الأولى يبدو أن الأمر فى حكم أحلام
اليقظة ، على الأقل من حيث المقومات البشرية التى يتطلبها وهى 3000 يد
شغالة رفيعة المستوى بطبيعة الحال نعرف على سبيل الجزم أنها غير متوافرة حاليا
من بين المصريين . لكن حلم اليقظة الجميل يتحول إلى حالة من الهذيان
السيريالى إذا ما واصلت متابعة بقية أخبار مصر فى الصحف ووجدت فى صدارتها
مظاهرات الطلبة المحمومة لمناصرة العنف الفلسطينى وأنها بدأت تأخذ منحى جديدا هو
المطالبة بمقاطعة كل البضائع الأميركية وأن هذا شمل بعض الأفعال العنيفة ضد
مطاعم الأغذية السريعة وضد سلسلة متاجر سينسبيرى ( والمفارقة أن كثيرا منها
استثمارات خليجية بالأساس وكلها لا يربح قط ثم أن سينسبيرى ليست أميركية
أصلا ! دع جانبا الوهم الكبير لدينا أن العالم يحترم أو حتى يتعاطف مع
ما يسمى بالانتفاضة فهى لا تعدو فى نظر العالم الغربى سوى ثورة أطفال
شوارع ، وأطفال الشوارع إما أن تقتلهم الحكومة كما فى البرازيل وإما أن
يودعوا الإصلاحيات كما فى الدول المتقدمة ، وعذرا إن كنا قد اخترنا لأنفسنا
دور قول الحقائق الموجعة والتى لا يقولها أحد –علنا على
الأقل ! ) . ببساطة ، وبعد تجاهل أننا نتحدث عن شعوب ليس
لديها ما تشترى به شيئا أصلا والدليل الأرقام المخجلة للاستهلاك فى كل العالم
العربى كله من قمته حتى قاعه ومن السعودية حتى الصومال ، فإن ما يطالب به
هؤلاء الطلبة هو بالضبط والتحديد ضد كل ما حاولت الحكومة فى مصر فعله فى العشرين
عاما الماضية واستجدت خلالها كل أقطاب الأرض لاستقدام ولو فتات استثماراتهم إلى
البلاد لكن هيهات لهذه الاستثمارات التى كانت موجودة فعلا وطردناها باعتبارها
استعمارا أن تعود بهذه البساطة ( ربما سئم الطلبة شعار مظاهرات أجدادهم
التقليدى مصر مقبرة المستعمرين فأدخلوا عليه تعديلا طفيفا ليصبح مصر مقبرة المستثمرين ، أما
رأينا فأنها لم يطالبوا فى كلا الحالتين سوى بجعل مصر مقبرة المصريين ! ) .
والكرة الآن فى ملعب الحكومة التى عليها أن تُفهم هؤلاء الطلبة بعضا من حقائق
الحياة . ونقصد بأن تُفهم الدعاية والتوعية بالمقام الأول لكن دون استبعاد
أى مقاييس أخرى يحتاجها مقتضى الحال ، بل عليها انتهاج هذه المقاييس فورا
ضد المحرضين فى الصحف والأحزاب وكذا الجماعات غير الشرعية . إن الأمر عبث
فاحش والاقتصاد المصرى منهار بالفعل ويكفيك متابعة تدهور سعر الجنيه على مدى
الأسابيع الأخيرة ( فقط ارجع لصفحات شباك التذاكر فى هذا
الموقع ) . بالنسبة لإنتل فقرارها لم يزد عن مجرد حلم بعيد المنال حتى
صباح اليوم نفسه ويجب أن نتمسك به بكل الطرق ، لأن نجاح هذا المشروع بالذات
يعنى إمكانية نجاح أى شىء . لذا فالتحدى هذه المرة فادح وباهظ الثمن ولن
يعدم الطلبة ومن يحرضونهم وسيلة لإثبات علاقة مباشرة بين إسرائيل التى تستثمر
فيها إنتل أكثر من عشرين ضعف هذا الرقم وتعتبر محطة عالمية كبرى لها ، وبين
هذا المشروع الذى تعتبره مكملا بلا شك لعملياتها فى إسرائيل . إن الأمور جد
خطيرة والآفة التى أسقطت كل الحكومات فى كل التاريخ هى الانتظار . وعلى هؤلاء الطلبة أن
يفهموا جيدا الرسائل القائلة أن الحكومة مستعدة لقطع علاقاتها بنصف العالم
العربى ( السئ طبعا ! ) عن قطع علاقاتها بإسرائيل أو بتهديد
مشروع كمحطة إنتل أو مورد المعونة الأميركية بالغ الحيوية أو غير هذا أو
ذاك . كل ما ’ نحلم ‘ به الآن أن يحدث هذا قد أن تستفحل الأمور
ويفوت أوان الفعل ! ( المقصود بالنصف السىء بالطبع هو تلك الدول
المعادية للسلام والداعمة للإرهاب كالتى تزعمت مقاطعة مصر فى أواخر السبعينيات
ودخل اثنان منها فى حرب مسلحة فعلية معها –العدو الغربى والعدو الجنوبى كما كانت
تقول خرائط العمليات المصرية فى ذلك الوقت وربما حتى الآن– ومثل دولة ثالثة
يقاطعها العالم حاليا مثل هاتين الدولتين ويفرض عليها من الحصار والعقوبات ما هو
أقسى وأشد ، ومثل تلك الدولة
الرابعة التى لم يقاطعها العالم بعد متعشما أن تدخل فى
عملية سلام مع إسرائيل لكنه يصنفها بالفعل فى طليعة الدول الراعية
للإرهاب ، هذا إن لم يكن هنا وهناك من يشارك هذا الرباعى المشئوم التعاطف
قولا وخطابة وترديدا لشعارات النكبة ! نعم إن جبهة الرفض لم تتفكك كما توهم
البعض أيام مؤتمر مدريد أو قمة ’ السلام خيار استراتيچى ‘ سنة
1996 ، وما لم يكن قادة العرب من القوة والحسم فستظل أقدار الأمة العربية
بكل الأسف رهينة بيد أربعة حكام متطرفين يلجأون صباحا نهارا للتحريض والمزايدة
والابتزاز ومهاجمة كل من يريد السعى للتنمية أو الارتقاء بشعبه ) . … تابع المزيد عن سوريا كالخطر الأكبر على مستقبل الأمة العربية ...
اكتب رأيك هنا [ تحديث : 13 نوڤمبر 2000 : تحدث الرئيس حسنى مبارك اليوم لأول مرة عن رفضه حضور مؤتمر قمة منظمة
المؤتمر الإسلامى بالدوحة إلا أنه برر هذا بإنشغالة بـ ’ مهمة مقدسة ‘
حسب قوله هى الإنتخابات الپرلمانية ] .
[ تحديث : 1 ديسيمبر 2000 : ظاهريا على الأقل لم تسر الأمور كما أملنا . فعلى مدى الأسبوع
الماضى دخل شيوخ مشايخ الدين فى مصر وغيرها من البلاد العربية إلى حلبة موضوع المقاطعة
وتدافعوا لإصدار فتاوى تحرم شراء البضائع الإسرائيلية والأميركية .
ليس المهم أنهم ينادون بمقاطعة
بضائع لا يقبل عليها العرب أصلا ، لأن ليس لديهم النقود الكافية ( هل
تذكر قصة مقاطعة ديزنى ؟ ) ،
أو أن نسبة السوق العربية فى أى شىء لا تزيد عن جزء من الواحد فى المائة من
السوق العالمية ، أو أن من يقاطعونه هو استثمارات مشتركة بيننا وبين هؤلاء
بالضرورة ، أو أن المشتغلين فى تلك المصانع والمحال مصريون وعرب بالكامل
تقريبا …إلخ . المهم فقط شىء واحد هو تعريف كلمة دهاء كما تفهم فى حلقة
رجال الدين ويتباهون بها دوما ، بينما لا تنطوى فى الحقيقة على أى نوع من
الدهاء وترادف فقط المراوغة والديماجوچية إن لم نقل الجهل والغباء .
فالبارع فى كل هذه الفتاوى أنها تتحاشى قول أى شىء محدد وتتراحع بسهولة لدى بزوغ
أى اعتراضات مهما كانت بساطة هذه الاعتراضات أو دفوع الضرورات التى تبيح
المحظورات . نحن لن نتحدث عن حبوب الڤياجرا التى يدمنها هؤلاء الشيوخ
أو حتى عن المضادات الحيوية التى يعطونها لأطفالهم إنما لدينا اعتراض أكثر جدية
ونريد رأيا فيه طالما أن أميركا وإسرائيل هم أعداؤنا بلا مناص وسوف نحاربهم
قريبا : هل الخبز حرام وهو مصنوع بالضرورة إما من قمح مستورد من أميركا أو
من حبوب محلية منماة بچيينات إسرائيلية ؟ ! ] . [ تحديث : 11 ديسيمبر 2000 : حمل اليوم الرئيس مبارك بشدة على دعوات مقاطعة السلع الأجنبية
’ العنترية التى لا تراعى الصالح العام ‘ حسب وصفه ، وهى تلك
الدعوات التى تزعمها قادة المؤسسات الدينية المصرية أو أحزاب وجمعيات المهزومين
القدامى كما نود عادة تسميتهم والذين لا يريدون أن يركنوا أبدا إلى
قبورهم . حدث هذا بعد أن بدأت بعض الشركات الأجنبية بالفعل مثل سينسبيرى
وماكدونالدز مراجعة استثماراتها القائمة فى مصر ، والبديهى أن صرف النظر عن
الاستثمار كل من كان قد بدأ يفكر فيه غيرها ، فى ذات الوقت بدأت بالفعل من
عامة الناس صرخات لآثار ذلك اللعب بالنار على بطالة أبنائهم وبناتهم .
المؤكد أن البطش بكل هؤلاء سواء فى المؤسسة الدينية الرسمية أو فى خارجها أمر
ممكن وسهل للغاية لو توافرت الإرادة السياسية ، خاصة وأن ما يفعلونه من
تخريب بالاقتصاد يرقى من الناحية القانونية لمستوى جناية الخيانة العظمى وعقوبتها
فى مصر معروفة للجميع . لكن المشكلة دوما كما ذكرنا أعلاه أن هذه الإرادة
السياسية يجب أن تأتى فى الوقت المناسب وليس بعد فوات أوان الفعل . بعد هذا
التصريح القوى من رئيس الجمهورية أصبح الجميع ينتظر إجراء فوريا رادعا ضد
المخربين نأمل أن يكون صارما ونهائيا بدرجة تكفى لأن نغلق للأبد ملف تجارة
الشعارات ونلتفت لتجارة السلع الأكثر تداولا عالميا ] . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 31 ديسيمبر 2000 : يبدو أن ’ هوجة ‘ المقاطعة قد أخذت فى الانحسار بفضل
الموقف الجيد للحكومة والرئيس مبارك بالأخص . قبل نحو أسبوع كان قد أعلن أن
سلسلة متاجر سينسبيرى قد قررت تصفية عملياتها فى مصر وعممت بالفعل أسماء ثلاث
مشترين سعودييّن ويمنى ، لكن نشرت الصحف المصرية اليوم أن الشركة قد عدلت عن
قرارها وأوقفت التفاوض حول البيع ، وأن هذا جاء بعد اجتماع عقد بالأمس بين
مسئولى الشركة ووزير الاقتصاد د . يوسف بطرس غالى . السؤال فقط :
إلى متى سوف نسمح للمخربين والفاشلين بابتزاز الشعب المصرى وأخذ مقدراته رهينة
فى أيديهم ، ثم نتحرك لتدارك الأمر بعد أن تكون الخسائر قد وقعت
بالفعل ؟ هذا الروتين المتكرر ربما يكون جزءا لا يتجزأ ولا يمكن الحيود عنه
من التراچيديا المصرية ! ] . [ تحديث : 26 يناير
2001 : بشرى كبيرة لعشاق المقاطعة ( فقط إن
لم تكونوا قد متم بسبب نصيحتنا الخاصة بعدم تناول الخبز ) : أغلقوا
مواقد الغاز فى بيوتكم وعودوا لاستخدام الأحطاب . فاليوم تقرر أن تبيع
وزارة البترول الخائنة للوطن إلى شركة كهرباء إسرائيل الحكومية 35 بليون قدم
مكعب من الغاز الطبيعى على مدى السنوات العشر القادمة مقابل 3 بليون دولار
أميركى . بل أنها عرضت عليهم سعرا يقل عن سعر الغاز الإسرائيلى بعشرين
بالمائة وعن سعر الغاز الفلسطينى بثلاثين فى المائة ! الأدهى أن شركة
الكهرباء قبلت العرض المصرى رغم رفضه الواسع من قبل الساسة والأحزاب الإسرائيلية
ورغم سيل الإعلانات المدفوعة فى كل مكان التى تطالبها بشراء الغاز المحلى
وتذكرهم بقرارات القمة العربية الأخيرة واحتمال أن ينصاع لها يوما الرئيس
مبارك . رد إيلى لاندو رجل كرسى الشركة قائلا إن ما يعرفه أن إمداد البترول
المصرى لم يتوقف يوما واحدا منذ 1979 حتى الآن وقال أن صفقته هى الضمان لأن لا
تقع حرب أبدا بين مصر وإسرائيل ( لاحظ أن قيمتها تعادل 10 أضعاف صفقات
البترول السابقة ! ) . على أى حال وبعيدا عن قصة الحرب والسلام
هذه نرى فينا فعل درسا آخرا يتعلق بكل ما نقوله عن تغير مفهوم الوطنية فى ظل
الجلوبة . فبالمعايير التقليدية لا شك أن إيلى لاندو خائن بالغ الوضوح
لوطنه ، لكن بالمعايير الجلوبية هو إنسان بالغ العصرية ( وأيضا
الوطنية ! ) . هذه ’ الألغاز ‘ لا تزال بكل الأسف
تستعصى على فهم معظم العرب ، أليس كذلك ؟ ] . [ تحديث : 9 أپريل 2001 : أخيرا
أغلق اليوم ملف شركة سينسبيرى باتخاذ القرار الأخير بتصفية عملياتها فى مصر باعتبارها
’ قرارا خاطئا من الإدارة السابقة ‘ . نعم هذا صحيح فالقضية أكبر
فى الواقع من مجرد حملات المقاطعة الغوغائية مع الإقرار بخطورتها . ببساطة
القرار بهذه الصيغة يعنى أن مصر لم تنضج لمثل هذه الاستثمارت ، وخطورة
دعوات المقاطعة هو فى تأكيدها لهذا الانطباع لدى العالم وليس فى أثرها المباشر
الذى هو محدود للغاية . ولا حاجة لتكرار القول انتظروا نتائج مثل هذا
القرار على المجرى الطويل ( أو بالأحرى غير البعيد جدا ) ،
ساعتها ستبدو الأزمات المالية الأسطورية للمكسيك أو جنوب شرق آسيا أو تركيا مجرد
تمرينات مدرسية . بمناسبة تركيا هناك مصادفة قد تحمل دلالة ما ، حيث
تبدأ اليوم نفسه أيضا زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى شيمون پيريز لتركيا حيث
أولا سيضع أمامهم خبرة حكومته فى احتواء التضخم فى منتصف الثمانينيات [ تحديث : 1 فبراير 2006 : للمزيد
عن حكى مغامرات وبركات سيدى المقاطع انظر ما جرى فى التجربة الدنمركية فى صفحة الحضارة ] 14 يناير
2002 : بدأت اليوم خدمة ما يسمى الإنترنيت
المجانية فى نطاق القاهرة الكبرى ، ومن المزمع امتدادها لجميع المحافظات فى
غضون ستة شهور . طبعا لا شىء مجانى فى الحقيقة ، بل ما حدث أن انخفضت
تكلفة عرض الشريط bandwidth عالميا ، زائد ما طرأ على تطور فى عدد
المشتركين ، بحيث بدا لجالبى خدمات الإنترنيت ISPs والشركة المصرية
للاتصالات التى تجلب الخدمة التليفونية للمنازل ، أن التعريفة الحالية
للمكالمات تكفى لاقتسامها بين الاثنين دون الحاجة لتحصيل اشتراكات اضافية من
المستخدم . التعريفة هى جنيه مصرى فى الساعة ، أو للدقة عشرة قروش عن
كل ست دقائق . وما علمناه أنها تقتسم بنسبة 7 أو أقل قليلا لمزود
الخدمة ، مقابل ثلاثة لشركة الاتصالات . اعتقادنا أن هذا تطور
عظيم ، على الأقل من حيث زخم الدعاية الذى سببه الخبر فى حد ذاته .
كلمة الإنترنيت بقت ببلاش التى تتردد على كل الألسنة ، وافتتاح رئيس
الجمهورية بنفسه لمعرض للحوسبة والاتصالات اليوم ، لا شك أنها أعظم دفعة
يمكن تخيلها لهذا الوسيط الواعد فى مصر ، وقطعا سوف تأتى بأفواج كبيرة من
المستخدمين الجدد .
على أنه لا أحد تقريبا أحس بفرحة حدث كهذا ،
ذلك لكونه ببساطة أتى فى ظل تكاثف قاتل للأزمة الاقتصادية . وبالنسبة
لموقعنا هذه الأزمة شىء رأيناه رأى
العين قبل أعوام وتحديدا صبيحة استقالة الدكتور الجنزورى قبل نحو 27 شهرا ،
بل ورأينا معه ما لم يحدث بعد من جوع ونهب فى الشوارع واقتحام للبيوت وإفلاس
للبنوك وانقطاع للكهرباء وطفح للمجارى …إلخ من عودة المرافق والبنية الأساسية
لأيام عبد الناصر المجيدة ذات البطاقات التموينية ، والتى لا تبعد عنا
بأكثر من أسابيع قليلة الآن ( لا تصدير لا دولار لا استيراد لا صيانة لا
حياة لا شىء ) . حذرنا مبكرا فى صفحة الثقافة من الخطأ الستراتيچى الأكبر فى تاريخ
مصر المعاصرة وهو عدم دخول الحلف الإسرائيلى‑التركى ، ثم عاينا
تفصيلا ما تأكدنا من أنه سيكون انهيارا اقتصاديا شاملا وذلك أعلاه
فى نفس هذه الصفحة بعيد استقالة الدكتور الجنزورى مباشرة كما قلنا ،
وأفضنا فى تحديد البديل الواجب اتباعه من خلال عرض تجربة الچنرال پينوتشيت الليبرالية الرائعة فى
الصفحة التى تحمل هذا الاسم الأخير ، ورأيناها الأفضل والأقوى والأسرع من
كل سوابقها التاريخية فى جنوب أوروپا أو لدى النمور الآسيوية . ثم أخيرا فى
العام الماضى كررنا الكلام عن الكارثة المحدقة فى الندوة التى أصبحت نواة هنا
لصفحة الفن الجماهيرى . ما وصلنا إليه اليوم شوط كبير من مشوار الخيالات
الكابوسية هذا : سعر الجنيه هبط للنصف تقريبا فى أقل من عام ، من الـ
333 قرشا الشهيرة للدولار إلى ما يقرب من ستة جنيهات حاليا والرقم يتغير
بسرعة . الجهات المختلفة لا تدفع المستحقات عليها . البنوك لا ترد
المدخرات الدولارية . بدلا من تحرير التجارة وتصفير الجمارك ضوعفت بشكل
جنونى فقط لتشمل حتى ملابس الناس البسطاء القادمة من المنطقة الحرة فى
پورسعيد ، هذه التى ألغوا كونها منطقة حرة لتصبح جزءا عاديا من مصر
استعدادا للجات كما قالوا . وما أفهمه أن الجات لا تفرق فعلا بين مدينة
وأخرى ، لكنه أن يكون الاستعداد بجعل مصر كلها منطقة حرة ، وليس
بإلغاء ما فيها من مناطق حرة بالفعل ! أما قصر النظر الرهيب وممالأة الشعب الكسول غزير
الإنجاب والرأسماليين الطفيليين الذين لا يرفعون سوى شعارات اشتراكية محض
كالحماية والدعم ، هى التى أوصلتنا لهذه الحالة . ما كنت أتخيل نفسى
يوما إلا معارضا للدكتور الجنزورى الذى لم يكن يفعل أكثر من عُشر الأشياء
الصحيحة ويجفل أمام تنفيذ الباقى ( انظر موقفنا المختلط منه وإن لم يخل
أبدا من التفاؤل والتعاطف ، مثلا من خلال مقارنتنا قبل نحو ست سنوات بينه
وبين الخديوى إسماعيل ، ثم متابعتنا لهذا
أعلاه بعيد استقالته ) . الآن استقال وحل محله من يفعلون كل الأشياء
الخاطئة . كان الجنزورى يسير نحو الجات بعشر السرعة المطلوبة ، الآن
تسير الحكومة ووزرائها الشيوعيين جميعا أمثال يوسف بطرس غالى نحو الجات بالسرعة
الكاملة ، فقط مع فارق 180 درجة فى الاتجاه . نعم حتى لا
نظلمهم ، هم وزراء تقانيون والأمر يحتاج لإرادة سياسية على طريقة الچنرال پينوتشيت ( ربما المثال الأكثر احتراما
من حيث التقنوقراطية هو وزير
الاتصالات أحمد نظيف المسئول عن حديثنا اليوم عن طفرة
الإنترنيت ) . ونعم حتى لا نظلمهم هم لا يملكون تقديم النصيحة الصحيحة
بحكم يساريتهم أو فى أفضل الأحوال بحكم انعدام معرفتهم السياسية ، لكن مع
ذلك ما يفترض فيهم هو حد أدنى من المعرفة الاقتصادية يكفيهم للتقدم
باستقالاتهم .
نعم أنا أعتقد ومنذ قديم ، أن اليسار مرض
متوطن فى بعض الدول ، ولا يمكن استئصاله منها . طبعا المثل الأشهر فرنسا أم كل يسار
العالم ، أو مثل الأرچنتين التى أكلت البارونية روحها حتى أركعتها فيما نراه اليوم بدلا من أن
تجارى النهضات المحيطة بها ، ومصر هى أشهر حالة مشابهة . إن الشعوب قد
تميل لليسار برهة لكنها عادة ما تتعافى من المرض سريعا ، على أن البعض منها
انغرست وترعرعت الميول التحللية الجمهورية فى أعماقه الچيينية ربما منذ ما قبل
التاريخ ، فتراه حتى فى أشد فترات حكمه ميلا لليمين يقع إلى يسار كل اليسار
المعروف . [ اقرأ اشاراتنا السابقة عن فرنسا فى كل صفحة
الثقافة ، وكذا إضافة أحدث فى صفحة الليبرالية
بمناسبة التحول الوشيك لأوروپا إلى الفاشية ] . مصر لم تدخل الحلف
الاسرائيلى‑التركى ، ورأى الجنزورى المستقبل المظلم فلم يتنازل
عن المزيد لمجرد التمسك بالكرسى ، وآثر الرحيل ، أو بالأحرى آثروا له
جميعا الرحيل . ما ضبط متلبسا به من إنفاق من الاحتياطى الستراتيچى
للدولار ، هو ما يحدث الآن مع فارق واحد أن لا طموح ولا خطة قصيرة أو طويلة
المجرى لتعويضه ، أو بالأحرى لا خطة على الإطلاق ( اقرأ ما كتبناه
الأسبوع الماضى عن أزمة الأرچنتين ،
وكان به تحذير كاف عن الكارثة المحدقة بمصر ، ولماذا لم تهب أميركا
لنجدتها ، والشروط الأميركية الجديدة لإنقاذ من هم فى مثل هذه
المحنة ) . حتى الإصلاح أردناه بفهلوتنا
المصرية المعتادة ، أردنا ثماره دونا عن آلامه ، أردنا اقتصادا ناجحا
وتصديريا دون ضريبة فصل الموظفين والعمال ومذابح وصدامات الشوارع ،
واعتقدنا بهذا أننا نضحك على صندوق النقد الدولى بينما فى الحقيقة لم نكن نضحك
إلا على أنفسنا . نعم الجنزورى أخطأ بذلك
الإنفاق ، لكن الشىء الصحيح أمر مختلف تماما عما يفعله الجرذان
الحاليين . كان المفروض إلغاء جميع الضرائب والجمارك ، ومن ثم تخفيض
الإنفاق الحكومى لما يعادل فقط الموارد الپترولية ، وذلك جذريا بإلغاء
التعليم المجانى والعلاج المجانى ودعم السلع وفصل ملايين العمالة الحكومية
الخمسة ( أو الستة ، أو السبعة ، فلم أعد أهتم
بالرقم ) ، وكلها لا وظيفة لها إلا جباية الرشاوى …إلخ . كان
المفروض إصدار قوانين تحرم الإنجاب بدون ترخيص مسبق يكلف مائة ألف دولار أو شيئا
من هذا القبيل . كان المفروض تجنيد وحدات الصحة المدرسية لتوزيع الكوندوم
على الأطفال . كان المفروض اعتماد الدولار كعملة قومية ، أو على الأقل
جدا التعويم المطلق للجنيه . كان المفروض أن يعاجل بدفع الشركات للانهيار
بدلا من تركها تهرول لتشكوه لرئيس الجمهورية طالبة الحماية الديماجوچية والطفيلية
لما يسمى الصناعة الوطنية ( أكثر من هذا لا يليق بنا تكراره الآن ،
وإن قلت بعضه مرة عن تشيلى ، ومرة
عن أوليا معنى كلمة يمين ،
ومرة عن المادة الثانية سيئة السمعة من الدستور المصرى
التى شلت التنمية السياحية ، ومرة عن البديل
الدستورى الجذرى لها ، وهلم جرا ) . ساعتها فقط كان سيبدأ بناء الاقتصاد المصرى على أسس
ليبرالية صحيحة . كنا سنكسب لأبنائنا تعليما غربيا حقيقيا لا تدس وزارة التعليم
أنفها فيه ، وبصلاح التعليم للصفوة كانت ستزول العقبة الكبرى أمام
الاستثمار فى مصر ، وبكسب الاستثمار الأجنبى كنا سنكسب أيضا أسواقه .
وفى النهاية لم نكن لنخسر إلا فاتورة الانفاق الحكومى التى ترفع تكلفة المنتجات
وتشل التنمية ، وتلك الجيوش الجرارة التى تمولها من كسالى المصريين
وفسادهم . أما ’ البعد الاجتماعى ‘ و’ الطريق الثالث ‘
و’ الطريق العاشر ‘ إلى آخر التسميات الملتوية للتعمية على الجوهر
الشيوعى ، فلا نهاية لها إلا موات الجميع مجتهدين وكسالى معا . أو
للدقة العلمية ليسوا شيوعيين لأن الشيوعية كان بها على الأقل تخطيط ، إنما
هم هجين نتج عن تطعيم مساوئ الشيوعية بمساوئ الديموقراطية ، وفى طليعتها
الانصياع المطلق لبلادة وبلاهة الشعوب . كل هذا كلام اقتصادى محض ولا علاقة
له بالاستنارة أو حتى العلمانية ، فأنا أعلم كم هو مستنير بدرجة كبيرة وزير
التعليم مثلا ، لكنه فى نفس الوقت شيوعى يريد تعليم كل السكان حتى لو كان
هذا التعليم بلا جدوى على الإطلاق . السؤال الآن من سينجدنا وقد
أحدقت الكارثة : هل أميركا التى فعلت أكثر ما بوسعها من حيث المعونات
السخية التى كان من الأفضل استخدامها فى إقامة عشر دول مثل سنجافورة عبر
العالم . والآن تضيف لها سيلا من المسكنات المسماة بالقروض ، وآخرها المهم ، دعنا من هذه الخيالات الكئيبة ونعود
لحديث الإنترنيت البهيج . وبالمناسبة للإنترنيت بعد شخصى عندى مرتبط جدا
بهذا الموضوع ، وأصارحك به هنا للمرة الأولى . لعلك تعلم أنى كنت صاحب
مشروع كبير لخدمات المعلومات وإصدار مجلة وكتب منتظمة ، ربما كما أنبأتك
طموحاتى المجهضة المعلن عنها فى كتاب دليل
الأفلام . يوم استقال الدكتور الجنزورى كنت على وشك الحصول على قرض
بنكى كبير لتنفيذ هذا . ولو تأخرت استقالته بضعة أيام لربما كنت الآن فى
كارثة حقيقية ، أو منتحرا وعلى حاسوبى النوتبووك رسالة تنعى غباء أمة
بأسرها . أدركت فى لحظة أن كل شىء قد انتهى ، وأن مسار الكارثة قد بدأ
بالفعل ، وأن انهارت طبعا كل الأحلام الوردية التى كتبتها صبيحة اتفاقية الجات فى جريدة العالم
اليوم ، وقلت فيها إن بلادنا سوف تفرز فيها بعد طول انتظار العملة الرديئة
من العملة الجيدة ، وأن لا مجال للفهلوة والمحسوبية بعد اليوم ، وأن
سينتصر الكدح وينقرض الكسالى ، وأن لن يصح إلا الصحيح ، إلى آخر هذا
الهراء . تبخرت كل المشاريع ، واستمر فقط مشروع موقع الإنترنيت
هذا ، ذلك الذى كان آنذاك فى عامه الثانى ، وخلال أسابيع قليلة تولد
بدلا من تلك الأفكار شعار Think Internet! ، الذى أنجب جميع صفحات الرأى هذه التى تقرأها الآن . أعود للإنترنيت لأكرر حديثا أثيرا من تاريخ السينما
كتبناه من جديد للتو اليوم فى صفحة الفن
الجماهيرى ، هو أن صناعة الترفيه هى الشىء الوحيد الذى يزدهر إبان
الأزمات الاقتصادية . لذلك فلدينا نبوءة متفائلة ستعوضك عن هذا
الحديث ، وهو أن شركات الإنترنيت سوف تزدهر على نحو واضح رغم كل الضائقة
العامة . وخدمتنا لك الآن أن نقدم لك الأسماء التى أمكن لنا رصدها سواء
التى دفعت بإعلاناتها لتحيل جريدة الأهرام كرنڤالا مهرجانيا احتفاليا زاهى
الألوان اليوم ، أو تلك التى أرسلت لنا بريدا إليكترونيا تخبرنا فيه بأرقام
هواتفها ’ المجانية ‘ . ولاحظ أن فقط ما يبدأ بـ 0707 أو 0777 هو
المجانى ، وفقط فى القاهرة الكبرى ( أو بالأحرى الكبرى جدا بعد أن
امتدت حدودها التليفونية حتى مدينة 6 أكتوبر ) . وللذكرى أو للأرقام
القياسية نقول إن الرقم سباعى السبعات هو أكثرها تكلفة حيث اشترته شركته بـ 331 ألف جنيه
لمجرد الرقم . تلك الأرقام بترتيبها الأبجدى هى : Ahram0505.net [Ahram.org.eg] 07770505, 07070505 Balooshy.com 07070707 EgyptFreeNet.com [OnLineEgypt.com] 07071010 4Free.com.eg
[AkhbarElYom.org.eg] Go.com.eg [PTNet.com.eg] 07770123 Link.net [LinkDotNet.com, elFilter.com] 07770777, 07070000, 07770908 Masrawy.com 07070101 MenaNet.net 07070808 eXpress0555.com [NOLMail.net, Nile-Online.com] 07770555 Noor.net 07778880 Seven7s.net [Gega.net, TEData.net, TelecomEgypt.com.eg, nozia.com, sab3awy.net] 07777777 Soficom.com.eg [07773777.com.eg] 07773777 StarLife.com.eg [StarNet.com.eg] 07770666 Yalla.com 07774444
… [Added Later: Gom.net.eg [Gom.com.eg, Tahrir.net] 07772220 Arabia.com 07777778 Tango 57357.net [afnci.com] Alamiia Advertising 07770100 gn4me.com [xo3030.net] 07773030 NozhaSchools.com [07778888.net] 07078888, 07778888 Access-Egypt.com [Aboul-Fotouh] 07770999, 07777772 (filtered) TarekNour.tv [RayaHolding.com, RayaTelecom.net] 07772000 Raya-Internet.com 07770000 EgyNet.com.eg 07770500 InternetEgypt.com [5000.tv, Maktoob.com MelodyTV.net [MelodyHits.tv] 07078000 07770888.com [MisrNet.com.eg] 07770888 Nemra1.com 07070700 Dataxprs.com.eg 07074444 LaserWay.net 07771777 GlobalNet.com.eg 07779999 Avokato.com 07070900 ElOmma.com 07771919 AlamElPhan.com 07777774 Egypty.com, Kora.com 07772020, 07772727 Khaircom.com 07770011 Omega-eg.com BiBalash.com 07075555 Mooga.com [ShobikLobik.com, 07770001.com] FS.edu.eg [Futures Schools] 07777111 WayOut.net 07771234.com [Al-Britaneya] NCI.edu.eg [NCI.eg.net] 07072030, 07772030 EgyFilm.com 07770808 ertu.org 07773999 CompuNetEgypt.com.eg 07777070 ems.org.eg 07773444 imaegypt.net [Islamic Medical Association] 07779001 hayahnet.net 07770122 FannanOnline.com 07777750 Al-Ahaly.com 07774646 InTouch.com 07777171 07771616.com [GozoorGroup.com] 07771616 Information and MistNews.com, MistNews.com.eg, TegaraNet.com, EgyptianStocks.com 07777075 …] … مرحبا بضيوفنا الجدد اليوم إلى غيبوبة الإنترنيت . هيا إلى
المتعة . لقد حل الكساد العظيم ، وحان وقت فريد أستير وچنچر
روچرز ! [ للمزيد أضفنا لاحقا فى أپريل 2003 بمناسبة الاحتفال بمرور
عشر سنوات على ميلاد الموزايك أول متصفحة إطلاقا للإنترنيت هذا المدخل عن تاريخ الإنترنيت فى
مصر ، زائد لمحة تاريخية
وتقنية عن تاريخ الإنترنيت ككل وتقنياتها عالميا ] . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 21 يناير 2002 : ارتفاع
بنسبة 25 0/0 فى أسعار أنواع من الوقود ] . [ تحديث : 22 يناير 2002 : إغلاق
عدد هائل يقارب الثلاثين من شركات الصرافة واعتقال بعض أصحابها ، وكأن سعر
الدولار يرتفع بسببهم وليس بسبب تداعى الاقتصاد وضعف موارد قطاعاته
المختلفة . ما من شك ستصبح حيازة ’ العملة الصعبة ‘ جريمة يعاقب
عليها القانون كما كنا فى الأيام الخوالى لهذه التسمية . الفارق أن من غير
المستبعد هذه المرة أن تعتبر جريمة خيانة عظمى ! ] . [ تحديث : 1 فبراير 2002 : مما
يستحق التنويه فى هذه المرحلة هو السلوك المنضبط للبيزنسات كبيرة وصغيرة وللشعب
ككل ، لدرجة ربما لا تستحقها هذه الحكومة الفاشلة . ارتفاعات الأسعار
محدودة رغم كل ما تضيفه ضرائب وجمارك الحكومة من ضغوط ، لا أحد مستمتع أو
متلهف لزيادة الأسعار ، بل البعض يحاول تخفيض الأسعار إن أمكن تشجيعا
للمستهلكين . هناك عامة سلوك من التعاضد والتفهم المتبادل ، يمكنك أن
تلحظه حتى على صعيد سائقى التاكسيات وصغار البقالين ومن إليهم . لا تهافت
ملموس على السحب من البنوك ، بالذات من المودعين الصغار بعد أن سحب كبار
المودعين وذوى السيولة دولارات الحكومة أيام طرحت بسعر أربعة جنيهات ونصف فى
البنوك فى منتصف العام الماضى ، وطبعا أرسلوها لبنوك الخارج . نذكر كل هذا للحقيقة التاريخية
فقط ، ودون أن نقول إن الأمور ستنتهى على ما يرام ، فهذا آخر ما يمكن
تخيله ، إذا كان لا أحد يفكر فى إصلاحات جذرية . لكن لو حدث فرضا
وجاءت القروض أو لو تأخر التضخم والانهيار المصرفى الكاسحين على غرار ما يجرى فى
الأرچنتين فى الشهور الأخيرة ، فإن الفضل لا يرجع فى أى جزء منه لهذه
الحكومة البليدة ، تلك التى اتخذت قرارا ستراتيچيا واحدا منذ عزل الجنزورى
ولم تحد عنه قط : ترك مصر واقتصادها تموتان ميتة ربنا ( يعنى !
دع جانبا مقولة قديمة لنا إن مصر جثة
غير جيدة التحنيط تركها الأجداد تتعفن سبعة آلاف سنة ، ولا يريد أحد إطلاق
رصاصة الرحمة عليها ! ) ] . [ تحديث : 5 فبراير 2002 : بدأت
اليوم فى شرم الشيخ أشغال مؤتمر المانحين . طلبت مصر ثلاثة بلايين
دولار ، وبدأ البنك الدولى فى جلسات سرية إعطاء الدروس الخصوصية فى الإصلاح
الاقتصادى لوزرائنا الخيابى . لا ندرى لأى شىء سيصلون معا ، لكن
المؤكد فقط أن وزراءنا سيظلون يعتقدون أن ما يقوله البنك والصندوق هى طلبات
فاحشة ومبالغ فيها أتوا بها من كوكب آخر ، وأنها حكم القوى على
الضعيف ، إلى آخر الأسطوانة المشروخة ، التى تغمى دائما أبدا حقيقة أن
البنك والصندوق لا يسعيان وراء أحد ، إنما الناس هى التى تذهب إليهم .
والمؤكد فى جميع الأحوال بالنسبة لوزرائنا يتقدمهم كبير تنابلة السلطان ،
أن ستظل أمخاخهم الصغيرة لا تفكر بفهلويتها المصرية سوى فى شىء واحد طوال
الوقت : كيف نأخذ النقود ، ثم نضحك على هؤلاء الأجانب ببعض الإجراءات
الشكلية هنا وهناك ؟ ما يهمنا قوله إسقاطا للأوهام إن
حدثت ( وقد تحدث إن أخذنا النقود وتأجلت الكارثة قليلا ) ، إنه
مهما بالغ العالم المقرض فى مطالبه ، فهى تقف عند مستوى الحدود الدنيا من
المبادئ الاقتصادية البسيطة المتعارف عليها فيما بين أى مقرض ومقترض فى أصغر بنك
بأصغر قرية فى العالم ، وتأكيدا لا تقترح نهضة ، ولا يهمها هذا
بالمرة . فالنهضة حسب تعريفنا فى صفحة الليبرالية ،
لها ولتجاربها المختلفة السابقة ، شىء آخر تماما أقله أنه ينطوى على مجازر
جماعية ومواجهات شاملة . لا أحد سيطلب منا هذا أبدا ، إنما هى تنبع
منا نحن ، ومن توافر الإرادة السياسية الحقيقية لاصلاح اقتصادى جذرى .
ما نعلمه حتى صباح اليوم أنه لا توجد أية مؤشرات لشىء كهذا ] . [ تحديث أخير : 6 فبراير 2002 : الإنقاذ جاء كاسحا وحاسما وفى الثانية
الأخيرة جدا أخرجت كل الأرانب من القبعات دفعة واحدة . لا بليون ولا اثنين
حسب أكثر التوقعات تفاؤلا ، إنما عشرة بلايين و300 مليونا هائلة
وكاملة ، ولم يتوقعها أحد بما فيه البنك الدولى وحتى مصر نفسها ، بل
والمذهل حقا أنها لم تطلبها أصلا ! نصف المبلغ منح لا ترد والنصف قروض
ميسرة جدا ! من طلب هذا ومتى ؟ المؤكد أن مصر بالذات لم تطلبه !
نصف المبلغ تقريبا ومن ثم عرفنا أخيرا الإجابة على
سؤالنا التعيس أعلاه : من سينقذنا ؟ لا زلنا عند قولنا أن لا أميركا
ولا السعودية ولا عيون مصر ، إنما أصبح الأمر واضحا تماما الآن : من أنقذنا هو صدام حسين ، وللمرة الثانية فى خلال عشر سنوات . فى المرة السابقة ألغيت
لنا قرابة 40 بليونا من الديون . وهذه المرة جاءت الأطراف المعنية وفى
حقائبها قرارات سرية اتقفوا عليها فيما بينهم معا وسلفا كما هو واضح ،
واتقفوا أيضا على إعلانها بطريقة استعراضية فى اللحظة الأخيرة للمؤتمر ،
أحس معها أصحاب المؤتمر أنفسهم ( مصر والبنك الدولى ) بأنهم الأغراب الوحيدين
فى ذلك الصباح فى منتجع شرم الشيخ ! ذلك القرار هو ببساطة الحفاظ على
مصر متماسكة اقتصاديا . والهدف بالطبع أن تقوم بدروها فى الحلف العربى
الواسع المتشكل بالفعل لمعاونة أميركا فى إسقاط صدام . لورى فورمان رئيس
الوفد الأميركى قالت اليوم بعد ختام المؤتمر إن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم
مصر لتواصل مساعيها فى ’ سلام واستقرار المنطقة ‘ . هذا فى اتساق
مباشر مع نظرية الولاية الجمهورية لچورچ دبليو . بوش فى ’ الحب الصلب ‘ التى تحدثنا عنها الشهر
الماضى ، وهى أن النقود لن تدفع إلا للطموحات الكبرى أو لأهداف ستراتيچية
مباشرة ، وطبعا نحن لا ينطبق علينا الشرط الأول ! لكن المفارقة وصلت لذروتها فى بيان
البنك الدولى نفسه الذى لم يخف استغرابه من تدافع المانحين لدعم ما أسموه
استقرار مصر ، ناسين أن جهدا اقتصاديا يجب بذله أيضا ، وليوحى البيان
بنبرة من الأسف أنه كان مؤتمرا سياسيا أكثر منه اقتصاديا ! نعم ، التهنئة واجبة ،
لكن لا مفر من إضافة أكثر وجوبا ، بح هذا الموقع من الحديث فيها : لا
مفر من الاصلاح الجدى والاعتماد على الذات والمنافسة الحقيقية . المؤكد أن
صدام حسين غير باق لنا ، وسيقتل خلال شهور أو ربما أسابيع ، وغالبا
ليس هناك مرة قادمة بنفس السيناريو ، حتى لو كانت هناك آفات أخرى تالية يجب
استئصالها مثله . بهذا ننهى هذا الملف ، فقط
لنحيلك لبقية تفاصيل هذا الإصلاح التى ربما لم تذكر كلها أعلاه ، ذلك فى
مدخلنا الخاص عن تجارب النهضة .
وندعو لمناقشة جدية من زوارنا لكل جوانب هذا الموضوع المصيرى ، حيث بدون
ذلك التصحيح الجذرى ، ستنفذ المنح والقروض سريعا ، وتأتى الجات بدلا
منها بمعايير للحياة أكثر قسوة . بدون أن نفعل هذا نخشى أن كان مؤتمر اليوم
مضرا أكثر منه مفيدا ! ] .
24 فبراير
2002 : اليوم هو اليوم الخامس لحادثة القطار
المروعة ، وتم فيه دفن الضحايا فعلا . ولأن الكلام الذى لدينا هو جارح
جدا فلم يكن من اللائق التفوه به قبل هذا . قضينا الأسبوع الأخير فى مزاد
كبير حول مستوى قطارات الفقراء فى مصر ، يتشدق فيه الجميع بكلمات مثل
الأمان والإهمال …إلخ . ورحل وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية رغم أن
الواجب أن يذكر التاريخ لهما أو لسلفيهما على أكثر تقدير ، أن عادت
القطارات للوصول فى مواعيدها المحددة لأول مرة منذ أيام الاحتلال
الإنجليزى . ناهيك بالطبع عن التضاعف الهائل فى أرقام الخدمة الذى تغدق
علينا الصحافة بها فى كل مرة تتحدث فيها عن طفرة الخدمات التى تحققت فى سنوات
الإصلاح الاقتصادى أو فترة حكم الرئيس مبارك . بصراحة أعدم الرجلان دون
السماح لهما حتى بالدفاع عن نفسيهما . لكن يظل الأكثر إثارة للغيظ أن يدخل
ديماجوچيو الأخوان المسلمين فى مجلس الشعب سجال المزاد ويرفعونه لأقصى الحدود
الممكنة ، بما يكاد يصل لد المطالبة بقطار خمس نجم ببلاش لل مواطن ،
رغم أن المشكلة ببساطة لا تكمن فى أى شىء مما ذكر ، إنما فيما يروجون هم
أنفسهم له من دعوة للتكاثر والتكاثر ولا شىء إلا التكاثر . كيف ؟
سنجيبك الآن . مبدئيا لا يوجد فى أى مكان فى العالم ، بما
فيه الصين نفسها فى حدود علمنا ، وسيلة مواصلات تنقلك ألف كيلومتر بأقل من
ثلاثة دولارات . هل تعلم ما معنى هذا : مجرد قطارات مكدسة بلحوم البشر
من الأرضية تحت المقاعد حتى السقف فوق أرفف الأمتعة . الوصف لا يمكن أن
يغنيك عن المشاهدة ، وهذا ما جربته بنفسى أيام كنت طالبا فى رحلات ما بين
مدينتى السابقة المنيا ، أو مدينتى الدراسية أسيوط ، وما بين القاهرة ،
ذلك عندما لم تكن تميل الأسرة كثيرا لتمويلها . ما عرفته هذا الأسبوع ولم
يسعدنى الحظ بتجربته أبدا ، أن أصبح هناك رسميا عربات بدون مقاعد أصلا بهدف
استغلال أمثل لكل الفراغات ! ببساطة : الدولارات الثلاثة للألف كيلومتر لا
تسمح بترف طفايات الحريق التى ستسرق فى نفس يوم تركيبها إذا كان موظف القطار
نفسه لا يستطيع التحرك فيه ! ولا تسمح بأجهزة إنذار أو اتصال …إلخ ،
كالتى راح الجميع يتفنن فيها أخيرا . ببساطة لا تسمح بأى شىء بما فيه أبسط
درجات الصيانة ، دعك من أن ذلك التكائر المريع أوصلنا لضعف اقتصادى لا نجد
فيه الدولار لاستيراد أى شىء أصلا . بعبارة أخرى : الثلاثة دولارات لا تعنى أكثر
من الخدمة ’ كما هى ‘ as is ، تركبها على
مسئوليتك الخاصة ، لا أمان ولا تأمين إنما مخاطرة كاملة بالحياة تتحمل
تبعاتها أنت بالكامل ! بعد ذلك من حقك أن تسألنى كم تكسب هيئة السكك
الحديدية المستغلة الجشعة هذه : الإجابة أنها من قتل الأربعمائة مصرى صعيدى بائس ويتّم وشرد
أسرهم ؟ الإجابة بكلمة : الفقر . ومن وراء الفقر ؟
الإجابة : ليس الفساد والإهمال رغم كونهما حقيقة واقعة . إنهما نتيجة
لا أسباب . أما الأسباب فهى سياسة اقتصادية يسارية رخوة رنخة تالفة وجبانة
تمالئ الفقراء أكثر مما تواجهتهم بالحقائق . وعقائد دينية واجتماعية تصب
الوقود على نيران التخلف المريع ، لا تفعل أكثر من محاولة إسعاد الفقراء
بفقرهم ، وبث العنجهية فيهم باعتبارهم أبناء الرب وورثة الجنة ممن يباهى الأنبياء
بهم أمام الآلهة ، بينما هؤلاء الأنبياء لم يركبوا أصلا قطار الصعيد ولو
مرة واحدة فى حياتهم ، ولو فعلوا لما قالوا ما قالوا ( أو لعلهم
ركبوه ، لكن وظيفتهم أملت عليهم ما قالوا ) . المؤكد هى جريمة
مركبة ، يشترك فيها قبل أى أحد رئيس الوزراء أبله الابتسامة لا يكف بها عن
تكرار كلمة البعد الاجتماعى ، ويشارك فيها نواب الأخوان المسلمين وجماعتهم
وكل ما تمثله ، هذا وذاك أكثر مما شارك فيها وزير ورئيس مصلحة اجتهدا قدر
الإمكان فى حدود طوفان التخلف الشامل المحيط بهما . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 4 فبراير 2006 : بعد
الـ Train Inferno بأربع سنوات بالضبط تقريبا ، جاء بالأمس
الـ Ferry Inferno ! عبارة قادمة من السعودية لسفاجة احترقت وغرقت فى البحر
الأحمر . كان على متنها نحو 1400 راكب ، يصعب تخيل أن سيذهب ضحيتها
أقل من 1200 شخصا ، تايتانيك تانى يعنى ، بس على فقير جدا ! الإعلام المصرى هائج ، الكل
أصبحوا خبراء وقباطنة ويلقون التهم جزافا ذات اليمين وذات اليسار ، وهى
تشمل تهالك السفينة وجشع أصحابها ، انعدام الكغاءة لدى الطاقم ،
انعدام الرقابة والفساد الحكوميين . لن ندافع عن شىء ، إنما سنقول إن
أحدا لم يمس لب المشكلة بعد . بالنسبة للفساد ، طالما هناك سلطة
وحكومة هناك فساد . سلطات الموانى ليست مجبرة على فحص السفن لو أنت أعطيتهم
رشوة . هذا بديهى وينطبق حتى على الملائكة الذين يديرون ميناء جنة عدن
نفسه . البديل طبعا هو الاقتصاد الحر ، لو الموانى خصوصية ستحاول
الحفاظ على سمعتها . لو شركات التأمين خصوصية ستحاول الحفاظ على
سمعتها . لو شركات الصيانة خصوصية ستحاول الحفاظ على سمعتها ، وهلم
جرا . فى السوق الحرة لا أحد سيجبرك على فعل الشىء الصواب ، لا أحد
سيفتش عليك ، فقط أنت تضع سمعتك على المحك فى كل مرة تهمل فيها . ولا
أقول أن ليس ثمة فساد أو إهمال فى القطاع الخصوصى ، الفارق بين الحكومة والقطاع
الخصوصى ليس فى وجود الإهمال من عدمه ، إنما فى الشفافية ، كل شىء يتم
ع على المكشوف ، وعلى الزبون أن يفحص البضاعة ويتحمل المسئولية قبل قرار
الشراء . ولهذا السبب توجد هناك دائما شركات كبيرة عريقة السمعة ،
وشركات أخرى صغيرة تقدم لك الخدمات على نحو أرخص وأنت وحظك وحظ ركابك ، وهى
موجودة فى كل اقتصادات العالم ويعرفها الجميع . الرقابة الوحيدة هى
المستهلك وسعة إطلاعه ، وطبعا الأسقف السعرية التى يود دفعها .
هنا نأتى للب الموضوع : لماذا
يسافر الآلاف يوميا على هذه السفن ولا يركبون الطائرات الأكثر أمانا .
السبب واضح جدا : إنها رخيصة . سفن متقادمة ، حمولة زائدة ،
صيانة منعدمة ، لا توجد أجهزة أمان ، ولا حتى أجهزة إطفاء ، ولا
حتى أجهزة اتصال ، ذلك ببساطة شديدة لأن كل شىء فى الدنيا يكلف مالا .
الطائرات نفسها ليس بها أمان مطلق . الشركات المرموقة نفسها ترفض أحيانا
تجديد أجزاء ومواد باتت ممنوعة الاستخدام وتفضل الانتظار حتى انتهاء العمر
الافتراضى للطائرة ككل وتقوم بتكهينها . أنت تسبح طوال الوقت فى معادلات اقتصادية . رحلة طيران مطلقة الأمان لأوروپا ربما تكلفك مليون جنيها
وليس بضعة آلاف . ذات الشىء ، هذه السفينة كانت تشتغل فى أوروپا من
قبل ، نعم ، كل سفننا كانت تشتغل فى أماكن أخرى من قبل ، لكن كم كان سعر التذكرة فيها وهى عبارة جديدة وبطواقم
محترفة . هذا هو السؤال الذى لم يسأله أحد قط ، والذى يجعل صاحب هذه
العبارات بطل الناس الغلابة نصيرهم محبوبهم ونجمهم لعقود . ثم فى لحظة
ينقلب جلادهم وقاتلهم مرة كل عدة سنوات ، ثم ينسون الأمر بعدها ويعود بطلا
من جديد . والفكرة أنه شخص يفكر من أجل الناس الغلابة الذين لا يهمهم
الهراء المعقد حول التقنية والسلامة ويعتبرونه ترفا بل حتى لا يعتبرون حياتهم
تساوى قيمة التعويضات الضخمة . بصراحة أكثر : أحيانا يكون
إغراق العبارة وقبض التأمين أكثر جدوى من بيعها خردة أو محاولة جرها ، بل
أحيانا يكون ترك الناس تموت وتتكفل بهم شركة التأمين ، أرخص من استدعاء فرق
إنقاذ محترفة عالية الكلفة . أنت تعيش طوال الوقت فى مثل هذا النوع من
المعادلات ويستحيل لك الفكاك منها ، إلا فى حالة واحدة أن تقبل أنت دفع
الفارق من جيبك ، إذ قطعا لن يتحمله أحد عن كاهلك أبدا . إن أردت السفر
للسعودية على متن عبارة ذات حالة جيدة على متنها طاقم كفء ، تتوافر عليها
كل معدات السلامة والانقاذ وتعمل على نحو جيد ، عليك أن تدفع عدة
آلاف . أما إن أردت أن تذهب للحج وتدخل الجنة دون أن تدفع سوى مئات قليلة
على متن عبارة مصرية متهالكة ، فسامحنى أنت توقع سلفا على تعاقد غير
مرئى ، تقر فيه أنك قد تقاضيت عدا ونقدا ومقدما الفارق بين سعر التذكرة
الجدى والسعر المخفض ، ذلك فى مقابل قبولك وتضحيتك المسبقة بتحمل مخاطر
السلامة وباحتمال الحريق والغرق . نعم ،
الإهمال موجود والفساد موجود ، لا ننكره ولا نؤيده ، لكنى فقط أذكرك
أنك أنت نفسك أحد المشاركين فيه وتستمتع بتقاضى نصيبك منه . هذا لأنه لو
انعدم الإهمال والفساد ستصبح أسعار السلع والخدمات عندنا كما أسعارها فى البلدان
التى تسير فيها الأمور على نحو مضبوط !
بعد جحيم قطار الصعيد المذكور
هنا ، تم رفع كفاءة أداء قطارات الصعيد ، لكن أسعار التذاكر رفعت على
نحو ملحوظ ، وألغى فيما فهمت ما كان يسمى بالدرجة الثالثة . مع ذلك
جزء من التكلفة لا تزال تدفعه الحكومة على هيئة دعم ، والفساد والإهمال
ربما قلت إلا أنها لا تزال بداهة وطبعا موجودة لأنه مرفق عمومى . لكن يوم
تتم خصخصته بالكامل للأجانب ، يوم يدار كما كان يديره الإنجليز يوم أنشأوه
كأول خط سكك حديد فى العالم خارج بلادهم ، ويوم يعود ركوب القطار كواحد من أمتع التجارب الحياتية
إطلاقا ، لن يكون بذات الأسعار الحالية أبدا . ذات الشىء ينطبق
على السفن . حل إشكالية الفساد فى أى مكان وزمان لا يكون إلا
بإلغاء دور الحكومة جذريا . ومن يطالبون اليوم بمزيد من تدخل الحكومة
وبتشديد وظيفتها الرقابية والإشرافية ، هم ببساطة ‑وسواء قصدوا أم لم
يقصدوا‑ يقومون بمنح بيروقراطيى الدولة مزيدا من رخص الرشوة ، وليس
إلا ، وحتى رغم أنوف من يحاول أن يكون شريفا من هؤلاء الموظفين . وتلك
التدخلات لن تؤدى إلا لرفع سعر التذكرة لكن دون تقديم فروق كبيرة فى الخدمة
ومعايير السلامة . الفساد ليس اختراعا مصريا ، بل حقيقة حكومية .
صديق لى ممن على صلة لصيقة بصناعة الملاحة البحرية المصرية يمكن أن يروى لك
بالتفصيل كيف يصعد المفتشون للبواخر فى موانئ تلك الدولة التى تمنع
الخمور ، يحتسون كئوس الويسكى ، يكتبون فى التقرير أن ثمة مصباحا وجد
مكسورا لكنه لا يعيق الإبحار ، ويهبوطون وقد انتفخت جيوبهم قليلا بمظروف
صغير . الشىء الصحيح هو
رقابة شركة تأمين مرموقة كاللويدز ، قطاع خصوصى يخشى على أمواله والأهم
منها على سمعته . هذا سيرفع أيضا سعر التذكرة ، لكن فقط ستحصل مقابل
كل قرش على رفع لمستويات السلامة . بعد أن يتحقق ذلك ‑أى إقصاء
الدولة وإطلاق حرية السوق‑ حينئذ لن يسمى الإهمال إهمالا ، إنما
سيصبح خيارات اقتصادية حرة شفافة وعينى عينك أو على رأسك يا تاجر كما
يقولون ، دائما أنت وحدك الفيصل فيها ، تستعلم بنفسك أو تقرأ ما تكتبه
الصحف والمجلات وجمعيات حقوق المستهلكين من أخبار وتقييمات للسلع والخدمات
المختلفة ، وتقرر ما شئت بعدها . أنت الذى ستختار ما بين عبارة تموت
فيها مرة واحدة فى كل ألف رحلة وتكلفك 300 جنيها زهيدة ، يمكنك السفر عليها
999 رحلة وتفلت بحياتك كل مرة ( أو طبعا ربما تغرق من أول
رحلة ) ، وبين عبارة تموت فيها مرة فى المليون لكن تكلفك 1500 جنيها
فى كل مرة . عندئذ لن يصبح الأمر مسألة ضمير وأمانة ، بل من الممكن
جدا أن تكون كلتا العبارتين مملوكتين لذات الشخص أو حتى لنفس اسم الشركة ،
الفارق أن إعلاناتها عن كلتى العبارتين سوف تتحدث عن شيئين مختلفين كلية .
لا يهم أن ساعتها اختار أغلب الناس العبارات الأولى ، المهم أنهم ساعتها لن
يجدوا أحدا يساءلونه حكوميا كان أو بيزنسيا ، إنما فقط سيساءلون
أنفسهم . حتى ذلك الحين سيظل الحال على ما هو عليه بنفس العبارات الخربة
ونفس الأجرة الرمزية بتاع الغلابة . وحتى ذات الحين لا عزاء للسيدات ،
ولا حتى للرجال ! ] .
4 أكتوبر
2002 : قصة لا تخلو من الدلالة عن الاقتصاد المصرى
عممتها اليوم النيو
يورك تايمز . السياق الأصلى للقصة هو الترخيص بحبوب الڤياجرا لكل
شركات الصيدلة المصرية ، فى انتهاك صريح لحقوق الملكية الذهنية ، التى
يفترض أن يحميها القانون المصرى نفسه ! وبحجة أن اتفاقية الجات لا تنطبق
صيدليا إلا سنة 2005 . القصة بها بعض الأرقام لكن بلا تحليل يذكر .
وما يهمنا أكثر هو طبيعة الرسالة التى يزجيها هذا القرار لشركة فايزر ،
ولكل شركات العالم الكبرى . رسالة تقول ببساطة مصر منطقة كوارث
جاتية ، وأن لا تأتوا لها أبدا بأية استثمارات . بفضل سلسلة من الخطوات
الشبيهة حينا باسم ’ دعم الصناعة القومية ‘ ، وحينا تغاضيا خسيسا
متواطئا أو على الأقل جبانا تجاه دعاة المقاطعة ، انخفض حجم الاستثمارات
الأميركية من 1.6 بليون دولار فى السنة المالية 1999 / 2000 ( آخر
ميزانية وضعها الدكتور الجنزورى الذى صاحبت حكمه آمال عريضة وجاء آل جور نفسه
لحفل تنصيبه كما سبق وأشرنا ! ) ، تهبط
إلى كم حاليا فى تخيلك ؟ أصلا رقم 1.6 بليون دولار رقم تافه للغاية ،
لكنه الآن أصبح مجرد 390 مليونا ، والجنزورى البائس كان يقول فى كل ملحق
للفاينانشيال تايمز عن مصر ، إننا لسنا أقل من ماليزيا التى تستقطب 40
بليونا سنويا . يحدث هذا الهروب الكبير ، بينما لا تمثل الصادرات سوى
10 0/0 من الناتج الداجن الإجمالى GDP ، وتتجمد عن رقم
سبعة بلايين ، ويتجمد التبادل التجارى مع الولايات المتحدة عند 3.1
بليونا ، هو واردات‑فى‑مقابل‑معونة فى أغلبه . كل
شىء فى تراجع ، بل فى موات لا تصدير ولا حتى استيراد ، وتشهد بهذا
الأسواق الخالية حتى من أبسط مكونات الحاسوب . خللى الانتفاضة تنفعنا ، أو قول معايا :
بركاتك يا شيخ مقاطعة ! ما علينا خلينا فى الموضوع . السؤال هل ستثق
فعلا فى الڤياجرا المصرية ؟ من يذهبون من أطبائنا أو حتى من الناس
العاديين لبلاد الخليج كالسعودية مثلا ، يعودون ليقولوا إن الأدوية فى مصر
لا تعالج ، المضادات الحيوية لا تفعل شيئا فى العدوى ، وهلم
جرا . بركاتك يا ست اشتراكية التى جعلت كل الأشياء رخيصة ، وستجعل الڤياجرا
كأى شىء آخر ، مجرد أقراص دقيق مضغوط ! اكتب رأيك هنا
29 يناير 2003 : تعويم الجنيه
المصرى ، خطوة رائعة طال تأجيلها 25 عاما ، كارثة فى حد ذاته ،
أم خطوة رائعة وفى نفس الوقت مؤشر لكارثة أخرى أخطر ؟ إعلان قصير ومفاجئ بالكامل ، أعلن فيه بالأمس
رئيس الوزراء المصون لمصر المصونة تعويم الجنيه . جاء ذلك أمام مؤتمر
المائدة المستديرة مع الحكومة المصرية ، والذى نظمته مجلة الإيكونوميست
للمستثمرين العالميين ( جريدة الأهرام صفحة 16 اليوم ) .
المفاجأة ‑بل قل المعجزة‑ تأتى من أن حكومتنا النابهة ، حكومة
’ البعد الاجتماعى ‘ الحريصة على الشيوعية أكثر من لينين نفسه ،
ظلت لربع قرن كامل أو أكثر ، منذ بدء سياسة الانفتاح الاقتصادى ، ترفض
فكرة تعويم الجنيه . ذلك لأن حكوماتنا الجبانة المتعاقبة ظل يتملكها هاجس
مظاهرات 18 و19 يناير 1977 ، وطبعا عملا بالمبدأ الشيوعى القائل أصابعنا فى
كل شىء . ويا ليت أصابعهم كانت فعلا فى كل شىء ، وإلا لقضوا على
التخلف والدين بنفس الهمة التى قضوا بها على الاقتصاد . لا يمكن لأى أحد باستثناء الشيوعيين ، إلا
الترحيب بتعويم الجنيه ، لا سيما إذا كان مؤمنا بالاقتصاد الحر ،
وبإطلاق قوى السوق دون ضابط أو رابط إلا قانون العرض والطلب ، وبأنه
بالنسبة للاقتصاد على الأقل ، الحكومة ‑أية حكومة‑ هى شر مطلق
أو قل إبليس نفسه ( إلا طبعا لو كانت على طراز حكومة پينوتشيت التى آمنت بهذه الأفكار على
حذافيرها وإطلاقها وسخرت نفسها لحراسة تنفيذها ، أو حكومة الياپان التى
اقترحت مشروع الحوسبة الفائقة
ومشروع الجيل الخامس للحاسوب ،
وتقترح كل يوم على قطاعات الصناعة والبيزنس فى بلادها ، ما فاتها من ذكاء
بيزنسى واستثمارات طويلة المجرى ! ) . المشكلة ليست فى أن نرحب أو لا نرحب ، وليست
فى أن الحكومة مقتنعة بما فعلت أم لا تزال شيوعية كما هى ، وليست فى أن سعر
الدولار قد يصبح ستة جنيهات أو سبعة غدا صباحا أو حتى اليوم مساء ، إنما
المشكلة هى لماذا تأتى حكومتنا الرشيدة ’ بالمعجزات ‘ فى هذا الوقت
بالذات ؟ الإجابة التى لا تخفى على أى لبيب ، أن رصيد حكومتنا من النقد الأجنبى قد نفذ ، وأن حماية الجنيه المصرى باتت ترفا ، لا قبل لها
به . هى دى الحكاية . بس خلاص ! لأ ، موش خلاص . يبدو أن ثم تفسيرا
أعمق . حكومتنا ’ الفتكة ‘ أرادت أن تنفى الإشاعات التى تقول إن
حصيلة ذكائها تحت الصفر . وتبين أن المغرضين مصدر تلك الإشاعات
الأصلى ، من أمثال اليمين اليهودى المتطرف فى إسرائيل ، واليمين
المسيحى المتطرف فى ربيبتها الصغرى أميركا ، لا يقدرونها حق قدرها ،
وموش عارفين هم بيلعبوا مع مين . راحت بسلامتها حكومتنا فكرت بالطريقة
دى : بما أن الانهيار قادم قادم
ولا فكاك ، فمن الأفضل ‑وطبقا لنظرية أصابعنا فى كل شىء إياها‑
أن نضبط نحن ميعاده حتى يأتى أثناء الحرب على العراق ، بدلا من أن تضبطه
لنا نظرية الفضوى إللى واخدة نوبل . ستكون الشماعة
جاهزة ، ولن يفكر أحد ساعتها فى أن ثم أسباب أخرى للانهيار اقتصادية أو
غيره . كان لا بد من التحرك بسرعة هذه المرة . صحيح الشيوعية وأصابعنا
فى كل شىء لم تتعارض يوما مع البلادة والبطء ، والسرعة موش من صفات حكومة
التأنى‑و‑التروى‑لدرجة‑عدم‑فعل‑أى‑شىء‑إطلاقا
الرشيدة بتاعتنا ، لكنها على الأقل عارفة أن الجات جاية أول السنة والحساب
هيكون عسير من جوه ومن بره . كمان فيه ميزة أبعد فى التفكير الحصيف بعيد
النظر بتاع حرب العراق ، هو أنه ممكن يستدر دموع الحنينة ماما
أميركا ، إللى موش عارفة تبعزق فلوسها إزاى ، وزى ما كان بيحصل أيام
اسم الله على شبابه وعلى شيوعيته كلينتون ، تدينا شوية صدقات . شفت
إزاى ؟ آدى الذكاوة ولا بلاش ! بس خلاص ! …
لأ ، للأسف برضه موش خلاص . المرة
الجاية ، ولعلى أقصد المرة دى بعد كام يوم أو كام أسبوع ( فغالبا ما
فيش مرة جاية ! ) ، انتظروا إعلانا للإفلاس التام من البنوك ومن
كل القطاعات . باختصار ، انتظروا الدولار بعشرة آلاف جنيه مصرى .
انهيار يعنى . أو بلغة
اليوم : كل انتفاضة وأنتم بخير ومقاطعين ! ملحوظة تخص الأسباب : لا تصدق ما قلناه هنا إن للانهيار الاقتصادى أسبابا ’ اقتصادية
وغير اقتصادية ‘ . ربما هذا صحيح فى الحالات السابقة للانهيار فى
البلدان المختلفة ( تدافع للاستثمار ، ديون زائدة ، لمسة يد
ثقيلة للحكومة …إلخ ) . لكن عند الشعب المصرى الكاره والمتوجس من كل
العالم ( كلام قديم دوس هنا علشان
تقرأه ) ، الذى طالب بالاستقلال أو الموت الزؤام وها هو يحصل على
الاثنين معا ، وإللى يعرف ربنا ‑وموش أى حد تانى‑ كويس
( الجنيه نفسه بيقول كده ، كله مقابر فرعونية أو جوامع إسلامية
—لاحظتها النهارده وأنا بأعمل الصورة ، أما الكلام نفسه قديم قديم
قديم ! ) ، عند
هذا الشعب دونا عن كل شعوب العالم يوجد
تفسير واحد لا غير للانهيار الاقتصادى ، تفسير لم تذكره قط كتب
الاقتصاد ، اسمه national stupidity . الحقيقة أننا
أمام حالة من الغباء الجمعى collective stupidity ، بل قل الغباء
الجمعى المستدام sustainable collective stupidity ، ولا تصدق حتى أن
حكومتنا مذنبة لهذه الدرجة التى صورناها هنا . كل ما هناك أننا ببساطة ومنذ
فجر الزمان وحتى أب الدهر : أمة
من الأغبياء ، سعيدة بما هى عليه من غباء ، أمة لا تستحق العيش ،
ولا تستحق حتى تكلفة القنابل النووية الأميركية لتخليصها من مأساتها التى لم
تشعر بها قط . أو بلغة اليوم : كل انتفاضة وأنتم بخير ومقاطعين ! ملحوظة تخص الحلول : فى مكان آخر قلنا ( منذ
دهور ) إن الحل هو ديكتاتورية عسكرية يمينية تسهر على بناء الاقتصاد الدارونى
الحر قسرا ، وتشرف على ضمان موت الجياع فى الشوارع فى سلام ودون وقوع
مظاهرة واحدة . لا تصدق هذه أيضا . ذلك كلام يخص پينوتشيت وكوريا
وإسپانيا . فى مصر اليسارية دائما أبدا ( برضه كلام قديم قوى . والظاهر كل الموقع كان مكتوب مستنى اليوم ده ! ) ،
لا يموت ولن يموت أحد من الجوع . يقولون ’ فى مصر لا يموت أحد من
الجوع ‘ ، ويتجاهلون التكملة المنطقية للعبارة ’ … إلا إذا
مات الجميع معا من الجوع ‘ . هذه العبارة هى جوهر فكر كل يسار العالم الذى
نقلته عن مصر الثورة الفرنسية والثورة البلشڤية … إلخ . إنها
قرار ستراتيچى تاريخى منذ مينا الأول . لذا بما أن أسباب الانهيار عندنا
چيينية لتلك الدرجة ، وتكمن فى الطريقة التى بنيت بها خلايا أمخاخنا
المتوارثة ، فالحل هو أنه لا
يوجد حل على الإطلاق . أقصد الحل هو نفس ما اعتدنا عليه وعشنا به
دوما : البركة . سنموت ميتة ربنا ، تلك التى أردناها دائما أبدا
لأنفسنا بحكم كوننا مخترعى الأديان ، ومن الطبيعى أن لا نفهم فى الاقتصاد
أو البيزنس لأن الكرامة والآخرة خير وأبقى على رأى رسول الله إخناتون . أو برضه ،
وبلغة اليوم : كل انتفاضة وأنتم بخير ومقاطعين ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : 2 مارس 2003 : كالمتوقع
فى بلد اشتراكى حتى النخاع كمصر ، التعويم ليس إلا حبرا على ورق . سعر الدولار فى البنوك ( وهى
خاضعة كلها للأوامر الحكومية ) شىء ، وسعره فى السوق الحقيقية التى
تتعامل بالأسعار الحقيقية للأشياء ، الشهيرة باسم السوق السوداء ، شىء
آخر . الحكومة تلاحقهم وتلقيهم فى السجون ، بتهمة أنهم يبيعون ويشترون
الأشياء بقيمتها الحقيقية . السعر فى البنوك ، لا يزال ثابتا عند سعر
التعويم أى نحو 550 قرشا ، الذى يقل ببضعة قروش ( 5-7 قروش ) عن
السعر الحقيقى آنذاك فى 29 يناير . فى السوق الحقيقية ، أخذ السعر
يرتفع تدريجيا حتى تخطى حاجز الستة جنيهات فى لحظة ما مساء يوم 22 فبراير .
بعد ذلك أحذ يرتفع بمعدل سريع جدا ، ووصل لستة جنيهات ونصف فى 72 ساعة
فقط . حاليا الأرقام تقع فى مكان وسيط بين الستة جنيهات ونصف والسبعة
جنيهات . لحسن الحظ هى متذبذبة ، بمعنى أن الانهيار الحاد فى السعر
توقف . ربما السبب ضخ مرتبات الموظفين الدولارية فى السوق مع بداية الشهر
الجديد . هل هى هدنة مؤقتة ، يتواصل بعدها الإنهيار السريع ، أم
هدنة مؤقتة يتواصل بعدها الهبوط التدريجى ؟ هذا هو سؤال الساعة ، حتى
على ألسنة طلبة المدارس الصغار فى الفصول والكافيتريات ! طبعا أسعار السلع ‑بالذات
الغذائية منها‑ ازادت بمعدل مشابه ( 20-25 0/0 )
فى مجرد الأسبوع الأخير . على أنه لم يحدث أى تدافع على البنوك لسحب
الإيداعات الدولارية ، بل بالعكس كانت البنوك شبه خاوية تماما من العملاء
هذا الأسبوع ، وهى ظاهرة أدهشت حتى العاملين فى البنوك أنفسهم .
بالتالى قد لا نكون الآن بصدد انهيار . فقط تعديل لسعر الجنيه بما يعادل
قيمته الحقيقية الراهنة ، وهى 15 سنتا أو نحوها ، وهى العبارة الدارجة
على ألسنة المستوردين من السوق الأميركية . من ثم الأرجح أن سيستقر الدولار
خلال أسابيع فى مكان ما فوق السبعة جنيهات ، لكن دون الثمانية . ذلك
مع هبوط تدريجى مضطرد ، هذا إلى حين تقع الواقعة . … ولا شك أنها واقعة فى ظل
سياستنا الاقتصادية ، تلك التى تتمسك بالاشتراكية منهجا أكثر من فرنسا
نفسها ! ] . [ تحديث : 17 أپريل 2003 : كالمتوقع
فى بلد اشتراكى حتى النخاع كمصر ، التعويم ليس إلا حبرا على ورق .
لا ، بل أسوأ ! لو كان حبرا على ورق لكانت رحمة من
السماء لا نكاد نحلم بها ، إنما هو تعويم ماركسى‑لينينى فريد
إطلاقا من نوعه بلا سوابق ولا لواحق تاريخية . كل الدنيا تفهم أن تعويم
الجنيه رمز قاعدى وبديهى للاقتصاد الحر . حكومتنا الرشيدة راعها ارتفاع
الاسعار ، وأحوال الشعب المسكين الكادح ولقمة العيش ، فنست كل ما فكرت
فيه أصلا فى كلمات شريرة من نوع الاقتصاد والعلم ، وعالجت تعويم الجنيه ذلك
الرجس من عمل آدم سميث ، بمجموعة من القرارات فاحشة الشراسة والجزارة
والذباحة وكل شىء بهذا الوزن الثقيل . راحت تصادر وتؤمم بها حصيلة السياحة من النقد الأجنبى ، فى أعظم إحياء من نوعه للاشتراكية منذ قرارات يوليو 1961
المجيدة . لتمت السياحة وليمت الاقتصاد وليمت التصدير ، المهم أن يظل
الدولار عند ستة جنيهات وكيلو زيت الطعام عند خمسة جنيهات والبعد الاجتماعى تمام
التمام وأهم أهم حاجة إن لا ينقص أبدا إنتاجنا الخلفة على دونه ، طالما
حكومتنا الرشيدة توفر لها التربة والدعم والحماية . تماما كما أصدروا حفنة
من قرارات الحماية الجمركية على الملابس وغيرها استعدادا لاتفاقية الجات ،
ويحلها حلال بعد كام شهر لما تبقى تيجى وتخلى الجمارك صفر بالعافية كل هذا وذاك تم بالتزامن تقريبا مع
ما كتبناه فى التحديث السابق . ذلك جعلنا فى حالة من القرف لدرجة لا تشجعنا
على ممارسة شغلتنا الطبيعية فى هذا الموقع ، تلك التى مارسناها بحب واخلاص
وحماس لسنوات وسنوات دون تقاعس ، ألا وهى تكرار نفس الكلام حتى نهاية
الزمان . الجديد اليوم أننا وجدنا أنفسنا مضطرين لذكر هاتين الواقعتين بصدد
آفاق عودة الاستعمار لكل العالم العربى والعالم الثالث بعد الغزو الناجح للعراق .
تابع القصة فى صفحة الجلوبة ،
فهى مثيرة للغاية ونعدك أننا سنكرر فيها نفس الكلام إياه كما هو بالضبط كما قيل قبل عشر سنوات ] .
[ تحديث : بعد
عام : كالمتوقع فى بلد اشتراكى حتى النخاع
كمصر ، التعويم ليس إلا حبرا
على ورق . لا ، بل أسوأ وأسوأ ! اتصلت بى أمى اليوم ، وقد
تملكها هلع شديد ، ونادرا ما كان هذا عهدى بها كسيدة قوية حادة وإن كانت
تكتب الشعر أحيانا : أنت ليس لديك بطاقة تموين وستموت من الجوع . راحت
تشرح لى أن كل شىء قد أصبح الآن
بالبطاقات ، وأن على أن أكف على توقع أن أجد
الأشياء فى السوپرماركت كما تعودت ، ناهيك عن ارتفاع الأسعار الفاحش ،
وأن على المسارعة بالتقدم لطوابير مكاتب التموين الحاشدة ، وأنها مستعدة
لإرسال كل ما أريد حتى يتحقق لى الحصول على بطاقة الحياة تلك . نصف هذا
مفاجأة ونصفه ليس كذلك . النصف الذى ليس مفاجأة أنى فعلا لم أعد أجد أشياء
تذكر فى محال السوپرماركت ، حتى منتجات الحاسوب كلها شحيح أو
’ مضروب ‘ أى فاسد ، فما بالك بالطعام . النصف المفاجأة أن خيالى الذى
اعتبره فذا ، فشل هذه المرة أيضا فى مجاراة خيال رئيس الوزراء إللى ما
يتسماش وطول عمر موقعنا ما سمى اسمه : 1- إللى ما يتسماش قال الخصخصة لكن
ما نفذه الإيجار التشغيلى وفوت على ’ المشترين ‘ فرصة أى ربح من خلال
الأثمان الباهظة للتأجير ( موعودين بأن بالفلوس هتمشى حالك بعدين وممكن تهد
السينما وتبنى عشرة بدالها ، والمكتوب فى العقود كلام ع الورق
وبس ) ، وطبعا زائد كالعادة إلهاب ظهورهم بسوط الضرائب والجمارك
والفساد وكل شىء . خصخصة بخيال اشتراكى ما فيش كده ! 2- إللى ما يتسماش قال تعويم
الجنيه ، لكن أول حاجة عملها زى ما شفنا أنه أمم دولارات السياحة ، وكأننا
عدنا لسنة 1956 أو قرارات يوليو الاشتراكية 1961 . وعلى فكرة الدولار رجع
رخص تانى ، موش لأى سبب ، إنما لأن كل الشركات قفلت . حتى أحمد
بهجت إللى خربها و’ فور ‘ الجنزورى من
مكانه ، يوم ما فتح صدره للصين وجرى ع الريس يقول له أنا ها أنتج تليڤزيونات
’ فشر ‘ سونى وأپل ماكينتوش ، بس احمى لنا أنت الصناعة الوطنية
يا ريس ، حتى إللى عمل كل ده بيتحاكم دلوقت لأنه فلس ، وكنا عارفين من 100 ألف سنة أنه ها يفلس ! على فكرة كمان ،
رخص الدولار مؤقت جدا ، مقدمة للغلو الحقيقى : الانهيار التام ،
الدولار بعشرة ألاف جنيه ، فحتى التليڤزيونات إللى خربوا الاقتصاد
بسببها جايز نحتاج نستوردها . ساعتها الاشتراكيين بتوع الإبرة والصاروخ هم
إللى هيدافعوا عن الاستيراد ويقولوا لك وإيه يعنى ؟ ما إحنا طول عمرنا
متعودين نستورد حتى الأكل ! 3- إللى ما يتسماش قال التعويم
وحرية السوق ، وجعل ‑والعهدة على أمى‑ كل السلع بالبطاقات
وكأننا فى بلاد الرفيق ستالين أو عدنا لأيام حرب 1967 . ولسه ، جايز
المرة الجاية يجيب لنا فكرة من ما قبل‑التاريخ ! سواء فى الخصخصة الماركسية‑اللينينية ،
أو فى تعويم الجنيه الماركسى‑اللينينى ، أو فى اتفاقية الجات
الماركسية‑اللينينية ، الحكومة المصرية صاحبة مبدأ ، ومبدأ واحد
لا يتغير أبدا : أصابعنا فى كل شىء ! إللى ما يتسماش محق فى شيئين
اثنين ، أننا مهزومون الآن أكثر ألف مرة من 1967 ، وأنه ‑أى
إللى ما يتسماش‑ الوحيد فى بر مصر الذى يقهر خياله
خيالى ! ] . … |
| FIRST | PREVIOUS | PART I | NEXT | LATEST |