|
|
|
الجلوبة ماضى ومستقبل العالم
( الجزء الرابع )
Globalization,
the Past and Future of the World
(Part IV)
)Site’s Oldest-Newest Page!)
| FIRST
| PREVIOUS
| PART IV | NEXT | LATEST |
NEW: [Last Minor or Link Updates: Thursday, February 25, 2010].
April 17, 2003: The prospects of a really new Arab World under full, bold and enduring American occupation look so great!
In Part III
April 12, 2003: The new war started building up, so immediately. The next plain vanilla high-tech war is waiting for you, Bashar! Also: A Suggestion of a global ‘Rogue Indicator!’
April 9, 2003: A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: A great day, the Day of the Statue!
…
…
In Part II
A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: March 11, 2003: France threats a ‘veto’ against the war on Iraq. March 16, 2003: George W. Bush ignores it all and imposes a ‘moment of truth for the world.’ March 20, 2003: War on Iraq starts. The question is just whom to blame of falling down of Yalta order, America or Arab-Muslim world?
January 30, 2003: A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: After only a week after Donald Rumsfeld’s provocative but insightful remarks on the ‘Old Europe,’ comes the greatest continent crack since the Cold War: Eight nations to support the U.S. in war against Iraq, even without a UN resolution. The terrific part of this is not only the shameful isolation of the leftist France and Germany, but that it would be the very first declaration of the next United Nations!
October 11-16, 2002: A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: U.S. decides to occupy Iraq and assign a new General MacArthur as a military ruler. BUT: Could it work in Egypt also?
September 20, 2002: A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: A Manifesto for a New World, the Declaration of the U.N. Clinical Death or: George W. Bush’ ‘The National Security Strategy of the United States of America.’
September 12, 2002: A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: Somebody (except us of course!) says that the United Nations would deserve the same miserable fate of the League of Nations. The name? George W. Bush!
In Part I
August
14, 2002: Tensions escalate between
Egypt and the U.S. Is it also a Post-Yalta business?
August
6, 2002: U.S. top strategy planning
agency suggests invading Saudi Arabia!
May
4, 2002: A HISTORY MADE AND STILL TO BE MADE: YALTA
LAW, AKA INTERNATIONAL LAW, IS MELTING DOWN! In the beginning there were Noriega,
sanctions on Iran and the Law of Internet. Then came Rumsfeld’s ‘No Prisoners!,’ Guantanamo Bay prisoners and theatrical atomic bombs and
George W. Bush’s ‘Steel Tariff’ and dismissing of Arafat. Now comes
the withdrawal from Kyoto, ABM and (today’s) International Criminal Court
treaties. Should we leave Yalta’s notorious age alive
until the ‘natural’ retirement age of sixty? Our very old answer is here. The most recent one is here!
March
5, 2002: The U.S. imposes ‘Steel Tariff’
on the world. For the sake of all free trade basics the right imposition should
be a ‘Defense Tax.’
December
13, 2001: A HISTORY MADE: America pulls out of
the ABM Treaty. A pillar of the old world order collapses.
April 23, 2001: Koizumi wins!
Also: His victory from a very personal point of view!
December 19, 2000: Imperialism - Dictatorship - Monopoly —or the Three Visionaries to Implement the Law of Ultimate Freedom and Even Their Truest Vigilantes! [Main Entry of Page].
ê Please wait until the rest of page downloads ê
الجديد
( تابع جزء 1 ، جزء 2 ، جزء 3 ) :
17 أپريل 2003 :
وماذا عن مصر ؟ البداية صعبة للإجابة .
لعلى ولو على سبيل التوضيح ، أبدأ بداية شخصية بالقول إنى أعتقد أن من
السهل للغاية لكاتب متواضع مثلى أن يزعم أنه يفهم فى التنمية أكثر من عاطف
عبيد ، وفى الاقتصاد أكثر من يوسف بطرس غالى ، وفى البحث العلمى أكثر
من مفيد شهاب ، وفى المتغيرات العالمية أكثر من بطرس بطرس غالى وعمرو موسى
وأسامة الباز وأحمد ماهر مجتمعين . بل الواقع والتجربة والنتائج العملية
تقول إنهم لا يفهمون أى شىء على وجه الإطلاق . مع كل الاحترام لأشخاصهم ، أقول إن الجهابذة
الذين يرسمون السياسة الخارجية المصرية ، يعتقدون أنه يسيرون على طريق وسط
لا يدانيهم أحد فيه فى عبقريته . يقولون لا نتظرف ولا نتشنج مثل صدام أو
القذافى ، وفى نفس الوقت لا ندخل بيت الطاعة الأميركى . عبقريتهم هذه
لا ترى أنهم بالضبط كمن رقصوا على السلم ، لم يحققوا شيئا لشعوبهم ،
لم يشبعوها بالشعارات ولم يشبعوها بالتنمية . ولا أريد أن أتفرع بالموضوع
أكثر ، وأقول إن مثلهم الأعلى هو حافظ الأسد وبشار الأسد ، لمجرد أنهم
يرونهم يفلتون بجلودهم من كل شىء حتى الآن ! وعامة أنا أكتب نفس ما أقوله
الآن منذ ما قبل 11 سپتمبر وقبل وصول بوش للسلطة بل وقبل أية بوادر مواجهة أو فشل على الإطلاق . وعلما
بأنى لا أتهمهم كما يتهمهم الآخرون بأى شىء ، لا الفساد ، ولا التمسك
بالسلطة ، ولا النفاق ، ولا التسلط ، بل ربما أقول العيب ليس
دائما فيهم ولا فى علمهم إنما فى نقص الإرادة ( أو بالأصرح هم على العكس
بالضبط من التهمة الأشد تقليدية مما تلصق بهم زورا ، الديكتاتورية .
اقرأ تحليلنا لتجارب النهضة فى القرن العشرين هنا ) ،
أو قصر النظر بتركهم التهييج الإعلامى يهدم
خططهم الاقتصادية ، أو حتى لظروف خارجة بالكامل أحيانا ، كالتى أطاحت بالدكتور الجنزورى مثلا ، وطبعا فى الميل الاشتراكى ( اقتصاد البعد الاجتماعى كما يفضلون تسميته ،
وآخره أن استعدوا للجات بحفنة هائلة من تشريعات الحماية الجمركية والدنيا كلها
تفهم العكس ، وأن وازوا تعويم الجنيه
أحد رموز الاقتصاد الحر التى طال انتظارها ، بحفنة من الفرمانات الاشتراكية
تؤمم وتصادر حصيلة السياحة من النقد الأجنبى ) ،
وهو الفكر الاشتراكى المطبوع تاريخيا فى
چيينات الشعب المصرى وحكامه سواء
بسواء . لا تهمنى الاتهامات ولا الأعذار ، فقط ما يهمنى هو الخلاصة النهائية : أنهم ليسوا بكفاءة حكومة الياپان . نحن لا يحكمنا
قمعيون ولا فاسدون . فقط يحكمنا فاشلون معدومو الكفاءة !
ما ذنبى أنا كمواطن فى وضع كهذا ؟ هل أطالب
بأن أصبح رئيسا للوزراء لأنى أفهم أفضل منهم بعض الشىء ( هذا مع ملاحظة أن
أصغر تافه فى أحزاب المعارضة يعتقد أنه الأجدر بهذا الكرسى ) ؟ هل
أطالب بأن تصبح قيادات مركز الدراسات السياسية والستراتيچية بالأهرام وزراء هذا
البلد ، حيث الواضح أن هذه الفئة التى تعد على أصابع اليد الواحدة ،
هى الفئة الوحيدة فى كل السبعين مليون مصرى التى تملك الحد الأدنى من فهم ما
يجرى فى الدنيا حولنا ، وهم المهمشون ، فقط بسبب أنهم الفاهمون ،
هم من تصادف أن چييناتهم ليست بيسارية چيينات بقية الشعب وبقية النخبة أو حتى
بقية المركز نفسه الذى يمتد الطيف فيه حتى اليسار الماركسى أحيانا ؟ هل
أطالب بعودة مصطفى خليل أو كمال الجنزورى للحكم ، وقد شعرنا فى عصريهما
بأننا أقرب ما نكون لخصائص العرق البشرى كما هو موجود خارج مصر ؟ الواضح فى
كل هذه الأحوال مجتمعة أن فى السبعين مليونا لا يوجد العدد الكافى لتشكيل حكومة
كفء ، دع جانبا أن حتى بين هؤلاء النماذج المتقدمة الشاذة الجريئة وبين
نظرائهم فى العالم المتقدم لا تزال ثمة فجوة نوعية لا تخطئها العين . إجابتى كمواطن جلوبى هى أن من حقى أن أحصل على أفضل
حكام ممكنين ولا يهمنى قلامة ظفر لون جوازات سفرهم . التنمية هى أن تحكمنا
مايكروسوفت وسونى وفايزر ( أو هل لها تعريف آخر ؟ ) . هى
وحدها التى يجب أن يكون لها حق الانتخاب والترشيح والتصويت . هذا وحده هو
الذى سيكفل رفاة المجتمعات الواقعة الآن فى مهب الرياح العشوائية المسماة
بالديموقراطية . كل هذا قلناه من قبل .
الجديد الذى نضيفه هنا أن هذه الشركات قد وكلت الپنتاجون الأميركى فى اختيار الحكام
المناسبين لكل بلد فاشل أو يمثل عضوا ميتا فى جسد الكوكب كما اعتدنا
القول ، ناهيك عن كل بلد ناشز بمعنى أن يكون كائنا سرطانيا يعمل على قتل
الجسد كله .
الپنتاجون وقد عهدت له بهذه المهمة سوف يختار لنا
قطعا أفضل المتاح فى العالم وليس أفضل المتاح فى مصر أو العراق أو أيا ما كان .
سيختار لنا من خريجى هارڤارد وأوكسفورد ومعهد وايزمان ، فأولئك هم من
يفهمون حقا فى الاقتصاد والتقنية والسياسة والعلم ، وأرضنا وبلدنا وشعبنا
لن تزدهر حقا إلا على أيديهم . ببساطة هؤلاء تدربوا على أشياء لم يتدرب
عليها وزراؤنا فى جامعة القاهرة ، ويعلمون أشياء ويمتلكون مهارات قيادية
وإدارية وعلمية لا تتوافر لهم ولا لكل من يدعى الفهم والذكاء أو حتى
التواضع ، من المحللين أمثالنا . أخيرا نقول إن الشهادات مهمة
للغاية ، تطبيقيا ورمزيا سواء بسواء . وقد كانت العالم الحاسم فى
تجارب النهضة لا سيما التجربة الشيلية
باهرة النجاح التى لم تكن هارڤارد لتعجبها بالقدر الكافى ، وأتت بكل
الوزراء من مدرسة شيكاجو ! وبالمناسبة ، لو سارت الأمور على نحو طيب
ودون قلاقل سياسية ، فإن مشكلة العراق الحقيقية الوحيدة اليوم هى
الشهادات ، مائة حزب أو أيا ما كان العدد نشأت فى أسبوع ، بينما
أميركا لا تجد تكنوقراط ذوى مصداقية لإدارة أى شىء ، فاستأجرت خبراء عاليى
التكلفة من شركاتها . فى بلادنا المتفوقون يدخلون كليات الطب والسياحة
والإعلام ، فقط الضعفاء ‑وتحديدا من الأقسام الأدبية‑ هم من
يدرسون الإدارة والاقتصاد ، ناهيك كما تعلم من حيث مستوى التعليم ، أن
لا هذا ولا ذاك يدرس شيئا !
باختصار هذه هى الفلسفة من وراء الاستعمار كما
أفهمها : الأرض لمن يستعمرها ( كما أصر منذ
عشر سنوات ، وربما منذ ولدت ، أو على الأقل كما تعلمتها من نجيب محفوظ الذى تنبأت
ميرامار عنده بكل شىء يحدث اليوم ، وليس فقط تنبأت بهزيمة 1967 —الحديث عن
محفوظ العظيم يطول ويطول ، وما كتبناه عنه فى صفحة الثقافة أو غيرها ، ومنه نظريتنا حول
’ المداعبة الثقيلة ‘ المبكرة للعقل العربى ، لأن لا حل إلا حكما
يمينيا برعاية استعمار أميركى فى ’ ميرامار ‘ ، ليس إلا لمحة
وجيزة ، رغم ما بها من تفاصيل لما قصدناه هنا وغيره ) . لا يمكن للأمانة الموضوعية والعلمية أن تدفعنى لقول
أى شىء عكس هذا . ( وطبعا دون أى تفكير فى تصنع البطولة أو
الشجاعة ، ذلك أنى لم أعتبر نفسى من الأصل يوما معارضا سياسيا ولو مرة
واحدة ، أن أناهض الفئة الممسكة بالحكم وأطالب بوصول فئة أخرى
للسلطة . فعامة وباسثناء بعض الحالات القليلة هنا أو هناك لا أعتقد أنه
يوجد من هو أفضل ممن هم فى الحكم بالفعل ، ذلك فى حدود نفس لون
الچيينات ، أقصد لون جواز السفر .
فى المقابل لا أحتقر أحدا قدر احتقارى لكل من يسمى
نفسه معارضة فى العالم العربى بريچيماته المحافظة والثورية معا . قليلون
جدا هم الذين من طراز معارضة أو قامة العماد ميشيل عون ، أما الغالبية
الكاسحة فهم ديماجوچيون مزايدون أسوأ من الريچيمات نفسها يعارضون فى الاتجاه
الخطأ ولا حل معهم سوى الإبادة ) . باختصار : المسألة برمتها إذن مسألة كفاءة . الكفاءة القصوية التى
لا تتحقق إلا عندما يصبح هذا الكوكب كيانا اقتصاديا موحدا إمپراطوريا ذا عقل
واحد وأعضاء متعددة ، ذلك كما أى متعضية حية فى عالمنا البيولوچى أو
السيلكونى أو الثرمودينامى أو أيا ما كان . هذا ببساطة ما تدور حوله كلمة
إمپريالية كما ناقشناها منذ بداية صفحة الثقافة
حتى بداية هذه الصفحة حتى نهاية كل الصفحات . ولا نتحدث هنا فى أحلام مجردة أو
سيناريوهات فرضية ، بل فى نتائج حية واقعية . لقد حكم سكان العالم
الثالث أنفسهم ، فكانت النتيجة أكبر وبال فى كل تاريخ البشرية . ومصر
حالة سافرة تغنى عن كل تعليق . فقد حكمها أجانب لأكثر من عشرين قرنا
متواصلة دليلا لا يحتمل الجدل على عدم وجود مصرى أهل للحكم . وحين حكمها
مصرى فى نهاية المطاف ، قادها هذا المدعو جمال عبد الناصر لهاوية لا قرار
لها ، ولا يبدو فى أى أفق منظور أنها قد تتعافى منها يوما ، رغم كل
جهود الإصلاح اللاحقة عليه .
الأدهى أن كل ذلك لم يكن إلا
استثناء تم فى غفلة وجيزة للغاية من الزمان سرق فيها أمثال جاندى وناصر مقدرات
هذا العرق البيولوچى المدعو الإنسانية ، ونجحوا فى تفتيته على نحو مذرى
إشباعا لما فى داخلهم من عقد نفسية ، بينما فى كل بقية الزمان كان الإنسان
يعتمد الإمپراطورية هيكلا لبنية مجتمعه الكوكبى السياسية والاقتصادية
والإدارية . الإمپراطورية كحتمية تاريخية فرضها قانون الميل إلى الكفاءة
القصوية الفيزيائى القاعدى البسيط ، والذى لا يجوز ‑بل وليس بوسع‑
أحد بما فيه إجماع كل العرق البشرى ، الاحتيال عليه . قبل نحو عامين
ونصف كتبنا فى الدراسة الأصلية لهذه الصفحة ، لا نملك سوى تكراره كما
هو : ’ هنرى كيسينچر كتب فى
الفصل الأول من ’ الدپلوماسية ‘ يقول إن لأعظم جزء من البشرية ،
ولأطول فترات من التاريخ ، كانت الإمپراطورية هى القالب النمطى للحكومة
( نص الاقتباس صدرنا به الصفحة ) . نحن نقول الحرص الأكاديمى
أكثر مما يجب فى هذه الصياغة ، وأن كل التاريخ المكتوب هو تاريخ
إمپراطوريات ، الاستثناء الوحيد هو فقط السنوات التسع الأخيرة منذ سقوط
الإمپراطورية السوڤييتية ! ‘ . الصورة كما أتت من بغداد لا تخطئها الرؤية ،
وكما قلناها بل وتوقعناها رأى العين من قبل مرارا
وتكرارا : لا أعلم لماذا لا يرى أحد فى الاحتلال الأميركى
نصف هجرة لأميركا ، هذه التى يحلم بها علنا معظم سكان العالم الثالث .
ثم أليست نصف هجرة أفضل بمراحل من العمى كله ، الذى هو حكم
الفاشلين ؟ ما نراه واقعيا أن الشعوب تستقبل قوات المارينز بحرارة لأنها
تعلم أنها ستقوم بتنمية حقيقية رفيعة المستوى والكفاءة لصالحها ، يستوى فى
هذا دخولهم لبغداد مع دخولهم للقاهرة أو دخولهم لپاريس .
بعد هذا من نافلة القول أننا
ناقشنا أكثر من مرة بديهية أن الاستعمار لم ولن ينهب شيئا بل هو الذى صنع وسيصنع قيمة لمواردنا الخام ،
والأبعد أنه لا يريدنا متخلفين ،
إنما على أعلى قدر ممكن من التقدم حتى يجد من يسوق له منتجاته . كذا قلنا إن فى المقابل القلة المحرضة أمثال ناصر وصدام والأسد والخومينى
ترفض الاستعمار لأنها تعلم أنه سيحرمها من جبروت السلطة ومن نهب عرق شعوبها باسم
الاستقلال والدين أو أيا ما كانت الشعارات . الولايات المتحدة تخطو نحو 40 0/0
من الناتج الاقتصادى للعالم ، وبعضنا نحن الحثالة يرفض أن تحكمه . كم
تريدون أن تصل هذه النسبة قبل أن تقروا بحق أميركا فى حكم بقية العالم ؟
القاهرة لا تنتج 40 0/0 وتحكم كل مصر . بعض العواصم
لا تنتج 10 0/0 وتحكم كل أقطارها . پكين لا تنتج شيئا وتحكم
بلايين من البشر . كم تريدون أن تصبح النسبة قبل أن تعترفوا بحق أميركا فى
قيادة العالم ؟ ما
المشكلة ؟ هل حكم واشينجتون أسوأ من حكم پكين ؟ هل تريدون شيئا ملموسا
أكثر حتى تفهموا ماذا تمثل أميركا ؟ تهزمكم فى مباراة لكرة القدم
مثلا ؟ الشعوب لا تريد أن تستمع للتحريض
بعد اليوم ، وبعد معاناة خمسين عاما نهب وفساد باسم الاستقلال . هم
يعلمون تماما أن المحرضين من أمثال البى بى سى العربية وصحف الحياة والقدس
العربى ، يعيشون فى لندن ، ويتمتعون بحكم الإنجليز لهم ، لكنهم
يستكثرون على بسطاء شعوبهم أن يحصلوا على نفس حكم الأجنبى النزيه العادل الحضارى
والمتقدم . فقط نريد أن نحيى للذاكرة أن
أعظم تظاهرتين جماهيريتين مصريتين منذ زوال غسيل المخ الناصرى ( 5 مليون
متظاهر …
الأبعد أن باتت الأمور أوضح وأوضح من خلال تجربة
الأيام الأخيرة ، وبوادر الاحتجاج بدأت تظهر هنا وهناك : بعد الغزو
المظفر للعراق ، الخطوة التالية له ولكل أشباهه ، هى احتلال عسكرى
مباشر سافر ودائم ، ذو يد حديدية فائقة الدموية ، يستخدم القوة والبطش
حتى أقصى اتساع ممكن لها ، ليخلصنا من فلول كل ذوى الشعارات عربجيين
وشيوعجيين وإسلامجيين مرة واحدة وللأبد .
بعبارة أكثر صلفا : صدام حسين وحده قتل مليونا من أهله وجيرانه . أميركا لو
قتلت الآن المليون الصحيح فى كل العالم العربى ، فلربما سيكون هناك عالم
عربى جديد بكل معنى الكلمة . وطبعا لا تسئ الفهم فغالبية المليون من
المعارضة لا من الحكام ! نقولها
بإخلاص وإيمان ، ولا نرجو أجرا من أى نوع ، ذلك أننا لا نستحق أى
أجر ، وأقصى ما نطمح له حياة أقل فقرا ومهانة وقذارة للشوارع وغلبة للغثاء
والوسطية والواسطة وتملك للتافهين لكل شىء ولكل منصب وكل مكان . الاستعمار سوف يحرم أولئك من كل هذا ، وهذا
ليس فرضا أو تمنيا بل واقع عاشه أب وأم وسائق كل منا ولا يملون حتى اليوم من
الحديث فيه . لن يدفع الناجح فاتورة إطعام الفاشلين ، لن
تجبى ضريبة دون خدمة مباشرة لمن أخذت منه أو لتعطى كصدقة للغير ، لن تنفق
البلايين على تعليم اشتراكى لملايين الريفيين لا يستفيد منه أحد بما فيه هم
أنفسهم ، ولن يدعم الخبز والعلاج ليشجع إنجاب ملايين أخرى من البشر .
سيختفى الفساد والرشوة والبلطجة ، وسيأخذ كل
ذى حق حقه ، كما منحته له الطبيعة ومنحه له اجتهاده وكفاءته . فقط سيتم الاحتكام لقوانين الاقتصاد الحر ، أو
قوانين العم داروين كما نسميها ،
وسيطلق التنافس الحقيقى الذى سيعطى من يستحق منا من العرب نفس ما أعطى ذلك
التنافس الحر لشباب الصين والهند المجتهد ، ممن لم ترفع بلادهم أية شعارات
عدوانية ضد أحد . سيختفى الهوس والتحريض باسم القومية والدين من
مناهجنا الدراسية ومن شاشاتنا التليڤزيونية . ومن ثم سينتهى زرع
كراهية التقدم والمتقدمين فى أبنائنا وبناتنا ، وبالأحرى الحكم على
مستقبلهم كله بالعزلة والمروق والخراب . لن يكره أولادنا أحد لمجرد أنه
أفضل منهم ولأننا نحن الآباء اعتبرنا إخفاء هذه الحقيقة عنهم هى رسالتنا الوحيدة
فى الحياة ، ذلك أن الأميركيين والإنجليز واليهود سيكونون فى الشوارع
والمتاجر والمقاهى ، ولن يعودوا بعد ذلك البعبع الشيطانى الموهوم . لن
يستطيع أحد تزيين صورة مزورة لهم لأطفالنا ، بل سيكونون لهم كما مدرسة يومية
حية للتفكير العلمى والتقدم التقنى والإنضباط الحياتى والرقى السلوكى ، إلى
آخر كل ما تعنيه كلمة حضارة . سينهل أطفالنا من هذه المدرسة ما لا تتيحه
لهم الكتب قط ، أو لعلنا نأمل أيضا أن تصلح بعضا مما أورثناه لهم من فهلوة
وصلف أجوف فى چييناتهم . فقط شىء واحد مات فى تجربة الاستعمار القديم ،
بالذات الفرنسى منه . إنه الأيديولوچية اليسارية وقلبها الأطيب مما يجب ‑أو
قل المنافق‑ نحو الثقافات المتخلفة والشعوب المتخلفة التى لن تفوت أية
فرصة لعض اليد التى أطعمتها ، إذا لم يتم إفهامها هى ومحرضيها قواعد اللعبة
من البداية .
إنه لمن حسن الطالع أن الفكر الاستعمارى اليوم
موجود فقط عند اليمين العالمى .
سوف يكون استعمارا رائعا مثمرا للجميع بلا أخطاء ولا نيران عكسية ، وبالطبع
مؤبدا . أو مرة أخرى : يا صفوة
العالم اتحدوا ! لكن مهلا ، هل الأمور بهذه السهولة فى مصر كما
فى أى مكان آخر . يبدو أنى لم أجب بعد على السؤال الأصلى ، هل ستنجو
مصر من الاحتلال ، هل سيكتسحها الاحتلال ، أم هل ستنجو على نحو أو آخر
فى ظل الاحتلال . لن تصدقنى إن قلت لك لا أعرف . مصر دائما أبدا حالة خاصة ، اسمها الفهلوة . ولست من الشجاعة أن
أجزم بأن الاحتلال سيشتغل فيها . ولا أملك سوى انتزاع الفقرة التالية من صفحة
الثقافة كما كتبتها فى أكتوبر الماضى ، وأضعها هنا كما هى ( الواقع
القصة طويلة جدا ، وغاضبة جدا ، وعنوانها ’ إنديانا چونز ‘
ساخر جدا متشائم جدا . وارجع لها كاملة هنا لو شئت ) : ’ ببساطة بصراحة ، ومرة أخرى ككاتب متواضع بجد ،
أقول إنها معضلة بلا حل ، أو إن حلها ليس من اختصاصى ، إنما من اختصاص
الچنرال فرانكس وحواسيبه الذكية ! اكتب رأيك هنا 21 أپريل 2003 : الجدل هائل
حول موضوع الأوپك ، لكن كما يقولون الجنازة حارة والميت كلب . الأوپك يقول إنه وجه الدعوة لعامر رشيد وزير
الپترول فى ريچيم صدام . القصص المفبركة من المكتب الإعلامى لبشار الأسد ‑أقصد
المكتب الإعلامى لحسن نصر الله ( محمد
سعيد الصحاف سابقا ، وياسر
عرفات سابقا سابقا ، وأحمد سعيد
صوت العرب سابقا سابقا سابقا ) ، تقول أميركا تريد إرسال أميركيا
لحضور الاجتماع باسم العراق . المدعو الزبيدى الذى نصب نفسه حاكما لبغداد وحاكما
مؤقتا للعراق ثم انكمشت طموحاته ليجعلها حاكما لبغداد فقط ، ثم انكمشت مرة
أخرى ليقول إنه منسق ما بين الأميركيين والشعب العراقى ، يقول إنه سيرسل
أحد مساعديه لاجتماع الأوپك . أميركا نفسها طلبت من الأمم المتحدة رفع
الحظر عن العراق كى يصدر پتروله . ما كل هذا الهراء ؟ أميركا دخلت الحرب وأنفقت كل هذا من
أجل تقديم الاعتراف والائتمان للأوپك ؟
لا أبالغ إن قلت إن المفروض أن تكون ثمة نقطة واحدة
على أچندة الاجتماع المقبل ، هى حل الأوپك . أميركا لا تريد شيئا من
الأمم المتحدة سوى أن تكتب وثيقة انتحارها بالتقسيط ، مع إعفائها هى من
التوقيع عليها . نفس الشىء مع الأوپك . لو لزم الأمر سوف تكف عن شراء پترول العالم كله وتقول له اشربه
لو شئت ، وتضخ پترول العراق لنفسها بجنون ( تعبير قديم ) ، ذلك إلى أن يهوى سعره
لعشرة دولارات . أليس لأهداف كهذه يحارب الناس ، ولا لكم رأى
تانى ؟ ( أيضا لا تسألنى عن مصير پترول تكساس وأوكلاهوما ، فكلمة
جلوبة لا تعنى أن أميركا مستثناة من القيام بتعديلات هيكلية هى نفسها ،
وإحالة بعض الصناعات الجديرة بالعالم الثالث للعالم الثالث ! ) .
[ بعد
يومين أصدر جارنر بيانا رسميا شديد اللهجة يرفض فيه الاعتراف بأى أحد ينصب
نفسه ، مؤكدا بلفظ لا يقبل اللبس أن التحالف هو السلطة الوحيدة فى هذه
البلاد . فى الواقع هذا أول إعلان أميركى رسمى بسلطتها على العراق .
أيضا عامة أصبحت كلمة الديموقراطية التى طالما استخدمتها الولايات
المتحدة ، تكتسب ملامح محددة ، وباتت مرادفا واضحا لكلمة اللا
أيديولوچية ، أو بكلمات أكثر تحديدا العلمانية والاقتصاد الحر . كما تعلم نحن لا نحب الكلمة
أصلا ، بل وضعناها على قائمة الضرب hit list لنا ، لكن فقط نجد
أنفسنا مضطرين لتكرار شرح ما يقصده بها الغرب ، بالذات أميركا ، لأنه
شىء مختلف جذريا عن فهم العرب لها . حين يقول مواطن أو مسئول غربى تحويل دولة ما لدولة ديموقراطية
فإنه لا يعنى مجرد نظام انتخابى لتداول السلطة يأتى حتما بالإسلاميين للحكم
( أو لا يأتى فهذا ليس المهم ) ، إنما يقصدون مفهوما شاملا لدولة
حداثية مؤسسة على الاقتصاد الحر من ناحية ( وهذا جوهر الديموقراطية الأميركية التى يميزها حتى
أوروپا ) ، ومن ناحية أخرى تمنح أقصى الحقوق الشخصية
للأفراد بما فى ذلك حقوق واسعة للمرأة تساويها مع الرجل ليس على الطريقة
الإسلامية المضحكة إنما كما تعرف كتب الحساب كلمة مساواة ، وبما فيها إلغاء
الرقابات على الإعلام والسينما والصحافة ، وتكفل إن لم تكن تشجع الحرية
الجنسية كرأس للحريات جميعا ، وقطعا تحيد الدين من الحياة العمومية
( وليس السياسية فقط ) لأقصى درجات التحييد . هكذا تتم
الاجتماعات الآن فى أرجاء العراق ، وتعلن الأحزاب وتكتشف أميركا وتربى
القيادات الجديدة ( منها لقاء غطته الأسوشيتيد پرس
أما الوحيدون
الذين يطالبون بصدق الديموقراطية فهم التيارات الإسلامية شيعية وسنية سواء
بسواء . سيشعلون حربا أهلية ، ويدركون جيدا أن الفوضى هى فرصتهم
الوحيدة للقفز للسلطة . ولا جديد فى هذا فهم أصحاب خبرة جيدة فى استثمار
الفوضى فور خروج القوات الأميركية ، وسوابقهم باهرة فى لبنان والصومال
وغيرهما . للمزيد عن خطط أميركا للپترول
العراقى ونتائج اجتماع الأوپك التى تكاد توحى بحل المنظمة حيث لم يخفضوا الإنتاج
بالكم المتوقع ، اقرأ هنا
و هنا .
كذلك يوجد هنا
ملخص لقصة الوول سترييت چورنال 25 أپريل عن بعض التفاصيل عن ملامح الخطة التى رسمتها أميركا لمستقبل پترول
العراق . أبرز ملامح
الخطة أن سيدير أربعة أو خمسة خبراء عراقيين وزارة النفط ، رئيسهم سيقدم
تقاريره ‑وكذا سيكون عضوا‑ للجنة عليا مكونة فى غالبها من مسئولين
من التحالف ، وتعد صاحبة السلطة العليا فى پترول العراق . المرشح لرئاسة
هذه اللجنة هو فيليپ چيه . كارول ، شيخ التنفيذيين السابق لشل أويل
الذراع الأميركى لشركة شل ، وسيقدم تقاريره بدوره للچنرال جارنر . إذا
أضفنا الچنرال فرانكس كحاكم عسكرى فوق الجميع ، تبدو الصورة جلية : لا
وجود للعراقيين فى أية هيراكية للسلطة حتى المستوى الثالث أو الرابع منها . للمزيد عن شخصية فيليپ چيه .
كارول وخططه لمستقبل پترول العراق ، اقرأ هذا الپروفايل
اللاحق من النيو يورك تايمز .
بعد قرابة نصف قرن من الاشتراكية
لا تتوقع وجود كفاءات عراقية من أى نوع ( إلا طبعا لو اعتمدت المعايير
الاشتراكية فى تعريف كلمة كفاءة ! ) . حتى الدكتورة أنثراكس
والمدام جرثومة ، ثبت أنهما بالونات إعلامية لا أكثر وفشلوا فى تنمية حتى
أبسط أنواع الأسلحة ! لذا بالنسبة لما قلناه أعلاه
عن ذوى الشهادات عاليى الكلفة ، وافتقاد الكفاءات داخل العراق كما فى أى
مكان تقريبا فى العالمين العربى والإسلامى ، فقد شكلت أميركا بالفعل فريقا
من مائة وخمسين تكنوقراطيا عراقيا مقيما بأميركا ، ممن يحتلون مراكز بارزة
بالصناعة والجامعات الأميركية ، لعله اشتهر باسم رئيسهم المهندس عماد ضياء
من إحدى محطات شركة فايزر بولاية ميتشيجان ، والذين انتقاهم وولفوويتز
بشخصه لإدارة المناصب العليا فى الوزارات العراقية المختلفة ، فى المستوى
التالى مباشرة للخبراء الأميركيين . هؤلاء بدأوا الانتقال بالفعل للكويت
فبغداد اعتبارا من يوم 25
أپريل ، للانضمام لمكتب الچنرال جارنر المسمى Office
of Reconstruction and Humanitarian Assistance . وبعد قليل باتت متاحة صورة عن قرب
لأفكارهم ككل . ومنها تخطيطهم
لدستور علمانى صريح ، ولعلاقات قوية بين العراق وإسرائيل ، وحتى
لأشياء من قبيل إلغاء عقوبة الإعدام فى العراق ،
كما تقول قصة
النيو يورك تايمز . كل هذا وذاك وتلك يقول إننا بالفعل
بصدد احتلال دائم حضارى ذو خطط شاملة متكاملة وبعيدة المجرى . ما من شك أن
هذا ما يريده بالضبط المواطن العراقى العادى ، الذى لا نعتقد أن من السهل
مرة أخرى استدراجه للشعارات قومية كانت أو إسلامية . نكرر له
التهنئة ، مع التمنيات لبقية شعوب العالم الثالث الذين لا شك أن بدأ
يداعبهم حلم الخلاص من الفقر وحكم الجراد
عما قريب ] .
[ تحديث :
28 أپريل 2003 : الأكثر إثارة هو ما يخص خطط
أميركا المستقبلية للزراعة فى العراق . الجارديان التى لا تخفى شيوعيتها
أجرت قصة غاضبة اليوم
عن تكليف دان أمستوتز بملف الزراعة العراقية . أمستوتز أحد قدامى تنفيذيى شركة
كارجيلل الأميركية ، المصدرة الأكبر للحبوب للعالم ، وكان المفاوض
الرئيس لدورة أوروجواى المعين من قبل الرئيس ريجان ، أحد قطبى الثورة
اليمينية التى غيرت العالم ، الثورة
الثاتشرية‑الريجانية . باختصار هو أحد الرموز الكبرى لتحرير
الاقتصاد العالمى ، وقصص كفاحه الطويل لفتح أبواب العالم أمام الحبوب
الأميركية الرخيصة ملحمة دخلت التاريخ حتما ، ولطالما كافح الفاشلون ضدها
باعتبارها تدميرا للزراعة عبر العالم ، ومنهم منظمة أوكسفام التى تبنت الحملة
التى تحدثت عنها الجارديان . هذه المرة تقول كلام أسعدنا ’ تعيين
أمستوتز لإدارة زراعة العراق يعادل تعيين صدام حسين فى كرسى مفوضية حقوق
الإنسان ‘ .
نعم ، نحن لا نطمح لأقل من
ثورة تهدم كل الهيمنة ممتدة المفعول للفكر الاشتراكى على العقلية
العالمية ، ذلك أننا ببساطة لا نفهم ما هى الحكمة فى الإبقاء على تلك
الكيانات الاقتصادية الفاشلة عبر العالم ، وفى نفس الوقت يطالبون بدعمها
بالمعونات ، وكلنا يعلم أن اليسار لا يهمه القضاء على الفقر ولا
غيره ، ولا أى من حقوق الإنسان . فقط يهمه حق واحد للإنسان هو حق
إنجاب المزيد من الفقراء . عند هذه النقطة لا نرى أننا فى
حاجة لتكرار كل كلام الموقع مرة أخرى . فقط نقول : نعم ، لن يحكم العراق أو غيره ، إلا
تنفيذيين أميركيين عاليى الاقتناع بالاقتصاد الحر ، وبالإمپريالية كالأداة
الوحيدة لتطبيقه ] . [ تحديث : 1 مايو 2003 : التعيينات
‑أو سمها حديث الشهادات‑ مستمرة وكلها مثير للاهتمام ، لكن
اليوم جاء القرار الكبير : تعيين إل . پول بريمر حاكما مدنيا
للعراق ، يترأس الچنرال جارنر . هذه قصة كبيرة لا بد أن نفتح لها
مدخلا رئيسا مستقلا بالأسفل ، فمن خلالها قد نستكشف
بعضا من ملامح الفكر الإمپراطورى المقبل ] . …
الخريطة المجاورة ليست جديدة . هى التقسيم
التقليدى للپنتاجون للقيادات العسكرية لمناطق العالم المختلفة . لكن تأملها
اليوم ونحن نرى الملامح الأولى جدا لكيف ستدير القيادة المركزية العراق ،
ربما يأتينا ببعض التأملات الجديدة ، نرجو منك أن تشاركنا فيها بالمناقشة :
ماذا لو عينت سكرتارية الدولة نائبا للسكرتير پاول مقره الدوحة ، وتأمر
السفارات الأميركية فى المنطقة الوسطى بتقديم التقارير له ، وتلغى الاتصال
المباشر لها بواشينجتون . ثم ماذا لو اضطرت بالتالى جميع دول المنطقة إلى نقل
سفاراتها من واشينجتون للدوحة حيث المكان الذى يوجد فيه أصحاب السلطة والقرار
الوحيدون ممن يمكن محادثتهم . ثم ماذا ‑وهى الخطوة الطبيعية التالية‑
لو أخذت سفارات القيادة المركزية فى العواصم العربية وشرق الأوسطية هذه هى التى
تدير الحكم فى تلك البلاد على نحو مباشر ، وتتلقى هى تقارير الحكام
المحليين دون الحاجة لأية سفارات لهم فى الدوحة أو غير الدوحة . رابعا ثم
ماذا لو نقلت القيادة المركزية للقدس بعد ذلك ( أو قبله لو
شئت ) ، أو ليست هى العاصمة الحقيقة ’ للقيادة المركزية ‘ ؟
ألا يعد كل ذلك برمته سيناريوها جيدا لانتقال سلمى تدريجى ومنطقى لأول نواة
للتنظيم الجديد للحكم الإمپراطورى الوشيك والقادم لكل العالم لا محالة .
الآن أترك لك تخيل سيناريوهات بقية المناطق !
هم وتعليق عامان ، وليس
بمناسبة جزئية بعينها : نوايا أميركا مجهلة على
نحو غير مسبوق . هذه مشكلة منهجية شخصية لنا . بعد أن كنا نقرأ خطط
أميركا كالكتاب المفتوح ويفخر موقعنا بهذا فخرا هائلا منذ 11 سپتمبر 2001 على
الأقل ، أصبح فى إمكاننا فقط التنبؤ بما سيحدث على المجرى الطويل ،
أما الخطوة التالية مباشرة فلا يعرفها أحد ، أو نستنتجها بصعوبة بالغة
وبدقة أقل كثيرا من السابق . نبوءاتنا للمستقبل البعيد سهلة ، وترجع
فى الزمن فى المادة المتاحة على الموقع لكتاب حضارة ما‑بعد الإنسان
( 1989 ) ، والمنهج أسهل وفعال جدا كما هو واضح ، وأشرنا له
على نحو وجيز فى وقت مبكر من هذه الصفحة
حيث أسميناه استعارة عن الديناميات الحرارية وميكانيات الموائع وما شابه Steady State Condition . أما التنبؤ بالمستقبل المحدق ، فهو يخضع لحسابات
معقدة جدا وعوامل كثيرة للغاية ، لطالما قلنا بما فيها فى الكتاب المذكور
نفسه ( الباب الثالث -
الفصل الأول ) ، إنها تحتاج لحسوايب فائقة الذكاء ، وتفوق
حدود أى عقل إنسانى ، بما فى ذلك العبقريات المؤكدة الحالية أمثال رامسفيلد
ووولفوويتز وپيرلى . بمناسبة الحواسيب
الذكية ، ربما أمكن أيضا تمثل حالة الفوضى السائدة فى العراق ، أو ما
يمكن وصفه بفترة استراحة أو إعادة تقييم أميركية للموقف ، بأنه يشبه عملية
عصرنة update
أو طزجنة refreshing للثوابت الرياضياتية constants فى البرمجة الحاسوبية ، أو لعلنا نقصد أنه كذلك فعلا بناء على
طلب الحواسيب . ليست كل المدخلات inputs الحاسوبية متغيرات variables بالضرورة ، لكن ما يعتبر ثابتا لتسهيل الإجراء processing قد يتغير بعد فترة طويلة ما ، أو بعد طروء مستجد كبير .
الحواسيب المبرمجة على معطيات كذا وكذا ( عن القوى السياسية العراقية
مثلا ) تتوقف قليلا ، لتعيد إدخال ما يعد ثوابتا فى معادلاتها ،
ومن ثم بدء الحسابات من جديد عليها . عامة لا يمكن ، وليس من المفيد
برمجة الحواسيب على محاكاة للموقف إلى ما لا نهاية ، ناهيك عن أن الطريات software نفسها يتم تطويرها من حين لآخر ، بنسخ versions جديدة . حرب العراق
حدث كبير ، أيضا لا شك أن ردود الأفعال البشرية ‑كما حالها دائما
أبدا‑ شىء لا يمكن التكهن به بدقة كبيرة مسبقا ، كما أن بعض الحوادث
الصغيرة ( قتل خطأ مثلا ) قد يكون له تداعيات كبيرة ، أيضا لا
أحد يعرف لأى مدى سيحتوى الشعب العراقى التحريض المحتمل ضد هذا الغزو
’ الكافر النصرانى الصهيونى الإمپريالى ‘ ، وهلم جرا .
أميركا اختارت هذا الشهر وربما الشهر القادم أيضا ، كى تترك الأمور تجرى
فيها على أعنتها . مثلا تدع الجميع فيها يعبر عن نفسه ، ويحاول إثبات
قوته ( ثبت مثلا أن أحمد شلبى ديموقراطى أخرق لا جدوى منه ولا بد من
تحييده ، أو أن نفوذ المتدينيين داخل الشيعة قد يكون أقوى مما سبق تمثله
…وهكذا ! ) ، بعدها ستبدأ المحاكاة الحاسوبية فى تمثل المستقبل
مرة أخرى من نقاط انطلاق ’ معصرنة ‘ أو ’ طازجة ‘ جديدة
أكثر فائدة ودقة بكثير . [ لعل أكبر نتيجة لهذه ’ الوقفة ‘
هى القرار الدرامى بتعيين حاكم مدنى أميركى تخصصه هو الإرهاب ، هو
إل . پول بريمر ، تابع القصة بالأسفل ] .
اكتب رأيك هنا
23 أپريل 2003 : بالأمس
فجر نيوت جينجريتش المدهش ليس أى شىء من كل هذه
’ العاصفة ‘ ، إنما شيئان : الأول أن الزعيم الذى ولدت مع
اسمه كلمة اليمين الجديد أو اليمين المسيحى أو أيا ما كان الاسم إبان العصر
الكلينتونى ، كان رمزا للمناداة بالانعزالية الشديدة فى السياسة
الخارجية ، والآن أصبح من صقور احتلال كل العالم عسكريا . الثانى ‑ولعله
الأهم‑ أن جاء رد پاول سريعا
جدا :
بألفاظ قاسية لا تليق إلا بدول الموز . السؤال
التليڤزيونى الذى وجه له كان صريحا مباشرا ويقول : هل على فرنسا أن
تواجه عواقب بسبب موقفها قبل حرب العراق ؟ الإجابة كانت أصرح وأكثر
مباشرة ، وسريعة جدا : نعم ! الكلام لا يدور فقط عن تحييدها فى
حلف النيتو ، إنما فى عقوبات اقتصادية مباشرة . [ بعد يومين انضم
چورچ دبليو . بوش شخصيا للحملة بكلمات أشد صلفا وأكثر إهانة من الكل ،
حيث نقلت عنه الرويترز ، فرنسا يا سادة هى رأس الأفعى ، قلنا هذا وقلنا
مرارا ومرارا إن تخلف العالم سوف ينبت
وينبت من جديد من دون القضاء على ريچيم الجمهورية الفرنسية الذى قاد العالم
لخراب متواصل منذ 14 يوليو 1789 حتى اليوم . فى كل مرة كنا نقول إن قوى
الظلام العالمية إسلامية عروبية شيوعية ومركز قيادتها العليا عاصمة النور
پاريس ، قوى لا تفهم سوى لغة القوة والبطش بما فيه النووى لو تطلب
الأمر . واليوم يتعين علينا ولا شك القول بأن وضع أميركا لفرنسا فى صدارة
قائمة الدول الناشز هو خطوة جيدة جدا طال انتظارها ، وأن ليس لنا إلا
انتظار المزيد . [ تحديث : 7 مايو 2003 : ما
جرى مع تركيا منذ وصول الإسلاميين للسلطة فيها ، ظللنا نتابعه فى صفحة الحضارة . اليوم
ننوه هنا بأن تأديبها بدأ هو الآخر ، بإنذار شديد الوضوح ، وصلف بدرجة
جيدة ، من پول وولفوويتز لها بضروة تقديم اعتذار رسمى لا يحتمل اللبس عن كل
ما فعلته من تمنع إبان الحرب ، وأنها الآن نادمة ندما كليا ، وسوف
تتصرف مستقبلا فى خدمة المصالح الأميركية بما لا يقبل التأويل أو التفاوض ،
وإلا فعليها أن تواجه العواقب ] . [ تحديث : 17 يونيو 2003 : ولا
تزال الحملة مستمرة . بنفس الحزم كتب جينجريتش عن مصر يقول إننا نعطيها المعونات كى
تهاجمنا بنقودنا من خلال إعلامها الموجه . وهذا
يتطلب وقفة ، ليس وفضائح ما يكتبه إبراهيم نافع وسمير رجب تملأ الإعلام
الغربى على نحو شبه يومى ، إنما لشىء قد يكون أبسط من هذا بكثير ، ومر
مرور الكرام ، يخص السياسة التى تدير بها الحكومة هيمنتها على موجات الإف
إم الإذاعية ! ليس غريبا أن جاء كلام جينجريتش
بينما تسمح الحكومة المصرية لأول مرة منذ سبعين سنة ، بإنشاء محطتى إذاعة
موسيقيتين قطاع خصوصى ، بدأتا البث التجريبى بالفعل على موجات الإف إم فى الرابع من
هذا الشهر ، وفى نفس الوقت تمنع منح موجة لمحطة سوا الأميركية أو حتى للبى بى سى التى تعج بالقوميين
والمتأسلمين ، ذلك لمجرد أنهما غير مصريتين ، ويعد منحهما موجات
انتقاصا من السيادة الكبيرة جدا لمصر على أرضها ( وعلى محيطها الإقليمى لو
أخذنا بالتصريحات الجوفاء لكبار المسئولين ! ) . ربما القناتان الجديدتان تحديثيتان
بالفعل ، ’ نجوم إف إم ‘ للموسيقى العربية المسماة استهجانا
بالشبابية ، وNile One للأغانى الأجنبية الشابة جدا بالطبع .
كذا فنجاحهما خرافى ، فلا أحد تقريبا فى السيارات الخصوصية أو التاكسيات أو
حتى المايكروباصات الأجرة ، إلا ويقرع السائق باستهجان إذا لم يكن منغما
جهازه على إحداهما . وغنى عن الذكر بجانب هذا أن ذهبت فى خبر كان محطة
القطاع العمومى ، المحطة ذات المواصفات الحكومية الرشيدة ، التى لم
يعد يسمعها أحد ، محطة حلمى بكر ، محطة يا ليل ياعين ، المحطة
المسماة إذاعة الأغانى ، التى تريد عبثا العودة بالناس لبلاهات العصر
الحجرى ، عصر أم كلثوم ومن شاكلها . لكن كل هذا لا يبرر تجاهل أن إذاعة
سوا ( التى سبق وقلنا إنها
خليط مستحدث من الخبر الموضوعى الوجيز والغناء العصرى المسهب عربيا وأجنبيا
معا ، يكاد يلامس العبقرية من حيث تناغم مكوناته الثلاثة معا ) ،
يجب أن تكون فى الطليعة إطلاقا على موجات الإف إم ، قبل أى أعلام مصرى
حكومى بدائى أو خصوصى أفضل بدرجة ما ، رغم ضعف الموارد فى كلتا
الحالتين . ذلك بالطبع إذا ما افترضنا أن ثمة رغبة فى تنوير وانفتاح
حقيقيين ، لكن كما يقول جينجريتش ، العكس فقط أى التحريض هو المتاح
على أچندة الإعلام المصرى . وطبعا زيارات پاول وكلامه المائع دائما
أبدا ، لا يجبر أحدا على أية خطوات تنويرية ، بل يشجعهم على مواصلة ما
يسمى البيزنس كالمعتاد ، ألا وهو الانصياع الآمن ( وما هو بآمن قط
واسألوا الرئيس السادات ) ، لقوى التطرف والديماجوچية المحلية إسلامية
كانت أو قومية . السؤال فقط : نحو أى منصب
وظيفى بالضبط يسعى جينجريتش فى ولاية بوش الثانية ؟ أيا كانت الإجابة فهى
لن تسعد بحال الإعلام المصرى ! ] . [ تحديث : 20 يونيو 2003 : الانحياز
الصارخ الأعمى لكولين پاول للعرب تبدى مرة أخرى واضحا اليوم ،
بطلبه من إسرائيل الإنسحاب من شمالى قطاع غزة وبيت لحم ، حتى لو يكن هناك
’ وقف لإطلاق النار ‘ . تابع فى صفحة الإبادة لماذا كم هو فضيحة
مثل هذا الموقف ] . … طبعا العالم ما‑بعد العراق ، أوسع من أن
يكون موضوعا قصرا على هذه الصفحة . من أوائل الموضوعات قصة أبردناها اليوم
فى صفحة الليبرالية عن عضو العموم
چورچ جاللواى ، نقلا عن التليجراف ، تقول إن ’ العملية :
مريم ‘ لم تكن لوجه الله بالمرة . وأنه كان على قائمة المرتبات
الثابتة للاستخبارات العراقية بما قيمته نصف مليون دولار سنويا . آن الوقت
لنعرف كم كان بيزنس السلام بيزنسا مربحا جدا وليس مجرد شباب غر يتظاهر
عاريا ، أما حقارة اليسار فنحن نعرفها منذ يوم سقوط الباستيل . اكتب رأيك هنا 29 أپريل 2003 : اليوم
المشكلة أن العلاقات الأميركية‑السعودية
فى طريقها الآن لثلاجة عميقة ، لن تعود لحرارتها يوما إلا بلهيب المدافع
للأسف الشديد . المؤكد أن التجربة التنموية
السعودية المبهرة ، قد وصلت لنهايتها ، وما حدث اليوم ليس أكثر من
كتابة شهادة الموت الرسمية لها . ستنهار أسعار الپترول بلا رحمة ولا
اتفاقات چنتلمان كما الماضى الربيعى السعيد . والثمن ليس أكثر من استرضاء
حنجوريى المساجد هنا أو هناك ، ممن نجحوا على الأقل فى ترهيب السلطة
السعودية عن طرح مشروع كبير للعلمنة ، يضع التنمية على مسارها الوحيد
الممكن لمواصلة التقدم إلى المستقبل ، بعد أن باتت الحلول الوسط لا تعنى
سوى الانتحار البطئ . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 1 مايو 2003 : أوه !
يبدو أن الأميركيين لا يريدون للسعودية أن تخطئ الرسالة التى ينطوى عليها سحب
القوات . ما أن أقلعت طائرة رامسفيلد ، حتى كانت سكرتارية
الدولة ، تذكر رعاياها بأنها تنصحهم بعدم زيارة السعودية ( عرب نيوز ، MSNBC ، ولم تظهر بعد على موقع سكرتارية الدولة ) . التلكؤ فى دعم
الحرب على العراق ، أدى ‑كما حدث أو سيحدث لأية دولة أخرى‑ إلى
قطيعة . والقطيعة ستؤدى لمواجهة لا محالة . والسؤال فقط هو متى ؟
مرة أخرى : بكل أسف ! بمناسبة طائرة رامسفيلد اقرأ [ تحديث : 15 مايو 2003 : انفجارات
الرياض قبل
ثلاثة أيام أدت لرد فعل هائل ضد السعودية داخل أميركا . مثاله تصريحات
حادة اليوم
للمسئولين الأميركيين عن إهمال السعوديين لتحذيراتهم ، أو هذا المقال
الصارخ من الواشينجتون تايمز بعنوان لا يقول كل شىء هدية
مميتة من أصدقاءنا السعوديين ، لأن الجزء الأهم فيه هو هجومه على چورچ
دبليو . بوش نفسه ورأيه المخدوع فى الإسلام . الأمير عبد الله وغيره من
المسئولين أصبحوا لأول
مرة يتحدثون عن ملاحقة ’ المتعاطفين ‘ و’ الفكر ‘ الذى
يزين لهذا الإرهاب ، والمقصود الوهابية فيما هو واضح . هذا
جديد ، لكن لا جديد إن لم يكن المقصود منه العلمنة الكاملة ، ليس
للدولة فقط ، وليس بتصفية المؤسسة الدينية فقط ، إنما بتجنيد كل
الإعلام وكتب الدارسة وسيوف الجلادين لعلمنة العقول ، كل العقول . لا
نعتقد أن الواشينجتون تايمز محقة فى قولها إن الأسرة المالكة السعودية تقوم على
كتف الوهابيين ، لكن فقط خيط رفيع بين أن تقوم على كتف أحد وبين أن ترتعد
منه ] . [ تحديث : 18 مايو 2003 : لم
أتعاطف كثيرا مع كلام المسئولين المغاربة ، عن أن بلدهم بلد التسامح
والتعايش والتحديث والاقتصاد الحر و’ الديموقراطية ‘ ، هذا فى
سياق تعبيرهم عن استغرابهم لانفجارات الأمس
فى كازابلانكا . إنهم يعيشون تحت وهم أنك تستطيع التحديث أو أى شىء دون
اجتثاث الدين . يقولون ديننا فى المغرب معتدل ومتسامح …إلخ . هل هذا
يلغى لا عقلانيته ؟ هل هذا يمنع الشباب والشيوخ من الرجوع للأصول والحصول
من تحت غبار الزمن على النسخة الصحيحة من الإسلام ؟ إذا كان ملك البلاد
ذاته يدعو نفسه أمير المؤمنين ، فأية حداثة تلك التى تنتظرها منه أو من
رعيته ؟ القضاء على الدين شىء والتحديث
شىء . اجتثاث الدين ليس مشروعا للحداثة فى حد ذاته ، فالدين أتفه من
أن يسمى عدوا ، أو أن تبنى المشروعات ضده ، ذلك أنه مجرد رد فعل سلبى
تماما للفشل والهزيمة الحضارية لا أكثر . العدو الحقيقى هو تحديات اكتساب
التقنية ( ناهيك عن اختراعها ) ، بحيث يبدو الدين بجانبها منغصا
ثانويا بالكامل من الممكن إهماله . ربما هذا ما قاله التحديثيين المغاربة
لأنفسهم ، وكله صحيح باستثناء الجملة الأخيرة وصحتها كما يقول واقع
الحال ، منغصا ثانويا بالكامل لكن لا بد من اجتثاثه بالكامل . شئت أم
أبيت لا يمكنك أن تمضى فى جهد اقتصادى وعلمى وتقنى شامل ، مع تجاهل هذا
العامل ’ السلبى ‘ أو ’ الثانوى ‘ القابع فى قاع المجتمع
وعقله الجمعى ، فما بالك إذا كان هو بالفعل فى ذروة عنفوانه وانتشاره فى
هذه الأيام . لا نقصد بهذه بحال أنه عدو قوى . على العكس هو عدو أسهل
استئصالا مما يتخيل كل الهؤلاء الواهمين فى أن من الأفضل الاكتفاء بتحييده تحت
شعار فصل الدين عن الدولة . كل المطلوب الإرادة والوعى ، ونترك الباقى
للتعليم والإعلام والاقتصاد الحر وحبال المشانق .
هذا مما قلناه مرارا وتكرارا
نحو مائة مرة ، ونضطر لإعادته اليوم
من جديد . وكل كازابلانكا وأنتم بخير
و’ متحدثين ‘ ! ] .
1 مايو 2003 : اليوم كان يوم
الاحتفالات ! طبعا لا نقصد احتفال الشيوعيين بعيد الشغيلة ، إنما نقصد
احتفال أميركا بالنصر . تعلقت أنظار العالم باليو إس إس إبريهام لينكولن
تمخر عباب المحيط صوب سان دييجو ‑كاليفورنيا ، وطائرة نفاثة من طراز
إس 3 بى ڤايكينج تمرق هابطة إلى سطحها ، وتكاد تتوقف قلوب الجميع قبل
أن يدركيوا أن خطافها قد أمسك بالكيبول الرابع والأخير ، فكم كان سيكون
الأمر محرجا لو لم يلتقطها أحد تلك الخيوط الحديدى ، واضطرت للتحليق من
جديد . السبب أن أحد قائدى هذه الطائرة هو چورچ دبليو . بوش رئيس
الولايات المتحدة الأميركية .
الطيار قال ( باكرا فى الصباح التالى )
لتليڤزيون الإيه بى سى المهم ، كل هذا الاستعراض الأرضى الهوائى
المائى ، كان
بهدف إعلان أن ’ عمليات الاشتباك الرئيسة فى العراق قد انتهت ،
وأن النصر كان مظفرا للولايات المتحددة وحلفائها ‘ . والتذكير بقوة أن
هذا لم يكن إلا امتدادا لإجرائية بدات فى 11 سپتمبر 2001 ، وأن ما حدث هو
أن تم القضاء على ’ أحد حلفاء بن لادن ‘ ، وأن تلك كانت
’ 19 شهرا غيرت العالم ‘ . اللهجة موجهة للداخل كما هو واضح … … اقرأ نص
كلمة الرئيس بوش … اكتب رأيك هنا
1 مايو 2003 : التعيينات ‑أو سمها حديث الشهادات‑ مستمرة
وكلها مثير للاهتمام ، لكن اليوم
جاء القرار الكبير : تعيين إل . پول بريمر حاكما مدنيا للعراق ،
يترأس الچنرال جارنر ، بحيث يبدو الأول فيما استنتجته أشبه بالرئيس ذو
السلطة السياسية العامة والإشرافية ، والثانى برئيس الوزراء ذو السلطات
الخدمية والاقتصادية الداخلية .
كل القصص الغربية بما فيها أكبر الصحف وأكثرها
إطلاعا ، يرى فى هذا انتصارا لسكرتارية الدولة على سكرتارية الدفاع ،
ذلك أن بريمر دپلوماسى أصلا . هذه نكتة لأكثر من سبب ، أحدها بسيط جدا
أن سكرتارية الدولة لا يمكن أن تنتصر أبدا على سكرتارية الدفاع . لكن دعنا
من هذه العمومية ، ودعنا نتفحص تاريخ الشخصية ، بل والأهم منه طبيعة الصراع
المزعوم بين السكرتاريتين ، كلاهما عن قرب لنرى من انتصر حقا ( الشىء
الوحيد الذى لن نناقشه هو الهراء القائل إن هذا استرضاء للعرب بسبب ميول جارنر
الصهيونية الصارخة ، أو استفزازهم من كونه چنرالا ويريدون شخصا
مدنيا . طبعا لا أحد يفكر فى شىء اسمه العرب ، ولو فكر فهو يفكر فقط
فى كيفية استفزازهم وإثارة حنقهم لأبعد مدى ممكن . ربما التحفظ الوحيد على
جارنر المتخصص فى المساعدات الإنسانية ، أنه شخص أطيب مما يجب ، أو قل
أقل كفاءة مما يجب ، إذا ما قورن بسمات الحاكم الأعلى الجديد ،
المتخصص فى ‑صدق أو لا تصدق : الإرهاب ! ) . مبدئيا ، ما هو الخلاف بين سكرتارية الدولة وسكرتارية الدفاع ؟ الأولى تريد حكما مدنيا أميركيا بحماية طويلة المفعول من قوات
الاحتلال . والپنتاجون يريد استنساخ تجربته الناجحة فى أفجانستان ،
حكومة عراقية دمية ، أيضا بحماية طويلة المفعول من قوات الاحتلال ،
ويرى أن الحكم المحلى الصورى يسهل أشياء كثيرة . لو تسألنا رأينا تجد أننا
قلناه مرارا منذ شهور ،
وبالأحرى بداية هذا الجزء من الصفحة ، وهو الحكم العسكرى المباشر ،
بداهة تمهيدا لتحويله على المجرى الطويل لحكم مدنى مباشر مستتب للإمپراطورية .
والسبب ببساطة ليس فقط فشل محاولات العثور على كرزائى جديد وسط النخبة العراقية
المهترئة ، إنما وهو الأهم على المجرى الطويل أننا لا نؤمن كثيرا بعدم
الشفافية عند الپنتاجون أو غيره ، واعتماد أسلوب القضم والهضم
الإسرائيلى ، مع تجريده من واحد من أهم مقوماته ، وهو أن السياسات
الإسرائيلية بعيدة المجرى لا تخفى على أحد .
ليست رومانسية منا الإيمان بالشفافية ، بل هى
مسألة پراجماتية محضة . قلنا ألف مرة الحزم الأميركى يساعد الجميع على حزم
أمرهم والسير وراءها . لن نظل نعيش فى سلسلة من الأكاذيب ونعتمد على نسيان
العالم لها بعد قليل ( نزع أسلحة الدمار الكتلى ، قوات تحرير وليس احتلال ،
نشر الديموقراطية …إلخ ) . هذا أسلوب ردئ فى التربية نربأ بإمپراطورية
اللجوء إليه ، فما بالك لو كانت بعظمة أميركا الحالية ( وقلنا قبل
قليل إننا نقبله فقط لو كان اقتراحا من الحواسيب الذكية المبرمجة لتحديد
السياسات بعيدة المجرى ) . لعلنا لا نخاطر كثيرا إذا ما قلنا إن الموجود حاليا
ليس ذلك التنافس التقليدى بين حمائم الدولة وصقور الدفاع ، بل هو تنافس على
من يكون فيهما أكثر صقورية من غيره ، لا سيما بعد ما لاقاه مستر پاول من
تعنت وإهانات من جميع قوى المروق كبيرها وصغيرها ، ولا يتوقع أحد أن يستمر
للأبد مؤمنا بالأمم المتحدة مثلا . سكرتارية الدولة اقترحت بريمر ، ببساطة لأنه
( رغم وجه الطفل البشوش الذى يتصدر رأسه ) هو صقر صقورها . هو
ربيب ريجان شخصيا المكلف من قبله بملف الإرهاب ، وهو صاحب النبوءات عن خطر
الإرهاب ، ينافس فيها بجدارة نبوءات رامسفيلد وولفوويتز الشهيرة جدا
( باختصار بريمر قبضة فولاذية
بابتسامة طفل ) . تماما كما اقترحت باربرا بودين ، وهى من أفضل سيداتها
المتخصصات فى الإرهاب ورحب الپنتاجون . أيضا هو تنفيذى بيزنسى شديد
الارتباط بالشركات ، وهى السمة المشتركة فى كل التنفيذيين المختارين لإدارة
العراق . لا تنس أيضا أن تهميش أو حتى الاستغناء عن خدمات جارنر ،
تعنى بالضرورة تهميش أو حتى الاستغناء عن خدمات بعض مساعديه ، وبعضهم
بريطانيين أو غير أميركيين ، الأمر الذى سيعطى اتساقا ومنهجية للسلطة
الجديدة . ثانيا دعك من الشخصيات ، ولنعد للفكرة نفسها
مرة أخرى . بصراحة فكرة الپنتاجون الكرزائية ، هى فكرة حمائمية أكثر
مما يجب ، وتتعارض مع حقيقة أننا تجاوزنا بالفعل مرحلة الحاجة لحكومات
دمية ، حتى لو وجدنا لها اشخاصا باقتدار وعلم ومكانة حامد كرزائى . المطلوب حكم مباشر ، عسكرى ، لكن الأفضل
منه مدنى . هذا أعمق كثيرا من الناحية الشكلية والرمزية ، ويوحى
بالاستمرارية وباستقرار الاحتلال . أضف لهذا أنه متخصص فى الإرهاب ،
وهذا ملمح للخبرات التى تحتاجها ما تسمى بالمرحلة الانتقالية ، كقمع
الانتفاضات وتصفية الأيديولوچيات ، وهذه مهام مدنية أكثر منها عسكرية على
الأقل من حيث طبيعتها ، وليس تقليلا من خبرات الجيش الأميركى فيها . ثم أن سكرتارية الدولة لن تحكم هى العراق ،
وما لم أفهمه هو كيف مر الجميع مرور الكرام وهم يكتبون عن النصر المظفر
لسكرتارية الدولة ، على ذلك الجزء من التسريب الذى يقول إن بريمر سيكون
مرءوسا لسكرتير الدفاع دونالد رامسفيلد ( إن لم يكن للچنرال فرانكس ،
وهذا لا يزال خيارا قائما ) ، وليس لسكرتير الدولة كولين پاول .
هذا هو الشىء الوحيد الذى قد أفهمه من كلمة مرحلة
انتقالية . فلو استتب الأمن يوما ، فما الداعى لأن تتبع البلدان
المحتلة سكرتارية الدفاع ، بل لماذا تتبع حتى سكرتارية الدولة . لماذا
لا يتبع العراق سپنسر إبراهام سكرتير الطاقة
مثلا ؟ باختصار ، لا يجب أن ننسى فى كل الأحوال أن
الإمپراطورية مفهوم اقتصادى فى جوهره ، والأمن مجرد إشكالية ثانوية
( أو ’ انتقالية ‘ لو شئت ) فى التحليل الأخير . وفى
كل الأحوال نحن بصدد فكر إمپريالى جديد . ربما يتلمس طرقا جديدة لأول
مرة ، وربما يقع فى بعض الأخطاء وسوء التقدير ، ربما يقال البعض هنا أو
هناك ، لكن المؤكد أنه سينتصر حتما فى خاتمة المطاف ، وسيمنحنا ذلك
العالم الجديد المقدام الذى طالما حلمنا به . اكتب رأيك هنا [ تحديث : 2 مايو 2003 : لم
يكن مفاجأة لنا بالمرة أن أعلن رامسفيلد من فوره اليوم
ترحيبه الحار جدا ببريمر . من ناحية هو أول من جعل التسريبات شيئا
رسميا ، وليس أى أحد آخر . الأهم أنه بخبثه المرح المعتاد ، رد
حين سئل هل يستطيع شرح دور بريمر : ’ نعم أستطيع ، لكن لن
أفعل ! ‘ . ليس هذا الجزء الذى أعجبنى ، بل الجزء الوحيد
الذى لم يعجبنى .
العسكريون أناس ستراتيچيون
رائعون ، وهم من يصنعون مستقبلنا العظيم أفضل من أى أحد آخر . لكن
يتعاملون مع السرية كأنها شىء روتينى لا يفكرون فى تغييره قط . هذا مضر
أحيانا ، وأنا شخصيا بدأت أسأمه بشدة . مع ذلك إجابة رامسفيلد كشفت السر أكثر مما أخفته : مهمة بريمر
القضاء على القوى المعارضة للاحتلال ! … بالمناسبة قرار جيد الذى اتخذ مؤخرا
بالتصالح الأميركى مع جماعة مجاهدى خلق ، وهو اتفاق شرطه الوحيد عدم
استهداف أميركيين مقابل احتفاظ المنظمة بأسلحتها وأنشطتها ، وهو اتفاق
منطقى ما كان فى حاجة لاتفاق أصلا . من البدء كان من المدهش للغاية وضعها
على قائمة الجماعات الإرهابية عام 1997 ، وساعتها كان بودى أن أفهمه كنوع
من النكاية الغبية فى صدام ، لكنه كان أسوأ من هذا بكثير وكان مجرد محاولة
تقرب ذليل من الولاية الكلينتونية لإيران . نعم هى خليط ماركسى إسلامى أو حتى
صدامى ، لكن الأيام هى اضطرتها لمعظم هذا ، وتاريخها جيد فى الأصل منذ
تصدت للخومينى منذ البداية تقريبا ، والأهم أنها تظل قوة معارضة فاعلة ضد
ريچيم الملالى فى طهران ، وليست متخلفة جدا ككل . هذا يشبه على الأقل
حرب صدام ضد إيران والتى باركتها كل قوى التحضر فى العالم ، بدءا من أميركا
حتى دول الخليج ، رغم أن فى هذه الحالة لم يكن صدام نفسه يمت للتحضر
بصلة . المصالحة الجديدة يمكن قبولها على أنها ’ تسخينات ‘ مؤقتة
ضد ريچيم خامنئى‑خاتمى ، إلى أن يحين وقت التدخل المباشر لقوى
الحضارة ، والقضاء على نظم النشاز ، وتحييد أو إعادة تأهيل التيارات
الثانوية كمجاهدى خلق تبعا لدرجات طيف عدم التكيف فيها مع المسيرة الحضارية
الجلوبية . نقول تسخينات وليس تحالفات ، فالحضارة لا يجب أن تتحالف
أبدا مع قوى الظلام ، كما أنها لا يجب أن تسهم فى خلق قوة نشاز بديلة قد
تكون أسوأ أو حتى أحيانا أقوى . وهذا ما حدث مثلا فى حالة دعم إسلاميى
أفجانستان ضد السوڤييت ، التى كانت سوء تقدير مفجع للشر الكامن فى الإسلام أكثر بما لا يقاس من
شرور الشيوعية . على الأقل المبدأ البسيط يقول إنك إن لم تشأ التدخل بنفسك
فلا تناهض من هو أقل سوءا ضد من هو أكثر سوءا . هذا كان ينطبق على الشيوعية
والإسلام ، أو حتى على العروبة والإسلام ، ولم تدركه أميركا
( بالمناسبة طالما رأينا أن حرب العراق ضد إيران الملالى كانت حربا جيدة
الأهداف حتى لو كان من شنها صدام البغيض نفسه الذى كان من المستحيل أن يبيض وجهه
أى شىء ) . واليوم من المؤكد أن مجاهدى خلق ليسوا أسوأ أبدا من حكومة
الجمهورية الإسلامية ، ولا بأس أن أدركت أميركا هذا باعتبار ما عرف عنها من
فهمها البطئ المعهود ! ] . [ خطوة أبعد اتخذت فى 26 يوليو 2004 ،
برفع الحظر على تحركات مجاهدى خلق داخل أو خارج العراق ، بعد أن كانوا
محدودين بمعسكرات مراقبة أميركيا . هذا يعنى منحهم وضعية اللاجئين لدى
حكومة العراق ، ومن ثم يمكنهم كأى لاجئ سياسى التقدم لوكالات الأمم المتحدة
أو لأية دولة أخرى للمساعدة أو السفر …إلخ . الجيد فى هذا والذى يوحى أنهم
ربما يعودون للنشاط المسلح نفسه ، أنه تزامن هذا القرار مع سلسلة تصريحات
ساخنة جدا ( انظر بصفحة الإبادة )
للمسئولين العراقيين توحى بأنهم قد يشنون الحرب على إيران ولو بدون أميركا لو
احتاج الأمر ! مع ذلك يبقى السؤال : لماذا لا تشطب أميركا رسميا مجاهدى خلق من قائمة
المنظمات الإرهابية ، بل وتعلن صراحة أنها ارتكبت غلطة أخلاقية يوم وضعتها
على تلك القائمة ، وهو يوم لم تكن تضع فيه المنظمات الإسلامية نفسها
عليها ، ربما باستثناء القاعدة ، وتعترف أنها كانت فقط تسترضى العرب
والمسلمين ، بالإيحاء بأن من يعارضون ريچيم ملالى طهران هم أيضا
إرهابيون ! ] . [ تحديث : 6 مايو 2003 : رسميا
أعلن الرئيس بوش اليوم
تكليف بريمر بالمهمة ، واستقبله فى البيت الأبيض ، بحضور كولين پاول
وكوندولييززا رايس ، وطبعا دونالد رامسفيلد الرئيس المباشر لبريمر من الآن
فصاعدا . لن نكرر نفى السذاجات عن صراع سكرتارية الدولة وسكرتارية
الدفاع ، فصور حفل اليوم وفحواه تقول الكثير ، بل علم أيضا أن
رامسفيلد هو من اقترح اسم بريمر أصلا وعرض الفكرة على پاول . ببساطة ذلك
الصراع أصبح أقرب لمجرد تاريخ اليوم ، بعد نضج الفهم المتسارع لسكرتارية
الدولة عن الطبيعة العدائية المتأصلة خبثا لقوى النشاز بحيث لا تحتمل
التفاوض . ورأينا قبل قليل أعلاه ، كيف كان التعامل صارما مع
فرنسا ، وكيف كانت زيارة پاول لسوريا وجيزة وبلا ملاحق مستقبلا ، وفقط
لنقل الأوامر مرة واحدة واضحة وأخيرة ، ثم إحالة الملف لرامسفيلد إن لم
تنجز كلها فورا وبالكامل . وتلك الإحالة هى ما سيحدث فعلا كما يعلم جميعنا
عن الطبيعة الثعبانية لبشار الأسد ، الذى لم تعد تفلح نعومته مع أى أحد
اليوم بما فى ذلك تونى بلير نفسه ( هل تذكر القصة القديمة المضحكة ؟ ) .
[ اقرأ أيضا المزيد ،
صورة عن قرب لبريمر وتاريخه فى التحذير من أن الإرهاب الإسلامى سيضرب داخل
أميركا ، ثم تعيينه بعد 11 سپتمبر 2001 كرجل كرسى للشركة الاستشارية
المتخصصة فى الشئون القانونية للإرهاب والكوارث الطبيعية Marsh
Crisis Consulting ] . لكن الجديد هو أن حسم رسميا لأول
مرة اليوم ، أن السلطة التى ستؤول لبريمر هى سلطة الچنرال فرانكس
نفسها ، أو للدقة معظمها والبقية عبر انتقال تدريجى بالطبع . المهم
أنه لن يكون فى مرتبة وسيطة بين فرانكس وجارنر كما كان الباب مفتوحا حتى
الآن ، فيما يفهم من تحديثنا السابق أعلاه .
بمعنى آخر أن العراق بوضوح كبير لم يعد بعد تحت الحكم العسكرى
الأميركى ، بل تحت الحكم المدنى الأميركى . هذه وضعية أكثر اندماجا من
وضعية أفجانستان ، التى تتمتع رسميا بحكومة قومية كامل أعضائها من
المواطنين الأفجان على قمتها الرئيس كرزائى ، ويقوم فيها الأميركيون بمهام
استشارية فقط ، ولو من الناحية القانونية الشكلية على الأقل . وضعية
العراق هى نفسها تقريبا ‑وإن بدون معاهدات رسمية بعد‑ نفس الوضعية
التى تتمتع بها حاليا كل من البلاد الأربعة عشر التالية ( الأصغر جدا من
العراق بالطبع ) ، وكلها لها نفس حالته حيث تعد من الناحية القانونية
دولا ’ مستقلة ‘ تتعامل مع العالم ومؤسساته بهذه الصفة وترفض أميركا
ضمها لها كولايات وكمواطنة ، لكنها تقع جميعا تحت الحكم المباشر لموظفين من
الحكومة الأميركية ، أو ما يسمى فى معاهداتها معها فى حالة ’ اتحاد
سياسى ‘ مع الولايات المتحدة أو commonwealth
in political union . وهى بترتيبها الأبجدى : American Samoa, Baker Island, Guam, Howland Island,
Jarvis Island, Johnston Atoll, Kingman Reef, Midway Islands, Navassa Island,
Northern Mariana Islands, Palmyra Atoll, Puerto Rico, Virgin Islands, Wake
Island . تطور جديد
رائع ، هنيئا به لشعب العراق ، وإلى المزيد له ولغيره ولعالمنا
ككل ، من الوحدة تحت راية الإمپراطورية الواحدة ] . [ تحديث : 16 مايو 2003 : أيضا
فقد قال قادة المعارضة العراقية الذين حضروا أول اجتماع عقده بريمر فى بغداد
اليوم ، إنه قال لهم إن أميركا جاءت كى تحكم العراق للأبد . رسميا هو
نفى هذا لاحقا . لو هناك أحد صادق والآخر كذاب ، فنحن نميل لتصديقهم
هم وتكذيبه هو . لكن لو ليس هناك من يكذب ، فما قاله بريمر ومرافقه
الدپلوماسى البريطانى چون سووارز المندوب السامى البريطانى الجديد للعراق هو
بالضبط أن أميركا وبريطانيا قد نحيتا لأجل غير مسمى فكرة تسليم العراق لحكومة
مؤقتة من العراقيين . وافهمها أنت بقى . الصحافة الغربية فهمتها على
أنها تطور درامى مثير . إليك فقط خط القمة فى النيو
يورك تايمز : In Reversal, Plan for Iraq
Self-Rule Has Been Put Off ! ] .
9 مايو 2003 : عفوا ، لنخرج قليلا من حديث التعيينات الضيق ، لنبحث
إشكالية الإمپراطورية من منظور تاريخى بعض الشىء . فالقضية أعمق وأصعب حين
تحاول تحليلها بدقة . المناسبة هى مبادرة بوش الجريئة اليوم
لإنشاء منطقة تداول حر بحلول عام 2013 ، مع كل البلاد العربية التى تحقق
حدا أدنى من الليبرالية الاقتصادية والعلمنة الثقافية ( وهى كما قلنا مرارا من قبل هما المقصودان الأساس بكلمة
الديموقراطية ليس فى خطاب چورچ دبليو . بوش المعاصر ، إنما فى التعريف
التاريخى الأميركى للكلمة ) .
سنقول رأينا الشخصى فيها بعد قليل ، لكنها
إنطلاقة جيدة بلا شك هى كتابات نيال فيرجيسون المؤرخ البريطانى القدير والنجم
الأكبر فى كتابات الأيام الأخيرة . كتابه صعود وأفول الترتيب
العالمى البريطانى ودروس للقدرة الجلوبية ، يتخذ طريقه بسرعة كدستور
للفكر الإمپريالى المعاصر ، حيث أنه يربط دوما بين خبرته فى تحليل تاريخ الإمپراطورية
البريطانية وبين ’ القدرة الجلوبية ‘ التى يقصد بها أميركا
المعاصرة . كتاب ممتاز ، تماما كما مقالة المطول مؤخرا فى
مجلة النيو يورك تايمز بعنوان ’ الإمپراطورية تنسل عائدة ‘ The Empire Slinks Back ، الذى يعتبر تحديثا للكتاب بناء على ما ظهر من عقبات
واقعية فى تجربة إرضاخ أميركا للعراق ، والصورة المرفقة لجيش جلالة الملك
فى بين الرافدين Mesopotamia إبان
الحرب العالمية الأولى .
المقولة المحورية فى كتابات فيرجيسون لا غبار عليها
بالمرة ، وتؤكد صحة توجه الرئيس بوش فى مبادرة اليوم : الاقتصاد الحر وليس أى شىء آخر ، هو الرسالة
الجوهرية للإمپراطورية البريطانية . هذا يعنى حرية جلوبية لتداول
السلع ، ولانتقال رأس المال ، ولحرية الكدح ( إلغاء
العبودية ) ، وهو الذى يميزها عن إمپراطوريات الشر التى حاربتها
ياپانية وألمانية وإيطالية وسوڤييتية . هنا نبدأ فى مناقشة
فيرجيسون . إنه لا يضم هنا الإمپراطورية الفرنسية . هذه مشكلة ،
لأنه لا يمد الخيط على استقامته ليقول إن عظمة الإمپريالية البريطانية أنها كانت
مفهوما اقتصاديا محضا ، بينما كل ما عداها كان مدفوعا بـ
’ أيديولوچية ‘ ما بدرجة أو بأخرى . المشكلة الثانية أنه يستهين بمقاومة العالم الثالث
لها ، معتبرا أن سقوطها كان بسبب كلفة محاربتها لإمپراطوريات الشر
تلك ، وليس لمقاومة السكان المحليين . هذا صحيح على نحو عام ، لكنه
يصبح قليل الأهمية حين يصبح موضوع الحديث هو المصاعب التى تواجه بناء
الإمپراطورية الأميركية الآن . ثم رأى يقول إن الإمبراطورية الأميركية جلوبية
الاتساع قائمة فعلا منذ لحظة سقوط الاتحاد السوڤييتى ، سواء احتلت
العراق وكل العالم عسكريا ، أو تقوقعت قواتها داخل حدودها ، فالمهم هو
جبروتها الاقتصادى كحقيقة واقعة تفرض نفسها على كل ركن فى الكوكب ، التى
تشكل نسبة منه تزيد عن أربعة أضعاف النسبة التى كانت تشكلها بريطانيا إبان
جبروتها الإمپراطورى فى ربع القرن العشرين الأول والتى كانت مجرد 8 0/0
فقط
مقال فيرجيسون المذكور ، أكثر واقعية بكثير من
كتابه ، ومتأثر بوضوح بتجربة الأيام الأولى لحكم أميركا للعراق . بل
عبارته الأخيرة جدا تقول إن ’ المشروع
الإمپريالى الأميركى الذى لا يتفوه به أحدا اليوم ، قد تأتى نهايته سريعا
غدا أيضا دون أن يتفوه بها أحد ! ‘ .
فيه يذهب لمقارنات مثيرة بالأرقام عن تدافع صفوة المجتمع البريطانى ( نصف
من تدافعوا إلى المستعمرات كانوا من خريجى أوكسفورد وكيمبريدچ أو الـ Oxbridge ! ) ،
وبين رغبة الشباب الأميركى فى البقاء فى رفاهية نيو يورك ( من بين نحو
الخمسين ألفا من طلبة ييل المنخرطين حاليا يوجد طالب واحد فقط تقدم للدراسات
العليا فى لغات وحضارات الشرق الأدنى ! ) . يعول فيرجيسون على
التوعية وعامل الزمن اللذين سيغريان بخلق جيل إمپريالى أميركى ، أو كما
يقول لا يمكنك بناء إمپريالية بدون إمپرياليين ، أو بقول سينيكا الذى يصدر
به المقال : حيثما يغزو الرومانى فإنه يقطن . لكن الحقيقة أن المقال
كله مقارنة بين هذا المفهوم وبين ما يسميه النفاق الأميركى المنظم organized hypocrisy ، ويذكرنا برواية جريهام جريين ’ الأميركى
الهادئ ‘ ( هل مصادفة أن العالم يشاهدها حاليا فى فيلم هولليوودى
لمايكل كين ؟ ) ، ليبرهن على أن المنهج الأميركى فى الحكم من
وراء الستار أو بحكومات دمية من المحليين ضعاف الشخصية ، لا يصلح هو
الآخر ، لأن الشىء الوحيد الفعال هو الحكم المباشر بواسطة أميركيين نابهين
أكفاء وأقوياء الشخصية . ( المفارقة أن الشىء الثالث الذى يعول عليه
فيرجيسون بخلاف التوعية والوقت هو المنظمات غير الحكومية متناسيا طبيعتها
الإنسانية المناهضة للفكر الإمپريالى من الجذر ! ) .
فى صفحة الليبرالية
ظلنا لسنوات نبشر بالنموذج التشيلى كمفتاح وحيد للنهضة للشعوب المتخلفة :
حكم عسكرى يمينى يفرض الاقتصاد الحر بالحديد والنار . هذا نجح فى النهوض
بتركيا وإسپانيا والبرتجال واليونان والنور الآسيوية وطبعا تشيلى كانت النموذج الأخير
الباهر . تمر الأيام ولا يحدث شىء ، ولا بد أن يتسلل لنا الكفر
التدريجى بالنموذج التشيلى كنموذج صالح للبلاد العربية والإسلامية ، وربما
تكون أصح ما فيه كلمة ’ الأخير ‘ تلك ، فلم يعد هناك مكان آخر فى
العالم يصلح فيه تطبيق هذا النموذج من النهضة بعد الآن . صحيح أننا تحدثنا مبكرا جدا وبوضوح جدا عن الخيار كاستر ، بل وكان ما
دارت حوله بدرجة أو بأخرى صفحة الثقافة
نفسها قبل عقد من الزمان ، كما أسسنا صفحة الإبادة
حتى قبل 11 سپتمبر بنحو عام كامل ، لكننا لم نلح كثيرا على ما قد يفرقنا عن
السنجافوريين والشيليين ، والذى للأسف لا يفوقه قوة إلا ما يجمعنا بالهنود
الحمر والأبوريچين ، وكأن عقلنا الباطن يرفض هذا البديل المخيف ويمنى نفسه
بالحلم التركى أو الكورى . حين نكتب ونلح على تجارب النهضة والجنرال
پينوتشيت ، فإننا ولو بسبب عقولنا الباطنة ساذجة التفاؤل ، نناقض ما
نكتبه عن الخيار كاستر أى الإبادة . هذه غلطة يجب الاعتراف بها الآن .
ما يحدث هو أننا نهون ‑أو قل بالأحرى نتناسى عن عمد أو لا شعور‑
اختلافا جوهريا جدا بين الحالتين ( كاستر وپينوتشيت ) ، هو طبيعة
العدو . أى طبيعة ذلك التخلف الذى يحاربه الحكم التحديثى سواء كان حكما
محليا مستقلا فى كل النماذج المذكورة ، أو حكما مما يسمونه
الحداثيون أو المستعمرون فى حالتنا العربية‑الإسلامية
لا يحاربون أناسا ساعين للرخاء مشكلتهم فقط أنهم أغبياء أو رومانسيون ، لكن
يحاربون أناسا لا يسعون للعصرنة أصلا ومستعدون لمقاومتها بكل ما أوتوا من
قوة . الواقع نحن أسوأ حتى من سكان أميركا وأستراليا الأصليين ، ذلك
أننا لسنا فقط مجتمع عشائرى لم يرتق بعد لمستوى عصر الإقطاع وميئوس بالكامل الآن
من تطورها ، بل أننا مستعدون لما لا نهاية له للانتحار ( أو ما يسمى
الاستشهاد ) ضد ذلك المستعمر ، من أجل ما يسمى ثقافتنا
وكرامتنا . عما قريب ستذهب
السكرة وتأتى الفكرة . وسيكون بإمكان حفنة محرضين تافهة من الوطنيين أو
الإسلاميين ، تقويض كل مشروع للأمن أو الاستقرار فى العراق . وعندما
يقضى عليها ستظهر أخرى ، وهكذا . ذلك ما لم تكن ثمة حلول جذرية
تأباها ، بل لم تفكر بها حتى الآن أصلا ، الشفرة الأخلاقية للغرب
المستكين الوادع . نعم ، الشباب الأميركى محق فى رفضه الذهاب
للعراق أو السعودية ، حيث الاحتمال غير قليل أن تكون نهايته قنبلة تنفجر
فيه وهو نائم . الوضعية أسوأ لدى المقارنة حتى بالإمپراطورية البريطانية
الاحتلال المعاصر هو احتلال شركات بالأساس ، أى جيوش من ذوى الياقات
البيضاء يأتون من أجل الرواتب الضخمة وامتلاك الضيعات ومتع الحياة المختلفة ،
وليس من أجل حمل السلاح أو التلفت خلفهم مع كل خطوة . باختصار : لا يجب أن ننسى أبدا أن العدو فى حالة الچنرال پينوتشيت كان
مختلفا تماما عن العدو فى حالة الچنرال كاستر !
لعل لا نقول شيئا جديدا هنا . فكما تعلم فإن
تشخيصنا الثابت الذى توصلت إليه قناعاتنا بارتياح نهائى منذ سنوات ، هو أن العرب والمسلمين هم الأقرب ذهنيا وثقافيا للهنود
الحمر والأبوريچين من أى شعب آخر عرفه التاريخ . المنطقى بناء على هذا أن
سوف تظهر بينهم فئة محرضة تقاوم الاحتلال ، الذى على العكس مرحب به من عموم
الشعب على نطاق واسع ، وجلى جدا . ويا لها من مفارقة أن الشعب السعيد
بالاحتلال الآن ، قد يجد نفسه بعد قليل مضطرا للتضحية بحياته بسبب مروق
وغباء البعض منه . المعادلة كما تتلوها علينا قوانين الطبيعة
والأنثروپولوچيا ، بسيطة : إذا كان لا بد من إبادة كتلية للهنود الحمر
والأبوريچين حتى تصبح أميركا وأستراليا من بلاد العالم الأول اليوم ، وليست
مرتعا للعناكب والدبابير والصراصير والتخلف ،
فإن الحل أجدر بما لا يقاس بالعرب والمسلمين . طبعا نعلم أن قلة ضئيلة
للغاية هى التى تتقدم للعمليات الانتحارية ، ونعلم أن العلمنة ومحو الإسلام
من كتب الدراسة ومنابر المساجد وشاشات التليڤزيون خطوات جيدة قد تقدم
عليها أميركا ، وسيكون لها آثارها الإيجابية بالقطع . لكن ما نجادل
فيه استباقيا هنا أنها لن تكون كافية أبدا يوما . يكفى قناص واحد ناهيك عن
جيوش ’ الاستشهاديين ‘ الذين يشترون فاتنات الحياة الآخرة بحياتهم
الدنيا البائسة ، كى يجعلوا من حياة المستعمرين جحيما . وأولئك لا
يمكن استئصالهم لا بالإجراءات الأمنية ولا بالتوعية ، بل بالإبادة الكتلية
لقطاعات واسعة من السكان ، أو على الأقل التلويح القوى بها ، وتنفيذ
عينات منها فى القرى أو الأحياء التى لا تستطيع اجتثاث أبنائها الإرهابيين
( نوع ما من فكرة ديرشوويتز
الشهيرة ) .
بالقطع هذه ليست دعوة للإبادة من أجل
الإبادة ، ومن الصعب أن يكون ثم رأى نهائى فى هذه القضية ، والواقع
حافل بالمستجدات وربما المفاجآت المفرحة أحيانا . وأيضا قد يقول قائل إن من
الممكن التعايش مع مستويات معينة متدنية ما من الإرهاب ، وهذا ما قد تفلح
فيه أميركا فى أراضيها المحتلة ولن يعوق الاستثمار والتنمية وتقاطر المستوطنين
من البلاد المتقدمة إليها . لكن يجب أن نلاحظ أن الوضع يختلف ما بين مجتمع
متقدم عقلانى وناجح اقتصاديا ، وبين مجتمعاتنا المتخلفة الجاهلة التى يقوم
فيها التحريض الوطنى والقومى والدينى والطبقى بفعل يفوق السحر فى تدميره . هذا يجعلنا للأسف أكثر ميلا للقول إن الوقت تأخر
جدا . لم يعد الحل الپينوتشيتى
ممكنا . لم يعد واردا بناء اقتصاد دارونى حر من خلال ديكتاتورية عسكرية
يمينية . العدو لم يعد الشيوعيين والفقر والأيديولوچية اليسارية .
تفاقم الفشل الاقتصادى وهوة الحداثة ، بحيث سيطرت الأيديولوچية الإسلامية
غير الدنيوية أصلا . يوما بعد يوم يتأكد أن لا نقاط التقاء ، وها قد
خلعت كل القفازات ، إما أن يبيد الغرب العرب والمسلمين وإما أن يبيدوه
[ يكفيك دليلا رسالة
أيمن الظواهرى الجديدة ] . الشعوب العربية والإسلامية ، بما
فيها شعوب الخليج غير الفاشلة اقتصاديا ، ستذهب ضحية لهذا الوضع
المأساوى ، ذلك أنها قد لا تستطيع أبدا القضاء على القلة الإرهابية
الانتحارية فيها .
المؤكد أن أميركا تتعلم بسرعة ، وتجربتاها فى
أفجانستان والعراق تستحقان التقدير حتى الآن . أيضا لا تنس أن هناك على الأرض بجانبها بريطانيا بتاريخها وخبرتها
الاستعماريين العظيمين . وهذا حتى اللحظة أمر مثير
للطمأنينة على العكس مما كان يمكن للمرء توقعه فى البداية من بلد يقع تحت حكم
حزب يسمى حزب الكدح يرفع شعارا اسمه الطريق
الثالث ، لكن لحسن الحظ البلد لا يزال اسمه بريطانيا وچيينات شعبه لا
تزال كما هى لم تتغير . كذلك لا تنس أن الحلف الأنجلو‑يهودى الذين
بشرنا به قبل تبلوره بسنوات طويلة ، قد وصل حاليا لمرحلة عالية من
النضج والرؤية والخبرة ، والأهم منها إيمانه الآن أكثر من أى وقت مضى بدوره
التاريخى المحتوم فى قيادة العالم ، كل العالم ، ورغم كل
التحديات . الصورة الآن كما يلى : كل العالم يعترض ولا يقدم شيئا ، ليس لدى أى
أحد أى مشروع للمستقبل ، حضاريا كان أو حتى ظلاميا ، فقط
اعتراضات . الوحيد صاحب المشروع لمستقبل العالم هو اليمين الأميركى ،
ومن خلفه بقية الحلف الحضارى الأنجلو‑يهودى . مشروع محوره هو
الاقتصاد الحر ، ودفع عجلة التنافس فى قرية جلوبية واحدة موحدة اقتصاديا
وثقافيا وسياسيا إلى أبعد مدى ممكن . الآخرون لا يملكون سوى إثارة الصخب
حول ضحايا هذا المشروع ، وبالأحرى هم ضد أى مشروع ، حيث لا مشروع بلا
ضحايا ! على أن الصورة ليست وردية بالمرة . مثلا لا
يجب أن ننسى أن البريطانيين هزموا فى نهاية المطاف ، وأننا أشد ما نكون
الآن فى حاجة إلى دماء وطزاجة وأفكار جديدة تفعل الفكر الإمپريالى فى طوره
الجديد ، تستفيد من خبرة الماضى ، وتأتى بستراتيچيات وتكتيكات وأن
يكون أكثر جرأة وطموحا من كل ما مضى ، بما فى ذلك عدم استبعاد خيار
الإبادة ، لو تطلب الأمر ذلك .
هذه ليست افتراضات جدلية أو
اقتراحات جامحة . بريطانيا لجأت فعلا للإبادة فى العراق ، كانت
الطائرات اختراعا جديدا بعد ، وربما كان يجدر بمعنى الكلمة تسميته سلاح
دمار كتلى WMD . كانت القرية تباد من
الجو فى دقائق معدودات . وأصبح اسم الشهرة لقائد سلاح الطيران الملكى Arthur 'Bomber' Harris . تلك كانت الطريقة
الوحيدة لدحر تكتيكات حرب العصابات . … آخر شىء بوسع المرء أن
يتخيله هو أن تكرر أميركا ذات الغلطة ! مع ذلك المؤكد أيضا أن أميركا تقف على أرضية مبعدة
فى إنسانيتها تجعل الطريق طويلا جدا أمامها قبل الوصول لهذا الفهم الكامل لطبيعة
المشكلة . دع جانبا مشكلة هى نفسها مع نظامها الانتخابى الذى يحدد مدة
الرئيس بأربع سنوات ، والتى يقضى تقريبا على كل مشروعات التفكير بعيد
المجرى فى مهدها ، ناهيك عن كونه فى نهاية المطاف إسناد المرجعية العليا
للشعب الذى يسهل نسبيا اللعب بعواطفه . ولعل من المناسب فى هذه اللحظة
التذكير بقصة قديمة عن أحد رؤساء أميركا
اسمه ريتشارد نيكسون فكر فى إعلان حالة الطوارئ وحل الپرلمان !
عامة لم يعرف العالم فى كل
تاريخه من قبل دولة تقود إمپراطورية جلوبية الاتساع ، بينما تدار هى داخليا
بديموقراطية تليڤزيونية . لا نعلم بالضبط ما هو حل هذه
المعضلة ، لكنها قاعديا وضعية تحتاج لنوع ما من الديكتاتورية وتركيز
القرار ، وربما يتوصلون مثلا لإنشاء مجلس أعلى للمستعمرات مستقل عن الأحزاب
والانتخابات ، ليكن فيما يشبه إدارة بنك الاحتياطى الفيدرالى مثلا .
لا نعلم ، وربما نعود لبحث مثل هذه المقترحات لاحقا . وللمثقفين العرب نقول لا تنساقوا
وراء أوهام التحريض كثيرا هذه المرة . المقاومة ستكون غباء نادرا من
نوعه . المستنقع الڤييتنامى والفرار من الصومال …إلخ ، أشياء
وقعت قبل الحادى عشر من سپتمبر . لم يكن المواطن الأميركى آنذاك قد هوجم فى
عقر داره ، وكان من السهل لليسار أن يضلله بأن لا معنى لإرسال أبنائه لمجرد
الموت فى تلك الأصقاع البعيدة من الجلوب . الآن الشعب متأكد أنه لو سحب
قواته من العراق أو مما سيليها من بلاد محتلة ، سيتكبد هو نفسه وعلى التربة
الأميركية نفسها خسائر أكبر بكثير .
فى كل هذا شىء واحد نحن واثقون
منه هو أن أميركا لن تستطيع النكوص والانسحاب ، حتى لو اقتضاها الأمر إعادة
النظر فى نظامها السياسى هى نفسها ، فقد علمها 11 سپتمبر أن ذلك هو
الانتحار عينه . بديهى كذلك أيضا أن العالم لا ينقصه السكان ، وشباب
الصين والهند شباب متعلم بارع متشوق لاستيطان وتعمير بلاد العرب والإسلام وبأقل
التكاليف والأجور ، ذلك فقط إذا ما احتضنتهم أميركا ومهدت لهم البيئة
الخالية من السكان الأصليين العدوانيين بطبعهم والمستعصين على كل إصلاح .
فى كل الأحوال لا يجب أن تنسى أن للقضية أبعادا چيينية لا حل لدى أحد
لها ، وأننا بالمثل فى كل الأحوال مقبلون على عالم ما
بعد‑إنسانى لا يحتاج لكثير من البشر أصلا ، بل لا تنس حتى أن
مجرد إفعال الاقتصاد الحر هو ضمنيا إبادة من نوع بطئ وغير محسوس ! شىء آخر مؤكد وليس لدى شك
فيه : الإمپراطورية الأميركية ستكون الأعظم فى كل التاريخ ، … الخلاصة : مبادرتك حسنة النية مستر بوش ، مبادرة كبيرة جادة وسخية
بالفعل ، أيضا واضحة بدليل أنك وقعت قبل
72 ساعة بالضبط معاهدة مشابهة للتداول الحر مع سنجافورة وسحقت بلا رحمة آمال
تشيلى فى شىء مشابه لأن المطلوب هو الولاء المطلق وليس الولاء 99 0/0 ،
وأخيرا مبادرتك قطعا ليست كمبادرة پاول الكاريكاتورية ذات الملايين التسعة
والعشرين المضحكة قبل خمسة
أشهر [ أو حتى مبادرة بوش نفسه الكلامية بعد ستة شهور أخرى عن إشاعة
الديموقراطية فى العالم العربى ] . لكن بدون وضع الإبادة الكتلية فى
الاعتبار لن يكون مصيرها أكثر من نصيب أحلام ماركوس أوريليوس بعالم مسالم مزدهر
متآخى . وأنت طبعا تعلم ما جرى لماركوس أوريليوس وإمپراطوريته الرومانية
العظمى . بعبارة أخرى : الپندول النووى الذى بدأناه فى 9 مارس 2002 لا يزال يدق ،
ولن يكف أبدا عن الدق ! اكتب رأيك هنا [ خبر هدية ! : 22 مايو 2003 : السينيت يصرح اليوم برفع
حظر كلينتونى سابق على بحوث الأسلحة النووية الجديدة . إجراء شكلى فالبندول
يدق فعلا منذ 9 مارس 2002 .
وما حدث اليوم هو ترخيص له بالعلنية ومزيد من التسارع ! ] . [ تحديث : 20 ديسيمبر 2003 : بمناسبة نيال فيرجيسون ، وقعت اليوم بالصدفة Neo-Conservative Reading List: All are part of the New American Century
project whose thoughts were summed up by Stephen Peter Rosen (Yale) in The
Wall Street Journal: ‘We will be called imperialists regardless, so we might
as well be competent imperialist.’ Machiavelli, Hobbes are openly cited as
intellectual mentors, I suspect Nietzsche is lurking in the shadows and made
to speak through the mouth of Ortega y Gasset. Niall Ferguson, Empire (does the U.S. have the stomach to assume its ‘imperial responsibilities?’); Robert Kaplan, Warrior Politics (a call for leaders with a ‘Pagan Ethos’); Donald Kagan, Of Paradise and Power (the US is powerful and thus ‘realistic’ about the use of power, the Western Europeans are weak and thus dream liberal fantasies); Eliot A. Cohen, Supreme Command (war is too important to be left to the generals, civilian strategists, i.e. Cheney, Wolfowtitz, Perle, and their likes should plan and execute them); Victor Davis Hanson, An Autumn of War (A Manichean view of good wars against bad people; it is good for the soul of democracies); Donald Kagan and Frederick Kagan, While America Sleeps (only Reagan-like strategies succeed in a dangerous world); Joshua Muravchik, The Imperative of American Leadership (the ‘can-go-it-alone’ doctrine spelled out). … نتمنى لو نقرأها جميعا مثلهم ! ] . [ تحديث :
2 يناير 2004 :
22 مايو 2003 : الشرعية الدولية التى
طالما طنطن لها العرب دون غيرهم من شعوب الأرض ، حسمت اليوم
أمرها بقرار من مجلس الأمن يعطى قوات الاحتلال السلطة على كامل العراق وشئونه
السياسية والاقتصادية وكل شىء ، ولمدة هى ‑صدق أو لا تصدق‑
أجلا مفتوحا لما لا نهاية ! ( اقرأ النص الكامل من النيو
يورك تايمز ، ولا شك أنه سيتاح لاحقا على موقع الأمم المتحدة على الغشاء ) . كل الدول وافقت بما فيها فرنسا وروسيا اللتان لا
تخجلان من نفسيهما أبدا . سوريا المتذاكية لم تحضر الاجتماع لكنها فى خطوة
مدهشة أعلنت موافقتها بعده . وطبعا ذكاء الجرذ الدمشقى لم يدله على أن هذا
التصرف الشاذ سيثير غضب أميركا والعرب عليه سواء بسواء . بل لا أدرى كيف لم
يزين له عقله الساذج أنه طالما انتوى الموافقة ، فإن حضوره الجلسة وإعلانها
فيها ، كان سينال من وراءه من رضا أميركا الكثير الجزيل الوفير ، هذه
التى يعتقد دوما أن بإمكانه مرواغتها فى لعبة توم وچيرى حتى آخر الزمان ،
وأنها لن تلتهمه قط ! أعتقد أن العقل الذى يحرك اللا عقول القابعة هناك فى
طهران ودمشق هو عقل حسن نصر الله ، الذى باع الترامواى للجميع وأوهمهم أنه
طرد إسرائيل من لبنان ( ناقشنا هذا فى
حينه ) وسوف يطرد أميركا من كاليفورنيا لو شاء . …
أثار ما كتبناه عن دور الحواسيب الذكية فى التخطيط
الستراتيچى للعالم ، الكثير من الفضول والتساؤلات ، ويلاحظ بالأخص أن
ارتفعت معدلات تنزيل كتابنا حضارة ما
بعد‑الإنسان . بعض القراء أساءوا فهم هذا ، ونقول لهم إنه
لا يعنى بالمرة أن أميركا تعانى مأزقا ما أو أى شىء من هذا القبيل . ما
قلناه هو فقط إن القرارات الستراتيچية باتت معقدة جدا ، وتتخذ بواسطة حواسيب
ذكية تفوق بمراحل كل ما يخطر ببال أو بقدرات العقل البشرى . هذا معناه أننا
لا نعرف على وجه الدقة ما هى الخطوة التالية لأميركا . هذه قضية دقيقة وليس
فشلا مبدئيا فى التحليل منا . خذ مثالا الفرق فى الإجابة على كل من هذين
السؤالين : الأول أيها أجدى أى أقل تكلفة وأعلى عائدا البدء بغزو سوريا أم
بغزو إيران أم بغزو كوريا الشمالية ؟ الثانى هل حتى هناك ما هو أقل تكلفة
وأعلى عائدا من فكرة الغزو نفسها ؟ ربما نجيب بغير قليل من الارتياح بلا
على السؤال الثانى ، فيصعب للمرء تخيل أن ثم طريق آخر أفضل أو أسرع أو أكفأ
من الاحتلال المباشر مهما كانت تكلفته . هذا سؤال من الصعب أن تأتينا
الحواسيب فيه بنتائج مفاجئة ، وإن كان هذا واردا بعد وضع كل العوامل
معا ، فربما تكتشف مثلا أن تنمية سلاح معين سوف يحفز أو يعرقل الاقتصاد على
نحو تكون له آثار بعيدة المدى مثلا . هذه ليست لعبة ذكاء وحسب ، إنما
تعتمد أيضا على فيضان من المعلومات والمعارف وتحليلها . أو للدقة هى لعبة
ذكاء وحسب ، باعتبار أن ذكاء الآلات يأتى بكامله تقريبا من فيضان من
المعلومات والمعارف وتحليلها ( ارجع لكتابنا حضارة ما بعد الإنسان ) .
أما بالنسبة للسؤال الأول ، فمهما ذهبنا فى التحليل فيه ، فلن تجد أن
ثمة إجابة صحيحة وأخرى خاطئة . غزو سوريا وغزو كوريا وغزو إيران كلها
مطلوبة ، بل ( وهذا رد مباشر على تحليلات بعض القراء ) كلها ممكن
وعلى الفور . من حيث الاستطاعة نعم أميركا تستطيع كل شىء الآن ، وكل
شىء فورا ، بما فيه إسقاط عشر ريچيمات ناشر فى مجرد شهر واحد . من حيث
الجدوى قد لا يكون عمليا أو اقتصادى الكلفة أو قد يثير بعض ردود الفعل السلبية
( المؤكد أن ردود الفعل الإيجابية ستكون أكثر ) ، أيضا من المفيد
التريث قليلا حتى الرسو على طريقة مثلى لحكم العراق فى هذه الحقبة الجديدة تماما
فى تاريخ الإمپريالية العالمية ، أو حتى احتواء معارضة قيادات اليسار
العالمى للاحتلال ممثلا فى ريچيمى الجمهورية الفرنسية وروسيا بقرار من الأمم
المتحدة يكرسه ويقننه ( هذا تم اليوم وناقشناه للتو ) ، أو حتى
يمكن تمثل حجم المقاومة المنتظرة من الأيديولوچيين المحرضين أو
الانتحاريين ، إلى آخره . دور الحواسيب هنا هو دراسة مثل تلك الفروق
الدقيقة للغاية ، وربما يكون قراراها مثلا التجهيز لشىء أكبر كثيرا دفعة
واحدة لكن مثلا مع تأجيله لما بعد إعادة انتخاب الرئيس ، وهى فى حد ذاتها
حسبة أخرى بالغة التعقيد . خذ مثالا ملحوظتان علينا تحليلها وقراءة بعض مما قد
يكشف بعضا مما يجرى وراء جدار الصمت الواشينجتونى ( هل تخيل أحدا يوما أن
واشينجتون التى أسقطت نيكسون تعيش عاما كاملا بدون تسريبات صحفية غير
محكومة ؟ ) . الملحوظة الأولى أن قرر اليوم
الچنرال فرانكس التقاعد . منذ ذكرنا رامسفيلد بعد 11 ديسيمبر وهو يعد لغزو
أفجانستان بكلمة تشرتشل أن فى الحروب الحقيقة ثمينة بحيث يجب أن تحيطها بجيش من
الأكاذيب ، وأنا لا أتعامل بجدية كبيرة مع هذه الأخبار رغم علمى أنها ليست
من تلك المفبركة من مكتب عرفات أو مكتب الصحاف أو مكتب حسن نصر الله .
ونلاحظ أن فرانكس لم يقل شيئا بنفسه إنما مصدر عسكرى ينقل عنه . نقول صحت
أو كذبت فإنها أرسلت بالفعل رسائل محددة ، إما تعنى أنه غاضب لعدم حكمه
للعراق وأن البيت الأبيض أوراق لعب كما ريچيم صدام وأن بدأ طريقها
للتهاوى ، وإما تعنى ببساطة أنه ليست ثمة حروب قريبة ولا مبرر لإبقاء
عبقرية ذات هالة خاصة مثل فرانكس لمجرد مهام تافهة . العرب تعجبهم الرسالة
الأولى ، علما بأن الثانية أفضل بكثير ! ملحوظة ثانية جاءت اليوم
أيضا ، هى موافقة مجلسى الكونجرس بأغلبية ساحقة على زيادة هائلة فى الإنفاق
العسكرى ( علما بأن الرسالة المضمنة لا تتعارض ‑ولا يمكن أن تتعارض‑
مع أية رسالة أخرى سبق ذكرها ) . الملحوظة الثالثة المثيرة
للفضول ، أن الپنتاجون صامت وهادئ منذ أسابيع ، وتحديدا منذ أن تهديده
الزائف بغزو سوريا . أللهم اجعله خير ! هذه الملحوظات الثلاث مثال جديد للوضع الذى يصعب
فيه التنبؤ بذات الدقة القديمة . نقصد أنه لا تستطيع أن تحدد النقطة
بالضبط ، لكن يمكنك فقط الإشارة للاتجاه . وفى حدود كوننا لا نملك مثل
هذه الحواسيب نقول إن فى صمت الپنتاجون وفى بالونة استقالة فرانكس ، مؤشرات
لأن شيئا كبيرا ربما يعد فى صمت ( هل تعتقد أنه غزو إيران مثلا ؟ هل
تعتقد أنه لا شىء على الإطلاق ؟ ) . الإجابة : نحن لسنا
آلات ذكية ! اكتب رأيك هنا
[ تحديث :
31 مايو 2003 : پول وولفوويتز يقول إن الحديث عن
أسلحة الدمار الكتلى لدى العراق كان أمرا فرضته ’ الضرورات
البيروقراطية ‘ . جاء هذا فى مقابلة مع مجلة ڤانيتى فير ،
نقلته عنها الأسوشيتيد پرس اليوم ، ويمكنك قراءته فى موقع الإيه بى سى نيوز !
النص الأصلى الذى حصلت عليه الوكالة نقلا عن أوراق الپنتاجون كان أقوى من نص
المجلة المشذب بعض الشىء . النص الأصلى يقرأ كما يلى : The truth is that for reasons that have a lot to do with the U.S.
government bureaucracy, we settled on the one issue that everyone could agree
on which was weapons of mass destruction as the core reason . قبل
أربعة أيام كان دونالد رامسفيلد قد قال أمام مجلس العلاقات الأجنبية فى نيو
يورك ، إن من الجائز أن لا يتم العثور على اسلحة دمار كتلى فى العراق
أبدا ، وربما دمرها الريچيم قبيل بدء العمليات . الرائع فى كلا التصريحيين أنهما
يأتيان فى سياق التأهيل التدريجى
للشعب الأميركى لحقبة جديدة من الفكر الإمپريالى ، تلاحق فيها أميركا
الحكام المحليين عبر العالم لا بمعيار قوتهم أو خطرهم ، إنما بمقدار نشازهم
ومقاومتهم للحداثة ومعناها العلمنة زائد الاقتصاد الحر ،
إن لم يكن كما قلنا يوما ،
لمجرد أنهم ألقوا فى يوم من الأيام خطبة معادية للغرب أو لإسرائيل ] .
[ تحديث :
4 يونيو 2003 : پول وولفوويتز يقول أمام قمة أمنية
آسيوية فى سنجافورة ، إن الحرب على العراق لم تكن إلا بسبب أنه ’ يعوم
فى بحر من الزيت ‘ Let's look at it simply. The most
important difference between North Korea and Iraq is that economically, we
just had no choice in Iraq. The country swims on a sea of oil. ! نقلت هذا عنه
مجلتين ألمانيتين Der Tagesspiegel وDie Welt اليوم ، ونقلته
عنهما الجارديان اليوم
أيضا . برضه لسه الإجابة غلط مستر وولفوويتز . حتى لو قلت بكره الهدف
هو علمنة العرب والمسلمين برضه الإجابة لسه غلط . لغاية ما تقول إن السبب
أن العالم فى حاجة للتوحد تحت لواء إمپراطورية واحدة ، وأن أميركا باعتبارها
الوحيدة المؤهلة لهذا ، تقوم بهذا فعلا ، لا نملك سوى تكرار
النصيحة : الكدب ما لهوش رجلين ، أو عارف إيه الأسوأ من إن ما لهوش
رجلين ، إن ليه رجلين يغرسوك فى المكان الغلط ! ] .
23 مايو 2003 : پول بريمر يسرح اليوم
400 ألف عراقى جهابذتنا يقولون إن هؤلاء سيصبحون مقاومة
مسلحة . لأول مرة قد يكونون على حق . مع ذلك نقول : تصفية الجيش العراقى والحكومة العراقية قرار
صائب ، وسيظل صائبا مهما حدث . ولو ثبت أنه غير صائب ، فذلك لأن
ثمة ما هو أصوب : تصفية كل الشعب العراقى .
نأمل ألا تلزمنا الأيام فى الخوض فى هذا . فقط موضوعنا اليوم أن جهابذة
مراحيضنا الإعلامية رغم تشاؤمهم الجميل ، أو منظورهم هم هو تفاؤل
( ! ) ، لم يقتربوا ولو قيد أنملة من فلسفة قرار زج بمئات الآلاف
لجيوش البطالة ، أو حتى لجيوش الإرهاب . والسبب بسيط أن أولئك لا
يعيشون فى الدنيا كما تعرفها بقية البشرية . نحن لسنا ضد الانتقام ولا ضد قطع
رءوس كل القوميين والإسلاميين ومن شابههم فى عالمنا العربى المنكوب بهم ،
لكن قطعا هذه ليست فلسفة القرار لو أردتم الفهم . صحيح أن بريمر نفسه وصف
الأجهزة المسرحة بأنها كانت أدوات صدام القمعية ، لكن من يفهمها على هذا
النحو يخطئ فى فهم ما قد يأتى من خطوات تالية قد تكون محيرة جدا لدى
المقارنة . إنه الاقتصاد الحر يا
سادة ! هذا هو اسم اللعبة الجديد . تقليص الانفاق
الحكومى ، وبكلمات بريمر نفسه سيكون هناك جيش صغير جديد لكن عالى
الاحترافية . ولو اعتبرتم هذا انتقاما ، فماذا ستقولون حين يتم تسريح معظم
الوظائف فى كل الوزارات الباقية ؟ إنها طريق التحديث الدارونى لا يرحم ،
الاقتصاد الحر أسلوب الإبادة الأكثر عدلا على الإطلاق ، لكن قطعا لا وجود
لغيره . … ومع كل التمنيات ! اكتب رأيك هنا
3 يونيو 2003 : بوش وبلير غادرا قمة الـ G8 أمس ،
هل تريد إحساسنا الشخصى :
إنها قد لا تعقد ثانية أبدا ، ولو عقدت لن ينسى قط ما حدث اليوم . هل
تريد حلا وسطا : ربما يسمونها 2+6 ! طبعا لو لم يدعوا
لها هذا الحشد من العالم الثالث الذى جعلها هذه المرة قمة G82 ! الوقائع ؟ ليست مهمة جدا ! البيزنس كالمعتاد ،
هذا اليسار العالمى يساير أميركا على المائدة فى
الكلام ( مجرد الكلام ) عن أسلحة الدمار الكتلى والإرهاب ، بينما
يرسل بالوقود النووى لإيران ، وببيادقه ليتظاهروا عرايا ويصطدمون بالشرطة
على الضفة الأخرى من الشارع ، والمهم فى الحالتين أن تملأ أسماؤهم خطوط
الرأس فى الصحف ! اكتب رأيك هنا [ تحديث : 4 يونيو 2003 : فيما
يخص إشكالية الوقود النووى لإيران ، اليوم
تلاحقت تطمينات بلير ، ونفى روسيا ( على طريقة إهانات بشار الأسد المعتادة لبلير ! ) . الابتزاز الروسى متواصل للارتزاق
واللعب على الحبال ، تماما كما أيام الحرب الباردة . الفارق أن روسيا كانت
آنذاك قدرة عظمى ، والعالم الثالث هو اللاعب على الحبال ، والآن الحرب
بين أميركا وناشزى العالم الثالث ، وروسيا انحط بها الحال للعب على
الحبال ، لابتزاز بعض المكاسب من هذا الطرف تارة ، ومن ذاك تارة
أخرى . ما نجزم به أن العب غيرها أيها
الرفيق پوتين ، من الأفضل لك الالتفات لتنمية بلادك ، وتحديدا من خلال
ربطها بعجلة الاقتصاد الجلوبة ( تقرأ الأميركى ) ، فلن يجديك أى
شىء مهما جربت ، سوى هذا ! ] . 9 يونيو 2003 : هل مدبرو انقلاب أمس
على الرئيس الموريتينى معاوية سيد أحمد الطايع إسلاميون أم بعثيون أم مجرد ضباط
شبان طامحين للسلطة ؟ هل أجهضت طائرات النقل الأميركية ، أو بعض عناصر
من القوات الإسرائيلية الانقلاب ، من خلال نقل حشود القوات الموالية من
الأقاليم إلى نواكشوط ، أو غير ذلك ؟ أسئلة كثيرة قد لا تنكشف إلا بعد
مرور بعض الوقت . ما يعنينا فقط هو تلك المظاهرات التلقائية التى اندلعت
اليوم بعشرات الآلاف فى شوارع العاصمة بمجرد إعلان دحر الانقلاب . ببساطة
شعوبنا رغم كل الواقع عليها من قهر الشعاراتيين ، شعوب لا تريد إلا التنمية ،
وبالأخص لو كان هذا بمصانع وبضائع تحمل نجمة داود . وتفرق بسهولة بين
الزعيم الجاد غير الفاسد الذى يأتى بالأجانب من أجل تلك التنمية ، والزعيم
الديماجوجى الوطنجى أو القومجى أو الإسلامجى ، الذى يريد من خلال الشعارات
الاستئثار بفتات الثروة المتبقى فى دولة ’ الاستقلال ‘ لحزبه ،
أو أحيانا لمجرد أسرته . تهانينا للشعب الموريتينى ، ونصيحة للأخوان
المسلمين وللقوميين أو أيا من كنتم ، أن ادرسوا الأمر جيدا مرة أخرى ،
بالذات لو فيه شبهة تدخل لوچيستى أو استخبراتى أميركى أو إسرائيلى ، ذلك
إذا كنتم تعتقدون أن تغلغلكم فى جيش هذه الدولة أو تلك يؤهلكم قريبا لانقلاب
عسكرى فيها . الجيد فى انقلاب نواكشوط الفاشل ، أنه جعل الأمر أصعب
الآن عشر مرات بالنسبة لكم ، سواء من خلال المزيد من يقظة الحكام لأساليب
مؤامراتكم التحتية ، أو من خلال نضج جاهزية وخبرة أميركا وإسرائيل بكيفية
التدخل فى تلك الحالات ! اكتب رأيك هنا 13 يونيو 2003 : سقطت كل الأحجبة ! مظاهرات
الطلبة فى طهران لا تجرى فقط بفتيات خلعن أغطية الرأس بعد منتصف الليل ، بل
بشعارات واضحة ضد الدين والريچيم الإسلامى بمتشدديه و’ إصلاحييه ‘
سواء بسواء ! صحيح أن الإمپراطورية الأميركية المجاورة فى العراق ، هى
الحاضر الغائب فى هذه المظاهرات ، وهى الباعث على الحلم الجديد بالخلاص
الجذرى عند طلبة إيران ، لكن عندنا تجد المكان الطبيعى لمثل هذه القصة عن
الدين ، من حيث كونه عدوا لدودا للحريات القاعدية لبنى الإنسان ، ومن
حيث رغبة البشر الخالدة فى التحرر من قمعه وطغيانه ، هو صفحة
الحضارة . فإلى هناك !
21 يونيو 2003 : خبر سعيد أن الجنود
الأميركيين قاموا اليوم
بغارتهم على أن الموضوع لا يبدو سعيدا جدا حين تتعمق
فيه . لأن السؤال هل سينجحون ، وتركب الڤالكيرات بالفعل غائرة
منتصرة ثم عائدة لڤالهالا بالشهداء الأمجاد للحياة الأبدية مع الإله
أودين ؟ الحقيقة لا أجابة جاهزة الآن . ربما ينجحون ، وفى هذا السيناريو لا نملك سوى
القول كعادتنا التقنية هى اسم اللعبة . لا مفر من المزيد من التجهيزات
لحماية الجنود ، والمزيد من تنمية العقاقير المتطورة لانتزاع
الاعترافات ، وكذا تنمية المجسات الإشعاعية لكشف المتفجرات والأسلحة عن بعد
أو حتى لو خبأت تحت الأرض ، وهلم جرا من التقنيات التى قد تجعل العمليات
الإرهابية فكرة مستحيلة . ببساطة ، لأنه ما عدا ذلك لا نملك سوى طرح
فكرة الإبادة من جديد .
نعم كل شعوب العالم تحلم بحكم
أميركا لها ، لقد فاض كيل الجميع من تجربة الاستقلال والعزة والكرامة إياها
التى تعرفها أنا وأنت . لكن سيظل إلى أبد الدهر ما أسهل أن تختطف حفنة من
المحرضين من مهوسين دينيين أو قوميين هذا الحلم . هم يعيشون وسط هذه الشعوب ،
ولا يعرف الأب منا شيئا عن حياة الجهاد الخفية لابنه . هذه وضعية بلا حل . وليس كل
من قتل من الهنود الحمر أو الأبوريچين هم قتلة وسفاحون أو حتى عنيدى
الرأس . المؤكد أن أبرياء كثيرون قد ضاعوا . لكن هل من بديل ؟ … أنا أعلم أن المشكلة ليست تقنية
أو عسكرية محضة ، وأن العقدة تكمن دائما فى ضعف العقل ، ضعف عاصمة
الإمپراطورية ، الضعف الباطنى الذى يأكل الروح والإرادة من الداخل . [ للأسف بعض الشواهد المبدئية تؤكد هذا . أسوأها حتى
اللحظة أنهم قد عهدوا ليهودى يسارى بكتابة دستور العراق . هذا الشاب الذى
يدعى نوح فيلدمان يبدو أنه اشترى بالفعل
بضاعة الأخوان المسلمين ، القائلة بأن من الممكن أن يكون هناك إسلام معتدل
وآخر متطرف . وهو الآن يعيد اختراع العجلة من جديد ، مراهنا على ما
يسميه مصالحة تاريخية بين الإسلام والديموقراطية ، وكأن شعوبنا لم تدفع من
ماضيها وحاضرها ثمنا مرعبا لذلك الإسلام المعتدل ] . من هنا فالسؤال الحقيقى هل
الكاپيتول مستعد حقا للمسارعة قبل فوات الأوان لتقنين الإبادة وتفصيل حالاتها
وشروطها وضوابطها ، ومن ثم ستنعم سماؤه كما الأيام الخوالى بألعاب النار
الشهيرة ، أم يتقاعس ويجفل وتستحيل ساحته مرة أخرى مسرحا لحركات السلام
الانهزامية الداعية لعودة الجنود الأميركيين من ’ المستنقع ‘
العراقى ؟ المؤكد أن أميركا لا تستطيع
الانسحاب وإلا تركت العراق صومالا أو بيروتا جديدة ، حروبا أهلية ومرتعا
لحركات التطرف من كل طيف . لكن المؤكد أيضا أنها لا تعرف بعد الثمن
الأخلاقى الحقيقى للنصر فى المعركة ضد الإرهاب . اكتب رأيك هنا
8 يوليو 2003 : المزيد من شعوب العالم تتظاهر مطالبة
باحتلال عسكرى وحكم مباشر أميركيين لبلادها . هذا
كان المشهد المشهود … البقية تأتى ! اكتب رأيك هنا
[ تحديث : 21 أغسطس 2003 : اليوم
اختارت ليبيريا رجل بيزنس رئيسا لحكومتها المؤقتة . الاسم تشارلز جايود
برايانت ، والميول محافظة ، بل ومسيحية پروتستانتية لحد ما .
يقول إنه سيتسخدم الأمرين معا لإجراء المصالحة القومية ، لكن ما يهمنا أكثر
ولو مؤقتا ، هو دلالة الشق الأول ، أن ذهبت الشعارات وأتى
البيزنس ، بروحه وعقله . وليصبح سمة لعصر ما بعد ذوى الشعارات
والوطنية والطريق الثالث أو أيا ما كان هراء عصر تايلور البائد . هذا مؤشر
جديد لما يجب أن تكون عليه قيادات العالم الآن ومستقبلا ، ومؤشر لأن
الاقتصاد الحر ، أو الجلوبة ، أو سمها الأمركة لو شئت ، ولا تنس
العلمنة طبعا ، هى القانون ، بل هى الأمل الوحيد فى ازدهار أى
شعب . كل التمنيات للشعب الليبيرى .
تمنيات مستحقة لشعب أثبت على نحو لا يحتمل اللبس أنه أبعد ما يكون عن عقلية
الهنود الحمر ، و… العرب ! ] . |
| FIRST
| PREVIOUS
| PART IV | NEXT | LATEST |