|
|
|
الجلوبة ماضى ومستقبل العالم
Globalization,
the Past and Future of the World
)Site’s Oldest-Newest Page!)
| FIRST | PREVIOUS
| PART I | NEXT | LATEST |
NEW: [Last Minor or Link Updates: Thursday, December 17, 2009].
August
14, 2002: Tensions escalate between Egypt and the
U.S. Is it also a Post-Yalta business?
August
6, 2002: U.S. top strategy planning agency suggests
invading Saudi Arabia!
May
4, 2002: A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: YALTA
LAW, AKA INTERNATIONAL LAW, IS MELTING DOWN! In the
beginning there were Noriega, sanctions on Iran and the Law of Internet.
Then came Rumsfeld’s ‘No Prisoners!,’ Guantanamo Bay prisoners and theatrical atomic bombs and
George W. Bush’s ‘Steel Tariff’ and dismissing of Arafat. Now comes
the withdrawal from Kyoto, ABM
and (today’s) International Criminal Court
treaties. Should we leave Yalta’s notorious age alive
until the ‘natural’ retirement age of sixty? Our very old answer is here. The most recent one is here!
March
5, 2002: The U.S. imposes ‘Steel Tariff’ on the world.
For the sake of all free trade basics the right imposition should be a ‘Defense
Tax.’
December
13, 2001: A HISTORY MADE: America pulls out of the ABM Treaty. A
pillar of the old world order collapses.
April 23, 2001: Koizumi wins!
Also: His victory from a very personal point of view!
December 19, 2000: Imperialism - Dictatorship - Monopoly —or the Three Visionaries to Implement the Law of Ultimate Freedom and Even Their Truest Vigilantes! [Main Entry of Page].
ê Please wait until the rest of page downloads ê
الإمپريالية - الديكتاتورية -
الاحتكار : Imperialism - Dictatorship - Monopoly:
حين
تتحدث مع شخص عمره 4 بليون سنة ، عليك أن تبدى بعض الاحترام لخبرته فى
الحياة . هذا الشخص يعيش بيننا فعلا ، نمر عليه كل يوم ،
نحييه ، نحادثه ، لكن لا نعترف بجبروته قط ، بالذات لو قورن
بجبروتنا نحن البشر . إنها ببساطة أمنا الطبيعة ، وقوانينها الأكثر
قاعدية وثباتا فى حدود ما نعرف من كون ، الفيزياء ، الكيمياء ،
التاريخ الطبيعى …إلخ . الحقيقة الصارخة أنها بالفعل أقوى من أى إله
عرفناه ، بل أقوى آلاف المرات من أى شىء آخر اخترعناه . يسعى هذا المدخل للدفع بأن النظام الدولى والسياسى والاقتصادى الكفء ، يجب أن يستقى من قوانين وآليات أكثر قاعدية من أن تكون إنسانية . من قوانين وآليات خبرتها الطبيعة والعلوم لآلاف بل لملايين السنين . سيكون معالجة أوسع أفقا من ذلك التصور السياسى‑الاقتصادى المحض لما يسمى الترتيب العالمى الجديد ، كما سبق وتناولناه قبل نحو خمس سنوات فى صفحة الثقافة ، وعرضنا فيه للأسباب الموضوعية التى توافرت للجلوبة من خلال ثورة الاتصالات وتكامل عملية الإنتاج جلوبيا ، ومن ثم تصورنا الكوكب بحكومة مركزية موحدة ، وما إلى ذلك من تفاصيل . النموذج الأكثر قاعدية وعمومية الذى سنقترحه سوف يستلهم الكثير من قوانين الفيزياء وأحد أكثرها ملموسية تطبيقها الهندسى المتمثل فى قوانين الديناميات الحرارية التى تستطيع الوصول للنظام thermodynamic system بكفاءته الداخلية القصوى ، كذلك الكثير من قوانين بنية المتعضيات البيولوچية organisms موغلة ومدهشة النجاح . كذلك سوف يستقى بالضرورة من قوانين الانتخاب الطبيعى والعيش للأصلح التى تأكد أن الطبيعة ‑فى كوكب الأرض على الأقل‑ قد اعتمدتها دونما أدنى حيود فى حقبة التسيير الذاتى لها التى دامت لقرابة أربعة بلايين كاملة من الأعوام . أيضا لا بد بالبديهى أن يكون للتجريد اليد العليا كلية ، ممثلا فى قوانين الرياضيات أنبل قوانين الكون قاطبة ( على الأقل لأنها لا تمت للإنسان بصلة ! ) ، وسوف يكون مثلا لتطبيقات المنطق التجريدى لها معول أساس فى الحكم على صحة أى نظام من عدمها . المؤكد فى جميع الأحوال وعلى أقل تقدير سوف نعتبر أى نظام سياسى أو اقتصادى لا ينسجم مع أى من قوانين الكون القاعدية فوق‑الإنسانية هو نظام قاصر .
الاستغلال الأمثل للموارد وتقليل الفواقد للحدود
الدنيا هى الهدف الغائى لكل نظام عالمى أو سياسى أو اقتصادى . وهى عينها
المشكلة يدور حولها الكثير من حقول الفيزياء ، وبالأخص علم الديناميات
الحرارية . الإجابة هنا سهلة وواضحة ولا تحتمل اللبس : كلما كبر
النظام كلما قلت فواقده . محطة القوى الحرارية العملاقة المشتغلة بالبخار
تكاد تصل للكغاءة المطلقة ، بينما الفواقد فى محرك السيارة أكثر من الشغل
المستفاد منه . السبب هو العملقة ، أو بلغة الاقتصاد التلافف conglomeration ، حيث يعاد استغلال كل الفواقد فى عمليات أخرى لا
حقا ، بحيث لا يخرج من مداخن المحطة سوى ثانى أكسيد كربون وبخار ماء شبه
نقية وشبه باردة . فى النظم البيولوچية المستعقدة sophisticated ، أو المتعضيات ، يعد التخصص قاعدة إجبارية للأعضاء ،
والأهم أن عضو التحكم والتفكير يجب أن يكون مركزيا وواحدا ، أى نسق مخ واحد
وعضلات متعددة ، والنتيجة بنية كفء عالية التكيف بل وتطورية أيضا .
نعم الاحتكار
جنة . ففيه بالمثل لا يوجد ذلك التضارب بين
الأعضاء ، ولن تضيع موارد الشركات فى الدعاية المسرفة التى ترفع أسعار
السلع فقط من أجل الدعاية لنفسها أو إقناع المستهلك بأن سلعتها أفضل من سلعة
الشركات المنافسة . ستختفى الفرص الضائعة والفواقد الناجمة عن الرضوح
للسياسات قصيرة النظر لقابضى الأسهم . سيوجة قطاع مهم من الموارد للبحث
والتنمية والتخطيط طويل المجرى . ناهيك أنها شركة ستصمم نفسها على نحو
تكاملى تماما داخليا وخارجيا بحيث يرى كل موارد العالم وأيضا كل أسواقه كوحدة
واحدة يمكن استغلالها الاستغلال الأقصى بلا فواقد . وهذا يتسق فى نفس الوقت
مع قانون فيزيائى قاعدى آخر هو قانون الطاقة الدنيا ، الذى يتجلى مثلا فى
ظاهرة سقوط الأجسام تحت تأثير الجاذبية ، أو فى ظاهرة التوتر السطحى
للموائع …إلخ . وهو بالطبع قانون يمتد لعالم البيولوچيا ، ومنه المثال
الشهير [ لعل أحدث كتاب يقدم مرافعة
مجيدة عن الحرية المطلقة للاحتكار وكونه يضبط نفسه تلقائيا أو ينهار نتيجه كسله
دونما حاجة لأى تدخل قانونى أو حكومى ، هو چون ستييل جوردون ’ بيزنس أميركا ‘ The Business of America 2001 . هذه مراجعة النيو
يورك تايمز له ومقابلتها
المثيرة مع مؤلفه ، المتفائل بأننا فى عصر يشهد بفضل التقنية
المعلوماتية والاتصالاتية وبفضل الجلوبة ، ازدهارة مشابهة لازدهارة
الاقتصاد البريطانى فى مطلع القرن التاسع عشر حين سبك بنچامين دزرائيلى كلمة
مليونير سنة 1827 ! ] . الإمپريالية - الديكتاتورية - الاحتكار
هذه الكلمات الثلاث تمثل من منظور هذا الموقع الشكل
الأمثل لإدارة شئون هذا الكوكب ، أو حتى أى نظام متعدد الكواكب قد يظهر
مستقبلا ، وإيماننا دائما أبدا هو الوصول بهدا لأقصى مدى ممكن . حتى
الفواصل بينها تكاد تكون معدومة عندنا ( لا تنس أن آخر وأعظم إمپراطورية
شهدها الكوكب ، لم تبدأ بجيوش نظامية محترفة لدولة أو قدرة
استعمارية ، إنما بقوات أمن لإحدى الشركات ، هذه التى كان اسمها شركة
الهند الشرقية . بل يجوز القول إنها الشركة ‑عندما لفتت نظر إليزابيث
الأولى‑ هى التى كبرت حتى تحولت فيما بعد لإمپريالية سادت
العالم ! ) . الكلام عن أجنحة الشمولية الثلاث ستجده شائعا فى
ثنايا صفحات هذا الموقع ( كلمة شمولية ليست تلك عينها المستخدمة لوصف النظم
الشيوعية . سمها مثلا شمولية طبيعية أو شمولية الاقتصاد الحر ، وسنعود
لاحقا لهذا ! ) . مثلا صفحة الجلوبة هذه سوف تهتم أكثر بطبيعة
الحال بمفهوم الإمپريالية . وربما شاركتها تأكيدا صفحة الليبرالية هذه ذات الاهتمام ( وبها كما تعلم
زاويتنا الكلاسية الأثيرة عن تجربة الچنرال
پينوتشيت فى تشيلى ) ، هذا طبعا بجانب اهتمامها المؤكد بإشكالية
الديكتاتورية ، وإن لم تكن هناك أية حدود فاصلة بين الصفحات بهذا
الصدد . [ أيضا انضمت صفحة الحضارة الجديدة بعد قليل لهذا التحليل
للقوانين القاعدية ، بالتركيز على القانون الثانى للديناميات الحرارية وأوجه
التمائل بينه وبين آليات نشأة واضمحلال الحضارات . والبديهى أننا حين نتحدث
عن الشمولية نقصد القرارات التى تتطلب معرفية عالية فى شئون كالتقنية والاقتصاد
والسياسة ، ولا نقصد بالمرة الحريات الشخصية ( الفردية ) أو ما
أسميناه للدقة فى صفحة الليبرالية
الحريات الحيوانية للإنسان ] .
يبقى السؤال التراچيدى الذى لا بد وأنه يعتمل فى
عقلك ، بعد كل هذا الكلام عن الحاجة لتركيز السلطات : كيف لا تنحرف الشمولية ؟ سؤال جيد ، لكن
لا يمكن أن تتوقع أن تكون الإجابة عليه التخلى عن الشمولية ، وما تقوله كتب
العلوم القاعدية عن حتميتها . مبدئيا ، المدهش والملغز معا ، أن تكتشف
أن الجميع تقريبا يوافق ‑وإن بطريقته الخاصة بالطبع‑ على السلطة
المطلقة بمقولاتها الشمولية totalitarian الثلاث الإمپريالية - الديكتاتورية - الاحتكار . يستوى فى هذا أقصى اليمين مع أقصى اليسار ، ويستوى القدامى مع
الجدد . الجميع بدءا من ستالين حتى پينوتشيت ، وبدءا من أرسطو حتى
[ رامسفيلد سكرتير دفاع 11 سپتمبر ] . فيم يكمن الفارق
إذن ؟ ولماذا فشلت الشيوعية ونجح النمور ، وكلها ديكتاتوريات سلطوية
تؤمن بأممية ما وبسلطة ديكتاتورية وبالشركات العملاقة . الإجابة تأتى أيضا
من القوانين الكونية ، بكلمة واحدة : داروين . هنا نصل للب الإشكالية : تنافسية آدم
سميث . إنها فى جوهرها مستقاة من القانون الطبيعى للانتخاب الطبيعى والنجاة
للإصلح …إلخ . إنها قيمة تقدمية عظمى لا جدال فى هذا . لكننا فقط نريد
لها أن تقف على قدميها لا على رأسها ، كما يشاء لها المحرفون ، ذلك
أنها لا بد وأن تكون : 1- مطلقة حقا كما أرادها لها ، لا تحايل أو
تأويل . 2- متناغمة بالضرورة مع ما عداها من قوانين الكون
القاعدية . الشيوعية أصابت عندما آمنت بالتخطيط المركزى
( عقل واحد وعضلات متعددة ) ، لكنها أخطأت عندما رفضت الوصول
بهذه الهاياراكية hierarchy لنتائجها الطبيعية وهى إطلاق الطبقية إلى آخر
مداها بدلا من محاولة كبتها . پينوتشيت
ديكتاتورى متسلط يداه مخضبة بالدماء ، لكنه لا يفعل هذا لحساب نفسه إنما
لحساب قانون التطور . هذا هو الفرق ، ولهذا فشلت الأولى ونجح
الثانى . نعم الشمولية شىء معقد الحسابات ، لذلك فهى
أيضا خطرة . وخطرها يكمن فى أنها تطبق بواسطة بشر ، ومن ثم عرضة ‑إن
لم تكن مغرية‑ دائما لإدخال متغير لئيم أنانى فردى أو ضيق ، يؤدى بها
الانحراف عن الأهداف الكونية شبه الميتافيزيائية الأصلية لها ، وهى تحقيق
وضمان نمو علمى‑تقنى‑اقتصادى مضطرد إلى ما لا نهاية . المشكلة
أن حتى آدم سميث عندما طرح الحل فقد كان حلا إنسانيا ومن ثم قاصرا أيضا ،
حتى وإن وعى بذكاء خارق وجود ’ يد خفية ‘ وراء هذا ، بل لعل كانت
هذه أول مصطلح بعد‑إنسانى فى التاريخ !
بقوانين الرياضيات عندما يكون لديك دالة متعددة
المتغيرات ( كالمثال البسيط فى متغيرين x = ay + bz ) ، فإنها كى تصل لقيمتها القصوى عند لحظة زمنية t ما ، لا يمكن لها أن تتجاهل أى من متغيراتها التابعة ، بل
ستكون النتيجة المثالية مزيجا تفاضليا يؤثر فيه كلا المتغيرين كل بقدر قوته
وأهميته . فى النظم الحرارية والبيولوچية توجد منظومة واحدة
متكاملة لا تعارض بينها . أو بكلمات آدم سميث ’ اليد الخفية ‘ invisible hand أيضا ، صحيح أن مواقف آدم سميث ضد الاحتكار لا
تحتمل اللبس ، لا سيما فى الفصل السابع من الكتاب الأول من ’ ثروة
الأمم ‘ أو غيره . لكننا لا يجب أن ننسى أن هذا مجرد اجتهاد أملته
الظروف الآنية المحيطة به ، حين كانت المنافسة فكرة غير واردة من الأصل
تقريبا . وأنه فى جميع الأحوال لم يكن يقصد بالمنافسة هدفا فى حد
ذاته ، إنما وسيلة للوصول بالمجتمع والاقتصاد للصالح العام . على أنه رغم كل هذا يجب القول إن المنافسة لم تكن يوما هدفا فى حد ذاتها . إنما وسيلة لغاية أخرى هى خلق الشركات التى تصل بالكفاءة
والأداء لحدودهما القصوى . حتى لو يكن هذا ما قصده آدم سميث بالضبط ،
عندما اتضح بعد ذلك أن على الشركات أن تكون كبيرة جدا حتى تحقق هذا الغرض .
فالمؤكد على الأقل أنها ‑أى المنافسة‑ أيضا لم تكن عنده غاية فى حد
ذاتها . والأكثر تأكيدا فى جميع الأحوال أنها ليست غاية ولا وسيلة لضمان
التعددية وتجميد الأوضاع ، أو حتى كما يقول قانون معاداة التواثق Anti-Trust الأميركى سئ السمعة نفسه ، فإن هدفه هو حماية المستهلك ،
وليس حماية المنافسين . أيضا رغم كل ما سلف ذكره ، لا يجب أن نقبل أن
يقلل من تقديسنا لمبدئية فكرة المنافسة فى حد ذاتها التى بشر بها ، بل
علينا المناداة بإطلاقها لحدودها القصوى . وأن نضع فى الاعتبار أن الاحتكار
هو النتيجة الغائية المنطقية ليس فقط لقوانين البيولوچيا والديناميات
الحرارية ، إنما لفكرة المنافسة الدارونية جدا نفسها هذه . بهذا المعنى يمكن القول إن المنافسة تكاد تكون
قانونا مطلقا ، لأنه يشمل من بين ما يشمل حق بطش الشركة الأكبر بمنافساتها
الأصغر ومحوها من الوجود ، وبالمثل بالضبط حق الشركات الأصغر فى تركيع
الشركة الاحتكارية إن تهاونت أو تقاعست . وعامة يمكن القول ‑وإن دون
جزم مطلق حيث لا سوابق يمكن الاستناد عليها‑ إن المنافسة وحدها تفضى
تلقائيا فى جميع الحالات ، لأفضل شكل ممكن للشركة الاحتكارية عالية الكفاءة
والأداء التى تنص عليها كتب الهندسة والاقتصاد . ذلك أنه كما تسمح المنافسة
بخلق الاحتكار ، لا بد وأن تسمح هى نفسها بسقوط هذا الاحتكار مهما كان
جبروته . ما نميل له أنها فى حد ذاتها كفيلة بهذا . وبالطبع آخر ما يتمناه المرء شركات احتكارية على الطريقة السوڤييتية ،
شركات لم تخلقها المنافسة ، ولا تصونها المنافسة المحتملة ( النظرية
على الأقل ) من التقاعس المحمى بسلطة دولة ذات أيديولوچية غير علمية .
قد يقول قائل لكن هذه
وحشية ، وما ذنب الضعفاء فى هذا الدغل . الرد ليس فقط أن لا شىء أكثر
وحشية من الطبيعة نفسها والتى لا شك لها حكمتها الجليلة من وراء هذا . إنما
أن الناس أنفسهم ، بمن فيهم البسطاء ومحدودى الموارد ، سيفكرون بطريقة
مختلفة وربما يأتون بإبداعات وأفكار خلاقة ، وسوف تنطلق منهم طاقات ربما لا
يتخيلونها هم فى أنفسهم قط ، هذا إذا ما وضعوا فى بيئة تنافسية حقيقية
تختلف عن مناخ الكسل الحالى المحيط بهم . بصياغة موجزة ، وفى كل الأحوال : دعاوى أنسنة التطور أو أيا ما كانت مسمياتها هى
دعوات رجعية تنظر للكسل وتؤدى للترهل والجمود والظلم . الشرط التى يجب
أن يفرض على المنافسة لا يجب أن يزيد عن شرط واحد : أن تكون بلا
شروط ! نعم ، لا شىء مرفوض فى مبدأ
المنافسة . المرفوض فقط فى الوضع الراهن ، هو عدم السماح بالوصول
لمرحلة الاحتكار فهذا علميا فاقد فى الموارد . بالعكس المطلوب إطلاق
المنافسة لأقصى حدودها سواء أفضت للاحتكار ، أو أفضت لسقوطه بعد ذلك . أو بكلمة أخرى : من لا يؤمن بالاحتكار لا يؤمن بالمنافسة ! على أن ليست هذه هى كل المشكلة . فالواقع أن
المنافسة الحقيقية والمستدامة ، ليست هدفا سهل المنال . فنحن فى عالم
يتلاعب به بسهولة الخطباء السياسيون الانتهازيون ، والإشاعات التليڤزيونية ،
والمقالات التحريضية …إلخ . من هنا على آدم سميث السعى الآن لإعادة إطلاق
جديدة لفكرته التنافسية التطورية الملهمة ، على الأقل بأن يحررها من تسليم
قيادها لقرارات الدهماء فى سوق الأسهم وصناديق الاقتراع وأعمدة الصحف ، ليس
لتشويه سمعة هذه الشركة أو تلك ، أو حتى لمناهضة الاحتكار كما
يقولون ، إنما للقضاء على الفكرة الرأسمالية نفسها ، وإلى القلب منها
مفهموم المنافسة .
هذا الصراع ’ الديموقراطى ‘ المفتوح ليس
منافسة حقة كما قد يبدو للوهلة الأولى ، إنما مصادرة على المنافسة ،
بإدخال عوامل أخرى غير المعايير العلمية والاقتصادية ، فى طليعتها نواقص
الإنسان . إنها لا تختلف شيئا عما حاوله المحرضون البلشفيون يوما ،
ويحاوله اليسار كل يوم ، من خلال التغرير بالدهماء . مجرد تحايل
واستغلال لفكرة المنافسة نفسها للالتفاف على أصيل فكرة المنافسة . إذا كان الإنسان العاطفى الفاقد
للموضوعية هو السبب فى المشكلة ، فالحل ليس التخلص من الشمولية والقبول بنظام
أقل كفاءة تسليما بأن هكذا هى الطبائع والحياة الإنسانية . البديل
واضح : إخراج الإنسان من أنشوطة القرار ، ومن ثم تصعيد فكرة المنافسة
بأن يعهد بهذا القرار لمستويات جديدة من الذكاء لا تنفعل ولا تفسد ولا
تنحرف . أو بقول آخر : لم يعد مقبولا بعد أن تظل اليد الخفية ،
خفية بعد . لسبب بسيط أنها غير كفء جدا كما تصور رائد الليبرالية
الكبير ! بعبارة أكثر تحديدا : الشركات وحدها هى التى يجب أن يكون لها حق
الانتخاب والترشيح والتصويت . هذا وحده هو الذى سيكفل رفاة المجتمعات
الواقعة الآن فى مهب الرياح العشوائية المسماة بالديموقراطية . الحكومة
كيان واجبه ‑وواجبه فقط‑ السهر على حراسة التنافس ، ويمنع
بالقوة كل محاولة لمصادرة الصراع والحراك كما ارتأته لنا أمنا الطبيعة .
هذا يعنى دورا مزدوجا لها ، تشجع العملقة وتحمى الحق فيها حتى لو وصلت
لمستوى الاحتكار . لكن فى المقابل لو كان هذا
الاحتكار نفسه مصادرة للتنافس ( كأن يستخدم أساليب البلطجة مثلا ) هنا
يأتى دورها . من هنا هناك فارق بين أن تصدر قوانين ضد التغول فى الممارسات
الاحتكارية وتعين آدم سميث حارسا لها ، أو أن تضع كارل ماركس حارسا
لها . كلاهما يرفض الاستبداد الاحتكارى ، لكن شتان بين
المنطلقين ، وإلا ما الفارق بين الاحتكار الذى تأتى به السوق الحرة
( وأيضا تستطيع أن تذهب به ) ، وبين الاحتكار الذى تحظى به
الشركات فى الاقتصاد الشيوعى ! هذا الخيط الرفيع بين الاحتكار
القسرى والاحتكار التنافسى ، عانت منه حتى أميركا نفسها ، وهى الأعلى
تنافسية بين كل دول العالم وكما أراد لها آباؤها المؤسسون من اللحظة الأولى . جاء ذلك من خلال
إساءة فهم الحكمة ’ الطبيعية ‘ من وراء مفهوم الاحتكار إن جاز
القول . طبعا مثال هذا كل شركة شركة أو سلعة أو خدمة امتلكتها أو أدارتها
يوما الحكومة الأميركية ، بل وخارج نطاق امتلاك الحكومة لأى أدوات
إنتاج ، حدث هذا اللبس أحيانا كثيرة فى حقل القطاع الخصوصى نفسه .
القصة الشهيرة جدا ربما ‑كما فى كل الدنيا‑ هى شركات الطيران .
فى الأربعينيات قامت پان أميركان بمحاولة لاستصدار قانون يعطيها حق احتكار النقل
الجوى الخارجى على حساب منافستها تى دبليو إيه . الحجة بدت صحيحة للوهلة
الأولى وهى أن الاحتكار جنة وكل شركات الطيران فى بقية العالم
( أوروپا ) احتكارية لأنها لا يمكن من منظور اقتصادى بحت أن تتوافر
على afford كلفة المنافسة ،
فالمصروفات والاستثمارات هائلة والسوق محدودة بحيث لا يمكن تقسيمها بين
شركتين . لكن ببساطة ليس هذا هو نوع الاحتكار الذى نقصده . هذا نموذج
لمحاولة فرض الاحتكار بقوة القانون ، فرضه بأداة غير تنافسية هى
الدولة . وفى الواقع لم يكن يختلف عما كان يفعله ستالين فى نفس الوقت فى
الضفة الأخرى للجلوب ! [ قدمت هذه
القصة لاحقا على نحو سينمائى أخاذ فى فيلم مارتين سكورسيزى ’ الطيار ‘
( 2004 ) ، انظر هنا ] . الحرية المطلقة هى حرية
المنافسة ، وقمع بعض الحريات من أجل حماية المنافسة ، أو سمها
ديكتاتورية الحرية لو شئت ، هو وحده السبيل لتحقيق تلك الحرية
المطلقة ، أو بعبارة أخرى : ديكتاتورية المنافسة هى النظام الصحيح
الوحيد للاقتصاد ! إذن : كما هو واضح هذه إشكالية حساسة ودقيقة ، وتتطلب أعلى قدر
من البصيرة والمسئولية فى تحديد متى يتغول الاحتكار ومتى يتغول الآخرون
ضده . ونزعم أن الحل الغائى لها لا يمكن أن يكون إنسانيا ، إنه ينتمى
كلية تقريبا لحقل …
نكتب هذا لأننا نعتقد أن الفكر العالمى يمر حاليا بمرحلة
من التشوش ربما لم يسبق لها نظير . إلا أنه فى نفس الوقت يلوح فى الأفق
مستقبل أكثر نضجا وتبلورا مع قدوم الرئيس الجمهورى الجديد وطاقم مساعديه الرهيب
فيما انجلى حتى الآن . فى هذه اللحظة التى ربما تكون مفصلية فى تاريخ ما
يسمى الترتيب العالمى الجديد ، انتهت الحرب الباردة قبل عشر سنوات وأجلت
ولاية الديموقراطيين فى أميركا ترجمة اندحار الشيوعية لمكتسبات حقيقية على أرض
الواقع ، بل تركت العالم سائبا متسيبا تحت شعارات مثل عالم ديموقراطى
وأصوات متعددة وقيادة جماعية …إلى آخر هذا الهراء ، الذى يتناقض مع أبسط
الأساسيات التى ذكرناها أعلاه . بل إنها فى عهد كلينتون‑أولبرايت
العجيب ، فقدت حتى البوصلة فى تحديد ما هو تقدمى وما هو رجعى ، كأن
ناصرت شيوعى فاسد ووضيع مثل نيلسون مانديلا على تفكيك النظام الاقتصادى
الرأسمالى الوحيد الناجح القوى والمتقدم فى كل القارة الأفريقية ، وكأن
ناهضت الشيوعيين والقوميين الصرب ، بمساندة الإسلاميين وهم أكثر ضراوة فى
تخلفهم ومعاداتهم للغرب ، بل الأسوأ أنه يساندهم فى الشيشان ضد روسيا التى
لم تعد شيوعية أصلا ! إنها كارثة فادحة بكل معنى الكلمة ، ولا يمكن
لأى أحد تخيل ما قد تصل له لعواقب وخيمة ، إذا لم تعدل عنها الولاية
الجديدة فى البيت الأبيض . ( انظر فى ذات هذه المسألة المدخل الرئيس لصفحة الاقتصاد التى كتبت تقريبا
بالتزامن مع هذه ) .
أنت تعرف الفارق بين أمة
وأخرى ، بالنظر لما تفعله صبيحة اليوم التالى لتوقيع المعاهدات —ميثاق
الأمم المتحدة مثلا . نحن العرب نفرح بتوقيع المعاهدات ونراها نصرا وتقنينا
ستاتيا للمستقبل ، ولا زلنا نعتبر قرارات التقسيم واللاجئين و242 …إلخ
أشياء لا تزال على قيد الحياة حتى اليوم . هناك أمم أخرى تراها فى الصباح
التالى تقنينا للماضى لا أكثر . وتشتغل بجد من هذه الصبيحة نفسها من أجل
خلق واقع دينامى جديد يفرض شرعية دولية جديدة بعد حين ، تمليها هى ولا
يمليها عليها أحد . لو لم تفعل أميركا هذا بكل الجدية والاجتهاد منذ 1945
لما كانت الآن فى موقف يسمح لها بتحدى قانون يالتا 1945 ( أو حسب دكتور
كيسينچر قانون پاريس 1919 حين قدم ويدرو ويلسون مبادئه الأربعة عشر
الشهيرة ، ويراها كيسينچر الأساس للترتيب العالمى World Order الحالى [ هذا ما كتبه فى فى
’ الدپلوماسية ‘ 1994 ، لكن عاد فى كتابه التالى ’ هل تحتاج
أميركا سياسة خارجية ‘ 2001 وحاول البحث عن جذور مبكرة فى سلام ڤيستيفاليا
Peace of Westphalia
1648 ، طبعا دون أن يوحى للحظة
واحدة أن هذه الحقيقة تمنحه عراقة تاريخية أو أصالة أو شىء ذو قيمة أكثر من
قيمته الوقتية ، ومن أنه بات أبعد ما يكون عن التعبير عن حقائق عالم
اليوم . فقط حاول معى تخيل أننا نشتغل بترتيب عالمى يعتمد على أيديولوچية
عمرها ثلاثة قرون ونصف ! ] ) . حاليا أميركا فى موقف يسمح لها ‑بل
يفرض عليها‑ إملاء الإمپراطورية الجديدة للقرن الحادى والعشرين .
إمپراطورية لا تكتفى فقط برعاية الاقتصاد العالمى الذى بلغ ثلاثين تريليونا من
الدولارات ، بل تطلقه لآفاق ازدهار غير مسبوقة . بدلا من هذا وذاك هى
تتركه الآن نهبا للقرصنة والابتزاز والارهاب والتهديد من كل من هب ودب من الشعوب
الفاشلة التى حدث وكان لها ذات الأصوات المتساوية فى منظمة الأمم المعدمة
اليالتية الاشتراكية المتحدة ( المعروفة اختصارا باسم الأمم المتحدة ) . رغم هذه الحقيقة البديهية البسيطة ،
فإن الصورة المحورية كما نراها الآن ، أن أصبح العالم معمعة يعبث فيها كل من
هب ودب ما شاء له باسم السيادة والاستقلال . المهزلة أصبحت فادحة والحضارة
كلها باتت فى خطر ، ووقوف أميركا مكتوفة اليدين ‑إن لم يكن قصيرة
النظر أو متواطئة كما خلال الحقبة الكلينتونية‑ هو الكارثة عينها . هنرى كيسينچر كتب فى الفصل الأول
من ’ الدپلوماسية ‘ يقول إن لأعظم جزء من البشرية ، ولأطول فترات
من التاريخ ، كانت الإمپراطورية هى القالب النمطى للحكومة ( نص
الاقتباس صدرنا به الصفحة ) . نحن نقول الحرص الأكاديمى أكثر مما يجب
فى هذه الصياغة ، وأن كل التاريخ المكتوب هو تاريخ إمپراطوريات ،
الاستثناء الوحيد هو فقط السنوات التسع الأخيرة منذ سقوط الإمپراطورية السوڤييتية !
العالم القديم عالم القبائل
البدائية كان أشبه بمجموعة من الكائنات المفردة وحيدة الخلية لا تفاعل يذكر فيما
بينها . أما وضع العالم كما عرفناه فى القرون الأخيرة ، عالم الدول
الصغيرة والأحزاب الصغيرة والشركات الصغيرة ، أشبه بكائن طحلبى متعدد
الخلايا لكن بدائى لا تخصص فيه . الآن حان وقت التحول لمتعضية كبيرة الحجم
مستعقدة ومتخصصة الأعضاء . مطلوب تحديد العضو القائد الذى يمثل
العقل ، رؤية واحدة صوت واحد ، حكومة مركزية واحدة جيش واحد ، فى
مقابل أعضاء شاغلة منتجة محلية . شركات عملاقة باتساع العالم ، شركة
واحدة لكل تخصص ، إن لم يكن شركة واحدة لجميع التخصصات ( أو كما قلنا يوما
فى هذه الصفحة أو ما أصبح اسمها حاليا صفحة الثقافة ،
بات لدينا بالفعل الجهاز العصبى المركزى للكوكب‑المتعضية ممثلا فى شبكات
الاتصال الحاسوبية جلوبية الاتساع وما شابهها ، وأصبح لدينا الجهاز الدورى
الذى يضخ أوكسچين الثروة بين قطاعات الاقتصاد العالمى بعضها البعض بلا قيود ولا
جمارك ، ويزيدها تكاملا على كل ما عليه من تكامل حتى الآن . ولا حاجة
فى كل هذا وذاك إلا لحسن استغلاله فيما يتضرع إلينا به ) . الطبيعة لم
تكتف بالكائنات وحيدة الخلية ، ولا بالكائنات متعددة الخلايا ، فلماذا
نتوقف نحن عند الأشكال البدائية للترتيب العالمى وللنظام السياسى وللنظام
الاقتصادى ؟ مفهوم الكوكب‑المتعضية هو تعريفنا للجلوبة ،
والمبرر الذى وجدت من أجله هذه الصفحة . …
أخيرا لا يتبقى
لنا سوى دفع واحد : بعد كل هذا الدفاع المجيد عن ثالوث الشمولية ، هل تبقى لنا من سبيل
يصنفنا بشىء غير كوننا أسوأ أعداء الحرية . ذلك الدفع يقول : بل نحن
أعظم أنصارها . الواقع نحن ندافع عن أبسط صور الحرية وأكثرها قاعدية ،
والتى ربما لهذا السبب لا يتحدث عها أحد . المنافسة قانون طبيعى
أزلى ، وباسم الإنسانية والاشتراكية حاولوا إلغاءه . لكنه يظل معبرا
عن واحدة من أكثر الحريات قاعدية . حرية أن تستحصل نتيجة جهدك وتميزك وهبات
الطبيعة لك . ونتحدى من يتهم الدفاع عن المنافسة باسم الحرية ، أن
يجادلنا بأن الدغل عالم غير حر . الديكتاتورية التى نتحدث عنها ، هى
بمصطلحات السياسة الديكتاتورية اليمينية . إنها الديكتاتورية التى تسهر على
إفعال الاقتصاد الحر ، وكل شىء حر ، وليس ديكتاتورية الحكم الشيوعى
التى تحمى الفشل والضعف وغثاء البشر والفكر . نعم ، نحن ندافع عن كينونة
متوحشة شرسة تقتل وتفتك بأعدائها ، لكن لا يجب أن ننسى للحظة أنها لا تفعل
ذلك إلا لكونها تحمى الحرية ممن يريدون مصادرتها ، ويريدون تأميم
الصراع ، هذا الذى جبلتنا عليه أمنا الطبيعة ، وصنع مسيرة تطورها
المذهل لبلايين من السنين . نعم ، على حراس الحرية الحقيقيين أن
يبطشوا بكل أعداء الحرية ، يسلبونهم حريتهم يكبتونها ويقمعونها ، إن
كان فى هذا تحرير لحرية أخرى أكثر عمومية وقاعدية وخدمة للتطور ، الحرية
الحقيقية . بل عليهم أن يبطشوا حتى بما يسمى بالديموقراطية لأنها فى الواقع
ليست إلا ديكتاتورية الغثاء mediocre
والسوقية والجهل ، وبداهة تميل تلقائيا لدفع اليسار
الاشتراكى للسلطة بهدف تأميم عملية التقدم تجميدا لها لحساب ما يسمى بالأغلبية
أى الجموع البائسة الفاشلة ضعيفة القدرات . الاحتكار هو الحق فى
العملقة . حرية أن لا يمنعك أحد من الكبر إن كنت حقا أفضل من غيرك وتستحق
ذلك . هو إفعال حرية السوق ومدها على استقامتها . هل هذا نفى
للحرية . كلا . العكس هو الصحيح ، فنحن نتحدث عن حرية
السوق ، وفقط عن سوق حر ، وليس احتكارا شيوعيا أو حكوميا ، بل
احتكار أفرزته بيئة عالية التنافسية ، هذه تحديدا هى التى ستوقفها عن
التغول أو الارتكان للكسل واللا ابتكار لو أرادت ، ذلك بأن ستسمح هى نفسها
بانهيار هذا الاحتكار لو حدث وظهر من هو أكفا منه وأعلى تنافسية . مرة أخرى
هنا تقع الوظيفة الوحيدة لما يسمى حكومة : السهر على رعاية الحريات ،
مجرد حكم بين الشركات فى تنافسها ، وقاطع طريق على من يقطعون الطريق عليها .
حتى الاشتراكيين المدافعين عن توسيع قاعدة الملكية ، فالمدهش أن هذا هو مما
يتيحه الشركة العملاقة ( الكوربة ) أكثر من أى نظام آخر . أما
أخلاقيا فليس من بعد أسفار پيتر دراكر الهائلة فى أن العملقة خير ، يعوز
أحد الدليل أن الكوربة هى أفضل إله ’ اصطناعى ‘ إن جاز التعبير ،
عرفه كوكبنا حتى الآن . ندافع عن الإمپريالية . هل هى قهر للشعوب ونهب
للثروات ؟ كلا . هى حق أن تتعملق وتتسيد الذى عرفه الدغل بحريته
المثالية المطلقة . ثانيا هى حرية التنافس القاعدية التى لا يجب أن يحدها
أى سقف . ثالثا هى حزمة هائلة من الحريات الفردية ، تبدأ جلوبة إنتاج
السلع بحيث يمكنك شراء أفضل سلعة بأرخص سعر ممكن دون أن يفرض عليك المنتجون
المحليون تخلفهم وبداءتهم ، وحتى جلوبة الفكر والحريات نفسها بحيث لا يفرض
عليك حكامك المحليون عقيدتهم وهويتهم ويحبسونك فيها ، بل تتيح لك أن يحكمك
أفضل فصيل ممكن من البشر هذا الذى وصل برؤيته لدرجة أن بات أقوى قدرة فى
العالم . باختصار : نحن مستعدون ، بل منادون باتخاد اشد المعايير
قسوة وصرامة ، إن كان هذا من أجل الحرية ، وفقط من أجل الحرية .
من حق بل من واجب الإنسان ، بل من واجب كل عشيرة حية ، إضفاء ما
استطاعت من العقل والمقاصدية والوعى على جواد الطبيعة الجامح ، لكن عليها
فى نفس الوقت أن تحميه من كل من يفهم أن لا فرق بين السيطرة عليه ( وتسمى
الحضارة ) وبين قتله ( ويسمى الجمهورية‑الديموقراطية‑الاشتراكية‑الإنسانية ) ! باختصار :
المذهل أن ذلك الثالوث الشمولى قد لا يكون فقط أعظم إفعال لقانون الحرية وأبهى
تحقق أسمى له ، بل لعله أيضا حارسها الحقيقى الوحيد ! …
إنها ‑أى هذه الصفحة‑ المكان الطبيعى
للإجابة على سؤال : وأين موقع
نظرية داروين فى مثل هذا العالم الشمولى ؟ عليها
تقديم تحليل أوفى لإشكالية التناقض بين الشمولية بأجنحتها الثلاثة المذكورة من
ناحية ، وبين مبدأ التنافس الدارونى من ناحية أخرى ، بينما كلاهما
مستمد من قوانين فيزيائية قاعدية للغاية ليس فى وسعنا التهوين من أى منها .
هذا يتطلب تحليلا للآليات الداخلية للجلوبة والنظم السياسية والشركات
الاحتكارية ، فى عصرنا عالى التقنية هذا ، وكيف أن العقل بعد‑الإنسانى الذى يحركها هو الضمانة المثلى ‑فى
المستقبل المنظور على الأقل‑ لتقدم مضطرد ، دونما حاجة لفواقد تشتت
الرأى ومنافسة ما تحت الحزام التى تضرب مفهوم المنافسة الحقة نفسه وغاياته
النبيلة . أو لعلها تترك للأيام أن تجلى على نحو أوضح ، بعض ملامح
آلية الانتخاب الطبيعى فى هذا العالم الواعى الموجه ، عالم ما بعد عصر
الطبيعة أوتوماتية التسيير البائد . وإن كان من غير العسير تخيل أنه قد
يتخذ ربما شكل بضعة أسطر من شفرة حاسوبية جيدة ! باختصار : الطبيعة نفسها شمولية ، لأن هذا أمر يتعلق بالكفاءة لا
أكثر ولا أقل . هذا ما نسعى له ، شمولية يفرزها التنافس الحر
والاقتصاد الحر ، شمولية لا يجمعها شبه يذكر مع الشموليات الشيوعية
التقليدية المبنية على معاندة قوانين الطبيعة . كما نأمل يوما فى تغطية الأبعاد الأكثر قاعدية لكل
ما أسميناه قوانين قاعدية أو كونية ، فى موقع خاص عنها اخترنا له عنوان nOusia.com .
[ طالع مؤقتا صفحته الرمز
الضيف مؤقتا على هذا الموقع ] . … مرة أخيرة ، الخلاصة التى تستشف من كل
هذا : نحن فى حاجة للسيادة
للدول وللديموقراطية الشعوب وللهلع من الحرية الاقتصادية فقط لأننا بشر .
كائنات قاصرة انفعالية حمقاء وجاهلة . لكن إلى أن يحين وقت وصولنا لمستوى
معين من النضج والمعرفة والتقنية يتجاوز الضعفات البشرية ، وقت تحكمنا فيه
مثلا عقول آلية أذكى من أن تحتاج لمبدأ المنافسة
( حتى هذه نشك فيها وهى على الأرجح لن تكرر غلطة الإنسان وتعتقد أنها
تستطيع تجاوز قوانين الطبيعة ) ، حتى يحدث أى من كل ذلك سيظل النظام
العالمى السياسى والاقتصادى الأمثل هو بكلمات ثلاث مختصرات : الإمپريالية - الديكتاتورية - الاحتكار … [ تحديث : 23 أپريل 2001 : بمناسبة
فوز چونيتشيرو كوئيزومى برئاسة الوزارة فى الياپان ، وجد الكاتب فرصة لحديث
شخصى أكثر تفصيلا عن منظوره لمفهوم ثالوث الإمپريالية - الديكتاتورية - الاحتكار . اقرأ بالأسفل ] . [ تحديث : أكتوبر 2001 : أليس
مثيرا للفضول أننا كنا ننهى تقريبا كل دراسة رئيسة لصفحات الرأى بنبوءة ما عن 11
سپتمبر 2001 ، أو شىء ما أسوأ منه ؟ ] . … هل تريد المساهمة ؟ ... يمكنك ذلك مباشرة من
خلال لوحة الرسائل إضافة أو قراءة أو بالكتابة عبر البريد الإليكترونى . الجديد :
23 أپريل
2001 : فى غضون أقل من 24 ساعة من اتفاقية كيبيك جاءت
أخبار جلوبية سعيدة أخرى من أقصى الشرق هذه المرة ، تتمثل فى بدء الياپان
مرحلة جديدة من التحول لليمين الحقيقى بعد أكثر من عقد من التخبط داخل الحزب
الحاكم نفسه ما بين الوسط وبين يمين ضعيف . فى مبارزة أقرب لصراع الأجيال ومؤشر لما ينتظر
الياپان من مستقبل عظيم تستحقه ، فاز المرشح ذو الجماهيرية الكاسحة فى
أوساط الشباب من الجنسين چونيتشيرو كوئيزومى برئاسة الحزب الليبرالى الحاكم
بأغلبية ساحقة ( 53 ضد 7 للوزير الأول السابق رايوتارو
هاشيموتو ) ، ورغم المعارضة البالغة من الزعماء التقليديين
للحزب . المعروف أن كوئيزومى يطرح سياسة ليبرالية راديكالية
لإصلاح الاقتصاد الياپانى ، أقله خصخصة آخر رموز ملكية الدولة ممثلة فى
مؤسسة البريد . وهذا الفوز يمثل أحد أعظم إنجازات اليمين العالمى الكبيرة
فى الشهور الأخيرة ، وذروة لتلك السلسلة المدهشة من الانتصارات فى كل من
أميركا وإسرائيل . والأهم أنه اقتصاديا هو البداية التى سبقت كل هؤلاء
جميعا ، من حيث إفعال منهج ليبرالى دارونى حقيقى يعتمد المنافسة المطلقة
منهاجا للاقتصاد الحر ، ويلغى كافة أشكال ودعاوى الحمائية البغيضة .
ولا شك أنه يبشر هكذا بحقبة كاملة من عالم جديد مقدام سرعان ما ستستشرى مبادئه
لتعم كل الاقتصاد العالمى بأسرع وقت ممكن .
[ تابع أخبار انتصارات
اليمين اللاحقة بالذات بعد أحداث 11 سپتمبر فى صفحة الليبرالية . أيضا اقرأ هنا
موجزا لزيارة الرئيس الأميركى للياپان فى فبراير 2002 ، حيث وصف كوئيزومى
بالمصلح العظيم ، فى واحدة من أعظم الشهادات التى ساندت كفاحه الهائل
للخروج بالاقتصاد الياپانى من ركوده الهائل الممتد لأكثر من عقد من
الزمان ] .
تحليل شخصى جدا : هذا الحدث الكبير الذى عم المدن الياپانية
اليوم ، حدث مثير لأبعد مدى لى على الصعيد الشخصى ، إن لم يكن أكبر
زلزال هزنى من الأعماق فى كل حياتى . يبدو هذا أمرا غريبا على الأسماع
عندما يصدر من كاتب مصرى ، لكن ها إليك بالتفاصيل . إن مشهد الشباب اليوم فى الشوارع الياپانية ، يرقص
ويغنى ويحتفل بحماس وشبابية لا يذكرنا إلا بالأحداث الشبابية الكبرى التى غيرت
التاريخ ، ولنقل مثلا مايو 1986 أو الوودستوك . فقط ثم فارق واحد أنه
هنا لا ينادى بالسلام أو المساواة أو كبح الشركات الكبرى ، بل فقط العكس
مائة وثمانون درجة ! إنه يتظاهر مطالبا بحرية الاقتصاد وتحرير
المنافسة ، وتفكيك الشركات المتعثرة وعدم محاولة انقاذها أو الإبقاء على
شغيلتها ، وهذا شىء يحدث لأول مرة فى تاريخ مجتمعاتنا المعاصرة .
هل كان يخطر ببال أحد أن يتظاهر
شباب الأرض يوما وبالملايين مناديا بإطلاق نسب البطالة ، وليس
محاربتها ؟ ! الإجابة : نعم ، أنا ! ( وإن من
قبيل الصدق : ليس بالضبط جدا ! ) . بالنسبة لمعظمنا على الأقل ،
هذا هراء لم يخطر ببال أحد بما فيه لا فى الأحلام ولا فى الكوابيس . كل ما
عرفناه من قبل من شباب إما أنه يسارى ينادى بالسلام والاشتراكية ويندد بمنظمة
التداول العالمية ، أما لو كان يمينيا فإنه يحلق رأسه ولا يعنيه سوى أن يصب
جام غضبه على إحدى الأقليات ، بل قد تكون أحيانا الأقلية الخطأ ،
كالكراهية ضد اليهود فى ألمانيا مثلا . اليمين ‑وكما سترى الآن هى
لكلمة طالما رادفت كلمة الثورة عندى‑ اليمين اليوم هو فقط المطالبة بحقك
فى التميز ، تأتى من شباب أهدر حقه فى هذا التميز بما يعادل قدراته ومواهبه
الفردية ، فى عالم غلبت عليه قوى اليسار والشعارات الإنسانية وغثاء mediocre …
الشعبوية تهمة يلصقها اليسار
باليمين عندما يجد الخطاب اليمينى صدى لدى عموم الناس . هذا لا يعدو فى الحقيقة أكثر من نوع من الإسقاط النفسى ( آلية
سيكيولوچية معروفة كأن يتهم صدام أو بشار مثلا أميركا أو إسرائيل بالجبن ،
أو طبعا عندما يتشاجر اثنان بالأيدى فى الشارع فيتهم الأضعف القوى بالجبن ليشجع
نفسه ، وهكذا تستخدم أيضا فى جميع الصفات وليس الجبن
فقط ! ) . الهدف أن يوهم اليسار نفسه بأنه ليس تحريضيا وأنه ليس
يسير على هوى الناس ، وأن لديه مشروعا ويتبع خطى علمية مدروسة …إلخ .
وقطعا لينين الذى يعد أكثر من ألصق هذه التهمة بخصومه ، لا يمكن أن يجاريه
أعظمهم فى عشر مهارته فى التحريض وإثارة الدهماء ! مع ذلك نقول إنه حتى لو وجد الخطاب اليمينى صدى لدى الناس ،
فإن هذا لا يؤشر بالضرورة لشىء جيد . الشعبوية هى تبنى لسياسات عاطفية غير
ذات رؤية متكاملة أو حتى غير متكاملة ، أى كما لو أن الشعب نفسه هو الذى
يحكم ، والساسة هم المنقادين . فالمفروض أن يتقبل الناس خطاب العلم
والتقنية وإملاءات عالم المستقبل كما هى ، لا كسم يجب أن يغلف
بالعسل . حتى اليوم كانت الياپان البلد
الوحيد فى العالم الذى لم يضطر فيه اليمين ‑الحاكم لعقود مستقرة‑
للجوء للتزيين أو التمويه على سياساته ، بأشياء من قبيل التدين أو المحافظة
الأخلاقية أو معارضة الهجرة كما يحدث فى كل الغرب . لكن ماذا لو أصبح
الخطاب الجماهيرى والخطاب العلمى شيئا واحدا متطابقا ؟ هذا لا يمكن أن يسمى
بأقل من ثورة . إن شباب الياپان صنع اليوم ’ شعبوية ‘ من نوع غير
مسبوق تاريخيا . لقد خلق بعقلانية مطلقة ونضج فكرى يكاد يستعصى على
التمثل ، ولأول مرة ، الصيغة الثورية الصحيحة . صيغة تنطلق من
قوانين داروين ، يحكمها منطق العلم ، وتعرف جيدا من يستحقون أن يتخلص
العالم منهم ! وحسب نبوءة صفحة الثقافة المذكورة ، فالخطوة المنطقية
التالية ، هى النظر قليلا لخارج الحدود ، حيث أعداد من يجب التخلص
منهم من أعداء الحضارة من شعوب
فاشلة مقرصنة قاطعة طريق ، هم ألاف الأضعاف ممن يجب التخلص منهم فى
الداخل ! … رغم كل شىء دعنى أقول إن ما رأيته اليوم ليس أكثر
من طيف أعرفه تماما داعب مخيلتى يوميا لمدة ربع قرن أو أكثر . الفارق
الوحيد أن كان اليوم لأول مرة حقيقة حية على شاشات التليڤزيون .
بالنسبة لى هذا الطيف ربما يكون كل
قصة حياتى . عندما كنت فى السابعة من عمرى كان البييتلز يهزون العالم
( تحية
لحسن الحظ أن كانت هذه نفسها بالضبط
’ أيام ‘ طه حسين
وكريستيآن بارنارد ونييل أرمسترونج ونادى روما أو حتى چيمس بوند ، ولم يكن صعبا جدا معرفة ما هى الأشياء السيئة التى تستأهل
الثورة . إنها بالضبط العكس مما كان يعاديه ماو تسى تونج فى تلك
الأيام . إن نظرة تمحيص واحدة للعالم تعرفك بأن كوكا كولا و’ غطرسة
القدرة ‘
فى البداية قرأت فلاسفة
الإغريق ، لا سيما ذلك المادى العظيم أرسطو ، وتعلمت كيف أكف عن القلق
وأحب الديكتاتورية . أو بالأحرى ‑وهو الوجه الآخر للعملة الأعظم
والأبقى‑ تعلمت كيف أكف عن القلق وأحب ما يكرهه الجميع . والبداية
على يديهم أن أصبحت أحب وأحترم القدرة والسلطة والقيادة وكلها أمور يكرهها
الجميع ، وأزدرى الديموقراطية والضعف والإنسان ، وكلها مما يحبه
ويبجله الجميع . الطريف أن دخلت هنا أفلام الخيال العلمى أيضا ، وبينما
أجمع معظمها إن لم يكن كلها على انتقاد شمولية المستقبل ، كان هذا المجتمع
المنظم الدقيق الذى لا يرضخ إلا لمنطق العلم ، والذى تدينه بغير سبب
مقنع ، مثار إلهاب لا حدود له للحلم بمستقبل بعد‑إنسانى حقيقى يتجاوز
مثالب حياتنا البائسة الحالية ( طيف واسع جدا يتراوح ما بين كلاسيات
كمتروپوليس إلى قطع عصرية جدا مثل بليد
رانر ، ومن قطع أستاذية مثل 2001
—أوديسا الفضاء إلى أشغال متوسطة مثل هروب لوجان ، يجمعه كله أن كان
عميق الأثر على ) . قرأت هيجيل
وإنجلز وماركس . من خلال هيجيل
تملكتنى استنارة ديناميات الدياليكت فأصبحت إيمانا مطلقا ولا زالت . من
خلال إنجلز
عرفت ببساطة ، علمنى كريستيآن بارنارد ونييل
أرمسترونج أن قوة الدفع الحضارى تكمن فى الياقات البيضاء ، أو عفوا الياقات
الفضية حتى لا يغضب الثانى ! [ رحل بارنارد طبيب جنوب أفريقيا العرقية
العظيم بعد كتابة هذا الكلام بشهور قليلة ، ومن ثم وجدت فى هذه المناسبة
الحزينة فرصة أخرى مفصلة بعض الشىء للحديث عن ذكريات
طفولتى عن الضجة التى عصفت بالعالم بفضل جراحته الشهيرة لنقل القلب سنة
1967 ، والتى اكتشفت بعد قليل أنها جعلتنى أحب شيئا آخرا كان يكرهه
الجميع : الفصل العرقى ] . بالمثل لم أجد فى فرويد
سببا واحدا يستأهل غضب الأصدقاء الماركسيين . إنه يصف لنا حقيقة الإنسان
عارية ، دون أن يزعم للحظة أنه يقدم علما . هذا ما جعله عالما عظيما
فى نظرى ، ناهيك عن علمانيته الموسوعية مقارنة حتى بعلمانية ماركس
الإجتماعية المحض ’ الدين أفيون الشعوب ‘ . حتى عدوهم اللدود سارتر
قرأته لعلمانيته الصلدة ، فوجدت أنه يسعى أيضا لنفس الحقيقة الشاملة ،
لكنه يراها فقط من أحد وجوهها ، وبما أن الجميع يفعلون نفس الشى فهو
بالتالى لا يقل عن أى آخر . ذلك الوجه هو طبعا ذاتية الإنسان أو
’ وجوديته ‘ ، وهو وجه صحيح فى حدوده ، حتى وإن لم يستند
لأى موضوعية ، والمبدع فيه أنه يصب بطريق عكسى فى النظرية المادية أى عدم قدرة
الإنسان على الرصد . وعلى أقل تقدير انحفرت للأبد فى ذهنى بعض من
كلماته ، كقوله إنك أنت الذى تختار الذهاب للكاهن أو للنكرانى لاستشارته فى
مشكلتك ! بالمناسبة
من خلال الأنثروپولوچيا وبالأخص چيمس فريزر صاحب ’ الغصن الذهبى ‘ و’ الفلكلور
فى العهد القديم ‘ ، على الأقل لأنهما كانا مترجمان للعربية يوم تفتحت
عيناى على القراءة ، توسعت المدارك بطريقة مثيرة للغاية ( للدقة
المترجم فقط النسخ الوجيزة بالطبع ، وتحديدا بدون النصف الثانى من الغصن
الذهبى ، وعندما اقترحت يوما ما فى منتصف التسعينيات على مسئول الهيئة
المصرية العامة للكتاب أيضا بالطبع كان دراوين هناك قبل وفوق الجميع ،
صاحبة الصفعة الكبرى الأولى للخيلاء الإنسانى ، والوحيدة العظمى بخلاف صفعة
فرويد أيضا بعد قليل . ولن أحدثك عن ’ أصل
العشائر ‘ فهو صعب وليس بالشىء المثير كما تتصور . وتوحدت أكثر
منه بمراحل مع كتابات هربرت سپنسر ، إنه المهندس الذى يبدو أن قصة
حياتى ، دونما قصد أو تخطيط ، تسير بالمسطرة والقلم على نفس خطى
حياته ، بما فيها العيوب والمغامرات وأخطاء الخوض فى مستقبل قد يبدو أبعد
مما يصح التأمل فيه . لا يوجد فى كل تاريخ الفكر من أشعر بالتوحد معه
والإحساس به قدر هذا الرجل ، لدرجة أن يخيل لى أحيانا أن الفكر قد توقف
بعده ، ولو كنت من المؤمنين بالخرافة لقلت على الفور إنه نوع من
التناسخ . جانب التوحد القدرى يسعدنى بقدر ما
يخيفنى بشدة ، وأفضل تمثله نوعا من الطموح والمثل الأعلى ، آملا فقط
من ورائه أن تدرك اجتهاداتى يوما بعضا من عظمة هذا المفكر العملاق .
عامة هذا يحتاج لحديث آخر مطول ، وككل هنا ليس
بالمجال للحديث عن هؤلاء العمالقة . لكن سأذكر فقط فيما يخص نظرية التطور
أنى فقدت فى طفولتى كتابا صغيرا من كتب ’ المكتبة الثقافية ‘ ذات
القرشين صدر فى أول يناير سنة 1964 ، بعنوان ’ قصة الحياة ونشأتها على
الأرض ‘ ثم سرعان ما خضت رحلة ممتعة فى المستقبل مع ’ صدمة
المستقبل ‘ . وكعادتى لا أقبل الشىء بسهولة ، لكن إذا ما
قبلته لا أتنكر له قط . هكذا ظل صدمة المستقبل ركنا فى عقلى ومنهجى ،
حتى بعد أن عرفت بعد عشر سنوات أن صاحبه اشتراكى حتى النخاع ، يبشر بنسخة
إليكترونية من الشيوعية يسميها ’ الموجة
الثالثة ‘ . الحقيقة كان كتاب توفلر أقرب للأيس كريم فائق السلاسة
يمكنك التهام ألف صفحة منه فى ليلة واحدة ، ذلك أن صدمة المستقبل الحقيقية
جاءت بعد شهور قليلة مع
من خلال ’ اضمحلال وسقوط
الإمپراطورية الرومانية ‘ لم أتعلم فقط حلا للغز البشرية الأكبر عن
ضمور الامپراطوريات وسقوطها ، والدور الكارثى للدين والعبيد وهجراتهم وفتور
قبضة المخ على العضلات فى الكائنات الحية ومنها الحضارات والدول والأمم ،
بل ذهلت من تلك الرؤى البسيطة والمفحمة عن ذلك الشىء العظيم الذى يكرهه الجميع : الإمپريالية ( لم يكن يستخدم له آنذاك ذلك المصطلح الوليد ‑أو
بالأحرى اللقيط‑ لقد اجتمعت قوانين الهندسة والديناميات الحرارية مع
حكايات التاريخ للمرة الأولى لتخرج بقانون سمه لو شئت حتمية الاستكتال أو التلافف conglomeration ، أو سمه نوعا من التطور evolution أو الاستعقاد sophistication الأفقى إذا ما قارنته
باستعقاد داروين الرأسى ( ثم لمحة عن هذا
فى صفحة الليبرالية ، لكننا نأمل أن
نغطيه بتعمق يوما فى مشروعنا الجديد nOusia.com ) . وأدركت
فجأة أن مارشال ماكلوان أحد أنبيائى المعتمدين ، لم يفعل إلا أن جاء متأخرا 2300 سنة
وهو يبشرنا بشىء اسمه القرية العالمية ! الأبعد أن لم تكن الجلوبة بيت القصيد ، بل أن
تغير موقفى من قراءة التاريخ ككل ، وكنت أعتبره قبلا شيئا مفتقدا كلية
للحداثة كما قراءة الفيزياء أو البيولوچيا مثلا ، فإذا به يصبح معينا لا
ينضب لفهم الأشياء ( على الأقل الأشياء التى نكرهها ، كعصور الظلام
مثلا . حتى وإن كانت الأنثروپولوچيا قد قامت بمعظم المهمة من قبل ،
فالمتعة هنا ذات مذاق مختلف ، كما أنه فى وقت لاحق تعلمت من كيسينچر كيف أن التاريخ ملك للتقدميين فقط من أبناء
اليوم ، وكنت أعتقد العكس قبل هذا . إنه سندهم وحجتهم بل وأملهم فى كل
ما يسعون ! ) .
ثم جاء پيتر دراكر
ومجتمعه
الجديد ، ليحسم نهائيا خيارات اليمين واليسار عندى . ومرة عاشرة وجدتنى أحب الشىء الذى يكرهه
الجميع : الشركات العملاقة عابرة القوميات . إن
ما كل تعلمته من علوم الهندسة والاقتصاد ، لا يمكن بالمرة أن يصب فى تيار
اليسار ، إنما ببساطة فى حقيقة أن العملقة خير ، والشركات الضخمة هى
الإله فى عصر أفول كل الآلهة ، هى الطريف الأوحد للارتفاع بكفاءة النظام
الثرمودينامى ، واستغلال كل ما يمكن أن يكون فواقد هذا النظام الصغير
وذاك ، لتصب كمدخلات ثمينة فى نظام واحد أكبر . أيضا هى فى النهاية
مجرد تظاهرة أخرى لقانون حتمية الاستكتال conglomeration ، أى نفس
ثرموديناميات الإمپريالية فقط مطبقة على البعد الاقتصادى . ومن هنا
بالمناسبة أصبحت استنفر من كل من يقول إن ’ الصغير
هو الجميل ‘ ( لا أعرف لماذا تذكرنى كلمة صغير بالبكتيريا
والأورام السرطانية ، أكثر مما تذكرنى مثلا بالرقاقات الميكرووية
الحديثة . ربما لأن الأخيرة تصنع من أجل بناء آلات أكثر
عملقة ! ) . لكن فى سيرة الكتب هذه لم يتبق سوى كتابان : Humankind لپيتر فارب أو ’ بنو
الإنسان ‘ ( فى ترجمة عالم المعرفة فى الكويت ) و’ الجيل الخامس للحاسوب ‘ لفايجينباوم وماككورديك
( والترجمة لى أنا فى هيئة الكتاب ) ، كى يمهدا لى ( ربما
مع بعض العون من كتب زوجتى الدراسية فى علم الفسيولوچيا ) قطع الميل الأخير
إلى ’ حضارة ما بعد‑الإنسان ‘ .
أنجزه فى أربعين
يوما من سنة 1989 ، ذلك ما بين 27 يوليو و4 سپتمبر حدث الأمر كما
المخزون الذى انطلق كالطوفان ليغطى الورق ، وأنا الذى اشتغلت عادة لسنوات وسنوات على كل
كتبى الأخرى ( الكتابة الفعلية تمت فى نحو الشهر ، إذا ما راعينا فترة
ثلاثة أو أربعة أيام للطباعة العاجلة بطريقة الماستر المستخدمة على نطاق واسع فى
الثقافة المضادة آنذاك ، والمفارقة أن أفكار الكتاب كانت من الأرستقراطية
بحيث بدت للكاتب أنها ثقافة مضادة للغاية لا يصلح له إلا أسلوب الطباعة هذا الذى
يستخدمه فقط كتاب أقصى اليسار ! ) . المهم أنه من خلال هذه
المائة وثلاثين صفحة أو نحوها ، حسمت انحيازاتى إلى الأبد : الإنسان بات العدو الأول للحضارة ، وها هنا
سوف أضع قبعة ثورتى . …
أعود مرة أخرى للكلام عن القدرية فى التشبهات
والتمثلات التى وجدتها أو استقيتها من سيرة هربرت سپنسر . كان من تلك
القدرية على الأقل ، أننى من تلقاء نفسى وجدت نفسى وقد تملكنى إيمان عميق
أن الهندسة هى أفضل طريق لتنظيم التفكير وإجلاء البصر والدقة فى تمثل
العالم ، أو ببساطة : أفضل
طريق للفلسفة . فقاومت كل الضغوط ، وتركت كل
ما كان يسمى فرصا أو كليات ’ مجاميع الدرجات ‘ العالية ، وذهبت
لتعلمها . وتعلمتها تحديدا فى مدينة غير مدينتى وكأنها مشروع أو مغامرة
استكشافية متكاملة ، رغم توافر إمكانة دراستها دونما ارتحال ( ربما
دخلت هنا أغانى البييتلز أو حتى قبل الخوض فى هذه العلاقة المركزية أقول إن الحديث
عن الآثار ’ الجانبية ‘ للهندسة لا ينتهى . منه مثلا أنها تعلمك
أن تعلى من شأن المهنية فوق
الأيديولوچية . هذا يقودك تلقائيا لأن لا وطن
للعلم ، لا للطب ولا للهندسة ، ولا للفلسفة ، ولا حتى للإعلام
الذى اشتغلت به فيما بعد . لو أنت صحفى أو تليڤزيونى مهنى بمعنى
الكلمة تحرص على المستوى التقانى للمادة التى تقدمها ، ستجد نفسك تهجر
تلقائيا أى هراء خطابى ، بل وستحدد الحجم النسبى الصحيح بين ما هو معلومة
وما هو رأى . حتى الحرب مهنة أكثر منها رأى ، ولا يغيب عن مخيلتى قط
المشهد الأخير من فيلم الغواصات الحربى من سنة 1957 ’ العدو بالأسفل ‘
Enemy Below ، حين أدى القائدان الأميركى والألمانى التحية العسكرية
لبعضهما البعض . إنها لحظة تنير لك فجأة أشياء كثيرة ، ولا تنساها
أبدا . فالجودة والمهنية لغة خاصة تسمو فوق كل اللغات وكل الأيديولوچيات
وكل الصراعات ، لا يتخاطب بها سوى من يرتقون لمستواها ، ولا يفهمها
حين يتخاطبون بها أحد سواهم . صنعت كتابين كدليلين للأفلام عامى 1987 و1998 ،
الجهد الساحق فيهما للمعلومات ، وأهون جهد هو للرأى . مع ذلك هذا
الأخير هو ما يثير الضجة والمعارك ، بينما لا يقيم أحد الجهد
الحقيقى . ولأن لا قيمة للمعلومات أصلا فى بلادنا المتخلفة ، ولا أحد
يعرف ماذا يفعل بها ، أجدنى أفرح بمن يجيد استخدام المعلومات فى هذه
الكتب ، ويعتصر كل الإمكانات الكامنة فيها ، أكثر ممن يمتدحون مجرد
هذا الرأى أو ذاك . فى كل الأحوال كانت القيم الهندسية هناك دائما ،
الملاذ النفسى الذى يعطيك الاعتزاز الذاتى بمهنيتك ، قدر اعتزازك
بآرائك ، ويؤملك أن تجد يوما فى المعسكر المضاد من يمكن أن تؤدى له ويؤدى
لك التحية العسكرية ! دائما أبدا اجتمعت الهندسة مع
الفلسفة ، بل لعلى لا أكون متفاخرا إن قلت أنى كنت أعلم البداية أنها أفضل
وسيلة للإمساك بالقوانين القاعدية ، ومن ثم هى الطريق الأمثل
للفلسفة . سرعان ما ذابت الفواصل بين الاثنتين على نحو لا شعورى ،
بحيث لا يمكن لى التحديد أين انتهت الهندسة وأين بدأت الفلسفة أو العكس .
هذا المزيج بات أقرب لنوع من ’ أسلوب الحياة ‘ ، أكثر من أن يمكن
‑لى شخصيا على الأقل‑ توصيفه بمواصفات محددة . المؤكد أيضا أنى اخترت ‑ولا أستطيع القول هذه المرة إنه عن لا
شعور‑ اخترت الهندسة الميكانيكية بالذات ، لأن كل الأشياء بها ملموسة
لليد والعين ، بما فى ذلك النظم والقوانين ، والأداء والكفاءة
المبهرين …إلخ ، هذا على الورق تماما كما فى مختبراتها التى كانت عصرية رائعة
على أيامنا . ببساطة كنت أبحث عن تجسيد حى لقوانين الفلسفة المجردة ،
وقد كان ، فكانت أروع مفاجأة فى حياتى . كل الإنسانيات كنت أجد لها
دوما نظيرا فى المنظومات الهندسية ، وكانت تلك النشوة القصوى فى
الحياة . سأعطيك مثالا : كنا نميز دوما بين أمرين الأول steady state condition والثانى transient conditions ، الأول يدرس
الحالة النهائية مثلا لسرعة جسم تحت تأثير مجموعة قوى معينة أو درجة الحرارة
النهائية لجسم ساخن ألقى فى إناء مملوء بالماء ، بينما الثانية تهتم
بالسرعات الوسيطة ودرجات الحرارة الوسيطة على امتداد محور الزمن . وكان
يدهشنى ويفزعنى أن كل المجادلات السياسية والاقتصادية والإنسانية تستغرق بالكامل
فى الوقتيات وتريد من خلالها الوصول للعموميات أو المستقبليات ، بينما كان
بإمكانى فى لحظة الإنباء بالمستقبل بسهولة ( أو بالعبارة العامية
’ نجيب م الآخر ! ‘ ، أو ما درجنا على تسميته فى هذا الموقع بـ ’ اسأل سؤال
المحتوى ! ‘ ) ، كالقول مثلا من يشتغل اليوم على الحوسبة
سيصبح هو الأكثر ثراء وقدرة بعد عشر سنوات ، دون كل هذا العناء فى مناقشة
تفاصيل الصراع بين الشيوعية والرأسمالية مثلا ( هذا مثلا مجرد تكرار لذات
النتيجة الأوحد لكتاب الجيل الخامس للحاسوب ، لكن من خلال التوصل لها عبر
أحد قوانين الانتقال الحرارى أو كيناتيات أيضا ستجد فى هذا الموقع الكثير من محاولات تطبيقات
الهندسة للوصول لرؤية فلسفية أشمل ، منه مثلا المدخل الرئيس لصفحة الحضارة والمستقى
بالكامل تقريبا من القانون الثانى للديناميات الحرارية ومفهوم الأنتروپى .
أو مثلا المدخل الرئيس لهذه الصفحة التى تقرأها الآن
نفسها ، والذى ينطلق فى جانب منه من أساسيات الديناميات الحرارية
والرياضيات ( وأحيانا البيولوچيا ، فالفكرة دوما أن ما يسمى العلوم
البحتة والتطبيقية هى المفتاح الأفضل لفهم ما يسمى بالعلوم
الإنسانية ) .
فى التسعينيات تحولت الطموحات على نحو طبيعى لتهتم
بظواهر أشمل كالحياة والحضارة ، أو للتأمل القوانين الأكثر قاعدية ودوامية
فى الطبيعة والكون ، وهل يمكن ربط كل الأشياء معا بمجموعة بسيطة من
القوانين . وأصبح شغلى الشاغل سؤال بسيط : ماذا تريد المادة ؟ كنت أعلم أن
أعظم العقول مثل أينستاين وڤون نيومان أنفقت العقود الأخيرة من عمرها فى
أسئلة من هذا النوع ، والأسوأ أنهم لم يحققوا نجاحا يذكر . نشأ السؤال
رغما عنى عند محاولتى تنقيح ’ حضارة
ما بعد‑الإنسان ‘ لإعداده لإصدار ثان . ساعتها فقط فهمت
لماذا أهدر أينستاين وڤون نيومان أعظم عقود عمريهما هباء . والإجابة
أنهما كانا مضطرين لهذا ! قررت ترك
’ حضارة ما بعد‑الإنسان ‘ كما هو نصا تاريخيا متجمدا ،
وأشرع فى كتاب جديد مستقل ، ربما لا يطمح لنفس
درجة صعوبة الأسئلة التى شغلت من هم أعظم وأجدر منى بالأسئلة الصعبة . كتاب
يحاول رصد القوانين القائمة أكثر منه اختراع قوانين غائبة ، أو يحلم بقانون
واحد شامل . ربما يظهر ككتاب ، أو وهو الأرجح ، سيظهر قريبا فى
صورة موقع صغير على الإنترنيت اخترت
له مبدئيا اسما مركبا من اليونانية القديمة nOusia.com ( بإيجاز تعنى
أن للمادة substance ،
أو باليونانية ousia ،
لها هى نفسها عقل أو روح nous ) ،
وربما يتطور طموحه لأشياء أخرى ، وطبعا : ربما لا يظهر على وجه الإطلاق !
[ بعد قليل أضيف مؤقتا كصفحة ضيف nOusia.htm على موقعنا هذا . كذلك تم إبراد النص
الكامل لكتاب حضارة ما بعد‑الإنسان ] .
المهم أن السؤال الذى ظل شاغلا دوما فى هذا المشروع هو ماذا تريد المادة . وحاولت
بالفعل الحصول على بعض الإجابات لهذه القوانين القاعدية التى أسميتها
ناوسيات .
بعبارة أوضح ، بملاحظة أن دائما ثمة طرف طبيعى
وآخر إنسانى ( أو لحد ما إنسانى ) ، فى كل ثنائيات الديالكتيك
تلك ، وأن الطرف الإنسانى هو الأضعف دائما ، أصبحت النطرية
الديالكتيكية نفسها على المحك من جديد . هل الديالكتيك ناوسيا ، أى
قانون طبيعى موجود قبل الإنسان وسيوجد بعده . للأسف بالفعل أغلب الأمثلة
التى تناقشها الأدبيات الماركسية تتعلق بالمجتمعات الإنسانية ، وتكون عادة
ديالكتيكا بين الطبيعة والإنسان ، أو صراعا بين قوى المجتمع الإنسانى
نفسه . هذه نقطة غائمة فى الماركسية كفلسفة هذه المرة ، وليس
كسياسة . ومن غير المستبعد أن هذا الميل لتغليب الطرف الأضعف فى ثنائيات
الجدل المذكورة ( أو بالأحرى عدم الاعتراف من الأصل بأن ثم طرف أضعف من
الآخر ) كانت النواة التى قادت للانحراف السياسى الكبير الذى غلب المشيئة
على الواقع والوعى على المادة ، فيما سمى بالشيوعية . الديالكتيك الإنسانى ذاك ليس مادية ، لأنه ما
لم يكن الديالكتيك قويا جدا فى العالم الطبيعى ، أى من قبل ومن بعد
الإنسان ، فهو لا شىء ! ( أو هو
شىء ، لكن فقط فى حدود كونه ظاهرة إنسانية لا أكثر ، جزء من تخبط هذا
الإنسان الدائم فى مسعاه للوصول للحقيقة والفهم ) . أو بصراحة أكثر : لطالما آمنت أن من ينادون بالوسطية هم ببساطة أناس فشلوا فى تحديد
أى من شيئين هو الصواب وأى هو الخطأ ! ربما مناظرة أينستاين‑بوهر الشهيرة [ عدت إليها لاحقا فى صفحة سينما ما بعد‑الإنسان ] ،
هى التى أوحت لى بالفكرة . الحقيقة موجودة هناك ، بغض النظر عن
استطعنا الوصول إليها أو لم نصل . هناك حل واحد هو الذى يعطى الكفاءة
القصوى ، ينطبق هذا على المجتمعات والاقتصادات كما ينطبق على المعادلات
الرياضية والنظم الثرمودينامية . حتى ثقافيا هل نحن فى حاجة لعالم متعدد
الثقافات أم لعالم ذى ثقافة وحيدة هى التى أثبتت أنها الأفضل والأكثر تطورا
ومجاراة للعصر ، ومن ثم علينا أن نذهب بالثقافات الباقية لمتاحف حفظ التراث
ونقصيها تماما بعيدا عن أسلوب حيواتنا اليومى . عدم القدرة على
الرصد ، أو على حسم الخيارات الصحيحة ، هى مشكلة إنسانية محض ،
لا أكثر ولا أقل . إذن المشروع النظرى يصبح هنا هو إثبات هل
الديالكتيك ذاك قائم أصلا فى العالم الطبيعى أم لا ؟ ديالكتيكا ماديا
حقيقيا ، وليس ديالكتيكا إنسانيا هيجليا أو حتى ماركسيا . الإجابة
للوهلة الأولى ليست صعبة ، فالجسيمات الجديدة تتوالد طوال الوقت بسبب
الظروف والصراعات وقصف الأشعة ، والنظائر المشعة تظهر فى عالمنا الملموس
دونما سوابق ، حتى الأنتروپى تؤشر لصراع هائل بين الوجود والعدم .
أيضا فى العالم البيولوچى بيئة + كائن حى تؤدى لتكيف ، والتكيف يؤدى لكائن
حى جديد ، وربما حتى لبيئة جديدة ، وهلم جرا . هذه قد تكون بداية
رؤية لديالكتيك حقيقى ومادى وليس إنسانيا أو مجتمعيا . حتى رغم هذه الإجابة السريعة ، سيظل السؤال
المحورى دوما ماذا تريد
المادة ؟
- أولا هل هى تتصرف هناك فى الكون البعيد أو فى التاريخ
الطبيعى القديم لكوكبنا على نحو ديالكتيكى ، أم أنها لها قوانينها الناوسية
الأكثر ’ وعيا ‘ بكثير من حياتنا الإنسانية القائمة على الصراع وعلى
التجربة والخطا . حاليا أنا [ كمؤشر هائل لمدى ما تسببه
أفكار هؤلاء الإنجليز القدامى وما بها من كمون هائل ، من فزع وتهديد
للبنيان الهش لفلسفات القرن العشرين ، وكمؤشر لإحساس كل الإنسانيين بأن فكر
هؤلاء لم يمت ، بل أشبه مارد وضعوه مؤقتا فى قمقم لكنه سينطلق من جديد يوما
ويلتهمهم لا محالة ، وصل الأمر لأن قرر أحدهم أخيرا
( ديسيمبر 2002 ) اختطاف سپنسر من الدارونية برمتها . ذهب به إلى
المدرسة المنفعية Utilitarianism ، مغرقة التمحور حول الإنسان
ومجتمعاته ، أو كأنه يجعله مجرد نسخة أخرى من چون ستووارت ميلل .
دليله هو بحوثه المطولة فى الشكل الأمثل للمجتمعات الإنسانية ، وكأن البحث
عن منفعة الإنسان ينفى تلقائيا عن الطبيعيين إيمانهم بحقيقة حقارته بالمعايير
الطبيعية أو الكونية ! السعى وراء اختطاف مفكر عظيم
كسپنسر بهذه الطريقة المفاجئة والمفجعة معا ، نراه بينة كبرى على مدى
الأزمة التى تعيشها الفلسفة المعاصرة التى تتعيش لأكثر من قرن حاليا من مجرد
الربت على حيوانها المدلل المدعو الإنسان . الموسوعة المهموز إليها لا يمكن
إنكار عظمتها ككل ، بالذات من حيث إعطاء الرياضيات والفيزياء دورا محوريا
فى الوصول للحقيقة الفلسفية ، ونأمل أن يكون هذا المنحى نواة لفلسفة القرن
الحادى والعشرين بعد‑الإنسانية
المنشودة . مع ذلك لا يزال ثمة كاتب آخر فيها
يشدد على تسمية هاكسلى بكلب داروين البولدوج . ذلك أن اختطافه مستحيل على
ما يبدو ! ] . - ثانيا ، وفى كل
الأحوال ، تظل قيمتنا نحن تأتى من معرفتنا بماذا تريد المادة ، ومن
قدر حماسنا وانحيازنا أو ’ رنيننا ‘ ( وليس
’ ديالكتيكنا ‘ لو شئت ! ) معها . …
وبعد ، فمن المدهش أن بدا لى بعد قليل أن تجمد
نص كتاب حضارة ما بعد‑الإنسان لم يكن فقط شيئا حتميا ، بل كان أمرا
طبيعيا .
إنه أشبه بالانتقال من بحث عالم
ما‑بعد الإنسان إلى عالم خارج‑الإنسان ، الأكثر نأيا
واتساعا ، يجول الطبيعة والكون بحثا عن قوانين أشد قاعدية وخلودا من كل ما
خلقه ذاك ’ الحيوان الثقافى ‘ المدعو الإنسان لنفسه من ألوهيات هى
بالأحرى مجرد أساطير مصدرها ضيق أفقه والمدى المحدود لرؤيته . طبعا نعلم أن
هذا مبحث هائل ، ولعله يفوق تأكيدا طاقة إنسان فرد . أقله مثلا أن لا
بد وأن يفضى من بين ما يجب أن يفضى ، إلى بنيان فلسفى متكامل ، حده
الأدنى على الأقل نظرية أخلاق بديلة غير إنسانية ( مع كل الاعتذار لكانت
صاحب فكرة أن الأخلاق تنبع من الطبيعة ( الإنسانية ! ) فى An Inquiry into the Distinctness of the Fundamental
Principles of Natural Theology and Morals سنة 1764 .
والذى ربما كان يقصده هيوم ( مسبقا ! ) حين قال ساخطا فى A Treatise of Human Nature سنة 1739 ،
عند هذه النقطة الكلام بدأ يقع على الأذن فيما يشبه
برنامجا سياسيا ما ، وربما يكون مكانه صفحة الليبرالية ،
أو على الأقل يعيدنا من جديد لكوئيزومى ، وشبابه مفرط الإيمان بقوانين
المادة والطبيعة ! … هكذا إذن مرت سنوات قل فيها تواتر زيارة أطياف
الثورة الشبابية اليمينية لى ، وذهب الذهن فى اتجاهات متكاثرة هنا
وهناك . لكن فجأة ودون سابق إنذار بالمرة تفجر كل ذلك الشاغل القديم من
جديد صباح اليوم . اليوم اندلعت حقا الشرارة الأولى هذه الثورة .
الأكثر إثارة تماما أن جاءت من حيث لم أحتسب . ثورة شوارع شبابية
محض ، نسخة بالضبط من حلمى الأصلى القديم . ولم تأت عبر سادات آخر
يحاول قلب توجه بلد بأن سار بالممحاة 180 درجة على خط الحاكم اليسارى السابق
عليه ، أو عبر كتاب آخر لكيسينچر عن ’ دپلوماسية ‘
القدرة ، أو محاضرة جديدة لبنيامين نيتانياهو عن مستقبل العالم ، كما كان جائزا لى
أن أتخيل فى الأعوام الأخيرة . الأسلوب نفسه كان مثيرا : فقط انتصرت على
طريقة مباريات الچودو : Koizumi wins! اقرأ المزيد عن المؤثرات الأخرى لا
سيما ما يخص النواحى العلمية والتقنية على طفولة كاتب هذا الموقع فى صفحة ما بعد‑الإنسان من خلال رثاء مطول
لكريستيآن بارنارد … كذا بها أيضا فى موقع آخر
ما يخص تأثير كتب پيتر دراكر … أما فى نفس صفحة الجلوبة هذه فستجد رواية
لتجربته خلال فترة التجنيد والتى يعتبرها ثرية مميزة وحتى أقرب لرحلة خيالية
( ! ) … وكذا فى صفحة هولليوود
المزيد عن فترة اشتغاله كمحرر فى جريدة العالم التى ملأها التفاؤل بمستقبلات
عربية جديدة ثقافية واقتصادية فى مطلع التسعينيات … أيضا ثم تحديث فى نوڤمبر
2002 فى صفحة ما بعد‑الإنسان
يثمن من جديد معدن الشباب الياپانى مقارنا بشباب مظاهرات الإسلام الأحمر عبر
العالم ، أو حتى بالشباب الأميركى الذى لا يعرف أين تقع العراق على
الخريطة ، ولا يهتم مثله بمشاهدة فيلم اسمه الذكاء الاصطناعى . 13 ديسيمبر 2001 : تاريخ ، تاريخ ، تاريخ : انهار اليوم أحد أركان الشرعية الدولية المتهالكة بالفعل :
معاهدة الحد من الأسلحة النووية ABM Treaty . أعلن الرئيس
الأميركى چورچ دبليو . بوش چونيور لا جديد للتعليق سوى تكرار
القول إنك تعرف الفارق بين أمة
وأخرى ، بالنظر لما تفعله صبيحة اليوم التالى لتوقيع المعاهدات . نحن
العرب المثال الصارخ الذى يفرح بتوقيع المعاهدات ويراها نصرا وتقنينا ستاتيا
للمستقبل ، بينما هناك أمم أخرى تراها فى الصباح التالى تقنينا للماضى لا
أكثر . وتشتغل بجد من هذه الصبيحة نفسها من أجل خلق واقع دينامى جديد يفرض
شرعية دولية جديدة بعد حين ، تمليها هى ولا يمليها عليها أحد . لو لم
تفعل أميركا هذا بكل الجدية والاجتهاد منذ 1945 لما كانت الآن فى موقف يسمح لها
صباح اليوم بتحدى قانون يالتا 1945 على هذا النحو السافر . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 24 مايو 2002 : أغلق
نهائيا اليوم ملف الصراع النووى بين روسيا وأميركا بتوقيع معاهدة جديدة تؤكد كم
أصبح هذا الصراع ثانويا ، بل وشكليا بعد الحادى عشر من سپتمبر . تابع
التفاصيل والمدلولات بالأسفل ] .
5 مارس 2002 :
اليوم
أقر الرئيس چورچ دبليو . بوش تعريفة على واردات
الصلب تصل إلى 30 0/0 . هنا توجد مشكلة : ها هى ولاية
الحزب الجمهورى المؤمنة كلية بالليبرالية الاقتصادية تخرق أبسط قاعدة فى
الليبرالية ، وهى المتعلقة بحرية التداول . نعم مشكلة ، والسبب فى الواقع هو ما تتحمله أميركا
من تكاليف لحفظ السلم والاستقرار العالمى ومكافحة التخلف الإسلامى وما
شابه . الحل المنطقى أن الحكومات
تفرض الضرائب بهدف تمويل الدفاع . هذا حقها ، والعالم الذى ينعم
بالأمن عليه أن يتحمل بالمثل نصيبه من تكلفة الجيش الأميركى .
الصواب إذن هو أن يفرض المركز ضريبة على
الأقاليم ، لا أن يخرق أبسط أسس الاقتصاد التفافا على ذلك الأمر .
( دع جانبا بالطبع الدور اللعين للديموقراطية فى إجبار چورچ بوش على اتخاذ
قرار يناقض أبسط قناعاته وما يناضل من أجله من سياسات اقتصادية ، ذلك فقط
تحسبا لانتخابات التجديد النصفى للكونجرس . وهذه كارثة أخرى تتطلب حلولا
أخرى أكثر جرأة وأيضا إيلاما ) . كل صفحات هذا الموقع بدءا من صفحة الثقافة الغابرة ، تطالب بإعادة كتابة
القانون الدولى ليعبر عن عالم ما بعد جورباتشوف ‑ناهيك عن عالم ما بعد
سپتمبر 2001‑ بدلا من التجمد عند عالم 1945 . والاقتراح الخاص بضريبة
الدفاع هو واحد من بديهيات هذا التغيير . وبعد ، بالنسبة لنا سيظل عيبا جسيما أن تلجأ أميركا لإجراء يخالف مبدأ المنافسة
المطلقة ، وعيبا أكثر جسامة أن يتمتع العالم بالأمن بينما تدفع أميركا
الفاتورة وحدها ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : 31 يوليو 2002 : منظمة
التداول العالمية حكمت اليوم ضد
ضريبة الرئيس بوش . … طبعا ! ] . [ تحديث : 22 أغسطس 2002 : الرئيس
بوش يتراجع اليوم
عن معظم ما فى قرار ضريبة الصلب . … برضه طبعا ! … فقط السؤال : متى
ستعلن ضريبة دفاع بسيطة ، سادة أو plain ، بالڤانيليا
وغير مغلفة بأية طبقات من الكريمة أو المكسرات ؟ بمناسبة الصلب مصر خسرت يوم 8 هذا
الشهر دعواها فى منظمة التداول العالمية ضد تركيا باتهامها بإغراق
الأسواق . اقرأ نص الحكم
فطبعا لم تشر له الصحف المصرية ! انت عارف ليه مصر بتخسر كل قضايا
الإغراق ؟ سبب من اتنين : إما لم يقرأوا اتفاقية الجات ، وإما
قرأوها وفشلوا فى تنفيذها فبيستعبطوا فى الرايحة والجاية ، على الطريقة
المصرية جدا إياها إللى أنت عارفها ! ] . [ تحديث : 30 أغسطس 2002 : منظمة
التداول العالمية … أكيد طبعا ! ويا خسارة
مصداقية الريادة الأميركية فى المناداة بحرية التداول ! … أظن مفيش داعى للف والدوران ، ولا مفر من أن
تستخدم أميركا بوضوح نفوذها وقوتها العسكرية ‑والنووية لو احتاج
الأمر ، فى إلغاء ما تبقى من يالتا ، وتعتقل كوفى أنان وتطرد منظمته
من نيو يورك ، وتعلن العالم دولة واحدة ، وتطالب بحقها فى ضرائب مقابل
ما تقدمه من خدمات أمنية أو أيا ما كانت للأقاليم . إلى أن يحدث هذا ويفهم
العالم أن يالتا عفى عليها الزمن ، سنظل فى هذا النوع من المماحكات المضللة
بل والمهينة ! ] . [ تحديث : 26 مارس 2003 : منظمة
التداول العالمية حكمت اليوم
[ تحديث : 4 ديسيمبر 2003 :
رفعت فعلا اليوم
تعريفة الصلب . أصدر الرئيس بوش هذا القرار العكسى بعد أن صدر حكم منظمة
التداول العالمية ببطلانها قبل
نحو الشهر . طبعا ما أرادته أميركا حققته ، وهو منح صناعة الصلب
مهلة هذا العام ونصف كى تلتقط أنفاسها وتعيد هيكلة نفسها . لكن بالنسبة لنا
لا يزال عيبا جسيما أن تلجأ أميركا
لإجراء يخالف مبدأ المنافسة المطلقة ، وعيبا أكثر جسامة أن يتمتع العالم
بالأمن بينما تدفع أميركا الفاتورة وحدها ! ] .
4 أپريل
2002 : اختبار للذاكرة : ماذا كانت البداية ؟ الإنترنيت
التى هى نفسها أحد مقومات نشأة هذا العالم الموحد ، كانت التظاهرة الأولى
للقانون الأميركى كقانون لكل العالم . فالكونجرس الأميركى كان الجهة
الوحيدة التى راحت تصدر القوانين على مدى التسعينيات لتنظيم الإنترنيت ،
بينما يفترض أن هذه الأخيرة كيان عالمى ’ يالتى ‘ بمعنى الكلمة .
تلا ذلك قوانين العقوبات التى فرضها الكونجرس على الشركات العالمية المتعاملة مع
ليبيا أو مع إيران ، وهذه أيضا كانت بداية أكثر تبلورا وصراحة لقوانين
’ محلية ‘ عابرة للحدود ، خالصة أى ليس بها شبهة إملاءات تقنية
كالإنترنيت مثلا . أما نورييجا على أهميته ورمزيته ، فقد نظر إليه
عادة كنوع من حالة محددة ومحدودة للتدخل العسكرى أكثر منه بسطا للقانون الأميركى
على بقية العالم . سؤال للمستقبل : هل يجب أن نترك يالتا بعصرها
السقيم ، الذى أفرز لكوكبنا قرابة 200 دولة ’ مستقلة ‘ ،
أغلبها مجرد قطاع طرق هنا وهناك ، حيا حتى يكمل سن التقاعد
’ الطبيعى ‘ للأشياء ، سن الستين ؟ الإجابة هى بقطع قطيع
لا . إنه أسوأ سمعة من أن يبقى حيا ولو ليوم واحد ، بعد كل ما أعاد به
كوكبنا قرونا للوراء . إن لم تعجبكم الإجابة ، فائتونا بستالين أحد
لاعبى يالتا الثلاث الأساسيين ، لنسأله رأيه فى شأن استمرار يالتا
اليوم ! إن لم تعرفوا مكانه ، فندلكم عليه : مزبلة
التاريخ ! اقرأ محتويات الدراسة …
اقرأ ملخص الدراسة
… اقرأ نص الدراسة
… اقرأ ملاحق
الدراسة … اكتب رأيك هنا
4 مايو 2002 :
مسلسل انصهار قانون يالتا الشهير باسم القانون
الدولى لا يزال مستمرا . اليوم نعم ، [ تحديث : 12 يونيو 2003 : طبقا
لفرنسا وألمانيا وسوريا الممتنعة عن التصويت ، فاستئثناء الأميركيين من
المثول أمام المحكمة الدولية ، لا يتحتاج قرارا خاصا من مجلس الأمن ،
فطالما هى غير موقعة عليها فهم مستثنون تلقائيا . هذا حق ومنطق جيد ،
لكن الأهم منه أن أميركا استصدرت هذا القرار اليوم
للعام الثانى على التوالى ، لسبب آخر تماما يعلمه ثلاثى اليسار المرح فى
المجلس ، ألا وهو ترسيخ مبدأ الطبقية فى الترتيب الدولى ، وأن أحدا لا
يجب أن يفكر فى وضع ’ حمارته جنب حمارة الباشكاتب ‘ ، إذا كان
يراد لهذا الترتيب أن يكون واقعيا وعمليا ، والأهم عادلا . موش كده
ولا إيه ؟ ] .
24 مايو 2002 : شهدت موسكو اليوم
توقيع ما بات يسمى اتفاقية موسكو للحد من الأسلحة النووية . منذ سقوط
الاتحاد السوڤييتى لم تكن هناك لحظة تقارب بين روسيا والغرب أكثر مما هى
الآن . بكلمة التفكير الپراجماتى هو أستاذ الموقف . فحوى الاتفاقية
نفسه ( خزن الأسلحة لا تدميرها ! ) لا يخلو من السخرية من أن كل
ما سبق من خلافات قبل وحتى انسحاب أميركا من معاهدة 1972 فى ديسيمبر
الماضى ، كان مجرد شكليات . بعد سپتمبر كل شىء هو شكليات باستثناء حشد
القوى للإجهاز على العدو المتربص للإجهاز على كل الحضارة ( هل تذكر كلمات وزير الخارجية إيڤانوڤ
التاريخية بعد 11 سپتمبر ، أو هل تذكر يوم 25 نوڤمبر ذا المشاهد
التاريخية المذهلة الثلاثة ، أو هل تذكر الكلام منذ يناير الماضى عن ما بعد‑الفاشية فى
أوروپا ؟ ) . الجوهر الحقيقى للمعاهدة هو المزيد من تأكيد انضمام
روسيا للحلف الحضارى العالمى . سوف يتدفق المزيد من الاستثمارات والمعونات
الغربية عليها ، وسوف تتخذ خطوات نحو انضمامها لمنظمة التداول
الدولى .
أيضا بعد أربعة أيام من الآن ستتخذ خطوة جديدة نحو
انضمامها لعضوية الحلف الأطلنطى ، وذلك بتدشين ما يسمى مجلس النيتو‑روسيا ،
فى مظاهرة كبرى فى العاصمة الإيطالية روما يحضرها كل قادة الحلف التسعة عشر زائد
ڤلاديمير پوتين [ اقرأ عن تفاصيل هذه القمة هنا ] .
عضوية روسيا المرحلية ستكون بدون ڤيتو ،
أى ليست كالعضوية الكاملة للباقين ، وقد يقال إن السبب هو أن روسيا لم
تترسخ بعد كاقتصاد حر متين ، أو إن بها حزبا شيوعيا قويا قد يقفز للسلطة فى
أية لحظة ، أو بل لعل من الجائز القول إن كل شىء مرتبط بشخصية الرئيس پوتين
وقبضته الحديدية ، والتى من الممكن أن تختفى لأى سبب فى أية لحظة .
لكل هذا لم يهتم پوتين كثيرا بشروط المعاهدة الجديدة للأسلحة النووية أو بشروط
العضوية المرحلية أو الدائمة . المهم
المحتوى : مزيد من تشكل وتماسك الحلف الحضارى العالمى للقضاء على الخطر
الإسلامى . روسيا جزء من الغرب ، ستتعاون معه
ولو بالصمت فى ضرب العراق ، وفى تحجيم الكمون النووى لإيران الذى طالما
اتهمت روسيا بدعمه . فى المقابل سيدعمها هو فى كفاحها ضد إسلاميى
الشيشان . الأهم تماما أن وتمدد النيتو ليشملها ، هو بالأحرى مجرد
خطوة لضم العضو الكبير الوحيد الباقى للحلف الحضارى العالمى أى الصين ، لا
سيما وأن ثم مجلس دفاعى بالفعل لشرق ووسط آسيا يضم من بين أعضائه روسيا والصين
معا ، وهو منذ زمن أكثر تحددا فى أهدافه من النيتو الهلامى : مكافحة
الخطر الإسلامى . هذا ما أنشئ من أجله أصلا . بل وإذا كانت روسيا قد
اختارت الليبرالية حسما منذ تولى پوتين
السلطة صبيحة أول أيام الألفية ، وإذا كان المهم المحتوى كما
أشرنا ، فربما يجوز القول بمعنى ما إن النيتو هو الذى سينضم لروسيا هذا
الأسبوع وليس العكس . اكتب رأيك هنا 12 يوليو
2002 : أيضا : مسلسل انصهار قانون يالتا الشهير باسم القانون الدولى
لا يزال مستمرا . اليوم نجحت أميركا فى تخليق أول ڤيروس قاتل من
الخدش ، أى فى المختبر من مواد كيميائية أولية غير حية بالمرة . هذا
حدث تاريخى عظيم يدحض أساس أساس جميع العقائد الدينية من أن الإله هو وحده
الخالق ( وإذا لم يكن الخالق أو شاركناه نحن فى هذه الوظيفة ، فما هى
فائدته أصلا ؟ ) ، أيضا لها تداعياتها الأخرى الطبية والعلمية
والاقتصادية والسياسية الخطيرة . كل هذا ناقشناه اليوم تفصيلا فى صفحة ما بعد‑الإنسان ، لكننا نسجله هنا
فقط على سبيل الإحالة ، ذلك أنه فى ذات الوقت حلقة جديدة فى مسلسل الخرق
الأميركى لما يسمى بالشرعية الدولية تلك التى بات واضحا للجميع أن عفا عليها
الزمن كلية . الاتفاقية التى يعتقد أن التجربة كانت خرقا صريحا لها هى
اتفاقية 1972 للحد من الأسلحة الجرثومية . اكتب رأيك هنا 6 أغسطس
2002 :
نكتب عن هذا فى صفحة الجلوبة ، وليس فى صفحة الإبادة
أو سپتمبر مثلا ، لأن أهم ما فى الموضوع أنه نموذج مثير لما نادينا به دوما
من أجل إخراج العالم من مستنقع يالتا الذى بات من العطن بحيث أصبح مفهوم استقلال
وسيادة الدول يكافئ فقط أن تكون دولا ناشز قاطعة طريق ، بينما الدول
المتقدمة والتنموية حقا ، لم تعد تعنى أصلا بما يسمى سيادتها
واستقلالها . الحضارة برمتها باتت فى خطر بسبب استمرارنا تحت مظلة
يالتا ، والحل الذى نقصده هو دوما قليل من الخيال كثير من الإرادة ،
وتحدثنا عنه مرارا لا سيما مثلا فيما يخص استخدام القنابل النووية الحديثة فى
حماية الحضارة . الملخص الذى قدم للپنتاجون عن السعودية لا يعدم هذا
القليل من الخيال الكثير من الإرادة . هو يريد أن تقوم ولاية الرئيس بوش بتصنيف السعوديين
’ كأعداء ‘ ، بل وأنهم ’ بذرة الشر ، والمحرك
الأولى ، والخصم الأشد خطرا ‘ فى الشرق الأوسط . ويقترح إعطاء
نظام الحكم فى السعودية مهلة نهائية لوقف كل الأنشطة الداعمة للإرهاب ،
وإلا سيتم احتلال منابع النفط ومصادرة الاستثمارات السعودية فى الولايات
المتحدة ، وبل ويعتبر أن إسقاط ريچيم صدام حسين فى العراق ، ما هو إلا
خطوة مرحلية أولى نحو حل ’ المشكلة الأكبر ‘ الممثلة فى السلوكيات
السعودية . قبل شهور قليلة كنا قد تابعنا قصة اقتراح قصف مكة نوويا ، لكن الأمر
يختلف هذه المرة . فالاقتراح الجديد ليس صادر عن قراء إحدى المجلات مهما كانت
سعة تمثيلها لما يعتمل داخل الرأى العمومى الأميركى ، إنما صادر من أعلى
مستويات صنع واقتراح القرار للأمن القومى الأميركى . وهو ليس رأيا عفويا أو
انفعاليا شعبيا ، بل هو دراسة ستراتيچية أكاديمية رفيعة المستوى ،
يفترض فيها أن تضع كل العوامل فى حسابها . والأسوأ من كل هذا أن صداه يتردد
على استحياء فى بعض تصريحات كبار المسئولين ، بما ينبئ عن بعض قناعات
حقيقية خفية به . وحسب الواشينجتون پوست فقد كان الصوت الوحيد من أعضاء
اللجنة البالغين نحو الدستتين ممن حضروا هذا الملخص ، والذى عارض فحوى
التقرير ، كان هنرى كيسينچر . أما البقية الكاسحة فقد هيمنت عليها
فكرة أن الطريق إلى كل الشرق الأوسط ( والسعودية جزء منه ) يبدأ من
بغداد ، وأنه سيكون ذات السيناريو الذى أعقب إسقاط نظامى ألمانيا والياپان
فى الحرب الثانية . حتى أحد أعضاء اللائحة ممن لم يحضروا المقابلة ،
وهو كينيث أديلمان ، وهو مساعد سابق لدونالد رامسفيلد ، أدلى علنا
برأيه قائلا إنه من الأخطاء الجسيمة اعتبار السعوديين أصدقاء لنا ، وأن
عداءهم لنا يزداد يوما بعد يوم . ومقال
الواشينجتون پوست المطول ، يذهب فى فقراته الأخيرة لحصر الكثير من
الآراء المشابهة التى ظهرت فى الشهور الأخيرة ، ويخلص فى عبارته
الأخيرة ، إلى طبول الحرب قد بدأت تدق فعلا ضد السعودية .
طبعا سيظهر عندنا من يصف موراوييتش الناصح السابق
لوزارة الدفاع الفرنسية ، بأنه صهيونى وعميل لليمين الإسرائيلى ، وأن
اليمين الإسرائيلى هو الذى يرسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، وسوف
نجد من يفتح الملفات ليذكرنا بما لدى هذا المخطط الستراتيچى من مواقف متشددة
سابقة ضد العرب والإسلام . لا بأس ، نحن حتى لا نرى أن رسم السياسة
الخارجية الأميركية بواسطة أكاديميى اليمين الإسرائيلى أمرا سيئا ، بل هو
أفضل كثيرا من رسمها بواسطة بيلل كلينتون وماديلين أولبرايت . لكننا سنهتم
فقط بتقييم مدى افتقاد كلا الطرفين لما يجب أن يكون عليه ذلك
’ القليل ‘ من الخيال ، إذا افترضنا أننا جميعا عربا وغربا متفقون
على أن الوقت قد حان لتفجير حقبة يالتا وكل ما تبقى منها . لكن قبل هذا نود
دحض الحجة الأساسية التى تستند لها معظم الكتابات ، وهى حجة مغرية
بالفعل ، لكنها ظاهرية جدا ، وتكاد تكون سخيفة بل وغير ذات دلالة
أصلا ، وهى كون معظم منفذى عمليات 11 سپتمبر سعوديون . ينسون أن
القائد كان مصريا ، كذلك لن نكرر الكلام نظريتنا التى كتبناها مساء 11
سپتمبر 2001 نفسه عن ’ اللمسة المصرية ‘ ،
بل سنقول إن ليس معنى وجود 15 سعوديا
من بين منفذى عمليات 11 سپتمبر ليس لأن السعوديين أوطد إيمانا من المصريين
مثلا ، إنما فقط لا غير لأنهم أثرياء ويدخلون أميركا بسهولة . إن
أميركا وليس أى أحد آخر ، هى التى تختار جلاديها بنفسها ، ذلك مع كل
تأشيرة دخول تمنحها لعربى أو مسلم [ فى 13
سپتمبر 2002 أعلن عن القبض فى الپاكستان على المدعو رمزى بن الشيبة ،
المختطف رقم 20 الذى يكمل إلى الخمسة المعتادة عدد مختطفى طائرة البيت الأبيض
التى سقطت فى پنسلڤينيا بفضل معركة الركاب مع المختطفين ، أو ربما
بفضل أن المختطفين أربعا فقط وليس خمسة . المدهش أن علم أنه فشل فى الحصول
على تأشيرة بسبب أنه يمنى ! ] .
أولا الخيال الأميركى ليس جيدا جدا . صحيح أن
انهيار صدام حسين هو المفتاح لامتلاك الشرق الأوسط ، لكن هذا لا يعنى
بالضرورة سلسلة غزوات . فالجميل فى هذه الفكرة أنها قد تأتى بأشياء رائعة
دون دفع سنت واحد لها ، بل أشياء ربما غير متوقعة تقع تلقائيا ولم يخطط
لها . ليست مجرد أن مصر أو السعودية أو الفلسطينيين سيتحولون لمناصرة
الحداثة ونبذ الشعارات ، بل إن أجمل
ما فى الحرب القادمة على العراق هو شق الصف الرفضى جغرافيا ، فتجد إيران
وسوريا كل منهما محاطة بنظم موالية للحضارة من كل جانب ، بعد أن كانا مع
العراق يشكلون كتلة رفض ونشاز هائلة موحدة جغرافيا . ساعتها لا يتوقع أحد
ماذا سيحدث لهذين الريچيمين البغيضين بعد أن يرى شعباهما مشاهد الشعب العراقى
وهى ترقص حول الدبابات الأميركية فى بغداد ! إنها نفس عبقرية إنشاء إسرائيل
كإسفين فصل الأقليات العربية فى أفريقيا عن بقية العرب ، فكان ‑أى هذا
الفصل‑ الحل الغائى لإشكالية الأمن القومى المصرى التاريخية ، هذا
الذى لم يعان فى كل تاريخه إلا من شىء واحد : الهمجية القادمة من الشرق
ممثلة أعراب آسيا من الهكسوس إلى الإسلام . ولا غرابة هنا أن جن جنون أعراب
مصر لقيام إسرائيل ، فاستولوا على الحكم فى مصر سنة 1952 لهدف محدد وحيد هو
محاربتها وإعادة وصل الامتداد الجغرافى لهم مع بطونهم الآسيوية . نعم سيرقصون للدبابات الأميركية ، ففى المرة
السابقة حرم الشعب الأفجانى منها ، فاكتفى بالرقص حول دبابات التحالف
الشمالى ، والتلويح لطائرات العم سام ‑هل تذكر تلك الصور . ( هل سيطيح الشعب اللبنانى بحكومته
العميلة ؟ هل ستجتاح إسرائيل دمشق آتية برقبة بشار المترنحة المغرية ،
التى تبات تحلم بها حاليا جميع حبال المشانق فى العالم ؟ هل سيفتك الطلبة
الإيرانيون بمرشد الثورة الإيرانية ويمثلون بجثته فى الشوارع ؟ هل لن يحدث
أى شىء ؟ لا أحد يعلم . ما نعلمه فقط أنه لو حدثت أشياء فستكون
إيجابية جدا تلقائية جدا ومجانية لحد كبير ) . ليس هذا فقط ، بل
طبعا سيكون وجود نصف مليون جندى أميركى على أرض العروبة لأول مرة ، وكون
الپترول يضخ هيستيريا وبالمجان للولايات المتحدة منها ، هما بداية لخريطة
ولواقع على الأرض ، جديدين بالكامل على تفكير جميع الأنظمة والشعوب العربية
بما فيها المسماة بالمعتدلة منها . وعليهم ( بفرض أنهم لا يزالون بعد
بشرا عقلاء ) ، أن يفكروا فى طرق جديدة تماما للانضمام لركب الحضارة
والاقتصاد العالميين ، وليس منه بالضرورة الأسلوب القديم بمجرد الخدمة
الپترولية ، وليس منها بالطبع اللعب على الحبال تارة بالقيام بدور المتحدث
الرسمى لدى العرب بلسان أميركا ، وتارة بدور الناصح الحكيم لهذه الأخيرة
بلسان ’ الشارع العربى ‘ وقوى الرفض والانتفاض العربية .
( بالمناسبة ، ضح الپترول هيستيريا وبالمجان لأميركا ليس بالضرورة
انطلاقا من مبدأ أن الأرض وثرواتها ملك لمن
يستعمرها ‑الكلمة فى العربية تعنى الإعمار بعد جهد‑ وهو مبدأ
صحيح وواجب النفاذ منذ لم يكن على وجه الأرض سوى البكتيريا ،
إنما على الأقل سدادا لفواتير الحرب الأميركية التى فرضها عليها وعلينا
كشعوب ، طابور ناصر - الأسد - صدام - القذافى - الخومينى
…إلخ ) . هذا خيال معتدل يحلم بتحقيق أهداف معتدلة .
لكن فكرة فصل منابع النفط عن منابع الدين فى المملكة العربية السعودية ،
فكرة تتحدث عن طموح أكبر كثيرا ، أقلها أنها تدخل ضمن نوعية إعادة رسم
الخرائط التى طالما تحدث بها المنظرون الستراتيچيون الطموحون بعد الحرب
الباردة ، ولم يجاريهم أولو الأمر كثيرا فى شأنها . والطموحات الأكبر
كثيرا تحتاج لخيال أكبر كثيرا ، وإلا باتت مجرد مغامرة قصيرة النظر تستثمر
موارد كبيرة من أجل هدف لا يستحق كل هذا العناء . نعم فكرة تقسيم السعودية
تبدو للوهلة الأولى فكرة جيدة وثورية ، لكن هل بالقدر الكافى حقا ليجعلها
تستحق التنفيذ ؟ مبدئيا ، إن آخر ما نحتاجه فى منطقتنا هو ريچيم جمهورى آخر يزيد
معاناتها معاناة . كى يكون هذا النظام حداثيا حقا
ويحكم شعوبا بتخلف الشعوب العربية ، لا يمكن بالطبع أن يكون ديموقراطيا كما
يميل خيال الأميركيين عادة ، بل يجب أن يكون كما علمنا التاريخ ديكتاتورية يمينية حداثية
ماضية العزم . والمفارقة أن مواصفات الحكم فى السعودية لا تختلف عن هذا
كثيرا . فهو نظام يؤمن منذ انفتاحه على العالم قبل أكثر من ستين سنة
بالحداثة والتحديث . ولقد تحدى كل جيرانه ’ الجمهوريين ‘
العرب ، فى ربط بلاده بعجلة الرأسمالية العالمية من أجل ذلك التحديث .
ولا أعتقد أن الأميركيين يصدقون حقا ما يقوله هؤلاء المعارضون الإسلاميون من أن
النظام فاسد وهش ومكروه ، بل وآيل للسقوط . فالصحيح كما نعلم جميعا هو
العكس من كل هذا بالضبط ، نظام منضبط ومحترم ومحبوب من شعبه بل وراسخ لأبعد
مدى . المشكلة لدى الأميركيين إذن هى أن ليس لديهم الخيال حقا ‑ومن
ثم الحكمة‑ فى اقتراح التغييرات الجذرية المطلوبة فى عالم ما بعد حقبة
يالتا . وأقل قدر من التفكير
يمكن أن يوصف بأن به بعض الخيال ، هو جعل المنطقة الشرقية الحالية للسعودية
ولاية أميركية تحمل رقم 51 ، ومن ثم طرد كل سكانها العرب منها . فهذا
هو الشىء الوحيد الذى سيمثل نقلة نوعية لها أفضل من وضعها الحالى ، وهو
الشىء الوحيد ذو ’ القليل من الخيال ‘ الذى ربما نقصده .
السعوديون ليسوا أعداء للحضارة ، والأمير عبد الله
ليس صداما ولا قذافى ولا أسد ولا خومينى آخر ، يؤدى إسقاطه لتغير الأمور
جذريا للأفضل ، بل العكس هو الصحيح . بل يلوح لى تساؤل أبعد
( وبملاحظة أن كاتب التقرير كان مستشارا للحكومة الفرنسية ولما لم يجد
لأفكاره إلا آذانا صماء ، رحل لأميركا ، ومن ثم كان الواجب أن نتوقع
منه شيئا أفضل ) : إذا
كانت عبارة بذرة الشر قد استخدمت لوصف السعودية ، فماذا تبقى فى المعجم
لوصف فرنسا ، أصل كل الثورات
ومبتدعة الأفكار اليسارية والجمهورية ، والتى لا يبدو حتى أن زلزال لو پان قد
حول ما يسمى باليمين الديجولى قيد أنملة نحو اليمين الحق كما منينا أنفسنا بالأحلام يوما ؟ وهى على
العكس فاعلة وناشطة للغاية فى رفض قيادة أميركا ‑ومن قبلها بريطانيا‑
للعالم ، ومن ثم تقود ’ انتفاضتها ‘ الخاصة لدعم كل مروق هنا
وهناك . إنها دولة ناشز بالفعل طيلة ربع الألفية الماضية ، وهى الأصل
لو شاء أحد استخدام هذا المصطلح ، كل هذا بينما تبدو السعودية لدى المقارنة
بلدا مسالما وعصريا للغاية ! كل ما هنالك أنهم
يقاومون تراثا هائلا يمتد قرونا طويلة من التخلف والتقاليد ، والأهم أنهم
أنجزوا فى ذلك ما يكاد يشبه المعجزات ، وأى متحضر أو حريص على مستقبل
الحضارة ، لا بد وأن يرعى مثل هذه التجربة بعين العطف والاحترام
والتأييد . ولو تعرفون العالم العربى حقا ، لأدركتم معنى كم هى عملة
نادرة أن يستيقظ شعب كل صباح ليجد نفسه أفضل من اليوم السابق ! ربما لم
ينجزوا كل شىء أو لم يتحركوا على كل الجبهات بعد ، أو ربما يفرض عليهم
ماضيهم بعض المواقف أو التساهلات . أو لعل أسوأ شىء آنى ، هو ما تحدثنا عنه قبل ثلاثة أيام فقط ،
موقفهم المتمنع ‑كما الكثيرين‑ بالنسبة لإسقاط صدام حسين ،
بينما كان المتوقع حماس بالغ ومشاركة إيجابية ومبدعة منهم فى المساعدة على تنظيف
المنطقة من قطاع الطرق . إنه موقف لا بد وأن يثير حفيظة أى مسئول
أميركى ، ويعتبر خذلانا وخيانة للحلف الحضارى بعيد المجرى الذى يفترض أن تعاهدتا
عليه أميركا والسعودية لعقود طويلة ، وربما هو السر الحقيقى للغضب وليس
أولئك الصبية الخمسة عشر . من هنا فعلينا فى المقابل أن نتوجه بكثير من ذات
حديث ’ القليل من الخيال ‘ للأخوة السعوديين . هؤلاء الذين نكن
لتجربتهم الحداثية كل الاحترام والحب ، بل والانبهار ، بمقارنة ما هم
فيه الآن بأيام كان الملك عبد العزيز يقابل كل أصدقائه من زعماء العالم خارج
بلاده التى لم تكن صحاريها وطرقها البدائية الوعرة تبدو جذابة جدا لعيون الأجانب
أو تصلح حتى لاستقبالهم بالطائرات ( لعل أشهرها
ما حدث أن التحديات باتت أصعب ، ولم يعد ممكنا
للسعودية الاكتفاء بدور بئر النفط المحاط بأسوار اجتماعية ودينية وتراثية
حديدية ، بل عليها الانخراط فى الحضارة العالمية بكل ما تعنيه الكلمة من
تبعات وأثمان ومنعرجات تاريخية . لم يعد ثم مجال للعزلة أو حتى التحكم فى إيقاع التحديث .
والتحديث المتواصل داخل المملكة العربية السعودية ، لا بد وأن يصطدم يوما
بلحظة الحقيقة ، ألا وهى الموقف من الدين . لا
يمكن الاستمرار فى وهم الجمع ’ الوسطى ‘ أو التصالحى بين
النقائض ، العلم والدين . التقنية ‑ناهيك عن الاختراع والإبداع‑
لها متطلباتها وشروطها ، والتحديث وصل لمداه الآن فى السعودية بحيث بات
عليه الآن اتخاذ موقف نوعى من قضية العلمنة . كى لا تقسم السعودية بين
منابع نفط ومنابع دين ، من الأفضل أن تقسم بين موقع أو موقعين دينيين لهما
احترامها ومكانتها التاريخية ، وبين مملكة كاملة ، دولة شاسعة الأطراف
حداثية بالكامل ، عصرية التشريعات متحررة السلوكيات الاجتماعية ،
تساير بقية العالم بكل ما تحتمله كلمة مسايرة من معانى . ولا أعتقد أن فى هذا أى ضرب من الخيال أو
الحلم ، ولو قرأت الكتابات اليومية العادية للمثقفين السعودييين ورؤساء
الصحف …إلخ ، لخرجت بانطباع مؤكد أن بلدهم هى أكثر البلاد العربية تأهلا
وقدرة على فهم هذا الانفتاح وتفهم ضروراته ، وأكثرهم استعدادا للقيام بمثل
تلك الثورة الثقافية ، ذلك دون الپارانويات المعتادة التى تأكل عقل وروح
جميع المثقفين العرب تقريبا . وأنت تفهم أنى أتحدث هنا عن قادة سياسيين وعن
مثقفين حقيقيين ، يفترض فيهم أنهم يعلمون أن الدين ما هو إلا هراء قصد منه
إلهاء الدهماء . كل من يزور السعودية هذا الصيف ، يتحدث عن
ثورة شبابية ‑فتيانا وفتيات‑ تعتمل تحت السطح ولا تخفى ملامحها فى
الشوارع . والواقع إنها ليست ثورة جنسية فقط ، وليست سباقات سيارات
انتحارية على طريقة أميركا الخمسينيات فقط تغض الشرطة الطرف عنها بالكامل ،
بل هى أيضا ثورة مراجعة عقائدية بذات القدر . وقد وصلتنى من أكثر من شخص
قصة الفتاة التى راحت تكشف عباءتها ملابسها المثيرة فى أحد شوارع الرياض ،
فاقترب منها أحد مسئولى السلوك الدينى قائلا ’ اتق الله يا
أختاه ‘ ، فما كان منها إلا أن سألته بسخرية ’ كم رقم
جواله ؟ ‘ ( المتدينون قبل شهور قليلة سمعت باندهاش الإجابة المندهشة والمدهشة
معا ، لأحد رؤساء تحرير الصحف السعودية ( وكلهم بالمناسبة الأكثر نضجا
بين نظرائهم العرب ربما بمن فيهم زملاؤهم الخليجيون ) ، على سؤال
لماذا تأخر تقنين نظام بطاقة الهوية للنساء كل هذا الوقت . إجابته
المستغربة كانت ببساطة ، أن أحدا
لم يقترح هذا ! السعوديون ليسوا فقط شعبا طيبا ومهذبا ، بل
شعب يدرك أن كثيرا من الشعوب غيره أكثر منه تقدما بكثير ، ومن ثم فهو يبجل
شيئا اسمه التقدم ( حتى الآن لا نزال لا نسمع منهم إلا كلمات الاحترام لمصر
والمصريين ، رغم أن لم يعد لها حاليا أى أساس واقعى يذكر ) .
الإسلاميون الحقيقيون قلة معزولة ، حتى لو كان بن لادن قد جند 15 أو حتى 15
ألف منهم للانتحار فى 11 سپتمبر الماضى ، أما سائر الشعب فليس لديه سوى
برنامج التحديث . لكن على الدولة أن تكون أكثر حزما ، وأكثر شفافية
ومواجهة للشعب فى التعبير والإعلان عن مشروعها الحداثى ، ناهيك بالطبع عن
أن الإيقاع المطلوب يجب أن يكون أعلى كثيرا من إيقاع ’ إن أحدا لم يقترح
هذا ‘ ! الشعب السعودى ‑شبابا يسمع ويقرأ عن التحديث ،
وكهولا يحترمونه لأنهم يعلمون مدى افتقاد بلادهم الطويل له‑ سيكون خير
معين لهذه الحداثة والتحديث . ساعتها سينقطع الطريق على المشاريع
’ الجمهورية ‘ التى يطرحها الأميركيون دون تدبر أو حتى خيال
كاف ، أو على الأقل دون أن يقولوا لنا ماذا سيكون عليه حال السعودية ’ الغربية ‘ الفقيرة
بلا مورد إلا الحج ، بعد فصل الشرق عنها ، أو ما هو موقفها من الإرهاب
…إلى آخر كل تلك القضايا والمخاوف . Think Big! ، نصيحة قالها ذات يوم ريتشارد نيكسون لمساعده هنرى
كيسينچر ، هى أشد ما نحتاجه جميعا اليوم ، أميركيون ،
سعوديون ، أو أيا ما كانت جنسياتنا ! اكتب رأيك هنا
[ تحديث :
15 أغسطس 2002 : الموضوع هذا ما ارتجت له وكالات الأنباء
بالأمس الأول . أما اليوم الأمير سعود الفيصل حاول بحنكته
الدپلوماسية امتصاص موجات الغضب المتلاحقة هذه ، قائلا إن ما يحدث فى أميركا من فصم لتحالف وثيق عمره سبعون
سنة عبر بنجاح تحديات مشتركة لا نهاية لها ، يعنى بالضبط تحقيق بن لادن لكل
أهدافه ، وأن لم يعد له أهدافا أخرى . مع ذلك
تظل الأمور مرشحة للمزيد خلال الأسابيع القادمة ، على الأقل جدا بسبب
التمنع السعودى عن دعم أميركا فى غزو العراق . ولا شك أن السعوديون فى سباق
مع الزمن ، إن لم يكونوا فى مفصل تاريخى ، عليهم الاختيار فيه ما بين
مواصلة مشوار الحداثة ، أو التشبث على العكس من كل العالم ‑باستثناء
إيران‑ بالماضى الدينى ، أو مثلا التشبث بما يسمى التزاما قوميا أو
حتى إنسانيا تجاه انتفاضة شعب باتت وبات معها سيئى السمعة لأبعد مدى . أيضا
لعل عليهم التوجه عن قرب لصانعى الرأى العمومى فى الإعلام الأميركى ‑وليس
فقط المسئولين الرسميين ممن بدأوا يفقدون بعضهم‑ لإقناعهم بأصالة وعمق
برنامجهم الحداثى ، وآفاقه المستقبلية ، وطبعا مصاعبه وتحدياته .
المشكلة الوحيدة فى كلام وزير الخارجية السعودى ، أن لا يكون السبب فى
النصر الحاسم لبن لادن ليس التحرشات الأميركية ‑هوجاء كانت أم صائبة‑
إنما كون السعودية نفسها اختارت الانكفاء على الذات ، وهو عينه جوهر
الأچندة اللادنية . تحديات اليوم شىء جسيم وتاريخى ، لكن حتى الآن لا
أعتقد أن لدى أى أحد إجابة عما سوف يحدث غدا ] . [ تحديث : 22 أغسطس 2002 : بالأمس
عممت الفاينانشيال
تايمز تحقيقا مفادة أن السعوديين سحبوا حتى الآن مائتى بليون دولار من
استثماراته داخل أميركا . اليوم فى حديثين للبى
بى سى ولقناة
الجزيرة نفى الأمير الوليد بن طلال بشدة أن يكون هو أو أحد ’ ممن
يعرفهم ‘ من المستثمرين قد فعل شيئا كهذا ، وأنه على العكس يضخ حاليا
مزيد من الاستثمارات فى السوق الأميركية . طبعا لا شك أن ’ من
يعرفهم ‘ هم كبار المستثمرين ، ومن ثم اطلقت على الفور أصوات التشكيك
تقول إن هؤلاء متورطون بأكبر مما يمكنهم الإنسحاب ، وأنهم سيؤول مصيرهم
للمصادرة ، إذا ما كان وزير الدفاع السعودى نفسه متهما أمام المحاكم
الأميركية . وطبعا الحنجوريون انطلقوا يهللون للنصر العربى العظيم بسحب
الأموال من أميركا وبشرونا بركوعها قريبا تحت أقدامنا . أما هؤلاء
المستثمرون الصغار والمتوسطين ومستشارى محافظهم ، لم يخفوا حقيقة أنهم
ارتعدوا من القضية المرفوعة ضد بنوكهم وأنها قد تنتهى بمصادرة موجوداتها فى
أميركا . لا أدرى لأى مدى أنا مصيب أم
مخطئ ، لكننى تمثلت موقف الأمير
الوليد بن طلال على أنه استجابة لتحدى المنعطفات التاريخية الذى تكلمنا
عنه . ببساطة وبحسم شجاع حقا هو اختار أميركا ، التى بنى ثروته فيها
ولم تأته الثروة إلا من سواها بما فيه بلدة الأصلى . سيمضى بمؤسساته المعاونة اليهودية المنصهرة بالكامل داخل الاقتصاد
الأميركى فى طريق لا يعرف العودة : طريق المستقبل . هذا لا يجب أن
يعفيه من أمرين : الأول أن يكف عن دعم الانتفاضة سيئة ومسيئة السمعة ،
وأن يعلن إبراء ذمته هذا بأعلى صوته . والثانى التزامه الوطنى تجاه
بلده ، بأن يتوجه لشرح بشرح أبعاد هذا المأزق التاريخى ، وأن حانت
لحظة العلمنة والتحديث الصريح والانخراط بلا تحفظات فى حضارة العالم الواحدة
الوحيدة التى لا تحتمل أيديولوچيات ولا قوميات ولا أديان . أيضا أولئك المهللين لا يعرفون
الكثير عن أن سحب الأموال من أميركا لن يضر أميركا ، إنما سيضر البلاطة
التى ستوضع تحتها أيا ما كان اسم هذه البلاطة . المشكلة لم تكن أبدا فى
التمويل ، بل فى الربح الذى يمكن أن يحققه . بالعكس ستنخفض معدلات
الفائدة عبر العالم بسبب هذه الوفرة الفجائية من الأموال ، وسيتجه الأذكياء
والكبار من المستثمرين لسد الفراغ فى السوق الأميركية إن وجد . ثانيا هم لا
يعرفون خلفيات اتهام الأمير سلطان ، ولعلنا سبق لنا وأن أشرنا فى حينه
لمقال ويلليام سافاير الذى
افترض فيه على عهدته الخاصة أن وزير الدفاع السعودى هو مصدر التسريبات المتشددة
التى حاولت إجهاض زيارة الأمير عبد الله الأخيرة لأميركا . وبغض النظر عن
مدى صحة هذا من عدمه ، فصورة الأمير الوليد وأمثاله من كبار
المستثمرين ، أنهم ليسوا متطرفين دينيين أو قوميين بل شبه بعيدون عن حقل
السياسة بالكامل ، ولا يطمحون لمناصب فى بلادهم ، هذا باستثناء بعض
التصريحات أو الدعم المادى للفلسطينيين ، وأغلبها كان لمرة واحدة أثناء
اجتياح الحرب السادسة مطلع هذا العام ( الحقيقة أن تصريحات
الوليد الكثيرة عن كيفية إصلاح بلاده ، تحمل نبرة اشتراكية قليلا ربما
متمثلا فى هذا مبادئ والده ! ) . هذا ليس بالمرة من قبيل
التطمين . بالعكس الموقف حرج للغاية ، الحملة هائلة ومخيفة ،
وأيضا لا تعدم الحقائق والأساس الموضوعى . وواشينجتون ستشهد إن آجلا أو
عاجلا قرارا يأتى بتغيير نوعى أو درامى نحو السعودية ، هذا ما لم تتدارك
الأخيرة الأمر بسرعة ، وتسقط كل تحفظاتها كبيرة كانت أو صغيرة على حقائق
الحلف الحضارى لعالم اليوم ، وتعلن انخراطها فيه دون قيد أو شرط . مرة
أخرى لا أحد يعلم ماذا سيحدث غدا ! [ تحديث : 27 أغسطس 2002 : صورة
فوتوجرافية معبرة للقاء الذى يعتقد أنه كان حميميا اليوم بين الرئيس بوش والأمير
بندر بن سلطان سفير السعودية للولايات المتحدة ، وضعناها فى صفحة الإبادة فى المكان الذى كنا قد تكلمنا
فيه إبان انتخاب بوش قبل نحو عشرين شهرا ، لأول مرة عن علاقة الصداقة بين
السفير وأسرة بوش ، ومن ثم عن سذاجة فهم الفلسطينيين لها ، أو شىء من
هذا القبيل . كلنا أمل أن بدأت صفحة جديدة من الشفافية
والمواجهة والقرارات الصعبة ، فكل عربى يعتز بالضرورة بتجربة النهضة
السعودية ، كأحد أعظم تجارب النهضة العربية فى العصر الحديث . ومن
المؤسف رؤيتها تتعثر أو تتوقف أو تخرج عن الطريق الرئيس السريع الذى اختارته
لنفسها ، ذلك على صخرة المؤسسة الدينية أو حفنة من المتطرفين . بصراحة ،
فى عالم عربى اختطفه الحنجوريون بالكامل سيكون سقوط السعودية نهاية التاريخ
العربى بكل معنى الكلمة ! ] . [ تحديث : 12 سپتمبر 2002 : للمرة
الثانية يكتب ويلليام سافاير عن الأسرة المالكة السعودية . اليوم استعرض
المزيد من ميول وأفكار أعضاء العائلة المختلفين . ثم حدد المشكلة فى اختيار
ولى العهد الجديد فى حال رحيل الملك فهد وتولى الأمير عبد الله . وفى
تقديره أن كل الصف الثانى معادى للحداثة ، والصف الثالث أغلبه مراوغ يخاطب
الغرب بلغة ويضمر لغة أخرى للتنفيذ . ويخلص لأن الأمر يحتاج لنوع ما من
الحسم من الملك الجديد الذى يصنفه ضمن أكثر المقرين بضرورة التحديث ، بل
ويرى أنه صراع جدى وقد يسفر عن صدام ما أيضا . ليس لنا رأى أو علم
محدد ، لكن المؤكد أن غزو العراق سوف يقلب للأفضل موازين كثيرة لم يحسب أحد
حسابها ] . [ تحديث : 24 نوڤمبر 2002 : أجهزة أمنية أميركية تتهم زوجة السفير السعودى بتمويل الإرهاب ،
وهى تهمة لا يمكن أن تكون مقصودة لحد ذاتها ، إنما وارءها ما وراءها .
ببساطة ، الإصرار الأميركى على علمنة السعودية ، باعتباره الحل الوحيد
الصحيح لظاهرة الإرهاب ، دخل منحنيا جديدا من الفهم والفعل سواء
بسواء . من أجل هذا بدأنا قصة جديدة فى صفحة سپتمبر ] . 14 أغسطس
2002 : الأمور تتطور على نحو مؤسف بين مصر
والولايات المتحدة . طبقا للواشينجتون
پوست ، قرر الرئيس چورچ دبليو . بوش العدول عن تبنيه لطلب مصر
الحصول على 180 مليون دولار معونة إضافية . السبب هو قضية سعد الدين
إبراهيم . عالجنا هذه القضية فى صفحة الليبرالية لدى صدور الحكم الأول فيها
فى مايو 2001 ، وقلنا إن جريمة الدكتور الحقيقية هى العبث بالشأن
الانتخابى ، بما يمكن أن يمنح الأخوان المسلمين مزيدا من المقاعد ،
سواء كان يقصد هذا أم لا ، وسواء أشارت إليه المحكمة أم لا . يبدو أن
الحكومة المصرية لم تحسن عرض قضيتها على هذا النحو أمام الأميركيين . أو
لعلها عرضتها ولم تقنعهم . أو لعلها لم تعرضها واستنتج الأميركيون أسبابهم الخاصة .
فى جميع الأحوال النتيجة واحدة أننا الآن فى مشكلة . تحدثنا من قبل عن معونة فبراير الماضى العاجلة
التى أقرها مؤتمر شرم الشيخ ، وكان تحليلنا أنها مرتبطة بالهجوم الأميركى
المزمع على العراق . الآن يبدو أن العراق أيضا وراء المشكلة والتمنع المصرى
عن المشاركة النشطة ، أو الاكتفاء بالمستوى الحالى من التأييد
الضمنى . لعل لهذا السبب أيضا عادت أميركا مطلع
هذا الشهر لإعادة فتح موضوع سحب قوات حفظ السلام الأميركية من سيناء .
وهى فكرة غطيناها لدى ولادتها فى أپريل قبل
الماضى خلال مقابلة بين بوش وشارون ، ويبدو أن لا يزال الضغط سيظل
يتجدد ويتجدد كلما كان مطلوبا من مصر القيام بشىء فى مقابل ما تحصل عليه من
معونات . الأسوأ وطبقا للواشينجتون
پوست أيضا هو رد فعل الخارجية المصرية على موضوع سعد الدين إبراهيم
والمعونة . قال الوزير أحمد ماهر إن مصر لا ترضخ أبدا للضغوط .
الحقيقة أننا منذ أيام عبد الناصر ، عندما نسمع مثل هذه الكلمة ، أصبحنا
نتوقع تلقائيا كارثة محدقة . نحن لا نريد لبلدنا أن تسد جوع شعبها الجرار
بالمعونات للأبد ، لكن ما شاهدناه أن
أدنى قدر من الإصلاح الاقتصادى الجدى ، هو أمر مرفوض شعبيا وحكوميا
معا . المعونات يجب أن يقابلها تقديم أشياء ما ، أو ما يسميه الإعلام
عندنا تنازلات . لا شىء مجانى ، وهذا شىء بديهى للغاية فى دنيا
السياسة ، فما بالك إذا كان الطرف الآخر يعطيك قرابة نصف دخلك كحكومة من
النقد الأجنبى . أيضا العالم كبار وصغار ، ويجب على الأخيرين أن
يسمعوا كلام الأوائل . هذا أيضا شىء بديهى للغاية فى دنيا السياسة ،
حتى لو كانت أكذوبة يالتا وسيادة الدول …إلخ ، كلمات لا تزال قائمة على
الورق . والحقيقة أن كل ما يخالف حقائق القوة لم يكن قائما يوما إلا على
الورق . [ تحديث : 16 أغسطس 2002 : ما
يستحق التنويه اليوم الموقف المخزى الهدف ليس حقوق الإنسان ولا حقوق
أية عشيرة بيولوچية أخرى . الهدف هو دفع حضارتنا التقنية للأمام . أو
كما قلنا : الاقتصاد أهم من البيئة ،
وكلاهما أهم من الإنسان . ونحيى چورچ دبليو . بوش ، ليس لأنه
يقطع المعونات عن مصر ، إنما لأنه يريد أصلا الإطاحة بصدام حسين ،
ولأنه يقدم المعونات للبرازيل
والأوروجواى ،
بينما يترك الاقتصاد الأرچنتين
ينهار ، ولأنه يدعم أوريبى كولومبيا
بلا حدود ، بينما لا يزال مصرا على انقلاب جديد ضد شاڤيز
هذا هو جوهر عالم ما بعد حقبة
يالتا ، لو كنتم تفقهون ! أم ستظلون على عماكم وغطرستكم تنكرون فكرة
التنافس المطلق ، وتولون من غطرسة وتعسف أميركا ، أو ضحك إسرائيل على
عقلها ( وبالمناسبة إسرائيل لا علاقة لها بالمرة بهذا الموضوع ، ومنذ
وقت طويل لم تعد تريد منا أى شىء ، وباتت تتصرف بكفاءة مطلقة مع
الفلسطينيين بمفردها ) ؟ الأسوأ : هل ستظلون لا تدرون أن دولة
’ البعد الاجتماعى ‘ المصونة التى طردت الجنزورى ورفضت الحلف
الإسرائيلى‑التركى ، هى دولة تقع إلى القلب من العالم الشيوعى لعصر
ما بعد انتهاء الشيوعية ؟ إذا كانت السعودية
التى لا تشبهنا فى يساريتنا فى شىء مطاردة أيضا من قبل أميركا ، فما بالك
إن كنا نشبه أكثر شاڤيز وموجابى . من البديهيات أن ذلك العالم الشيوعى
الناشز ( أو الاشتراكى الديموقراطى طبقا لاسم الدلع الجديد فى بعض
منه ) ، قد قرر چورچ دبليو . بوش أن لا سبيل للتعامل برحمة معه
بعد الآن . والسؤال : ألم يحن بعد موعد إرسال الرسائل الصحيحة ؟
أم سنظل كالعادة نفعل كل شىء بعد فوات الأوان . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 17 أغسطس 2002 : حكومة
السودان دخلت فى اللعبة ! الرئيس البشير صرح اليوم للوطن
القطرية ، أن حلايب أرض سودانية ، وأنه ستلاحق القضية فى مجلس
الأمن ولن تسكت . تسألنى من الأقوى مصر أم البشير ، أرد عليك بسؤال
أبسط : أميركا تقف وراء من ؟ عندما كانت أميركا تقف مع مصر ،
وكانت السودان تحت حكم إسلامى صريح ، كانت القاذفات المصرية تمرح فوق أراضى
السودان ، لا لاحتلال حلايب وما جاورها فقط ، بل لضرب معسكرات
التدريب ، وحتى هدم مشاريع السدود ، بينما لا تجرؤ حكومة السودان ولو
على مجرد إعلان هذا للصحف . اليوم حسب كلمات البشير للوطن اليوم أن لديه
’ قوة نافذة جدا جدا ‘ داخل أميركا . سواء كان يبلف أو مجرد
متفائل ساذج ، أو كان على حق ، فالمؤكد أم ما لدينا نحن هو للأسف مجرد
عمرو موسى جزء 2 ، فى وزارة
الخارجية ، ومن ثم لا يمكننا التنبؤ بما ستسفر عنه كل هذه المواجهات مع
أميركا . كل الشواهد تقول إن أميركا لا زالت عند كلمة كولين پاول بعيد 11 سپتمبر بساعات
’ من ليس معنا فهو مع الإرهاب ‘ . صحيح أنها لا تطلب صراحة من أحد ‑بما فى ذلك حلف الأطلنطى‑ أن يصبح
حليفا نشطا يدفع بقواته ضد صدام وإيران وهلم جرا . لكن الجميع يعلم أن هذا
هو ما تريده ، وأنها لن تتورع عن فتح أية ملفات للضغط على الجميع ،
مهما كانوا حلفاء الأمس ، سواء مصر أو السعودية أو أيا من كان . ببساطة نحن الذين جعلنا
من جرذان الأمس مستأسدى اليوم ، أحدهم أصبح يتخايل ويستعرض قواته علينا بعد
أن حظى برضا الأسد الأميركى ، بالتخلى عن الشريعة وعن
الجنوب معا ، وبملاحقة تنظيم القاعدة …إلخ . بينما نحن لا نزال نفكر بطريقة يالتا القديمة ،
ويملأ وزير خارجيتنا فمه بثقة مدهشة بالكلام عن السيادة ورفض الضغوط الخارجية
وتقسيم مياه النيل طبقا للاتفاقات الدولية …إلخ . بينما ببساطة لو نشأت
فعلا دولة تابعة لإسرائيل أو أميركا فى جنوب السودان ، لن تنفعنا ساعتها لا
الأمم المتحدة ولا ما نسميه مواثيقا وقوانينا وأعرافا دولية . أو بالأحرى
ساعتها لن نطال أبيض أو أسود كما يقول المصريين فى لغتهم العامية ، سواء فى
المياه أو غير المياه . هل تتخيلون أن المياه فى عصر ما بعد حقبة يالتا
يتقسم طبقا للسيادة على الأرض أو أعداد السكان تلك الطريقة الاشتراكية
القديمة ؟ قطعا لا ، إن المنافسة ستكون سيد الموقف ، وليست يالتا
الاشتراكية التى أفرزت 200 دولة قزم متساوية الحقوق مع القدرات العظمى . لن
يتساوى المنتج مع غير المنتج ، المبدأ لن يخرج عن مبدأ اقتصادى قديم جدا
اسمه الإدارة بالنتائج ، ومن ثم فالمياه ستقسم طبقا للناتج المحلى لكل
بلد ، أو بعبارة أكثر صراحة وأيضا عدالة : قوتها ! ] . [ تحديث لهذا التحديث الأخير فقط :
21 أكتوبر 2002 : هأ ، الجدع العبيط بتاع
’ القوة النافذة جدا جدا ‘ داخل أميركا أكيد نافوخه شايط
النهارده . الرئيس الأميركى وقع قانون جديد اسمه ’ سلام
السودان ‘ ، وصاحبنا كان فاكر إنه بشوية معلومات استخبارات بقى
صاحب أميركا وحبيبها وبياكل معاها ع الترابيزة . لغاية دلوقت الوحيد من شلة
جبهة الرفض إياها إللى غيرت جلدها وبتدى معلومات استخبارات ، هو إللى فهم
شوية الدنيا ماشية إزاى . أقصد الأخ صالح بتاع اليمن ، أما الأخ
البشير غلبان عقله على قده ، والأخ القذافى تور وهيفضل تور زى ما
هوه ! القانون الجديد يجبر الحكومة
السودانية على المضى بلا تقاعس فى إقرار السلام مع الجنوب ، الذى من
المفهوم كما قلنا إما أنه يؤدى لعلمنة كل السودان ، أو لاستقلال الجنوب فى
أضعف الحالات . أو فى المقابل سوف تتعرض لعقوبات صارمة . كذلك سيتم
بمقتضى القانون منح القوات الجنوبية 300 مليون دولار كدعم ! وسلم لى على
’ القوة النافذة جدا جدا ‘ . يا أخ البشير ، نصيحة من أخوك
الصغير : الحكاية موش حكاية
لوبى . الحكاية حكاية محتوى . ’ القوة
النافذة جدا جدا ‘ الوحيدة فى هذه الأرض ، هى القوة التى تطرح رؤية
مستقبلية حضارية شاملة اقتصادية وتقنية وثقافية للعالم . هذه وحدها القوة
الأولى بالاتباع من الجميع ، لأن رؤستها هى الأولى بالاتباع . أو على
بلاطة كده بنقصد اليهود وشوية أمريكان ، وبس ! يا ريت تروح تقرأ شوية زى ما قلنا
للأخ عرفات عن إيه هو العالم
المؤثر ، ولا نقول كمان ؟ ] . [ أيضا تحديث لاحق يخص الشأن
السودانى فى صفحة الإبادة
عن الاتفاقية التى فرضها كولين پاول وتكرس مص حكومة الخرطوم الإسلامية لدماء
سكان الجنوب ] .
[ تحديث : 26
أغسطس 2002 : إذا كان وزير خارجيتنا المصرى المصون
ثورا هائجا ، فمساعدته المسماة وزيرة الدولة للتعاون الخارجى ‑أو أيا
ما كان اسم وزارتها‑ خرقاء تافهة . اليوم قالت عبارة مضحكة : يا مدام ، هنرد عليكى رد مصرى
جدا جدا علشان تفهميه : انتى
عاوزة تحطى حمارتك جنب حمارة الباشكاتب ؟ إيش جاب
لجاب ؟ إسرائيل نصيب الفرد من الناتج الداجن الإجمالى فيها ، قد نصيبك
انت من ناتج بلدك 30 أو 40 مرة . إسرائيل بتصدر بكام ، بينما قطع
المعونات الأميركية عنك يعنى فقدان نصف الدخل من النقد الأجنبى ( بتسموها
العملة الصعبة وعندكم حق ) ، يعنى جوع أضعاف الجوع إللى احنا فيه
حاليا 100 مرة مثلا ! نظام إسرائيل الاقتصادى إيه ، وانتم بالعافية
وافقتم على خصخصة الشركات علشان تضحكوا على البنك الدولى وتاخدوا قروض ،
بينما الاقتصاد لا يزال هو الحكومة لم يفصل منها موظف واحد ولا تزال هى الزبون
الرئيس فى البلد ، اقتصاد اشتراكى مليون فى الميه زى ما هو ، تستخدمون
أموال بيع الشركات وتخلصكم من خسائرها فى تعزيز مسيرته وفلسفاته ‑أقصد
خيبته‑ القديمة دون أى تغيير بالمرة . إسرائيل هى إللى بتحط السياسة
الخارجية لأميركا ، موش علشان لوبى والكلام العبيط بتاعكم ، إنما لأن
’ اللوبى ‘ ده بيقترح الاقتراحات الصحيحة بعيدة النظر ويقتنع بها
الآخرين سريعا أو بطيئا ، أو ربما يموتون دون أن يفهمونها مثل حضرتك
يعنى . ثم تعالى هنا : كامپ ديڤيد إيه إللى انت جاى تقول عليه
( على رأى اللمبى ! ) .
هل مصر أخلصت فعلا لكامپ ديڤيد ؟ هل أقامت سلاما حقيقيا ؟ هل
دخلت الحلف الإسرائيلى‑التركى ؟ هل تبرأت من الانتفاضة السافلة
وحاربتها ؟ هل ستضرب بغداد بقنابل نووية أو حتى ببمب العيد ؟ هذا ما
فعلته وستفعله إسرائيل المتحضرة إللى بتقولى عاوزة المعاملة بالمثل معاها .
إن الانضمام لفلك الحضارة المعاصرة ‑وأقله القطيعة المطلقة مع الماضى
الناصرى‑ هى روح كامپ ديڤيد وما كانت تدور حوله أصلا ، وليست
أن نعود من جديد ابنا عاقا مع الاستمرار فى مطالبة ماما أميركا بالمصروف . بالبلدى أيضا علشان تفهميه : رجعت ريما لعادتها القديمة . كنا قد اعتقدنا بسذاجة أن صلتنا بالفلسطينيين انقطعت للأبد
يوم مينا هاوس ، فإذا بكم ، أو بالأحرى السلف الصالح العبقرى الكبير
الأستاذ عمرو موسى ، أعاد إحياءها ، وكأننا لا زلنا فى أيام عبد
الناصر وإذاعة صوت العرب . وها أنتم اليوم تقولون إنكم لا تريد من أميركا
أن تضرب بغداد لأنها لم تحل قضية فلسطين أولا ، وحتى لا يثور
’ الشارع ‘ عليكم ( هل أميركا هبلاء لهذه الدرجة ، وهى تعلم
أن هذا المسمى بالشارع هو صنيعتكم أنتم بالكامل ، وأن الناس على دين
حكامها ، أو قل تليڤزيوناتها ، هذا طبعا لو شئتم تمثيل دور
الحكام ولو مرة واحدة فى حياتكم ، ولا تكفون عن اللعب بالنار بترك
الإسلاميين يعبثون بعقول شعوبكم ! ) . والحقيقة أنكم تعرفون هذا
ولا تخشون حقا من ’ الشارع ‘ ، إنما تعنون وتخافون جديا من سابقة
أن يصبح من حق أميركا فصل وتعيين الحكام المحليين فى منطقتنا المنكوبة بقطاع
الطرق ، أو بالأحرى ‑ولعلكم عند مثل هذه النقطة تبدون أذكياء جدا على
غير العادة‑ حق إسرائيل فى تعيين الحكام المحليين فى منطقة فنائها
الخلفى ، والمقصود ليس صدام فقط بل كل من على رأسه بطحة . كل هذا
بينما أبسط قدر من الذكاء يقول إنك علشان تفلت من مصير صدام إنك تساعد أميركا
بحماس فى الإجهاز عليه وعلى أمثاله ، وتثبت إنك منتمى فعلا فكرا وروحا لقيم
التحضر . أما ما تفعلونه حاليا فهو أن اخترتم لنا نفس مصير صدام !
( ربما تصل المأساة السيريالية للنفاق العربى لأقصى مدى لها ، لو
أعلنت أميركا فجأة أنها نفضت أيديها من مسألة صدام ، وتركته بينكم
ولكم . ساعتها كنتم ستكيلون لها من الاتهامات ما لذ وطاب ، ثم تستجدونها
أن تفعل شيئا ضده ! ) . وأنا أشك كثيرا فيما يقال حاليا عن
تغييرات شابة وعصرية و’ مؤمنة بالجلوبة ‘ فى قيادات الحزب الوطنى فى
مؤتمره الوشيك ، هل هى شكلية على طريقة بيدى لا بيد عمرو مثل ياسر عرفات
الذى يضحك على ذقن أميركا حتى لا تطيح به ، أم هى شكلية على طريقة إصلاحات
يوسف بطرس غالى الاقتصادية حتى يضحك على ذقن صندوق النقد الدولى ويحصل على
القروض ؟ كل ما آمله من كل قلبى أن أكون مخطئا ! لطالما طالب
’ الشارع العربى ‘ بالإطاحة بحكام العرب . يبدو أخيرا أن أميركا
ستحقق له هذا الحلم . فقط هناك تعديل طفيف فى الخطة أن النظم الجديدة ستكون
من المتعلمين النابهين الأشداء وغير الفاسدين من ذوى الدماء الملكية أمثال حامد كرزائى ، موالين لأميركا وإسرائيل ولكل
الحضارة لا معادين لها ، أو حتى كاللاعبين على الحبال حاليا .
والمفارقة أن من الجائز أن يكون هذا مصدر سعادة مزدوجة للشارع العربى ! إن
جزءا من الفلكلور الاجتماعى والثقافى عند شعوبنا هو التمييز بين ما تسميه الأصيل
والخسيس ، واسألوا شفيق جلال إن كنتم لا تعلمون ! نعم هذه الشعوب
التى كنتم تعتقدون أنها ملك لإذاعة صوت العرب ، والتى الآن يعتقد
الإسلاميون أنهم اختطفوها كلية وللأبد ، هى عينها التى خرجت من حيث لم
يحتسب أحد وبالملايين لاستقبال نيكسون فى مدن وقرى مصر ، والتى خرجت
لاستقبال السادات ، أيضا بالملايين ومن حيث لم يحتسب أحد ، لدى عودته
من أول زيارة له للقدس . بصراحة :
إحساسى الشخصى أن كل الشعوب العربية تقف الآن على الحياد انتظارا
’ للعركة ‘ بين أميركا والريچيمات التى تحكمها ، وأنها ستلهب
أكفها بالتصفيق للفائز ، الذى نعرف كلنا من سيكون .
كمان بالمناسبة ، أنا موش
فاهم فلسطين إيه إللى انت جاى تقول عليه ( برضه ! ) .
سيدتى : الفلسطينيون وجبهة
الرفض العربى عامة كما جميع العرب والمسلمين يشتغلون بما يسمى مفهوم
البركة ، ولا يفكرون قبل أن يقدموا على أى شىء . المسألة بسيطة جدا
عندهم : يقولون إن طالما الله معنا فسننتصر ، ثم يتضح أن الله لا وجود
له أو هو مع اليهود ، ونبوء جميعا بالخراب . حتى مصر والسعودية ستصنف
قريبا كدول ناشز تأبى الانخراط فى مسيرة الحضارة العالمية ، والسبب
استسلامكم المهين للى الذراع من أصحاب الشعارات ( وآخره جدا ما يسمى بحملات
المقاطعة ، التى كنت أتخيلها تدميرا للاقتصاد القومى ، أى خيانة عظمى
تستوجب الإعدام ، وليس مباركة الصحف الرسمية ! ) . للأسف
الشديد يبدو أن العجلة دارت فى اتجاه لا ينفع فيه الندم ! اليوم جاءتنى رسالة بريد إليكترونى
|
| FIRST
| PREVIOUS | PART I | NEXT
| LATEST
|